أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
36292 97777

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منبر الموسوعات العلمية > قسم الأشرطة المفرغة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-16-2011, 03:20 AM
أثرم البكري أثرم البكري غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 16
افتراضي المقدمات العشرة في فن العقيدة ( الجزء الأول ) للشيخ أبي شكيب الصالحي.

المحصول في شرح الثلاثة الأصول






( الدرس الأول _ مادة صوتية مفرغة )






لفضيلة الشيخ أبو شكيب الصالحي _ حفظه الله _ .



الحمد الله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على محمد بن عبد الله ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فهذا المجلس الأول في شرح كتاب " الثلاثة الأصول " للشيخ محمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله _ .

ومن اللطائف : أنني أروي كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالإسناد العالي والنازل عن جمع من الشيوخ المعاصرين ، وكبار العلماء العاملين ، ولا أعرف _ على قلة إطلاعي ! _ أن هناك إسنادا أعلى من الذي أحمله في رواية كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله _ .






وأرويها من طرق كثيرة ، منها ( على سبيل المثال ) :





أولا : عن شيخنا العلامة الفقيه المعمر شيخ الحنابلة عبد الله بن عبد العزيز بن العقيل ، عن أبي محمد عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي ، عن احمد بن سالم البغدادي ، عن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب ، عن جده محمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله تعالى _ ،وبهذا السند يكون بيني والشيخ محمد بن عبد الوهاب أربعة رجال ، وهو سند عال.






وعن شيخنا عبد الله بن عبد العزيز بن العقيل ، عن محمد بن أحمد بن سعيد ، و محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ ، كلاهما : عن سعد بن حمد بن عتيق ، عن عبد الرحمن بن حسن ، عن جدهمحمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله تعالى _ ، وهذا سند عال أيضا ، حيث أرويه بواسطة أربعة رجال عن المؤلف .







ثانيا : وعن شيخنا العلامة المحدث يحيى بن عثمان عظيم آبادي ، عن أبي محمد عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي ، عن احمد بن سالم البغدادي ، عن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب ، عن جده محمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله تعالى _ ، وبهذا السند يكون بيني والشيخ محمد بن عبد الوهاب أربعة رجال ، وهو سند عال .





وأنزل من هذه الأسانيد :








ثالثا : وعن شيخنا العلامة اللغوي المحدث محمد بن علي بن آدم الأثيوبي ، عن محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني ، عن عبد الله بن محمد غازي ، عن عبد الحق الإلهي آبادي ، عنعبد الغني المجددي ، عن محمد عابد السندي ، عن عبد الله بن محمد النجدي ، عن أبيه الشيخ محمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله تعالى _ ، وبهذا السند يكون بيني والشيخ محمد بن عبد الوهاب سبع وسائط .






رابعا : وعن شيخنا العلامة المفسر اللغوي محمد أمين بن عبد الله الهرري ، عن محمد ياسين الفاداني ، عن السيد علي بن علي الحبشي المدني ، و عبد الستار الدهلوي المكي ، كلاهما : عن الكياهي نووي بن عمر البنتني ، عن عبد الصمد بن عبد الرحمن الفلبماني ، و أرشد بن عبد الصمد البنجري ، كلاهما : عن محمد مرتضى بن محمد الزبيدي ، عن الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني ، عن عبد الله بن محمد ، عن أبيه محمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله تعالى _ ، وبهذا السند يكون بيني والشيخ محمد بن عبد الوهاب أنزل من الذي قبله بواسطة واحدة ، والله المستعان .






وفي هذه المجموعة التي ذكرناها من الأسانيد كفاية ، والله ولي العناية .








والله اسأل أن يعلمنا وإياكم ما ينفعنا ، وينفعنا بما علمنا ، ويحسن خواتمنا في الأمور كلها .





والليلة _ بإذن الله _ : نتعرف سويا على مادة علم العقيدة على وجه الإجمال ، وندع التفصيل ، مع إبراز الدليل ، واستحضار التعليل إلى وقته ، والله المعين .






