أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
38121 84309

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر الصوتيات والمرئيات والكتب و التفريغات - للنساء فقط

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #2  
قديم 06-05-2012, 01:20 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي السابع/الثاني

[الـدَّرس السَّـابع]
(الجزء الثَّاني)


15. قَــاعِـــدَةُ الشَّريعـــةِ التَّيْسِـيـرُ ... فـِي كُـلِّ أَمْــرٍ نَـابَــهُ تَـعْـسِـيــرُ
16. وَلَـيْـسَ وَاجِــبٌ بِـلا اقْــتِــدَارِ ... وَلاَ مُـحَـــرَّمٌ مَــعَ اضْــطِـــرارِ
17. وَكُـلُّ مَحْـظُــورٍ مَـعَ الضَّــرُورَهْ ... بِقَــدْرِ مَــا تَحْتَــاجُــهُ الضَّــرُورَهْ
18. وَتَرْجِــعُ الْأَحْـكـامُ لِـلْـيَـقِـيـنِ ... فَــلَا يُــزِيــلُ الشَّــكُّ لِلْيَـقِـيــنِ


إن الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يضللْ فلا هاديَ له. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شَريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.
أما بعد:
قبل أن أبدأ بتكميل شرح الأبيات، أحتاج أن أتكلم معكم في فرع خطر في بالي، وسنح في خيالي، فأحببتُ ذكره على استعجال -من غير إمهال ولا إهمال-، والله الموفق ذو الجلال سبحانه.
بناء على ما سمعنا من حُكم التصوير وهل هو حرام لذاتِه، أو أنه حرام سدًّا للذريعة،
لو سأل سائل فقال: ما حُكم التحنيط؟ شيء خلقه الله ثم حُنِّط ووضع في البيت، هل هذا مشروع أو ممنوع؟ الشيء الذي يُحنَّط [...] ممنوع ولا مشروع؟ مشروع؟ هو خلق الله، وبالتالي مشروع؟ طبعًا: لا بد، يحتاج ضوابط، القول بالمشروعية يحتاج لضابطَين؟ [مداخلات]
أولا: نهى النَّبي عن إيلام الميت، صحيح؟ تعذيب الحيوان، صحيح؟ ونهى النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عن إضاعة المال، بعض الحيوانات مال.
فلو تدرَّجنا في السؤال فقال قائل: أريد أن أحنِّط حيوانا هلك وحده أنا ما قتلتُه؟ فزال المحذوران: المحذور الأول: الإيلام والإيذاء، والمحذور الثاني: إضاعة المال، المحذوران زالا؛ فإيش الجواب الآن؟ إذا كان التصوير حرامًا لذاته، و[النَّبي] يقول: «أشد الناس عذابًا المُصوِّرون» ويقول الله تعالى للمصوِّرين: «أحيوا ما خلقتُم» فلا يُقال إلا بالتحليل، لا بالتحريم؛ لأني أنا يا رب ما فعلتُ شيئا، هذا خلقُك، وهذا صُنعك، ونفقت وخرجت الروح، وأنا وضعت على هذا الحيوان مواد تحفظه ويبقى.
وإذا قُلنا إن التصوير ممنوع سدًّا للذريعة؛ فيكون من باب أولى القول بمنعِ التحنيط؛ لأن التصوير مُنع سدًّا للذريعة، وهذا وجودُه فيه ذريعة لمنع الشرعِ من الصُّورة.
وفي الحديث في «صحيح مسلم»: نهى النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في التصاوير والتماثيل، و(أل) في التصاوير والتماثيل للجِنس، فكل التصاوير وكل التماثيل ممنوعة، والله تعالى أعلم.
أحلنا -في درسنا الماضي- على كلامٍ للإمام الشَّوكاني في كتابه الجيِّد «السيل الجرار المتدفِّق على حدائق الأزهار»، وذكرنا إن في المجلد الرابع (ص577) كلامًا مفيدًا جدًّا حول آية: {ولكن من شرحَ بالكُفر صَدرًا} وفيه ضابط يلتقي على ما قرَّرناه اليوم -على عجلة- في موضوع اليقين لا يزول بالشك، وأن الأصل أن المسلم وإن نطق الكفر أو إن فَعله فلا يُحكم بكُفره ما لم يشرح صدره به، مع القول بالتكفير بالقول والعمل لكن ضمن ضوابط.
نسمع كلام الشَّوكاني... حتى نكمل شرحنا إن شاء الله.
[مداخلات.. سؤال من بعضهم: بالنسبة للمصلِّين، لو صلى مثلا ثلاثة...(غير واضح)]
لو صلوا بين الصفوف؟ ... طيب نأتي، نجيب عن السؤال...:
ثبت في «البخاري» تعليقًا ووصله غير واحد بإسناد صحيح: عن قرة بن إياس رضي الله تعالى عنه قال: كنَّا نتدافع عن الصلاة بين السواري، يعني: كل منا يدفعُ الآخر.
وفي «سنن أبي داود» يقول النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «من وصلَ صفًّا؛ وصله الله، ومن قطعَ صفًّا؛ قطعهُ الله».
قال الإمام النووي في «شرح صحيح مسلم»: معنى قول النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «من وصلَ صفًّا؛ وصله الله»؛ أي: من وصلَ صفًّا وصله الله بجنَّته، وصله الله برحمتِه، وصله اللهُ بثوابِه، ومن قطع صفًّا؛ قطعه الله من جنتِه، وقطعه اللهُ من رحمتِه، وقطعه الله من ثوابه.
فالواجب على المسلمين أن تكون صفوفُهم بين يدي الله رب العالمين، متراصَّةً، وأن لا يكونَ فيها فجوات، وأن لا يوجد شيء يقطعها، ومن قطع صفًّا؛ قطعه الله.
ويُخشى في قطع الصَّف من صُور:
الصورة الأولى: الولد الصغير الذي لا يعرف الطهارة، الذي تقول له أمه بل تأمرُ أباه: خذ الولد معك، الولد مغلِّبنا في البيت، خذه معك على الجامع، فيقف بجانبه، فيقطع الصف، فيُخشى أن يكون حال هذا الرجل ممن ينطبق عليه هذا الحديث.
وكذلك الذي يمد المنبر، ويجعله درجات كثيرة، ويخالف هدي النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في منبره ثلاث درجات، ويقطع الصفين او ثلاث صفوف أو أربع صفوف -في بعض المساجد-، فيُخشى على من يفعل ذلك من هذا الحديث.
وأما إن ضاق المسجد: فيجوز مِن ضيق المسجد أن يُصلَّى بجانب الإمام، وأن يُصلَّى كذلك بين السواري، كيوم الجُمَع، ويوم الأعياد، الأجواء الممطرة، وعند ازدحام الناس في المساجد -عند الدروس وما يلحق بها-، فإن ضاق المسجد؛ لا حرج من الصلاة بين السواري.
أما إن اتسع المسجد فالصحابة.. قرَّة بن إياس يقول: «كُنا نتدافع على الصلاة بين السواري». «كنا نتدافع»: أي يدفع بعضُنا بعضًا.
