أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
45694 82448

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الأئمة و الخطباء > خطب نصية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-16-2013, 04:38 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي سلسلة مقال الخطيب (24) : { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } .


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه . أما بعد :

فيقول الله – تعالى - :{ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[آل عمران : 6] .

إن في خلق الإنسان وتصويره لآيات عظيمة { هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ } تدل على توحيد الله واستحقاقه العبودية { لا إِلَهَ إِلا هُوَ } وذلك لما تشتمل عليه أوصافه من الكمالات في علمه وحكمته وقدرته وعزته فهو { الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .

وقال – تعالى - :{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ }[فصلت : 53 - 54] .

كل العجائب صنعة العقل الذي *** هو صنعة الله الذي سواكا
والعقل ليس بمدرك شيئاً إذا *** ما الله لم يكتب له الإدراكا
لله في الآفاق آيات لعل *** أقلها هو ما إليه هداكا
ولعل ما في النفس من آياته *** عجب عجاب لو ترى عيناكا
والكون مشحون بأسرار إذا *** حاولت تفسيراً لها أعياكا


ومن أعظم الآيات آياته النفسية :{ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ }[الذريات :21]،" أي وفي أنفسكم أيها الناس من الدلائل والبراهين المتمثلة في خلق الإنسان وأطواره التي يمر بها من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى طفل إلى شاب فكهل وفي إدراكه وسمعه وبصره ونطقه إنها آيات أخرى دالة على وجود الله وتوحيده وقدرته على البعث والجزاء .

وقوله {أَفَلا تُبْصِرُونَ} توبيخ لأهل الغفلة والإعراض عن التفكر والنظر إذ لو نظروا بأبصارهم متفكرين ببصائرهم لاهتدوا إلى الإيمان والتوحيد والبعث والجزاء
"( أيسر التفاسير : 5/158 ).

فالتأمل في حقيقة النفس وخلقها الأول وتصويرها يقود إلى الإيمان بالله – تعالى وتعظيمه والانقياد له وتوقيره ، كما قال – سبحانه -:{مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} أي طوراً بعد طور كما بينه في قوله – تعالى -: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}[الزمر : 6].

في ظلمات ثلاث : أي ظلمة البطن ، وظلمة الرحم ، وظلمة المَشِيْمَة . فقد ركب تعالى عظام الإنسان بعضها ببعض وكساها اللحم ، وجعل فيها العروق والعصب ، وفتح مجاري البول والغائط ، وفتح العيون والآذان والأفواه وفرق الأصابع وشد رؤوسها بالأظفار إلى غير ذلك من غرائب صنعه ، وعجائبه ، وكل هذا في تلك الظلمات الثلاث ، لم يحتج إلى شق بطن أمه وإزالة تلك الظلمات . سبحانه جل وعلا ما أعظم شأنه وما أكمل قدرته :{ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، ولأجل هذه الغرائب والعجائب من صنعه تعالى قال بعد التنبيه عليها {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} .

والآيات التي أوضح فيها تلك الأطوار على التفصيل قوله – تعالى -: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ }[المؤمنون:12-14]
( الأضواء : 23/35 شاملة ) .

فتصوير الله لبني آدم من أدل الآيات على وحدانيته وكمال أوصافه ونعوت جماله وجلاله كما قال – تعالى - : { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [غافر:64] وقال – سبحانه - :{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}[التغابن : 3] .

قال القرطبي – رحمه الله - : " فإن قيل : كيف أحسن صورهم ؟ قيل له : جعلهم أحسن الحيوان كله وأبهاه صورة بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور. ومن حسن صورته أنه خلق منتصباً غير منكب ؛ كما قال عز وجل : {لَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} "( الجامع لأحكام القرآن : 18/134 ) .

فخص بني آدم بأحسن الصور من بين سائر المخلوقات ، ليس فيها رشاقة قده ، ولا صباحة خده ، وتأمل العجب في تركيب بنانه وجواهر أسنانه ، وقوس حاجبه ونبال أهدابه ، لو غُير شيء منها عن مكانه إلى شيء مما نعلمه لحصلت البشاعة به والاستقباح لصورته .

وفي قوله – تعالى - :{ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ }، وقوله : { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } ونحوها من الآيات تأملات ووقفات.

أولاً / إن المصور من أسماء الله الحسنى ، كما قال – تعالى - : " {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }[الحشر : 24] .

ثانياً / إن المصورين أشد الناس عذاباً يوم القيامة لأنهم يضاهون بخلق الله ، فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مِنْ سَفَرٍ، وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي، عَلَى سَهْوَةٍ لِي، فِيهَا تَمَاثِيلُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، هَتَكَهُ، وَقَالَ: أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِين يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللهِ، قَالَتْ: فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ " ( متفق عليه ) .

