أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا
36292 | 97777 |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
المقدمات العشرة في فن العقيدة ( الجزء الأول ) للشيخ أبي شكيب الصالحي.
المحصول في شرح الثلاثة الأصول ( الدرس الأول _ مادة صوتية مفرغة ) لفضيلة الشيخ أبو شكيب الصالحي _ حفظه الله _ . الحمد الله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على محمد بن عبد الله ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد : فهذا المجلس الأول في شرح كتاب " الثلاثة الأصول " للشيخ محمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله _ . ومن اللطائف : أنني أروي كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالإسناد العالي والنازل عن جمع من الشيوخ المعاصرين ، وكبار العلماء العاملين ، ولا أعرف _ على قلة إطلاعي ! _ أن هناك إسنادا أعلى من الذي أحمله في رواية كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله _ . وأرويها من طرق كثيرة ، منها ( على سبيل المثال ) : أولا : عن شيخنا العلامة الفقيه المعمر شيخ الحنابلة عبد الله بن عبد العزيز بن العقيل ، عن أبي محمد عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي ، عن احمد بن سالم البغدادي ، عن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب ، عن جده محمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله تعالى _ ،وبهذا السند يكون بيني والشيخ محمد بن عبد الوهاب أربعة رجال ، وهو سند عال. وعن شيخنا عبد الله بن عبد العزيز بن العقيل ، عن محمد بن أحمد بن سعيد ، و محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ ، كلاهما : عن سعد بن حمد بن عتيق ، عن عبد الرحمن بن حسن ، عن جدهمحمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله تعالى _ ، وهذا سند عال أيضا ، حيث أرويه بواسطة أربعة رجال عن المؤلف . ثانيا : وعن شيخنا العلامة المحدث يحيى بن عثمان عظيم آبادي ، عن أبي محمد عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي ، عن احمد بن سالم البغدادي ، عن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب ، عن جده محمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله تعالى _ ، وبهذا السند يكون بيني والشيخ محمد بن عبد الوهاب أربعة رجال ، وهو سند عال . وأنزل من هذه الأسانيد : ثالثا : وعن شيخنا العلامة اللغوي المحدث محمد بن علي بن آدم الأثيوبي ، عن محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني ، عن عبد الله بن محمد غازي ، عن عبد الحق الإلهي آبادي ، عنعبد الغني المجددي ، عن محمد عابد السندي ، عن عبد الله بن محمد النجدي ، عن أبيه الشيخ محمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله تعالى _ ، وبهذا السند يكون بيني والشيخ محمد بن عبد الوهاب سبع وسائط . رابعا : وعن شيخنا العلامة المفسر اللغوي محمد أمين بن عبد الله الهرري ، عن محمد ياسين الفاداني ، عن السيد علي بن علي الحبشي المدني ، و عبد الستار الدهلوي المكي ، كلاهما : عن الكياهي نووي بن عمر البنتني ، عن عبد الصمد بن عبد الرحمن الفلبماني ، و أرشد بن عبد الصمد البنجري ، كلاهما : عن محمد مرتضى بن محمد الزبيدي ، عن الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني ، عن عبد الله