أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
7559 103191

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر القرآن والسنة - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-27-2014, 01:09 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي من مقالات فضيلة الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في مجلتي: [التمدن الإسلامي والمسلمون].

من مقالات فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله -تعالى-
في مجلتي: [التمدن الإسلامي والمسلمون]؛ مما كتبه بقلمه بدون تعليقات.

[ 1 ]

حادثة الراهب المسمى " بحيرا " حقيقة لا خرافة "

قال رحمه الله - تعالى – وجعل الفردوس الأعلى مأواه :
[قرأت في الأجزاء (77 - 40) شوال سنة 1378 - من هذه المجلة الكريمة بحثاً من كتاب " المنتقى في تاريخ القرآن " للأستاذ عبد الرؤوف المصري تحت عنوان :

[خرافة الراهب بحيرا]

جاء فيه : " لم يثبت بالسند الصحيح عن الصحابة ولا عن التابعين حادثة بحيرا الراهب (نسطورس)، ولم يثبت بالصحيحين ( كذا ) بأن بحيرا قابل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى في صغره مع عمه أبي طالب في سفره إلى الشام، ولم يشر - صلى الله عليه وسلم- إلى تلك الحادثة لا تصريحاً ولا تلميحاً في جميع أحاديثه وأدوار حياته ، بل كانت حادثة بحيرا غفلة من بعض كتاب السيرة دسها داس لتعظيم شأن النبي في صغره ونقلها أصحاب السير من غير تمحيص " ثم قال : " . . . واعتمدوا على أمشاج من الروايات لا سند لها . . . " .

هذا لب ما جاء في البحث المذكور ويتلخص منه أن الحادثة لم تثبت في الصحيحين ولا في غيرهما عن أحد من الصحابة والتابعين بالسند الصحيح ، وأن كل ما هنالك إنما هو أمشاج من الروايات التي لا سند لها.

سند الحادثة : كيف لا تصح هذه الحادثة وقد رواها من الصحابة أبو موسى الأشعري، ومن التابعين الأجلاء أبو مجلز لاحق بن حميد رحمه الله تعالى ، ورد ذلك عنهما بإسنادين صحيحين، وهاك البيان :

أما رواية أبي موسى الأشعري فأخرجها الترمذي في سننه (4/ 496) وأبو نعيم في " دلاثل النبوة " (1/ 53) والحاكم في " المستدرك " (12 / 615 - 616) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (6/ 187 - 188/ 1) بأسانيد متعددة عن قراد أبي نوح : أنبأ يونس بن أبي إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال : خرج أبو طالب إلى الشام ، وخرج معه النبي -صلى الله عليه وسلم- في أشياخ من قريش ، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فعلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب ، وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت ، قال : فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال : هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال له أشياخ من قريش : ما علمك ؟ فقال : إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجرٌ ولا حجرٌ إلا خرّ ساجداً ولا يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، ثم رجع فصنع لهم طعاماً فلما أتاهم به، وكان هو في رعية الإبل، قال : أرسلوا إليه ، فأقبل وعليه غمامة تظله، فلما دنا من القوم وجد القوم قد سبقوه إلى فيء الشجرة، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه، فقال : انظروا إلى فيء الشجرة مالَ عليه). الحديث بطوله.

وحسنه الترمذي وإسناده جيد وقد صححه الحاكم والجزري وقواه العسقلاني والسيوطي وقد بينت صحته على طريقة أهل الحديث قريباً في " مجلة المسلمون " العدد الثامن من سنة 1379 (ص 393 – 397) فليرجع إليه من أراد زيادة في التثبت.

وأما رواية أبي مجلز فأخرجها ابن سعد في " الطبقات الكبرى " قال (1 / 120) : أخبرنا خالد بن خداش : أخبرنا معتمر بن سليمان قال : سمعت أبي يحدث عن أبي مجلز أن عبد المطلب أو أبا طالب - شك خالد - قال : لما مات عبد الله عطف على محمد - صلى الله عليه وسلم -، قال : فكان لا يسافر سفراً إلا كان معه فيه، وإنه توجه نحو الشام، فنزل منزله، فأتاه فيه راهب، فقال : إن فيكم رجلاً صالحاً، فقال : إن فينا من يقري الضيف ويفك الأسير ويفعل المعروف، أو نحواً من هذا، ثم قال : إنّ فيكم رجلاً صالحاً، ثم قال : أين أبو هذا الغلام ؟ قال : ها أنا ذا وليه، أو قيل. هذا وليه، قال. احتفظ بهذا الغلام ولا تذهب به إلى الشام، إن اليهود حُسَّد، وإني أخشاهم عليه، قال : ما أنت تقول ذاك ولكن الله يقول، فرده، قال. اللهم إني أستودعك محمداً، ثم إنه مات).

وهذا إسناد مرسل صحيح، فإن أبا مجلز واسمه لاحق بن حميد تابعي، ثقة، جليل، احتج به الشيخان في صحيحيهما، وبقية أصحاب الكتب الستة، وأخذ الحديث عن جماعة من الصحابة منهم : عمران بن حصين، وأم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنس، وجندب بن عبد الله، وغيرهم، ومن بينه وبين ابن سعد كلهم عدول ثقات، احتج بهم مسلم في صحيحه .