اعلموا _ يارعاكم الله _ : قبل الشروع في شرح هذه المادة العقدية ، لابد لطالبها أن يتصورها ، إذ لا ينبغي لطلاب العلم الإقدام على دراسة علم من العلوم ، وتحصيل فن من الفنون ، قبل أن يعرف ماهيته ، فلا يستفتح الطالب مادة علمية كالأصول ، أو القراءات ، أو اللغة ، أو التفسير ، أو الفقه ، إلا وعرف جملة هذا العلم : بحده ، واستمداده ، ومسائله ، وثمرته ، وواضعه ، واسمه ، وحكم الشارع فيه ، ونسبته ، وموضوعه ، وبهذا يحقق لنفسه المبادىء الكلية المتعلقة بالفن الذي استشرف دراسته .





ولهذا جرت العادة عند العلماء _ رحمهم الله _ أن يذكروا هذه المقدمات عن العلم الذي يشرعون في شرحه ، وقد نظمها ابن الصبان _ رحمه الله _ صاحب الحاشية المشهورة على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك ، فقال ابن الصبان :







إن مبادىء كل فن عشرة ** الحد والموضوع ثم الثمرة






ونسبة وفضله والواضع ** والاسم الاستمداد حكم الشارع





مسائل ، والبعض بالبعض اكتفى ** ومن درى الجميع حاز الشرفا






وقال غيره _ ناظما لها _ :





إن مبادىء أي علم كانا ** عشر تزيد من درى عرفانا





الحد والواضع ثم الاسم ** والنسبة الموضوع ثم الحكم





وغاية وفضله استمداد ** مسائل بها الهنا يزداد



وغاية ذكرهم لهذه المقدمات في طليعة الفنون يعود إلى أمرين :
الأمر الأول : لتصور ماهية العلم ، وقد شرحناها .
الأمر الثاني : لتنشيط الطالب في تحصيله ، ومعرفة موقعه ، واعانته في الطريق .

وجريا على سبيل أهل العلم ، فإن درسنا الليلة سيكون حول بعض هذه المبادىء العشرة للتعريف بعلم العقيدة ، ونرجىء بقيتها إلى الدرس القادم ، ولذا نقول :




المبدأ الأول : الحد .






قال ابن الصبان :





إن مبادىء كل فن عشرة ** الحد ... ... ... ... ...



والمقصود منه التعريف ، ولهذا يقال له : " القول الشارح " عند المناطقة ، فما هو حد علم العقيدة ؟
الجواب : هذه الجملة " علم العقيدة " مركبة من كلمتين ، وهما : " العلم " و " العقيدة " ، وقد درج العلماء عند تعريف المركبات الإضافية كــ " علم العقيدة " ، و " علم الأصول " ، و " علم القراءات " : أن يبداؤا بتعريف مفرديه أولا ، فيعرفوا اللفظ الأول " العلم " ، ثم اللفظ الثاني " العقيدة " ، وبعد ذلك : يعرفونه من جهة كونه مركبا تركيبا إضافيا ، باعتباره لقبا على هذا الفن ثانيا .
وعلى منوالهم نعرف " علم العقيدة " بمفرديه أولا .

اللفظ الأول : العلم ، وهو : إدراك الشيء على ما هو عليه ، أعني : إن وافق التصور الذهني الواقع الخارجي فطابق الحقيقة سمي علما ، ولهذا قال ابن القيم _ رحمه الله _ في " الفوائد " : " فإن كان الثابت في النفس مطابقا للحقيقة في نفسها فهو علم صحيح " .

ولا يختص العلم بالمقطوع المجزوم ؛ إذ أن الظن الغالب من جملة اليقين ، كما سماه الله بذلك عندما قال : (( فإن علمتموهن مؤمنت )) يقصد : إن غلب ظنكم على كونهن مؤمنات ، ولا سبيل للتأكيد على أمر باطني غيبي ، والحكم على الظواهر ، ولهذا كان الحكم بإيمانهن من بابة غلبة الظن ، ووصفه الله بصفة العلم .

والعلم في الاصطلاح ، يطلق على ثلاثة أمور ، أشار لها صديق حسن خان _ رحمه الله _ في كتابه : " أبجد العلوم " ، وهذه الثلاثة :
أولا : يطلق العلم على مسائله المبحوثه فيه .
ثانيا : يطلق العلم على إدراك هذه المسائل .
ثالثا : يطلق العلم على ملكة إدراك المسائل ، أعني : الطريقة .