بن محمد ، عن أبيه محمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله تعالى _ ، وبهذا السند يكون بيني والشيخ محمد بن عبد الوهاب أنزل من الذي قبله بواسطة واحدة ، والله المستعان . وفي هذه المجموعة التي ذكرناها من الأسانيد كفاية ، والله ولي العناية . والله اسأل أن يعلمنا وإياكم ما ينفعنا ، وينفعنا بما علمنا ، ويحسن خواتمنا في الأمور كلها . والليلة _ بإذن الله _ : نتعرف سويا على مادة علم العقيدة على وجه الإجمال ، وندع التفصيل ، مع إبراز الدليل ، واستحضار التعليل إلى وقته ، والله المعين . اعلموا _ يارعاكم الله _ : قبل الشروع في شرح هذه المادة العقدية ، لابد لطالبها أن يتصورها ، إذ لا ينبغي لطلاب العلم الإقدام على دراسة علم من العلوم ، وتحصيل فن من الفنون ، قبل أن يعرف ماهيته ، فلا يستفتح الطالب مادة علمية كالأصول ، أو القراءات ، أو اللغة ، أو التفسير ، أو الفقه ، إلا وعرف جملة هذا العلم : بحده ، واستمداده ، ومسائله ، وثمرته ، وواضعه ، واسمه ، وحكم الشارع فيه ، ونسبته ، وموضوعه ، وبهذا يحقق لنفسه المبادىء الكلية المتعلقة بالفن الذي استشرف دراسته . ولهذا جرت العادة عند العلماء _ رحمهم الله _ أن يذكروا هذه المقدمات عن العلم الذي يشرعون في شرحه ، وقد نظمها ابن الصبان _ رحمه الله _ صاحب الحاشية المشهورة على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك ، فقال ابن الصبان : إن مبادىء كل فن عشرة ** الحد والموضوع ثم الثمرة ونسبة وفضله والواضع ** والاسم الاستمداد حكم الشارع مسائل ، والبعض بالبعض اكتفى ** ومن درى الجميع حاز الشرفا وقال غيره _ ناظما لها _ : إن مبادىء أي علم كانا ** عشر تزيد من درى عرفانا الحد والواضع ثم الاسم ** والنسبة الموضوع ثم الحكم وغاية وفضله استمداد ** مسائل بها الهنا يزداد وغاية ذكرهم لهذه المقدمات في طليعة الفنون يعود إلى أمرين : الأمر الأول : لتصور ماهية العلم ، وقد شرحناها . الأمر الثاني : لتنشيط الطالب في تحصيله ، ومعرفة موقعه ، واعانته في الطريق . وجريا على سبيل أهل العلم ، فإن درسنا الليلة سيكون حول بعض هذه المبادىء العشرة للتعريف بعلم العقيدة ، ونرجىء بقيتها إلى الدرس القادم ، ولذا نقول : المبدأ الأول : الحد . قال ابن الصبان : إن مبادىء كل فن عشرة ** الحد ... ... ... ... ... والمقصود منه التعريف ، ولهذا يقال له : " القول الشارح " عند المناطقة ، فما هو حد علم العقيدة ؟ الجواب : هذه الجملة " علم العقيدة " مركبة من كلمتين ، وهما : " العلم " و " العقيدة " ، وقد درج العلماء عند تعريف المركبات الإضافية كــ " علم العقيدة " ، و " علم الأصول " ، و " علم القراءات " : أن يبداؤا بتعريف مفرديه أولا ، فيعرفوا اللفظ الأول " العلم " ، ثم اللفظ الثاني " العقيدة " ، وبعد ذلك : يعرفونه من جهة كونه مركبا تركيبا إضافيا ، باعتباره لقبا على هذا الفن ثانيا . وعلى منوالهم نعرف " علم العقيدة " بمفرديه أولا . اللفظ الأول : العلم ، وهو : إدراك الشيء على ما هو عليه ، أعني : إن وافق التصور الذهني الواقع الخارجي فطابق الحقيقة سمي علما ، ولهذا قال ابن القيم _ رحمه الله _ في " الفوائد " : " فإن كان الثابت في النفس مطابقا للحقيقة في نفسها فهو علم صحيح " . ولا يختص العلم بالمقطوع المجزوم ؛ إذ أن الظن الغالب من جملة اليقين ، كما سماه الله بذلك عندما قال : (( فإن علمتموهن مؤمنت )) يقصد : إن غلب ظنكم على كونهن مؤمنات ، ولا سبيل للتأكيد على أمر باطني غيبي ، والحكم على الظواهر ، ولهذا كان الحكم بإيمانهن من بابة غلبة الظن ، ووصفه الله بصفة العلم . والعلم في الاصطلاح ، يطلق على ثلاثة أمور ، أشار لها صديق حسن خان _ رحمه الله _ في كتابه : " أبجد العلوم " ، وهذه الثلاثة : أولا : يطلق العلم على مسائله المبحوثه فيه . ثانيا : يطلق العلم على إدراك هذه المسائل . ثالثا : يطلق العلم على ملكة إدراك المسائل ، أعني : الطريقة . اللفظ الثاني : العقيدة ، وهي لغة : مأخوذة من العقد ، على وزن " فعيلة " بمعنى : " مفعول " ، أي : معقود . والعقد : ربط الشيء ، كعقد الحبل إذا شددت بعضه على بعض ، وهذه المادة " العقد " تدور على اللزوم والتأكيد والإحكام والإبرام ، فمفهوم القصد ظاهر فيها ، حيث قال الله تعالى : (( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان )) والأيمان المعقودة المبرمة لابد فيها من القصد والعزم لتدل على اللزوم والتأكيد ، بخلاف اللغو فيها المفارق لمعنى العقد . وقد أطلق الله على الوثائق اسم العقد ، فقال : (( أوفوا بالعقود )) ، والعقود جمع عقد ، والمناسبة في تسمية الوثائق بين الناس بالعقود لما تحمله من معاني الإلزام بما ورد في الوثيقة بين المتعاقدين . ولذلك ناسب أن يقال عن العقيدة أنها عقيدة ، للإشارة إلى الجزم الحاصل في قلب المعتقد ، وحينها تكون صحيحة إن وافقت المنقول ، وقد امتدح الله جماعة الإيمان بقوله : (( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا )) ، والريب نقيض اليقين ، وذكر الله مفردات من العقيدة مع تقييدها بنفي الريب عنها إشارة إلى معنى الجزم والتأكيد ، فقال عن القرءان :(( ذلك الكتاب لا ريب فيه )) إثابتا أن القرءان كلام الله مصدر هداية وتسديد ، ومنبع توفيق وتقويم ، فهذه عقيدة لا ريب فيها ، وقال عن اليوم الآخر : (( ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه )) إثباتا ليوم الدين ، والبعث والنشور ، فهذه عقيدة لا ريب فيها . ومع مدحه لعقيدة أهل الإسلام بكونها على وجه اللزوم والتأكيد ، ذم على وجه التوبيخ ، وحكاية التقريع عقائد المشركين لكونها متذبذبة لا قرار لها ، حيث قال : (( وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددن )) ! فإذا علم هذا ، يقال العقيدة في الاصطلاح : ما أشار إليه رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ في حديث جبريل _ عليه السلام _ عند مسلم في " الجامع الصحيح " حينما عرف الإيمان بقوله : " الإيمان أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره " . إذن ؛ العقيدة في الاصطلاح الشرعي تدور حول أركان الإيمان المذكورة في حديث جبريل _ عليه السلام _ ، كالإيمان بالله واسمائه وصفاته ، وملائكته وما يتعلق بهم ، وكتبه المنزلة وما تختص به ، ورسله الكرام _ عليهم السلام _ وما يندرج في مباحثهم كالمعجزات ونحوها ، واليوم الآخر وما فيه من البعث والنشور والحشر ، وعذاب القبر ، والقدر خيره وشره ، وما يتصل به من مسائل التكليف ، وأفعال العباد ، والقدرة ، وما أشبه ذلك . وهذه الأركان مدارها على الغيب ، ولا سبيل له إلا عن طريق الوحي ، وهذه صفة ممدوحة في المؤمنين ، كما قال رب العالمين : (( الذين يؤمنون بالغيب )) . ولكن ؛ الإيمان بالرسل غيب إلا عند أقوامهم