أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
70073 83234

العودة   {منتديات كل السلفيين} > ركن الإمام المحدث الألباني -رحمه الله- > أشرطة الإمام الألباني -رحمه الله-

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #13  
قديم 09-11-2014, 12:01 AM
معز النيجيري معز النيجيري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
الدولة: دمام-سعودية || لاغوس-نيجيريا
المشاركات: 129
افتراضي محاضرةٌ قديمةٌ في التَّوحيد والسُّنَّة للعلامة محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله تع

كلمة
العلامة الامام محدث العصر
محمد ناصر الدين الألباني
تغمّده الله برحمته
وأدخله فسيح جنّته

العلّامة محمد ناصر الدين الألباني :
الواقع أيُّها الإخوان أنَّ الأمرَ كما ذكر الأستاذالكريم أنَّنِي حضرتُ هنا لِكي أَسْتَمِعَ الكريمة ، أستفيدها من إخوتي في المذهب السَّلفيالنَّقي الطَّاهر . ولم أُزَاوِدْ في نفسي كلاماً أقدِّمُهُ إلى السُّوَّال ، فما وقديُحرِج فَلنَنْظُرَ ماذا يُلْهِمُنَا الله -عزَّ وجلَّ- به من الكلامِ .
وخير ما أُقدِّمُ به ما قد تَتَقَدَّم به من الكلامبين يَدَيْكُم . وهو أن أَفتَتِحَهُ بِخُطْبَةِ الحَاجَةِ التي كان رسول الله -صلىالله عليه وعلى آله وسلم- يُعَلِّمُها أَصْحَابَه . هذه الخطبةُ الجليلةُ التي -معالأسف الشَّديد- يَجْهَلُهَا أكثَرُ الناسِ ولا أعنِي بِهِم العَامَة فَحَسِبْ ! ،بَل الخَاصَةُ . كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُعَلِّمُها أَصْحَابَه لِيَتَقَدَّمَبِهَا بَيْنَ أيدي كلِّ خطبةٍ وكلامٍ دينيٍّ لِيَتَقَدَّمُونَ به بين إخوانهم .فأقولاِتِّبَاعاً لِسنةِ رسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- بين يدي هذه الكلمة :
إنَّ الحمدَ للهِ ، نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شُرور أَنْفُسِنَا ومن سَيِّئات أعمالِنا ، من يَهْدِهِ اللهُ فلامُضِلَّ له ، و من يضلل فلا هاديَ له ، وأشهدأن لا إله الا الله وحده لا شريكَ لهُ ، وأشهد أن محمَّداً عبده ورسوله .
﴿يَاأَيها الذين آمَنُوا اتقُوا اللهَحَق تُقَاته ولاتموتن إلا وأنتم مُسلمُون[آل عمران : 102]
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْالَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَارِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء : 1]
﴿يَا أيُّها الذين آمنوا اتقوا الله وقولواقَو لاً سَديداً يُصلح لَكُم أَعمالكم وَيَغفر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطع الله وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظيماً[الأحزاب : 70 ، 71]
ثمَّ أُتْبِعَ هذه الخطبةُ المباركةُ بالجُملةالطَّيِّبة التي كان رسول الله -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- كثيراً ما يُقَدِّمُهَابين يدي خُطَبِهِ ، خَاصَةً يومَ الجُمْعَةِ ،
فكان -عليه الصَّلاة والسَّلام- يقول بعد الحَمْدَلَةِ:
أمَّا بعد :
فإنَّ خيرَ الكلامِ كلامُ الله ، وخيرَ الهديِهديُ محمَّدٍ -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- ، وشرُّ الأمورِ محدثَاتُها ، وكلُّمحدثةٍ بدعةٌ ، و كلُّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلُّ ضلالةٍ في النار [1] .
هذه الكلمةُ أَعتقدُ أنَّ هي الفصلُ الحاكمُ بينإخوانِنَا في سائرِ العَلَمِ الإِسلامي ، أَنصارِ السَّنَّة أو السَّلفيِيْن أو المحمَّدِيِيْن، وبين الآخرِيْن مِمَّن يَنْتَمُوْنَ إلى الإسلامِ قَوْلاً أو فِعْلاً مَهْمَا فيذلك مِن الخطاءِ والبُعْدِ عَنْ التَّحقِيْقِ العَمَلِي لِلْقَولِ الصَّادِقِ ؛ لأنَّالرَّسولَ -عليه الصَّلاة والسَّلام- يَقولُ في هذه الكلمةِ : ((كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةً فِي النَّارِ)) .
ولقد كان رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم كأنَّهعلى علمٍ -طبعاً مِن اللهِ -عزَّ وجلَّ- ؛ لأنَّنَا كلُّنَا نَعْلَم أنَّ الرَّسولَ-عليه الصَّلاة والسَّلام- مِن حَيْثُ العِلْمِ بالغيبِ ، هو كسائرِ البشرِ ﴿... وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُالْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ...[الأعراف : 188] إلى آخر الآية الواردةِ في نَفسِ العِلْمِ أنَّ الرَّسولَ-عليه الصَّلاة والسَّلام- عَلِمَ الغَيْبَ .
ولكنَّنَا نَعْلَمُ أيضاً في الوقث نفسه أنَّاللهَ -عزَّ وجلَّ- كان يُطْمِعُ نَبِيَّهُ -عليه الصَّلاة والسَّلام- على بعضِ المُغَيَبَاتَالتي تَتَحَقَق مَصْلَحَةُ المسلمين في أَذْهَانِ رسولِ اللهِ -عليه الصَّلاة والسَّلام-بِهَا إيَّاهم .