اللفظ الثاني : العقيدة ، وهي لغة : مأخوذة من العقد ، على وزن " فعيلة " بمعنى : " مفعول " ، أي : معقود .
والعقد : ربط الشيء ، كعقد الحبل إذا شددت بعضه على بعض ، وهذه المادة " العقد " تدور على اللزوم والتأكيد والإحكام والإبرام ، فمفهوم القصد ظاهر فيها ، حيث قال الله تعالى : (( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان )) والأيمان المعقودة المبرمة لابد فيها من القصد والعزم لتدل على اللزوم والتأكيد ، بخلاف اللغو فيها المفارق لمعنى العقد .
وقد أطلق الله على الوثائق اسم العقد ، فقال : (( أوفوا بالعقود )) ، والعقود جمع عقد ، والمناسبة في تسمية الوثائق بين الناس بالعقود لما تحمله من معاني الإلزام بما ورد في الوثيقة بين المتعاقدين .

ولذلك ناسب أن يقال عن العقيدة أنها عقيدة ، للإشارة إلى الجزم الحاصل في قلب المعتقد ، وحينها تكون صحيحة إن وافقت المنقول ، وقد امتدح الله جماعة الإيمان بقوله : (( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا )) ، والريب نقيض اليقين ، وذكر الله مفردات من العقيدة مع تقييدها بنفي الريب عنها إشارة إلى معنى الجزم والتأكيد ، فقال عن القرءان :(( ذلك الكتاب لا ريب فيه )) إثابتا أن القرءان كلام الله مصدر هداية وتسديد ، ومنبع توفيق وتقويم ، فهذه عقيدة لا ريب فيها ، وقال عن اليوم الآخر : (( ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه )) إثباتا ليوم الدين ، والبعث والنشور ، فهذه عقيدة لا ريب فيها .
ومع مدحه لعقيدة أهل الإسلام بكونها على وجه اللزوم والتأكيد ، ذم على وجه التوبيخ ، وحكاية التقريع عقائد المشركين لكونها متذبذبة لا قرار لها ، حيث قال : (( وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددن )) !
فإذا علم هذا ، يقال العقيدة في الاصطلاح : ما أشار إليه رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ في حديث جبريل _ عليه السلام _ عند مسلم في " الجامع الصحيح " حينما عرف الإيمان بقوله : " الإيمان أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره " .

إذن ؛ العقيدة في الاصطلاح الشرعي تدور حول أركان الإيمان المذكورة في حديث جبريل _ عليه السلام _ ، كالإيمان بالله واسمائه وصفاته ، وملائكته وما يتعلق بهم ، وكتبه المنزلة وما تختص به ، ورسله الكرام _ عليهم السلام _ وما يندرج في مباحثهم كالمعجزات ونحوها ، واليوم الآخر وما فيه من البعث والنشور والحشر ، وعذاب القبر ، والقدر خيره وشره ، وما يتصل به من مسائل التكليف ، وأفعال العباد ، والقدرة ، وما أشبه ذلك .

وهذه الأركان مدارها على الغيب ، ولا سبيل له إلا عن طريق الوحي ، وهذه صفة ممدوحة في المؤمنين ، كما قال رب العالمين : (( الذين يؤمنون بالغيب )) .
ولكن ؛ الإيمان بالرسل غيب إلا عند أقوامهم الذين صدقوهم ، فهم من جهة كونهم مرسلين من الله تعالى إيمان بغيب ، ومن جهة أدراكهم لرسولهم واجتماعهم بهم من حيث الوجود إيمان بحس وشاهد ، وكذلك يقال في الإيمان بالكتب المنزلة على وفق التفصيل السابق .

وبهذا نكون قد انتهينا من شرح مفردات جملة " علم العقيدة " بكونها ألفاظا مفردة ، ونستهل شرحها الآن من جهة مجموعها جملة مركبة ، تركيبا إضافيا ، على كونها لقبا لهذا الفن " علم العقيدة " .
فيقال " علم العقيدة " ، هو : " العلم بالأحكام الشرعية المكتسب من الأدلة المرضية " .
فعلم العقيدة لا يقتصر على ذكر مسائله ، وبيان مباحثه ؛ بل يشمل كيفية إدراك مسائله ، والاستدلال لمباحثه ، كمعرفة مصادر التلقي فيه ، وطرق عرضه ، وآثاره .






