أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
59153 107599

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-22-2009, 10:44 AM
محمد صهيب العاصمي محمد صهيب العاصمي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 191
افتراضي نريد التفصيل في مسألة الموازنة مع المبتدعة، وبين الموازنة مع أهل السنة؟؟



بسم الله الرحمن الرحيم

[البدعة- أهل البدع- الموازنة بين الحسنات والسيئات] الـــــرقم: 63 / ف / 23
السؤال: نريد التفصيل في مسالة الموازنة مع المبتدعة، وبين الموازنة مع أهل السنة؟

الجواب:
الموازنة -في الاصطلاح المعاصر- تعني لزوم ذكر الحسنات والسيئات في المتكلم فيه، وليس مِن شك أن هناك فرقاً كبيراً بين تطبيق الموازنات على أهل السنة وعلى أهل البدع، وبيان ذلك فيما يأتي:
1) لا تُذكر حسنات أهل البدع في معرِض نقدِهم -ألبتّةَ-؛ عقوبة لهم.
2) لا تُذكر حسنات أهل البدع خشية الترويج لباطلهم والاغترار ببدعهم.
و على هذا الأصل عَمَلُ الأئمة الثقات من حيث تطبيق قواعد الجرح والتعديل في كتب الرجال.
3) أمّا أهل السنة فيجوز ذكر حسناتهم في مثل هذه المقامات دفعاً للجرأة عليهم وإسقاطهم، وإقالةً لعثراتهم.
مع وجوب بيان أخطاء المخطئين من أهل السنة -تواصياً وتعاوناً-، وإبداء النصح لهم برفق ولين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: " . . . ولهذا يكثر في الأمة من أئمّة الأمراء والعلماء وغيرهم من يجتمع فيه الأمران، فبعض الناس يقتصر على ذكر محاسنه ومدحه غلواً وهوىً، وبعضهم يقتصر على ذكر مساوئه وذمه غلواً وهوىً، ودين الله بين الغالي فيه والجافي عنه، وخير الأمور أوسطها". ["التسعينية" (3/1033"]

عمان البلقاء: 17/ رجب/1424هـ
لجنة الفتوى: محمد بن موسى آل نصـر- سليـم بـن عيـد الهـلالي-علـي بن حسن الحـلبي - مشهور بن حسن آل سلمان

=========================================


وقال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي وفقه الله في كتاب "مَنهج أَهْل السُّنَّةِ والجَماعةِ في نَقْدِ الرِّجال والكُتُبِ والطَّوائِف":

مناقشة أدلة من يرى وجوب الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات خصوصا في أهل البدع
قال سلمان العودة وهو يتحدث عن العدل:
"العدل في تقويم الكتب: فحينما تقوم كتابا، فليس من العدل أن تقول: إنه يحوي أحاديث موضوعة أو ضعيفة مثلا أو آراء شاذة، فتذكر الجانب المظلم وتنسى جانبا آخر موجودا في الكتاب، وهو أنه يحوي توجيهات مفيدة أو أبحاثا علمية.
إن ذكرك لنصف الحقيقة وإهمال النصف الآخر منها ليس من الأمانة، والكثير من الناس بمجرد أن يرى خطأ في كتاب ما يحذره ويحذر منه، لأنه ساق حديثا ضعيفا، أو أخطأ في مسألة، ولو عاملنا كتب أهل العلم بهذا المقياس، ما بقي لنا كتاب " ( 1 ) .
أقول: العدل هو ضد الجور، وإذا كان في كتاب ما بدع وانحرافات، ثم ذكرها مسلم ناصح تحذيرا للمسلمين ونصحا لهم، فليس هذا من الظلم في شيء، مثله مثل الشخص فيه عيب أو بدعة، فذكرت ما فيه قصدا للنصيحة، فليس ذكر ذلك بظلم ولا غيبة، بل هو من باب النصيحة، وهذا أمر مقرر عند علماء الإسلام، وستأتي أقوال العلماء في هذه القضايا، وقدمنا منها شيئا.

ثم إن الظلم إنما هو وضع الشيء في غير موضعه، وذكر العيوب والبدع في الكتب والأشخاص نصحا للمسلمين أمر مطلوب شرعا، ويحقق مصالح، وتدرأ به مفاسد.

- وقال سلمان أيضا( 2 ): "والعدل أن نأخذ بهذا وذاك، ونضع هذه في كفة وتلك في أخرى، حتى يعتدل الميزان ويستقيم ".
- قال هذا في العدل بين النصوص، ويظهر لي من تصرفاته أنه يعمم هذا العدل في الأشخاص والكتب. والعدل مطلوب، ولا بد منه، ولكن ذكر العيوب والبدع لأجل نصح المسلمين لا يلزم معه ذكر المحاسن، لأنه يفوت مقصود النصيحة، ويبلبل المنصوح، ثم لم تجر عليه النصوص، ولا عمل السلف.

قال أحمد بن عبدالرحمن الصويان: "خامسا: الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات: إذا تبين أن الإنسان- مهما كانت منزلته- معرض للصواب والخطأ، فلا يجوز لنا أن نطرح جميع اجتهاداته، بل ننظر إلى أقواله الموافقة للحق ونلتزمها، ونعرض عن أخطائه، فالموازنة بين الإيجابيات والسلبيات هو عين العدل والإنصاف، وإليك بيان هذه المسألة بالأدلة والشواهد " ( 3 ) ا هـ.

قلت: لا كلام في الأئمة المجتهدين الذين اجتهدوا في طاعة الله ورسوله باطنا وظاهرا، وهم في ذلك يطلبون الحق باجتهادهم، كما أمرهم الله ورسوله( 4 ) فإن لهم فيما أصابوا فيه أجرين، وفيما أخطؤوا فيه أجرا واحدا، وقد تقدم الكلام عنهم.
لكن الكلام في أهل البدع والضلال والجهل،
الذين قال الله في شأنهم: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } ( 5 ).
ويقول الله في شأنهم: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون . ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون }( 6 ).
والكلام على الذين يتجرؤون على الفتوى والإفتاء بغير علم، والذين يضعون المناهج، ويقعدون القواعد، ويؤصلون أصولا كلها بعيدة عن منهج الإسلام، ويفتقدون الأدلة والبراهين، والذين قال الله فيهم: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون }( 7 ).
والكلام في أتباع هؤلاء الذين قال الله في أشباههم: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله }( 8 ).
والذين ورد في أمثالهم قوله صلى الله عليه وسلم جوابا على قول عدي بن حاتم: والله ما نعبدهم! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أليس يحلون الحرام فتحلونه، ويحرمون الحلال فتحرمونه؟ ". قال: بلى. قال: "فتلك عبادتهم( 9 ).
كما يجب أن يفرق بين المجتهدين وهذه الأصناف.
كما يجب أن يفرق بين من يتحرى الحق، ويأخذ من أقوال المجتهدين ما يوافق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويرد ما خالفه، وبين أولئك الذين لا يتحرون هذا التمييز بين الصواب والخطأ في حق المجتهدين، ولا يتورعون عن تقديس أهل البدع والجهل، والأخذ بأقوالهم الباطلة، ومناهجهم الفاسدة، وأصولهم الضالة.

ولم أر الأخ الصويان يفرق بين هذه الأنواع، وكان يجب عليه التفريق الواضح، والاهتمام بإبراز خطورة البدع والتحذير القوي منها ومن أهلها.

وهذا أسلوب- أعني: ضعف المبالاة بالبدع- أصبح متبعا عند كثير من الدعاة الجدد، بل تجد عندهم المحاماة عن أهل البدع بل الإشادة بهم!! والتنويه بذكرهم!! بل يعتبرون بعض رؤوس أهل البدع مجددين وأئمة تجديد!! بل هناك كتب وضعت للدفاع عن هذه الأنواع، وليس عندهم روح التحري للحق، ولا الاستعداد للتمييز بين الحق والباطل، ولسان حالهم يقول: {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون}( 10 ).

