أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا
65241 | 162855 |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
جزء من حوار العلامة المحقق مشهور مع سفر الحوالي من كتاب العراق وبه رد على سيد قطب
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فهذا جزء من حوار للعلامة المحقق مشهور بن حسن آل سلمان مع سفر الحوالي نسخته بالحرف مع زيادة "[أي سفر]" وهذا المقتطف أخذته من الصفحة 105 من نسخة على الوورد من كتاب العراق في أحاديث وآثار الفتن وتساء[أي سفر] بقوله: «كيف تسلل الغلو، وانتهاج العنف إلى بعضهم، وحوله إلى بلده ومجتمعه أحيانا؟» وأجاب بما أداه إليه رأيه واجتهاده، وهو لا يخرج عن التفسير التاريخي، الذي أخشى أنْ يكون من جنس الاحتجاج بالقدر الكوني، فأقول مستدركاً عليه -وفّقه الله-: إنّ الجواب سهل ويسير، فيكفي أنْ يمد الدكتور يده إلى مكتبته، ليخرج كتاباً من كتب سيد قطب، ويقف بين صفحاته على النصوص الكثيرة التي (تسلل) من خلالها: (الغلو، وانتهاج العنف) إلى عقول وسلوك شباب الأمة الذين رُبُّوا على تلك الكتب. يكفي أن يجدد الدكتور قراءاته في تلك النصوص بعين العدل والإنصاف، والتجرد للحق؛ ليكتشف أنّ الذي جرأهم على (الافتئات علىالأمة)، والإعراض عن علمائها، بل الطعن فيهم، وإساءة الظن فيهم، وربما تكفيرهم؛ إنما هو تلك النصوص القطبية التي زرعت فيهم روح الثورة على الأمة، واحتقار أولي الأمر فيها؛ أعني: العلماء. ويكفي أنْ أذكر هنا نماذج من تلك النصوص: أولاً: في بث روح الثورة والتمرّد على الأمة الإسلامية -بالمفهوم الجمعي للأمة-: قال سيد قطب في كتابه «معالم في الطريق»، مصرحاً بأنّ المجتمعات الإسلامية اليوم كلها مجتمعات جاهلية بلا استثناء: «وأخيراً؛ يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة! وهذه المجتمعات لا تدخل في هذا الإطار؛ لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله، ولا أنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله -أيضاً-، ولكنها تدخل في هذا الإطار؛ لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده في نظام حياتها... إنّ موقف الإسلام من هذه المجتمعات الجاهلية -كلها- يتحدد في عبارة واحدة: إنه يرفض الاعتراف بإسلامية هذه المجتمعات كلها». وأكد ذلك بنفي وجود (الإسلام) علىوجه الأرض، فقال: «وحين نستعرض وجه الأرض كله اليوم، على ضوء هذا التقرير الإلهي لمفهوم الدين والإسلام، لا نرى لهذا الدين وجوداً.. إنّ هذا الوجود قد توقف منذ أن تخلت آخر مجموعة من المسلمين عن إفراد الله بالحاكمية في حياة البشر، وذلك يوم أن تخلت عن الحكم بشريعته وحدها في كل شؤون الحياة، ويجب أن نقرر هذه الحقيقة الأليمة، وأن نجهر بها، وأن لا نخشى خيبة الأمل التي تحدثها في قلوب الكثيرين الذين يحبون أنْ يكونوا مسلمين؛ فهؤلاء من حقهم أنْ يستيقنوا؛ كيف يكونون مسلمين؟! إنّ أعداء هذا الدين بذلوا طوال قرون كثيرة -وما يزالون يبذلون- جهوداً ضخمة، ماكرة، خبيثة؛ ليستغلوا إشفاق الكثيرين الذين يحبون أنْ يكونوا مسلمين؛ من وقع هذه الحقيقة المريرة، ومن مواجهتها في النور، وتحرجهم كذلك من إعلان: أنّ وجود هذا الدين قد توقف منذ أن تخلت آخر مجموعة مسلمة في الأرض عن تحكيم شريعة الله في أمرها كله...»([1]). ويؤكد سيد قطب على تكفير المسلمين، بمن فيهم أولئك الذين يرفعون أصواتهم بالأذان خمس مرات في اليوم، فيقول: «لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية، وعادت البشرية إلى مثل الموقف الذي كانت فيه يوم تنزل هذا القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويوم جاءها الإسلام مبنيّاً على قاعدته الكبرى: شهادة أن لا إله إلا الله. لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بـ(لا إله إلا الله)؛ فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد، وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلا الله، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن: لا إله إلا الله؛ دون أن يدرك مدلولها، ودون أن يعنيَ هذا المدلولَ وهو يرددها، ودون أن يرفض شرعية الحاكمية التي يدعيها العباد لأنفسهم، وهي مرادف