أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
40867 86106

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر اللغة العربية والشعر والأدب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-16-2009, 06:32 AM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
Arrow المنفلوطي، والجانب الإسلامي في كتاباته ...



وجدنا من يقول :
إنه الكاتب الذي احتفى أدبه بالحزن والشقاء والبكاء والخيانة الزوجيّة والانتحار وسقوط الفتيان والفتيات في مهاوي الرذيلة .

أو قد نجد من يقول :
إنه الكاتب الذي اتّسمت كتاباته بالرومانسيّة المغرقة في الخيال نتيجة لقراءاته للأدب الرومانسي المترجم عن الغرب، وهو الذي خرج علينا بروايات رومانسيّة مترجمة، وكان له فضل تقريبها وصياغتها صياغة أدبيّة رائعة، كالفضيلة وماجدولين والشاعر وغيرها .

كما نجد من يقول :
إنه الكاتب الذي اتّسمت كتاباته بالتهويل والتشاؤم المقيت ونعي الآدميّة في أخلاقها وتفضيل الحيوان الأعجم عليها .

ولكن ! قَلَّما نجد من يؤكّد لنا وجود الروح الإسلاميّة الحقّة في كتابات المنفلوطي .

أجل، إن كتاباته جميعاً تدور حول ركيزة واحدة هي مخافة الله والمثل العليا، والمبادئ السامية، وهذه هي جوهر الأديان السماوية والدين الإسلامي بصفة خاصة .....

وفي ذلك يقول الأستاذ عمر الدسوقي رحمه الله :
كان المنفلوطي شديد التديّن، سليم العقيدة، غير متزمّت أو متعصّب، لا يبيع دينه بأي ثمنٍ مهما غلا، وكان فيه حياء يمنعه من الحديث في المجالس، حتى ليظن مجالسه أن بلسانه حبسة وعيًّا، وأنه ليس ذلك الأديب الذي يسيل الكلام المنمّق على شباة قلمه عذباً جميلاً، ولكنه إذا خلا بأحد خلصائه ممّن يأنس لهم، انطلق على سجيّته، ورأيت فيه المنفلوطي الذي نعرفه !

ومن الشواهد على اهتمام المنفلوطي بترسيخ دعائم الأخلاق ودعوته إلى الفضيلة : شدّة سخطه على الحضارة الغربيّة الماديّة التي جرّت الموبقات والمفاسد إلى الأمّة الإسلاميّة، وباعدت بين الناس والسلوك الديني الطيّب، وأبان للقارئ أنها كانت شركاً وخدعة استعماريّة أتى بها الاستعمار لإشاعة الفحشاء والاتجار بالأعراض وانتهاك الحرمات، فكان همّه محاربة هذه الأباطيل في شتّى صورها .
-----------------------------------

المصدر : "الجواهر والدرر" لمحمد خير يوسف
(ص 448/ ط . دار البشائر الإسلاميّة)

__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-27-2010, 06:59 AM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي


من كتاب المنفلوطي الشهير (( النظرات )) ، قال رحمه الله :

((رسالة وصلتني من الهند ويعلم الله أني ما أتممتها حتى دارت بي الأرض وأظلمت الدنيا....
كتب إلي أحد علماء الهند كتاباً يقول فيه: إنه اطلع على مؤلف ظهر حديثاً بلغة (التاميل) ـ وهي لغة الهنود الساكنين بناقور وملحقاتها ـ موضوعه: تاريخ حياة السيد عبد القادر الجيلاني وذكر مناقبه وكراماته، فرأى فيه من الصفات والألقاب التي وصف بها الكاتب السيد عبد القادر ولقبه بها صفات وألقابا هي بمقام الألوهية أليق منها بمقام النبوة ، فضلاً عن مقام الولاية كقوله (سيد السموات والأرض) و (النفاع الضرار) و (المتصرف في الأكوان) و (المطلع على أسرار الخليقة) و (ومحيي الموتى) و (ومبرئ الأعمى والأبرص والأكمه) و (أمره من أمر الله) و (ماحي الذنوب) و (دافع البلاء) و (الرافع الواضع) و (صاحب الشريعة) و (صاحب الوجود التام) إلى كثير من أمثال هذه النعوت والألقاب!
ويقول الكاتب: أنه رأى في ذلك الكتاب فصلا يشرح فيه المؤلف الكيفية التي يجب أن يتكيف بها الزائر لقبر السيد عبد القادر الجيلاني يقول فيه:
((أول ما يجب على الزائر أن يتوضأ وضوءاً سابغاً، ثم يصلي ركعتين بخشوع واستحضار، ثم يتوجه إلى تلك الكعبة المشرفة؛ وبعد السلام على صاحب الضريح المعظم يقول: يا صاحب الثقلين ، أغثني وأمدني بقضاء حاجتي وتفريج كربتي. أغثني يا محيي الدين عبد القادر، أغثني يا ولي عبد القادر ، أغثني يا سلطان عبد القادر ، أغثني يا بادشاه عبد القادر، أغثني يا خوجة عبد القادر.
يا حضرة الغوث الصمداني، يا سيدي عبد القادر الجيلاني، عبدك ومريدك مظلوم عاجز محتاج إليك في جميع الأمور في الدين والدنيا والآخرة)).
ويقول الكاتب أيضا: إن في بلدة (ناقور) في الهند قبرا يسمى (شاه الحميد)، وهو أحد أولاد السيد عبد القادر – كما يزعمون – وأن الهنود يسجدون بين يدي ذلك القبر سجودهم بين يدي الله، وأن في كل من بلدان الهنود وقراها مزارا يمثل مزار السيد عبد القادر، فيكون القبلة التي يتوجه إليها المسلمون في تلك البلاد والملجأ الذي يلجأون في حاجاتهم وشدائدهم إليه، وينفقون من الأموال على خدمته وسدانته، وفي موالده وحضراته ما لو أنفق على فقراء الأرض جميعاً لصاروا أغنياء.
هذا ما كتبه إلي هذا الكاتب؛ ويعلم الله أني ما أتممت قراءة رسالته حتى دارت بي الأرض الفضاء وأظلمت الدنيا في عيني، فما أبصر ممن حولي شيئا حزنا وأسفا على ما آلت إليه حالة الإسلام بين أقوام نكروه بعدما عرفوه، ووضعوه بعدما رفعوه، وذهبوا به مذاهب لا يعرفها، ولا شأن له بها.
أي عين يجمل بها أن تستبقي في محاجرها قطرة واحدة من الدمع، فلا تريقها أمام هذا المنظر المؤثر المحزن، منظر أولئك المسلمين، وهم ركع سجد على أعتاب القبور.
أي قلب يستطيع أن يستقر بين جنبي صاحبه ساعة واحدة، فلا يطير جزعا حينما يرى المسلمين أصحاب دين التوحيد أكثر من المشركين إشراكا بالله؛ وأوسعهم دائرة في تعدد الآلهة؛ وكثرة المعبودات!.
لم ينقم المسلمون التثليث من المسيحيين؟ لم يحملوا لهم في صدورهم تلك الموجدة وذلك الضغن؟ علام يحاربونهم؟ وفي ما يقاتلونهم وهم لم يبلغوا من الشرك بالله مبلغهم، ولم يغرقوا فيه إغراقهم!؟.
يدين المسيحيون بآلهة ثلاثة، ولكنهم يشعرون بغرابة هذا التعدد وبعده عن العقل، فيتأولون فيه، ويقولون إن الثلاثة في حكم الواحد.
أما المسلمون فيدينون بآلاف الآلهة، أكثرها جذوع أشجار، وجثث أموات، وقطع أحجار، من حيث لا يشعرون!
كثيرا ما يضمر الإنسان في نفسه أمرا، وهو لا يشعر به، وكثيرا ما تشتمل نفسه على عقيدة خفية لا يحس باشتمال نفسه عليها. ولا أرى مثلا لذلك أقرب من المسلمين الذين يلتجئون في حاجاتهم ومطالبهم إلى سكان القبور ويتضرعون إليهم تضرعهم للإله المعبود.
فإذا عتب عليهم في ذلك عاتب، قالوا: إنا لا نعبدهم، وإنما نتوسل بهم إلى الله، كأنهم يشعرون أن العبادة ما هم فيه، وأن أكبر مظهر لألوهية الإله المعبود أن يقف عباده بين يديه ضارعين خاشعين، يلتمسون إمداده ومعونته، فهم في الحقيقة عابدون لأولئك الأموات من حيث لا يشعرون.
هذه صورة من صور نفوس المسلمين في عصر التوحيد. أما اليوم وقد داخل عقيدتهم ما داخلها من الشرك الباطن تارة والظاهر أخرى، فقد ذلت رقابهم، وخفقت رؤوسهم، وضرعت نفوسهم، وفترت حميتهم، فرضوا بخطة الخسف، واستناموا إلى المنزلة الدنيا، فوجد أعدائهم السبيل إليهم، فغلبوا على أمرهم، وملكوا عليهم نفوسهم، وأموالهم، ومواطنهم، وديارهم، فأصبحوا من الخاسرين.
والله، لن يسترجع المسلمون سالف مجدهم، ولن يبلغوا ما يريدون لأنفسهم من سعادة الحياة وهناءتها، إلا إذا استرجعوا قبل ذلك ما أضاعوه من عقيدة التوحيد. وإن طلوع الشمس من مغربها، وانصباب ماء النهر في منبعه، أقرب من رجوع الإسلام إلى سالف مجده، مادام المسلمون يقفون بين يدي الجيلاني كما يقفون بين يدي الله ويقولون للأول كما يقولون للثاني: ((أنت المتصرف في الكائنات، أنت سيد الأرضين والسموات)).
إن الله أغير على نفسه من أن يسعد أقواما يتخذونه وراءهم ظهرياً. فإذا نزلت بهم جائحة، أو ألمت بهم ملمة.ذكروا الحجر قبل أن يذكروه، ونادوا الجذع قبل أن ينادوه.
بمن استغيث؟ وبمن استنجد؟ ومن الذي أدعوه لهذه الملمة الفادحة؟ أأدعو علماء مصر وهم الذين يتهافتون على (يوم النكسة) تهافت الذباب على الشراب؟ أم علماء الآستانة وهم الذين قتلوا جمال الدين الأفغاني فيلسوف الإسلام ليحيوا أبا الهدى الصيادي شيخ الطريقة الرفاعية؟ أم علماء العجم الذين يحجون إلى قبر الإمام كما يحجون إلى البيت الحرام؟ أم علماء الهند و بينهم أمثال مؤلف هذا الكتاب؟.
يا قادة الأمة ورؤساءها عذرنا العامة في إشراكها، وفساد عقائدها، وقلنا: إن العامي أقصر نظراً، وأضعف بصيرة من أن يتصور الألوهية إلا إذا رآها ماثلة في النصب، والتماثيل، والأضرحة والقبور. فما عذركم أنتم وأنتم تتلون كتاب الله، وتقرأون صفاته ونعوته، وتفهمون معنى قوله تعالى: {قل لا يعلم من السموات والأرض الغيب إلا الله} [النمل: ٦٥] وقوله مخاطبا نبيه: {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً} [الأعراف: ۱٨٨]. وقوله: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [الأنفال: ۱۷] ؟
إنكم تقولون في صباحكم ومسائكم وغدوكم ورواحكم: (كل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف) فهل تعلمون أن السلف الصالح كانوا يجصصون قبراً، أو يتوسلون بضريح؟
وهل تعلمون أن واحداً منهم وقف عند النبي صلى الله عليه وسلم، أو قبر أحد من أصحابه أوآل بيته، يسأله قضاء حاجة، أو تفريج هم؟
وهل تعلمون أن الرفاعي والجيلاني والبدوي أكرم عند الله وأعظم وسيلة إليه من الأنبياء والمرسلين، والصحابة والتابعين؟.
وهل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما نهى عن إقامة الصور والتماثيل، نهى عنها عبثاً ولعباً ـ حاشا وكلا ـ، أم مخافة أن تعيد للمسلمين جاهليتهم الأولى؟ وأي فرق بين الصور والتماثيل وبين الأضرحة والقبور، مادام كل منها يجر إلى الشرك ويفسد عقيدة التوحيد؟.
والله، ما جهلتم شيئا من هذا، ولكنكم آثرتم الحياة الدنيا على الآخرة، فعاقبكم الله على ذلك بسلب نعمتكم، وانتقاض أمركم، وسلط عليكم أعداءكم يسلبون أوطانكم، ويستعبدون رقابكم، ويخربون دياركم، والله شديد العقاب.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اهـ