ولسان حالهم يقول:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت
غويت وإن ترشد غزية أرشد ( 11 )

-الحواشي-
( 1 )"من أخلاق الداعية" (ص 40)، وهذا الكلام في الفقرة الأخيرة منه مبالغة عظيمة.
( 2 ) (ص 47).
( 3 ) منهج أهل السنة والجماعة في تقويم الرجال ومؤلفاتهم)) (ص27).
( 4 ) انظر: الفتاوى (3/317).
( 5 ) الشوري: 21.
( 6 ) الاعراف: 33.
( 7 ) النحل : 116.
( 8 ) التوبة : 31 .
( 9 ) سنن الترمذي " (5/ 278)، "تفسير ابن جرير" (0 1/ 80- 1 8)، "سنن البيهقي " (10/ 116).
( 10 ) الزخرف 22.
( 11 ) والسبب في ذلك هو هذه التربية الخطيرة، التي يربى عليها الشباب المغرر بهم، وتلقينهم هذا المنهج المنحرف على أنه منهج الحق والعدل والسلف!! والتي من آثارها:
التبعية العمياء لأولئك الدعاة، وإن خالفوا الحق ومنهج السلف.
تضليل شباب الإسلام وتغريرهم بأن هذا المنهج الذي يربونهم عليه هو منهج السلف.
تمييع وإماتة جانب الولاء والبراء والحب في الله والبغض فيه، فيوالون أهل البدع من القبوريين والصوفيين والحزبيين، وينافحون عن قاداتهم، بحجة العدل وذكر الحسنات، ويطعنون في السلفيين والمنهج السلفي، ويرمونهم بالجمود والتشدد والتنطع... فيا لله العجب!



=========================================


وقال الشيخ عبدالمحسن العباد حفظه الله في شرحه على سنن الإمام أبي داود رحمه الله:
السؤال: البعض يقولون: إن منهج الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله في الرد على سيد قطب باطل؛ لأنه لم يذكر حسناته، وإنما ذكر المطاعن فقط، فما رأيكم؟

الجواب: قضية القائلين بأنه لابد من ذكر الحسنات مع ذكر السيئات ليست ضرورية، فمن من يريد أن يحذر من شيء هل يبحث عن حسنات ذلك الذي يحذر منه؟
الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءته المرأة التي تستشيره في معاوية وفي أبي الجهم ماذا قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل قال لها: معاوية كاتب الوحي، وهو كذا وهو كذا وهو كذا، وهو صعلوك لا مال له؟ أو قال: (أما معاوية فصعلوك لا مال له)؛ لأن هذا يتعلق بالزواج، (وأما أبو الجهم فلا يدع العصا عن عاتقه)،
ومن المعلوم أن القضية هي قضية تحذير، والتحذير يتطلب بيان الأشياء التي يكون الناس على علم بها حتى يحذروا مثل هذا الكاتب، ولو كان عنده حسنات وعنده هذه السيئات هل يصلح أن الإنسان يقرأ كتاباً فيه هذا الخلط، وفيه الغث والسمين؟
التحذير من مثل هذه الكتابات ومن هذه المؤلفات التي يخرج الإنسان منها بمضرة، ولا يخرج منها بفائدة محققة هذا هو الذي ينبغي،
ومعلوم أن كثيراً من العلماء المتقدمين والمتأخرين عندما يردون على شخص يذكرون الأمور التي يجب أن يحذر منها، وأما ما عنده من الصفات الطيبة، والحسنة فهذه له، ولكن الناس يحذرون من الضرر، ومن الخطر الذي يكون في الكتب.
=========================================

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في لقاءات الباب المفتوح:
السؤال: أخذنا معكم في الدرس: أن الإنسان إذا رد على خطأ إنسان آخر لا يلزمه أن يذكر مع أخطائه محاسنه؛ لأن ذلك يضعف جانب الرد؛ بل قد يغتر بذلك من يسمع هذه المحاسن فيُعجب ويغتر بهذا المخطئ، فهل يقال كذلك أنه ينبغي ألا يُسمع لهذا المخطئ في كل أقواله وكلامه؛ حتى في التي لم يخطئ فيها، بل أصاب، وذلك لكي لا يُعجب به الغير، ويكون ذلك مدعاة لأخذهم أخطاءه؛ وتبنيهم إياها، وهذا في طبيعة الحال في الذي أخطاؤه كبيرة كأخطاء في العقيدة، ومنهج الدعوة إلى الله، وفي الأمور التي تترتب عليها الفتن وإراقة الدماء وانتقاص العلماء مثلاً؟

الجواب: ذكرنا ما قاله الأخ في الدرس، قلنا: إن الإنسان إذا كان يريد أن يقوِّم الشخص من حيث هو، فالواجب أن يذكر المحاسن والمساوئ؛ لقول الله تبارك وتعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } [المائدة:8] ولهذا كان العلماء عندما يتكلمون عن حياة الرجل، يذكرون محاسنه، ومثالبه.
أما إذا كنتَ في معرِض الرد عليه فلا تذكر مَحاسنه؛ لِمَا ذكرنا -فيما سَمعتم في السؤال- أنك إذا ذكرت المَحاسن ضعُف جانب الرد عليه، وربما يُعجب الإنسان بما عنده من المحاسن ويترك الأخطاء جانباً، هذا هو الطريق في ذكر محاسن الإنسان ومساوئه.
ولكن إذا تحدثتَ عنه في أي مجلس من المجالس، فإن رأيتَ في ذكر محاسنه فائدة فلا بأس أن تذكرها، وإن خفتَ من مضرة فلا تذكرها؛ لأنه ليس بواجب علينا أن نعرف أن هذا الشخص معه حق أو باطل.

أما ما يقوله من حق بغض النظر عن إضافته إليه فيجب قبوله؛ لماذا؟ لأن الحق يجب أن يُقبَل من أي أحد تكلم به، فالله عز وجل قَبِل قول المشركين لما قالوا حين يفعلون الفاحشة: { وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } [الأعراف:28] قَبِل قولهم: { وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا } [الأعراف:28] ؛ لأنه حق، فقال الله تعالى في جوابهم: { قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ } [الأعراف:28] ، وسكت عن قولهم: { وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا } [الأعراف:28].
والنبي عليه الصلاة والسلام لما أخبره أبو هريرة بما أوصاه به الشيطان أن يقرأ آية الكرسي كل ليلة؛ ولا يزال عليه من الله حافظ؛ ولا يقربه شيطان حتى يصبح قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( صَدَقَكَ وهو كَذُوب ).
ولما حدَّث حبر اليهود أنهم وجدوا في التوراة: أن الله يضع السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع ضحك النبي عليه الصلاة والسلام مقرراً هذا القول ومصدقاً له.
فالمهم أن الحق يجب قبوله من أي شخص؛ لكن إذا خفتَ أن تنسب هذا إلى قائله وهو رجلُ بِدْعَةٍ وخِفْتَ أن يَغْتَرَّ الناس به ويُعجَبوا به فلا تفعل؛ لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح.

=========================================

وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة :
السؤال: انتشر اليوم بين الشبـاب : أنه يلزم الموازنة في النقد، فيقولون : إذا انتقدت فلانًا من الناس – في بدعته -، وبيَّنت أخطاءه؛ يلزمك أن تذكر محاسنه، وهذا من باب الإنصاف والموازنة. فهل هذا المنهج في النقد صحيح ؟ وهل يلزمني ذكر المحاسن في حالة النقد ؟ .

الجواب: هذه المسألة تقدم الجواب عنها، لكن إذا كان المنتَقَد من أهل السنة والجماعة، وأخطاؤه في الأمور التي لا تخِلّ بالعقيدة، فنعم، هذا تُذكر ميزاته وحسناته، وتُغمر زلاته في نصرته للسنة .

أما إذا كان المنتَقَد من أهل الضلال، ومن أهل الانحراف، ومن أهل المبادئ الهدّامة أو المشبوهة؛ فهذا لا يجوز لنا أن نذكر حسناته – إن كان له حسنات -؛ لأننا إذا ذكرناها فإن هذا يغرر بالناس؛ فيحسنون الظن بهذا الضال، أو هذا المبتدع، أو هذا الخرافي، أو ذاك الحزبي؛ فيقبلون أفكار هذا الضال، أو هذا المبتدع، أو ذاك المتحزب .

والله – جل وعلا – رَدَّ على الكفرة، والمجرمين، والمنافقين، ولم يذكر شيئًا من حسناتهم ، وكذلك أئمة السلف يردون على الجهمية والمعتزلة وعلى أهل الضلال، ولا يذكرون شيئًا من حسناتهم؛ لأن حسناتهم مرجوحة بالضلال، أو الكفر، أو الإلحاد، أو النفاق؛ فلا يناسب أنك تَرُدَّ على ضال، مبتدع، منحرف، وتذكر حسناته، وتقول : هو رجل طيب، عنده حسنات، وعنده كذا، لكنه غَلِط !! .