الألوهية، سواء ادعوها كأفراد، أو كتشكيلات تشريعية، أو كشعوب، فالأفراد كالتشكيلات كالشعوب ليست آلهة، فليس لها إذَنْ حقُّ الحاكمية... إلا أن البشرية عادت إلى الجاهلية، وارتدت عن لا إله إلا الله، فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الألوهية، ولم تعد توحد الله، وتخلص له الولاء. البشرية بجملتها، بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات: لا إله إلا الله؛ بلا مدلول ولا واقع... وهؤلاء أثقل إثماً وأشد عذاباً يوم القيامة؛ لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد -من بعد ما تبين لهم الهدى- ومن بعد أن كانوا في دين الله! فما أحوج العصبة المسلمة اليوم أن تقف طويلاً أمام هذه الآيات البينات»([2]). ويدعو سيد قطب إلى مفاصلة المجتمع الإسلامي؛ لأنه -في اعتقاده- مجتمع جاهلي لا يمت للإسلام بصلة، فيقول: «إنه لا نجاة للعصبة المسلمة في كل أرض من أن يقع عليها هذا العذاب: {أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض} [الأنعام: 65]، إلا بأن تنفصل هذه العصبة عقيديّاً وشعوريّاً ومنهج حياة عن أهل الجاهلية من قومها، حتى يأذن الله لها بقيام (دار إسلام) تعتصم بها، وإلا تشعر شعوراً كاملاً بأنها هي الأمة المسلمة، وأن ما حولها ومن حولها ممن لم يدخلوا فيما دخلت فيه: جاهلية وأهل جاهلية، وأن تفاصل قومها على العقيدة والمنهج، وأن تطلب بعد ذلك من الله أن يفتح بينها وبين قومها بالحق وهو خير الفاتحين»([3]). ويقول -أيضاً-: «إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم؛ قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله، والفقه الإسلامي»([4]). ويقول -أيضاً-: «فأما اليوم؛ فماذا؟! أين هو المجتمع المسلم الذي قرر أن تكون دينونته لله وحده، والذي رفض بالفعل الدينونة لأحد من العبيد، والذي قرر أن تكون شريعة الله شريعته، والذي رفض بالفعل شريعة أي تشريع لا يجيء من هذا المصدر الشرعي الوحيد؟ لا أحد يملك أن يزعم أن هذا المجتمع المسلم قائم موجود!»([5]). ويقول سيد قطب مؤكداً ما سبق، ومنتقداً من يفكرون في النظام الإسلامي: «إن الذين يفكرون في النظام الإسلامي اليوم وتشكيلاته، أو يكتبون، يدخلون في متاهة! ذلك أنهم يحاولون تطبيق قواعد النظام الإسلامي وأحكامه الفقهية المدونة في فراغ، يحاولون تطبيقها في هذا المجتمع الجاهلي القائم، بتركيبه العضوي الحاضر، وهذا المجتمع الجاهلي الحاضر يعتبر -بالقياس إلى طبيعة النظام الإسلامي، وأحكامه الفقهية- فراغاً، لا يمكن أن يقوم فيه هذا النظام، ولا أن تطبق فيه هذه الأحكام، ... إن تركيبه العضوي مناقض تماماً للتركيب العضوي للمجتمع المسلم، فالمجتمع المسلم -كما قلنا- يقوم تركيبه العضوي على أساس ترتيب الشخصيات والفئات كما ترتبها الحركة لإقرار هذا النظام في عالم الواقع، ولمجاهدة الجاهلية لإخراج الناس منها إلى الإسلام، مع تحمل ضغوط الجاهلية، وما توجهه من فتنة، وإيذاء، وحرب على هذه الحركة، والصبر على الابتلاء، وحسن البلاء، من نقطة البدء إلى نقطة الفصل في نهاية المطاف، أما المجتمع الجاهلي الحاضر؛ فهو مجتمع راكد، قائم على قيم لا علاقة لها بالإسلام، ولا بالقيم الإيمانية... وهو -من ثم- يُعَدُّ بالقياس إلى النظام الإسلامي وأحكامه الفقهية فراغاً لا يعيش فيه هذا النظام، ولا تقوم فيه هذه الأحكام»([6]). ثانياً: في احتقار العلماء([7])، وتجاوز المرجعيات الدينية للأمة: يقول سيد قطب: «وبعض هذه الشبهات ناشىء عن التباس فكرة الدين ذاته بمن يسمون في هذا العصر: رجال الدين، وهو التباس مؤذ للإسلام، ولصورته في نفوس الناس، فهؤلاء الـ(رجال الدين)، أبعد خلق الله عن أن يمثلوا فكرته، ويرسموا صورته، لا بثقافتهم ولا بسلوكهم، ولا حتى بزيهم وهيئتهم، ولكن الجهل بحقيقة هذا الدين، والثقافة المدرسية الباقية من عهد الاحتلال، والتي ما يزال يشرف عليها الرجال الذين صنعهم الاحتلال، والأدوات التنفيذية التي صاغها بيده لتسد مسده بعد رحيله، هذا الجهل الناشئ عن تلك الثقافة لا يدع للناس صورة عن الإسلام يرونها إلا في هؤلاء الذين يعرفونهم: (رجال الدين)، وهي أسوأ صورة ممكنة للإسلام ولأي دين من الأديان»([8]). ويقول سيد -أيضاً-: «وبعد؛ فليطمئن المخلصون من المفكرين، ورجال الفنون، ومن إليهم؛ أن حكم الإسلام لن يسلمهم إلى المشانق والسجون، ولن يكبت أفكارهم، ويحطم أقلامهم، وينبذهم من حمايته ورعايته، ولا يأخذوا الصيحات التافهة التي يصيحها اليوم: رجال الدين المحترفون في وجه بعض الكتب، وبعض الأفكار حجة!! فإنما هذه الصيحات تجارة رابحة اليوم، وحرفة كاسبة؛ لأنهم يعيشون في عهد الإقطاع الذي يقيمهم حراساً لمظالمه وجرائمه، ولكي يبرروا وجودهم في أعين الجماهير؛ يطلقون هذه الصيحات الفارغة بين الحين والحين، فأمّا حين يكون الحكم للإسلام؛ فلن يبقى لهؤلاء عمل، فسيكونون مجندين لعمل منتج نافع، هم وبقية المتعطلين المتمسكعين من كبار الملاك، ورجال الأموال، ومن الموظفين، والمستخدمين في الدواوين، ومن أحلاس المقاهي والمواخير والحانات، ومن المشردين في الشوارع والطرقات، أو المصطلين للشمس حول الأجران... وكلهم في التبطل والتسكع سواء، بعضهم: كاره مضطر، وبعضهم: كسول خامل، وبعضهم: مستغل مستهتر»([9]). ويتعجب سيد من المفتين والمستفتين في المجتمعات الإسلامية عن مشكلات تواجههم، فيقول: «والإسلام نظام اجتماعي متكامل، تترابط جوانبه وتتساند، وهو نظام يختلف في طبيعته وفكرته عن الحياة ووسائله في تصريفها، يختلف في هذا كله عن النظم الغربية، وعن النظم المُطَبَّقة اليوم عندنا، يختلف اختلافاً كليّاً أصلاً عن هذه النظم، ومن المؤكد أنه لم يشترك في خلق المشكلات القائمة في المجتمع اليوم، إنما نشأت هذه المشكلات عن طبيعة النظم المطَبَّقة في المجتمع، ومن إبعاد الإسلام عن مجال الحياة. ولكن العجيب بعد هذا، أنْ يكثر استفتاء الإسلام في تلك المشكلات، وأن يُطلَب لها عنده حلول، وأن يُطلَب رأيه في قضايا لم ينشئها هو، ولم يشترك في إنشائها. العجب أن يستفتى الإسلام في بلاد لا تطبق نظام الإسلام، في قضايا من نوع: (المرأة والبرلمان)، و(المرأة والعمل)، و(المرأة والاختلاط)، و(مشكلات الشباب الجنسية) وما إليها، وأن يستفتيه في هذا وأمثاله ناس لا يرضون للإسلام أن يحكم، بل إنه ليزعجهم أن يتصوروا يوم يجيء حكم الإسلام. والأعجب من أسئلة هؤلاء أجوبة رجال الدين، ودخولهم مع هؤلاء السائلين في جدل حول رأي الإسلام، وحكم الإسلام في مثل هذه الجزئيات، وفي مثل هذه القضايا، في دولة لا تحكم بالإسلام. ما للإسلام اليوم؛ وأن تدخل المرأة البرلمان، أو لا تدخل؟! ما له وأن يختلط الجنسان أو لا يختلطان؟([10]) ما له وأن تعمل المرأة أو لا تعمل؟ ما له وما لأي مشكلة من مشكلات النظم المطبقة في هذا المجتمع الذي لا يدين للإسلام، ولا يرضى حكم الإسلام؟ إنّ الفقه الإسلامي لا ينشأ في فراغ، ولا يعيش في فراغ كذلك، لا ينشأ في الأدمغة والأوراق، وإنما ينشأ في الحياة، وليس أية حياة، إنما هي حياة المجتمع المسلم على وجه التحديد، ومن ثم لا بد أن يوجد المجتمع أولاً بتركيبه العضوي الطبيعي، فيكون هو الوسط الذي ينشأ فيه الفقه الإسلامي ويطبق، وعندئذٍ تختلف الأمور جدّاً، وساعتها قد يحتاج ذلك المجتمع الخاص -بعد نشأته في مواجهة الجاهلية، وتحركه في مواجهة الحياة- إلى البنوك، وشركات التأمين، وتحديد النسل،... إلخ، وقد لا يحتاج! ذلك أننا لا نملك سلفاً أن نقدر أصل حاجته، ولا حجمها ولا شكلها، حتى نُشرِّع لها سلفاً! كما أن ما لدينا من أحكام هذا الدين لا يطابق حاجات المجتمعات الجاهلية ولا يلبيها... ذلك أن هذا الدين لا يعترف ابتداء بشرعية وجود هذه المجتمعات الجاهلية، ولا يرضى ببقائها، ومن ثم فهو لا يعني نفسه بالاعتراف بحاجاتها الناشئة من جاهليتها، ولا بتلبيتها كذلك»([11]). أقول: لا تحتاج هذه النصوص -وهي غيض من فيض- إلى شرح أو تعليق، فهي واضحة صريحة، تكشف حقيقة الأسس التي بنى عليها سيد قطب فكره، ثم جاء من بعده أتباعه فزادوا فيها من الغلو والتطرف ألواناً، فلا عجب أن يُلغُوا: (وجود الأمة الإسلامية)، ويتجاوزا (أولي الأمر فيها)؛ فينظروا إلى ورثة الأنبياء، الذين وقَّفوا حياتهم على خدمة كتاب الله -تعالى-، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، علماً وعملاً، وتفقهاً وتفقيهاً، وتعليماً ودعوة، وبذلوا -ومازالوا يبذلون- كل ما في استطاعتهم من أجل نشر دعوة التوحيد والسنة، ومحاربة مظاهر الشرك والبدع التي ابتليت بها معظم طوائف الأمة، لا عجب أن يعتبروا ذلك عملاً سفيهاً، وجهداً ضائعاً، ودعوة تنبئ عن جبن أولئك العلماء، وعجزهم، وإشغالهم أنفسهم بما لا يغضب الحكام خوفاً منهم، وخضوعاً لهم!! نعم؛ لهذا وجدت في العالم الإسلامي أجيال من المسلمين ثائرة على الأمة، متمردة على العلماء، ساخرة من جهودهم في العلم والدعوة، لا ترى الدين إلا في (الحاكمية)([12]) -فبها فسر سيد قطب كلمة التوحيد!