قال الإمام [ابن حجر] رحمه الله في شرحه لـ«صحيح البخاري» في «فتح الباري» قال: «وقد وقع خلاف بين العلماء في العلَّة في ذلك، فمنهم من قال: إن الجنَّ يُصلُّون بين السواري» قالوا: العلة أن هذا مصلَّى الجن، يعني الجن المؤمنون يُصلون بين هذا المكان فاتركوه لإخوانكم الجن.
وهذا يحتاج إلى نقل، والنقل لم يَرِد عن النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فلم يبق والله أعلم في المعنى: التضام، والتقارُب، والاجتماع، وعدم الافتراق، وعدم وجود فُرقة بين المصلِّين.
وكان النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قد سبق ما يُسمَّى اليوم بـ(علم النفس) وبـ(علم الاجتماع) فقعَّد قاعدةً مهمَّة للغاية، لا ينتبه إليها إلا الموفَّق؛ فقال -كما في «صحيح مسلم»-: كان النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول -قبل تكبيرة الإحرام، قبل الصلاة- كان يقول: «لتُسوُنَّ صفوفَكم، أو لَيُخالفَنَّ اللهُ بين قُلوبِكم».
علماء النفس اليوم يقولون: هنالك ارتباط وثيق بين الظاهر والباطن، الظاهر والباطن بينهما ارتباطٌ وثيق، فعدم مُساواة الصف بالأقدام يؤدِّي إلى عدم ائتلاف القُلوب؛ «لتُسوُنَّ صفوفَكم، أو لَيُخالفَنَّ اللهُ بين قُلوبِكم».
فحتى يبقى المسلم يستشعر أنه قريب من أخيه، وأنه حريص عليه؛ ما ينبغي -وهو بين يدي الله- أن يفرِّق بينهما شيء؛ إلا لضرورة، وإلا لحاجة، والحاجة -كما تعلَّمنا- إنما تُقدَّر بقدرها، فإذا ضاق المسجد؛ فالحمد لله؛ لا حرج من الصلاة بين السواري.
أما مع المقدرة، ومع وجود الصلوات؛ فما ينبغي أن نقف بين السواري.
لكن في «صحيح ابن خزيمة» يقول النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- لما ذكر مساواة الصفوف، قال: «وقارِبوا بينها».
فما ينبغي أن نصلي بين السواري، وما ينبغي أن نُباعد بين الصفوف أيضا، ينبغي أن تكون المسافات بين الصفوف متقاربة؛ بمعنى أن نجعل الصفَّ قبل السارية، أقرب صف للسارية أن نجعله قبل السارية بقليل، وأن نجعل الصف الذي بعده بعد السارية بقليل، فنجمع بين الحُسنَيَين، أو نجمع بين الحسنَتَين: حسنة التراص وعدم قطع الصف، وحسنة مقاربة الصفوف.
ومقاربة الصفوف لها أثر: ففي «سنن أبي داود»، لما كان النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يَنزل في المنزل فكان أصحابه يفترقون عنه، فكان النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول لهم -معلِّمًا مربِّيًا مؤنِّبًا-، كان يقول لهم: «ما لي أراكم عِزين، ما لي أراكم متفرِّقين» ويقول: «إن تفرُّقكم هذا من الشيطان» قال الراوي: «فكنا نجتمع بحيث لو بُسط علينا ثوبٌ لوَسعنا» بعد هذا الأمر، لما النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- كان يراهم في مجلس العلم، في حلقة الذِّكر يراهم مُفترِقين، كان النَّبي يلومهم ويقول له: «ما لي أراكم عِزين» لماذا أنتم مبتعدون، اقتربوا، فكانوا يقتَرِبون حتى لو بُسط ثوبٌ لوسِعهم، فالنَّبي أراد الأمرَين: أراد تراص الصف، وأراد المقارَبة.
ومقاربة الأبدان تؤثِّر على مقاربة القُلوب، كما أن عدم استواء الصف يؤثر على اختلاف القلوب، فلا نريد هذه المخالفة، ولا نريد تلك المخالفة، ونريد أن نسدد ونقارب.
ولا ينبغي أن نجعل الرسومات التي في السجادة هي الأصل الذي يحكُمنا، وينبغي أن نجعل نصوص الشرع هي التي تحكم، مش نجعل الشيء اللي في السجادة هو الذي يحكم، ينبغي أن نجعل.. يعني: لو أعدنا توزيع الصفوف..
الفقه والله يا إخوة بحاجة إليه، صاحب السجادة الذي يمدد سجادا في المسجد بحاجة للفقه، والمواسرجي بحاجة إلى الفقه، والبنّاء بحاجة إلى الفقه، يَحرم على الإنسان أن [يستقبل] القِبلة ببول أو غائط أو يستدبرها، المهندس الذي يخطط الحمامات لازم يعرف، يجب عليه أن يَعلم كيف يعمل الحمام -أجلكم الله-.
ويا ليت إخواننا المهندسين يسُنُّون سُنَّة حسنة، كما قال أبو داود في «سُننه»، قال: (باب: تجمير المساجد التي في البيوت)، يكون في البيوت مكان مُصلّى.
ليش البيت فيه غرفة نوم، وغرفة طعام، ومطبخ، وغرفة الصالة، والمصلى منسي من البيت؟!
يكون قيام الليل وقراءة القرآن وقراءة أحاديث النَّبي في البيت في هذا المكان الصغير، في هذه الغرفة، أو في هذه الصالة، يجتمع فيها أهل البيت للذِّكر ولقراءة القرآن.
أبو داود يقول في «سُننه»: (باب: تجمير المساجدِ التي في البيوت)، الأصل في البيت يكون فيه مسجد، في كل بيت الأصل يكون فيه مسجد.
لا يلزم يعني مسجد مِئذنة وقُبَّة! مش هذا المسجد، المسجد مكان صغير المساحة، تكفي أفرادَ الأسرة يَجتمعون فيها على قراءةِ القُرآن، يجتمعون فيها، واحد يقرأ شيئًا مِن أحاديث النَّبي -على حسب ما يُيسِّر اللهُ-سُبحانه وتَعالَى- للمُعلِّم أن يُعلِّم.
فهذه السُّنن الحسَنة....
نسمع كلام الشَّوكاني ثم نعود للدرس:
[قراءة لكلام الشَّوكاني -من قبل بعض الطلبة-]:
(( بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم على نبيك.
قد ذكر شيخنا أن من أسباب التخفيف ورفع الحرج سبعة أسباب، وذكر منها: (الإكراه؛ فلا يُؤاخَذ مَن نطق بالكُفر كُرهًا).
قال الإمام الشَّوكاني -رحمه الله-:
«ففي هذه الأحاديث وما ورد موردها أعظم زاجر وأكبر واعظ عن التسرع في التكفير وقد قال الله عزوجل: {مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً} [النحل: 106]، فلا بد من شرح الصدر بالكفر وطمأنينة القلب به وسكون النفس إليه فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشر لا سيما مع الجهل بمخالفتها لطريقة الإسلام ولا اعتبار بصدور فعل كفري لم يرد به فاعله الخروج عن الإسلام إلى ملة الكفر ولا اعتبار بلفظ تلفظ به المسلم يدل على الكفر وهو لا يعتقد معناه.