نقول لك : ثناؤك عليه أشد من ضلاله، لأن الناس يثقون بثنائك عليه؛ فإذا رَوَّجت لهذا الضال المبتدع ومدحته فقد غرَّرت بالناس، وهذا فتح باب لقبول أفكار المضللين .

وأما إذا كان المردود عليه من أهل السنة والجماعة فإن الرَّدَّ يكون بأدب، وينبَّه على أغلاطه التي تكون في مسائل الفقه ومسائل الاستنباط والاجتهاد؛ فنقول: فلان أخطأ في كذا والصواب كذا بالدليل –غفر الله له-، وهذا اجتهاده، وهكذا، كما كانت الردود بين الفقهاء من المذاهب الأربعة وغيرهم .

وهذا لا يقدح في مكانته العلمية إذا كان من أهل السنة والجماعة .

وأهل السنة والجماعة ليسوا معصومين، عندهم أخطاء وقد يفوت أحدهم الدليل أو اختلال الاستنباط؛ فلا نسكت على الخطأ وإنما نبينه مع الاعتذار عنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد )) .هذا في مسائل الفقه .
أما إذا كان في مسائل العقيدة فإنه لا يجوز لنا أن نمدح المضللين والمخالفين لأهل السنـة والجماعــة من : معتزلة، وجهميـة، وزنادقة، وملاحدة ، وأناس مشبوهين في هذا العصر . وما أكثرهم .
وأصل هذه الشبهة – الموازنة بين الحسنات والسيئات في النقد – قالها بعض الشباب وكتب فيها رسالة؛ فطار بها بعض الشباب فرحًا .

وقد وقفت على هذه الرسالة التي يزعم صاحبها لزوم الموازنة .

ووقفت على رسالةٍ للشيخ : ربيع بن هادي المدخلي ، رَدَّ فيها على هذه الرسالة التي يزعم صاحبها لزوم الموازنة رَدًّا وافيًا، وبيَّن ما في هذا الكلام من الخطأ ومن ترويج الباطل، وبين مذهب السلف في الرّد وأنهم ردّوا على أناس مضللين ولم يثنوا عليهم؛ لأنهم لو أثنوا عليهم صار هذا من باب التناقض .


=======================

وبالله التوفيق
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-24-2009, 02:40 AM
محمد صهيب العاصمي محمد صهيب العاصمي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 191
افتراضي






...
لا كلام في الأئمة المجتهدين الذين اجتهدوا في طاعة الله ورسوله باطنا وظاهرا، وهم في ذلك يطلبون الحق باجتهادهم، كما أمرهم الله ورسوله فإن لهم فيما أصابوا فيه أجرين، وفيما أخطؤوا فيه أجرا واحدا، وقد تقدم الكلام عنهم.
لكن الكلام في أهل البدع والضلال والجهل
...
والكلام على الذين يتجرؤون على الفتوى والإفتاء بغير علم، والذين يضعون المناهج، ويقعدون القواعد، ويؤصلون أصولا كلها بعيدة عن منهج الإسلام، ويفتقدون الأدلة والبراهين،
...
كما يجب أن يفرق بين من يتحرى الحق، ويأخذ من أقوال المجتهدين ما يوافق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويرد ما خالفه، وبين أولئك الذين لا يتحرون هذا التمييز بين الصواب والخطأ في حق المجتهدين، ولا يتورعون عن تقديس أهل البدع والجهل، والأخذ بأقوالهم الباطلة، ومناهجهم الفاسدة، وأصولهم الضالة
...

=========
=========
=========

إذا كان المنتَقَد من أهل السنة والجماعة، وأخطاؤه في الأمور التي لا تخِلّ بالعقيدة، فنعم، هذا تُذكر ميزاته وحسناته، وتُغمر زلاته في نصرته للسنة
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-24-2009, 10:39 AM
ابو هيثم الدوسري ابو هيثم الدوسري غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 23
افتراضي

موضوع جيد جدا وبارك الله فيك على التوضيح .
أما الموازنات على حسب المقام فإن كان مقام نقد وتحذير فلا يذكر الحسنات لأنه تبقي المستمع متذبذبا إذا ذكرت الحسنات وهذا نمارسه في حياتنا من بيع وشراء وخطبة وزواج وأما التقويم والترجمة فيذكر الحسنات كما نرى في كتاب الذهبي سير أعلام النبلاء وحتى الذهبي في هذا المقام لم يذكر حسنات أهل البدع الكبار كالجهم بن صفوان .والله أعلم .
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-24-2009, 02:53 PM
عمربن محمد بدير عمربن محمد بدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 12,045
Lightbulb بحث مهم في مسألة الموازنة المذمومة .؟؟؟


ــ بمـا أن هاته المسألة أول ما أثيرت ،أثيرت بين الشيخ ربيع حفظه الله والشيخ أبي الحسن السليماني المـأربيّ حفظه الله :ارتايت نقل هذا المبحث الجيّد ..في بيان النزاع في المسألة وجوابها ..

الموازنات بين الشيخ ربيع والشيخ أبي الحسن
قال الشيخ أبو الحسن في كتابه الدفاع:

فقد أنكر الشيخ ربيع بشدة قول أهل السنة: «إن المسلم يُحَبُّ ويُبْغَض، ويُمْدَحُ ويُذَمُّ، على حسب ما فيه من خير وشر، وطاعة ومعصية، وسنة وبدعة، وبر وفجور...»، وصرَّح بأن من قال بذلك؛ فقد قال بمنهج الموازنات المنحرف، وأنَّ هذا كلام أهل البدع، وأنَّ مَنْ كان عنده بدعة، ولم يَرْجِعْ عنها؛ فإنه يسقط بالكلية، ولا يُحَبُّ لما بقي عنده من خير!! ولا يُمْدَحُ أبدًا!!

وقد نصر هذا القول في رسالته «انتقاد عقدي ومنهجي على السراج الوهاج»، وقال بذلك أيضًا في شريط «وقفات في المنهج» (1/أ)، ونقل كلام شيخ الإسلام في ذلك، ثم قال: «وجدنا في كلام السلف ما يخالفه، وقد نقل البغويُّ أن السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة الإسلام على بغض أهل البدع، وهجرهم، ومنابذتهم، عرفتم، فالأمر يحتاج إلى نظر، ولا ينبغي للمسلم أن يتعلَّق بكلام إمام لنصرة ما فيه من باطل، فكثير من أهل الأهواء يتعلَّقون بكلام شيخ الإسلام هذا، ويشهرونه سلاحًا في وجه من يدعو إلى السنة، ويحذِّر من البدع، ويضع أهل البدع في المنازل التي يستحقونها، ولا يرفعهم فوق قدرهم».اهـ.

وسمعته مرة يقول: «هذه قاعدة الإخوان المسلمين»، فقلت له: لقد ذكر هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فقال: غفر الله لابن تيمية، فتح الباب لأهل البدع، أو كلامًا هذا معناه!!

هذا، مع أن شيخ الإسلام ابن تيمية لم ينفرد بهذا القول، بل عزاه لإجماع أهل السنة وأصولهم في أكثر من موضع، والله المستعان.