- فلا يقيسون الأمور إلا من خلالها، ولا يُقيِّمون الأشخاص إلا في ضوئها، ولا يحملون هدفاً في الحياة سوى الوصول إليها! وهكذا انحسر الخطاب الديني في الأمة، وتاه كثير من الناس في المسالك المهلكة، وكان ذلك من أعظم المصائب التي نزلت بالمسلمين. ورغم ذلك كله؛ فإنّ ما حققه علماء الأمة في العصر الحديث -بدءاً بدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- وحتى يوم الناس هذا- في إحياء منهج الأنبياء، وإصلاح عقائد المسلمين وأعمالهم، والخروج بهم من ظلمات الممارسات الشركية، والعبادات البدعية، والضلالات الأشعرية والصوفية، ليعودوا إلى منهج الكتاب والسنة، وسلف الأمة -علماً وعملاً، ونظاماً متكاملاً وشاملاً لحياة الفرد والمجتمع- خير كبير، وفضل من الله عظيم، يبعث على الاستبشار والتفاؤل، ويزيد أهل التوحيد والسنة ثباتاً على منهج السلف، والتفافاً حول علمائه ودعاته، وتفانياً في نشره ونصرته، حتى يأتي أمر الله -تعالى- وهم على ذلك([13]). ([1]) «العدالة الاجتماعية» (183-184). ([2]) «في ظلال القرآن» (2/1057). وفي هذا الكلام تكفير واضح للأمة الإسلامية كلها، وحكم عليها بالردة، وأنهم أشد الكفار عذاباً؛ لأنهم ارتدوا بعد ما تبيّن لهم الهدى. ([3]) «في ظلال القرآن» (2/1125). ([4]) «في ظلال القرآن» (4/2122). وقد كتب هذا الكلام وهو يعلم جيداً بأن الدولة أسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- قد قامت على عقيدة التوحيد، وتطبيق الشريعة، لكن لا عجب أن يذهب سيد قطب إلى تكفيرها -أيضاً-؛ لأنها رفضت المنهج الاشتراكي الذي اعتنقه سيد قطب، وذهب بسببه إلى الطعن في أمير المؤمنين، وثالث الخلفاء الراشدين، ذي النُّورين: عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، واعتبر خلافته باطلة وفجوة في تاريخ الإسلام؛ كما في كتابه «العدالة الاجتماعية في الإسلام»! ([5]) «في ظلال القرآن» (3/1735)، وراجع الهامش السابق. ([6]) «في ظلال القرآن» (4/2009). ([7]) الذين يسمِّيهم سيِّد: (رجال الدِّين)، ويريد بهم -كما يدلُّ عليه سياق كلامه-: الجنس، وليس النوع؛ فتنبه. ([8]) «معركة الإسلام والرأسمالية» (63). ([9]) «معركة الإسلام والرأسمالية» (84). وهكذا يغازل سيد قطب (رجال الفكر والفن) من كل كاتب أو أديب متحرر، أو فيلسوف مارق، أو رسام تلاحقه اللعنة، أو ممثل وممثلة، أو مطرب ومطربة، وغيرهم من المفسدين في الأرض، ويعدهم إن قامت دولته أن تكون لهم الصولة والجولة، ويكون مصير علماء الإسلام الذين ينبزهم برجال الدين؛ أن يجنَّدوا في عمل منتج، هم ومن ذكرهم من أحلاس المقاهي، والمواخير، والحانات، فـ: (رجال الدين) في نظره لا يقلون سوءاً وضرراً على المجتمع من أولئك السفهاء الساقطين، فكلُّهم سواء!! وقد فطن العلامة محمود شاكر -رحمه الله- إلى أخطاء (سيد)، فرد عليه في مجموعة مقالات في عدة مجلات مصرية قديمة، وجمعتُ مقالاته في هذا الصدد بكتاب مفرد، يسر الله ظهوره ونشره بخير وعافية. ([10]) وكأنّ الالتزام بالإسلام متوقف على وجود الحكومة الإسلامية؛ وليس واجباً فرديّاً، ومسؤولية شخصية، يحاسب عليها الإنسان بين يدي الله -تعالى- وحده، إنّ مثل هذا النص قد يعيننا على فهم ما صدر من بعض أتباع هذا المنهج في بعض البلاد الإسلامية وغير الإسلامية؛ من استباحة الدماء، والأعراض، والأموال. ([11]) «في ظلال القرآن» (4/2010). ([12]) انظر -لزاماً- (فتاوى العلماء) حول هذا المصطلح وجعله من (أنواع التوحيد)! في جريدة «المسلمون»، العدد (639)، الجمعة 25/ذو الحجة/1417هـ. ([13]) من كلام أخينا الباحث عبد الحق التركماني في مقدمته لتحقيق كتاب ابن حزم «التلخيص لوجوه التخليص» (ص 30 وما بعد).