====================


مختصراً من مقال "دمعة على الإسلام" للأديب مصطفى لطفي المنفلوطي
مؤلفات مصطفى لطفي المنفلوطي الموضوعة الكاملة صفحة: ((311-316)).
__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 02-07-2015, 08:48 AM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي


نشرت جريدة ((ثمرات الفنون)) البيروتية في العدد 1654 بتاريخ ( 13 صفر 1326 هـ / 16 آذار 1906 م ) ( ص 2 و 3 ):
بحثاً للشيخ مصطفى لطفي المنفلوطي رحمه الله – نقلاً عن جريدة المؤيد – رفض فيه إقامة نصب تمثال لمصطفى كمال باشا، لأن التماثيل محرّمة في الإسلام، واقترح إنشاء مدرسة تحمل اسمه وتعلّم المعارف والأخلاق والآداب الدينية والمذاهب الوطنية.

============
* ((الشيخ عبد القادر القباني وجريدة ثمرات الفنون)) ( ص 101 / ط. دار العلم للملايين )
__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 02-08-2015, 02:38 AM
زهير آل بوزيد زهير آل بوزيد غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: الجزائر
المشاركات: 287
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو معاوية البيروتي مشاهدة المشاركة

من كتاب المنفلوطي الشهير (( النظرات )) ، قال رحمه الله :