وإذا تبين هذا يسقط بداهة قول الأستاذ في خاتمة البحث : " إن خرافة بحيرا ابتدعت في القرن الثاني والثالث الهجري، ولم يروها الثقات ".
فقد رواها الثقات من قبل القرن الذي زعم أن الحادثة ابتدعت فيه !.....]

يتبع إن شاء الله - تعالى -.

محمد ناصر الدين الألباني
دمشق
22 / 3 /1379 هـ.

المصدر : مجلة التمدن الإسلامي (25 / 167 – 175).


__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-27-2014, 01:11 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي حادثة الراهب المسمى " بحيرا " حقيقة لا خرافة " تتمــــّـــــــة.


[ 1 ]

حادثة الراهب المسمى " بحيرا " حقيقة لا خرافة ".

شبهاث حول الحادثة وجوابها :
بعد أن أثبتنا معه الحادثة بالحجة العلمية ، لا بد لنا من الإجابة عن الشبهات التي حملت الأستاذ المصري على الطعن في الحادثة واعتبارها من الخرافات التي راجت على أسلافنا جميعاً من كتاب السيرة ! حتى يأخذ البحث مداه العلمي فأقول :

الشبهة الأولى : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشر إلى تلك الحادثة لا تصريحاً ولا تلويحاً.

والجواب : إنها شبهة يغني حكايتها عن ردها ، إذ كل من عنده ذرة من علم بسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسيرة غيره من العظماء يعلم أن أكثر هذه السيرة وردت عن أصحابهم متحدثين بما يعلمونه عنهم ، لا بما سمعوه منهم ، ومن هذا القسم الشمائل النبوية ، فهل طعن أحد في شيء من ذلك بعد ثبوت الرواية بها ، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لم يشر إلى ذلك أصلاً ؟!

الشبهة الثانية : قول الأستاذ : " إن بحيرا الراهب كان في القرن الرابع للمسيح ، وادعاء مقابلة بحيرا لمحمد - صلى الله عليه وسلم - كان في أواخر القرن السادس مع أن بحيرا وجد في القرن الرابع وحادثته التاريخية مشهورة يقصها تاريخ الكنيسة نفسه ... ".

وجوابنا عن هذه الشبهة من وجوه :

الأول : إن الراهب في تلك الحادثة لم يسم مطلقاً في الرواية الصحيحة التي قدمتها وبذلك تسقط الشبهة من أساسها.

الثاني : إن تسمية الراهب بـ ( بحيرا ) إنما جاء في بعض الروايات الواهية ، في إحداها الواقدي وهو كذاب ، وفي الأخرى محمد بن إسحاق صاحب السيرة رواها بدون إسناد ، وهاتان الروايتان هما عمدة كل المؤرخين الذي سموه بهذا الاسم ، فلا يجوز اعتبارهما ورد الرواية الصحيحة بهما كما هو ظاهر ، على أن بعض مؤرخينا كالمسعودي وغيره ذكر أن اسمه جرجيس، فلا إشكال أصلاً .

الثالث : إن هذه الشبهة إنما تقوم على ادعاء الأستاذ أن الراهب بحيرا كان في القرن الرابع من الميلاد ، وهي دعوى عارية عن الصحة إذ ليس لديه حجة علمية يستطع بها إثباتها ، وكل ما عنده من الحجة تاريخ الكنيسة ! فيا لله العجب كيف يثق الأستاذ بهذا التاريخ هذه الثقة البالغة إلى درجة أنه يعارض به تاريخ المسلمين ، وهو يعلم أن تاريخهم - مهما كان، في بعض حوادثه نظر من الوجهة الحديثية خاصة - أصح وأنقى بكثير من تاريخ الكنيسة الذي تعجز الكنيسة نفسها عن إثبات صحة كتابها المقدس الذي هو أصل دينها ، فكيف تستطيع أن تثبت تاريخها الذي هو بحق " أمشاج من الروايات التي لا سند لها " كما قاله الأستاذ نفسه لكن في تاريخ المسلمين لا تاريخ الكنيسة !!

الرابع : إنني رجعت إلى دائرة المعارف الإسلامية تأليف جماعة من المستشرقين ، وإلى دائرة المعارف للبستاني ، وإلى " المنجد " فلم أجدهم ذكروا ما عزاه الأستاذ المصري إلى تاريخ الكنيسة ، بل ظاهر كلامهم أنهم لا يعرفون عنه شيئاً مما يتعلق بتاريخ حياته في أرض العرب ، إلا مما جاء في مصادرنا الإسلامية ، وخاصة ما يتعلق منه بقصة اتصاله بالنبي -صلى الله عليه وسلم- حسبما تقدم تخريجه ، وإن كانوا يعتبرونها " من الأساطير التي أحاطت بسيرة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- " حسبما تقدم تخريجه ، كفراً منهم واستكباراً أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مبشراً به في الكتب السماوية السابقة ، ومعروفاً عند المؤمنين بها ، ولذلك علق الأستاذ الفاضل المحقق أحمد محمد شاكر على هذه الكلمة الواردة في " دائرة المعارف الإسلامية " بقوله :
" ليست هذه القصص بالأساطير ، بل كثير منها ثابت بأسانيد صحيحة ، وعلم أهل الكتاب بالبشارة بمحمد -صلى الله عليه وسلم- في كتبهم ثابت عند المسلمين بنص القرآن الصريح ، وليسوا في حاجة إلى افتعال أساطير يؤيدون بها ما أثبته الوحي المنزل من عند الله ، وهو ثابت أيضاً عند المسلمين فيما قرءوه من كتب أهل الكتاب مما بقي في أيديهم من الصحيح من أقوال أنبيائهم المنقولة في كتبهم " .