فإن قلت قد ورد في السنة ما يدل على كفر من حلف بغير ملة الإسلام وورد في السنة المطهرة ما يدل على كفر من كفر مسلما كما تقدم وورد في السنة المطهرة إطلاق الكفر على من فعل فعلا يخالف الشرع كما في حديث: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض»، [البخاري (3/573)]، ونحوه مما ورد مورده وكل ذلك يفيد أن صدور شيء من هذه الأمور يوجب الكفر وإن لم يرد قائله أو فاعله الخروج من الإسلام إلى ملة الكفر؟ قلت: إذا ضاقت عليك سبل التأويل ولم تجد طريقا تسلكها في مثل هذه الأحاديث فعليك أن تقرها كما وردت وتقول من أطلق عليه رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- اسم الكفر فهو كما قال ولا يجوز إطلاقه على غير من سماه رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- من المسلمين كافرا إلا من شرح بالكفر صدرا فحينئذ تنجو من معرة الخطر وتسلم من الوقوع في المحنة فإن الإقدام على ما فيه بعض البأس لا يفعله من يشح على دينه ولا يسمح به فيما لا فائدة فيه ولا عائدة فكيف إذا كان يخشى على نفسه إذا أخطأ أن يكون في عداد من سماه رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- كافرا )). [اهـ قراءة كلام الشَّوكاني في «السيل الجرار»]
جزاك الله خيرًا.
نقول: أن اليقين لا يزول بالشك، وأرجع إلى القاعدة على عجلة لأفرغ منها وأذكر بعض مقيِّداتها، حتى يكون الكلام موصولًا -وصلني الله وإياكم برحمته-.
فأقول أيضا منوِّهًا مُنبِّهًا: أن الشك الطارئ بعد العبادة -ولا سيما إن وقع من الموسوس- لا عبرة به، الشك الواقع بعد الفراغ من العبادة إن وقع من الموسوس خاصة؛ فلا عبرة به.
يعني: إنسان يصلي فقيل له: أنت صليت اليوم العصر؟ قال: سجدت السجدة الثانية من الركعة الثالثة من ركعات العصر؟ قال: والله ما أدري! أو دخل عليه شك، دخل الشك متى؟ بعد الفراغ من العبادة، فإذا وقع شك بعد الفراغ من العبادة؛ فلا عبرة بالشك الذي يقع بعد الفراغ من العبادة، لماذا لا عبرة به؟ لأن اليقين لا يزول بالشك.
أنا صليت الصلاة بشروطها، والعادة: من يصلي يسجد سجدتين، والعادة من يصلي أن يأتي بصورة الصلاة المعهودة المعروفة المفتتحة بالتكبير والمختتمة بالتسليم، فالشك الذي يطرأ بعد الفراغ من العبادة لا حرج فيه.
18. وَتَرْجِــعُ الْأَحْـكـامُ لِـلْـيَـقِـيـنِ ... فَــلَا يُــزِيــلُ الشَّــكُّ لِلْيَـقِـيــنِ
هذه القاعدة لها فروع، ومن فروعها -والذي لا يزول الشك بها- البيت الذي بعده، قال:
19. وَالْأَصْـلُ فِي مِيـاهِنَــا الطَّهَــارَهْ ... وَالْأَرْضِ وَالثِّيـابِ وَالْـحِـجــارَهْ
الأصل في المياه أنها طاهرة، والأصل في الثياب أنها طاهرة، والأصل في الأرض أنها طاهرة، والأصل في الحجارة أنها طاهرة.
وهذا الذي يسميه الفقهاء الاستصحاب، ومعنى الاستصحاب: إبقاء ما كان على ما كان عليه.
النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال عن الأرض: «وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» هي تطهِّر، ترابُها يطهِّر.
المراد بالأصل ها هنا: استصحاب البراءة الأصلية؛ لأن الأصل يأتي في كلام الفقهاء وكلام الأصوليين على معانٍ عديدة، فالقاعدة تسمَّى أصلا، والأساس يسمَّى أصلا، و القاعدة المستمرة تسمَّى أصلا، والبراءة الأصلية تسمَّى أصلا، والمراد بقول الناظم ها هنا:
وَالْأَصْـلُ فِي مِيـاهِنَــا الطَّهَــارَهْ
أي: استصحاب البراءة الأصلية؛ إبقاء ما كان على ما كان عليه.
هذا البيبت إما أن يُراد به الأصل في الأشياء الطهارة، أو القول بإبقاء ما كان على ما كان عليه.
فالله عز وجل يقول في «سورة الأنفال»: {وينزِّل عليكم من السماءِ ماءً ليُطهِّرَكم به}، فالأصل في المياه الطهارة.
والله عز وجل يقول: {هو الذي خلقَ لكُم ما في الأرضِ جميعًا} لكم لتملِكوه، ولتتمتَّعوا فيه، ولتستفيدوا منه.
وهذه الآية جاءت في معرض الامتنان، والله عز وجل لا يمتنُّ إلا بحلال، الله لا يمتن بحرام.
الأصل في الأشياء الحل ولا الحرمة؟ الحل.
بعض الناس يسألك عن دليل الحِل في أشياء الأصل فيها أنها حلال! والذي يسأل هذا السؤال يُنبئ عن عدم فقه عنده!
ما ينبغي أن نسأل عن سبب حِل البسكويت وحِل الخبز وحِل التفاح وحِل الموز وحِل المشي وحِل القيام وحِل القعود وحِل النوم وحِل السجاد وحِل الكهرباء وحِل السيارة وحِل المروحة..!!
لو أن الأصل في الأشياء الحرمة حتى يأتي الحِل؛ لكنا نحتاج لقرآن مثل قرآننا بحجم مليارات المرات! إذا كل شيء حلال نحتاج ينصص عليه؛ مشكلة!!
فأحيانا بعض الناس يطالب بالدليل في موطن من الخطأ أن تطالب بالدليل.
فطالب العلم إن طلب الدليل ينبغي مطالبته بالدليل يبقى يستحضر القواعد الكلية، ويحسن تمييز هذه المسألة وين تدخل، تدخل في الأشياء المباحة ولا في الأشياء المحرمة.
الأشياء المحرَّمة ما ينبغي أن تُفعل إلا بعد الدليل.
الأشياء التي الأصل فيها الحرمة لا تجوز إلا بالدليل، والأشياء التي الأصل فيها الحل نبقى على استصحاب البراءة الأصلية، إيش يعني استصحاب البراءة الأصلية، إيش يعني استصحاب البراءة الأصلية؟ {هو الذي خلقَ لكُم ما في الأرضِ جميعًا} الله خلق لنا الأرض والجبال، وخلق لنا النبات والأعشاب، وخلق لنا الحيوانات، وخلق لنا كل شيء، الأصل فيه الحل، يعني مش حاجة حتى نأكل البقدونس والنعناع والمرامية يجينا دليل من الشرع أن البقدونس حلال والمرامية حلال، مش بحاجة لهذا.