المبدأ الثاني : الموضوع .






قال ابن الصبان :





إن مبادىء كل فن عشرة ** الحد والموضوع ... ... ... .. .




ما هو موضوع علم العقيدة ؟
الجواب : قبل سياق موضوع علم العقيدة لابد أن تعرفوا أن الموضوع عند الأصوليين ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيه كما قال ابن النجار الحنبلي _ رحمه الله _ في " شرح الكوكب المنير " .
فعلم الفقه _ على سبيل المثال _ موضوعه أفعال المكلفين ، فيبحث فيه عما يعرض لهذه الأفعال من الأحكام الشرعية .
وكذلك علم العقيدة ، موضوعه أركان الإيمان الستة : " الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره " .
فيبحث فيه _ على سبيل المثال _ فيما يتعلق بذات الله ، وما لها من صفات الكمال ، والأسماء الحسنى ، وقواعدهما ، وما يستحيل عليه _ تبارك وتعالى _ ويمتنع ، وحقه على عباده ...الخ .
وما يتعلق بذاوت الرسل _ عليهم السلام _ ما يلزمهم ، ويجب في حقهم ، أو يجوز ، وما يستحيل في شأنهم ، وما لهم من الأمور كالاتباع والتعظيم والمحبة .
وما يتعلق بالسمعيات كالإقرار بها ، والمرور عليها بالإثبات بما ورد فيه السمع ، وتفويض دون ذلك ، ومعرفة حال النقل مع العقل ، والموقف منهما في الاستدلال والتلقي ، ونحو ذلك .
وما يتعلق بالمعاملات ، كمعاملة الصحابة _ رضي الله عنهم _ ، وولاة الأمر ، وأهل البدع ، والحسبة الشرعية ، فهذه المعاملات تذكر ضمن مواضيع علم العقيدة .


إيقاظ نفيس :
لكن ؛ نجد بعض أهل السنة يوردون مجموعة من المسائل الفقهية ضمن كتب الإعتقاد ، كأبي جعفر الطحاوي _ رحمه الله _ حيث أورد مسألة : " المسح على الخفين " ضمن عقيدته المشهورة بــ : " العقيدة الطحاوية " فقال فيها : " ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر ، كما جاء في الأثر " .

ولم ينفرد الطحاوي بهذا الصنيع من إيراده لهذه المسألة الفقهية ضمن مواضيع علم العقيدة في متنه المشهور " العقيدة الطحاوية " ؛ بل أورد مسألة المسح على الخفين جمع من سادات أهل السنة وكبرائهم كأبي الحسن الأشعري _ رحمه الله _ في كتابه : " الإبانة عن أصول الديانة " ، وابن بطة العكبري _ رحمه الله _ في كتابه : " الإبانة الصغرى " ، وأبي محمد البربهاري _ رحمه الله _ في كتابه : " شرح السنة " ، وابن خفيف _ رحمه الله _ في " عقيدته " ، وأبي عمروالداني _ رحمه الله _ في كتابه : " الرسالة الوافية " .

مع أن هذه المسألة فقهية ؛ فكيف يوردها هؤلاء في هذه المصنفات العقدية ؟!
هم _ أعني _ : أهل السنة يذكرونها في مصنفاتهم العقدية لا لكونها بذاتها من مسائل المعتقد ، بل لكون الرافضة والخوارج اتخذوا القول بتحريم المسح على الخفين شعارا ضمن أصولهم ، عد عليه المباينة والمفارقة ، فاورد أهل السنة هذه المسألة الفقهية ضمن المصنفات العقدية ردا على أهل الأهواء والبدع لكونهم اتخذوها أصلا ، فجعلها أهل السنة دليل مفارقة ، وعلامة كاشفة بين أهل السنة والروافض والخوارج ، ولذا قال شيخ الإسلام _ رحمه الله _ في " مجموع الفتاوى " : " وكان سفيان الثوري يذكر من السنة المسح على الخفين ، لأن هذا كان شعرا للرافضة " .

