للنساء فقط

[أم زيد]

بسم الله الرحمن الرحيم

عن عوف عن زرارة بن أبي أوفى: عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
" لما كان ليلة أُسرِي بي، وأصبحتُ بمكة؛ فظِعتُ بأمري، وعرفتُ أن الناسَ مكذِّبيَّ ".
فقعد معتزلاً حزينًا. فمر به عدو الله أبو جهلٍ، فجاء حتى جلس إليه، فقال له كالمستهزئ: هل كان من شيء؟!
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " نَعَم ".
قال: ما هو؟
قال: " إنَّهُ أُسْريَ بيَ الليلةَ ".
قال: إلى أين؟
قال: " إلى بَيْتِ المَقْدِس ".
قال: ثم أصبحتَ بين ظهرانينا؟!
قال: " نَعَم ".
قال: فلم يُرِ أنه يُكذِّبه؛ مخافة أن يجحده الحديث إذا دعا قومَه إليه.
قال: أرأيتَ إن دعوتُ قومَك؛ تحدثهم ما حدثتني؟!
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " نَعَم ".
فقال: هيا معشر بني كعب بن لؤي!
حتى قال: فانتفضت إلى المجالس، وجاؤوا حتى جلسوا إليهما.
قال: حدِّث قومك بما حدثتني.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إنَّهُ أُسْريَ بيَ الليلةَ ".
قالوا: إلى أين؟
قال: " إلى بَيْتِ المَقْدِس ".
قالوا: ثم أصبحتَ بين ظهرانينا؟!
قال: " نَعَم ".
قال: فمِن بين مصفق، ومِن بين واضع يدَه على رأسه متعجبًا للكذب -زعم!-.
قالوا: وهل تستطيع أن تنعت لنا المسجد؟
وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " فذهبتُ أنْعتُ. فمَا زِلتُ أَنعتُ حتى الْتَبسَ عليَّ بَعضُ النَّعت ".
قال: " فجيءَ بالمَسجدِ وأنا أنظُر، حتى وُضِع دُونَ دَار عقَال -أو: عَقيل-؛ فنَعتُّه وأنا أنظُر إليه ".
قال: " وكانَ مَع هذا نَعتٌ لَم أحْفَظْه ".
قال: فقال القوم: أما النعت؛ فوالله؛ لقد أصاب!

أخرجه أحمد (1/309)، والطبراني (12782)، وسنده صحيح، وعزاه السيوطي في "الخصائص" (1/400) لابن أبي شيبة -أيضًا-، والنسائي، والبزار، وأبي نعيم بسند صحيح، وحسنه الحافظ في "الفتح" (7/199).

نقلاً من: "الإسراء والمعراج.." للشيخ الألباني -رحمه الله-، ص80-82.

[أم زيد]

تنبيه لمن يقرأ في السيرة النبوية وأحداثها -عامة-، والإسراء والمعراج -خاصة-:

(( وأحب أن أنبِّه الإخوان -جميعًا- العامة والخاصة- بأن البعض يتناول تلك الأحداث؛ إما على أنها حدث تاريخي فيه من الغرائب، وفيه من المواقف، وفيه من الأمور التي تستوقف الدارس أو السامع؛ لمجرد غرابة الخَبر، أو لمجرد أثره في التاريخ.


ومنهم مَن يتناول ذلك قد يكون على سبيل التبرك، ولو لم يفقه من الموضوع [شيئًا].
وكلا هذين الجانبين لا يؤدي الغرض الذي مِن أجله كان ذلك الحَدَث، أو كانت تلك المُعجِزة.


والواجب على كل مسلم أن يُعنى بمثل هذه الأحداث، أو تلك المعجِزات على أنَّها جزء من الرسالة المحمدية الكريمة، وأنها تطبيق عملي، أو لها دور كبير فيما يتعلق بحياة الناس.


وينبغي دارسة السيرة النبوية دراسة فقه، واستنتاج، واستخلاص المواعظ والعبر والمناهج العملية؛ لأن السيرة النبوية العطرة ما هي إلا تجسيم للدِّين الإسلامي -جميعًا-، وإنها هي السُّنة النَّبوية العملية؛ يطبق النبي -صلى الله عليه وسلم- أحكام القرآن، ويُبيِّن أحكام الإسلام في تلك المواقف.


ولو أننا درسنا السِّيرة -فعلاً- دراسةً منهجيَّة، واستخلصنا من كل موقف من مواقف حياته -صلوات الله وسلامه عليه-؛ لوجدنا مناهج عِلمية عَمَلية تطبيقية.


وكنت أرى أن من جمع كتاب " الشمائل المحمدية " -سواء كان للترمذي أو لابن كثير أو غيره- مع السيرة النبوية؛ يكون قد جمع خيرًا كثيرًا.


الشمائل ما يتعلق بشخصية المصطفى -صلوات الله وسلامه عليه- في ذاته، وفي شخصه، وما يتعلق به.


والسِّيرة: في علاقته بالدِّين، وعلاقته بالأمة، والمواقف التي مر بها مع سواء أعدائه، أو مع أتباعه-.


ومن هنا:
أوصي نفسي وإيَّاكم وكل مسلم: أن تكون عنايته بالسيرة النبوية؛ لا على أنها قصص تاريخي، ولا على أنها مواقف تهز المشاعر وتكون وقتيَّة؛ ولكن على أن تكون تُدرَس دراسة تفصيلية بتعمق، مع استنتاج واستخلاص العِبر والمواعظ من كل حدث في السيرة النبوية العطرة.


والإسراء والمعراج -سبق أن نبهتُ عليه-: بأنها رحلة دعوة -دعوة إلى الله-، رحلة تكريم وتعويض لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد تناولها القرآن في جانِبَين: الإسراء في جانب، والمعراج في جانب آخر.


والذي يريدُ أن يُدرك حقيقة الإسراء وعنده دقة إمعان في ربط سُوَر القرآن في المصحف بعضها ببعض؛ يَجد تسلسل أحداث السيرة النبوية التاريخية بالنسبة للإسراء والمعراج أمر عجيب!!)).




[فرغته من سلسلة دروس في موضوع (الإسراء والمعراج)، للشيخ عطية سالم -رحمه الله-، بداية الشريط الأول. والسلسلة موجودة ضمن المكتبة الصوتية العامرة في موقع " بوابة الحرَمين "].