ثالثاً / إن الذي يقرب من الله الإيمان والعمل الصالح لا حسن الصورة ولا جمال الجسم ، فعنْ أبي هريرةَ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنَّ الله لا ينْظُرُ إِلى أجْسَامِكُمْ ، ولا إِلى صُوَرِكمْ ، وَلَكن ينْظُرُ إلى قُلُوبِكمْ وأعمالكم " ( رواه مسلم ) .

رابعاً / إن الذي يُزين العبد ويجمله إيمانه وعلمه وما يثمرانه من حسن السمت والخلق ، وليس حسن صورته وجسمه ؛ فلذلك يجب على العاقل أن يتعاهد العلم والإيمان دون الصورة والجسم .

قال عبد العزيز الكناني في مجلس مناظرة بشر المريسي عند المأمون : فسمعت رجلاً من جلسائه يقول وقد دخلت من الإيوان : يا أمير المؤمنين يكفيك من كلام هذا قبح وجهه ، لا والله ما أريت خلق الله قط أقبح وجها منه . فقلت : أسألك بالله يا أمير المؤمنين من بلغك إنه كان أجمل ولد آدم – عليه السلام - فأطرق ملياً ، ثم رفع رأسه فقال : يوسف - عليه السلام -. فقلت : صدقت يا أمير المؤمنين - فوالله ما أعطي يوسف على حسن وجهه شيئاً ، ولقد سجن من أجل حسن وجهه فطال في السجن حبسه حتى إذا عبر الرؤيا ووقف الملك على علمه رغب في صحبته فقال عز وجل: { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} فكان هذا الذي بلغه يوسف عليه السلام بكلامه وعلمه لا بجماله، قال عز وجل: {فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} ولم يقل أني حسن جميل، فوالله يا أمير المؤمنين ما أبالي إن وجهي أقبح مما هو ، وإني أُحسن من الفهم والعلم أكثر مما أُحسن " ( بتصرف من الحيدة : ص/ 25 – 36 ) .

لِسانُ الفَتَى نِصْفٌ ونِصْفٌ فُؤادُهُ ... فَلَمْ يَبْقَ إلا صُورَةُ اللَّحْمِ والدَّمِ

خامساً / إن صورة الانسان محل تكريم ، فلا يجوز الضرب على الوجه ، ولا يجوز تقبيحه ، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقولن : قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك ؛ فإن الله - عز وجل - خلق آدم – عليه السلام - على صورته " ( صحيح الأدب المفرد رقم : 173 ) . وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ " ( رواه مسلم ) .

سادساً / قال – تعالى - :{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} [الانفطار : 6 - 8] وهذا التصوير فيه من غرائب صنع الله وعجائبه ما يبهر العقول؛ لأنكم كلكم أيها الحاضرون طُبعتم على طابع واحد، فالأنف من جميعكم في محل الأنف، والعينان في محل العين، والفم في محل الفم، والأذن في محل الأذن، ولم يشتبه منكم اثنان حتى لا يُعرف أحدهما من الآخر، كل من رآكم يعرف أن هذه صورة فلان، وهذه صورة فلان، ولو جاء من الخلق أعداد ملايين الحصى لم يضق علم خالق السماوات والأرض حتى يعلم لكل واحد منهم صورة فيطبعه عليها لا تشابه صورة الآخر، ولم تتشابه أصواتكم ولا آثاركم في الأرض، ولا بصماتكم في الورق، كل واحد طُبع على طابع مستقل، لم يشاركه فيه غيره، ولم يشابهه غيره، وهذا يدل على كمال العلم والقدرة الباهرة العظيمة التي يجب على الإنسان أن يعلم عظمة المتصف بها ويطيعه ولا يتمرد عليه " (العذب المنير : 3/108 ) .

سابعاً / " لا ينبغي قول ( عيب خَلْقِي ) لِمَا فيه من إضافة العيب إلى الخالق عزَّ وجلّ، قال – تعالى -: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7]، وقال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «كُلُّ خَلْقِ اللهِ حَسَنٌ» (السلسلة الصحيحة : 1441)، وإنما العيب يُضاف إلى ذات العضو ، فيقال مثلاً : عيب عضوي، أو تناسلي، أو صدري ، وتترك العبارة السابقة تأدُّبًا مع الله تعالى .

ثامناً / إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ، فعن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي - صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّ الْبيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ الْمَلاَئِكَةُ " (متفق عليه) .

تاسعاً / إن التماثيل والصور سبب في عبادة غير الله – تعالى - ، فعَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ " (مسلم) .

قال الفوزان – حفظه الله : " ولاحظوا كون الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع بين طمس الصورة وتسوية البناء على القبور مما يدلُّكم على أنّ من العلل العظيمة في منع التصوير أنّه وسيلة إلى الشرك " ( إعانة المستفيد : 2/268 ) .

والله ولي التوفيق .



رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:55 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.