الذين صدقوهم ، فهم من جهة كونهم مرسلين من الله تعالى إيمان بغيب ، ومن جهة أدراكهم لرسولهم واجتماعهم بهم من حيث الوجود إيمان بحس وشاهد ، وكذلك يقال في الإيمان بالكتب المنزلة على وفق التفصيل السابق . وبهذا نكون قد انتهينا من شرح مفردات جملة " علم العقيدة " بكونها ألفاظا مفردة ، ونستهل شرحها الآن من جهة مجموعها جملة مركبة ، تركيبا إضافيا ، على كونها لقبا لهذا الفن " علم العقيدة " . فيقال " علم العقيدة " ، هو : " العلم بالأحكام الشرعية المكتسب من الأدلة المرضية " . فعلم العقيدة لا يقتصر على ذكر مسائله ، وبيان مباحثه ؛ بل يشمل كيفية إدراك مسائله ، والاستدلال لمباحثه ، كمعرفة مصادر التلقي فيه ، وطرق عرضه ، وآثاره . المبدأ الثاني : الموضوع . قال ابن الصبان : إن مبادىء كل فن عشرة ** الحد والموضوع ... ... ... .. . ما هو موضوع علم العقيدة ؟ الجواب : قبل سياق موضوع علم العقيدة لابد أن تعرفوا أن الموضوع عند الأصوليين ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيه كما قال ابن النجار الحنبلي _ رحمه الله _ في " شرح الكوكب المنير " . فعلم الفقه _ على سبيل المثال _ موضوعه أفعال المكلفين ، فيبحث فيه عما يعرض لهذه الأفعال من الأحكام الشرعية . وكذلك علم العقيدة ، موضوعه أركان الإيمان الستة : " الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره " . فيبحث فيه _ على سبيل المثال _ فيما يتعلق بذات الله ، وما لها من صفات الكمال ، والأسماء الحسنى ، وقواعدهما ، وما يستحيل عليه _ تبارك وتعالى _ ويمتنع ، وحقه على عباده ...الخ . وما يتعلق بذاوت الرسل _ عليهم السلام _ ما يلزمهم ، ويجب في حقهم ، أو يجوز ، وما يستحيل في شأنهم ، وما لهم من الأمور كالاتباع والتعظيم والمحبة . وما يتعلق بالسمعيات كالإقرار بها ، والمرور عليها بالإثبات بما ورد فيه السمع ، وتفويض دون ذلك ، ومعرفة حال النقل مع العقل ، والموقف منهما في الاستدلال والتلقي ، ونحو ذلك . وما يتعلق بالمعاملات ، كمعاملة الصحابة _ رضي الله عنهم _ ، وولاة الأمر ، وأهل البدع ، والحسبة الشرعية ، فهذه المعاملات تذكر ضمن مواضيع علم العقيدة . إيقاظ نفيس : لكن ؛ نجد بعض أهل السنة يوردون مجموعة من المسائل الفقهية ضمن كتب الإعتقاد ، كأبي جعفر الطحاوي _ رحمه الله _ حيث أورد مسألة : " المسح على الخفين " ضمن عقيدته المشهورة بــ : " العقيدة الطحاوية " فقال فيها : " ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر ، كما جاء في الأثر " . ولم ينفرد الطحاوي بهذا الصنيع من إيراده لهذه المسألة الفقهية ضمن مواضيع علم العقيدة في متنه المشهور " العقيدة الطحاوية " ؛ بل أورد مسألة المسح على الخفين جمع من سادات أهل السنة وكبرائهم كأبي الحسن الأشعري _ رحمه الله _ في كتابه : " الإبانة عن أصول الديانة " ، وابن بطة العكبري _ رحمه الله _ في كتابه : " الإبانة الصغرى " ، وأبي محمد البربهاري _ رحمه الله _ في كتابه : " شرح السنة " ، وابن خفيف _ رحمه الله _ في " عقيدته " ، وأبي عمروالداني _ رحمه الله _ في كتابه : " الرسالة الوافية " . مع أن هذه المسألة فقهية ؛ فكيف يوردها هؤلاء في هذه المصنفات العقدية ؟! هم _ أعني _ : أهل السنة يذكرونها في مصنفاتهم العقدية لا لكونها بذاتها من مسائل المعتقد ، بل لكون الرافضة والخوارج اتخذوا القول بتحريم المسح