أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
9814 139530

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر العقيدة والمنهج - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-22-2017, 10:51 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي استنكار العبد للوساوس في ذات الله - تعالى - هو صريح الإيمان.

استنكار العبد للوساوس في ذات الله - تعالى - هو صريح الإيمان.

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ع. ن. ع . زاده الله من العلم والإيـمان وجعله مباركا أينما كان آمين.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد :

فقد وصلني كتابك الكريم المؤرخ 27 /1/ 1395هـ. وصلك الله بحبل الهدى والتوفيق، وما تضمنه من السؤال عما ألقاهُ إليك بعض الزملاء بقوله :

إنه يعترف أن الله - سبحانه - هو خالق السماوات والأرض والعرش والكرسي وكل شيء، ولكنه يسأل قائلا : الله ممن تَكَوَّنْ ؟ فأجبته بقولك كلامك الأول صحيح لا تعليق عليه، أما قولك الثاني وهو قولكَ : ممن تَكَوَّن الله ؟ فلا يقوله مُسلم، وينبغي أن يَسَعَكَ ما وَسِعَ الصحابة - رضي الله عنهم - فإنهم لم يسألوا مثل هذا السؤال وهم الفطاحل في العلم، وقلت له أيضاً : إن الله – سبحانه - قال عن نفسه : ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [1].

وقوله : ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [2] إلى آخر ما ذكرت رغبتك في الإجابة عن هذه الشبهة كان معلوما.

والجواب : اعلم وفقني الله وإياك وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه أن شياطين الإنس والجن لم يزالوا ولن يزالوا يوردون الكثير من الشبه على أهل الإسلام وغيرهم للتشكيك في الحق وإخراج المسلم من النور إلى الظلمات وتثبيت الكافر على عقيدته الباطلة، وما ذاك إلا لما سبق في علم الله وقدره السابق من جعل هذه الدار ابتلاء وامتحان وصراع بين الحق والباطل حتى يتبين طالب الهدى من غيره وحتى يتبين الصادق من الكاذب والمؤمن من المنافق؛ كما قال - سبحانه: - ﴿الم ۞ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ۞ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [3]. وقال - سبحانه : - ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [4].

وقال - تعالى - : ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [5].

وقال - سبحانه : - ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ۞ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ [6].

فأوضح سبحانه في الآيات الأولى والثانية والثالثة أنه يبتلي مدعي الإيمان بشيء من الفتن ليتبين صدقه في إيـمانه وعدمه كما أخبر سبحانه أنه فعل ذلك بمن مضى ليعلم سبحانه الصادقين من الكاذبين وهذه الفتنة تشمل فتنة المال والفقر والمرض والصحة والعدو وما يلقي الشياطين من الإنس والجن من أنواع الشبه وغير ذلك من أنواع الفتن فيتبين بعد ذلك الصادق في إيـمانه من الكاذب ويعلم الله ذلك علماً ظاهراً موجوداً في الخارج بعد علمه السابق لأنه سبحانه قد سبق في علمه كل شيء كما قال عز وجل: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [7].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم : - (إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة قال وعرشه على الماء). [8]. [أخرجه مسلم في صحيحه].

ولكنه - عز وجل - لا يؤاخذ العباد بمقتضى علمه السابق وإنما يؤاخذهم ويثيبهم على ما يعلمه منهم بعد عملهم إياه ووجوده منهم في الخارج، وذكر في الآيات الرابعة والخامسة والسادسة أن الشياطين يوحون إلى أوليائهم من أنواع الشبه وزخرف القول ما يغرونهم به ليجادلوا به أهل الحق ويشبهوا به على أهل الإيـمان ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة ويرضوا به فيصولوا ويجولوا ويلبسوا الحق بالباطل ليشككوا الناس في الحق ويصدوهم عن الهدى وما الله بغافل عما يعملون.