__________________
قال تَعَالَى: " نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ" [الحجر:50,49] |
#2
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فهذا جزء من حوار للعلامة المحقق مشهور بن حسن آل سلمان مع سفر الحوالي نسخته بالحرف مع زيادة "[أي سفر]" وهذا المقتطف أخذته من الصفحة 105 من نسخة على الوورد من كتاب العراق في أحاديث وآثار الفتن وتساء[أي سفر] بقوله: «كيف تسلل الغلو، وانتهاج العنف إلى بعضهم، وحوله إلى بلده ومجتمعه أحيانا؟» وأجاب بما أداه إليه رأيه واجتهاده، وهو لا يخرج عن التفسير التاريخي، الذي أخشى أنْ يكون من جنس الاحتجاج بالقدر الكوني، فأقول مستدركاً عليه -وفّقه الله-: إنّ الجواب سهل ويسير، فيكفي أنْ يمد الدكتور يده إلى مكتبته، ليخرج كتاباً من كتب سيد قطب، ويقف بين صفحاته على النصوص الكثيرة التي (تسلل) من خلالها: (الغلو، وانتهاج العنف) إلى عقول وسلوك شباب الأمة الذين رُبُّوا على تلك الكتب. يكفي أن يجدد الدكتور قراءاته في تلك النصوص بعين العدل والإنصاف، والتجرد للحق؛ ليكتشف أنّ الذي جرأهم على (الافتئات علىالأمة)، والإعراض عن علمائها، بل الطعن فيهم، وإساءة الظن فيهم، وربما تكفيرهم؛ إنما هو تلك النصوص القطبية التي زرعت فيهم روح الثورة على الأمة، واحتقار أولي الأمر فيها؛ أعني: العلماء. ويكفي أنْ أذكر هنا نماذج من تلك النصوص: أولاً: في بث روح الثورة والتمرّد على الأمة الإسلامية -بالمفهوم الجمعي للأمة-: قال سيد قطب في كتابه «معالم في الطريق»، مصرحاً بأنّ المجتمعات الإسلامية اليوم كلها مجتمعات جاهلية بلا استثناء: «وأخيراً؛ يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة! وهذه المجتمعات لا تدخل في هذا الإطار؛ لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله، ولا أنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله -أيضاً-، ولكنها تدخل في هذا الإطار؛ لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده في نظام حياتها... إنّ موقف الإسلام من هذه المجتمعات الجاهلية -كلها- يتحدد في عبارة واحدة: إنه يرفض الاعتراف بإسلامية هذه المجتمعات كلها». وأكد ذلك بنفي وجود (الإسلام) علىوجه الأرض، فقال: «وحين نستعرض وجه الأرض كله اليوم، على ضوء هذا التقرير الإلهي لمفهوم الدين والإسلام، لا نرى لهذا الدين وجوداً.. إنّ هذا الوجود قد توقف منذ أن تخلت آخر مجموعة من المسلمين عن إفراد الله بالحاكمية في حياة البشر، وذلك يوم أن تخلت عن الحكم بشريعته وحدها في كل شؤون الحياة، ويجب أن نقرر هذه الحقيقة الأليمة، وأن نجهر بها، وأن لا نخشى خيبة الأمل التي تحدثها في قلوب الكثيرين الذين يحبون أنْ يكونوا مسلمين؛ فهؤلاء من حقهم أنْ يستيقنوا؛ كيف يكونون مسلمين؟! إنّ أعداء هذا الدين بذلوا طوال قرون كثيرة -وما يزالون يبذلون- جهوداً ضخمة، ماكرة، خبيثة؛ ليستغلوا إشفاق الكثيرين الذين يحبون أنْ يكونوا مسلمين؛ من وقع هذه الحقيقة المريرة، ومن مواجهتها في النور، وتحرجهم كذلك من إعلان: أنّ وجود هذا الدين قد توقف منذ أن تخلت آخر مجموعة مسلمة في الأرض عن تحكيم شريعة الله في أمرها كله...»([1]). ويؤكد سيد قطب على تكفير المسلمين، بمن فيهم أولئك الذين يرفعون أصواتهم بالأذان خمس مرات في اليوم، فيقول: «لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية، وعادت البشرية إلى مثل الموقف الذي كانت فيه يوم تنزل هذا القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويوم جاءها الإسلام مبنيّاً على قاعدته الكبرى: شهادة أن لا إله إلا الله. لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بـ(لا إله إلا الله)؛ فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد، وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلا الله، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن: لا إله إلا الله؛ دون أن يدرك مدلولها، ودون أن يعنيَ هذا المدلولَ وهو يرددها، ودون أن يرفض شرعية الحاكمية التي يدعيها العباد لأنفسهم، وهي مرادف الألوهية، سواء ادعوها كأفراد، أو كتشكيلات تشريعية، أو كشعوب، فالأفراد كالتشكيلات كالشعوب ليست آلهة، فليس لها إذَنْ حقُّ الحاكمية... إلا أن البشرية عادت