الخامس : لنفترض أن ما عزاه الأستاذ إلى تاريخ الكنيسة صحيح ثابت ، وهو أن بحيرا الراهب كان في القرن الرابع من الميلاد ، فذلك لا ينفي أن يأتي شخص آخر على شاكلته في الترهب سمي باسمه منذ ولادته على عادة النصارى وغيرهم من التسمي بأسماء الصالحين عندهم ، أو لقب به بعد ، لظهور شبه فيه به، هذا كله جائز ليس في العقل السليم ما ينفيه ، وإذا الأمر كذلك ، فبإمكان الأستاذ أن يعتقد وجود شخصين في زمنين متباينين باسم واحد ( بحيرا ) وبذلك يستطيع أن يوفق بين ثقته بالتاريخ الكنسي ، وثقته بالتاريخ الإسلامي ولا يقع في هذه المغالطة التي كتبها بقلمه : " فكيف التقى الزمان القرن الرابع والقرن السادس والتقى المكانان . . ." !!.

تلك وجوه خمسة في الجواب عن الشبهة الثانية أقواها عندنا الوجه الأول، وسائرها إنما هي بالنظر لترجيح التاريخ الإسلامي على التاريخ الكنسي، ولا حاجة بنا إليها بعد الوجه الأول، وإنما ذكرتها لبيان ما يرد على الأستاذ مما قد يكون غافلاً عنه.


يتبع إن شاء الله - تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-27-2014, 01:13 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي حادثة الراهب المسمى " بحيرا " حقيقة لا خرافة " تتمــــّـــــــة.


[ 1 ]

حادثة الراهب المسمى " بحيرا " حقيقة لا خرافة "

الشبهة الثالثة : قول الأستاذ ما خلاصته : " إن الغرض من ذكر خرافة بحيرا الراهب، إنما هو كرد على المبشرين والمستشرقين الذين يدعون بأن هذا الدين الإسلامي من بحيرا الراهب ، وكان يتردد على مكة يعلم محمداً تعاليمه ".

وأقول : لا شك أن الأستاذ المصري يشكر على قصده المذكور، ولكن خفي عليه أن الرد على المبشرين لا يكون برد الحقائق التاريخية، وانكار ثبوتها، بحجة أن الكفار يستغلونها للطعن في الإسلام أو في نبيه - عليه الصلاة والسلام -، بل المنهج العلمي الصحيح يوحي بالاعتراف بالحادثة الثابتة، ثم الجواب عن استغلال المبشرين لها جواباً علمياً صحيحاً، ومن المؤسف جداً أن هذه الطريقة التي جرى عليها حضرة الأستاذ في الرد على المبشرين والمستشرقين، قد أخذ بها كثير من الكتاب المسلمين في العصر الحاضر، لا سيما الذين لا علم عندهم بأدلة الكتاب والسنة، فهؤلاء كلما رأوا مبشراً يورد شبهة على نص إسلامي، أو يستغله للطعن في الدين، بادروا إلى التشكيك في صحته إن كان حديثاً أو سيرة، وإلى تأويل معناه، إن كان لا سبيل إلى إنكاره من أصله كالقرآن، وهذا الأسلوب مع ما فيه من عدم الاعتداد بنصوص الشريعة المعصومة ومعانيها، فإنه في الوقت نفسه يدل على أن هؤلاء الكتّاب قد وثقوا بعلم أولئك الكفار وفهمهم واخلاصهم ثقة عمياء ! مع أن الذي يدقق فيما كتبوه ويكتبونه من البحوث حول الشريعة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، يتجل له بوضوح لا وضوح بعده - إلا قليلاً منهم - لا إنصاف عندهم ولا علم، وأنهم كل غرضهم من ذلك تشويه حقاثق الإسلام الناصعة وإبعاد المسلمين عنه، وليس يتسع هذا المقال لضرب الأمثلة على ما نقول، ولكن حسبنا منها هذه الحادثة التي أثبتنا صحتها، فقد علمت مما سبق كيف أن جماعة من أولئك المستشرقين اعتبروها من الخرافات والأساطير، وكيف أن الأستاذ المصري انزلق معهم في ذلك، مع ما فيها من الآيات البينات على التبشير بنبوته - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك أنكرها أولئك الكفار، وأما أخونا المصري فإنما أنكرها متأثراً بوحي خفي من بعض المستشرقين الآخرين الذين زعموا أن الحادثة تدل أن الدين الإسلامي مستقىً من بحيرا الراهب، وأنه كان يتردد إلى مكة يعلِّم محمداً - صلى الله عليه وسلم - تعاليمه ! كما نقله الأستاذ المصري عنهم، وهم بهذا الزعم يرمون إلى أحد شيئين : إما إثباته في قلوب ضعفاء العلم والإيمان منا، وإما حمل مَن كان قوي الإيمان منا على رد الحادثة في سبيل رد هذا الزعم الباطل، وهذا مع الأسف قد حصلوا عليه من بعضهم.