فكأنَّ الرَّسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- أُريدأنْ أَقول كان يَعلم ما سَيَقَعُ فيه المسلمون من الإِحداثِ في الدِّين والإبتداعِفيه ، سواءً كان هذا الإبتداع في العقائدِ أو كان في العباداتِ . ولذلك ، كان تحقيقاًلما وصفه الله -تبارك الله وتعالى- به من أنَّه ﴿... بِالْمُؤْمِنِينَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ[التَّوبة : 128] ، كان يُنَبِهُهم في كلِّ المناسبة وخاصةً المناسبةالتي يَجْتَمِعُ فيها أكبر العَدَدِ منَ المسلمين ، وهي مُنَاسبةُ خطبةِ الجمعةِ .فكان يَخْطُبُ -عليه الصَّلاة والسَّلام- بهذه الجملة الكريمة :
أمَّا بعد :
فإنَّ خيرَ الكلامِ كلامُ الله ، وخيرَ الهديِهديُ محمدٍ -صلى الله تبارك وتعالى عليه وعلى آله وسلم- ، وشرُّ الأمورِ محدثَاتُها، وكلُّ محدثةٍ بدعةٌ ، و كلُّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلُّ ضلالةٍ في النار .
مع هذا -والأسف الشَّديد- ، نَجِدُ المسلمين قدغَفِلُوا أو جَهِلُوا هذه الحقيقة . بل ، قَدَّمُوهَا وعَكَسُوهَا فالرَّسول -عليهالصَّلاة والسَّلام- يقول : ((كلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)) . وهذه كما هو معلوم في الأصولمن عامِّ صِيَّغِ العُمومِ والشُّمولِ ((كلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)) ، مع ذلك هم يَأْتُوْنَإلى هذه الكليَّة فيُعَاطِلُوْنَها بقولهم : ((ليس كلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)) . هذهمُشَاقَة في الحقيقة لله والرَّسول .
فنحن يَجِبُ أن نَظَلَّ ونَتَمَسَّكَ بهذا المبدأ، ففيه تَحْقِيْق الأصلِ الثَّاني هو المُتَمِمُ للأصلِ الأولِ ، والأصلُ الأولُ والثَّانييُسَاوِي في مَفهومِنَا - هو- الإسلام . هذان الأصلان ممّا يشرحُهُمَا ويُقَرِرُهُمَاشيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ، يقول أنَّ : ((الإِسْلَامَ يَقُوْمُ عَلَى عِبَادَةِاللهِ -تبارك وتعالى- وَحْدَهُ -)) .
وبالطَّبعِ كما تعلمون ، المقصود بالعبادة : هوتوحيد الله -عزَّ وجلَّ- في عِبَادَتِهِ وفي أُلُوْهِيَّتِهِ ، وليس المقسود : الإعتقادأنَّ الله هو الخالق وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ له في ذَاتِهِ ، فإنَّ هذا كما تعلمون شَيْئٌيَشْتَرِكُ فيه المشركون . المشركون كانوا يعتقدون أنَّ الخالقَ وَاحِدٌ ﴿وَلَئِنسَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ[الزُّمر : 38] ، ولكنهم ما كفروا ولا أشركوا إلَّا لأنَّهم جَحَدُوا عُبُودِيَّةَاللهِ وَحْدَهُ ، عبدوا غَيْرَ الله مع اعتقادهم بأنَّ اللهَ هو الخَالِقُ الرَّازِقُالمُحْي المُمِيْتُ . كما يَزْعُمون عمَّن ينتمي إلى الإسلام ، يقولون : هؤلاء لا يعتقدونأنَّهم يخلقون ويرزقون وإلى آخره فيشهدون هذه الحقيقة . هم إذا قالوا عن بعض الجُهَّالمن المسلمين ، إنَّهم لا يعتقدون أنَّ هذا المَيِّت الذي يستغثون به هو يَضُرُّ ويَنْفَعُ، فما يصفونهم بأكثر مِمَّا يَصِفُ المسلمُ العَالِمُ أيَّ مشركٍ ، المشرك كان يعتقدأنَّ الضَّارَّ والنَّافِعَ والرَّازق والمُحْي والمُمِيْتُ هو الله -عزَّ وجلَّ-. إذاً لما كفر هؤلاء المشركون ، لجَحْدِهم لتَوحيد العبوديَّة وتوحيد الأُلوهيَّة.
القصد أنَّ ابنَ تَيْمِيَةَ -رحمه الله- يُقَرِرُأنَّ الأصلَ الأول الذي يقوم عليه الإسلام : هو توحيدُ اللهِ في عِبَادَتِهِ والأصلَالثَّاني : هو عِبَادَةُ اللهِ -تبارك وتعالى- بما شَرَعَ لا بما اِبْتَدَعَ المُنْتَمُوْنَللإسلام . فهذان الأصلان عظيمان جداً ، من فَهِمَهُمَا ثُمَّ حَقَقَهُمَا عملياً فهومسلم ، ومن أَخَلَّ بحديث النَّاسِ فقد أَخَلَّ بأصلٍ من الإسلام بإعتبار أنَّه لايكون مسلماً في دينه .
وأنتم تعلمون أنَّ كلَّ ذَنْبٍ لأنصار السُّنَّةفي جَمِيْعِ بلادِ الإسلامِ عند المُخَالِفين لهم ، هو تَمَسُّكُهم بهذين الأصلين ،هو دَعْوَتُهم بِصَرَاحَةٍ وبِقُوَّةٍ النَّاسَ جَمِيْعاً مُسْلِمِيْهم المنتمين –طبعاً-إلى الإسلام وكافريهم إلى أنْ يوحدوا اللهَ -تبارك وتعالى- في أُلوهيَّتِه وفي عِبَادَتِه.