فالأصل في هذه الأشياء الحِل {هو الذي خلقَ لكُم ما في الأرضِ جميعًا}، كل ما في الأرض لكم أيها المسلمون، تمتعوا فيها، استفيدوا من ظاهرها، واستفيدوا من باطنها، نقِّبوا عن الخيرات، ونقِّبوا عن المعادن، كل شيء.. {هو الذي خلقَ لكُم ما في الأرضِ جميعًا}، الأصل في كل هذه الأشياء الحِل.
الأعشاب الطبية وغير الطبية الأصل فيها الحِل حتى يأتي الدليل.
الحيوانات الأصل فيها الحِل إلا أن يأتي الدليل، شو الدليل؟ الميتة، أن تكون خبيثة، {ويُحرِّم عليهم الخبائث} ما تستخبثه العرب أو قريش في ذاك الوقت حرام، فالفئران خبيثة حرام.
إيش الدليل على حرمة الفأر؟ {ويُحرِّم عليهم الخبائث}.
وإيش الدليل على حرمة أكل الصراصير؟ {ويُحرِّم عليهم الخبائث}
وإيش الدليل على حرمة أكل النمل؟ ولا النمل حلال؟ يجوز أن نأكل النمل؟ [لا يجوز] إيش الدليل؟ «نهى النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عن قتل النمل والنحل والهدهد والصُّرَد»، الصُّرَد: طير أكبر من القُبرة بقليل أخضر اللون.
وضابط من الضوابط علماء الشافعية يقولون: كل شيء نهى الشرع عن قتله حرُم أكله، لكنه كلام غير منضبط، لكن هي قاعدة مجملة صحيحة.
نعود للأصل، قال:
وَالْأَصْـلُ فِي مِيـاهِنَــا الطَّهَــارَهْ ..
مش بحاجة حتى نشرب كل نوع من أنواع المياه -الغدير والأنواع هذه المتنوعة..- يقوم دليل على حِل كل نوع من الأنواع، ما دام أنها ماء، رقتها، ولونها، ورائحتها، وطعمها طعم الماء؛ فالأصل فيها الحِل.
إن خالطها حلال، خالط الماء حلال فغير اللون، أو غيَّر الطعم، أو غيَّر الرقة فأصبحت كثيفة، فإذا كان الذي غيَّره طاهرًا؛ بقي طاهرًا، وإن سُلبت الطُّهورية منه، يعني الخل والعصير ما يجوز الوضوء فيه بس هو طاهر، فإن خالط الماء الطاهر شيء طاهر؛ يبقى طاهرًا.
طيب؛ إن خالطت النجاسةُ الماءَ فغلبته، يصبح إيش؟ نجسًا.
طيب: لو كررنا الماء ففصلنا النجاسةَ عنه، فرجع اللون والطعم والرائحة والرقة كالماء، إيش يكون؟ حلالا، ويرجع كالحِل، إيش يعني يرجع كالحِل؟ يجوز أن تشربه، ويجوز أن تطبخ به، ويجوز أن تغتسل به، ويجوز أن تتوضأ به، ولا حرج في ذلك كله إن شاء الله تعالى.
الأرض الأصل فيها الطهارة؛ لقوله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- -عند أبي داود والنسائي- من حديث أبي ذر، قال النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «الصَّعيد الطيِّب وَضوء المسلم» قال: (وَضوء)، ولم يَقل: (وُضوء)، إيش الفرق بين وُضوء ووَضوء؟ كالفرق بين وَقود ووُقود، وكالفرق بين فُطور وفَطور، وكالفرق بين سُحور وسَحور، السَّحور الشيء الذي يُعد للطعام، والفَطور الشيء الذي يُعد للطعام، فالجُبن والزيت والزعتر والبيض والخبز .. هذا كله يسمى فَطور -بفتح الفاء-، وتناول الأكل في وقت الصباح يسمى (فطورًا)، والسَّحور والسُّحور كذلك، والوَضوء والوُضوء كذلك، إيش الوَضوء؟ الشيء الذي يُعد، الماء الذي يُعد للوُضوء قبل عملية الوُضوء يسمَّى وَضوءًا، ولما تتوضَّأ يسمَّى وُضوءًا.
النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول: «الصَّعيد الطيِّب» إيش قال؟ قال: «وَضوء المسلم»، وفي رواية: «طَهور المسلم»، إيش (الوَضوء) يعني؟ يعني كالماء، الصعيد الطيِّب كالماء.
رواية أبي داود والنسائي: «وَضوء» وأيضا ثبت: «طَهور».
الملابس إيش الأصل فيها؟ يعني مش بحاجة الشرع قُلنا.. اللباس أو البرادي أو الكنبيات المصنوعة في بليجيكيا حلال، والمصنوعة في تركيا حلال، والمصنوعة في سورية حلال، مش بحاجة لهذا، الأصل فيها كلها الحل.
طيب؛ لباس الكافر؟ الأصل فيه الحِل ولا عدم الحِل؟ الحل.
فثبت أن النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- لبس البُرود اليمنية، وثبت أن النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- لبس الجُبَّة الرومية التي جاءت من الروم، الجُبة لبسها -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، ولبس النِّعال السَّبتية.
فالأصل في الملابس حتى التي تأتي من الكفار الأصل فيها الحِل.
والحجارة؛ ثبت في «أبي داود» أن النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب ومعه ثلاثة أحجار، فإنها تُجزئ عنه».
فلو كان الحجارة لا تجزئ لما كانت طاهرةً، فيجوز الاستجمار والاستنجاء، الاستجمار بالحجارة، والاستنجاء يكون بالماء.
والأحسن الاستجمار والاستنجاء، الاستجمار يزيل عين النجاسة، والاستنجاء يزيل أثر النجاسة، فالاستجمار وما يقوم مقامه من الخرق والفاين وما شابه هذا كله يجزئ، والواجب استخدام ثلاثة، وإن لم يُنقَّ المحل يُزاد عن الثلاثة حتى يُنقى، فإن نُقيَ بستٍّ فالأحسن أن نوتِر أن نجعلها سبعًا، وإن نقي بثمان فالأحسن أن نوتِر أن نجعلها تسعًا، وهكذا.
فالواجب أقل شيء: ثلاث، حتى لو وقع الإبراء بواحد؛ لا بد من استخدام ثلاثة في الأحجار وما يقوم مقامها، فإن وقع الإبراء والإنقاء بغير الوتر فوق الثلاثة؛ فالأحسن أن نكملها بوتر.
طيب؛ إذا وقع شك في نجاسة بقعة من البقاع في الأرض: في المسجد في البيت في المصنع في البقالة في العمل.. الأصل إيش نستصحبها طاهرة ولا نجسة؟ الطهارة، عملا بأي قاعدة؟ اليقين لا يزول بالشك.
فاليقين لا يزول بالشك في كل الأشياء، فجاء الناظم فأكَّد وسمَّى أشياء، خصَّ أشياء معينة، فجعل الأرض والحجارة والماء والثياب، خصَّها..