ومن الغرائب حقاً أن هذا الزعم الذي هو موضوع الرد مع أنه باطل في نفسه ولا صلة له بالحادثة مطلقاً، لأن التقاء النبي -صلى الله عليه وسلم - مرة واحدة وفي ساعة أو ساعات محدودة مع الراهب في الشام شيء، وتردد الراهب إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - في مكة شيء آخر، وهذا التردد لو ورد شيء، والالتقاء شئ آخر ، ومع أن هذا الزعم لم يخف بطلانه على الأستاذ المصري كما صرح به في بحثه مع ذلك كله فإنه رد الحادثة وحكم ببطلانها ! وهذا تناقض عجيب ، فإنه إذا كان الأستاذ جازماً ببطلان الزعم المذكور ، فلماذا رد الحادثة بعلة الرد على المبشرين الأفاكين، مع أن الرد حصل عليهم كما رأيت بدون رد الحادثة ، بل ألا يكفي في الرد عليهم قول الله - عز وجل - في الرد على سلفهم من أمثالهم من المشركين الأفاكين الذين ادعوا مثل هذا الزعم في حياته ؟! فقال تعالى : {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين * إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم * إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون}.


يتبع إن شاء الله - تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 03-27-2014, 01:15 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي


[ 1 ]

حادثة الراهب المسمى " بحيرا " حقيقة لا خرافة ".

ما وراء إنكار الحادثة : إن أخشى ما أخشاه أن يكون الأستاذ المصري من أولئك الذين لا يصدقون بمعجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- -غير القرآن طبعاً- هذه المعجزات التي تجاوزت المئات، وثبت قسم كبير منها بالطرق المتواترات التي لا يسع العالم بها أن ينكرها ، والذي يحملني على إبداء هذه الخشية أن الأستاذ نقل فصلاً من كلام الدكتور هيكل جاء فيه : " ولقد كان -صلى الله عليه وسلم- لا يرضى أن تنسب إليه معجزة غير القرآن ويصارح أصحابه بذلك " وأقره الأستاذ عليه، وأتى عليه بمثال فقال عقبه " مثل شق الصدر وغيره ".

ونحن نعلم أن حادثة شق الصدر صحيحة ثابتة في صحيح مسلم وغيره، فإذا كان الأستاذ ينكر ذلك تقليداً منه للدكتور هيكل في القول المذكور، فمعنى ذلك أن الأستاذ ينكر المعجزات كلها مهما كانت أسانيدها صحيحة وكثيرة، وحينئذ فإنكاره لحادثة التقائه -صلى الله عليه وسلم- بالراهب ليس الباعث عليه الرد على المبشرين لأن الرد حصل بدون ذلك كما عرفت، وإنما هو ما قام في نفس الأستاذ من إنكار المعجزات، وبما أن هذه الحادثة تتضمن أكثر من معجزة واحدة كتظليل الغمامة له -صلى الله عليه وسلم- وميل فيء الشمس عليه فلذلك أنكرها الأستاذ.

وإذا كان استنتاجنا هذا صحيحاً، فالكلام حينئذ يأخذ مع الأستاذ مجالاً آخر وهو طريقة إثبات المعجزات كحوادث وقعت أو لم تقع وما هو السبيل إلى معرفة ذلك، فهذا لا مجال للبحث فيه الآن، ولعل الأستاذ لا يحوجنا إلى الولوج فيه، وذلك بتصريحه بتخطئتنا في استنتاجنا المذكور.

ولكن لا بد لي من الإشارة إلى بطلان ما عزاه الدكتور هيكل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان لا يرضى أن تنسب إليه معجزة غير القرآن، فإن هذا مما لا أصل له عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل هو من المعاني المخترعة التي أحدثها الدكتور وأمثاله من منكري المعجزات وألصقوها ببعض الآيات القرآنية زاعمين أنها المراد بها ، ليضربوا بها المعجزات الثابتة بحجة أنها مخالفة لنص القرآن !!

ومجال القول في ذلك واسع جداً فأكتفي بالإشارة إليه وأجتزيء بدليل واحد يؤيد البطلان المذكور .

وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحدث أحياناً أصحابه ببعض معجزاته عملاًً بقول الله تبارك وتعالى : ( وأما بنعمة ربك فحدث ) فكان - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إني لأعرف حجراً كان يسلم علي قبل أن أبعث ، إني لأعرفه الآن " رواه مسلم وغيره .فإذا كان - صلى الله عليه وسلم - يحدث أصحابه بمعجزاته ثم يرويها منسوبة إليه أصحابه من بعده ، فكيف يصح أن يقال : إنه كان لا يرضى أن تنسب إليه معجزة ؟!.