((رسالة وصلتني من الهند ويعلم الله أني ما أتممتها حتى دارت بي الأرض وأظلمت الدنيا....
كتب إلي أحد علماء الهند كتاباً يقول فيه: إنه اطلع على مؤلف ظهر حديثاً بلغة (التاميل) ـ وهي لغة الهنود الساكنين بناقور وملحقاتها ـ موضوعه: تاريخ حياة السيد عبد القادر الجيلاني وذكر مناقبه وكراماته، فرأى فيه من الصفات والألقاب التي وصف بها الكاتب السيد عبد القادر ولقبه بها صفات وألقابا هي بمقام الألوهية أليق منها بمقام النبوة ، فضلاً عن مقام الولاية كقوله (سيد السموات والأرض) و (النفاع الضرار) و (المتصرف في الأكوان) و (المطلع على أسرار الخليقة) و (ومحيي الموتى) و (ومبرئ الأعمى والأبرص والأكمه) و (أمره من أمر الله) و (ماحي الذنوب) و (دافع البلاء) و (الرافع الواضع) و (صاحب الشريعة) و (صاحب الوجود التام) إلى كثير من أمثال هذه النعوت والألقاب!
ويقول الكاتب: أنه رأى في ذلك الكتاب فصلا يشرح فيه المؤلف الكيفية التي يجب أن يتكيف بها الزائر لقبر السيد عبد القادر الجيلاني يقول فيه:
((أول ما يجب على الزائر أن يتوضأ وضوءاً سابغاً، ثم يصلي ركعتين بخشوع واستحضار، ثم يتوجه إلى تلك الكعبة المشرفة؛ وبعد السلام على صاحب الضريح المعظم يقول: يا صاحب الثقلين ، أغثني وأمدني بقضاء حاجتي وتفريج كربتي. أغثني يا محيي الدين عبد القادر، أغثني يا ولي عبد القادر ، أغثني يا سلطان عبد القادر ، أغثني يا بادشاه عبد القادر، أغثني يا خوجة عبد القادر.
يا حضرة الغوث الصمداني، يا سيدي عبد القادر الجيلاني، عبدك ومريدك مظلوم عاجز محتاج إليك في جميع الأمور في الدين والدنيا والآخرة)).
ويقول الكاتب أيضا: إن في بلدة (ناقور) في الهند قبرا يسمى (شاه الحميد)، وهو أحد أولاد السيد عبد القادر – كما يزعمون – وأن الهنود يسجدون بين يدي ذلك القبر سجودهم بين يدي الله، وأن في كل من بلدان الهنود وقراها مزارا يمثل مزار السيد عبد القادر، فيكون القبلة التي يتوجه إليها المسلمون في تلك البلاد والملجأ الذي يلجأون في حاجاتهم وشدائدهم إليه، وينفقون من الأموال على خدمته وسدانته، وفي موالده وحضراته ما لو أنفق على فقراء الأرض جميعاً لصاروا أغنياء.
هذا ما كتبه إلي هذا الكاتب؛ ويعلم الله أني ما أتممت قراءة رسالته حتى دارت بي الأرض الفضاء وأظلمت الدنيا في عيني، فما أبصر ممن حولي شيئا حزنا وأسفا على ما آلت إليه حالة الإسلام بين أقوام نكروه بعدما عرفوه، ووضعوه بعدما رفعوه، وذهبوا به مذاهب لا يعرفها، ولا شأن له بها.
أي عين يجمل بها أن تستبقي في محاجرها قطرة واحدة من الدمع، فلا تريقها أمام هذا المنظر المؤثر المحزن، منظر أولئك المسلمين، وهم ركع سجد على أعتاب القبور.
أي قلب يستطيع أن يستقر بين جنبي صاحبه ساعة واحدة، فلا يطير جزعا حينما يرى المسلمين أصحاب دين التوحيد أكثر من المشركين إشراكا بالله؛ وأوسعهم دائرة في تعدد الآلهة؛ وكثرة المعبودات!.
لم ينقم المسلمون التثليث من المسيحيين؟ لم يحملوا لهم في صدورهم تلك الموجدة وذلك الضغن؟ علام يحاربونهم؟ وفي ما يقاتلونهم وهم لم يبلغوا من الشرك بالله مبلغهم، ولم يغرقوا فيه إغراقهم!؟.
يدين المسيحيون بآلهة ثلاثة، ولكنهم يشعرون بغرابة هذا التعدد وبعده عن العقل، فيتأولون فيه، ويقولون إن الثلاثة في حكم الواحد.
أما المسلمون فيدينون بآلاف الآلهة، أكثرها جذوع أشجار، وجثث أموات، وقطع أحجار، من حيث لا يشعرون!
كثيرا ما يضمر الإنسان في نفسه أمرا، وهو لا يشعر به، وكثيرا ما تشتمل نفسه على عقيدة خفية لا يحس باشتمال نفسه عليها. ولا أرى مثلا لذلك أقرب من المسلمين الذين يلتجئون في حاجاتهم ومطالبهم إلى سكان القبور ويتضرعون إليهم تضرعهم للإله المعبود.
فإذا عتب عليهم في ذلك عاتب، قالوا: إنا لا نعبدهم، وإنما نتوسل بهم إلى الله، كأنهم يشعرون أن العبادة ما هم فيه، وأن أكبر مظهر لألوهية الإله المعبود أن يقف عباده بين يديه ضارعين خاشعين، يلتمسون إمداده ومعونته، فهم في الحقيقة عابدون لأولئك الأموات من حيث لا يشعرون.
هذه صورة من صور نفوس المسلمين في عصر التوحيد. أما اليوم وقد داخل عقيدتهم ما داخلها من الشرك الباطن تارة والظاهر أخرى، فقد ذلت رقابهم، وخفقت رؤوسهم، وضرعت نفوسهم، وفترت حميتهم، فرضوا بخطة الخسف، واستناموا إلى المنزلة الدنيا، فوجد أعدائهم السبيل إليهم، فغلبوا على أمرهم، وملكوا عليهم نفوسهم، وأموالهم، ومواطنهم، وديارهم، فأصبحوا من الخاسرين.
والله، لن يسترجع المسلمون سالف مجدهم، ولن يبلغوا ما يريدون لأنفسهم من سعادة الحياة وهناءتها، إلا إذا استرجعوا قبل ذلك ما أضاعوه من عقيدة التوحيد. وإن طلوع الشمس من مغربها، وانصباب ماء النهر في منبعه، أقرب من رجوع الإسلام إلى سالف مجده، مادام المسلمون يقفون بين يدي الجيلاني كما يقفون بين يدي الله ويقولون للأول كما يقولون للثاني: ((أنت المتصرف في الكائنات، أنت سيد الأرضين والسموات)).
إن الله أغير على نفسه من أن يسعد أقواما يتخذونه وراءهم ظهرياً. فإذا نزلت بهم جائحة، أو ألمت بهم ملمة.ذكروا الحجر قبل أن يذكروه، ونادوا الجذع قبل أن ينادوه.
بمن استغيث؟ وبمن استنجد؟ ومن الذي أدعوه لهذه الملمة الفادحة؟ أأدعو علماء مصر وهم الذين يتهافتون على (يوم النكسة) تهافت الذباب على الشراب؟ أم علماء الآستانة وهم الذين قتلوا جمال الدين الأفغاني فيلسوف الإسلام ليحيوا أبا الهدى الصيادي شيخ الطريقة الرفاعية؟ أم علماء العجم الذين يحجون إلى قبر الإمام كما يحجون إلى البيت الحرام؟ أم علماء الهند و بينهم أمثال مؤلف هذا الكتاب؟.
يا قادة الأمة ورؤساءها عذرنا العامة في إشراكها، وفساد عقائدها، وقلنا: إن العامي أقصر نظراً، وأضعف بصيرة من أن يتصور الألوهية إلا إذا رآها ماثلة في النصب، والتماثيل، والأضرحة والقبور. فما عذركم أنتم وأنتم تتلون كتاب الله، وتقرأون صفاته ونعوته، وتفهمون معنى قوله تعالى: {قل لا يعلم من السموات والأرض الغيب إلا الله} [النمل: ٦٥] وقوله مخاطبا نبيه: {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً} [الأعراف: ۱٨٨]. وقوله: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [الأنفال: ۱۷] ؟
إنكم تقولون في صباحكم ومسائكم وغدوكم ورواحكم: (كل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف) فهل تعلمون أن السلف الصالح كانوا يجصصون قبراً، أو يتوسلون بضريح؟
وهل تعلمون أن واحداً منهم وقف عند النبي صلى الله عليه وسلم، أو قبر أحد من أصحابه أوآل بيته، يسأله قضاء حاجة، أو تفريج هم؟
وهل تعلمون أن الرفاعي والجيلاني والبدوي أكرم عند الله وأعظم وسيلة إليه من الأنبياء والمرسلين، والصحابة والتابعين؟.
وهل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما نهى عن إقامة الصور والتماثيل، نهى عنها عبثاً ولعباً ـ حاشا وكلا ـ، أم مخافة أن تعيد للمسلمين جاهليتهم الأولى؟ وأي فرق بين الصور والتماثيل وبين الأضرحة والقبور، مادام كل منها يجر إلى الشرك ويفسد عقيدة التوحيد؟.
والله، ما جهلتم شيئا من هذا، ولكنكم آثرتم الحياة الدنيا على الآخرة، فعاقبكم الله على ذلك بسلب نعمتكم، وانتقاض أمركم، وسلط عليكم أعداءكم يسلبون أوطانكم، ويستعبدون رقابكم، ويخربون دياركم، والله شديد العقاب.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اهـ

====================


مختصراً من مقال "دمعة على الإسلام" للأديب مصطفى لطفي المنفلوطي
مؤلفات مصطفى لطفي المنفلوطي الموضوعة الكاملة صفحة: ((311-316)).
و كأني أقرأ لأحد علماء نجد
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 02-14-2015, 07:43 AM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي


قال أمير البيان مصطفى لطفي المنفلوطي ( 1876 - 1924 م ) رحمه الله :
لو علمت أن مآرب هذه الحياة الدنيا وأغراضها لا تنال إلا بترك شعيرة من شعائر الدين،
أو العبث بفريضة من فرائضه لعفتها واجتنبتها ونفضت يدي منها.
ولو علمت أن الوطنية - وهي أفضل ما حمل امرؤ بين جنبيه من خلال الخير - تعترض طريقي إلى آخرتي،
أو تمتد حجاباً بيني وبين ربي،
لخرجت منها كما أخرج من ردائي.
__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 02-15-2015, 02:45 AM
أبو عبد الله عادل السلفي أبو عبد الله عادل السلفي غير متواجد حالياً
مشرف منبر المقالات المترجمة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الولايات المتحدة الأمريكية
المشاركات: 4,043
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو معاوية البيروتي مشاهدة المشاركة

من كتاب المنفلوطي الشهير (( النظرات )) ، قال رحمه الله :

((رسالة وصلتني من الهند ويعلم الله أني ما أتممتها حتى دارت بي الأرض وأظلمت الدنيا....
كتب إلي أحد علماء الهند كتاباً يقول فيه: إنه اطلع على مؤلف ظهر حديثاً بلغة (التاميل) ـ وهي لغة الهنود الساكنين بناقور وملحقاتها ـ موضوعه: تاريخ حياة السيد عبد القادر الجيلاني وذكر مناقبه وكراماته، فرأى فيه من الصفات والألقاب التي وصف بها الكاتب السيد عبد القادر ولقبه بها صفات وألقابا هي بمقام الألوهية أليق منها بمقام النبوة ، فضلاً عن مقام الولاية كقوله (سيد السموات والأرض) و (النفاع الضرار) و (المتصرف في الأكوان) و (المطلع على أسرار الخليقة) و (ومحيي الموتى) و (ومبرئ الأعمى والأبرص والأكمه) و (أمره من أمر الله) و (ماحي الذنوب) و (دافع البلاء) و (الرافع الواضع) و (صاحب الشريعة) و (صاحب الوجود التام) إلى كثير من أمثال هذه النعوت والألقاب!
ويقول الكاتب: أنه رأى في ذلك الكتاب فصلا يشرح فيه المؤلف الكيفية التي يجب أن يتكيف بها الزائر لقبر السيد عبد القادر الجيلاني يقول فيه:
((أول ما يجب على الزائر أن يتوضأ وضوءاً سابغاً، ثم يصلي ركعتين بخشوع واستحضار، ثم يتوجه إلى تلك الكعبة المشرفة؛ وبعد السلام على صاحب الضريح المعظم يقول: يا صاحب الثقلين ، أغثني وأمدني بقضاء حاجتي وتفريج كربتي. أغثني يا محيي الدين عبد القادر، أغثني يا ولي عبد القادر ، أغثني يا سلطان عبد القادر ، أغثني يا بادشاه عبد القادر، أغثني يا خوجة عبد القادر.
يا حضرة الغوث الصمداني، يا سيدي عبد القادر الجيلاني، عبدك ومريدك مظلوم عاجز محتاج إليك في جميع الأمور في الدين والدنيا والآخرة)).
ويقول الكاتب أيضا: إن في بلدة (ناقور) في الهند قبرا يسمى (شاه الحميد)، وهو أحد أولاد السيد عبد القادر – كما يزعمون – وأن الهنود يسجدون بين يدي ذلك القبر سجودهم بين يدي الله، وأن في كل من بلدان الهنود وقراها مزارا يمثل مزار السيد عبد القادر، فيكون القبلة التي يتوجه إليها المسلمون في تلك البلاد والملجأ الذي يلجأون في حاجاتهم وشدائدهم إليه، وينفقون من الأموال على خدمته وسدانته، وفي موالده وحضراته ما لو أنفق على فقراء الأرض جميعاً لصاروا أغنياء.
هذا ما كتبه إلي هذا الكاتب؛ ويعلم الله أني ما أتممت قراءة رسالته حتى دارت بي الأرض الفضاء وأظلمت الدنيا في عيني، فما أبصر ممن حولي شيئا حزنا وأسفا على ما آلت إليه حالة الإسلام بين أقوام نكروه بعدما عرفوه، ووضعوه بعدما رفعوه، وذهبوا به مذاهب لا يعرفها، ولا شأن له بها.
أي عين يجمل بها أن تستبقي في محاجرها قطرة واحدة من الدمع، فلا تريقها أمام هذا المنظر المؤثر المحزن، منظر أولئك المسلمين، وهم ركع سجد على أعتاب القبور.
أي قلب يستطيع أن يستقر بين جنبي صاحبه ساعة واحدة، فلا يطير جزعا حينما يرى المسلمين أصحاب دين التوحيد أكثر من المشركين إشراكا بالله؛ وأوسعهم دائرة في تعدد الآلهة؛ وكثرة المعبودات!.
لم ينقم المسلمون التثليث من المسيحيين؟ لم يحملوا لهم في صدورهم تلك الموجدة وذلك الضغن؟ علام يحاربونهم؟ وفي ما يقاتلونهم وهم لم يبلغوا من الشرك بالله مبلغهم، ولم يغرقوا فيه إغراقهم!؟.
يدين المسيحيون بآلهة ثلاثة، ولكنهم يشعرون بغرابة هذا التعدد وبعده عن العقل، فيتأولون فيه، ويقولون إن الثلاثة في حكم الواحد.
أما المسلمون فيدينون بآلاف الآلهة، أكثرها جذوع أشجار، وجثث أموات، وقطع أحجار، من حيث لا يشعرون!
كثيرا ما يضمر الإنسان في نفسه أمرا، وهو لا يشعر به، وكثيرا ما تشتمل نفسه على عقيدة خفية لا يحس باشتمال نفسه عليها. ولا أرى مثلا لذلك أقرب من المسلمين الذين يلتجئون في حاجاتهم ومطالبهم إلى سكان القبور ويتضرعون إليهم تضرعهم للإله المعبود.
فإذا عتب عليهم في ذلك عاتب، قالوا: إنا لا نعبدهم، وإنما نتوسل بهم إلى الله، كأنهم يشعرون أن العبادة ما هم فيه، وأن أكبر مظهر لألوهية الإله المعبود أن يقف عباده بين يديه ضارعين خاشعين، يلتمسون إمداده ومعونته، فهم في الحقيقة عابدون لأولئك الأموات من حيث لا يشعرون.
هذه صورة من صور نفوس المسلمين في عصر التوحيد. أما اليوم وقد داخل عقيدتهم ما داخلها من الشرك الباطن تارة والظاهر أخرى، فقد ذلت رقابهم، وخفقت رؤوسهم، وضرعت نفوسهم، وفترت حميتهم، فرضوا بخطة الخسف، واستناموا إلى المنزلة الدنيا، فوجد أعدائهم السبيل إليهم، فغلبوا على أمرهم، وملكوا عليهم نفوسهم، وأموالهم، ومواطنهم، وديارهم، فأصبحوا من الخاسرين.
والله، لن يسترجع المسلمون سالف مجدهم، ولن يبلغوا ما يريدون لأنفسهم من سعادة الحياة وهناءتها، إلا إذا استرجعوا قبل ذلك ما أضاعوه من عقيدة التوحيد. وإن طلوع الشمس من مغربها، وانصباب ماء النهر في منبعه، أقرب من رجوع الإسلام إلى سالف مجده، مادام المسلمون يقفون بين يدي الجيلاني كما يقفون بين يدي الله ويقولون للأول كما يقولون للثاني: ((أنت المتصرف في الكائنات، أنت سيد الأرضين والسموات)).
إن الله أغير على نفسه من أن يسعد أقواما يتخذونه وراءهم ظهرياً. فإذا نزلت بهم جائحة، أو ألمت بهم ملمة.ذكروا الحجر قبل أن يذكروه، ونادوا الجذع قبل أن ينادوه.
بمن استغيث؟ وبمن استنجد؟ ومن الذي أدعوه لهذه الملمة الفادحة؟ أأدعو علماء مصر وهم الذين يتهافتون على (يوم النكسة) تهافت الذباب على الشراب؟ أم علماء الآستانة وهم الذين قتلوا جمال الدين الأفغاني فيلسوف الإسلام ليحيوا أبا الهدى الصيادي شيخ الطريقة الرفاعية؟ أم علماء العجم الذين يحجون إلى قبر الإمام كما يحجون إلى البيت الحرام؟ أم علماء الهند و بينهم أمثال مؤلف هذا الكتاب؟.
يا قادة الأمة ورؤساءها عذرنا العامة في إشراكها، وفساد عقائدها، وقلنا: إن العامي أقصر نظراً، وأضعف بصيرة من أن يتصور الألوهية إلا إذا رآها ماثلة في النصب، والتماثيل، والأضرحة والقبور. فما عذركم أنتم وأنتم تتلون كتاب الله، وتقرأون صفاته ونعوته، وتفهمون معنى قوله تعالى: {قل لا يعلم من السموات والأرض الغيب إلا الله} [النمل: ٦٥] وقوله مخاطبا نبيه: {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً} [الأعراف: ۱٨٨]. وقوله: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [الأنفال: ۱۷] ؟
إنكم تقولون في صباحكم ومسائكم وغدوكم ورواحكم: (كل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف) فهل تعلمون أن السلف الصالح كانوا يجصصون قبراً، أو يتوسلون بضريح؟
وهل تعلمون أن واحداً منهم وقف عند النبي صلى الله عليه وسلم، أو قبر أحد من أصحابه أوآل بيته، يسأله قضاء حاجة، أو تفريج هم؟
وهل تعلمون أن الرفاعي والجيلاني والبدوي أكرم عند الله وأعظم وسيلة إليه من الأنبياء والمرسلين، والصحابة والتابعين؟.
وهل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما نهى عن إقامة الصور والتماثيل، نهى عنها عبثاً ولعباً ـ حاشا وكلا ـ، أم مخافة أن تعيد للمسلمين جاهليتهم الأولى؟ وأي فرق بين الصور والتماثيل وبين الأضرحة والقبور، مادام كل منها يجر إلى الشرك ويفسد عقيدة التوحيد؟.
والله، ما جهلتم شيئا من هذا، ولكنكم آثرتم الحياة الدنيا على الآخرة، فعاقبكم الله على ذلك بسلب نعمتكم، وانتقاض أمركم، وسلط عليكم أعداءكم يسلبون أوطانكم، ويستعبدون رقابكم، ويخربون دياركم، والله شديد العقاب.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اهـ