طيب: الإمام أحمد له كلمة جميلة في الحقيقة في موضوع ثياب الكفار، وهذا يُذكر في موضوع الأصل والظاهر، يقول الإمام أحمد رحمه الله: الأصل في ثياب الكفار الطهارة، إلا الثياب التي تُلاقي عوراتهم، فيحرُم استخدامها حتى تُغسل؛ لأن القوم لا يُعرف عنهم استنجاء أو استجمار، الكافر لا يُعرف عنه يستجمر أو يستنجي.
فالملابس إن جاز لنا التعبير اليوم التي تسمى الملابس الداخلية، فالملابس الداخلية على رأي الإمام أحمد يحرم استخدامها حتى تُغسل، ليش؟ لأن القوم لا يُعرف عنهم إنقاء وإزالة النجاسات والحمد لله على الإسلام.
الذي يعيش مع الكفار يعلم ويحمد الله كثيرا، في أشياء ظاهرة وباطنة، في أشياء خُلُقية، وممارسات مادية أو حسية أو معنوية.
فالإمام أحمد لا يرى طهارة ملابس الكفار التي تلامس العورات.
هذا الأمر يبقى على عمومه، القاعدة، ولكن هنالك ضوابط تقيِّد قاعدة الأصل في الأشياء الطهارة، وتدخل تحت قاعدة اليقين لا يزول بالشك، لكن بالعكس، كيف يعني بالعكس؟
تذكرون ضربت لكم مثالين، نحن الآن نتكلم في المثل الأول: أنت متوضئ ومتيقن أنك متوضئ وشككت أنك أحدثت، فقلنا إيش؟ الأصل أن تبقى متوضئًا، وذكرنا صورةً أخرى: أنت متيقن أنك انتقض وضوؤك دخلت الحمام خرج منك ريح تغوطت تبولت، وشككت هل توضأت أم لا، فاليقين لا يزول بالشك، إيش تعمل؟ يجب عليك الوضوء، تبقى على غير وضوئك.
نحن الآن: المياه والثياب والحجارة والأرض هذه كلها بمثابة المثل الأول: أن اليقين لا يزول بالشك نبقيها على طهارتها.
فيه أشياء بمثابة المثل الثاني وهو الأصل في الأشياء ليست الطهارة، الأصل في الأشياء الحرمة، هنالك أمور الأصل فيها الحرمة، ولا تحل إلا بدليل، وإنما إن أردنا أن نتكلم فيها؛ فالأصل الحُرمة.
فأسألكم: إيش الأصل في فروج النساء الحل ولا الحرمة؟ يعني لو رجل اعتدى على امرأة عفيفة ماشية في الطريق، قلنا له: يا بو فلان إيش تعمل؟ قال: الشيخ قالنا الأصل في الأشياء الحل، والنكاح الحل الأصل فيه، قلنا إيش هذا صحيح ولا غلط؟ هذا غلط، الأصل في الفروج الحُرمة.
النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول في «صحيح مسلم»: «إنكم استحللتُم فروجهن بكلمة الله» إيش معنى: (استحللتُم) كانت إيش قبل الاستحلال؟ كانت حرامًا، النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول: «إنكم استحللتُم فروجهن بكلمة الله» شو (كلمة الله)؟ العقد، الإيجاب والقبول الذي يكون بين الزوج وبين ولي الأمر.
فأنت تستحل الفرج بكلمة الله؛ فدل الحديث بلازمه أن الأصل في الفرج الحُرمة، ولذا قال الناظم:
20. وَالْأَصْـلُ فِي الأَبْضاعِ وَاللُّحُـومِ ... وَالنَّفْـسِ وَالْأَمْــوالِ لِلْمَعْـصُــومِ
21. تَـحْريمُـهـا حَتَّـى يَجِــيءَ الحِــلُّ ... فَـافْـهَـمْ هَـداكَ اللـهُ مَــا يُـمَــلُّ
(مَــا يُـمَــلُّ) أو قال: (ما يَحل)، (ما يُمل): أي ما أُمليه عليك من الإملاء، (ما يَحل) افهم الحلال والحرام، اعرف الحلال والحرام.
نرجع لهذين البيتين نفصل قليلا فيهما ونختم درسنا إن شاء الله.
الناظم يقول:
20. وَالْأَصْـلُ فِي الأَبْضاعِ...
إيش المراد في (الأصل في الأبضاع)؟ (الأبضاع) جمع (بضع) وهو الفرج، والمراد هنا: وطء النساء، الأصل في وطء النساء الحُرمة، الأصل في فروجهن الحرمة.
20. وَالْأَصْـلُ فِي الأَبْضاعِ وَاللُّحُـومِ ..
أرجو أن تنتبهوا: فرق بين اللحوم وبين الحيوانات، الأصل في الحيوانات أنها حلال، لكن اللحم الذي يقدَّم لك الأصل فيه إيش؟ الحرمة.
ولذا: الصحابة رضي الله تعالى عنهم أبَوا أن يأكلوا حتى تأكدوا أن اللحمَ من لحوم أهل الكتاب، ولكن شكُّوا: هل يسمون أم لم يسموا؟ فقال لهم الن أ
نبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «سمُّوا وكُلوا» فالصحابة فهموا أن الأصل في اللحم أن لا يُؤكل، الأصل فيه الحرمة، حتى يتأكدوا من حِله، فأمسكوا عن أكل اللحم، وتيقَّنوا أن الذبح لأهل الكتاب فأكلوا وكان التردد في موضوع التسمية وعدمها، فقال لهم النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «سمُّوا أنتم» وإن لم يسمُّوا «أنتم سَمُّوا وكُلوا»؛ فالأصل في اللحوم الحُرمة، وليس الأصل في اللحوم الحِل، حتى تتيقَّن من الذبح، إذا بقيتَ في شك: وقع ذبح ولا ما وقع ذبح، الطريقة الشرعية، الحيوان مات بسببَين: سبب مُبيح، وسبب مانع، سبب مُحلِّل، وسبب محرِّم، وبقيتَ في شك من الأمرَين؛ الأصل في اللحم التحريم.
يعني: حامل بندقية صيد، طائر في السماء، قنصت الطائر، قلتُ بسم الله؛ خلاص حلَّ الطير، وقع الطير في الأرض فارتطم ارتطاما شديدًا، وقع الطائر على الأرض جاءت سيارة فدهسته، وقع الطائر في ماء فغرق.
فأنا الآن وقعتُ في شك: أن موت الطير هذا كان بسبب طلقة الصيد الحلال السبب المُبيح، أم بسبب الغرق في الماء، أم بسبب دهس السيارة؟ فأنا حينئذ وقعت في شك، فأنا أغلِّب ماذا؟ أغلِّب اليقين، واليقين على الفروج وعلى اللحوم وعلى النفوس وعلى الأموال للمعصوم الأصل فيها الحرمة.
يعني: أنا شككت المال هذا لي ولا [ليس] لي، آخذه ولا ما آخذه؟ لازم ما آخذه.