واعلم أنَّ هذه المسألة
قد بسطت فيها القول في كتابي «قطع اللجاج، بالرد على من طعن في السراج الوهاج»، ونقلت كلام الأئمة الذين صرَّحوا بأنه لم يخالف في هذا إلا المرجئة، الذين يمدحون أو يحبون الرجل مطلقًا، ويتركون عيوبه، وكذلك لم يخالف في هذا أيضًا إلا الخوارج والمعتزلة، الذين يذكرون عيوب الرجل، ولا يرون له حسنة،كما لا يرون له شيئًا من المحبة، والحق وسط بين طرفين، وأصل عدم ذكر حسنة المبتدعة، أو مدحهم، إلا في مواضع معروفة، تأتي في محلها إن شاء الله تعالى، وأحيلك ـ فيما نحن بصدده ـ إلى «مجموع الفتاوى» (28/209-210) (35/94-95)، و«منهاج السنة» (4/543-544)، و«الدرر السنية» (10/451-452)، و«شرح الواسطية» للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- (2/647)، و«مجلة البحوث الإسلامية» (25/126-127) من رسالة للشيخ الفوزان -حفظه الله- وغير ذلك.
إلا أنني أذكُرُ في هذا المقام ما يبيِّن لك خطأ الشيخ ربيع في ذلك، وبُعْدَه عن المنهج السلفي في هذا الموضع:

فقد قال شيخ الإسلام كما في «مجموع الفتاوى»(11/15-16):
«ثم الناس في الحب والبغض، والموالاة والمعاداة؛هم أيضًا مجتهدون، يصيبون تَاَرةً، ويخطئون تارة، وكثير من الناس إذا علم من الرجل ما يحبه؛ أحبَّ الرجلَ مطلقًا، وأعرض عن سيئاته، وإذا علم منه ما يبغضه؛ أبغضَهُ مطلقًا؛ وهذا من أقوال أهل البدع والخوارج والمعتزلة والمرجئة....وأهل السنة والجماعة يقولون ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع: وهو أنَّ المؤمن يستحق وعد الله وفضله: الثواب على حسناته، ويستحق العقاب على سيئاته؛ فإنَّ الشخص الواحد يجتمع فيه ما يثاب عليه، وما يعاقَبُ عليه، وما يُحْمَدُ عليه، وما يُذّمُّ عليه، وما يُحَبُّ منه، وما يُبْغَضُ منه، فهذا وهذا».اهـ.
وقال في موضع آخر:«هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة، وخالفهم الخوارج والمعتزلة، ومن وافقهم عليه» .اهـ. فهل الشيخ ربيع قال في هذا الموضع بقول أهل السنة، أو هو ممن خالفهم في ذلك، ووافق أهل البدع على إنكار هذا الأصل؟!! فلْيُجِبْ عن ذلك من كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.
ومِنْ كلام شيخ الإسلام أيضًا في هذا:«وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، بخلاف الخوارج والمعتزلة، وبخلاف المرجئة والجهمية؛ فإنَّ أولئك يميلون إلى جانب، وهؤلاء يميلون إلى جانب، وأهل السنة والجماعة وسط...».اهـ. فاختر لنفسك -أيها الشيخ- أي طريق تسلكها، فأي طريق سلكتها؛ سوف توردك على أهلها!!

وقد ذكر هذا الأصل أيضًا من العلماء المعاصرين:فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله-وفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله- وفضيلة الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله -وغيرهم،وانظر المواضع المشار إليها سابقًا، وغيرها.
فلا أدري كيف يستجيز الشيخ ربيع لنفسه؛أن يجاهر بمخالفة هذا الأصل، فضلًا عن تخطئة العلماء في هذا الأصل الأصيل؟‍‍! متهمًا من قال بذلك؛ بأنه قد قال بقول الإخوان المسلمين!! فيلزم مِنْ صنيعه هذا، أن يكون الإخوان المسلمون ومن جرى مجراهم؛ أسعَدَ بأصولِ السلف من السلفيين!!والذي أوقع الشيخَ في هذا:
ظنُّه أن هذا يخالف القول بهجر أهل البدع!! وليس كذلك؛ فإنَّ هجر أهل البدع ليس على الإطلاق، فمن كان عنده علم شرعي، وسيترتب على هجره مفسدة؛ فلا يُهْجَرُ، لكنْ ليس كل أحد يَطْلُبُ هذا العلم عنده، وكذلك الجهاد وراء أئمة الجور، وقد يكون منهم مبتدعة، وذلك لمصلحة الإسلام، ومسائل الهجر مقيدة بإزالة الشر أو تقليله؛ وإلا كان الهجر ممنوعًا، وفي هذه المسألة رسائل مطبوعة وغير مطبوعة، تدل دلالة ظاهرة على أن فهم الشيخ ربيع لكلام علماء السنة في هذا الباب؛ فهم غير سديد، وكيف لا يكون كذلك؛ وهو يردُّ به أصلاً من أصول أهل السنة، ويعد القائل به مبتدعًا، مع أنه لا ينكره إلا أهلُ البدع، وتفصيلُ ذلك، والردُّ على شبهات الشيخ ربيع؛ موجودٌ في «قطع اللجاج»؛ فارجع إليه -إن شئت- والله المستعان.

(تنبيه):إن الخلاف في هذا الأصل؛ليس خلافًا هينًا، لعدة أسباب:
الأول: أنَّ الخلاف في الأصول - بصفة عامة - أشدُّ من الخلاف في غيرها؛ لأن الأصل ينضوي تحته كثير من الأمثلة، والخلاف في أمثلة؛ ليس كالخلاف في مثال واحدٍ منها، كما لا يخفى.

الثاني:أنَّ الشيخ ربيعًا بنى على هذه المخالفة، أمورًا عظيمة: فجعل القائل بذلك مبتدعًا، ومقويًا لشوكة أهل البدع، ومخالفًا لإجماع أهل السنة، ناهيك عما وراء ذلك من عبارات الطعن والوخز التي تسوِّد وجه قائلها - إلا أن يرحمه الله تعالى- وما يتبع ذلك من هجر وقطيعة، وغِيَبةٍ ووشاية، وشماتةٍ ونكايةٍ بأولياء الله العاملين!!

الثالث:أنَّ إهمال هذا الأصل، يترتَّب عليه: تركُ الجهاد مع المبتدعة ضد الكفار، أو ضد من هم أشد منهم ضررًا، ويترتَّب عليه أيضًا: تضييُع العلوم التي عندهم، مع حاجة أهل السنة إليها، وفي هذا تضييع لكثير من أمور الخير، وسبب لتسلط أعداء الإسلام على بلاد المسلمين، وقد قال شيخ الإسلام -كما في«مجموع الفتاوى »(28/212)-: «فإذا تعذر إقامة الواجبات من العلم والجهاد، وغير ذلك، إلا بمن فيه بدعة، مضرتها دون مضرَّةِ ترك ذلك الواجب؛كان تحصيل مصلحة الواجب، مع مفسدةٍ مرجوحةٍ معه؛ خيرًا من العكس؛ ولهذا كان الكلام في هذه المسائل فيه تفصيل» . اهـ.

فتأمل هذا الكلام النفيس، الذي يقصم ظهر الغلو والغلاة:فإننا إن تركنا هذا الأصل السلفي، وأخذنا بفهم الشيخ ربيع للإجماع المذكور؛ ضيعنا الجهاد والعلم، وغير ذلك، وتركنا موالاة المسلم في وقتٍ وجب علينا فيه موالاته ونصرته، وفيه ما فيه، هذا مع بغضنا له في بدعته - بعد نصحه وإزالة عذره مع إصراره - إلا أنَّ جلب المصالح الشرعية ودَرْءَ المفاسد الراجحة؛ هو الذي ألجأنا إلى هذا، والله أعلم.

فهذا وغيره يرجِّح أن المخالف في ذلك؛ سالكٌ مسلك أهل البدع والأهواء!!

(تنبيه آخر):لا خلاف بين ماقاله شيخ الإسلام، وعزاه إلى أهل السنة والجماعة، وبين ما نقله البغوي عن الصحابة فمن بعدهم:
فإن ما ذكره شيخ الإسلام، إنما يكون عند الحاجة الشرعية للتعاون مع أهل البدع، أومدحهم، أو إظهار حبهم، وذلك كلُّه بقدر ما عندهم من الخير، وبقدر تحقيق المصلحة الشرعية للسنة وأهلها، فهذا كلام ليس على إطلاقه، إنما له قيود مشهورة عند العلماء،وأما كلام البغوي فيكون عند عدم الحاجة إليهم، أو عند ترجًّح المفسدة من مخالطتهم، أو أنَّ ذلك هو الأصل، ثم نخرج عنه لحاجة شرعية تقدَّر بقدرها؛ ولهذا كان الهجر عند أهل السنة منوطًا بالمصلحة والمفسدة، فلا يطلقون القول بالهجر، ولا يطلقون القول بالمداراة، ولايطلقون القول بجواز المخالطة أو عدمها؛ ولذلك قال شيخ الإسلام -كما سبق-:«ولهذا كان الكلام في هذه المسائل فيه تفصيل».اهـ. فلو أدرك الشيخ ربيع هذا التفصيل؛ لأراح واستراح، والله تعالى أعلم.