====================


مختصراً من مقال "دمعة على الإسلام" للأديب مصطفى لطفي المنفلوطي
مؤلفات مصطفى لطفي المنفلوطي الموضوعة الكاملة صفحة: ((311-316)).
للشيخ عبد السلام البرجس تعليقات على هذه الرسالة، على اليوتيوب بعنوان االرد على القبوريين.
__________________
قال أيوب السختياني: إنك لا تُبْصِرُ خطأَ معلِّمِكَ حتى تجالسَ غيرَه، جالِسِ الناسَ. (الحلية 3/9).

قال أبو الحسن الأشعري في كتاب (( مقالات الإسلاميين)):
"ويرون [يعني أهل السنة و الجماعة ].مجانبة كل داع إلى بدعة، و التشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار، و النظر في الفقه مع التواضع و الإستكانة وحسن الخلق، وبذل المعروف، وكف الأذى، وترك الغيبة و النميمة والسعادة، وتفقد المآكل و المشارب."


عادل بن رحو بن علال القُطْبي المغربي
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 02-15-2015, 02:55 AM
أبو عبد الله عادل السلفي أبو عبد الله عادل السلفي غير متواجد حالياً
مشرف منبر المقالات المترجمة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الولايات المتحدة الأمريكية
المشاركات: 4,043
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو معاوية البيروتي مشاهدة المشاركة

من كتاب المنفلوطي الشهير (( النظرات )) ، قال رحمه الله :

