أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
113960 92655

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الأئمة و الخطباء > خطب نصية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-19-2019, 09:48 PM
د. عماد البعقوبي د. عماد البعقوبي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Nov 2014
الدولة: العراق
المشاركات: 42
افتراضي خطبة ليلة النصف من شعبان

بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة
ليلة النصف من شعبان

١٤ /شعبان/١٤٤٠

خطبة الحاجة:

أما بعد:

أحبتي في الله لقد أقبلت علينا ليلة النصف من شعبان: ليلة مباركة، عظيمة وفيها فضيلة ظاهرة فقد خصها الله سبحانه وتعالى من بين سائر ليالي العام أن تكون مغفرته فيها عامة لكل العباد إلا المشرك والمشاحن، فعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لمشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ »[ صحيح الجامع، رقم: ١٨١٩ ].
وهنا استثني من المغفرة بعض الناس وهم:

١- المشرك: فالشرك أعظم الذنوب وأكبر الكبائر وهو الذنب الذي لا يغفره الله لا في النصف من شعبان ولا في غيره، كما قال تعالى: { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً } [ النساء: ٤٨ ].
وقال عز وجل: { إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } [ النساء: ١١٦ ].
فالشرك لا يغفره الله، ومن أشرك بالله فقد افترى اثما عظيما، وضل ضلالا بعيدا، وهو محرم عليه دخول الجنة، كما قال الله جل وعلا: { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ { [ المائدة: ٧٢ ].
والظالمون هنا هم المشركون فليس لهم أحد ينصرهم من عذاب الله.
فالمشرك لا يغفر الله له بسبب شركه وكفره، وهو من أهل العذاب والخلود في النار مالم يتب ويؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

٢- المشاحن: وهو نوعان:

أولا: مخالف السنة:
وهذا من أعظم المشاحنة ومن أخطرها وأشدها ضررا، وهو مشاقة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال الله جل وعلا: { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً } [ النساء: ١١٥ ].
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ رحمه الله: " أَرَادَ بالمشاحن هُنَا صَاحب بِدعَة مفارق جمَاعَة ". [شرح سنن ابن ماجه للسيوطي وغيره: ١٠٠ ].
فهذا من أعظم الذنوب، ومن أكبرها، ومن شرها، أن يكون المسلم مشاحنا لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومشاقا له، ومخالفا لسنته ومعرضا عن أمره ونهيه وفعله، وشريعته، فلا ينبغي للمؤمن أن يقدم قولا على قول الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ الحجرات: ١ ].
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: " تَمَتَّعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يريد التمتع في الحج وهو النية بعمرة ثم يتحلل ثم يحرم بالحج - فَقَالَ عُرْوَةُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا يَقُولُ عُرَيَّةُ؟ قَالَ: يَقُولُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ، فَقَالَ: أَرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ، أَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُونَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ " [جامع بيان العلم وفضله: ٢ / ١٢١٠ ].

