أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا
86204 | 147652 |
#1
|
|||
|
|||
الإيمان بالقدر والتسليم لقضاء الله يُهون من وقع المصاب
الإيمانُ بالقدرِ أَحدُ أَركانِ الإيمانِ التي لا يَصِحُّ إلا بها؛ لذلك نهى الشرعُ عما يخدِشُ بهذا الإيمانِ، ولو قولاً باللسان؛ لذلك شُرع لنا عندَ وقوعِ المصيبةِ أَن نقولَ: إنا لله وإنا إليه راجعون، قدَّرَ اللهُ (أو: قَدَرُ اللهِ) وما شاء فعل. وألا نقولَ: لو فعلتُ كذا لكان كذا.
قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ◇ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ◇ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ المُهْتًدُونَ} وقال، عليه الصلاة والسلام: (وإِنْ أَصابك شيءٌ فلا تَقلْ لو أَنِّي فعلتُ كان كذا وكذا. ولكن قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وما شاء فعل؛ فإِنَّ لو تفتحُ عملَ الشيطانِ) رواه مسلم. وعن أم المؤمنين أُمِّ سلمةَ، رضي الله عنها، عن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِن مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فيَقولُ ما أمَرَهُ اللَّهُ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} اللَّهُمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي، وأَخْلِفْ لي خَيْرًا مِنْها، إلَّا أخْلَفَ اللَّهُ له خَيْرًا مِنْها). قالَتْ: فَلَمَّا ماتَ أبو سَلَمَةَ، قُلتُ: أيُّ المُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِن أبِي سَلَمَةَ؟ أوَّلُ بَيْتٍ هاجَرَ إلى رَسولِ اللهِ، صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ. ثُمَّ إنِّي قُلتُها، فأخْلَفَ اللَّهُ لي رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ. -والله قدَّر مقاديرَ الخلائقِ قبل أن يخلقَ السماوات والأرضَ بخمسين ألفِ سنة، فكلُّ ما قدَّره اللهُ كائنٌ ولا بدَّ، فلا فائدةَ من التحسِر والندم، ولا من اللوم والعتابِ بعد وقوع المُصابِ؛ فلا شيءَ يغيرُ الأقدارَ. وترك اللومِ والعتابِ بعد نزولِ الأقدارِ أدبٌ نبويٌّ، وهَدْيٌ سُنيٌّ، فعن أنسٍ، رضي الله عنه، قال: (خدَمْتُ النَّبيَّ، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، عَشرَ سِنينَ، فما أَمَرني بأمرٍ فتَوانَيتُ عنه أو ضَيَّعْتُه فلامَني. فإنْ لامَني أحَدٌ مِن أهْلِ بَيتِه إلَّا قال: دَعُوه؛ فلو قُدِّر أنْ يَكونَ كانَ). [رواه أحمد وصححه شعيب]. فعلينا الصبرُ والتسليمُ لأقدار الله عز وجل. -قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ◇ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} وقال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} -عن ابن عباس قال: (ومَن يُؤمِنْ باللهِ يَهْدِ قَلْبَه) يعني: يهدِ قلبَه لليقين، فيَعلمْ أن ما أصابه لم يكن لِيُخطئَه، وما أخطأه لم يكن لِيُصيبَه. -وعن علقمةَ قال: هو الرجلُ تُصيبُه المصيبةُ، فيعلمُ أنها من عند الله، فيُسَلِّمُ لها ويرضى. قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} وقال: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}. وعن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (إن عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإن اللهَ، عز وجل، إذا أَحَبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رَضِيَ فله الرِّضَى، ومن سَخِطَ فله السُّخْطُ). وقال: (إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ الخَيرَ عجَّلَ له العُقوبَةَ في الدُّنيا، وإذا أرادَ اللهُ بعَبدِه الشَّرَّ مَسَكَ عنه بذَنْبِه حتى يُوافِيَه يَومَ القيامةِ). رواهما الترمذي. -قال الطحاويُّ: (أصلُ القَدَرِ سِرُّ الله، تعالى، في خَلْقِه، لم يَطَّلِعْ على ذلك مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، ولا نبيٌّ مُرسَلٌ، والتعمُّقُ والنظَرُ في ذلك ذريعةُ الخذلانِ، وسُلَّمُ الحِرمانِ، ودرَجةُ الطُّغيانِ، فالحَذَرَ كُلَّ الحذَرِ من ذلك نظرًا وفكرًا ووسوسةً، فإنَّ اللهَ تعالى طوى عِلمَ القَدَرِ عن أنامِه، ونهاهم عن مَرامِه، كما قال اللهُ تعالى في كتابِه: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}. -ولذلك فإنَّ القدرَ يُحتَجُّ به على المصائبِ؛ لأنه لا مَردَّ له. ولكن لا يُحتجُّ به على المعايب، كما قرر أَهلُ العلم. روى الشيخان عن أبي هريرة عن النبيِّ، صلى الله عليه وسلم، قال: (احتَجَّ آدمُ وموسى، فقال له موسى: يا آدمُ أنت أَبونا خَيَّبْتَنا وأَخرجتنا من الجنة [وفي رواية: أنت الذي أَشقيتَ الناسَ وأَخرجتهم من الجنة] قال له آدم: يا موسى أنت الذي اصطفاك الله بكلامِه وخطَّ لك بيدِه، أَتلومُني على أَمرٍ كتبه الله علي قبل أن يخلقني، أو قدَّره اللهُ عليَّ قبل أن يخلقَني؟ فحَجَّ آدمُ موسى فحَجَّ آدمُ موسى، ثلاثا). -وفي روايةٍ لمسلم: (فقال آدمُ: أَنتَ موسى الذي اصطفاكَ اللهُ برسالتِه وبكلامِه وأعطاك الألواحَ، فيها تِبيانُ كلِّ شيءٍ، وقرَّبك نَجِيّا، فِبِكَم وجدتَ اللهَ كتب التوراةَ قبل أَنْ أُخلقَ؟ قال موسى: بأربعين عاما. قال آدمُ: فهل وجدتَ فيها {وَعصى آدمُ ربَّهُ فَغَوى} قال: نعم...) -قال ابنُ تيمية: وآدمُ، عليه السلام، لم يحتجَّ على موسى بالقدر ظنا أنَّ المذنبَ يَحتجُّ بالقدر؛ فإن هذا لا يقوله مسلمٌ، ولا عاقل، ولو كان هذا عُذرا لكان عذرا لإبليسَ، وقومِ نوح، وقوم هود، وكلِّ كافر. ولا موسى لامَ آدمَ أيضا لأجل الذنب؛ فإن آدمَ قد تاب إلى ربِّه فاجتباه وهدى، ولكن لامَه لأجل المصيبةِ التي لحقتهم بالخطيئةِ؛ ولهذا قال: فلماذا أخرجتنا ونفسَك من الجنة؟ فأجابه آدمُ: إن هذا كان مكتوبا قبل أن أُخلق، فكان العمل والمصيبةُ المترتبةُ عليه مقدرا، وما قُدِّر من المصائب يجب الاستسلامُ له؛ فإنه من تمام الرضا بالله ربا. وأما الذنوبُ فليس للعبد أن يُذنبَ، وإذا أذنب فعليه أن يستغفرَ ويتوبَ، فيتوبَ من المعائب ويصبرَ على المصائب. وقال الشيخ ابن عثيمين: إن هذا ليس احتجاجا بالقضاء والقدر على فعل العبد ومعصية العبد، لكنه احتجاج بالقدر على المصيبة الناتجة من فعله، فهو من باب الاحتجاج بالقدر على المصائب لا على المعائب، ولهذا قال: خيَّبتنا، أخرجتنا ونفسَك من الجنة. ولم يقل: عصيتَ ربَّك فأُخرجت من الجنة. إذن احتج آدمُ بالقدر على الخروج من الجنة الذي يُعتبر مصيبةٌ، والاحتجاج بالقدر على المصائب لا بأس به.
__________________
. (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|