أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
27982 92655

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الأئمة و الخطباء > خطب نصية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-19-2019, 09:59 PM
د. عماد البعقوبي د. عماد البعقوبي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Nov 2014
الدولة: العراق
المشاركات: 42
افتراضي خطبة أبواب الخير في حديث معاذ رضي الله عنه

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة : ٤ - شوال - ١٤٤٠

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ... إلخ [ خطبة الحاجة ].

أما بعد:

عن أبي وائل عن معاذ بن جبل: قال كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال: « لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت » ثم قال: « ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل قال ثم تلا { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } حتى بلغ { يعملون } » ، ثم قال: « ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروته وسنامه » ؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: « رأس الأمر وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد ».
ثم قال: « ألا أخبرك بملاك ذلك كله » ؟ قلت: بلى يا نبي الله. فأخذ بلسانه قال: « كف عليك هذا » قلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون مما نتكلم به ؟ فقال: « ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم ». [أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني ].
فقول معاذ رضي الله عنه: " أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ " فَالْعَمَلَ إِذَا لَمْ يوصل إلى الجنة كَأَنَّهُ لَا عَمَلَ وَقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (عَنْ عَظِيمٍ) أَيْ: عَنْ عَمَلٍ عَظِيمٍ فِعْلُهُ عَلَى النُّفُوسِ.
« وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ » أَيْ: هَيِّنٌ سَهْلٌ (عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ) أَيْ جَعَلَهُ سَهْلًا.
« تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت » أَيْ: هُوَ أَنْ تَعْبُدَ أَيِ: الْعَمَلُ الَّذِي يُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ عِبَادَتُكُ اللهَ وحده لا شريك له، بالإتيان بأركان الإسلام الخمسة فهي الأصل الذي لا يدخل الجنة بدونه، { إن الله حرمهما على الكافرين }
وجاء في الحديث يَقُولُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلاَ يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ » . فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: « لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ » . قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « وَصِيَامُ رَمَضَانَ » . قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: « لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ » . قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: « لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ » . قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ» [ متفق عليه ].

وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: « أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ » أَيِ: الطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ بِهِ
« الصَّوْمُ جُنَّةٌ » بِضَمِّ الْجِيمِ التُّرْسُ أَيْ مَانِعٌ مِنَ النَّارِ أَوْ مِنَ الْمَعَاصِي بِكَسْرَةِ الشَّهْوَةِ وَضَعْفِ الْقُوَّةِ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ أَيْ يَقِي صَاحِبَهُ مَا يُؤْذِيهِ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَالْجُنَّةُ الْوِقَايَةُ.

« والصدقة تطفئ الْخَطِيئَةَ » مِنَ الْإِطْفَاءِ أَيْ تُذْهِبُهَا وَتَمْحُو أَثَرَهَا أَيْ: إِذَا كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا كَانَتْ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَتُدْفَعُ تِلْكَ الْحَسَنَةُ إِلَى خَصْمِهِ عِوَضًا عَنْ مَظْلِمَتِهِ.

« وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ » أي: قيام الليل كذلك يطفئ الْخَطِيئَةَ، وَهُوَ شِعَارُ الصَّالِحِينَ.
" ثُمَّ تَلَا " أَيْ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } أي: تتباعد جنوبهم عن المفارش والمراقد { يدعون ربهم } بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ " حَتَّى بَلَغَ { يَعْمَلُونَ } وتمام الْآيَةِ { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون }.

وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: « أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ » أَيْ بِأَصْلِ كُلِّ أَمْرٍ « وَعَمُودِهِ » أَيْ: مَا يَقُومُ وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ « وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ » وَالسَّنَامُ بِالْفَتْحِ هو أعلى الشيء.
قَالَ: « رَأْسُ الْأَمْرِ » أَيْ: أَمْرُ الدِّينِ « الْإِسْلَامُ » يَعْنِي الشَّهَادَتَيْنِ وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّشْبِيهِ الْمَقْلُوبِ إِذِ الْمَقْصُودُ تَشْبِيهُ الْإِسْلَامِ بِرَأْسِ الْأَمْرِ لِيَشْعُرَ بِأَنَّهُ مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ فِي احْتِيَاجِهِ إِلَيْهِ وَعَدَمِ بَقَائِهِ دُونَهُ.
« وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ » يَعْنِي الْإِسْلَامَ هُوَ أَصْلُ الدِّينِ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ وَكَمَالٌ كَالْبَيْتِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ عَمُودٌ فَإِذَا صَلَّى وَدَاوَمَ قَوِيَ دِينُهُ، وأهم الأعمال هي الصلاة، وهي فرض عيني لا ينبغي أن يقصر به، ولا يقوم مقامه شيء، فكل الأعمال يقوم غيرها مقامها إلا الصلاة لا ينوب عنها عمل، ولا تصح نيابة شخص عن شخص فيها، وقد يقصر بعض الناس في الصلاة إن كان مريضا، ويقول لا أستطيع القيام، أو لا أستطيع الوضوء، ثم قد يتوفى وهو على هذا الحال فيموت تاركا للصلاة نعوذ بالله. فلا ينبغي ان يترك الصلاة إن استطاع قائما، فإن لم يستطع فقاعدا فإن لم يستطع فعلى جنب، إن استطاع الوضوء توضأ فإن لم يستطع تأمم، أو أممه غيره المهم أنه يصلي ما دام عنده عقله وإدراكه، ولا يتركها فهي من الإسلام كالعمود للخيمة، إن ذهب العمود سقطت الخيمة.
وَالمسم لا تكون له رفعة فَإِذَا جَاهَدَ حَصَلَ لِدِينِهِ رِفْعَةٌ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ (وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ) وَفِيهِ إِشْعَارٌ إِلَى صُعُوبَةِ الْجِهَادِ وَعُلُوِّ أَمْرِهِ وَتَفَوُّقِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَعْمَالِ وَالْجِهَادُ مِنَ الْجَهْدِ بِالْفَتْحِ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ أَوْ بِالضَّمِّ وَهُوَ الطَّاقَةُ لِأَنَّهُ يَبْذُلُ الطَّاقَةَ فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ عِنْدَ فِعْلِ الْعَدُوِّ مِثْلَ ذَلِكَ.
وهنا يجب التفريق بين الجهاد الشرعي الذي شرعه الله لعباده ، وبين الإرهاب والغدر والتفجير ونحوه مما لا يمت إلى الإسلام بصلة فالأول ذروة سنام الدين والثاني من الضلال والفجور والكفر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر " [ متفق عليه ].
وقال عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع: " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " [ متفق عليه ].
فما كل ما سمي جهادا كان جهادا ، بل الجهاد ما شرعه الله وهو ما يكون لإعلاء كلمة الله ولدفع شر الظالمين ولنصرة المستضعفين من المسلمين:
قال الله عز وجل: { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين } [ البقرة: ١٩٣ ].
وقال جل وعلا: { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير } [ الأنفال: ٣٩ ].
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما القتال في سبيل الله؟ فإن أحدنا يقاتل غضبا، ويقاتل حمية، فرفع إليه رأسه، قال وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائما، فقال: " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل " [ متفق عليه وهذا لفظ البخاري ].
وقال الله جل وعلا: { وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا } [ النساء: ٧٥ ].
فالغاية من الجهاد الشرعي غالبا ما تكون أحد هذه الأمور: لإعلاء كلمة الله، أو لنصرة المستضعفين، ومنع الظالمين.

وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: « أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ » الْمِلَاكُ مَا بِهِ إِحْكَامُ الشَّيْءِ وَتَقْوِيَتُهُ مِنْ مَلَكَ الْعَجِينَ إِذَا أَحْسَنَ عَجْنَهُ وَبَالَغَ فِيهِ وهذا إِشَارَةٌ إِلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَوَّلِ الْحَدِيثِ إِلَى هُنَا مِنَ الْعِبَادَاتِ وَأَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ كُلِّهِ لِئَلَّا يُظَنَّ خِلَافَ الشُّمُولِ أَيْ: بِمَا تَقُومُ بِهِ تِلْكَ الْعِبَادَاتُ جَمِيعُهَا " فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ " أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « كُفَّ عليك هذا » أَيِ: امْنَعْ عن نفسك لِسَانَكَ، وَإِنَّمَا أَخَذَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِلِسَانِهِ وَأَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اكْتِفَاءٍ بِالْقَوْلِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ أَمْرَ اللِّسَانِ صَعْبٌ. وَالْمَعْنَى لَا تَكَلَّمُ بِمَا لَا يَعْنِيَكَ فَإِنَّ مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ سَقْطُهُ وَمَنْ كَثُرَ سَقْطُهُ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ وَلِكَثْرَةِ الْكَلَامِ مَفَاسِدُ لَا تُحْصَى.
" وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ " أَيْ: هَلْ يُؤَاخِذُنَا وَيُعَاقِبُنَا أَوْ يُحَاسِبُنَا رَبُّنَا " بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ " يَعْنِي بِجَمِيعِهِ إِذْ لَا يَخْفَى عَلَى مُعَاذٍ الْمُؤَاخَذَةُ بِبَعْضِ الْكَلَامِ.
« ثَكِلَتْكَ » بِكَسْرِ الْكَافِ أَيْ فَقَدَتْكَ وَهُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا يُرَادُ وُقُوعُهُ بَلْ هُوَ تَأْدِيبٌ وَتَنْبِيهٌ مِنَ الْغَفْلَةِ وَتَعْجِيبٌ وَتَعْظِيمٌ لِلْأَمْرِ.
« وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ » أي: يُلْقِيهِمْ وَيُسْقِطُهُمْ وَيَصْرَعُهُمْ « عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ » شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالْمَنْخِرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِهِمَا ثقب الْأَنْفِ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلنَّفْيِ خَصَّهُمَا بِالْكَبِّ لِأَنَّهُمَا أَوَّلُ الْأَعْضَاءِ سُقُوطًا.
« إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ » أَيْ: مَحْصُودَاتُهَا شَبَّهَ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ الْإِنْسَانُ بِالزَّرْعِ الْمَحْصُودِ بِالْمِنْجَلِ وَهُوَ مِنْ بَلَاغَةِ النُّبُوَّةِ فَكَمَا أَنَّ الْمِنْجَلَ يَقْطَعُ وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ والجيد والردي فَكَذَلِكَ لِسَانُ بَعْضِ النَّاسِ يَتَكَلَّمُ بِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْكَلَامِ حَسَنًا وَقَبِيحًا.
وَالْمَعْنَى لَا يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالْقَذْفِ وَالشَّتْمِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْبُهْتَانِ وَنَحْوِهَا وَهَذَا الْحُكْمُ وَارِدٌ عَلَى الْأَغْلَبِ أَيْ عَلَى الْأَكْثَرِ لِأَنَّكَ إِذَا جَرَّبْتَ لَمْ تَجِدْ أَحَدًا حَفِظَ لِسَانَهُ عَنِ السُّوءِ وَلَا يَصْدُرُ عَنْهُ شَيْءٌ يُوجِبُ دُخُولَ النَّارِ إِلَّا نَادِرًا.
وقال عليه الصلاة والسلام: « مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ» [ رواه البخاري ].
فأمر اللسان عظيم، ومعظم ذنوبه من الكبائر التي توعد الله صاحبها باللعن والنار وغير ذلك ومنها الغيبة والنميمة، والطعن في الأعراض والأنساب، وهذه كثيرا ما يتساهل بها الناس وهي من كبائر الذنوب، والناس تستهين بهذه الذنوب ولا تلقي لها بالا وهي عند الله جل وعلا عظيمة، قال سبحانه: { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ } [ النور: ١٥ ].

فاللسان إما وسيلتك إلى الجنة أو وسيلتك للنار، فمن سخره في الذكر والتسبيح والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وفي تلاوة القرآن الكريم وتعلم العلم وتعليمه والأمربالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من العبادات القولية فقد جعله وسيلة إلى الجنة وايما وسيلة!
ويجعله وسيلة للنار من يتهاون به ويطلق له العنان، ويتكلم بما يعنيه وما لا يعنيه وبما يرضي الله وما لا يرضيه، فيبدد حسناته ويذهبها سدى يعمل ويتعب وتذهب حسناته لغيره، فليس له منها إلا التعب، بسبب ما جنى لسانه، فأولى شيء بالحبس هو اللسان.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ » [ صحيح البخاري: ٨ / ١٠١ ].
وقال الأصمعي يقول : " كان يقال الناس غانم وسالم وشاجب فالغانم من قال خيرا فغنم والسالم من سكت سلم والشاجب من قال شرا فشجب أهلك نفسه ". [ شعب الإيمان – البيهقي: ٤ / ٢٧٢ ].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ » [ متفق عليه ].
اللهم احفظنا بحفظك، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين، اللهم انا نعوذ بك من شر ألسنتنا وشر أنفسنا وشر خلقك وشر الشيطان وشركه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ولي المتقين وهادي المؤمنين والصلاة والسلام على سيد ولد آدم أجمعين، وخير خلق الله وخاتم النبيين وعلى آله وصحبه والتابعين..
اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهم إنك حميد مجيد..
أحبتي في الله يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: « عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْحَارِثِ الْخَزْرَجِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» [ رواه مسلم: 2 / 822 ، تسلسل الحديث: 1164 ].
فعلى المسلم أن يبادر إلى صيام هذه الأيام اقتداء بالسنة، ولما فيها من فضل كبير، وفوائد عديدة منها:

١- أنَّ صيام ستًّا من شوال عمل بالسنة واتباع للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والعمل بالسنة عمل عظيم جليل لا يوفق له إنسان، بل لا يوفق له إلا خلص الناس وصفوتهم ونقاوتهم، جعلنا الله وإياكم ممن تمسك بالسنة ومن أهلها.