فلا يقدم قول على قول الله عز وجل وقول رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حتى ولو كانا أبو بكر وعمر خير خلق الله بعد النبيين، فما بالك بغيرهما، فما بالك بمن لم يعرف عنه اتباع السنة، فما بالك بمن لا دين له ولا قيمة ولا وزن.
فمن أراد الفوز والنجاة، ودخوله في المغفرة فليتمسك بالسنة ولا يفرط فيها، ولا يقدم قولا ولا عملا على قول الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال الله جل وعلا: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً } [ الأحزاب: ٣٦ ].
وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [ النور: ٥١ ].
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: « كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى. قِيلَ: وَمَنْ أَبَى؟ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فقد أَبى » [ البخاري ].
وقال عليه الصلاة والسلام: « أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا » [ متفق عليه وهذا لفظ مسلم ].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَذَكَرَ الْغُلُولَ، فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، ثُمَّ قَالَ: « لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ » [ متفق عليه ].
فهذا فيمن ارتكب معصية، فكيف بمن ترك سنة واستبدل مكانها بدعة، وخالف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشاقه، إنه لأمر عظيم، ربما يظن المرء أنه على خير وصاحب عمل ولا عبادة، وهو على خلاف السنة فلا يقبل منه فلينتبه لذل ولا يكونن من الأخسرين أعمالا الذين قال الله جل وعلا فيهم: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً * } [ الكهف: ١٠٣ – ١٠٦ ].
فسماهم الله الأخسرين أعمالا، أي أصحاب أعمال، ولكنهم خسروها ولم تقبل منهم؛ لأنها على غير هدى من الله، وعلى غير سبيل السنة، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: " إِنَّمَا هِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ عَبَدَ اللهَ عَلَى غَيْرِ طَرِيقَةٍ مَرْضِيَّةٍ يَحْسَبُ أَنَّهُ مُصِيبٌ فِيهَا، وَأَنَّ عَمَلَهُ مَقْبُولٌ وَهُوَ مُخْطِئٌ وَعَمَلُهُ مَرْدُودٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى نَارًا حامِيَةً } [الغاشية: ٢ - ٤ ].
وقال تَعَالَى: { وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً } [الْفُرْقَانِ: ٢٣ ].
وَقَالَ تَعَالَى: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } [النور: ٣٩ ] ". [ تفسير ابن كثير: ٥/ ١٨٠ – ١٨١ ].
فهؤلاء لا ثواب لهم، ولا يقبل عملهم، ولا قيمة لهم ولا وزن عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَقَالَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: { فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً } » [ متفق عليه ].
ثانيا: المشاحن لغيره من إخوانه المسلمين، فهو لا يغفر له في هذه الليلة بسبب حقده وغله.
يوضحه حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إِذَا كَانَ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ اطَّلَعَ اللهُ إِلَى خَلْقِهِ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤمِنِينَ وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ » [ صحيح الجامع، رقم: ٧٧١ ].
مباغض ومعاد لمسلم من غير سبب ديني من الشحناء. وهي العداوة والبغضاء. والمشاحن هو المباغِض وَالمعَادي لِأَحَدٍ من المسلمين من غير سبب ديني، بل لأجل الدنيا وحظوظ النفس مِنْ قِبَلِ النَّفْسِ الْأَمَارَةِ بِالسُّوءِ وغرورها، وليس لِأَجْلِ الدِّينِ. [ ينظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: ٣ / ٩٧٥ ].
ومن المناسبات التي تظهر بسببها هذه الفضيلة لليلة النصف من شعبان أنها تعتبر قنطرة بين يدي شهر رمضان المبارك للدخول فيه والنهل من بركاته بنفوس نقية، وقلوب سليمة؛ لذلك فلا يجتازها إلا طاهر الإيمان، ونقي القلب. وهي كالقنطرة التي تكون بين يدي الجنة في الآخرة، لا يجتازها المشرك؛ لأنه محرم عليه دخول الجنة.