((رسالة وصلتني من الهند ويعلم الله أني ما أتممتها حتى دارت بي الأرض وأظلمت الدنيا....
كتب إلي أحد علماء الهند كتاباً يقول فيه: إنه اطلع على مؤلف ظهر حديثاً بلغة (التاميل) ـ وهي لغة الهنود الساكنين بناقور وملحقاتها ـ موضوعه: تاريخ حياة السيد عبد القادر الجيلاني وذكر مناقبه وكراماته، فرأى فيه من الصفات والألقاب التي وصف بها الكاتب السيد عبد القادر ولقبه بها صفات وألقابا هي بمقام الألوهية أليق منها بمقام النبوة ، فضلاً عن مقام الولاية كقوله (سيد السموات والأرض) و (النفاع الضرار) و (المتصرف في الأكوان) و (المطلع على أسرار الخليقة) و (ومحيي الموتى) و (ومبرئ الأعمى والأبرص والأكمه) و (أمره من أمر الله) و (ماحي الذنوب) و (دافع البلاء) و (الرافع الواضع) و (صاحب الشريعة) و (صاحب الوجود التام) إلى كثير من أمثال هذه النعوت والألقاب!
ويقول الكاتب: أنه رأى في ذلك الكتاب فصلا يشرح فيه المؤلف الكيفية التي يجب أن يتكيف بها الزائر لقبر السيد عبد القادر الجيلاني يقول فيه:
((أول ما يجب على الزائر أن يتوضأ وضوءاً سابغاً، ثم يصلي ركعتين بخشوع واستحضار، ثم يتوجه إلى تلك الكعبة المشرفة؛ وبعد السلام على صاحب الضريح المعظم يقول: يا صاحب الثقلين ، أغثني وأمدني بقضاء حاجتي وتفريج كربتي. أغثني يا محيي الدين عبد القادر، أغثني يا ولي عبد القادر ، أغثني يا سلطان عبد القادر ، أغثني يا بادشاه عبد القادر، أغثني يا خوجة عبد القادر.
يا حضرة الغوث الصمداني، يا سيدي عبد القادر الجيلاني، عبدك ومريدك مظلوم عاجز محتاج إليك في جميع الأمور في الدين والدنيا والآخرة)).
ويقول الكاتب أيضا: إن في بلدة (ناقور) في الهند قبرا يسمى (شاه الحميد)، وهو أحد أولاد السيد عبد القادر – كما يزعمون – وأن الهنود يسجدون بين يدي ذلك القبر سجودهم بين يدي الله، وأن في كل من بلدان الهنود وقراها مزارا يمثل مزار السيد عبد القادر، فيكون القبلة التي يتوجه إليها المسلمون في تلك البلاد والملجأ الذي يلجأون في حاجاتهم وشدائدهم إليه، وينفقون من الأموال على خدمته وسدانته، وفي موالده وحضراته ما لو أنفق على فقراء الأرض جميعاً لصاروا أغنياء.
هذا ما كتبه إلي هذا الكاتب؛ ويعلم الله أني ما أتممت قراءة رسالته حتى دارت بي الأرض الفضاء وأظلمت الدنيا في عيني، فما أبصر ممن حولي شيئا حزنا وأسفا على ما آلت إليه حالة الإسلام بين أقوام نكروه بعدما عرفوه، ووضعوه بعدما رفعوه، وذهبوا به مذاهب لا يعرفها، ولا شأن له بها.
أي عين يجمل بها أن تستبقي في محاجرها قطرة واحدة من الدمع، فلا تريقها أمام هذا المنظر المؤثر المحزن، منظر أولئك المسلمين، وهم ركع سجد على أعتاب القبور.
أي قلب يستطيع أن يستقر بين جنبي صاحبه ساعة واحدة، فلا يطير جزعا حينما يرى المسلمين أصحاب دين التوحيد أكثر من المشركين إشراكا بالله؛ وأوسعهم دائرة في تعدد الآلهة؛ وكثرة المعبودات!.
لم ينقم المسلمون التثليث من المسيحيين؟ لم يحملوا لهم في صدورهم تلك الموجدة وذلك الضغن؟ علام يحاربونهم؟ وفي ما يقاتلونهم وهم لم يبلغوا من الشرك بالله مبلغهم، ولم يغرقوا فيه إغراقهم!؟.
يدين المسيحيون بآلهة ثلاثة، ولكنهم يشعرون بغرابة هذا التعدد وبعده عن العقل، فيتأولون فيه، ويقولون إن الثلاثة في حكم الواحد.
أما المسلمون فيدينون بآلاف الآلهة، أكثرها جذوع أشجار، وجثث أموات، وقطع أحجار، من حيث لا يشعرون!
كثيرا ما يضمر الإنسان في نفسه أمرا، وهو لا يشعر به، وكثيرا ما تشتمل نفسه على عقيدة خفية لا يحس باشتمال نفسه عليها. ولا أرى مثلا لذلك أقرب من المسلمين الذين يلتجئون في حاجاتهم ومطالبهم إلى سكان القبور ويتضرعون إليهم تضرعهم للإله المعبود.
فإذا عتب عليهم في ذلك عاتب، قالوا: إنا لا نعبدهم، وإنما نتوسل بهم إلى الله، كأنهم يشعرون أن العبادة ما هم فيه، وأن أكبر مظهر لألوهية الإله المعبود أن يقف عباده بين يديه ضارعين خاشعين، يلتمسون إمداده ومعونته، فهم في الحقيقة عابدون لأولئك الأموات من حيث لا يشعرون.
هذه صورة من صور نفوس المسلمين في عصر التوحيد. أما اليوم وقد داخل عقيدتهم ما داخلها من الشرك الباطن تارة والظاهر أخرى، فقد ذلت رقابهم، وخفقت رؤوسهم، وضرعت نفوسهم، وفترت حميتهم، فرضوا بخطة الخسف، واستناموا إلى المنزلة الدنيا، فوجد أعدائهم السبيل إليهم، فغلبوا على أمرهم، وملكوا عليهم نفوسهم، وأموالهم، ومواطنهم، وديارهم، فأصبحوا من الخاسرين.
والله، لن يسترجع المسلمون سالف مجدهم، ولن يبلغوا ما يريدون لأنفسهم من سعادة الحياة وهناءتها، إلا إذا استرجعوا قبل ذلك ما أضاعوه من عقيدة التوحيد. وإن طلوع الشمس من مغربها، وانصباب ماء النهر في منبعه، أقرب من رجوع الإسلام إلى سالف مجده، مادام المسلمون يقفون بين يدي الجيلاني كما يقفون بين يدي الله ويقولون للأول كما يقولون للثاني: ((أنت المتصرف في الكائنات، أنت سيد الأرضين والسموات)).
إن الله أغير على نفسه من أن يسعد أقواما يتخذونه وراءهم ظهرياً. فإذا نزلت بهم جائحة، أو ألمت بهم ملمة.ذكروا الحجر قبل أن يذكروه، ونادوا الجذع قبل أن ينادوه.
بمن استغيث؟ وبمن استنجد؟ ومن الذي أدعوه لهذه الملمة الفادحة؟ أأدعو علماء مصر وهم الذين يتهافتون على (يوم النكسة) تهافت الذباب على الشراب؟ أم علماء الآستانة وهم الذين قتلوا جمال الدين الأفغاني فيلسوف الإسلام ليحيوا أبا الهدى الصيادي شيخ الطريقة الرفاعية؟ أم علماء العجم الذين يحجون إلى قبر الإمام كما يحجون إلى البيت الحرام؟ أم علماء الهند و بينهم أمثال مؤلف هذا الكتاب؟.
يا قادة الأمة ورؤساءها عذرنا العامة في إشراكها، وفساد عقائدها، وقلنا: إن العامي أقصر نظراً، وأضعف بصيرة من أن يتصور الألوهية إلا إذا رآها ماثلة في النصب، والتماثيل، والأضرحة والقبور. فما عذركم أنتم وأنتم تتلون كتاب الله، وتقرأون صفاته ونعوته، وتفهمون معنى قوله تعالى: {قل لا يعلم من السموات والأرض الغيب إلا الله} [النمل: ٦٥] وقوله مخاطبا نبيه: {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً} [الأعراف: ۱٨٨]. وقوله: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [الأنفال: ۱۷] ؟
إنكم تقولون في صباحكم ومسائكم وغدوكم ورواحكم: (كل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف) فهل تعلمون أن السلف الصالح كانوا يجصصون قبراً، أو يتوسلون بضريح؟
وهل تعلمون أن واحداً منهم وقف عند النبي صلى الله عليه وسلم، أو قبر أحد من أصحابه أوآل بيته، يسأله قضاء حاجة، أو تفريج هم؟
وهل تعلمون أن الرفاعي والجيلاني والبدوي أكرم عند الله وأعظم وسيلة إليه من الأنبياء والمرسلين، والصحابة والتابعين؟.
وهل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما نهى عن إقامة الصور والتماثيل، نهى عنها عبثاً ولعباً ـ حاشا وكلا ـ، أم مخافة أن تعيد للمسلمين جاهليتهم الأولى؟ وأي فرق بين الصور والتماثيل وبين الأضرحة والقبور، مادام كل منها يجر إلى الشرك ويفسد عقيدة التوحيد؟.
والله، ما جهلتم شيئا من هذا، ولكنكم آثرتم الحياة الدنيا على الآخرة، فعاقبكم الله على ذلك بسلب نعمتكم، وانتقاض أمركم، وسلط عليكم أعداءكم يسلبون أوطانكم، ويستعبدون رقابكم، ويخربون دياركم، والله شديد العقاب.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اهـ

====================


مختصراً من مقال "دمعة على الإسلام" للأديب مصطفى لطفي المنفلوطي
مؤلفات مصطفى لطفي المنفلوطي الموضوعة الكاملة صفحة: ((311-316)).
للشيخ عبد السلام البرجس تعليقات على هذه الرسالة، على اليوتيوب بعنوان االرد على القبوريين.
__________________
قال أيوب السختياني: إنك لا تُبْصِرُ خطأَ معلِّمِكَ حتى تجالسَ غيرَه، جالِسِ الناسَ. (الحلية 3/9).

قال أبو الحسن الأشعري في كتاب (( مقالات الإسلاميين)):
"ويرون [يعني أهل السنة و الجماعة ].مجانبة كل داع إلى بدعة، و التشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار، و النظر في الفقه مع التواضع و الإستكانة وحسن الخلق، وبذل المعروف، وكف الأذى، وترك الغيبة و النميمة والسعادة، وتفقد المآكل و المشارب."


عادل بن رحو بن علال القُطْبي المغربي
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 02-17-2015, 07:51 AM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي


نشرت جريدة ((ثمرات الفنون)) البيروتية في العدد 1654 بتاريخ ( 13 صفر 1326 هـ / 16 آذار 1906 م ) ( ص 2 و 3 ):
بحثاً للشيخ مصطفى لطفي المنفلوطي رحمه الله – نقلاً عن جريدة المؤيد – رفض فيه إقامة نصب تمثال لمصطفى كمال باشا، لأن التماثيل محرّمة في الإسلام، واقترح إنشاء مدرسة تحمل اسمه وتعلّم المعارف والأخلاق والآداب الدينية والمذاهب الوطنية.