وإني قبل أن أنهي هذا البحث لابد من أن ألفت نظر القاريء إلى أمر هام ، وهو أنني حين قرأت بحث الأستاذ وما نقله عن ابن خلدون ومحمد عبده والسيد رشيد رضا والدكتور هيكل من وجوب التدقيق في روايات الحديث والسيرة إذ ليس كل ما فيها صحيحاً ، تساءلت في نفسي : ترى هل دقق هؤلاء في هذه الحادثة فتبين لهم أنها خرافة كما ادعى الأستاذ المصري ؟ فرجعت إلى اثنين منهم من المعاصرين وهما الدكتور هيكل في كتابه " حياة محمد " والسيد رشيد رضا في رسالته " خلاصة السيرة النبوية " فإذا بالأول يذكر هذه الحادثة (112 - 113) كما يذكرها كل المؤرخين، وكذلك فعل الثاني (ص 14-15) دون أن يذكر أو يشير أدنى إشارة إلى ضعفها فضلاً عن وضعها ! والحقيقة أن أحداً لم يصرح -فيما علمت- بأن حادثة بحيرا الراهب خرافة قبل الأستاذ المصري ، والحمد لله لست من " أهل الطرق ولا المتطفلين من بعض من يلبسون العمائم " وقد استندنا فيما أوردنا إلى طرق العلم الصحيح ، ولكن الأستاذ اتبع فيما أنكر ظنوناً وأوهاماً أدت به -ولو مع حسن النية- إلى إنكار حقيقة تاريخية لا شك فيها هي حادثة بحيرا الراهب، فعسى أن الأستاذ المصري يعيد النظر فيما كان كتب فيها على ضوء الحجج التي أوردنا حتى نلتقي في صعيد واحد في ميدان العلم والحق.


محمد ناصر الدين الألباني
دمشق

22 / 3 /1379 هـ.

المصدر : مجلة التمدن الإسلامي. (25 / 167 – 175).


__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 03-27-2014, 01:34 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي [2] حديث تظليل الغمام له أصل أصيل



[ 2 ]

حديث تظليل الغمام له أصل أصيل

قرأت في العدد السادس من المجلد السادس من مجلة " المسلمون " الغراء كلمة الأستاذ الطنطاوي بعنوان " صناعة المشيخة " فسرني ما فيها من الصراحة والشجاعة في محاربة الباطل الذي انطلى أمره على كثير من الناس فبارك الله فيه وزاده توفيقاً.

بيد أنني استنكرت قوله في التعليق : " وما يقوله القوالون من أنه (المظلل بالغمام) لا أصل له ".

ذلك لأن حديث تظليل الغمام للنبي عليه الصلاة والسلام ثابت في غير ما كتاب من كتب السنة، فكيف يصح أن يقال فيه : " لا أصل له " ؟ نعم لو قال " لا يصح سنده " لكان أقرب إلى الصواب، وأبعد عن الغلو في الخطاب، وإنما قلت " أقرب " لأن الصواب أن الحديث صحيح، وإن ضعفه بعضهم، لأنه لم يأت عليه بحجة مقنعة وإليك البيان :

أخرج الترمذي (4/ 296 بشرح التحفة) وأبو نعيم في (دلائل النبوة 1/ 53) والحاكم (2/ 615 - 616) وابن عساكر في (التاربخ 1/ 187 /1 – 188/1) عن قراد أبي نوح، أنبأ يونس بن أبي إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى، عن أبيه، قال : خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب . . . قلت : فذكر القصة وفيها " فأقبل -صلى الله عليه وسلم- وعليه غمامة تظله، قال : انظروا إليه غمامة تظله ! فلما دنا على القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة، فلما جلس مال فيء الشجية عليه، قال انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه " الحديث بطوله، وفي آخر " وبعث معه أبو بكر بلالاً ".

قلت : فهذا الإسناد رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح :
أما أبو بكر بن أبي موسى فثقة بلا خلاف واحتج به الشيخان.
وأما يونس بن أبي إسحاق فاحتج به مسلم، وفيه كلام لا يسقط حديثه عن رتبة الاحجاج به، وقد قال الذهبي فيه " صدوق ما فيه بأس ".
وأما قراد، واسمه عبد الرحمن» فثقة أيضاً احتج به البخاري.

قلت : فتبين أن الإسناد صحيح من الوجهة الحديثية، وقد تناقضت فيه آراء العلماء ما بين مفرط ومفرط، فهذا الحاكم يقول فيه : " صحيح على شرط الشيخين " ! وقال الجزري " إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح أو أحدهما ".

وفي الجانب الآخر قول الذهبي في تعقيبه على الحاكم : " قلت : أظنه موضوعاً ، فبعضه باطل ".

فهذا الغلو من القول لا يتفق في ميدان العلم والبحث الحر، فأين الدليل على وضعه بطوله، ومن المعلوم أن الوضع إنما يحكم به إما من جهة السند، وهذا منفي هنا لما علمت من ثقة رجاله، وإما من جهة متنه، وهذا مفقود أيضاً إذ غاية ما يمكن أن ينكر منه ما ذكوه الذهبي في ترجمة قراد أبي نوح من " الميزان " فقال :
" أنكر ما له حديثه عن يونس بن أبي إسحاق . . . ومما يدل على أنه باطل قوله : " وبعث معه أبو بكر بلالاً .. وبلال لم يكن بعد خلق، وأبو بكر كان صبياً ".