ونحن لَسْنَا بِحَاجَةٍ كما أنَّ قُدْوَتَنَامحمَّد -صلى الله عليه وسلم- لم يكن بِحَاجَةٍ إلى أن يَدْعُوَ النَّاس إلى توحيدِاللهِ -عزَّ وجلَّ- في ذاته . فالبشريَّة باعتبار أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- خلقهم علىالفطرة وخلقهم على أَنَّهم لا يُمْكِنُهم أن يَعْقِلَ وجود ذَاتَيْن تَتَصَرَّفَانفي الكون ؛ لذلك كان من قَبِيْل كما يقول بعض الفقهاء : «تحصيل الحاصل» . أن يدعوَرسول الله -صلى الله عليه وسلم- النَّاسَ خَاصَةً الذين أريدُ بينهم مِن المشركين ،أن يدعوَهم إلى أن يوَحِّدُوا اللهَ في ذَاتِهِ . هذا الأمر «تحصيل الحاصل» ، لأنَّالمشركين كانوا كما ذكرنا آنفاً يعتقدون بأنَّ اللهَ كذاتٍ خالصةٍ ، هي واحدةٌ لا شريكَلها .
وأنتم تعلمون ولستم بِحَاجَةٍ إلى أن يُطِيْلَفي مثلِ هذه الأُمُوْرُ الإِعْتِقَادِيَّة ؛ لأنَّكم والحمدُ للهِ أَفْلَحْتُم -مِنعَالِمِكُم إلى طالبِكُم العِلْمِ- دُعَاتاً في مثلِ هذه المواضع والحمد لله . ولكن، هي قبل كلِّ شيئٍ تَبَادُلُ الآراءِ والأفكارِ ، وثانياً قد يكون هناك في بعض النَّاسمِمَّنْ يسمعون كلامَنَا الآن مَنْ هم بِحَاجَةٍ إلى ذكرى و﴿... الذِّكْرَىتَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ[الذَّاريات : 55] إن شاء الله .
فالرَّسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن لِيَدْعُوَالنَّاسَ إلى أن يُوَحِّدُوا اللهَ في ذاتِهِ لأنَّهم بالواقع كانوا يُوَحِّدُون الله-تبارك وتعالى- في ذاتِهِ ، إنَّما دَعَاهُم إلى توحيدِ اللهِ-عزَّ وجلَّ- في ألُوْهِيَّتِهِ-أيُّ أنَّهُ ليس هناك ذاتٌ أُخرى تَسْتَحَقُ الخُضُوْعُ والخُشُوْعُ- ، وإلى توحيدِاللِه في عِبَادَتِهِ -بِحَيْثُ لا يُعْبَدُ سِوَاهُ- . وفي الحقيقةِ ، كلٌّ من التَّوحيدينالذَيْنِ مسميان بتوحيد الألوهيَّة وتوحيد الرُبُوبيَّة ينفذان إلى معنى واحدٍ ؛ لأنَّالألوهيَّة -وهي الخضوع لله -عزَّ وجلَّ- ليس شيئاً قلبياً فقط ، وإنَّما هو شيئٌ عمليٌ، يَظْهَرُ ما كَمَنَ في القلبِ من التَّوحيدِ أو من الشِّركِ . فهذه العِبَادات يَجِبُأن تُصْرَفَ ويُخَافَ بها الله -عزَّ وجلَّ- .
فدُعَاة السُّنَّةِ في كلِّ البلاد كما قلنا ،هذا هو ذنبهم الأول عند الآخرين . أنَّهم -هم- تركوا شيئاً في أَنْفُسِهِم لا يَسْمَحُونَمطلقاً أن يَعْبُدَ غيرَ اللهِ ، إنَّما يعبدون الله وحده لا شريك له . والمشركون ،هذا الذي كانوا يُنْكِرُوْنَهُ ويَشْهَدُوْنَهُ ، وهذا ما هو صريحٌ في الكتابِ والسُّنَّةِ. وإذا قيل ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ)) يَسْتَكْبِرُوْنَ ، وكان أحدهم إذا طاف البيتيقول : ((اللَّهُمَ لَبَيْكَ اللَّهُمَ لَبَيْكَ ، لَا شَرِيْكَ لَكَ لَبَيْكَ ، إنَّالحمدَ والملكَ لَكَ ، لَا شَرِيْكَ لَكَ إلَّا شَرِيْكٌ تَمْلُكُهُ وَمَا مَلَكَ))، فما هذا الشَّرِيْكُ الذي يَمْلُكُهُ وَمَا مَلَكَ ، هذه عقيدة المشركين ، ... يعتقدون[أنَّ] المالك الحقيقي هو الله -تبارك وتعالى- . وهذا صريحٌ في الآية الكريمة ﴿... وَالَّذِينَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَىاللَّهِ زُلْفَى ...[الزُّمر : 3] ، فهذه الآية نصٌّ صريحٌ بأنَّ المشركين كانَتْغَايَتُهم هي الله -عزَّ وجلَّ- ، وأنَّ الذين يَعْبُدُوْنَهُم من دون الله -عزَّ وجلَّ-، كانوا يَأْتَخِّذُوْنَهم وَسَائِط لا غَايَات . الغاية حتى عند المشركين هو أنْ يَصِلَإلى مَرْضَاتِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- ولكنَّهم ضَلُوا الطَّريق حِيْنَمَا إِتَخَّذُواهذه الوَسَائِط تُوصِلُهم [و]تُقَرَّبُهم إلى الله .