نعم ؛ فقد أسند اللالكائي _ رحمه الله _ في " أصول السنة " عن سفيان الثوري _ رحمه الله _ عندما سأل عن معتقده ، فأجاب السائل ، ومن ضمن ما حكاه في عقيدته : " المسح على الخفين " .
وكذا أسند اللالكائي _ رحمه الله _ في " أصول السنة "عن عبد الله بن سهل التستري أنه عد المسح على الخفين من خصال أهل السنة .

بل ؛ ذكر جمع ممن صنف في العقيدة مسائل أخرى فقهية كانت علامة فارقة بين أهل السنة وأهل البدع ، وعلى سبيل المثال :

أولا : ذكر أبو محمد البربهاري _ رحمه الله _ في " شرح السنة " جواز الصلاة بالسراويل مخالفة للحرورية .

ثانيا : ذكر ابن بطة العكبري _ رحمه الله _ في " الإبانة الصغرى " و" الكبرى " أن من السنة ألا تجهر بالبسملة ، وكذا سفيان الثوري _ رحمه الله _ فيما أسند عنه اللالكائي في " أصول السنة " استحب عدم الجهر بالبسملة ، وأرادو في ذلك مخالفة الروافض الذين يستحبون الجهر بالبسملة في مواضع الإخفات ، كما أشار شيخ الإسلام _ رحمه الله _ إلى ذلك في " مجموع الفتاوى " ، وإن كانت المسألة في محل خلاف بين أهل السنة أنفسهم .

لكن ؛ لما كانت شعارا للرافضة الجهر بها في مواضع الإخفات ، أظهر أهل السنة مخالفتهم ، وأوردوا في كتبهم العقدية أن السكوت أولى عملا بمصلحة المخالفة التي هي آكد من مصلحة كونها مستحبة _ أي : الجهر بها عند بعض الفقهاء _ ، ومن بديع تأصيلات شيخ الإسلام _ رحمه الله _ أنه قال في " منهاج السنة النبوية " : " الذي عليه أئمة الإسلام أن ما كان مشروعا لم يترك لمجرد فعل أهل البدع ، لا الرافضة ولا غيرهم ، وأصول الأئمة كلهم توافق هذا " .

ثم قال : " فالجهر بالبسملة هو مذهب الرافضة ، وبعض الناس تكلم في الشافعي بسببها ، ونسبه إلى قول الرافضة والقدرية ؛ لأن المعروف في العراق أن الجهر كان من شعار الرافضة ، حتى إن سفيان الثوري وغيره من الأئمة يذكرون في عقائدهم ترك الجهر بالبسملة ، لأنه كان عندهم من شعار الرافضة .... ، ومع هذا فالشافعي لما رأى أن هذا هو السنة كان ذلك مذهبه وإن وافق الرافضة " .

ثم قال : " إنه إذا كان في فعل مستحب مفسدة راجحة لم يصر مستحبا ، ومن هنا ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض مستحبات إذا صارت شعارا لهم ، فإنه لم يترك واجبا بذلك ، لكن في إظهار ذلك مشابهة لهم ، فلا يتميز السني من الرافضي ، ومصلحة التمييز عنهم _ لأجل هجرانهم ومخالفتهم _ أعظم من مصلحة هذا المستحب ، وهذا الذي ذهب إليه يحتاج إليه في بعض المواضع إذا كان في الاختلاط والاشتباه مفسدة راجحة على مصلحة فعل ذلك المستحب ، لكن هذا أمر عارض لا يقتضي أن يجعل المشروع ليس بمشروع دائما " .

ثالثا : مثال آخر : ذكر ابن بطة العكبري _ رحمه الله _ في " الإبانة الصغرى " مسألة فقهية ، وهي : " المبادرة بصلاة المغرب " إذا دخل وقتها ، والباعث إلى ذلك أنه أراد مخالفة اليهود والروافض ، كما قال شيخ الإسلام _ رحمه الله _ في " منهاج السنة "
والأمثلة كثيرة جدا لا مجال لذكرها ، ونكتفي بما يقوم به البيان ، والله المستعان .





المبدأ الثالث : الثمرة .