============
* ((الشيخ عبد القادر القباني وجريدة ثمرات الفنون)) ( ص 101 / ط. دار العلم للملايين )



التماثيل



كتب أمير البيان مصطفى لطفي المنفلوطي رحمه الله:
جاءني الكتاب الآتي من حضرة الكاتب الفاضل محرر جريدة ثمرات الفنون ببيروت, وقد ناشدني الله أن أنشره بنصه فلم أر بدا من تلبية طلبه, وها هو:
سيدي المنشئ الفاضل:
أحييك بتحية الإسلام، وأبثك الشكر والثناء على ما تزين به صدر المؤيد الأغر من أبكار الأفكار ونفائس الآثار، مما يتلقاه أبناء هذا الثغر بالارتياح والابتهاج حتى إننا حلينا جيد الثمرات، بعدة من هاتيك الدراري اللامعات، فجزاك الله عنا جزاء الخادم لأمته، المحب لوطنه، الغيور على دينه، وزادك همة ونشاطا في هذا السبيل سبيل الإصلاح والهداية.
ما كتبت إليك هذه الكلمات بقصد الإدلال على فضلك, والاعتراف بخدمتك فإن نفثات قلمك تدل على أنك من ذوي الأخلاق الفاضلة والنفوس الكبيرة الذين لا تغرهم أمثال هذه الزخارف الباطلة, فضلا عن أنك غني بنفسك عن كل مدح وثناء وإنما كتبت إليك لألفت نظرك الكريم إلى أمر كان له عندنا أثر سيئ في نفوس المسلمين قاطبة, وهو عزم المصريين على نصب تمثال لفقيد مصر مصطفى كامل باشا رحمه الله، كأن إخواننا المصريين أصبحوا أغنياء عن كل مشروع علمي أو أدبي أو اجتماعي فلم يبق بين أيديهم ما ينفقون فيه أموالهم إلا أمثال هذه المشاريع التافهة، أو كأنهم لا يعلمون أنها محرمة في دينهم دين الإسلام، أو كأنه صار من المحتم اللازم علينا أن نقلد الأوروبيين في كل ما يعملون, شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى "لو دخلوا -كما قال عليه الصلاة والسلام- جحر ضب لدخلناه" أو شربوا نخبا لشربناه، أو صنعوا صنما لصنعناه، كل ذلك يدل أصرح دلالة على أن الجمود ما برح مستحكما فينا؛ لأن التقليد الأعمى شأن العاجز الضعيف الذي لا يدري بماذا فاقه القوي القادر, فهو يقلده في جميع حركاته وسكناته ظنا منه أنها سر قوته وقدرته.
لو أقام المصريون لكل عامل بينهم تمثالا لعادت مصر إلى عهدها الأول في زمن الفراعنة حيث في كل بقعة هيكل وتمثال، وظني أن لو كان المرحوم مصطفى كامل باشا حيا لما رضي عن مشروع كهذا يمس الأمة المصرية في وطنيتها ودينها.
فناشدتك الله يا سيدي أن تنشر كلماتي هذه بنصها على صفحات المؤيد الأغر, فإن اليراع عندنا مغلول، إلى درجة ألف معها الخمول، فلا حول ولا قوة إلا بالله, محرر ثمرات الفنون
أحمد حسن طبارة


هذا نص كتابه, وقد كتبت إليه الرد الآتي:
حضرة الكاتب الفاضل:
قرأت كتابك فهبت علي من بين سطوره نسمة شرقية تمر بي الساعات والأيام والأشهر والأعوام في مصر أترقب هبوبها, فلا أجد إليها سبيلا.
كتبت إلي كلمة كان في استطاعتك أن تكتبها في جريدتك, ولكن حال بينك وبين ذلك ظن قام في نفسك أن اللسان في مصر أطلق منه في بيروت, وأنك واجد في بلدنا ما لا تجد في بلدك من حرية الفكر وسعة الصدر، وليتك تعلم يا سيدي أن كلمتك هذه لم يستطع أن ينطق بها في مصر غير رجلين، فكان نصيب أحدهما السب والآخر الضرب.
ليتك تعلم ذلك فلا تبالغ في حسن ظنك بحرية الأقلام في مصر, فإنها حرية موهومة لا يغتر بها من يعرف حقيقة الحرية ومن يعتبرها بنتائجها وآثارها، لا بزخارفها وتهاويلها.
نعم لا توجد في مصر شكائم في أفواه الناطقين، ولا جوامع في أيدي الكاتبين، ولكن محكمة الرأي العام فيها محكمة وجدانية أكثر منها قانونية، فهي إما أن تبرئ المتهم فتعلو به إلى مدار الأفلاك، أو تدينه فتهوي به إلى مقر الأسماك.
إن كثيرا من عقلاء الرجال في مصر يهابون التصريح بالحقائق التي يعلمون أنها نافعة لأمتهم أكثر مما يهاب الكتاب في سوريا الشكائم والأغلال؛ ذلك لأن الرأي العام هنا متهور في مذاهبه ومراميه, ظالم في أحكامه لم يخط إلى اليوم الخطوة الأولى في احترام الآراء وإجلال الأفكار وإنزالها المنازل التي تستحقها.
إن منظر العقلاء في مصر منظر محزن مؤثر يبعث الرحمة، ويستمطر العبرة، إنهم يعالجون من العامة فوق ما يعالج طبيب البيمارستان من مرضاه، إنهم يعانون من مجاراة الجاهلين في جهالاتهم وكتمان الحقائق التي تغلي في صدورهم غليان الماء في المرجل ما يرنق صفاء العيش ويشوه وجه الحياة، إنهم في حيرة لا يجدون إلى الخلاص منها سبيلا، إن نطقوا بكلمة إصلاح في الدين سماهم الجاهلون كفارا، أو في السياسة سموهم خونة، وإن سكتوا أغضبوا الله وأغضبوا الحق، فهم بين هذا وذاك كهارب من سبع مفترس لم يجد أمامه إلا الماء، فالهلاك إن أحجم، والغرق إن أقدم.
ربما تقول: إن الصحافة في مصر تملك زمام الرأي العام, فكيف تعجز عن حبس تياره وكسر شرته وقيادته إلى رشده وهداه؟
والجواب على ذلك أن الصحافة المصرية ناقصة نقصا كبيرا, مشتملة على عيوب ورذائل لو تجردت منها لبلغت الغاية التي تريدها من تعليم الشعب وتهذيبه وتقويم المعوج من ميوله ومذاهبه.
الكتاب في مصر ثلاثة: جاهل لا يميز بين ما ينفع أمته وما يضرها، وعاقل يهاب مصادرة الرأي العام في مألوفاته ومعهوداته، فيسكت مغلوبا على أمره، ومنافق يعرف الحقيقة ويعبث بها، فمن أي واحد من هؤلاء الثلاثة تستفيد الأمة رشدها وهداها؟!
وأكبر هؤلاء الثلاثة جرما، وأشدهم ضررا، وأسوؤهم أثرا، ذلك الكاتب المنافق الذي هو أشبه شيء بالنائحة التي تسدل على وجهها نقابا تتباكى من ورائه لتستبكي اللواتي يردن البكاء من النساء، وما في جفنها -يعلم الله- قطرة من الدمع، ولا في قلبها لاعج من الحزن، ولكن هكذا قدر لها أن يجري رزقها من بين العبرات والزفرات، وإن شئت فقل: إنه كشاعر القهوات يسرد على السامعين قصص الوقائع والحروب بين الأبطال الخياليين حتى يثير عواطفهم، ويهيج أحقادهم، فإذا قسمهم على أنفسهم وضرب بعضهم ببعض خلص من بينهم إلى منزله فرحا مغتبطا برنين الدراهم في كيسه, وقد ترك وراءه أولئك البسطاء أسرى الهموم والأحزان، قتلى الضغائن والأحقاد.
الكاتب العاقل يخدم عواطف الأمة بتنميتها وتهذيبها وتحويل تيارها إلى الخطة المثلى، أما الكاتب المنافق فإنه يستخدمها لنفسه وإن أفسدها على أصحابها.
ولقد دخلت مرة على بعض الكتّاب فعتبت عليه أنه يكتب غير ما يعتقد ويقول غير ما يعلم، وقلت: إن خطتك هذه مضرة بالأمة التي أنت أحد قادتها، وإنك قد سلكت في مذهبك هذا سبيلا ما كنا نعرفه لك قبل اليوم، فقد عهدناك تصدع بالحق لا تبالي أغضب الناس أم رضوا، وتجهر به وإن لم تجد أذنا واعية أو صدرا رحيبا، فأطرق طويلا ثم رفع رأسه وأحسب أني رأيت قطرة من الدمع تترقرق في عينيه وقال: والله ما سلكت هذا السبيل وأنا أعلم أن فيه رضى الله أو رضى الحق, ولكني امرؤ لا أعرف لنفسي صناعة غير صناعة القلم, قبحها الله وقبح كل ما تأتي به, وكنت أحسبني أستطيع أن أجمع فيها بين شرف النفس ورغد العيش فخاب ما أملت، إذ رأيت نفسي كسفينة ماخرة في بحر زاخر من شعب قاصر يطلب مني ما يلذه لا ما يفيده، ويتقاضاني ما يعجبه لا ما ينفعه، فطفقت أرتئي بين أن أرضي الحقيقة فأهلك جوعا أو أرضي الأمة فأعيش سعيدا، فغلبني حب الحياة على أمري، فلم أر بدا من الدخول على الأمة من ذينك البابين المعروفين؛ باب الوطنية وباب الدين، فاصطنعتهما لنفسي بعدما كنت أصطنع نفسي لهما، فرغد عيشي وحسن حالي وأصبحت لا يكدر علي صفائي غير الأسف على الحقيقة الضائعة.
هذه الأمة المصرية أيها الكاتب الفاضل، وهذه صحافتها، وهذا مبلغ الرأي العام فيها، وهذا موقف العقلاء بين يديه، فهل تظن بعد ذلك أن كاتبا يستطيع أن يقول للأمة ما لا تهوى، أو يجرؤ على التصريح بحقيقة يعتقدها بين هذا الشعب الهائج, وتلك الصحافة المتملقة.
إن كثيرا من عقلاء مصر ينكرون كما تنكر أنت نصب تمثال للمرحوم مصطفى كامل باشا لا لصفته الشخصية, فإنه ممن يستحقون الإجلال والإعظام، بل لأنه مسلم شرقي، والأمة التي تريد نصب تمثال له مسلمة شرقية كذلك، فإسلامها يحرم عليها نصب التماثيل وشرقيتها تنعَى عليها هذا الإسفاف في تقليد الغربيين في جميع عاداتهم ومألوفاتهم, بينما هم يترفعون على الاعتراف باستحسان شيء من عاداتنا وصفاتنا, فضلا عن الأخذ بها أو محاكاتها، إن نصب الغربيين التماثيل لنوابغ الرجال فلسفة تاريخية أرادوا بها تمثيل التاريخ اليوناني القديم, وإنزال عظمائهم ونوابغهم منزلة الآلهة وأنصاف الآلهة في ذلك التاريخ، أي: إنها عادة منحوتة من الديانات الوثنية، فهل يجمل بنا معشر المسلمين أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- هادم الأصنام وكاسر الأوثان، أن نحفل بعادة هذا منشؤها وتلك غايتها، وأن نستقبل بصدر رحب نصب التماثيل في بلد هي بقعة الإسلام، وباب البيت الحرام، ومعهد الأزهر الشريف، ومدفن الصحابة والتابعين والأئمة المطهرين.
أيجمل بنا أن نتخذ هذه العادات الوثنية في عصر ندعو فيه إلى الإصلاح الإسلامي ونحارب العوائد الخرافية الداخلة في الدين لنرجع به إلى عصره الأول عصر السلف الصالح حيث لا يصلح آخره إلا بما صلح به أوله؟!
على أنه إن كان الغرض من نصب التمثال للرجل العظيم تخليد ذكره واستبقاء صورته مرتسمة في أذهان الأجيال المستقبلة حتى لا تنساه, فإن جميع رجال الإسلام من علماء الدين إلى علماء الفنون لا تزال محفوظة بين الجوانح مآثرهم ومفاخرهم، مذكورة على الألسنة أسماؤهم وألقابهم، ولا نعرف لواحد منهم صورة مرسومة أو تمثالا قائما.
تظهر رجولة الرجل واضحة مفهومة حتى للبلداء والأغبياء في ثمرات عقله، ونتائج أعماله، وفي مكرمة يخلدها، أو مدرسة يشيدها, أو كتب يؤلفها, أو عقول يثقفها.
هذه أيها الأخ الفاضل آراء كثير من عقلاء المسلمين في مصر, يتحدثون بها في مجالسهم ولا ينشرونها في الصحف مخافة أن تلتصق بهم تهمة الخيانة للوطن, وهي الكلمة التي يتسلح بها الكتاب المنافقون في مصر ليحاربوا بها كل من خالفهم في رأيهم أو نازعهم حرفتهم كما كان يصنع رجال الأكليروس في العصور الوسطى في استخدام تهمة الكفر للفتك بأعدائهم والانتقام من خصومهم, والله أعلم بالخيانة أين مكانها, وفي أي قلب مستقرها.
أحسن أثر يقام لفقيد الوطن أن تنشأ باسمه مدرسة تربي فيها الناشئة الحديثة تحت رعاية الحزب الوطني على ما كان يحب الفقيد أن يكون عليه النشء الحديث في المعارف والأخلاق والآداب الدينية والمذاهب الوطنية, وينتخب لها معلمون متدينون مخلصون لله والوطن يستطيعون أن يقدموا للأمة في كل عام رجالا يكون كل واحد منهم صورة حية من صورة الفقيد, وتمثالا أنفع من تماثيل البرنز والأحجار.
هذا ما أراه أكتبه إليك, وأملي ضعيف أن يحقق الله رجائي فيه، ولكنها الحقيقة لا بد من الجهر بها والسلام عليك ورحمة الله.