(تنبيه أخير): إنَّ الإجماع الذي نقله البغوي ـ رحمه الله ـ ليس على إطلاقه، فقد خُصَّ بأخذ السلف الحديثَ وغيرَهُ عن بعض أهل البدع، فكيف هجروهم، واعتزلوا مجالسهم، وحذَّروا من مجالستهم في هذه الحالة؟! كما خُصَّ بالجهاد مع أئمة الجور، وفيهم مبتدعةٌ، فكيف يُعْتَزَلُونَ ويحذَّر من القُرْبِ منهم، أو الاستماع إليهم في هذه الحالة؟! وقد عد العلماء هذا الجهاد مع أئمة الجور، من أصول أهل السنة والجماعة، فكيف يعدون شيئًا من أصول أهل السنة؛ مخالفًا للإجماع؟!

ولا غرابة من الشيخ ربيع عندما ادعى أنَّ ماذكره البغوي مصادم لما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فقد سبق أن الشيخ ربيعًا أشار لما جرى في قصة إجابة النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه دعوةَ امرأةٍ يهودية، وادعى الشيخ أن هذا يخالف ما عليه أهل السنة من التحذير من أهل البدع وعدم مجالستهم، وقد سبق أن في هذا نزعةً استدراكية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكنَّ الرجل ومقلِّديه لا يبالون بهذا الإلزام الفاحش، والله المستعان.

فإذا كان هذا الإجماعُ ليس على إطلاقه ـ لما سبق ـ فلا بد من النظر في المواضع التي يُعْتَدُّ فيها بهذا القول، والمواضعِ التي يتخلَّف عنها هذا القول، وتفصيل ذلك راجع إلى ما سبق ذكره في التنبيه الثاني، الذي هو قبل هذا، فارجع إليه، والعلم عند الله تعالى.




========================== = === === = = = = = = = = == = = =


ومن الرد على الشيخ ربيع في كتاب قطع اللجاج قال الشيخ


كذلك ذكر الشيخ - هداه الله- في (ص6) انتقادًا برقم (6)، وعزاه للفقرة (76) في الأصل، وقال في حاشية (8) (ص7) من «انتقاده»:«هذه الفقرة في الأصل (ص36) الفقرة (76)، قال فيها أبو الحسن: «وأعتقد أن المسلم يُوالَى ويُعادَى، ويُحَبُّ ويُبْغَض، ويُوصَل ويُهْجَر، على حَسَبِ ما فيه من خير وشر، وسنة وبدعة، وعلى حسب حرصه على الخير، وتحرِّيه له، أو اتبِاعِهِ لهواه، وظلمِهِ لأهل الحق، مع مراعاة المفاسد والمصالح».اهـ.

قلت: اعترض الشيخ على هذه الفقرة، واحتج بأن جماعة من أهل العلم قد نقلوا اتفاق الصحابة - فَمَنْ بعدهم - على معاداة أهل البدع، وهَجْرِهم، والتحذير منهم، وذكر أن أهل الباطل اتخذوا منهج الموازنات من مثل هذا الكلام، وحاربوا به منهج السلف، وأن الإمام أحمد قال في يزيد: «لا نسبُّه ولا نحبُّه»، وأن الذهبي قال فيه وفي أمثاله: «ونحن نبغضهم في الله، ولا نلعنهم، وأمرهم إلى الله».اهـ. ملخصًا...إلى أن قال الشيخ -سلمه الله- في الحاشية (9) (ص7): «وكلامهم يستفاد منه الإجماع أو شبهه مما ينسب إلى أئمة السلف وخيارهم فأين ما يدَّعيه أبو الحسن من اتفاق أهل السنة على ما يدَّعيه؟!».اهـ.

والجواب على هذا الخلْط من وجوه -إن شاء الله تعالى-:
1 - الكلام الذي نقله الشيخ ربيع - وفَّقه الله- كلام صحيح، لكن له موضعٌ معيَّن – غير موضعنا هذا - وليس على إطلاقه؛ فإن السلف أخذوا الحديث وغيره عن أهل البدع -وإن تركوا في الغالب حديث الدعاة- ولا شك أن هذا يخصِّص هذا العمومَ، فأين الهجر والتحذير وإعلان المعاداة، فيمن يذهب إلى الشيخِ المبتَدِعِ فيأخذ عنه العلم؟!!

والسلف جاهدوا وراء أئمة الجَوْر من المبتدعة والعصاة، فأين الهجر؟! وأين التشريد بالمبتدعة هنا؟! وهذا أيضًا يخصِّص هذا العمومَ، فمن ادعى أن هذا الإجماع في جميع الأزمنة والأمكنة والحالات والأشخاص؛ فقد فتح على نفسه باب الانتقاد والتعقب، وقال عن السلف خلاف ما هو مشهور عنهم، كيف والسلف قد فرَّقوا بين الداعية وغير الداعية، فرخَّصوا في غير الداعية أن يُسَلَّمَ عليه، وأن يزار -على تفاصيل مشهورة- كما في «سؤالات أبي داود لأحمد» (ص276)، وفرَّقوا بين ما يَؤُولُ فيه الهجر والمعاداة إلى مفسدة أكبر؛ فيدارى المبتدع في هذه الحالة، وبين ما لا يَجُرُّ إلى مفسدة؛ فَيُهْجَرُ -ولا كرامة- كما ذكر هذا التفصيل شيخ الإسلام عن أهلِ السنة، مع القدرية في البصرة، وأهلِ السنة مع الشيعة في الكوفة، ومع الجهمية بخراسان.

وعلى كل حال: فسأنقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله، وغيره – بما يثبت صحة قولي في هذه الفقرة - لِيَعْلَمَ الشيخ وغيره: هل أنا الذي ادعيت اتفاق أهل السنة، أم أنني ناقل عن عالم شهدت له الأمة بالاستقراء، والمعرفة الواسعة بمواضع الإجماع والنـزاع؟!

وهذه عدة مواضع من كلامه - رحمه الله -:

أ‌- جاء في «مجموع الفتاوى»(28/ 209 - 210): «وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور، وطاعة ومعصية، وسنة وبدعة؛ استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بِحَسَبِ ما فيه من الشر؛ فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا، كاللص الفقير: تُقْطَع يده لسرقته، ويُعْطَى من بيت المال ما يكفيه لحاجته، هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة، وخالفهم الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم عليه، فلم يجعلوا الناس إلا مستحقًّا للثواب فقط، وإلا مستحقًّا للعقاب فقط، وأهلُ السنة يقولون: إن الله يعذِّب بالنار من أهل الكبائر من يعذِّبه، ثم يخرجهم منها بشفاعة من يأذن له في الشفاعة بفضل رحمته...».اهـ.
فقد تكلم شيخ الإسلام على معاملة المسلم الفاجر في الدنيا والآخرة، فذكر الموالاة والمعاداة، والمدح والذم، وهذا في الدنيا، وذكر الثواب والعقاب، وهذا في الدنيا والآخرة، بخلاف الشيخ ربيع الذي خصَّص هذا الكلامَ - وما كان في معناه - بأحكام الآخرة فقط، ليسلم له مذهبه العاطل الباطل !!!

ويدلك على هذا العموم: أن شيخ الإسلام ذكر ما سبق نقله عنه، بعد قوله: «وليُعْلَمْ أن المؤمن تجب موالاته، وإن ظلمك، واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته، وإن أعطاك، وأحسن إليك؛ فإن الله سبحانه بعث الرسل، وأنزل الكتب؛ ليكون الدين كله لله؛ فيكون الحب لأوليائه، والبغض لأعدائه، والإكرام لأوليائه، والإهانة لأعدائه، والثواب لأوليائه، والعقاب لأعدائه...»، ثم ذكر الأصل السابق، وذكر أنه متفق عليه بين أهل السنة، خلافًا لأهل البدعة، فهل يقال: إن هذا الكلام خاصٌ بأحكام الآخرة، مع هذا الوضوح؟!

إن هذا التقييد من الشيخ ربيع فرعٌ عن الاعتقاد ثم الاستدلال، مع ليِّه أعناق النصوص وإجماع أهل السنة المخالفين لمذهبه الفاسد ، لكن من يُدْرِكُ هذا من الأذناب ؟!!
ب‌- وقال شيخ الإسلام – رحمه الله - في (28/ 228 - 229): «فأما الحمد والذم، والحب والبغض، والموالاة والمعاداة، فإنما تكون بالأشياء التي أنزل الله بها سلطانه، وسلطانُهُ كتابُهُ، فمن كان مؤمنًا؛ وجبَتْ موالاته، من أي صِنْفٍ كان، ومن كان كافرًا؛ وجبت معاداته، من أي صنف كان...» إلى أن قال: «ومن كان فيه إيمان، وفيه فجور؛ أُعطي من الموالاة بحسَبِ إيمانه، ومن البغض بحسب فجوره، ولا يخرج من الإيمان بالكلية، بمجرد الذنوب والمعاصي، كما يقوله الخوارج والمعتزلة، ولا يُجْعَلُ الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون بمنزلة الفساق في الإيمان، والدين، والحب والبغض، والموالاة والمعاداة...».اهـ. فهل هذا الكلام خاصٌ فقط بأحكام الآخرة كما يزعم الشيخ ربيع؟!