قال ابن الصبان :





إن مبادىء كل فن عشرة ** الحد والموضوع ثم الثمرة



ما ثمرة علم العقيدة ؟

الكلام فيها طويل ؛ فثمرات علم العقيدة لا تكاد تنحصر على كثرتها ، ولا تكاد تذكر _ كلها _ على وفرتها ، ومن أعظم الثمرات على الإطلاق وأعلى الغايات ، وأجل الأغراض : ثمرة معرفة الله تعالى ؛ إذ أن معرفته _ تبارك وتعالى _ غاية المطالب ، وأشرف المقاصد ، فقال : (( وما خلقت الجن والغنس إلا ليعبدون )) ، وأرسل الرسل لهذه الغاية ، فقال : (( ولقد بعثنا في كل امة رسولا أن عبدوا الله ما لكم من إله غيره )) ، وقال : (( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )) ، وأنزل الكتب موضحة معالم الطريق ، ومرشدة سبل الهداية لهذه المعرفة الربانية ، فمن وجد الله فمن فَقَدَ ؟!

وقد تكاثرت كلمة السلف _ رحمهم الله _ في بيان أن العلوم بنوعيها الأصل الذي يحوي الكتاب والسنة ، والآلة كالتفسير ، واللغة ، والأصول ، والعقيدة ، ما هي إلا وسائل ، فإن كل العلوم وسائل لتحقيق الغاية العظمى : " معرفة الله " .
فمن عرف الله ، وتعرف على أسمائه وصفاته فماذا جهل ؟!
وإلى الله المشتكى من أقوام انتسبوا إلى العلم وجماعة العلماء ، وقد اشتغلوا بالنظر ، بشتى صنوفه ، وتعدد فنونه ، وغفلوا أن معارفهم التي احتوتها صدورهم لا تخرج عن كونها من جملة الوسائل !
فظنوا أنها هي الغايات فضلوا وأضلوا ، وأشغلوا الناس بغير ربهم ، فضاعت التربية التي لابد من اقترانها بالتصفية ، حتى آلت دعوتنا _ والله المستعان _ دعوة تصفية لا تربية فيها إلا من رحم الله !!
وياليت أن التصفية تمت فكفت ؛ بل إن الانفصام النكد بين التربية والتصفية أثر سلبا على التصفية حتى عدنا نرى طلابا للعلم في الصور بلا علم في الحقيقة ، مقصدهم الرفعة والنيل من الكبار باسم الجرج والتعديل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله !





المبدأ الرابع : النسبة .







قال ابن الصبان :





إن مبادىء كل فن عشرة ** الحد والموضوع ثم الثمرة






ونسبة ... ... .... .... ... ** ... ... .... .... .... .....



النسبة ، والمقصود منها : بيان نوع العلاقة بين العلوم ؛ إذ أن العلاقة بين العلوم تتردد بين أربع أنواع : الترادف ، والتباين ، والتداخل ، والتقاطع ، فما هي نسبة علم العقيدة إلى بقية العلوم ؟
الجواب : الأصل أن علم العقيدة هو القاعدة لسائر العلوم الشرعية ، وشتى الفنون المرعية ، فكل علم هو فرع عن علم العقيدة ، لذلك قال أبو العون السفاريني _ رحمه الله _ في " منظومته " :



وبعد فاعلم أن كل العلم ** كالفرع للتوحيد فاسمع نظمي


فالتوحيد يدعوا إلى الإخلاص ، فكيف تصح بقية العلوم بدونه ؟!

لكن ؛ علم العقيدة مع بقية العلوم على جهتين :


الجهة الأولى : جهة العموم ؛ فعلاقة علم العقيدة ببقية العلوم علاقة تباين واختلاف ، فمسائل المعتقد وأبوابه تختلف عن مباحث العلوم الأخرى كالأصول والفقه والحديث .


الجهة الثانية : جهة الخصوص ؛ فعلاقة علم العقيدة من حيث بعض مسائله مع بعض مسائل العلوم الأخرى قد تكون علاقة ترادف نسبي ، ولذا اشتركت بعض أبواب بين علمي العقيدة والأصول ، فمن هذه الجهة المقيدة يصح أن تكون العلاقة ترادفية نسبية لا مطلقة .





المبدأ الخامس : فضله .