وقال في تاريخ الإسلام (1/ 39):

" تفرد به قراد، واسمه عبد الرحمن بن غزوان ، ثقة احتج به البخاري والنيسابوري (1)، ورواه الناس عن قراد وحسنه الترمذي، وهو حديث منكر جداً، وأين كان أبو بكر ؟! كان ابن عشر سنين فإنه أصغر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسنتين ونصف، وأين كان بلال في هذا الوقت، فإن أبا بكر لم يشتره إلا بعد المبعث ولم يكن ولد بعد ".

وذكر نحو هذا وأبسط منه ابن القيم في فصل له في هذا الحديث مخطوط في المكتبة الظاهرية بدمشق (عام – 5485 / 100 - 103).

قلت : وهذا النقد للمتن لو سلم به لم يقتض الحكم على الحديث كله بالوضع، ذلك لأن رواته ثقات كما عرفت، وحينثذ إنما يجوز أن يرد من حديث الثقة ما ثبت خطؤه ويبقى باقيه على الأصل وهو القبول، ويؤيده أن البزار لما روى هذا الحديث لما روى هذا الحديث لم يسم " بلالاً " وإنما قال : " رجلاً " وعلى هذا يطيح الإشكال الذي اعتمد عليه الذهبي في إنكاره للحديث، ويدل على أن تسمية الرجل بلالاً سهو من بعض الرواة، وهذا لابد من الاعتراف به، إذ الثقة قد يخطيء والجواد قد يكبو.

وتوسط آخرون فحسنوا الحديث كالترمذي، فإنه قال : " حديث حسن غريب ".

وهذا هو الحق عندي لما عرفت من سلامة إسناده من قادح ؟ وما أشرنا إليه من الكلام في بعض رواته لا ينافي القول بحسنه لا سيما إذ علمنا مجيئه من طرق أخرى، فقد قال السيوطي في " الخصائص الكبرى " (1/ 84) :

" قال البيهقي: هذه القصة مشهورة عند أهل المغازي.
قلت : ولها شواهد عدة سأوردها تقضي بصحتها، إلا أن الذهبي ضعف الحديث لقوله في آخره : " وبعث معه أبو بكر بلالاً " . . . وقد قال ابن حجر في " الإصابة " : الحديث رجاله ثقات، وليس فيه منكر سوى هذه اللفظة، فتحمل على أنها مدرجة فيه مقتطعة من حديث آخر وهماً من أحد رواته ".

ثم ساق السيوطي الشواهد التي أشار إليها فليراجعها من شاء فإن الكلام عليها مما يطيل البحث، ولا مجال لذلك الآن.

بقي علينا أن ندفع شبهة أخرى على هذه المعجزة وقد تعلق بها الذهبي أيضاً، فإنه قال عطفاً على قوله السابق في " التاريخ " :

وأيضاً فإذا كان عليه غمامة تظله كيف يتصور أن يميل فيء الشجرة لأن ظل الغمامة تقدم فيء الشجرة التي نزل تحته.

فأقول : إنما يصح هذا الاستشكال لو كان في الحديث التصريح بأن الفيء مال مع بقاء الغمامة عليه -صلى الله عليه وسلم-، وليس في الحديث شيء من هذا، فمن الجائز أنه -صلى الله عليه وسلم- لما جلس عند الشجرة انكشفت الغمامة عنه ووقعت الشمس عليه فمال فيء الشجرة عليه ليظله بدل الغمامة، وعليه فيكون قد ظهرت له -صلى الله عليه وسلم- في هذه القصة معجزتان الأولى تظليل الغمامة له، والأخرى ميل الفيء عليه، وهو - صلى الله عليه وسلم- أهل لذلك ولما هو أكثر منه بأبي هو وأمي -صلى الله عليه وسلم-، نقول هذا وإن كنا لسنا والحمد لله من الذين ينسبون إليه -صلى الله عليه وسلم- ما هب ودب مما لم يصح من المعجزات، فإن فيما صح منها ما يكفي ويشفي والحمد لله.

على أنه ينبغي أن لا ننسى أنه ليس في هذه القصة أن الغمامة كانت تظله دائماً أينما سار وأينما نزل ، فإن هذا باطل قطعاً، فهناك أحاديث كثيرة صحيحة تصرح بأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يستظل بالشجرة والخيام وغيرها، وإنما وقعت هذه المعجزة في خروجه -صلى الله عليه وسلم- إلى الشام.

وخلاصة القول : إن تظليل الغمامة له صلى الله عليه وآله وسلم له أصل في السنة، ولكن في ثبوته ما ألممت به من الخلاف، والراجح عندي الصحة لما سبق، فمن اقتنع بذلك فبها، وإلا فحسبه التوقف وترك الجزم بالضعف، وأما القول بأنه لا أصل له، فلا أصل له.