طيب؛ أنا وقعتُ في شك أن فلانا قاتل ولا مش قاتل وأنا قاضي، فلان سارق ولا مش سارق وأنا قاضي، هل أفتي بقتله؟ هل أقضي وأنا قاضي مسلم أقضي بقطع يده؟ الجواب: لا، ليش؟ لأن الحدود والقصاص يُدرأ بالشبهات، شو يعني: القصاص يُدرأ بالشبهات؟ دل هذا على أن الأصل في الدم والعضو والمال، الأصل فيه في الشرع أنه محتَرم، غير مُهان.
لذا قال الناظم:
وَالْأَصْـلُ فِي الأَبْضاعِ وَاللُّحُـومِ
اللحم إذا شككت: هل ذُبح أم لم يُذبح، حصل وفاة في شيء أحله الله، وسبب الوفاة: هل هو ذكاة شرعية أو غير شرعي، الأصل فيه نغلِّب الحُرمة، ولا نأكله.
قال:
... وَالنَّفْـسِ وَالْأَمْــوالِ لِلْمَعْـصُــومِ
من هو المعصوم؟ المعصوم: المسلم معصوم.
اليهودي والنصراني الكِتابي في الدولة المسلمة معصوم.
يعني اليهودي المغربي الذي يعيش في المغرب، لو جاءني واحد من المغرب وقال لي: أنا أريد أن أقتل يهوديا إيش أقول له؟ حلال ولا حرام؟ حرام.
طيب؛ نصراني يعيش في عمَّان حلال أقتله ولا حرام؟ حرام.
فالمعصوم يشمل ثلاثة أصناف من الناس: الصنف الأول: المسلم، طبعا المسلم والمسلمة.
والصنف الثاني: الكِتابي.
والصنف الثالث: الكافر المعاهَد، الذي بيننا وبين الكفار معاهَدة، وتأشيرات السفر اليوم التي تُوضع على جوازات السفر؛ هي بمثابة المعاهَدة، هؤلاء أموالهم ونفوسُهم الأصل فيها إيش؟ الحرمة.
واحد يقول: هذا سايح يهودي الأصل، يعيش في بلد أوروبي، إيش نقتله؟ نسلب أمواله؟ إيش الجواب؟ إيش الأصل في أمواله وفي نفسه؟ الحُرمة، الأصل فيه أنه معصوم.
هذان البيتان قال:
20. وَالْأَصْـلُ فِي الأَبْضاعِ وَاللُّحُـومِ ... وَالنَّفْـسِ وَالْأَمْــوالِ لِلْمَعْـصُــومِ
21. تَـحْريمُـهـا حَتَّـى يَجِــيءَ الحِــلُّ
إيش إعراب (تحريمُها)؟ خبر (الأصلُ)، (الأصلُ.. تحريمُ)، (تحريمُها): أول كلمة في البيت الثاني إعرابُها خبر (الأصلُ)؛ الأصلُ في كذا وكذا وكذا؛ التحريم.
(تَـحْريمُـهـا حَتَّـى يَجِــيءَ الحِــلُّ)
«لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيِّب الزَّاني، والتَّارك لدِينه المُفارِق للجماعة».
فلو واحد معصوم مسلم، قتل دم مسلم؛ إيش نعمل فيه؟ يُقتل، لماذا أفتَينا بقتلِه؟ حتى يجيء الحِل.
طيب؛ فرج المسلمة هل يجوز وطؤه؟ [لا] يجوز، حتى يجيء الحل، إيش الحِل؟ العقد.
مال المسلم هل يجوز أخذه؟ الأصل الحرمة، حتى يجيء الدليل، شو الدليل؟ الزكوات، رسول الزكاة ساعي الزكاة في بيت المال يأخذ مال من لم يؤدِّ الزكاة عُنوة، بقوة الدولة يأخذه؛ بل ثبت في «سنن أبي داود»: يقول النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عن الزكاة: «مَن لم يؤدِّها؛ فإنا آخذوها وشطر مالِه عزَمة من عزمات ربِّنا» من لم يدفع الزكاة نأخذها ونأخذ ضعفَيها، الضعف في العربية: المِثل.
فهذان البيتان اشتملا على ثلاثة قواعد:
القاعدة الأولى: أن الأصل في الأبضاع التحريم.
والقاعدة الثانية: إن الأصل في الذبائح التحريم.
والقاعدة الثالثة: الأصل في مال ودم المعصوم التحريم.
الأصل في النكاح والفروج التحريم.
أنا عندي الآن أمي أخبرتني: والله أنت يا فلان رضعتَ من جارتنا، لكن أنا والله ما عارفة فلانة ولا فلانة، هي تقول: أنا نسيتُ، أنت رضعتَ يا من فلانة أو فلانة، أو أنت رضعت من خالتك فلانة أو فلانة، أنا جازم، لي خمس خالات.. رضعت هذه أو تلك، أما الثلاثة الباقيات لم ترضع منهن يقينًا، فأنا إيش حرام علي الآن؟ حرام علي بنات خالتي هذه وخالتي هذه، يحرم علي أن أتزوج بنات خالتي هذه وبنات خالتي هذه، ويحرم علي أن أتزوج بنات تلك المرأة أو تلك المرأة الأجنبية عني التي تجزم أمي بأني رضعت من واحدة منهن؛ ليش؟ لأن الأصل في الفروج التحريم.
فإذا كان هنالك امرأة محرَّمة عليَّ اختلطتْ بمجموعة من النسوة، وكان الاختلاط محصورًا محدودًا؛ فحينئذ -بناء على قاعدة الأصل في الفروج الحرمة، والأبضاع الحرمة-؛ يحرم علي أن أتزوجها.
لكن لو قالت لي: والله أنا أرضعتك من واحدة، وما كان الحصر محدودا، أنت رضعت من امرأة من سورية؛ ما تصبح كل نساء سورية حرام عليّ.. والله واحدة شامية رضعتك، من هذه الشامية؟ ما نعرف عنها شيء! هذا ممكن في النكبات، أمر ممكن.
لو تقول لي: رضعت من امرأة كذا، وصارت المحرمات علي غير محصورات؛ حينئذ نستصحب الحِل، أما الفروج إذا حُصرت في مكان معيَّن؛ فلا.
طيب؛ أسألكم سؤالا: رجل طلَّق امرأة من نسائه الأربع، ونسي أي امرأة طلَّق، إيش يعمل؟ رجل عنده أربع نساء، فطلَّق امرأة.. يا فلان طلقتَ من؟ والله أنا متيقِّن أني طلقت امرأة لكن أنا شاك في أيهن طلقت! ممكن هذا؟
أسألكم سؤالا: ممكن واحد يطلق خمس نساء؟ [مداخلة]
واحد غضب من زوجاته الأربع بصوت مرتفع، فطلَّق زوجاته الأربع، [فجارتُه] عاقلة قالت: يا أبا فلان أنت رجل عاقل، طلقتَ زوجاتك الأربعة في ساعة واحدة فهلا انتظرت وكذا وكذا، فغضب منها، فقال: أنت طالِق إن قبِل زوجكِ! فزوجُها سمعه؛ فقال: كما قلتَ! قبِلتُ قبِلتُ! فطلَّق الخمس!!