إلى الجاهلية، وارتدت عن لا إله إلا الله، فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الألوهية، ولم تعد توحد الله، وتخلص له الولاء. البشرية بجملتها، بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات: لا إله إلا الله؛ بلا مدلول ولا واقع... وهؤلاء أثقل إثماً وأشد عذاباً يوم القيامة؛ لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد -من بعد ما تبين لهم الهدى- ومن بعد أن كانوا في دين الله! فما أحوج العصبة المسلمة اليوم أن تقف طويلاً أمام هذه الآيات البينات»([2]). ويدعو سيد قطب إلى مفاصلة المجتمع الإسلامي؛ لأنه -في اعتقاده- مجتمع جاهلي لا يمت للإسلام بصلة، فيقول: «إنه لا نجاة للعصبة المسلمة في كل أرض من أن يقع عليها هذا العذاب: {أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض} [الأنعام: 65]، إلا بأن تنفصل هذه العصبة عقيديّاً وشعوريّاً ومنهج حياة عن أهل الجاهلية من قومها، حتى يأذن الله لها بقيام (دار إسلام) تعتصم بها، وإلا تشعر شعوراً كاملاً بأنها هي الأمة المسلمة، وأن ما حولها ومن حولها ممن لم يدخلوا فيما دخلت فيه: جاهلية وأهل جاهلية، وأن تفاصل قومها على العقيدة والمنهج، وأن تطلب بعد ذلك من الله أن يفتح بينها وبين قومها بالحق وهو خير الفاتحين»([3]). ويقول -أيضاً-: «إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم؛ قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله، والفقه الإسلامي»([4]). ويقول -أيضاً-: «فأما اليوم؛ فماذا؟! أين هو المجتمع المسلم الذي قرر أن تكون دينونته لله وحده، والذي رفض بالفعل الدينونة لأحد من العبيد، والذي قرر أن تكون شريعة الله شريعته، والذي رفض بالفعل شريعة أي تشريع لا يجيء من هذا المصدر الشرعي الوحيد؟ لا أحد يملك أن يزعم أن هذا المجتمع المسلم قائم موجود!»([5]). ويقول سيد قطب مؤكداً ما سبق، ومنتقداً من يفكرون في النظام الإسلامي: «إن الذين يفكرون في النظام الإسلامي اليوم وتشكيلاته، أو يكتبون، يدخلون في متاهة! ذلك أنهم يحاولون تطبيق قواعد النظام الإسلامي وأحكامه الفقهية المدونة في فراغ، يحاولون تطبيقها في هذا المجتمع الجاهلي القائم، بتركيبه العضوي الحاضر، وهذا المجتمع الجاهلي الحاضر يعتبر -بالقياس إلى طبيعة النظام الإسلامي، وأحكامه الفقهية- فراغاً، لا يمكن أن يقوم فيه هذا النظام، ولا أن تطبق فيه هذه الأحكام، ... إن تركيبه العضوي مناقض تماماً للتركيب العضوي للمجتمع المسلم، فالمجتمع المسلم -كما قلنا- يقوم تركيبه العضوي على أساس ترتيب الشخصيات والفئات كما ترتبها الحركة لإقرار هذا النظام في عالم الواقع، ولمجاهدة الجاهلية لإخراج الناس منها إلى الإسلام، مع تحمل ضغوط الجاهلية، وما توجهه من فتنة، وإيذاء، وحرب على هذه الحركة، والصبر على الابتلاء، وحسن البلاء، من نقطة البدء إلى نقطة الفصل في نهاية المطاف، أما المجتمع الجاهلي الحاضر؛ فهو مجتمع راكد، قائم على قيم لا علاقة لها بالإسلام، ولا بالقيم الإيمانية... وهو -من ثم- يُعَدُّ بالقياس إلى النظام الإسلامي وأحكامه الفقهية فراغاً لا يعيش فيه هذا النظام، ولا تقوم فيه هذه الأحكام»([6]). ثانياً: في احتقار العلماء([7])، وتجاوز المرجعيات الدينية للأمة: يقول سيد قطب: «وبعض هذه الشبهات ناشىء عن التباس فكرة الدين ذاته بمن يسمون في هذا العصر: رجال الدين، وهو التباس مؤذ للإسلام، ولصورته في نفوس الناس، فهؤلاء الـ(رجال الدين)، أبعد خلق الله عن أن يمثلوا فكرته، ويرسموا صورته، لا بثقافتهم ولا بسلوكهم، ولا حتى بزيهم وهيئتهم، ولكن الجهل بحقيقة هذا الدين، والثقافة المدرسية الباقية من عهد الاحتلال، والتي ما يزال يشرف عليها الرجال الذين صنعهم الاحتلال، والأدوات التنفيذية التي صاغها بيده لتسد مسده بعد رحيله، هذا الجهل الناشئ عن تلك الثقافة لا يدع للناس صورة عن الإسلام يرونها إلا في هؤلاء الذين يعرفونهم: (رجال الدين)، وهي أسوأ صورة ممكنة للإسلام ولأي دين من الأديان»([8]). ويقول سيد -أيضاً-: «وبعد؛ فليطمئن المخلصون من المفكرين، ورجال الفنون، ومن إليهم؛ أن حكم الإسلام لن يسلمهم إلى المشانق والسجون، ولن يكبت أفكارهم، ويحطم أقلامهم، وينبذهم من حمايته ورعايته، ولا يأخذوا الصيحات التافهة التي