قال ابن الصبان :





إن مبادىء كل فن عشرة ** الحد والموضوع ثم الثمرة






ونسبة وفضله .... .... ..... ** ... ... .... .... .... ....




فما فضل علم العقيدة ؟
فضله أكبر من أن يحصر ، وأوسع من أن يذكر ، ولكن بالجملة يظهر فضل علم العقيدة من جهتين :


الجهة الأولى : من جهة موضوعه ، وذلك أن شرف العلم متعلق بشرف معلومه ، فلما كان علم العقيدة موضوعه متعلق بالذات الإلهية ، وأركان الإيمان ، ظهر شرفه ، وكيف لا يكون شريفا عظيما وموضوعه ما يتعلق بالله تعالى .


الجهة الثانية : من جهة الخصوص ؛ فالحياة السعيدة في الدار الفانية لا تتحقق إلا به ، كما قال : (( ومن يعمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة )) ، وضدها الاعراض كما قال تعالى : (( ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكه )) .

وهو شرط لقبول العمل الصالح والانتفاع به ، كما قال تعالى : (( فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له لكتبون )) ، وقال : (( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاؤلئك كان سعيهم مشكورا )) .

وإلا للزم خسران العمل الصالح ، كما قال : (( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكنن من الخاسرين )) .

بل علم العقيدة نور هداية ، وحياة للروح والقلب ، كما قال الله : (( أومن كان ميتا فأحيينه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها )) ، وقد وصف الله ذلك العلم المرشد لمهيع الأنوار ، والدال لمناهج الأخيار ، وكاشف الغشاوة عن الأبصار ، بقوله : (( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري الكتب ولا الإيمان ولكن جعلنه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا )) .





المبدأ السادس : الواضع .








قال ابن الصبان :





إن مبادىء كل فن عشرة ** الحد والموضوع ثم الثمرة






ونسبة وفضله والواضع ......... ** ... ... ... .... ....



الواضع ؛ فمن هو أول من صنف في علم العقيدة ؟
بلا ريب أن الصحابة _ رضي الله عنهم _ لم يكونوا بحاجة إلى تدوين مسائل المعتقد في مصنفات مفردة لكونهم يحفظونها في أذهانهم ، وأسندها عنهم جمع كبير من المحدثين في الكتب .

ومن أقدم ما وصل إلينا في العقيدة من الكتابات المفردة المصنفة ما نسب إلى أبي حنيفة النعمان _ رحمه الله _ ، واسم كتابه : " الفقه الأكبر " .

ولكن ؛ هذا الكتاب موضوع على أبي حنيفة ، وذلك من جهتين :


الجهة الأولى : يرويه عنه حماد بن أبي حنيفة ، وإسناده ضعيف جدا .


الجهة الثانية : أن في هذه الرسالة المنسوبة إلى أبي حنيفة " الفقه الأكبر " مع صغر حجمها إلا أنها حوت عددا كبيرا من المخالفات العقدية ، بل وفيها ذكر لمقالات لا تعرف في زمن أبي حنيفة ، فهذه الرسالة منحولة على أبي حنيفة مختلقة .


تنبيه لكل نبيه :
هناك رسالة أخرى برواية أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي ، تسمى عند المتقدمين بـــ : " الفقه الأكبر " ، بينما تعرف عند المتأخرين باسم : " الفقه الأبسط " ، وهذه الرسالة لا تصح أيضا لأبي حنيفة من جهات :


الجهة الأولى : أن إسنادها تالف مرة ، لا يصح إلى أبي حنفية .


الجهة الثانية : قد ذهب بعض أهل العلم إلى أنها من تصنيف أبي مطيع البلخي ، وممن ذهب إلى ذلك الإمام الذهبي _ رحمه الله _ حيث قال في كتابه : " العلو " : " بلغنا عن أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي صاحب الفقه الأكبر قال سألت أبي حنيفة " .

نعم ؛ فقد اعترف بهذا بعض الحنفية ، حيث قال عبد الحي اللكنوي الحنفي _ رحمه الله _ في " الفوائد البهية في تراجم الحنفية " عند ترجمة صاحبنا ، قال : " أبو مطيع البلخي صاحب أبي حنيفة وصاحب كتاب الفقه الأكبر " .