محمد ناصر الدين الألباني
دمشق
18 ذي القعدة 1378 هـ

المصدر : مجلة المسلمون (6 / 793 – 797).


_______

(1) يعني الإمام مسلماً صاحب الصحيح فإنه من نيسابور ، ولكن قرنه مع البخاري هنا وهم فإن مسلماً لم يخرج له كما أفاده الذهبي نفسه في الميزان.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 03-27-2014, 01:51 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي حول حديث ( العنان )

[ 3 ]

حول حديث ( العنان )

( السؤال ) :

ورد إلى المجلة سؤال من بعض القراء الأفاضل عن صحة الحديث الذي أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره ولفظه :
” عن العباس بن عبد المطلب قال : كنت بالبطحاء في عصابة فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمرت بهم سحابة فنظر إليها ، فقال : ” ما تسمون هذه ؟ ” قالوا : السحاب ، قال : ” والمزن ؟ ” قالوا : والمزن، قال : ” والعنان ؟ ” قالوا : والعنان – قال أبو داود : ولم أتقن العنان جيداً – قال : ” هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض ؟ ” قالوا : لا ندري. قال : ” بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة ثم السماء فوقها كذلك، حتى عد سبع سموات، ثم فوق السماء السابعة بحر ما بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم على ظهورهن العرش، بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم الله تبارك وتعالى فوق ذلك ”.

( الجواب ) :

إن الحديث ضعيف الإسناد لا تقوم به حجة ، وإليك البيان:

تخريجه:

أخرج الحديث الإمام أحمد في مسنده (رقم 0177 و7711) وأبو داود (2/276) وعنه البيهقي في ” الأسماء والصفات ” (ص 399) والترمذي (4/ 205 - 206) وابن ماجة (1/ 83) وابن خزيمة في ” التوحيد ” (ص68 - 69) والحاكم في ” المستدرك ” (2/ 378) والحافظ عثمان الدارمي في ” النقض على بشر المريسي ” (ص 90 -91) والبغوي في تفسيره (8/ 465 - 466) من طرق عن سماك بن حرب عن عبد الله بن عميرة عن العباس به.
وقال الترمذي: ” هذا حديث حسن غريب “
وقال الحاكم: ” صحيح الإسناد ” ووافقه الذهبي ! وليس كما قالوا.
وقد تناقض الذهبي - كما يأتي بيانه -:

علة الحديث :

وللحديث علتان :
الاضطراب في إسناده ، وجهالة أحد رواته وهو ابن عميرة، فقال الحافظ ابن حجر في ترجمته من ” تهذيب التهذيب ” : ” وعنه سماك بن حرب، وفيه عن سماك اختلاف، قال البخاري لا يُعلم له سماع من الأحنف، وذكره ابن حبان في ” الثقات ”، وحسن الترمذي حديثه (يعني هذا)، وقال أبو نعيم في ” معرفة الصحابة : ” أدرك الجاهلية، وكان قائد الأعشى لا تصح له صحبة ولا رؤية، وقال مسلم في ” الوحدان ” : تفرد سماك بالرواية عنه، وقال إبراهيم الحربي : لا أعرفه ”.

أما العلة الأولى فقد بينها بعض العلماء تعليقاً على التهذيب، فقال:” قال شريك مرة : عن سماك عن عبد الله بن عمارة، وهو وهم، وقال أبو نعيم : عن إسرائيل عن سماك عن عبد الله بن عميرة أو عمير. والأول أصح. وقال أبو أحمد الزبيري : عن إسرائيل عن سماك عن عبد الله بن عميرة عن زوج درة بنت أبي لهب ”.

وأما العلة الثانية فتتلخص بأن عبد الله بن عميرة مجهول لايعرف، وقد صرح بهذا الحافظ الذهبي فقال في ” كتاب العلو ” (ص 109 الطبعة الهندية) :
” تفرد به سماك بن حرب عن عبد الله ، وعبد الله فيه جهالة ”. وكذا قال في ” ميزان الاعتدال في نقد الرجال ”.

ثم نسي الذهبي هذا كله فوافق الحاكم على تصحيحه كما سبق ، فسبحان من لا ينسى !.
وأما تحسين الترمذي للحديث فمما لا يعتمد عليه لا سيما بعد ظهور علة الحديث، ذلك لأن الترمذي معدود في جملة المتساهلين في تصحيح الأحاديث كالحاكم وابن خزيمة وابن حبان ونحوهم.
ولهذا قال الذهبي في ” الميزان ” (ص 33) : ” لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي ”.

قلت : وكذلك لا يعتمد المحققون من العلماء على توثيق ابن حبان لتساهله في ذلك كما بينه الحافظ ابن حجر في مقدمة ” لسان الميزان ” وزدته بياناً في ردي على الشيخ عبد الله الحبشي (ص 18-21) وخلاصة ذلك أنه يوثق المجهولين حتى الذين يعترف هو بأنه لا يعرفهم فيقول مثلاً في ترجمة سهل : ” يروي عن شداد بن الهاد، روى عنه أبو يعقوب، ولست أعرفه، ولا أدري من أبوه ” !!.