ج- وفي (11/15-16) قال -رحمه الله-: «ثم الناس في الحب والبغض، والموالاة والمعاداة؛ هم أيضًا مجتهدون، يصيبون تارة، ويخطئون تارة، وكثير من الناس إذا علم من الرجل ما يحبه؛ أحب الرجل مطلقًا، وأعرض عن سيئاته!!! وإذا عَلِمَ منه ما يُبْغِضُه؛ أبغضه مطلقًا، وأعرض عن حسناته....»، قلتُ: ولا شك أن هذا حال أهل الإفراط والتفريط؛ كما نراه في زماننا !! ثم قال شيخ الإسلام: «وهذا من أقوال أهل البدع والخوارج والمعتزلة والمرجئة » قال: «وأهل السنة والجماعة، يقولون مادل عليه الكتاب والسنة والإجماع: وهو أن المؤمن يستحق وعد الله وفضله: الثواب على حسناته، ويستحق العقاب على سيئاته؛ فإن الشخص الواحد يجتمع فيه ما يثاب عليه، وما يُعاقب عليه، وما يُحمد عليه، وما يُذم عليه، وما يُحَبّ منه، وما يُبْغّض منه؛ فهذا وهذا». اهـ.

فجعَلَ هذا الإطلاقَ في أحكام الدنيا والآخرة من قول أهل البدع؛ فتأمل هذا الموضع الصريح في بطلان قول من حصَرَ كلامه على أحكام الآخرة!! – وهذا حال من سُقِطَ في أيديهم - فهل أهل الجنة إذا دخلوها في الآخرة، هم الذين يُبْغِضون بغضًا مطلقًا، ويُعْرِضون عن حسنات من أبغضوه، أم أن هذا يكون في الدنيا قبل الآخرة؟!!!

د- وفي (35/94-95) قال -رحمه الله-: «والواجب على كل مسلم: أن يكون حبه وبغضه، وموالاته ومعاداته، تابعًا لأمر الله ورسوله فيحب ما أحب اللهُ ورسولُهُ، ويُبْغِض ما أبغضه الله ورسوله، ويوالي من يوالي الله ورسوله، ويعادي من يعادي الله ورسوله، ومن كان فيه ما يوالى عليه من حسنات، وما يُعادى عليه من سيئات؛ عومل بموجب ذلك، كفساق أهل الملة؛ إذ هم مستحقون للثواب والعقاب، والموالاة والمعاداة، والحب والبغض، بحسب ما فيهم من البر والفجور، قال تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ{7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) [ الزلزلة: 7، 8]، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، بخلاف الخوارج والمعتزلة، وبخلاف المرجئة والجهمية؛ فإن أولئك يميلون إلى جانب، وهؤلاء يميلون إلى جانب، وأهل السنة والجماعة وسط...».اهـ. وأسأل الشيخ ربيعًا عن هذا الميل إلى أحد الجانبين، هل يكون في الدنيا قبل الآخرة،أم لا ؟! فتأمل -أيها القاريء- ولا تكن من الغافلين.

هـ- وفي «منهاج السنة» (4/543-544) ذَكَر -رحمه الله- أن من أولياء الله من يجتهد فيخطئ، ثم قال: «ومثل هذا إذا وقع يصير فتنة لطائفتين: طائفةٌ تعظِّمه، فتريد تصويب ذلك الفعل، واتباعه عليه، وطائفةٌ تذمه، فتجعل ذلك قادحًا في ولايته وتقواه... والخوارج والروافض وغيرهم دخل عليهم الداخل من هذا، ومن سلك طريق الاعتدال؛ عظَّم من يستحق التعظيم، وأحبه ووالاه، وأعطى الحقَّ حقه، فيعظِّم الحق، ويرحم الخلق، ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات، فيُحمد ويُذم، ويُثاب ويُعاقب، ويُحَب من وجه، ويُبْغَضُ من وجه، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافًا للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم، وقد بُسط هذا في موضعه».اهـ.

وهذا الكلام لا يَشُكُّ أحد أن المراد به الإنكارُ على أهل الإفراط والتفريط في هذا الأمر في الدنيا والآخرة!! فهل ... عقل هذا الشيخ ربيع، وأدرك بُعْدَه عن هذا الأصل السلفي، وعلم أنه سلك مسلك الخوارج والمعتزلة؟!!

و- وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في «شرح الواسطية» (2/647) ط/ مكتبة طبرية: «فإذا قلنا: إنه لا يَخْرُجُ من الإيمان؛ فهل نحبه على سبيل الإطلاق، أو نكرهه على سبيل الإطلاق؟ نقول: لا هذا ولا هذا، نحبه بما معه من الإيمان، ونكرهه بما معه من المعاصي».اهـ. وهذا في الدنيا قبل الآخرة بلا شك.

ز- وفي «مجلة البحوث الإسلامية» (25/126-127) نُقِل كلامٌ لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله- في كتابه«الولاء والبراء في الإسلام»، وذكر فيه أحوال الناس في ذلك، فمنهم من يُحَبُّ محبة خالصة، لا معاداة معها، وهم المؤمنون الخُلَّص، ومنهم من يُبْغَض ويُعَادَى بغضًا ومعاداةً خالصَيْن، لا محبة ولا موالاة معهما، وهم الكفار الخُلِّص، من الكفار والمشركين والمنافقين والمرتدين والملحدين، على اختلاف أجناسهم، والقسم الثالث قال: «من يُحَبُّ من وجه، ويُبْغَضُ من وجه، فيجتمع فيه المحبة والعداوة، وهم عصاة المؤمنين، يُحَبُّون لما فيهم من الإيمان، ويُبْغَضُون لما فيهم من المعصية التي هي دون الكفر والشرك، ومحبتهم تقتضي مناصحتهم، والإنكار عليهم، فلا يجوز السكوت على معاصيهم، بل يُنكر عليهم، ويؤمرون بالمعروف، ويُنْهَوْن عن المنكر، وتقام عليهم الحدود والتعزيرات، حتى يكفوا عن معاصيهم، ويتوبوا من سيئاتهم، لكن لا يُبْغَضُون بغضًا خالصًا، ويُتبرأ منهم، كما تقوله الخوارج في مرتكب الكبيرة، التي هي دون الشرك، ولا يُحَبُّون ولا يُوالَوْن حبًا وموالاة خالصَيْنِ، كما تقوله المرجئة، بل يُعتدل في شأنهم على ما ذكرناه، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة». اهـ.

وهذا ظاهر في المعاملة الدنيوية، ولا شك أن أهل البدع -الذين لم يبلغوا الكفر ببدعتهم- داخلون في هذا القسم الثالث، وإلا فنحتاج إلى قسم رابع، ولم يذكره الشيخ - حفظه الله- !!
وتأمل قوله - حفظه الله-: «ومحبتهم تقتضي مناصحتهم...»إلخ، فإن هذا حق، فلا يلزم من محبتهم السكوت عن باطلهم، وينبغي تأمل قوله -سلمه الله: «تقتضي»، فليس معناه: أن محبتهم تعني مناصحتهم، ففرق بين «تقتضي» و«تعني»، أقول هذا، حتى لا يعتدي بعض الناس على هذا النص، ويضع كلام الشيخ في موضع آخر؛ تمشيةً لمذهبه، واستدلالًا عليه بكلام العلماء، والواقع أن بينهما بونًا شاسعًا، والله أعلم.

(تنبيه): هذا الأمر الذي سبق تقريره عن جماعة من أهل العلم، هو واقعنا جميعًا -حتى من يخالف نظريًّا في ذلك- فما منا أحد إلا وله أقاربُ وأصدقاء مفرِّطون في بعض الأمور، ومُحْسِنون في البعض الآخر، فنحب منهم ما أحسنوا فيه، ونعينهم على ذلك، ونُبْغِض منهم ما فرَّطوا فيه، وننصحهم بترك ذلك؛ فهل يجوز لنا أن نتعامل بهذا العدل مع أقاربنا - لمجردالقرابة- ونمنعه غيرهم، وربما كانوا أفضل من بعض قرابتنا ؟!!.