يصيحها اليوم: رجال الدين المحترفون في وجه بعض الكتب، وبعض الأفكار حجة!! فإنما هذه الصيحات تجارة رابحة اليوم، وحرفة كاسبة؛ لأنهم يعيشون في عهد الإقطاع الذي يقيمهم حراساً لمظالمه وجرائمه، ولكي يبرروا وجودهم في أعين الجماهير؛ يطلقون هذه الصيحات الفارغة بين الحين والحين، فأمّا حين يكون الحكم للإسلام؛ فلن يبقى لهؤلاء عمل، فسيكونون مجندين لعمل منتج نافع، هم وبقية المتعطلين المتمسكعين من كبار الملاك، ورجال الأموال، ومن الموظفين، والمستخدمين في الدواوين، ومن أحلاس المقاهي والمواخير والحانات، ومن المشردين في الشوارع والطرقات، أو المصطلين للشمس حول الأجران... وكلهم في التبطل والتسكع سواء، بعضهم: كاره مضطر، وبعضهم: كسول خامل، وبعضهم: مستغل مستهتر»([9]). ويتعجب سيد من المفتين والمستفتين في المجتمعات الإسلامية عن مشكلات تواجههم، فيقول: «والإسلام نظام اجتماعي متكامل، تترابط جوانبه وتتساند، وهو نظام يختلف في طبيعته وفكرته عن الحياة ووسائله في تصريفها، يختلف في هذا كله عن النظم الغربية، وعن النظم المُطَبَّقة اليوم عندنا، يختلف اختلافاً كليّاً أصلاً عن هذه النظم، ومن المؤكد أنه لم يشترك في خلق المشكلات القائمة في المجتمع اليوم، إنما نشأت هذه المشكلات عن طبيعة النظم المطَبَّقة في المجتمع، ومن إبعاد الإسلام عن مجال الحياة. ولكن العجيب بعد هذا، أنْ يكثر استفتاء الإسلام في تلك المشكلات، وأن يُطلَب لها عنده حلول، وأن يُطلَب رأيه في قضايا لم ينشئها هو، ولم يشترك في إنشائها. العجب أن يستفتى الإسلام في بلاد لا تطبق نظام الإسلام، في قضايا من نوع: (المرأة والبرلمان)، و(المرأة والعمل)، و(المرأة والاختلاط)، و(مشكلات الشباب الجنسية) وما إليها، وأن يستفتيه في هذا وأمثاله ناس لا يرضون للإسلام أن يحكم، بل إنه ليزعجهم أن يتصوروا يوم يجيء حكم الإسلام. والأعجب من أسئلة هؤلاء أجوبة رجال الدين، ودخولهم مع هؤلاء السائلين في جدل حول رأي الإسلام، وحكم الإسلام في مثل هذه الجزئيات، وفي مثل هذه القضايا، في دولة لا تحكم بالإسلام. ما للإسلام اليوم؛ وأن تدخل المرأة البرلمان، أو لا تدخل؟! ما له وأن يختلط الجنسان أو لا يختلطان؟([10]) ما له وأن تعمل المرأة أو لا تعمل؟ ما له وما لأي مشكلة من مشكلات النظم المطبقة في هذا المجتمع الذي لا يدين للإسلام، ولا يرضى حكم الإسلام؟ إنّ الفقه الإسلامي لا ينشأ في فراغ، ولا يعيش في فراغ كذلك، لا ينشأ في الأدمغة والأوراق، وإنما ينشأ في الحياة، وليس أية حياة، إنما هي حياة المجتمع المسلم على وجه التحديد، ومن ثم لا بد أن يوجد المجتمع أولاً بتركيبه العضوي الطبيعي، فيكون هو الوسط الذي ينشأ فيه الفقه الإسلامي ويطبق، وعندئذٍ تختلف الأمور جدّاً، وساعتها قد يحتاج ذلك المجتمع الخاص -بعد نشأته في مواجهة الجاهلية، وتحركه في مواجهة الحياة- إلى البنوك، وشركات التأمين، وتحديد النسل،... إلخ، وقد لا يحتاج! ذلك أننا لا نملك سلفاً أن نقدر أصل حاجته، ولا حجمها ولا شكلها، حتى نُشرِّع لها سلفاً! كما أن ما لدينا من أحكام هذا الدين لا يطابق حاجات المجتمعات الجاهلية ولا يلبيها... ذلك أن هذا الدين لا يعترف ابتداء بشرعية وجود هذه المجتمعات الجاهلية، ولا يرضى ببقائها، ومن ثم فهو لا يعني نفسه بالاعتراف بحاجاتها الناشئة من جاهليتها، ولا بتلبيتها كذلك»([11]). أقول: لا تحتاج هذه النصوص -وهي غيض من فيض- إلى شرح أو تعليق، فهي واضحة صريحة، تكشف حقيقة الأسس التي بنى عليها سيد قطب فكره، ثم جاء من بعده أتباعه فزادوا فيها من الغلو والتطرف ألواناً، فلا عجب أن يُلغُوا: (وجود الأمة الإسلامية)، ويتجاوزا (أولي الأمر فيها)؛ فينظروا إلى ورثة الأنبياء، الذين وقَّفوا حياتهم على خدمة كتاب الله -تعالى-، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، علماً وعملاً، وتفقهاً وتفقيهاً، وتعليماً ودعوة، وبذلوا -ومازالوا يبذلون- كل ما في استطاعتهم من أجل نشر دعوة التوحيد والسنة، ومحاربة مظاهر الشرك والبدع التي ابتليت بها معظم طوائف الأمة، لا عجب أن يعتبروا ذلك عملاً سفيهاً، وجهداً ضائعاً، ودعوة تنبئ عن جبن أولئك العلماء، وعجزهم، وإشغالهم أنفسهم بما لا يغضب الحكام خوفاً منهم، وخضوعاً لهم!! نعم؛ لهذا وجدت في العالم الإسلامي أجيال من المسلمين ثائرة على الأمة، متمردة على العلماء، ساخرة من جهودهم في العلم والدعوة، لا ترى الدين إلا في (الحاكمية)([12]) -فبها فسر سيد قطب كلمة التوحيد!