على الخفين شعارا ضمن أصولهم ، عد عليه المباينة والمفارقة ، فاورد أهل السنة هذه المسألة الفقهية ضمن المصنفات العقدية ردا على أهل الأهواء والبدع لكونهم اتخذوها أصلا ، فجعلها أهل السنة دليل مفارقة ، وعلامة كاشفة بين أهل السنة والروافض والخوارج ، ولذا قال شيخ الإسلام _ رحمه الله _ في " مجموع الفتاوى " : " وكان سفيان الثوري يذكر من السنة المسح على الخفين ، لأن هذا كان شعرا للرافضة " . نعم ؛ فقد أسند اللالكائي _ رحمه الله _ في " أصول السنة " عن سفيان الثوري _ رحمه الله _ عندما سأل عن معتقده ، فأجاب السائل ، ومن ضمن ما حكاه في عقيدته : " المسح على الخفين " . وكذا أسند اللالكائي _ رحمه الله _ في " أصول السنة "عن عبد الله بن سهل التستري أنه عد المسح على الخفين من خصال أهل السنة . بل ؛ ذكر جمع ممن صنف في العقيدة مسائل أخرى فقهية كانت علامة فارقة بين أهل السنة وأهل البدع ، وعلى سبيل المثال : أولا : ذكر أبو محمد البربهاري _ رحمه الله _ في " شرح السنة " جواز الصلاة بالسراويل مخالفة للحرورية . ثانيا : ذكر ابن بطة العكبري _ رحمه الله _ في " الإبانة الصغرى " و" الكبرى " أن من السنة ألا تجهر بالبسملة ، وكذا سفيان الثوري _ رحمه الله _ فيما أسند عنه اللالكائي في " أصول السنة " استحب عدم الجهر بالبسملة ، وأرادو في ذلك مخالفة الروافض الذين يستحبون الجهر بالبسملة في مواضع الإخفات ، كما أشار شيخ الإسلام _ رحمه الله _ إلى ذلك في " مجموع الفتاوى " ، وإن كانت المسألة في محل خلاف بين أهل السنة أنفسهم . لكن ؛ لما كانت شعارا للرافضة الجهر بها في مواضع الإخفات ، أظهر أهل السنة مخالفتهم ، وأوردوا في كتبهم العقدية أن السكوت أولى عملا بمصلحة المخالفة التي هي آكد من مصلحة كونها مستحبة _ أي : الجهر بها عند بعض الفقهاء _ ، ومن بديع تأصيلات شيخ الإسلام _ رحمه الله _ أنه قال في " منهاج السنة النبوية " : " الذي عليه أئمة الإسلام أن ما كان مشروعا لم يترك لمجرد فعل أهل البدع ، لا الرافضة ولا غيرهم ، وأصول الأئمة كلهم توافق هذا " . ثم قال : " فالجهر بالبسملة هو مذهب الرافضة ، وبعض الناس تكلم في الشافعي بسببها ، ونسبه إلى قول الرافضة والقدرية ؛ لأن المعروف في العراق أن الجهر كان من شعار الرافضة ، حتى إن سفيان الثوري وغيره من الأئمة يذكرون في عقائدهم ترك الجهر بالبسملة ، لأنه كان عندهم من شعار الرافضة .... ، ومع هذا فالشافعي لما رأى أن هذا هو السنة كان ذلك مذهبه وإن وافق الرافضة " . ثم قال : " إنه إذا كان في فعل مستحب مفسدة راجحة لم يصر مستحبا ، ومن هنا ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض مستحبات إذا صارت شعارا لهم ، فإنه لم يترك واجبا بذلك ، لكن في إظهار ذلك مشابهة لهم ، فلا يتميز السني من الرافضي ، ومصلحة التمييز عنهم _ لأجل هجرانهم ومخالفتهم _ أعظم من مصلحة هذا المستحب ، وهذا الذي ذهب إليه يحتاج إليه في بعض المواضع إذا كان في الاختلاط والاشتباه مفسدة راجحة على مصلحة فعل ذلك المستحب ، لكن هذا أمر عارض لا يقتضي أن يجعل المشروع ليس بمشروع دائما " . ثالثا : مثال آخر : ذكر ابن بطة العكبري _ رحمه الله _ في " الإبانة الصغرى " مسألة فقهية ، وهي : " المبادرة بصلاة المغرب " إذا دخل وقتها ، والباعث إلى ذلك أنه أراد مخالفة اليهود والروافض ، كما قال شيخ الإسلام _ رحمه الله _ في " منهاج السنة " والأمثلة كثيرة جدا لا مجال لذكرها ، ونكتفي بما يقوم به البيان ، والله المستعان . المبدأ الثالث : الثمرة . قال ابن الصبان : إن مبادىء كل فن عشرة ** الحد والموضوع ثم الثمرة ما ثمرة علم العقيدة ؟ الكلام فيها طويل ؛ فثمرات علم العقيدة لا تكاد تنحصر على كثرتها ، ولا تكاد تذكر _ كلها _ على وفرتها ، ومن أعظم الثمرات على الإطلاق وأعلى الغايات ، وأجل الأغراض : ثمرة معرفة الله تعالى ؛ إذ أن معرفته _ تبارك وتعالى _ غاية المطالب ، وأشرف المقاصد ، فقال : (( وما خلقت الجن والغنس إلا ليعبدون )) ، وأرسل الرسل لهذه الغاية ، فقال : (( ولقد بعثنا في كل امة رسولا أن عبدوا الله ما لكم من إله غيره )) ، وقال : (( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )) ، وأنزل الكتب موضحة معالم الطريق ، ومرشدة سبل الهداية لهذه المعرفة الربانية ، فمن وجد الله فمن فَقَدَ ؟! وقد تكاثرت كلمة السلف _ رحمهم الله _ في بيان أن العلوم بنوعيها الأصل الذي يحوي الكتاب والسنة ، والآلة كالتفسير ، واللغة ، والأصول ، والعقيدة ، ما هي إلا وسائل ، فإن كل العلوم وسائل لتحقيق الغاية العظمى : " معرفة الله " . فمن عرف الله ، وتعرف على أسمائه وصفاته فماذا جهل ؟! وإلى الله المشتكى من أقوام انتسبوا إلى العلم وجماعة العلماء ، وقد اشتغلوا بالنظر ، بشتى صنوفه ، وتعدد فنونه ، وغفلوا أن معارفهم التي احتوتها صدورهم لا تخرج عن كونها من جملة الوسائل ! فظنوا أنها هي الغايات فضلوا وأضلوا ، وأشغلوا الناس بغير ربهم ، فضاعت التربية التي لابد من اقترانها بالتصفية ، حتى آلت دعوتنا _ والله المستعان _ دعوة تصفية لا تربية فيها إلا من رحم الله !! وياليت أن التصفية تمت فكفت ؛ بل إن الانفصام النكد بين التربية والتصفية أثر سلبا على التصفية حتى عدنا نرى طلابا للعلم في الصور بلا علم في الحقيقة ، مقصدهم الرفعة والنيل من الكبار باسم الجرج والتعديل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ! المبدأ الرابع : النسبة . قال ابن الصبان : إن مبادىء كل فن عشرة ** الحد والموضوع ثم الثمرة ونسبة ... ... .... .... ... ** ... ... .... .... .... ..... النسبة ، والمقصود منها : بيان نوع العلاقة بين العلوم ؛ إذ أن العلاقة بين العلوم تتردد بين أربع أنواع : الترادف ، والتباين ، والتداخل ، والتقاطع ، فما هي نسبة علم العقيدة إلى بقية العلوم ؟ الجواب : الأصل أن علم العقيدة هو القاعدة لسائر العلوم الشرعية ، وشتى الفنون المرعية ، فكل علم هو فرع عن علم العقيدة ، لذلك قال أبو العون السفاريني _ رحمه الله _ في " منظومته " : وبعد فاعلم أن كل العلم ** كالفرع للتوحيد فاسمع نظمي فالتوحيد يدعوا إلى الإخلاص ، فكيف تصح بقية العلوم بدونه ؟! لكن ؛ علم العقيدة مع بقية العلوم على جهتين : الجهة الأولى : جهة العموم ؛ فعلاقة علم العقيدة ببقية العلوم علاقة تباين واختلاف ، فمسائل المعتقد وأبوابه تختلف عن مباحث العلوم الأخرى كالأصول والفقه والحديث . الجهة الثانية : جهة الخصوص ؛ فعلاقة علم العقيدة من حيث بعض مسائله مع بعض مسائل العلوم الأخرى قد تكون علاقة ترادف نسبي ، ولذا اشتركت بعض أبواب بين علمي العقيدة والأصول ، فمن هذه الجهة المقيدة يصح أن تكون العلاقة ترادفية نسبية لا مطلقة . المبدأ الخامس : فضله . قال ابن الصبان : إن مبادىء كل فن عشرة ** الحد والموضوع ثم الثمرة ونسبة وفضله .... .... ..... ** ... ... .... .... .... .... فما فضل علم العقيدة ؟ فضله أكبر من أن يحصر ، وأوسع من أن يذكر ، ولكن بالجملة يظهر فضل علم العقيدة من جهتين : الجهة الأولى : من جهة موضوعه ، وذلك أن شرف العلم متعلق بشرف معلومه ، فلما كان علم العقيدة موضوعه متعلق بالذات الإلهية ، وأركان الإيمان ، ظهر شرفه ، وكيف لا يكون شريفا عظيما وموضوعه ما يتعلق بالله تعالى . الجهة الثانية : من جهة الخصوص ؛ فالحياة السعيدة في الدار الفانية لا تتحقق إلا به ، كما قال : (( ومن يعمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة )) ، وضدها الاعراض كما قال تعالى : (( ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكه )) . وهو شرط لقبول العمل الصالح والانتفاع به ، كما قال تعالى : (( فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له لكتبون )) ، وقال : (( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاؤلئك كان سعيهم مشكورا )) . وإلا للزم خسران العمل الصالح ، كما قال : (( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكنن من الخاسرين )) . بل علم العقيدة نور هداية ، وحياة للروح والقلب ، كما قال الله : (( أومن كان ميتا فأحيينه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها )) ، وقد وصف الله ذلك العلم المرشد لمهيع الأنوار ، والدال لمناهج الأخيار ، وكاشف الغشاوة عن الأبصار ، بقوله : (( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري الكتب ولا الإيمان ولكن جعلنه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا )) . المبدأ السادس : الواضع . قال ابن الصبان : إن مبادىء كل فن عشرة ** الحد والموضوع ثم الثمرة ونسبة وفضله والواضع ......... ** ... ... ... .... .... الواضع ؛ فمن هو أول من صنف في علم العقيدة ؟ بلا ريب أن الصحابة _ رضي الله عنهم _ لم يكونوا بحاجة إلى تدوين مسائل المعتقد في مصنفات مفردة لكونهم يحفظونها في أذهانهم ، وأسندها عنهم جمع كبير من المحدثين في الكتب . ومن أقدم ما وصل إلينا في العقيدة من الكتابات المفردة المصنفة ما نسب إلى أبي حنيفة النعمان _ رحمه الله _ ، واسم كتابه : " الفقه الأكبر " . ولكن ؛ هذا الكتاب موضوع على أبي حنيفة ، وذلك من جهتين : الجهة الأولى : يرويه عنه حماد بن أبي حنيفة ، وإسناده ضعيف جدا . الجهة الثانية : أن في هذه الرسالة المنسوبة إلى أبي حنيفة " الفقه الأكبر " مع صغر حجمها إلا أنها حوت عددا كبيرا من المخالفات العقدية ، بل وفيها ذكر لمقالات لا تعرف في زمن أبي حنيفة ، فهذه الرسالة منحولة على أبي حنيفة مختلقة . تنبيه لكل نبيه : هناك رسالة أخرى برواية أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي ، تسمى عند المتقدمين بـــ : " الفقه الأكبر " ، بينما تعرف عند المتأخرين باسم : " الفقه الأبسط " ، وهذه الرسالة لا تصح أيضا لأبي حنيفة من جهات : الجهة الأولى : أن إسنادها تالف مرة ، لا يصح إلى أبي حنفية . الجهة الثانية : قد ذهب بعض أهل العلم إلى أنها من تصنيف أبي مطيع البلخي ، وممن ذهب إلى ذلك الإمام الذهبي _ رحمه الله _ حيث قال في كتابه : " العلو " : " بلغنا عن أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي صاحب الفقه الأكبر قال سألت أبي حنيفة " . نعم ؛ فقد اعترف