وهذا موضوع هام يجب على كل مشتغل بعلم السنة وتراجم الرواة أن يكون على بينة منه، كي لا يخطيء بتصحيح الأحاديث الضعيفة اغتراراً بتوثيق ابن حبان، كما فعل أحد أفاضل العلماء في تعليقه على المسند، والشيخ الحبشي في ” التعقب الحثيث ” وغيرهما.

وأما طلب السائل شرح هذا الحديث، فلا داعي عندي للإجابة عنه بعد أن بينا ضعفه، بل أعتبر الاشتغال بشرحه مضيعة للوقت، إذ كل ما فيه من بيان المسافة بين كل سماء والتي فوقها، وكذا البحر فوقها والثمانية أوعال كل ذلك لم يرد فيه شيء صالح للاحتجاج به، نعم هناك أحاديث أخرى في تحديد المسافة المذكورة، وهي مع ضعف أسانيدها مختلفة متناقضة، ولا داعي للتوفيق بينها كما فعل ابن خزيمة في ” التوحيد ” والبيهقي في ” الأسماء ” إذ التوفيق فرع التصحيح، وهو مفقود.

وأما قوله في آخر الحديث : ” ثم الله - تبارك وتعالى - فوق ذلك ” فحق يجب الإيمان به لثبوته في آيات كثيرة وأحاديث متواترة شهيرة، وقد ساقها وتكلم على أسانيدها الحافظ الذهبي في ” كتاب العلو ” فليراجعها من شاء الوقوف عليها.

وبهذه المناسبة أرى لزاماً علي أن أقول : إن الإيمان بعلو الله - تبارك وتعالى - على خلقه متفق عليه بين أئمة المسلمين قاطبة وفيهم الأئمة الأربعة، ومن ينكر ذلك من المتأخرين بحجة أن في ذلك تشبيهاً لله تعالى أو إثبات مكان له غفلة منه عن الحقيقة المتفق عليها، وهي أن صفات الله تبارك كذاته من حيث جهلنا بحقيقة ذلك كلها، فإذا كان لا يلزم من إثبات الذات تشبيه، فكذلك لا يلزم من إثبات الصفات تشبيه ومن غاير بين الأمرين فقد كابر أو تناقض، وللحافظ الخطيب كلمة نافعة جداً في هذا الصدد أرى من الضروري نشرها، ولو طال بها الكلام إذا اتسع لذلك صدر المجلة الزاهرة.

قال الخطيب -رحمه الله تعالى-: ” أما الكلام في الصفات، فإن ما روي منها في السنن الصحاح مذهب السلف رضوان الله عليهم إثباتها وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله سبحانه، وحققها من المثبتين قوم فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين، ودين الله بين الغالي فيه والمقصر عنه.

والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ويحتذي في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلوماً أن إثبات رب العالمين - عز وجل - إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو لبيان إثبات وجود، لا إثبات تحديد وتكييف.

فإذا قلنا : لله تعالى يد وسمع وبصر، فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه، ولا نقول : إن معنى اليد القدرة، ولا إن معنى السمع والبصر العلم، ولا نقول : إنها جوارح، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات الفعل، ونقول : إنما وجب إثباتها، لأن التوقيف ورد بها ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تبارك وتعالى : {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} وقوله - عز وجل - : {ولم يكن له كفوًا أحد}.

ولما تعلق أهل البدع على عيب أهل النقل برواياتهم هذه الأحاديث، ولبسوا على من ضعف علمه بأنهم يروون ما لا يليق بالتوحيد ولا يصح في الدين، ورموهم بكفر أهل التشبيه وغفلة أهل التعطيل، أجيبوا بأن في كتاب الله تعالى آيات محكمات يفهم منها المراد بظاهرها، وآيات متشابهات لا يوقف على معناها إلا بردها إلى المحكم، ويجب تصديق الكل والإيمان بالجميع، فكذلك أخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - جارية هذا المجرى ومنزلة على هذا التنزيل برد المتشابه منها إلى المحكم ويقبل الجميع.

فتنقسم الأحاديث المروية في الصفات ثلاثة أقسام :

القسم الأول :
أخبار ثابتة أجمع أئمة النقل على صحتها لاستفاضة نقلها فيجب قبولها، والإيمان بها، مع حفظ القلب أن يسبق إليه ما يقتضي تشبيه الله بخلقه، ووصفه بما لا يليق من الجوارح والتغير والحركات.

والقسم الثاني : أخبار ساقطة بأسانيد واهية، وألفاظ شهد أهل العلم بالنقل على بطلانها، فهذه لا يجوز الاشتغال بها والاعتماد عليها.

والقسم الثالث : أخبار اختلف أهل العلم في أحوال نقلتها البعض دون الكل، فهذه يجب الاجتهاد والنظر فيها ليلحق بأصحها أو يجعل في حيز الفساد والبطول ”.

قلت : وهذا الحديث الذي نحن في صدد الكلام عليه من هذا القسم، وقد نظرنا فيه على ضوء قواعد الحديث فتبين أنه من الفساد والبطول.



محمد ناصر الدين
أبوعبد الرحمن

المصدر: مجلة المسلمون (6/ 688 – 693).


__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:41 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.