واعتمد ذلك : الإمام الألباني _ رحمه الله _ في " مختصر العلو " وأيده ، فقال : " وفي قول المؤلف _ يقصد : الذهبي _ صاحب الفقه الأكبر ، إشارة قوية إلى أن كتاب الفقه الأكبر ليس للإمام أبي حنيفة ، خلافا لما هو المشهور عند الحنفية " .


الجهة الثالثة : أن الرسالة التي يرويها أبو مطيع البلخي ليست هي ذات رسالة " الفقه الأكبر " برواية حماد ابن أبي حنيفة ، فرسالة البلخي عبارة عن مجموعة سؤلات وإجابات ، بخلاف الرسالة الأولى فهي مجرد سرد .


إذن ؛ لا يصح اعتبار الإمام أبي حنيفة _ رحمه الله _ أول من صنف في علم المعتقد .


وقد قيل : أنه الإمام مالك _ رحمه الله _ ، كما ذكر ذلك : محمد أبي عليان الشافعي _ رحمه الله _ في كتابه : " اللؤلؤ المنظوم في مبادىء العلوم " ، وذكر أن له رسالة ، ولم يفصح عن اسمها !


نعم ؛ ذكر القاضي عياض _ رحمه الله _ أن للإمام مالك رسالة في القدر ، وأنه أرسلها إلى ابن وهب ، ثم قال القاضي عياض في " ترتيب المدارك " : " وهذا سند صحيح مشهور الرجال ، كلهم ثقات " ، وهذا بعد أن ساق إسناد الرسالة إلى الإمام مالك .


وذكرها أيضا : الذهبي _ رحمه الله _ في " سير أعلام النبلاء " فقال : " ولمالك رسالة في القدر كتبها إلى ابن وهب ، وإسنادها صحيح " .


لكن هذه الرسالة غير موجودة ، وإنما وجد أن لابن وهب هذا الذي أرسل له مالك هذه الرسالة ، وجد له رسالة طبعت اسمها : " القدر وما ورد في ذلك من الآثار " .
على أنها من تأليف عبد الله بن وهب القرشي _ رحمه الله _ تلميذ مالك الذي ذكر عنه القاضي عياض والذهبي أن مالكا أرسل له رسالة في القدر !


وذهب بعض المعاصرين إلى أن رسالة ابن وهب هي رسالة مالك نفسها بدلالة ان ابن وهب صنفها على طريقة المحدثين ، وروى عن الإمام مالك _ رحمه الله _ فيها كثيرا ، فهي في الأصل لمالك ، وعمد إليها ابن وهب وقام بترتيبها وزاد عليها .


فيكون الإمام مالك من أوائل من صنف في العقيدة ، أو تلميذه ابن وهب القرشي ، وخاصة أن مالكا أودع شيئا غير يسير من أحاديث المعتقد ضمن كتابه : " الموطأ " ، والله أعلم .


ثم تتابع التصنيف في علم المعتقد ، فقد صنف أبو عبيد القاسم بن سلام _ رحمه الله _ كتاب : " الإيمان " ، وابن أبي شيبة _ رحمه الله _ صنف كتاب : " السنة " ، وأحمد بن حنبل _ رحمه الله _ صنف كتاب : " السنة " ، وابن سريج _ رحمه الله _ صنف كتاب : " التوحيد " ، وكذا ابن خزيمة _ رحمه الله _ كتاب : " التوحيد " وهكذا ...



وبعد هذا التطواف : نرجىء البقية المتبقية من المقدمات العشر في فن المعتقد إلى الدرس القادم ، مع دمجها ببيان أهمية كتابنا هذا : " الثلاثة الأصول " عند أئمة الدعوة النجدية .
مع توجيه الخلاف الحاصل حول هذا الكتاب ، بكونه مفردا مستقلا عن : " الأصول الثلاثة " ، أم كلاهما كتاب واحد ؟! ، وسنتكلم بعجلة عن منهجية المصنف بإذن الله تعالى ، والله الموعد .




قام بتفريغ المادة الصوتية : كريمة الشيخ أم سارة الصالحية .


والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات .


لسماع المادة الصوتية ، على الرابط التالي : http://alislam-denona.com/ar/catplay.php?catsmktba=365

ملاحظة : منقول .
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:04 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.