بهذا بعض الحنفية ، حيث قال عبد الحي اللكنوي الحنفي _ رحمه الله _ في " الفوائد البهية في تراجم الحنفية " عند ترجمة صاحبنا ، قال : " أبو مطيع البلخي صاحب أبي حنيفة وصاحب كتاب الفقه الأكبر " . واعتمد ذلك : الإمام الألباني _ رحمه الله _ في " مختصر العلو " وأيده ، فقال : " وفي قول المؤلف _ يقصد : الذهبي _ صاحب الفقه الأكبر ، إشارة قوية إلى أن كتاب الفقه الأكبر ليس للإمام أبي حنيفة ، خلافا لما هو المشهور عند الحنفية " . الجهة الثالثة : أن الرسالة التي يرويها أبو مطيع البلخي ليست هي ذات رسالة " الفقه الأكبر " برواية حماد ابن أبي حنيفة ، فرسالة البلخي عبارة عن مجموعة سؤلات وإجابات ، بخلاف الرسالة الأولى فهي مجرد سرد . إذن ؛ لا يصح اعتبار الإمام أبي حنيفة _ رحمه الله _ أول من صنف في علم المعتقد . وقد قيل : أنه الإمام مالك _ رحمه الله _ ، كما ذكر ذلك : محمد أبي عليان الشافعي _ رحمه الله _ في كتابه : " اللؤلؤ المنظوم في مبادىء العلوم " ، وذكر أن له رسالة ، ولم يفصح عن اسمها ! نعم ؛ ذكر القاضي عياض _ رحمه الله _ أن للإمام مالك رسالة في القدر ، وأنه أرسلها إلى ابن وهب ، ثم قال القاضي عياض في " ترتيب المدارك " : " وهذا سند صحيح مشهور الرجال ، كلهم ثقات " ، وهذا بعد أن ساق إسناد الرسالة إلى الإمام مالك . وذكرها أيضا : الذهبي _ رحمه الله _ في " سير أعلام النبلاء " فقال : " ولمالك رسالة في القدر كتبها إلى ابن وهب ، وإسنادها صحيح " . لكن هذه الرسالة غير موجودة ، وإنما وجد أن لابن وهب هذا الذي أرسل له مالك هذه الرسالة ، وجد له رسالة طبعت اسمها : " القدر وما ورد في ذلك من الآثار " . على أنها من تأليف عبد الله بن وهب القرشي _ رحمه الله _ تلميذ مالك الذي ذكر عنه القاضي عياض والذهبي أن مالكا أرسل له رسالة في القدر ! وذهب بعض المعاصرين إلى أن رسالة ابن وهب هي رسالة مالك نفسها بدلالة ان ابن وهب صنفها على طريقة المحدثين ، وروى عن الإمام مالك _ رحمه الله _ فيها كثيرا ، فهي في الأصل لمالك ، وعمد إليها ابن وهب وقام بترتيبها وزاد عليها . فيكون الإمام مالك من أوائل من صنف في العقيدة ، أو تلميذه ابن وهب القرشي ، وخاصة أن مالكا أودع شيئا غير يسير من أحاديث المعتقد ضمن كتابه : " الموطأ " ، والله أعلم . ثم تتابع التصنيف في علم المعتقد ، فقد صنف أبو عبيد القاسم بن سلام _ رحمه الله _ كتاب : " الإيمان " ، وابن أبي شيبة _ رحمه الله _ صنف كتاب : " السنة " ، وأحمد بن حنبل _ رحمه الله _ صنف كتاب : " السنة " ، وابن سريج _ رحمه الله _ صنف كتاب : " التوحيد " ، وكذا ابن خزيمة _ رحمه الله _ كتاب : " التوحيد " وهكذا ... وبعد هذا التطواف : نرجىء البقية المتبقية من المقدمات العشر في فن المعتقد إلى الدرس القادم ، مع دمجها ببيان أهمية كتابنا هذا : " الثلاثة الأصول " عند أئمة الدعوة النجدية . مع توجيه الخلاف الحاصل حول هذا الكتاب ، بكونه مفردا مستقلا عن : " الأصول الثلاثة " ، أم كلاهما كتاب واحد ؟! ، وسنتكلم بعجلة عن منهجية المصنف بإذن الله تعالى ، والله الموعد . قام بتفريغ المادة الصوتية : كريمة الشيخ أم سارة الصالحية . والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات . لسماع المادة الصوتية ، على الرابط التالي : http://alislam-denona.com/ar/catplay.php?catsmktba=365 ملاحظة : منقول . |
|
|