2 - الوجه الثاني من وجوه الرد على الشيخ ربيع في هذا الانتقاد : كون المخالفين يستدلُّون بمثل هذا الكلام على قاعدة «الموازنات» السقيمة الباطلة، ويضعون كلام أهل العلم في غير موضعه، فلا يعني هذا أننا نقول في كلام العلماء الذي جعلوه أصلاً من أصول أهل السنة: إنه كلام باطل، مخالف لمنهج السلف، أو أنه يفتح الباب لأهل البدع، فيستدلون به على باطلهم، بل يجب أن نرد على المخالفين، ونبيِّن لهم القيود والضوابط التي تستعمل معها هذه القاعدة، أو تلك القاعدة، فلا يكون استدلالُ مُبْطلٍ على باطله بشيء من القرآن والسنة وكلام السلف، ووضْعُهُ في غير موضعه؛ مسوِّغًا لنا أن نرد الحق، بل نرد على المخالف، وندافع عن الحق، والكلام على الموازنات سيأتي -إن شاء الله تعالى- بشيء من البسط، فيُرجع إليه في موضعه من هذا الكتاب - إن شاء الله تعالى- على أنَّ لي في ذلك كتابًا مستقلاَّ، يسَّر الله إتمامَهُ والنَّفْعَ به.

3 - استدلال الشيخ بكلام الإمام أحمد في يزيد، عندما قال: «لا نسبه، ولا نحبه» ليس دليلًا له من كل وجه، فإن سلَّمنا جدلاً بأن للشيخ دليلاً في قول الإمام أحمد – رحمه الله -: «ولا نحبه» -مع أنه ليس بصريح في البغض التام- فالدليل عليه أيضًا في قول أحمد: «لا نسبه» فالشيخ يوجب السب والتحذير والتشريد بأهل البدع -وهذا حق، لكنْ له ضوابط لا بد منها، وليس على إطلاقه- والمراد هنا أن نبين أن كلام الإمام أحمد ليس دليلًا للشيخ - هداه الله- فتأمل، وبنحو ذلك قُلْ في كلام الذهبي -رحمه الله- الذي نقله الشيخ ووضعه في غير موضعه!!!

وهناك جواب آخر على الشيخ في استدلاله بكلام أحمد، وهو: ما معنى قول أحمد في يزيد: «لا نحبه»؟ وقد بيَّن لنا شيخ الإسلام معنى هذه الكلمة -بخلاف ما يفهم الشيخ ربيع منها- فقال - كما في «مجموع الفتاوى» (4/475) - : «ولقد كان المقتصدون من أئمة السلف، يقولون في يزيد وأمثاله: إنا لا نسبًّهم، ولا نحبُّهم، أي: لا نحب ما صدر منهم من ظلم، والشخص الواحد يجتمع فيه حسناتٌ وسيئات، وطاعاتٌ ومعاصٍ، وبرٌّ وفجور وشر، فيثيبه الله على حسناته، ويعاقبه على سيئاته -إن شاء- أو يغفر له، ويحب ما فعله من الخير، ويبغض ما فعله من الشر».اهـ. فظهربذلك أنهم لا يحبون ظلمه، لا أنهم لا يحبونه فيما أصاب فيه، وجرى به من خير للإسلام وأهله، فتأمل – أخي - هذا الفارق، ولاتكن من الذين لا يَسْبُرون غَوْرَ معاني الكلام !!

4 - قول الشيخ معتذرًا لمن قال بهذا الأصل – وهم سلفٌ لي - كما في (ص7): «وإن كان الذي قلتَه، قد قاله بعض الأئمة الذين نحبهم ونجلهم، ولكن كلٌّ يؤخذ من قوله ويرد، لا سيما إذا خالف مَنْ ذَكَرَهُم البغوي وغيره».اهـ.قلت: ليس هناك مخالفة -كما ظهر لك أيها القارئ الكريم-، لكن الشيخ - هداه الله - لم يضع كلام السلف في موضعه، وأطلق الكلام، وقد سبق في الوجه الأول بيان مخصِّصاتٌ لهذا العموم، ولا ثمرة من جواب الشيخ في مثل هذا الموضع بقوله: «إنما أخذوا عن المبتدعة الحديثَ؛ لمصلحة السنة، وأطاعوا ولاة الأمور؛ لمصلحة الجماعة»؛ لأننا نقول: هذه الاعتذارات هي تسليم منك – أيها الرجل -بتخصيص عموم الإجماع المنقول عن السلف، وهذا هو المقصود، وكذلك هناك مواضع أخرى نصر السلفُ فيها بعضَ أهل البدع، أو مدحوهم، أو ذكروا فيها محاسنهم، وكلُّ موضع من هذه المواضع له أمثلة كثيرة من كلامهم – كما هو مقرر في موضعه - ولا شك أن كل موضع من هذه المواضع له مسوِّغ أو أكثر عند السلف بتحصيل مصلحة شرعية، وإلا فالأصل هجر أهل البدع، والتحذير منهم، لكن الخروج عن هذا الأصل لمصلحة شرعية -على منهج السلف- لا يُسمَّى أخذًا بمنهج الموازنات المشؤوم، الذي يعمل سياجًا منيعًا، وحصنًا حصينًا حول البدعة وأهلها، فمن أراد التحذير منهم - بوجه صحيح - قيل له: اعدل، واذكُرْ حسناتهم!! هذا إطلاق فاسد، وأمل كاسد، والله المستعان.

5 - وأيضًا: هل يقول الشيخ -عافاه الله-: إن ابن تيمية أخطأ في نسبة هذا الأصل لمنهج السلف، وأنه قد أخطأ في دعواه: أنه لم يخالِفْ في ذلك إلا أهلُ البدع من الخوارج والمعتزلة والمرجئة؟ وابن تيمية ذاك الإمام المعروف بمعرفته المذاهب وأقوال الناس، حتى إنه لَيَعْرِفُ عن المذاهب المخالفة له، ما لا يعرفه المتخصصِّون من أهلها، والشيخ الفوزان -سلمه الله- جعل هذا أيضًا من أصول أهل السنة، وفضيلته معروفٌ بالتحذير من أهل البدع، فهل يقال: إنه متناقض؟! أم يُحمل كلامه هنا على حالة، وهناك على أخرى؟! وهذا هو الذي يقتضيه الإنصاف والبحث العلمي.
ولو سلَّمنا أن ابن تيمية -رحمه الله- أخطأ في ذلك، فهل خطؤه هذا معناه التمييع للدعوة، والدفاع عن أهل البدع، والحرب ضد المنهج السلفي... إلى غير ذلك مما هو معروفٌ من قاموس الشيخ وأذنابه المقلِّدين له ؟!!

فإذا كان ابن تيمية كذلك: فلماذا يُحبه الشيخ ويجله؟! فقد قال في (ص7) من «الانتقاد»: «وإن كان الذي قلتَهُ، قد قال به بعض الأئمة الذين نحبهم ونجلهم...».اهـ، وإذا لم يكن كذلك: فلماذا لم يعذر الشيخ -وفقه الله- من خالفه، ومخالفُهُ متدرِّع بهذه الأدلة الشرعيَّة، ومتجلببٌ بهذه الآثار السلفية؟!

6 - والذي يظهر لي: أن طريقة الشيخ -في هذا الموضع- لما كانت مخالفة لمنهج السلف، الذي فيه تفاصيلُ كثيرةٌ في معاملة أهل البدع، فإنَّ الشيخ قد أطلق ولم يفصِّل، وذلك بخلاف ما سبق وما سيأتي -إن شاء الله- عن السلف، فلما كان حال الشيخ كذلك؛ حمله ذلك على رَدِّ هذا الكلام للسلف -إن قدر على ذلك- أو الاعتذارِ لبعضهم -إن عجز عن رد القول - ولو أدرك الشيخ طريقة السلف -في هذا الموضع- إدراكًا صحيحًا؛ لما كان هناك إيرادٌ ولا اعتراض، وفوق كل ذي علم عليم، والله تعالى أعلم.