٢- أن صيام ستا من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله كما سبق هو ظاهر من نص الحديث. وصيام الدهر يكون بوجهين: الوجه الأول: بصيام شهر رمضان وستا من شوال، والوجه الثاني: يكون بصيام ثلاثة أيام من كل شهر فمن صامها فهو أيضا صيام الدهر، ومن جمع الوجهين كان له صيام الدهر مرتين، فالحمد لله على نعمته وفضله..

٣- أن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص، فإن الفرائض تجبر، أو تكمل بالنوافل يوم القيامة كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال.

٤- أن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب كما سبق ذكره وأن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر وهو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكرا لهذه النعمة فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتورم قدماه فيقال له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: "أفلا أكون عبدا شكورا". وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بشكر نعمة صيام رمضان بإظهار ذكره وغير ذلك من أنواع شكره فقال: { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: ١٨٥].
فمن جملة شكر العبد لربه على توقيفه لصيام رمضان وإعانته عليه ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكرا عقب ذلك كان بعض السلف إذا وفق لقيام ليلة من الليالي أصبح في نهاره صائما ويجعل صيامه شكرا للتوفيق للقيام، فكل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا يحتاج إلى شكر عليها ثم للتوفيق للشكر عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثان ثم التوفيق للشكر الثاني نعمة أخرى يحتاج إلى شكر أخر وهكذا أبدا فلا يقدر العبد غلى القيام بشكر النعم وحقيقة الشكر الاعتراف بالعجز عن الشكر كما قيل:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة *** علي له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله *** وإن طالت الأيام واتصل العمر
فأما مقابلة نعمة التوفيق كصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعده فهو من فعل من بدل نعمة الله كفرا فإن كان قد عزم في صيامه على معاودة المعاصي بعد انقضاء الصيام فصيامه عليه مردود وباب الرحمة في وجهه مسدود قال كعب: من صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر من رمضان لم يعص الله دخل الجنة بغير مسألة ولا حساب ومن صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر عصى ربه فصيامه عليه مردود.

٥- أن الأعمال التي كان العبد يتقرب بها إلى ربه في شهر رمضان لا تنقطع بانقضاء رمضان بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حيا، فعمل المؤمن لا ينقضي حتى يأتيه أجله قال الحسن: إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلا دون الموت ثم قرأ: { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [الحجر: ٩٩ ].

٦- تنشيط للنفس وكسر حاجز الضعف والكسل عن العبادة، فإنَّ كثيرا من الناس يفرح بانقضاء شهر رمضان لاستثقال الصيام وملله وطوله عليه ومن كان كذلك فلا يكاد يعود إلى الصيام سريعا فالعائد إلى الصيام بعد فطره يوم الفطر يدل عوده على رغبته في الصيام وأنه لم يمله ولم يستثقله ولا تكره به.

٧- أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان فإن الله إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها. فمن عمل طاعة من الطاعات وفرغ منها فعلامة قبولها أن يصلها بطاعة أخرى وعلامة ردها أن يعقب تلك الطاعة بمعصية ما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحوها وأحسن منها بعد الحسنة تتلوها وما أقبح السيئة بعد الحسنة تمحقها وتعفوها ذنب واحد بعد التوبة أقبح من سبعين ذنبا قبلها النكسة أصعب من الضعفة وربما أهلكت سلوا الله الثبات على الطاعات إلى الممات وتعوذوا به من تقلب لقلوب ومن الحور بعد الكور وما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة وأوحش منه فقر الطمع بعد غنى القناعة ارحموا عزيز قوم بالمعاصي ذل وغني قوم بالذنوب افتقر.
اللهم أصلحنا وأصلح أحوالنا وأصلح أعمالنا ونياتنا وأصلح لنا بالنا، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسرفنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت به أعلم منا...
...
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان وأهل السنة والجماعة إلى يوم الدين.
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
د.عماد.الدايني.البعقوبي

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:56 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.