لا يزال كثيرٌ من النَّاس اليوم -والأسف الشَّديد-لا يفقهون معنى العبادة ولا يَدْرُوْنَ كيف أَشْرَكَ المشركون ، هذه لا يزال لا يفقهونلها معنى . ﴿... مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِزُلْفَى ...[الزُّمر : 3] ، إيش معنى هذه العبادةِ التي أَثْبَتُوهَا لأَنفُسِهِم للغايةِأنَّه تُوْصِلُهُم إلى الله -إلى مرضاةِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- ؟ أكثر المسلمين لا يَعْرِفُوْنَهَا، مع أنَّهُ من الثَّابِتِ في الكتاب والسُّنَّة - . كما تعلمون- أنَّ هذه العبادةهي دعوةُ غير الله -عزَّ وجلَّ- خاصةً في الشَّدائِدِ والمضايق ، هذه العبادة مُخِلَةبعبادة توحيد الله -عزَّ وجلَّ- .
وكذلك النَّذر لهؤلاء ، فالعبادة التي عبدها المشركونلعظماءهم وأولياءهم هي هذه الأشياء ، خَصُّوهم بِالاِسْتِغَاثَةِ بغير الله وخَصُّوهمبالنَّذْرِ لهم وخَصُّوهم بالذَّبْحِ عندهم ، وهكذا إلى ما هو معلوم إليكم .
هذا هو الأصل الأول الذي يدعو إليه أنصار السُّنَّة: أن يُعْبَدَ اللهَ وَحْدَهُ وأن يبطلَ ما سواء ذلك من الوسائط .
والأصل الثَّاني ، وهو مهمٌّ -أيضاً- جداً ، وكثيرٌمن النَّاس تَعْرِفُوْنَهُ ، هو أن لا يُعْبَدَ الله إلَّا بما شَرَعَ الله . وهذهالجملة قصيرة لكنَّها تحمل شَطْرَ الإسلام كما عَلِمْتُم .
ويُعْجِبُنِي بهذه المناسبة كلمة للشَّيخ المقريزيفي رسالته «تجريد التَّوحيد المفيد» -ولَعَلَّه استفادها من كتب شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَةَ-رحمه الله- أو تلميذه ابن القيِّم- . يقول حِيْنَمَا يَتَكَلَّمُ عن توحيد الأُلُوْهِيَّةِوتوحيد الرُّبُوْبِيَّةِ وتوحيد الصِّفات -ثمَّ يقسِمُ النَّاس إلى أقسامٍ بنسبةِ لموقفِهِمفي توحيد العبادةِ- ، يقول في أثناء ذلك : ((ليس الشَّأن أنْ يُعْبَدَ الله وحده فقط، ولكنَّ الشَّأن أن يُعْبَدَ الله بما شرع الله)) . هذه الجملة عَظِيْمَةٌ جِدًّا، يعني ليس المقسود فقط أنْ يُعْبَدَ الله وحده ، نحن ندعو إلى عِبَادَةِ الله وحدهلكنَّ هذا لا يكفي ، لا يكفي للتَّوحيد الصَّحيح إلَّا بأنْ نَعْبُدَ اللهَ بما شرعالله .
ولذلك ، تَجِدُوْنَ الله -عزَّ وجلَّ- يَصِفُالمشركين بقوله -تبارك وتعالى- : ﴿اتَّخَذُواأَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ...[التَّوبة : 31] . وتعلمون القصَّة التي حَدَثَتْ عند نزول هذه الآية ، وهيأنَّ الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- لما نَزَلَتْ هذه الآية وتلاها على سمعِ الصَّحابةكان فيهم عدي ابن حاتم الطائي وقد كان نَصْرَنِيًّا ، وهو من النَّصارى القليلين الذينأسلموا وكانوا مُتَعَلِّمِيْن أو عُلَمَاءُ ؛ لأنَّكم تَعْلَمُوْن أنَّ العَرَبَ كانواأُمِيِيْنَ وكان قليل منهم من يَحْسِنُ القِرَاءة والكتابة .
وهذا عدي ابن حاتم -من هؤلاء القليل- الذي تَعَلَّمَالقِرَاءة والكتابة ثم وَجَدَ المشركين على الضَّلال المُبِيْن فرَأَى أنَّ النَّصْرَنِيَّةخير من الشِّرك فَتَنَصَّرَ .
ثُمَّ لما جاء الله بالإسلامِ على يَدَيِّ محمَّد-عليه الصَّلاة والسَّلام- ، آمَنَ بِمُحَمَّدٍ رسولاً نَبِيًّا ، وكان حِيْنَ نَزَلَتْالآية السَّابِقَة في مَجْلِسِ الرَّسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- ، فلما سَمِعَهَااِسْتَغْرَبَ ما فيها .
طبعاً ، لا يَسْتَنْكِرُ لأنَّه مسلم ، فقال: ((يا رسولَ اللهِ ، كيف اتَّخَذْنَاهم أربَاباً من دون الله)) قال : ((ألَسْتُم كُنْتُمْإذا حَرَّمُوا لَكُم حَلَالاً حَرَّمْتُمُوْهُ وإذا حَلَّلُوا لَكُمْ حَرَاماً حَلَّلْتُمُوْهُ))قال : ((بَلَى)) قال : ((فَذَاكَ اتِّخَاذُكُمْ إيَّاهُمْ أربَاباً من دون الله))[2]، -في هذا معنى- . هذا تَأْيِيْدٌلِلأَصْلِ الثَّانِي ، وهو أنْ لا نَعْبُدَ اللهَ إلَّا بِمَا شَرَعَ الله .