لكن من رحمته عز وجل أن قيض لهؤلاء الشياطين وأوليائهم من يكشف باطلهم ويزيح شبهتهم بالحجج الدامغة والبراهين القاطعة فيقيموا بذلك الحجة ويقطعوا المعذرة وأنزل كتابه سبحانه تبيانًا لكل شيء كما قال عز وجل : ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [9].

وقال سبحانه : ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا [10].

قال بعض السلف هذه الآية عامة لكل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة.

وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن بعض الصحابة - رضي الله عنهم - قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم : - "يا رسول الله ! إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به"، قال : (وقد وجدتموه؟) قالوا : نعم، قال : ذاك صريح الإيـمان) [11].

قال بعض أهل العلم في تفسير ذلك إن الإنسان قد يوقع الشيطان في نفسه من الشكوك والوساوس ما يصعب عليه أن ينطق به لعظم بشاعته ونكارته حتى أن خُرورَهُ من السماء أهْوَنُ عليه من أن ينطق به، فاستنكار العبد لهذه الوساوس واستفظاعه إياها ومحاربته لها هو صريح الإيـمان؛ لأن إيمانه الصادق بالله - عز وجل - وبكمال أسمائه وصفاته وأنه لا شبيه له ولا ند له وأنه الخلاق العليم الحكيم الخبير يقتضي منه إنكار هذه الشكوك والوساوس ومحاربتها واعتقاد بطلانها.

ولا شك أن ما ذكره لك هذا الزميل من جملة الوساوس وقد أحسنتَ في جوابه ووفقت للصواب فيما رددتَ به عليه زادك الله علماً وتوفيقا، وأنا أذكر لك إن شاء الله في هذا الجواب بعض ما ورد في هذه المسألة من الأحاديث وبعض كلام أهل العلم عليها لعله يتضح لك من ذلك وللزميل المُبتلى بالشبهة التي ذكرتَ ما يكشف الشبهةَ ويبطِلها، ويوضِّح الحق ويبيِّن ما يجب على المؤمن أن يقوله ويعتمدَهُ عند ورودِ مثل هذه الشبهة، ثم أختم ذلك بما يفتح الله عليَّ في هذا المقام العظيم، وهو - سبحانه - ولي التوفيق والهادي إلى سواء السبيل.


يُتبَع إن شاء الله - تعالى -.

http://www.binbaz.org.sa/fatawa/4221
____________
[1]. [سورة الشورى الآية 11]
[2]. [سورة الحديد الآية 3]
[3]. [سورة العنكبوت الآيات 1- 3].
[4]. [سورة محمد الآية 31].
[5]. [سورة الأنعام الآية 121].
[6]. [سورة الأنعام الآيات 112- 113].
[7]. [سورة الطلاق الآية 12].
[8]. [أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام، برقم 2653].
[9]. [سورة النحل الآية 89].
[10]. [سورة الفرقان الآية 33].
[11]. [أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها، برقم 132].
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-22-2017, 11:04 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي استنكار العبد للوساوس في ذات الله - تعالى - هو صريح الإيمان. - تتمــــَّـــة.

قال الإمام البخاري رحمه الله في كتابه الجامع الصحيح ص 336 من المجلد السادس من فتح الباري طبعة المطبعة السلفية في باب صفة إبليس وجنوده : حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب، قال : أخبرني عُرْوَة بن الزبير قال أبو هريرة - رضي الله عنه - : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول : من خلق ربك ؟ فإذا بلغَهُ فليستعذ باللهِ ولينته). [12]. رواه في كتاب الاعتصام ص 264 المجلد الثالث عشر من فتح الباري عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : - (لن يبرح الناس يتساءلون : حتى يقولوا : هذا الله، خلق كل شيء فمن خلق الله ؟ ) [13].