طيب؛ رجل طلَّق زوجة من أربع زوجات، وجاء يستفتي، طالب علم، قال: والله يا شيخ أنا لي أربع زوجات، أو لي ثلاث زوجات، أو لي زوجتان، وطلقتُ واحدة ونسيت من أريد، والله ما أدري من أريد، هذه كنت مُغضب منها، وهذه كنت مغضَب منها، وأنا طلقتُ واحدة لكن أنا والله ما أدري من أريد؟ إيش نفتيه؟
نفتيه على مذهب جماهير العلماء؛ قال: أنتَ لا تطأ زوجتَيك إلا بإرجاء؛ لأن الأصل في الفروج الحُرمة، والذي أحلَّ لك زوجتَيك العقد، وأنت نقضتَ العقد بالطلاق... فرجع الزوجتَين عليك حرام، ويحرم عليك أن تطأ واحدة منهن حتى تجدد العقد، أو حتى تحدِّد واحدة من اثنتين، ما لم تحدِّد فالزوجتان حرام عليك.
هذا قول جماهير أهل العلم.
الإمام أحمد رحمه الله تعالى وسَّع في الباب فقال: يقرع بينهما، قال: اعمل قرعة، اللي تطلع عليها القرعة هي الطالق...
الجواب الأول أقعد، بناء على القاعدة: أن الأصل في الفروج الحُرمة، الأول أقعد، والله تعالى أعلم.
طيب؛ الأدلة على حُرمة دم ومال المعصوم كثيرة، فالنَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في حجة الوداع في خطبته ركَّز كثيرًا على حقوق الضعاف.
فالنَّبي قال في خطبة الحاجة: «استوصوا بالنساء خيرًا»، وقال في خطبة الحاجة: «ألا إن دماءكم وأموالكم وأبشاركم عليكم حرام، كحُرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا»؛ فالنَّبي حرَّم الأبشار؛ الإيذاء، الجَلد، جلد البشرة، وحرَّم الأموال.
والنَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال: «لا يحلُّ مال امرئ مسلم إلا بِطيب نفسٍ منه ولو قضيبًا من أراك» إيش يعني (قضيب من أراك)؟ يعني: سواك، يحرم عليك أن تأخذ مال أخيك إلا بطيب نفس منه، ولو كان سواكًا، ولو كان شيئًا يسيرا ليس له بال.
والنَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول فيما أخرج أحمد بإسناد صحيح: «من قتل رجلًا من أهل الذمَّة لم يَرَح رائحة الجنة» يا الله ما أحسن ديننا! في كثير من كتب التاريخ -وهذه مسألة تحتاج لإبراز ولا سيما في هذا الزمان-:
في كثير من كتب التاريخ كان أهل الكتاب يناضلون عن المسلمين أكثر من دفاعهم عن أنفسهم، يريدون هذه النعمة، لذا هم يدفعون الجزية مقابل حمايتهم، فهم شركاء معنا في المحافظة على أموالهم والمحافظة على أرواحهم.
ولذا: النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال فيما أخرج أحمد قال: «من قتل رجلًا من أهل الذمَّة لم يَرَح رائحة الجنة».
بل ثبت في «صحيح الإمام البخاري» أن النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال: «مَن قتل معاهَدًا لم يَرَح رائحة الجنة».
في «مسند أحمد» قال: «مَن قتل رجلًا من أهل الذِّمة»، وفي «صحيح البخاري» قال: «مَن قتل معاهَدًا» من المعاهَد؟ الكافر الأصلي، الذي يدخل بلادَ المسلمين بعهد، أو ما يقوم مقام العهد، فالكافر لا يُقتل، [الكافر] له أمان بأماننا.
لماذا لا يُقتل الكافر؟ ليس كل كافر، الكافر في المعركة يُقتل، وفيه أجر على قتل الكافر في المعركة، الكافر المُحارِب يُقتل ويُسلب ماله، النَّبي يقول: «مَن سلبَ قتيلًا فله مالُه»، فالكافر المُحارِب يُقتل في المعركة.
نتكلم عن المعصوم، المعصوم المسلم، وأهل الذمة، والكافر المعاهَد.
فهؤلاء الثلاثة الأصلُ في دمائهم وفي أموالهم الحُرمة.
20. وَالْأَصْـلُ فِي الأَبْضاعِ وَاللُّحُـومِ ... وَالنَّفْـسِ وَالْأَمْــوالِ لِلْمَعْـصُــومِ
الإضافة (للمعصوم) تعود على النفس والأموال، فالنفس والأموال للمعصوم الأصل فيها تحريمها حتى يجيء الحِل.
الأصل يحرم قتل المسلم حتى يأتي دليل أنه قتَل.
طيب؛ لو رجل قَتَل لك قتيلًا، قتَل لك أبًا أو أخًا أو ابنًا أو شقيقًا، فأنت أصبحتَ ولي الدم، فهل يجوز أن تقتلَه من رأسك؟ الجواب: لا، القصاص والقتل والحُدود تُناط بمن؟ بأولياء الأمور.
يعني: واحد جاءك زاني تقيم عليه الحد، يجوز لك هذا؟ هذا الأمر لا يجوز لك.
لكن القاضي يقتل القاتلَ لأن الشرعَ أذِن بقتل القاتِل بقولِه: {النَّفس بالنفس}، فلولا وُرود الآيات والأحاديث التي فيها أن النفس بالنفس؛ لما جاز لنا أن نَقتل.
ولذا: ذكرتُ لكم متى وقعت شُبهة عند القاضي أن القاتلَ هو ليس بقاتِل؛ فحينئذ مباشرة نُبرِّئ القاتل.
فقال الناظم الأصل في هذه الأشياء: (تَـحْريمُـهـا حَتَّـى يَجِــيءَ الحِــلُّ) حتى يأتي دليل خاص على استحلال المال، على استحلال الجلد، على استحلال النفس، على استحلال بتر العضو، وقطع اليد مثلا.
فإن جاء الدليل الشرعي {والسَّارق والسَّارقة فاقطعوا أيديَهما}؛ فعلنا، {والزَّانية والزَّاني فاجلدوا كلَّ واحد منهما مائة جَلدة}؛ جلدنا، فما لم يأتِ الدليل؛ فالأصل الحرمة، الأصل التحريم.
فلو سئلتَ: إيش الدليل على جواز جلد الزاني؟ فيه آية، لو لم تَرِد آية؛ ما جلدنا، فنفعل ما ورد عند ربنا، ما ورد في شرعنا من نصوص في الكتاب والسنة، الذي ورد نفعله.
طيب؛ يجوز أن نزيد عن العدد، أو أن نزيد في جنس العقوبة عما ورد في الشرع؟
شو الجواب؟ المنع، ليش المنع؟ لأن الأصل التحريم، وجاء الدليل على الحِل بالمقدار الذي جاء فيه.
فالنَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- مثلا غرَّب الزاني؛ نُغرِّب الزاني، والتغريب فعله النَّبي وتركه؛ فدل على أن التغريبَ ليس حدًّا؛ وإنما هو تعزير، فيجوز للقاضي أن يُغرِّب الزاني، ولا سيما إن كان عَزَب، شاب مفسد، وتعرف على نساء الحي، وعرف المداخل والمخارج، وكيف يُميِّل النساء إليه، فمِن حُسن الشريعة أن زاد الشرعُ على حد الجَلد فجعل للقاضي حكمًا تعزيريًّا زائدا عن الجلد، وهو أن يُغرِّب الزاني، أن يُغرِّبَه، يعني أن ينقله من مكان لمكان.
فما ورد في الشرع نقول به بالمقدار الذي ورد وبنفس جنس العقوبة، الشارع قال: {والسَّارق والسَّارقة فاقطعوا أيديَهما}، والنَّبي امتثل أمر الله، وقطع اليد اليمنى من الرسغ، لا يجوز تقطع الرجل، ولا يجوز أن نقطع اليدَ من الذراع، أو من الإبط، أو نقطع اليد مثلا من المرفق، فمقدار ما أذِن به الشرعُ فعلنا.
قال: (حَتَّـى يَجِــيءَ الحِــلُّ) المقدار الذي جاء فيه الحِل؛ فعلنا الحل، والزيادة على ما ورد بالمقدار -كميةً أو كيفيةً-؛ يبقى التحريم.
يعني واحد زنى وهو أعزب تقتله؟ حرام، ولو سئلنا شو الدليل على التحريم؟ نذكر الأصل في دمه حرام، وهو زنى وهو ليس بثيِّب، النَّبي قال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بثلاث» قال: «الثيب الزَّاني» وهذا ليس بثيِّب، هذا أعزب، فالأعزب لا يقتل، فلو قتلنا من زنى وهو غير ثيِّب؛ أفتينا بالحُرمة بناء على الأصل، فالذي يحل بمقدار ما ورد فيه النص بالحل.
قال:
20. وَالْأَصْـلُ فِي الأَبْضاعِ وَاللُّحُـومِ ... وَالنَّفْـسِ وَالْأَمْــوالِ لِلْمَعْـصُــومِ
21. تَـحْريمُـهـا حَتَّـى يَجِــيءَ الحِــلُّ ..
قال:
فَـافْـهَـمْ هَـداكَ اللـهُ
أيضا الهداية هنا بمعنى الإلهام والالتزام، لا بمعنى الدلالة، وأهل الصلاح والعلماء إن دعوا لطلبة العلم -ونحن نقرأ دعاءَهم ونقرأ كلامَهم، ونشرح كلامهم-؛ فأرجو الله سبحانه وتعالى أن تصيبنا بركة دعائهم -إن شاء الله-.
وأسأل الله لنا ولكم الهداية، وأن يهدينا إلى سواء السبيل، وأسأله سبحانه أن يهدينا فيُعلمنا ما ينفعنا، وأن يجعل هذا العلم حجة لنا لا علينا، وأن ينفع بنا البلاد والعباد، وأن يحيينا طلبة علم، وأن يُميتنا طلبة علم، وأن يجعلنا نورًا إن شاء الله، وأن يكون النور على ألسنتنا وفي قلوبنا، وفي حياتنا، وفي ذرارينا.
تَـحْريمُـهـا حَتَّـى يَجِــيءَ الحِــلُّ ... فَـافْـهَـمْ
العلم فهم، والفقه هو الفهم، والله قال: {ففَهَّمناها سُليمانَ}.
والفهم قيل لعلي في «البخاري»: هل عندكم شيء غير كتاب الله وسُنة النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-؟ قال: «لا والله؛ إلا فهما يؤتاهُ الرجل».
فقه عجيب أن تؤتَى فهمًا، الله يعطيك فهما، «اللهم فقِّههُ في الدِّين، وعلِّمه التأويل» أن تفهم كتاب الله وأن تفهم حديث النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- هذه الأمور الحسنة وإن جاء بصيغة الأمر (فافهم هداك الله).
إيش الفرق بين الالتماس والأمر والدعاء؟
[الأمر مِن] الأعلى للأدنى، إذا الله أمرنا في الكتاب أو السنة: أقيموا الصلاة.. الزكاة، إيش هذا يسمى؟ يسمى أمرا.
الأمر في اللغة والشرع عند الأصوليين: إذا كان الأمر من الأعلى للأدنى يسمى أمرًا.
تقول: رب اغفر لي، إيش هذا؟ أنتَ أدنى تأمر الأعلى؟ معاذ الله، الله لا يؤمر.
فإذا كان الفعل -فعل الأمر- صدر من الأدنى للأعلى هذا يكون دعاء.
وإذا كان من الأعلى للأدنى هذا يكون أمرًا.
وإذا كان من المثل للمثل؛ يسمى التماسا.
فالناظم يلتمس منك أن تفهم العلم، يرجوك، يحب لك، يُرغِّبك، يشجعك، ويدعو لك.. ما أحسن العلم! فهو يلتمس منك ويرجوك ويدعو لك أن تفهم هذا الكلام.
هذه كليات مهمات وضوابط يحتاجها طلبة الفقه وطلبة العلم في الفتوى، نتكلم بعمومات، لكن طالب العلم صاحب الملَكة إذا بقي مواصلا للطلب كل سؤال يُسأله تزدحم هذه الأشياء في قلبه وفي عقله، وتصير مفاعلات في الداخل ويخرج الجواب.
حتى يلصق نوع هذا السؤال بأصل من هذه الأصول، بطريقة فرز أتوماتيكية من غير كبير وعي، بالملَكة، من كثرة الممارسة، وهذا الذي نحتاجه، نحفظ، ثم نفهم، ثم تضبط، فيبقى الخير موصولا، نبقى نسير فيما سار عليه السابقون من علمائنا الأفذاذ رحمهم الله وحشرنا وإياكم في زمرة النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- معهم.
قال:
21. تَـحْريمُـهـا حَتَّـى يَجِــيءَ الحِــلُّ ... فَـافْـهَـمْ هَـداكَ اللـهُ مَــا يُـمَــلُّ
إيش معنى (ما يُمل)؟ ما يُملى عليك، {ولْيُمْلِل الذي عليه الحقُّ ولْيتَّق اللهَ ربَّه}، يعني ما أُمليه عليك، فافهم الذي ذكرتُه لك.
أو (فافهم هداك الله ما يَحِل) فافهم الحلال والحرام.
فهذه القواعد الأصل في الأشياء الحل، وفي الأشياء الحرام هي التي توضح لك ما يُحل مما يُمنع من الممنوع والمحذور.
نكتفي بهذا القدر، ونكمل في الدرس القادم إن شاء الله شرح البيت الثاني والعشرين:
22. وَالْأَصْـلُ فِي عَـادَاتِنَــا الْإِبَـاحَـهْ ... حَتَّـى يَجِــيءَ صَــارِفُ الْإِبـاحَـهْ
نبدأ إن شاء الله الدرس القادم البيت الثاني والعشرين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

انتهى (الجزء الثاني).

تفريغ : أم زيد

من هنـا تجميع روابط الدروس المفرَّغة
رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:26 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.