فأيُّ مسلمٍ يُحَرِّمُ مِن عِنْدِهِ بِدُوْنِنَصٍّ من كتاب الله ورسوله أو يُحَلَّلُ مِن عِنْدِهِ بِدُوْنِ نَصٍّ من كتاب اللهورسوله ، أو يُحَسَّنُ كَمَا يَقُولُ الإمامُ الشَّافِعِي -رضي الله عنه- في أَوَلِرِسَالَتِهِ المَعْرُوْفُ بــ «الرِّسَالَةُ : رسالة الإِمَامِ الشَّافِعِي» ، يقول: ((مَنْ اِسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَعَ)) ، هذا المعنى عظيمٌ ومَأْخُوْذٌ مِن الآية السَّابِقَةِ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّندُونِ اللَّهِ...[التَّوبة : 31] .
فهذا الأصل الثَّاني هو الذي يُتَمِمُ الأصل الأولوبِمَجْمُوْعِ ما يَتَحَقَقُ إسلام المُسْلِمِ . ولذلك ، نَجِدُ -مع الأسَفِ الشَّدِيْدِ-أنَّ كثيراً من المُنْتَمِيْنَ إلى الإسلامِ اليَوْم ، هم بَاعِدُوْنَ كُلَّ بُعْدِعَن الإسلام ، في الأصل الأول وفي الأصل الثَّاني .
لَيْتَالأمر وَقَف في الخِلَافِ في أصلٍ من هَذَيْنِ الأصلَيْنِ ، ولكن -مع الأسف الشَّديد-الخِلَافُ في الأصلَيْنِ مَعاً . فَهُمْ يُسَمُّوْنَ -مثلاً- التَّوَسُّلَ بالاِسْتِغَاثَةِبغير الله ، يُسَمُّوْنَه تَوَسُّلاً -أيّ تَقَرُّباً إلى الله -عزَّ وجلَّ- . ونحنوأنْتُم من رجلاً علميًّا نُفَرِّقُ بين ما يُسَمَّى بالاِسْتِغَاثَةِ -وهو طَلَبُالغَوْثِ من غير الله -عزَّ وجلَّ- وبين التَّوَسُّلَ بمعنى العِلْمِ الذي وُجِدَ فِيْهِبَعْضُ الإخْتِلَاف ، وهو إِيْصَالُ الوَاسِطَةِ بَيْنَكَ وبين الله ولكنَّك في الوقتنفسه تَطْلُبُ من الله ، لا تَطْلُبُ من الوَسِيْطِ . نُفَرِّقُ بين هذا وذاك ولكنَّنَانَعْتَقِدُ أنَّ هذه الوَسِيْلَة علميَّة ، لا الوَسِيْلَة التي هم يَفْهَمُوْنَهَابِمَعْنَى الإسْتِغَاثَة ، تُؤَدِي إلى الإِسْتِغَاثَةِ التي هي شركٌ صغير .
فَخُلَاصَةُ القَوْلِ أنَّ النَّاسَ اليوم فيجَاهِلِيَّةٍ جَهْلَة ، لِزَجْرِهِم عن الإسلام كلَّ البُعْدِ . وهذا تَصْوِيْرُهُ: أنَّهُم يَجْهَلُوْنَ الأصل الأول والأصل الثَّاني . ولو أنَّ الأمَر -أيضاً- وَقَفَعند الجَهْلِ لَهَانَ الخَطَبُ بَعْضَ الشيئ ، ولكنَّه يَقِفُوْنَ في صفِّ المحاربينوالمعادين لمن يَدْعُو إلى عبادةِ اللهِ وحده ولمن يَدْعُو إلى عبادةِ اللهِ بِمَاشَرَعَ الله . يَقِفُوْنَ مَوْقِفَ الإلَهِ وليس هذا الإله يَقِفُ كما يَقِفُ كلُّعَدُوٍّ تُجَاهَ عَدُوٍّ آخر ، ولكنَّهم يُعَادُوْنَ دعاة السَّنَّة ودعاة التَّوْحِيْدِودعاة مُهَارِبَةِ البِدَعِ ، يُعَادُوْنَهُم أَشَدَّ مُعَادَاتِ عند المَلَاحِدَةوالكُفَّارِ وإلى آخر ما هنالك من الأحذاب والفِرَقِ .
فهذا ممَّا يُجَنِي وَضْعَ المُسْلِمِيْنَ اليَوْمويَحْمِلُ دعاة السُّنَّة على أن يُجَنِّدَ أنفسَهُم ليَكُوْنَ صفًّا واحداً وعوناًويَدًّا واحداً لتَوْجِيْهِ هؤلاء الضَّالين إلى مَعْرِفَةِ ما دَعَاهُم إليه رسولُاللهِ -صلى الله عليه وسلم- ، الذي يَتَظَاهَرُوْنَ بِتَعْظِيْمِهِ لإِقَامَةِ حَفَلَاتٍما يَرْضَاهَا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وهي في الواقعِ تَدْخُلُ فِيْمَا يُنَافِيالأصل الثَّاني ، أيُّ : عِبَادَةُ اللهِ بِمَا شَرَعَ اللهُ ، فهم يَعْبُدُوْنَ اللهبِغَيْرِ مَا شَرَعَ اللهُ .
ونحن والحمد لله لا نَزَالُ نَدْعُوا وسَنَظَلُّنَدْعُوا إلى آخر النَّفَسِ من حَيَاتِنَا بِإِذْنِ الله -تبارك وتعالى- .
وإن كنَّا نحن نُضِيفُكم أنَّكم تَجِدُون الحريَّةالمطلقة في دعوةِ الحقِ بَيْنَما نحن لا نجد مجالاً إلا مع الاقتياد الشديد على مايُسَمَّونَه بالقوانين وبالأوامر الإدارية وما يشبه ذلك .