* نقلتها من كتاب ((النظرات))
__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 03-21-2015, 07:01 AM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي


قال الشيخ علي الطنطاوي في ((ذكرياته)) : أحفظ من كلام المنفلوطي في ((نظراته)) – التي كنّا نعكف عليها ونستفيد منها – أن أحد العلماء سأل ابنه : من هو مَثَله الأعلى الذي يأمل أن يكون مثله؟
قال الولد: أنت.
قال الأب: يا مسكين، لقد كان مَثَلي الأعلى أن أكون أحد الصحابة، أو الأئمة الكبار، فبلغتُ ما ترى.
__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 06-02-2015, 06:11 AM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي


مختارات منفلوطية


*(( إن في رأسي عقلاً أجله في أن يكون سيقة للعقول أو ريشة في مهب الأغراض والأهواء ))

*((بين الإغراق في المدح, والإغراق في الذم تموت الحقيقة موتاً لا حياة لها من بعده إلى يوم يبعثون))

*(( يا طالب العلم أنت لا تحتاج في بلوغك الغاية التي بلغها النابغون من قبلك إلى خلق غير خلقك، وجو غير جوك، وسماء وأرض غير سمائك وأرضك، وعقل وأداة غير عقلك وأداتك، ولكنك في حاجة إلى نفس عالية كنفوسهم، وهمة عالية كهممهم، وأمل أوسع من رقعة الأرض وأرحب من صدر الحليم، ولا يقعدن بك عن ذلك ما يهمس به حاسدوك في خلواتهم من وصفك بالوقاحة أو بالسماجة، فنعم الخلق هي إن كانت السبيل إلى بلوغ الغاية، فامض على وجهك ودعهم في غيهم يعمهون.))

*((فمن شاء أن يهذب أخلاق الناس و يقوِّم اعوجاجها فليُهذب تصوراتهم، و ليقوِّم أفهامهم، يُوافِه ما يريد من التهذيب و التقويم.
ليس من الرأي أن يشيرَ المعلم على المتعلم أن يجعل هذا المجتمع الإنساني ميزانا يزن به أعماله، أو مرآة يرى فيها حسناته و سيئاته، فالمجتمع الإنساني مصاب بالسَقم في فهمه، و الاضطراب في تصوره، فلا عبرة بحكمه، و لا ثقة بوزنه و تقديره))

*((الدعاة في هذه الأمة كثيرون ملء الفضاء، وكظة الأرض والسماء، ولكن لا يكاد يوجد بينهم داع واحد ؛ لأنه لا يوجد بينهم شجاع واحد))
=================
وصلني من دون ذكرٍ لجامعها !

__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:57 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.