وأخرج مسلم في صحيحه اللفظ الأول من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ص 154 من الجزء الثاني من المجلد الأول من شرح مسلم للنووي، وأخرجه مسلم أيضاً بلفظ آخر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله فمن وجد شيئاً فليقل : آمنت بالله ورسله) [14]. ثم ساقه بألفاظ أخر ثم رواه من حديث أنس - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله - عز وجل - : (إن أمتك لا يزالون يقولون ما كذا ؟ما كذا حتى يقولوا هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله) [15].

أخرج مسلم أيضًا رحمه الله عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : (جاء ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال : وقد وجدتموه؟ قالوا : نعم، قال: ذاك صريح الإيـمان) [16]. ثم رواه من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوسوسة قال : (تلك محض الإيـمان) [17].
- رضي الله عنه -
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم لما ذكر هذه الأحاديث ما نصه : [أما معاني الأحاديث وفقهها : فقوله - صلى الله عليه وسلم - : (ذلك صريح الإيـمان)، و (محض الإيـمان) معناه استعظامكم الكلام به هو صريح الإيـمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به، فضلاً عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيـمان استكمالاً محققاً، وانتفت عنه الريبة والشكوك، واعلم أن الرواية الثانية وإن لم يكن فيها ذكر الاستعظام فهو مراد، وهي مختصرة من الرواية الأولى، ولهذا قدم مسلم رحمه الله الرواية الأولى وقيل معناه إن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه.

وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء ولا يقتصر في حقه على الوسوسة بل يتلاعب به كيف أراد، فعلى هذا معنى الحديث سبب الوسوسة محض الإيـمان أو الوسوسة علامة محض الإيـمان وهذا القول اختيار القاضي عياض، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : (فمن وجد ذلك فليقل : آمنت بالله). وفي الرواية الأخرى: (فليستعذ بالله ولينته). فمعناه الإعراض عن هذا الخاطر الباطل والالتجاء إلى الله - تعالى - في إذهابه].
قال الإمام المازري رحمه الله : [ظاهر الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها، والرد لها من غير استدلال ولا نظر في إبطالها قال : والذي يقال في هذا المعنى إن الخواطر على قسمين فأما التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت فهي التي تدفع بالإعراض عنها وعلى هذا يحمل الحديث وعلى مثلها ينطلق اسم الوسوسة، فكأنه لما كان أمرًا طارئًا بغير أصل دفع بغير نظر في دليل إذ لا أصلَ له ينظر فيه، وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة، فإنها لا تدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها، والله أعلم.

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : (فليستعذ بالله ولينته) فمعناه إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله – تعالى - في دفع شره عنه، وليعرض عن الفكر في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان، وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء، فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته، وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها، والله أعلم].

وقال الحافظ في الفتح في الكلام على حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المذكور في أول هذا الجواب ما نصه : قوله : (من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته) أي : عن الاسترسال معه في ذلك، بل يلجأ إلى الله في دفعه، ويعلم أنه يريد إفساد دينه وعقله بهذه الوسوسة، فينبغي أن يجتهد في دفعها بالاشتغال بغيرها.

قال الخطابي : [وجه هذا الحديث أن الشيطان إذا وسوس بذلك فاستعاذ الشخص بالله منه وكف عن مطاولته في ذلك اندفع، قال : وهذا بخلاف ما لو تعرَّض أحد من البشر بذلك، فإنه يمكن قطعه بالحجة والبرهان، قال : والفرق بينهما : أن الآدمي يقع منه الكلام بالسؤال والجواب والحال معه محصور، فإذا راعى الطريقة وأصاب الحجة انقطع، وأما الشيطان فليس لوسوسته انتهاء، بل كلما ألزم حجةً زاغ إلى غيرها إلى أن يفضي بالمرء إلى الحيرة، نعوذ بالله من ذلك. على أن قوله : من خلق ربك ؟ كلامٌ متهافتٌ ينقُضُ آخِرَهُ أوله، لأن الخالق يستحيل أن يكون مخلوقاً، ثم لو كان السؤال متجهاً لاستلزم التسلسل وهو محال، وقد أثبت العقل أن المحدثات مفتقرة إلى محدث. فلو كان هو مفتقراً إلى محدث لكان من المحدثات، انتهى. والذي نحا إليه من التفرقة بين وسوسة الشيطان ومخاطبة البشر فيه نظر، لأنه ثبت في مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه في هذا الحديث : (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل آمنت بالله فسوى في الكف عن الخوض في ذلك بين كل سائل عن ذلك من بشر وغيره.

وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة قال : سألني عنها اثنان، وكان السؤال عن ذلك لما كان واهياً لم يستحق جوابا، أو الكف عن ذلك الأمر بالكف عن الخوض في الصفات والذات].

قال المازري : [الخواطر على قسمين : فالتي لا تستقر ولا يجلبها شبهة هي التي تندفع بالإعراض عنها، وعلى هذا ينـزل الحديث، وعلى مثلها ينطلق اسم وسوسة، وأما الخواطر المستقرة الناشئة عن الشبهة فهي التي لا تندفع إلا بالنظر والاستدلال، وقال الطيبي: إنما أمر بالاستعاذة والاشتغال بأمر آخر ولم يأمر بالتأمل والاحتجاج؛ لأن العلم باستغناء الله - جل وعلا - عن الموجد أمر ضروري لا يقبل المناظرة، ولأن الاسترسال في الفكر في ذلك لا يزيد المرء إلا حيرة، ومن هذا حاله فلا علاج له إلا الملجأ إلى الله تعالى والاعتصام به، وفي الحديث إشارة إلى ذم كثرة السؤال عما لا يعني المرء وعما هو مستغن عنه، وفيه علم من أعلام النبوة لإخباره بوقوع ما سيقع فوقع.

___________

[12]. [أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، برقم 3276، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقول من وجدها، برقم 134].
[13]. [أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه، برقم 7296].
[14]. [أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقول من وجدها، برقم 134].
[15]. [أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها برقم 136].
[16]. [أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها، برقم 132].
[17]. [أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها، برقم 133].
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10-22-2017, 11:18 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي استنكار العبد للوساوس في ذات الله - تعالى - هو صريح الإيمان. - تتمــــَّـــة.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه بيان موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول : [ولفظ "التسلسل" يراد به التسلسل في المؤثرات – وهو أن يكون للحادث فاعل وللفاعل فاعل – وهذا باطل بصريح العقل واتفاق العقلاء، وهذا هو التسلسل الذي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يستعاذ بالله منه، وأمر بالانتهاء عنه، وأن يقول القائل : (آمنت بالله ورسله) كما في الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (يأتي الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول له: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته) [18].

وفي رواية : لا يزال الناس يتساءلون، حتى يقولوا : هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله ؟ قال : فبينا أنا في المسجد إذ جاءني ناس من الأعراب، فقالوا : يا أبا هريرة هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟ قال : فأخذ حصى بكفه فرماهم به، ثم قال: قوموا، صدق خليلي) وفي الصحيح أيضاً عن أنس بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : قال الله - تعالى - : (إن أمتك لا يزالون يسألون : ما كذا؟ ما كذا؟ حتى يقولوا: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟) [19].

انتهى المقصود من كلام الشيخ رحمه الله ولعله يتضح لك أيها السائل ولزميلك الذي أورد عليك الشبهة مما ذكرنا من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم ما يزيل الشبهة ويقضي عليها من أساسها ويبين بطلانها؛ لأن الله سبحانه لا شبيه له ولا كفوَ له ولا ند له، وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهو خالق كل شيء وما سواه مخلوق، وقد أخبرنا في كتابه المبين وعلى لسان رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم بما يجب اعتقاده في حقه - سبحانه -، وبما يعرفنا به، ويدلنا عليه من أسمائه وصفاته وآياته المتلوَّة، وآياته المشاهدة من سماء وأرض وجبال وبحار وأنهار وغير ذلك من مخلوقاته - عز وجل -، ومن جملة ذلك نفس الإنسان، فإنها من آيات الله الدالة على قدرته وعظمته، وكمال علمه وحكمته؛ كما قال - عز وجل - : ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ [20].