وأنا شَخْصِياً -نظراً لأني أعلم بالجور الذيأعيش فيه- ، لا أَسْتَطِيعُ حتى اليَوْم أن أَتَحَدَّثَ بكلمةٍ قد تَصِلُ إلى خَارِجِهذه الدَّارِ -هناك في الدِّمَشْق- ، لا أستَطِيعُ أن أَفْعَلَ هذا . ولا أستَطِيعُأن أَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ في المَسْجِدِ ، وقد فَعَلْنَا مِرَاراً ، تَكَلَّمْنَافي المَسَاجِدِ . مش خَوْفاً ولكِن دَرْئًا للمَفْسَدِ وللفِتْنَةِ ، وتَحْقِيْقاً-فِيْمَا نَظُنُّ- لحديث السَّيِّدَةِ عَائِشَة -رضي الله عنها- التي تَقُولُ أنَّالرَّسُولَ -عليه الصَّلاة والسَّلام- لما رآها تَعْزِم على أن تَسْكُنَ جَوْفَ الكعبةلِتُصَلِيَ فيه ، قال لها : ((صَلِي في الحِجْرِ فإنه من الكعبة))[3] -والحِجْرِ تعلمون هو مكان خارجمن الكعبة- ، ((...ولَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حديث عهد بالشِّركِ ، لَهَدَمْتُ الكعبةولَبَنَيْتُهَا على أسَاسِ إبراهيم -عليه السَّلام- ولَجَعَلْتُ لها بابين ، بَاباًيَدْخُلُوْنَ منه وبَاباً يَخْرُجُوْنَ منه))[4] إلى آخر الحديث .
فنحن لا نَسْتَطِيعُ اليَوْمُ أن نَتَكَّلَمَبِكَلِمَةِ الحَقِ مع أنَّنَا نتعاصر كُلَّ الوَسَائِلِ التي تَدْخُلُ في عُمُوْمِقَوْلِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- : ﴿ادْعُ إِلَىٰسَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ... [النحل : 125] ، ما نَسْتَطِيعُ أن نَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الحَقِ في مَسْجِدٍمن المساجد .
وإن كنَّا حَاوَلْنَا كَمَا قُلْنَا ولَكِن كَانَفِي جدالك أن صُدِرَتِ المَسَاجِدَ من أيْدِيْنَا وصُدِرَتِ الأوقاف ، وبعضها جعلتمثل التَّكِيَة لِيَقُوْمَ بعض النَّاس فِيْهَا بِمَا يُسَمُّوْنَه بالذِّكر ونُسَمِّينحن بِالرَّفَثِ -أيُّ نَعَمْ- . وكان نَتِيْجَة الأمرِ أن لم يُجْعَلْ ، لا داراًللتَّوحِيدِ ولا داراً للصَّلاة -الصَّلاة الخمسة على الأقل- ، أُغْلِقَ وخُتِمَ بالشَّمعِالأحمر .
ومَسْجِدٌ آخر أكبر من ذلك صُدر بِطَرِيْق مايُسَمُّونَه بِالمُقَاوَمَة الشَّعْبِيَّة ؛ لما حَصَلَت بعض الحَوَادِث ... استمروافي بعض المساجد فصَدَرُوه منَّا ، هذا في الحلب ، وبَقِيْنَا نَضْطَرُّ إلى أن نَتَدارَسَالكِتَابَ والسُّنَّةَ في بُيُوتِنَا الخَاصَة .
لم يَكْتَفِي الأمر عند هذه الحَدِّ أَيُّها الإخْوَان، إنَّمَا مُنِعْنَا أيضا حتى الإِجْتِمَاعَ في الدارِ الخَاصة .
وأنا شَخْصِيًّا أَسْكُن الدِّمَشق ولي إجْتِمَاعٍفي كلِّ أُسْبُوْعٍ ، في يومِ الخَمِيْسِ ويومِ الجُمْعَةِ وأُدَرِّسُ في يَوْمِ الاثنينالكتاب «التَّرْغِيْبُ والتَّرْهِيْبُ» . وهذا [الكتاب] أَعْتَقِدُه كتابٌ مُفِيْدٌومُوَجِّهٌ ، وبِحَاجَةِ لِجَمَاعَةِ أَنْصَارِ السُّنَّةِ كُلِّهِم أن يَتَفَقَّهَبهذا الكتاب لأنَّكُم تَشْعُرُوْنَ بِمَعْنَاهَا : «التَّرْغِيْبُ والتَّرْهِيْبُ». ولكن ، هذا الكتاب فِيْهِ سَيِّئَة ، وهو أنَّه مُمْتَلِئٌ بأحاديث الضَّعِيْفَةوبعض المَوْضُوْعَة ، ولكنَّ الله -عزَّ وجلَّ- اِمْتَنَّ علينا وفَضَّلَنَا -والحَمْدُلله- على كَثِيْرٍ مِن العَلَمِيْن حَيْثُ مَكَّنَنَا مِن مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ الضَّعِيْفِوالمَوْضُوْعِ وتَمْيِيْزُهما مِنَ الصَّحِيْحٌ . ولذلك ، قبل أن أُلْقِيَ الدَّرْسَهَنَاك من «التَّرْغِيْبُ والتَّرْهِيْبُ» أخَرِّجُ الأَحَادِيْثَ التي أنا أَعْزِمُعلى إِلْقَائِهَا وشَرْحِهَا شَرْحاً مُخْتَصَراً لِإِخْوَانِنَا . فَأَقْرَأُ عَلَيْهِمفَقَطْ الأَحَادِيْثَ الصَّحِيْحَةَ والحَسَنَةَ ، أمَّا الأَحَادِيْثُ الضَّعِيْفَةُفأصلي أنا أوقف عنه وأَقُوْلُ لِلْقَارِئِ يُشِيْرُ إِلَيْهَا بِحَرْفِ الضَّادِعَلَى الهَامِشِ حَتَى فِي المُسْتَقْبَلِ يَكُوْنُ هذا كَمُذَكِرٍ لَهُمْ . هذا يومُالإثْنَيْنِ ، ويَوْمُ الجُمْعَةِ نَقْرَأ لَهُمْ حَسْبُ المُنَاسَبَةِ والظُرُوْفِ.