7 - ومع هذه الأدلة المذكورة: فقد حَذَفْتُ هذه الفقرة بالكلية، ولم أُدخلها في الكتاب المطبوع، بجميع طبعاته -حتى الآن، وإن كان ذلك غير مُتَعَيِّن – ولكن حرصًا مني على جَمْع الكلمة - وتأليف القلوب- ولاسيما والدعوة قد كَشَّر أعداؤها عن أنيابهم- من أجل هذا ونحوه فقد حذفت هذه الجملة، فهذا الحذف – والحال هذا - مما يُمدح عليه فاعله، لا مما يُذم عليه أو يُعَيَّر به، بخلاف ما يدعيه الشيخ من أنني أُجْبِرْتُ على ذلك...إلخ ما قال.

ولذلك: فبعد الأدلة السابقة على صحة هذه الفقرة، فسيراها القارئ الكريم -إن شاء الله تعالى- في الطبعة الرابعة للكتاب، وفاقًا لأهل السنة، وإعمالاً لأصلٍ من أصولهم، وخلافًا للمرجئة والمعتزلة والخوارج ومن سلك سبيلهم!!! والشيخ -وإن كان عزيزًا علينا بقدر شرعي- فالحق أعز علينا منه، وما أظن عاقِلَيْنِ يختلفان في هذا، وَدَعْ عنك الغلاة المتيَّمين في حب ربيعهم !! فإن هؤلاء يضرون ولا ينفعون، وبمثلهم لا يَفْرَحُ العقلاء الصادقون، ولا يَغْتَرُّ بهم إلا من كان همه التجمهر حوله، والله المستعان.

ولقد ذُكر لبعض هؤلاء، أن فلانًا يقول: إن الشيخ ربيعًا يصيب ويخطئ، فسأل ذلك الرجلُ الغالي مَنْ نُسبت إليه هذه المقالة وبشدة: هل قلت كذا وكذا؟ قال: نعم؛ إنه بشر يصيب ويخطئ، ويعلم ويجهل، فقال ذاك المحروم: هذه شِنْشِنَةٌ عرفناها من الحزبيين!!! وآخر لما سمع من يقول: الحق أكبر من الشيخ ربيع، فقال مستنكرًا ومُكَبِّرًا رافعًا صوته: ما كنتُ أظنُّك يا فلان انتكسْتَ إلى هذا الحد!!! وآخر يقول: الشيخ ربيع معصوم في مسائل المنهج، وأنه أعلم من ابن باز والألباني وغيرهما بالمنهج، وآخر يقول: من حج أو اعتمر ولم يزر الشيخ ربيعًا؛ ففي سلفيته نظر أو دَخَن، مع أن الحديث المرويَّ في حقه صلى الله عليه وسلم « من حج ولم يزرني؛ فقد جفاني » حديث منكر، فكيف يكون معناه مقبولًا في حق الشيخ ربيع؟!
على كل حال: للغلاة في الشيخ - هداه الله- عجائب ومصائب، وبعضهم يظن أنه يحسن صنعًا؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون، من كثرة الجهل، وقلة العلم بآثار الرسالة، وللأسف أن هذا الكلام ممن ينتسب لدعوة الاتباع، وهذا هو الجهل المركب، فترى الرجل جاهلاً، ويجهل أنه جاهل، بل يعتقد أنه عالم!!

8 - لقد ذكر شيخنا مقبل -رحمة الله عليه- كلامًا يشير إلى معنى الفقرة التي اعترض عليها الشيخ ربيع -سلمه الله- فقال شيخنا مقبل -رحمة الله عليه- في رسالة: «هذه دعوتنا وعقيدتنا» ط/ دار الحديث بدماج (ص20) في الفقرة (27): «الحكومات نحبها بقدر ما فيها من الخير، ونبغضها لمافيها من الشر...».اهـ، فهل ستُنكر أيها الشيخ هذا أيضًا؟! وهل ستقول: «إن الشيخ مقبلًا بهذا قد طرّق لأهل البدع»؟!! وهل سيوافقك هؤلاء المقلدة – من تلامذة الشيخ مقبل - على هذا القول؟ أسئلة يجيب عنها من أجاب،ولا مجال للمتناقضين !! والله المستعان.
وأحب أن أنبه على أن كثيرًا من المسائل التي ينتقدها عليَّ الشيخ ربيع -سلمه الله- قد تكلم فيها الشيخ مقبل -رحمه الله- بمثل أو بنحو كلامي، فاعلم أيها القارئ الكريم أن بين الرجلين – في هذا الجانب - فرقًا، وسترى هذا الفرق مبثوثًا على صفحات هذا الكتاب في مواضعه - إن شاء الله تعالى - ومن عَلِمَ حجةٌ على من لم يعلم، فيا ليت قومي يعلمون!!!

9- بقي أمر في نهاية هذا الجواب:
وهو أن شيخ الإسلام ذكر أن المؤمن يُحَبُّ ويبغض على حسب ما فيه من خير وشر، وجعل هذا من أصول أهل السنة، ولم يخالفهم في ذلك إلا الخوارج والمعتزلة والمرجئة، فهل يدرك الشيخ -هداه الله ورده إلى الحق رَدًّا جميلًا - أن المخالف لهذا، يكون مخالفًا لأهل السنة، موافقًا لأهل البدع؟! وهذا حكم شيخ الإسلام، ليس حكم أبي الحسن!!

وأذكِّر الشيخ - هداه الله- بما كان يدندن به في المجالس والكتب والأشرطة، ويشنِّع بأن أبا الحسن مخالف لأهل السنة في مسألة حُكْمِ من فسَّق معظم الصحابة - وقد أجبتُ على ذلك بتوسُّع فيما مضى- وكان الشيخ يكثر من قوله: قد يَكْفُرُ أبو الحسن على قول ابن تيمية، وإن نجا من حكم ابن تيمية؛ فلا ينجو من حكم أهل الحديث في المعاند، فهل لي الآن أن أعاملك بالمثل أيها - الشيخ الفاضل!!- عندما تخالف في هذا الأصل الأصيل؟!! أما أنا فلا أعاملك بما عاملتني به من التهور والبغي،لكن اعلم – وليعلم أتباعك – أنك تتهم أصلًا من أصول أهل السنة ،بأنه كلامُ أهل البدع ، مع أن أهل البدع هم الذين أنكروا هذا الأصل !! على كل حال؛ فقد قال تعالى : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) [الأنبياء: 33]، وقال سبحانه: { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ }البقرة60والحمد لله أولًا وآخرًا.
__________________
قال ابن تيمية:"و أما قول القائل ؛إنه يجب على [العامة] تقليد فلان أو فلان'فهذا لا يقوله [مسلم]#الفتاوى22_/249
قال شيخ الإسلام في أمراض القلوب وشفاؤها (ص: 21) :
(وَالْمَقْصُود أَن الْحَسَد مرض من أمراض النَّفس وَهُوَ مرض غَالب فَلَا يخلص مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس وَلِهَذَا يُقَال مَا خلا جَسَد من حسد لَكِن اللَّئِيم يبديه والكريم يخفيه).
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-25-2009, 12:57 PM
عبد الله الافريقي عبد الله الافريقي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 217
افتراضي الانصاف

قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59
أخي عمر من يتأمل قول أبي الحسن يجده بعيدا جدا عن التأصيل العلمي .
أولا :الموازنات رد عليها الشيخ ربيع من قبل في رده على عبد الرحمن عبد الخالق وفي كتب أخرى.
ثانيا:لم يأتي القرآن الكريم ولا السنة النبوية في مقام النقد أو التحذير بذكر الحسنات وهو منهج السلف الصالح وإليك كتب سلفنا إطلعوا عليها حتى العلامة ابن تيمية في ردوده .
ثالثا :مسألة هجر المبتدع كلها مصالح فالمهجور يرتدع عن بدعته والهاجر يسلم لحديث النبي صللى الله عليه وسلم"مثل الجليس الصالح وجليس السوء ...إلى آخر الحديث)
رابعا:الشيخ ربيع قال له لا تفتح باب الموازنات لأهل البدع بهذه المقولة.
خامسا :أكثر العلماء فندوا مقالة الموازنات حتى الشيخ ابن عثيمين فلماذا لم ينقل ابي الحسن مقولاتهم ؟
سادسا:من يرد الله به خيرا يفقهفي الدين.
سابعا :ما بال أبي الحسن ينقل من ابن تيمية فقط .
ثامنا:الشدة لا تنافي الحب والدليل ما عامل به موسى عليه الصلاة والسلام فرعون وما عامل به أخاه هارون عليه الصلاة والسلام.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:40 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.