- فلا يقيسون الأمور إلا من خلالها، ولا يُقيِّمون الأشخاص إلا في ضوئها، ولا يحملون هدفاً في الحياة سوى الوصول إليها! وهكذا انحسر الخطاب الديني في الأمة، وتاه كثير من الناس في المسالك المهلكة، وكان ذلك من أعظم المصائب التي نزلت بالمسلمين. ورغم ذلك كله؛ فإنّ ما حققه علماء الأمة في العصر الحديث -بدءاً بدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- وحتى يوم الناس هذا- في إحياء منهج الأنبياء، وإصلاح عقائد المسلمين وأعمالهم، والخروج بهم من ظلمات الممارسات الشركية، والعبادات البدعية، والضلالات الأشعرية والصوفية، ليعودوا إلى منهج الكتاب والسنة، وسلف الأمة -علماً وعملاً، ونظاماً متكاملاً وشاملاً لحياة الفرد والمجتمع- خير كبير، وفضل من الله عظيم، يبعث على الاستبشار والتفاؤل، ويزيد أهل التوحيد والسنة ثباتاً على منهج السلف، والتفافاً حول علمائه ودعاته، وتفانياً في نشره ونصرته، حتى يأتي أمر الله -تعالى- وهم على ذلك([13]). ([1]) «العدالة الاجتماعية» (183-184). ([2]) «في ظلال القرآن» (2/1057). وفي هذا الكلام تكفير واضح للأمة الإسلامية كلها، وحكم عليها بالردة، وأنهم أشد الكفار عذاباً؛ لأنهم ارتدوا بعد ما تبيّن لهم الهدى. ([3]) «في ظلال القرآن» (2/1125). ([4]) «في ظلال القرآن» (4/2122). وقد كتب هذا الكلام وهو يعلم جيداً بأن الدولة أسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- قد قامت على عقيدة التوحيد، وتطبيق الشريعة، لكن لا عجب أن يذهب سيد قطب إلى تكفيرها -أيضاً-؛ لأنها رفضت المنهج الاشتراكي الذي اعتنقه سيد قطب، وذهب بسببه إلى الطعن في أمير المؤمنين، وثالث الخلفاء الراشدين، ذي النُّورين: عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، واعتبر خلافته باطلة وفجوة في تاريخ الإسلام؛ كما في كتابه «العدالة الاجتماعية في الإسلام»! ([5]) «في ظلال القرآن» (3/1735)، وراجع الهامش السابق. ([6]) «في ظلال القرآن» (4/2009). ([7]) الذين يسمِّيهم سيِّد: (رجال الدِّين)، ويريد بهم -كما يدلُّ عليه سياق كلامه-: الجنس، وليس النوع؛ فتنبه. ([8]) «معركة الإسلام والرأسمالية» (63). ([9]) «معركة الإسلام والرأسمالية» (84). وهكذا يغازل سيد قطب (رجال الفكر والفن) من كل كاتب أو أديب متحرر، أو فيلسوف مارق، أو رسام تلاحقه اللعنة، أو ممثل وممثلة، أو مطرب ومطربة، وغيرهم من المفسدين في الأرض، ويعدهم إن قامت دولته أن تكون لهم الصولة والجولة، ويكون مصير علماء الإسلام الذين ينبزهم برجال الدين؛ أن يجنَّدوا في عمل منتج، هم ومن ذكرهم من أحلاس المقاهي، والمواخير، والحانات، فـ: (رجال الدين) في نظره لا يقلون سوءاً وضرراً على المجتمع من أولئك السفهاء الساقطين، فكلُّهم سواء!! وقد فطن العلامة محمود شاكر -رحمه الله- إلى أخطاء (سيد)، فرد عليه في مجموعة مقالات في عدة مجلات مصرية قديمة، وجمعتُ مقالاته في هذا الصدد بكتاب مفرد، يسر الله ظهوره ونشره بخير وعافية. ([10]) وكأنّ الالتزام بالإسلام متوقف على وجود الحكومة الإسلامية؛ وليس واجباً فرديّاً، ومسؤولية شخصية، يحاسب عليها الإنسان بين يدي الله -تعالى- وحده، إنّ مثل هذا النص قد يعيننا على فهم ما صدر من بعض أتباع هذا المنهج في بعض البلاد الإسلامية وغير الإسلامية؛ من استباحة الدماء، والأعراض، والأموال. ([11]) «في ظلال القرآن» (4/2010). ([12]) انظر -لزاماً- (فتاوى العلماء) حول هذا المصطلح وجعله من (أنواع التوحيد)! في جريدة «المسلمون»، العدد (639)، الجمعة 25/ذو الحجة/1417هـ. ([13]) من كلام أخينا الباحث عبد الحق التركماني في مقدمته لتحقيق كتاب ابن حزم «التلخيص لوجوه التخليص» (ص 30 وما بعد). __________________ قال تَعَالَى: " نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ" [الحجر:50,49] |
#3
|
|||
|
|||
وبعد هذا ؛ وغيره ! يقولون عنه : إخواني !!!
والله إنه ظلم عظيم ؛ والظلم ظلمات يوم القيامة !! |
الكلمات الدلالية (Tags) |
مشهور, العراق, سيد قطب |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|