ثُمَّ نَقْرَأُ لَهُمْ فِي المُدَةِ الأخيرة «الرَّوْضَةُالنَّدِيَّةُ شرح الدُّرَرِ البَهِيَّةِ» للشَّيْخِ حَسن صِدِيْق خان ، واِنْتَهَيْنَامِنْهُ . فالآن نَقْرَأُ لَهُمْ -بَدَل هذا الكِتَابِ- الرِّسَالَةَ التي سَبَقَ ذِكْرُهَا«التَّجْرِيْدُ التَّوْحِيْدُ» للمَقْرِيْزِي .
ونَقْرَأُ لَهُمْ -بَعْد- دَرْساً في مُصْطَلَحِالحَدِيْثِ ولَكِنَّهُ دَرْسٌ غَيْرُ الدُرُوْسِ التي يَقْرَأُهَا أو يَسْمَعُهَا طُلَابُالعُلُوْمِ الشَّرْعيَّة في المَدَارِسِ الرَّسْمِيَّة -أعني المَدَارِسِ الرَّسْمِيَّة، أعني الشَّرعيَّة ، مش الحَلَقَات- . درس في مصطلح الحديث يَقْتَرِنُ معه التَّطْبِيْقُالعَمَلِيُّ ، يَسْتَخْرِجُ له حَدِيْثاً من أيِّ كتابٍ من كتب السُّنة ونُسَجِّلُهفي اللَّوْحِ بسَنَدِه ونُطَبِّقُ ما قَرَأْنَاه من التَّعْرِيْفِ للحديثِ الصَّحيحِوالحَسَنِ والضَّعِيْفِ على هذا الحديث الذي أَمَامَنَا ، ونَتْبَعُ له كتاباً من كتبِالتَّرَاجِمِ ونُسْتَخْرِجُ له تَرْجِمَةُ كُلِّ رَجُلٍ وما قِيْلَ فيه من التَّوْثِيْقِأو التَّجْرِيْحِ أو التَّضْعِيْفِ . وبذلك ، يكون الدَّرْسُ قَبْلَ كلِّ شَّيْئٍ أَقْبَلُ-أشدُّ قُبُوْلاً- في نفوسِهِم وأشدُّ رُسُوْخاً في قُلُوْبِهِم ، هذا الدَّرْسُ الثَّانِييكون دَرْسَيْنِ في يومِ الجمعةِ : درسٌ من «التَّجريدِ التَّوحيدِ المُفِيْدِ» والدَّرسُالثَّانِي في مُصْطَلَحِ الحَدِيْثِ ، هذا في الدمشق .
لي كلُّ الشَّهْرِ تَقْرَأُ سَاتِرُهاإلى «المنطقة الشَّماليَّة» من سُوْرِيا إلى «حلب» و«إدلب» و«الحفة» و«اللاذقية» .هنا الشَّاهد : بَدَأَتِ الدَّعوة بِصُوْرَةٍ خاصةٍ تَنْتَشِرُ بَعْدَ «حلب» في «إدلب»، وهي تَبْعُدُ عن «حلب» نحو 60 كلم .
وكما تعلمون ، يُقَسَّمُ النَّاسَ إلى طائِفَتَيْنِ- سنَّةُ اللهِ في خَلقهِ ﴿...فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا[الفتح : 23] - ، فأخذ بعض الغَوْغَاء -يُدَاعِنُهُم بعضُ من يَتَزَيَّ بِزَيِّالعلماء- ، أخذوا يُشَيَّعُون ويُوَزَّعُون أمثال الإِفْتِرَاءَات التي سَبَقَ أن تَحَدَّثَ[عنه] الأستاذ الكريم آنَذَاكَ : فلان وَهَّابِي ، فلان يُنْكَرُ الرَّسُول ، فلانيُنْكَرُ الكَرَمَات ، فلان يُنْكَرُ الأَئِمَة إلى آخر ما هنالك من الإِفْتِرَاءَات.
وكانت نتيجة ذلك أن تَقَدَّمَ مفتي «منطقة إدلب» بالمَضَابِطِ العَدِيْدَةإلى المُحَافِظِ في «حلب» ، ثمَّ إلى العَاصِمَة -وهي «الدِّمشق»- ، وهو يَعُود... إلا في المرَّة الأخيرة نجح ، وذلك من طريق مفتي «الجُمهورية السورية» . هذا المفتي–هو قَبْلَ كلِّ شيئٍ- ، حَنَفِيٌ مذهباً مُتَعَصِبٌ جِدًّا ، ومن هنا يَظْهَرُ لكمأنَّه لا يمكن أن يَلْتَقِيَ مَعِي ولا يُمْكِنُنِي البتة أن ألتَقِيَ مَعَهُ . فمُجَرَدما جَائَتْ [من] المنطقة إليه أنَّ فلاناً يَأتِي إلى «إدلب» كلُّ شَهْرٍ ويَقْضِيفِيْها اللَّيْلَة ثمَّ يَنْتَقِلُ إلى منطقةِ كذا وكذا ، كتب أمراً إلى الوِزَارَةِالدَّاخِلِيَّة يَطْلُبُ بِمَنْعِ الرَّجُل من التَّدْرِيْسِ . وبفعل أنا اِسْتَجِهْتُإلى الوِزَارَةِ ، يعني إلى مديرِ الشُّرطةِ ، وقرأ على لِسَانِهِ المَضْبَطَة ومافِيْهَا من الإفتراءات والأكاذيب وشهادة المفتي بذلك وهو يَطْلُبُ أُموراً غَرِيْباًجِدًّا ، ويطلب -قبل كلِّ شيئٍ- منعي من التَّدريس ، ويكتفي بذلك منعي من القسمة العلميَّة، وهذه القسمة العلميَّة .
