بسم الله الرحمان الرحيم
** أثر الطبع على الداعية ..
الناظر في واقع كثير من الدعاة يجد الأثر السلبي لطباعهم على حياتهم الدعوية.. ، مما يستدعي التنبيه على هذا الأمر ..، حتى لا نلبس لفعال وأقوال لباس الشرع وقد خرجت على وفاق الطبع (!!) ..
ومن صور هذا الأثر :
الترخص المذموم في الأحكام بسبب ميل شديد في الطبع إلى التساهل ..
أو غلو وتنطع في الأحكام بسبب ميل في الطبع إلى التشدد ..
فدين الله على النمط الوسط بلا وكس ولا شطط .. ، والغلو يقابله الخلو .. ، فاحذر - عبد الله - من التنطع .. ، وكن بمعبدة عن التميع..
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - :" فدين الله بين الغالي فيه والجافي عنه ، وخير الناس : النمط الوسط ، الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين ، ولم يلحقوا بغلو المعتدين .. ، والآفات تتطرق إلى الأطراف ، والأوساط محمية بأطرافها ، فخيار الأمور أوساطها " الإغاثة 1/182 .
فليست الوسطية بمجاوزة للحد الشرعي ومقداره ورسمه.. ، ولا بانسلاخ عن الدين وتنكب الطريق المستقيم .. فتذكر .. فإن " الله تعالى ما أمر عباده بأمر إلا اعترض الشيطان فيه بأمرين لا يبالي بأيهما ظفر : إما إفراط فيه ، وإما تفريط فيه " الفتاوي 2/ 236 .
ومن صور أثر الطبع على الداعية كذلك :
برود عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لانهزامية وخنوع في الطبع..
أو تجاوز للحد عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لانفعال واندفاع مذموم وتهور في الطبع ..
فاياك وقسوة القلب وبروده بدعوى الصبر .. ، واحذر من التهور وانزعاج الأعضاء وردود الفعال والانفعال بدعوى الشجاعة ..
قال شيخ الإسلام - رحمه الله - في سياق الكلام عن الشجاعة والقوة : " .. والمحمود منهما ما كان بعلم ومعرفة ، دون التهور الذي لا يفكر صاحبه ولا يميز بين المحمود والمذموم ؛ ولهذا كان القوي الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب حتى يفعل ما يصلح دون ما لا يصلح فأما المغلوب حين غضبه فليس هو بشجاع ولا شديد " الاستقامة 2/ 270.
وليعلم - عند هذا الحرف من الكلام - أن أشد الناس انفعالا واندفاعا وتهورا يصيررن - عادة - أشد الناس جزعا وخنوعا وانهيارا وانهزاما ..
قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله - : " وكثير من الناس إذا رأى المنكر ، أو تغير كثير من أحوال الإسلام ، جزع وكل وناح كما ينوح أهل المصائب ، وهو منهي عن هذا ، بل مأمور بالصبر والتوكل ، والثبات على دين الإسلام ، وأن يؤمن بالله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ، وأن العاقبة للتقوى " الفتاوي 18/ 295.
وختاما :
القصد من هذا المرقوم أن يحذر الداعية إلى الله خاصة من أثر طبعه في دعوته تقريرا وقولا وفعلا وأمرا ونهيا وترغيبا وترهيبا وصدعا بالحق ..
وليس المراد أن يخرج المرء عن طبعه بالكليه وينفك عنه تماما.. فهذا محال (!) ..، وإنما يعالجه بالاتزان والاعتدال.. ، و يلجمه بالآداب المحمدية ..، والخصال المصطفوية.. ، ويستحضر كونه محكوما عليه لا حاكما..
ولذا أثر عن الجنيد - رحمه الله - قوله : " الإنسان لا يعاب بما في طبعه ، إنما يعاب إذا فعل ما في طبعه (!) " الحلية ( تهذيبه ) 3/381.
وإحكام شأن الطبع أيها الداعية بجعل العلم و التعقل والرزانة مهيمنة عليه فتأمل .. وبالامتثال تجمل..
وصدق الإمام ابن حزم - رحمه الله - لما قال : " ولا تكون مغالبة الطبع الفاسد إلا عن قوة عقل فاضل " مداواة النفوس ص : 79 .
والله المستعان...
كتبه :
أبو أويس رشيد بن أحمد الإدريسي الحسني - عامله الله بلطفه الخفي وكرمه الوفي -