وقال تعالى : ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ ۞ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [21].

أما كُنْهُ ذاته وكيفيتها وكيفية صفاته فذلك من علم الغيب الذي لم يطلعنا عليه، فالواجب علينا فيه الإيـمان والتسليم وعدم الخوض في ذلك كما وسع ذلك سلفنا الصالح من الصحابة - رضي الله عنهم - وأتباعهم بإحسان فإنهم لم يخوضوا في ذلك ولم يسألوا عنه، بل آمنوا بالله - سبحانه - وبما أخبر به عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - ولم يزيدوا على ذلك مع إيـمانهم بأنه – سبحانه - ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وعلى من وجد شيئاً من هذه الوساوس أو ألقي إليه شيء منها أن يستعظمها وينكرها من أعماق قلبه إنكاراً شديداً وأن يقول آمنت بالله ورسله، وأن يستعيذ بالله من نزغات الشيطان، وأن ينتهي عنها ويطرحها؛ كما أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بذلك في الأحاديث السابقة، وأخبر أن استعظامها وإنكارها هو صريح الإيـمان، وعليه ألا يتمادى على السائلين في هذا الباب؛ لأن ذلك قد يُفضي إلى شر كثير، وإلى شكوك لا تنتهي، فأحسن علاج للقضاء على ذلك والسلامة منه هو امتثال ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - والتمسك به والتعويل عليه وعدم الخوض في ذلك، وهذا هو الموافق لقول الله - عز وجل - : ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [22].

فالاستعاذة بالله – سبحانه - واللجأ إليه وعدم الخوض فيما أحدثه الموسوسون وأرباب الكلام الباطل من الفلاسفة، ومن سلك سبيلهم في الخوض في باب أسماء الله وصفاته، وما استأثر الله بعلمه من غير حجة ولا برهان، هو سبيل أهل الحق والإيـمان، وهو طريق السلامة والنجاة والعافية من مكائد شياطين الإنس والجن.

وفقني الله وإياك وسائر المسلمين للسلامة من مكائدهم، ولهذا لما سأل بعض الناس أبا هريرة - رضي الله عنه - عن هذه الوسوسة حصبهم بالحصباء ولم يجبهم على سؤالهم وقال صدق خليلي.

ومن أهم ما ينبغي للمؤمن في هذا الباب أن يكثر من تلاوة القرآن الكريم وتدبره؛ لأن فيه من بيان صفات الله وعظمته، وأدلة وجوده وكماله ما يملأ القلوب إيـماناً ومحبة وتعظيماً واعتقاداً جازماً بأنه سبحانه هو رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق لكل شيء، والعالم بكل شيء، والقادر على كل شيء، لا إله غيره ولا رب سواه، كما ينبغي للمؤمن أيضًا أن يكثر من سؤال الله المزيد من العلم النافع، والبصر النافذ والثبات على الحق والعافية من الزيغ بعد الهدى، فإنه سبحانه قد وجَّه عباده إلى سؤاله، ورغَّبَهم في ذلك، ووعدهم الإجابة، كما قال - عز وجل - : ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [23]. والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وأسأل الله أن يوفقنا وإياك وزميلك وسائر المسلمين للفقه في الدين والثبات عليه، وأن يعيذنا جميعًا من مُضِلّات الفتن، ومن مكايد شياطين الإنس والجن ووساوسهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.

رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
____________

[18]. [أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، برقم 3276، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقول من وجدها، برقم 134].
[19]. [أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقول من وجدها، برقم 134].
[20]. [سورة آل عمران 190].
[21]. [سورة الذاريات 20- 21].
[22]. [سورة فصلت 36].
[23]. [سورة غافر 60].
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:24 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.