(المداخلة) : ((كذَّابين يا شيخنا))
لا ،
ضعيف المفتي هذه ، إذ مش هذا هو ذو علمٍ عندنا، هذا وظيف تكريم -تقريبا- عندنا .
وشيئٌ أغرب من هذا ، [أنَّه] يَطْلُبُ من الوِزَارَةِالدَّاخِلِيَّة نَفْيِي من البَلَدِ إلى المنطقة داعياً . ويَظْهَرُ أنَّ المَسْؤُوْلِيْنَهناك عُقَلَاءُ ، وهم فَوْقَ من يَطلُبُ مثلَ هذا الطلب في عَقْلِهِم ، فاكْتَفَوابِتَنْفِيْذِ الأمرِ الأولِ من هذا النصف -وهو المنعُ من التَّدْرِيس- . فلبحثناالطالب الموظَّف الجدير : القضية هذه تَمْنَعَنِي من التَّدريس ، أنا لَسْتُ موظَّفاًفي الدولة ، ولَسْتُ موظَّفاً في الأوقاف ، حتى أُمنعَ من التَّدريس وحتى يكون للمُفتيصوتاً عليَّ .
قالوا : ((المفتي له الأمر وهو الموظَّف الرَّسميوله أن يمنعَ من شاء ويمنعَ ما شاء)) . طيب ، لو آمر الدُّروسَ في المساجدِ ، قد يُقال((والله هذا معقول)) ، لكن أنا آمر الدُّروسَ في الدار ، لأني أعرف إذا آمرتُ الدُّروسَفي المساجد ، سوف أمنع بالكليَّة من الإسلام .
خلاصة القول : بالفعل مُنِعْثُ من التَّدريس لكن-واللحمد لله- ما مُنِعْثُ من السَّفر -يعني هذا غض النَّظر عليّ يعني- . ولذلك ، أنا-مع الأسفِ الشَّديد- أقول لكم- مُضْطَرٌّ أن أسافرَ شهراً وأدعَ شَهْرَيْنِ ، لأنَّهإذا سافرتُ ، الغاية هو الإجتماع ، وإذا إجتمعت فالعيون ، وعيون الجماعة -طبعاً- حاضراً، فأريد أن نَتَحَاشَ الإنتظام مع الأمر القَنُوْنِي وحتى أَتَمَكَّنَ من خِفِّ هذه الدَّار .
وجرَّ بالأخير أنِّي ذهبت في شهرٍ منذ شهرين ،ففي «الحفة» جَائَتِ الشُّرْطَةُ تطلب أسماء الحاضرين ، كانوا من المجرمين . وفي «إدلب»جاء رئيس المَحْفَظِ يَطْلُبُ قَبْضَ المجلس -وفيه نحوُ نِصْفِ هذا الحلق المبارك-. ولكن -الحمد لله- ، المجلس مُنْقَدٌ واستمَرَّ في البحث فيه ونصرة للشَّعب حتى ساعة12.00 تقريباً ، ولكن لا أزال بالثيقة القنونية ممنوعاً من التَّدريس في البيوت ، مشفي المساجد ، مش في الحفل العام كهذا الحلق المبارك .
ولذلك ، نحن في الحقيقة -أقول مرة أخرى- نَوضِيفُكمعلى أنَّكم تَسْتَطِيعُون أن تجتمعوا بِصَرَاحَةٍ وتُوْزِيعُ الحق إلى أبعد المكانممكن أن يصلَ إليه صوتُ الحقِّ وأسأل الله -عزَّ زجلَّ- أن يرفعَ عنَّا ذلك القيد ،حتى نَسْتَطِيعَ أن نَحْذُوَ حَذْوَكُم ونَسِيْرَ سَيْرَتَكم .
ولعلَّ في هذا القدر الكفاية ، واللَّيل -طبعاًاللَّيل والنَّهار- شديد الحرِّ ، فحسبي أنَّنِي ألتَقِي بكم ونحن على عقيدةٍ واحدةٍ، وعلى مشربٍ واحد . وإخواننا -طبعاً- هناك جميعاً يُبَلِغُونَكم السَّلام للمُسْلِمالسَّلفي النَّقِي الطَّاهر .
وسلام الله ورحمته وبركاته عليكم .

[1] ثمَّ كتب الشيخ رسالةً المسمَّى بـــ «خطبةالحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلها أصحابه» ، مكتبة المعارفللنشر والتوزيع ط1 ، الرياض / المملكة العربية السعودية . ذكر فيها طرق هذه الخطبةوألفاظها من مُختلف كتب السنة المطهرة . فليراجع .

[2] كان الشيخ يذكر هذا الحديث بهذا اللفظ في غيرموضعٍ –كما هو في «سلسلة الهدى والنور : ش / 060» مثلا- ، فبحثت عن الحديث بهذااللفظ ولم أفلح . ورواه الترمذي (5 / 278 : رقم 3095) : عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِيصَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ . فَقَالَ : «يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الوَثَنَ» ،وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْوَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة : 31] ، قَالَ : «أَمَاإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوالَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ» :قال الترمذي : «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِالسَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ، وَغُطَيْفُ بْنُ أَعْيَنَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ فِيالحَدِيثِ» ، لكن حسنه العلامة الألباني –رخمه الله- .


[3] رواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (3 / 141 : رفم 1666) ، ذكر الحافظ البوصيري فيكتابه «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» (3 / 193 : رقم 2529) أنَّاسناده صحيح .




رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:44 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.