ولا يجتازها المتشاحنون حتى تهذب قلوبهم، كما قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالمِ كَانتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا » [ رواه البخاري ].
والمناسبة بين قنطرة الجنة، وبين قنطرة شهر رمضان ليلة النصف من شعبان أن شهر رمضان تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: « إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِحَتْ أبْوَاب الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أبْوَابُ النَّارِ، وَصفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ » [ متفقٌ عَلَيْهِ ].
ولما كان رمضان تفتح فيه أبواب الجنة كانت ليلة النصف من شعبان قنطرة بين يديه، كالقنطرة التي تكون بين يدي الجنة.
وعلى العبد أن يسعى جاهدا في إزالة كل أسباب العداوة والبغضاء بينه وبين إخوانه حتى يدخل في رمضان وقد تخلص من تبعات أعماله بمغفرتها في قنطرة ليلة النصف من شعبان.
وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى بأن الجنة لا تدخل إلا بعد الإيمان الخالي من الشرك، والمودة والمحبة الخالية من الأحقاد والضغائن، كما قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: « والذي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَلاَ أدُلُكُّمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بينكم » [ رواه مسلم ].
فلا يدخل عبد الجنة حتى يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويتمسك بالسنة ويتبرأ من البدعة، ولا يؤمن حتى يكون بينه وبين إخوانه المحبة والمودة، وذلك من خلال إفشاء السلام وعدم التقاطع والتهاجر؛ فإذا فعلوا ذلك تسللت المحبة في قلوبهم وكمل فيها الإيمان فاستحقوا المغفرة ودخول الجنان.
فليكن كل واحد منا السباق إلى العفو والتسامح والتصافح، عن أَبي أيوبَ رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: « لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ، فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وخَيْرُهُما الذي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ » [ متفق عَلَيْهِ ].
فعلينا أن نسعى جاهدين في إزالة كل بغضاء أو شحناء وقعت بين اثنين من المسلمين: من الأقارب، أو الجيران، أو الأصدقاء، أو الزملاء، ونحوهم.
ونظراً لأن كثيراً من الناس قد لا يكون عنده وازعاً إيمانياً يحمله على المبادرة بالسلام، وترك الخصام والنزاع؛ فإن الله تعالى قد ليلة النصف من شعبان قنطرة رمضان رغب بإصلاح ذات البين، وأمر بها، ورتب الأجور العظيمة على ذلك، كما في قوله تعالى: { لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } [ النساء: ١١٤ ].
وقال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلكَُّمْ تُرْحَمُونَ{ [ الحجرات: ١٠ ].
وقال تعالى: { فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } [ الأنفال: ١ ].
وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة في بيان فضيلة الإصلاح بين الناس، فمنها قوله عليه الصلاة والسلام: « أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ إِصْلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ » [ الصحيحة: تسلسل الحديث: ٢٦٣٩ ].
فدل هذا الحديث على أن أفضل أنواع الصدقات أن تصلح ذات البين بين الأب وابنه، أو بين الأخ وأخيه، أو بين الجار وجاره، أو بين أي مختصمين من المسلمين.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: « أَلَا أَخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ » قَالُوا: بَلَى. قَال: « صَلاحُ ذَاتِ البَيْنِ؛ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ » [ صحيح الترغيب والترهيب: ٢٨٤١ ].
فتأملوا عباد الله كيف أن إصلاح ذات البين يقدم على نوافل الصلاة والصيام والصدقة؛ فإذا تزاحم عندك ذلك مع إصلاح ذات البين فقدم الإصلاح؛ لأنه أعظم أجرا عند الله تعالى، والمقصود أن الموفق من يغتنم فرصة ليلة النصف من شعبان، وأن يعرف أنها قنطرة بين يدي رمضان تهيئ العبد للدخول فيه لاغتنام أجوره على أكمل الوجوه.
بقي أمر مهم:
وهو أن بعض الناس لا يقبل الصلح، ولا التسامح، فماذا علينا تجاهه؟
أولا علينا أن نسعى إلى الصلح، وندخل الوسطاء الأمناء المقبولين من الطرفين، فإن قبل الصلح نال هو الأجر، ونال الساعي أجرين أجر الصلح وأجر سعيه. وإن أبى باء هو بإثمه وليس على طالب الصلح لوم، ولا ذنب إن سعى إلى الصلح، وأدى ما عليه من حق لصاحبه، لكن ينال الأجر إذا كان قلبه سليما تجاهه وعلامة ذلك أن يدعو له بظهر الغيب.
فليحذر المسلم من أن يكون من المحرومين فضل هذه الليلة، وهم كل مشرك عبد غير الله، وكل ما شاق الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، واستساغ الابتداع في دين الله عز وجل، وكل من امتلأ قلبه حقداً وضغينة على أحد من إخوانه المسلمين بسبب حظوظ النفس وشهواتها، فوجب علينا أن نحقق الإيمان بالتوحيد الخالص، والاتباع بالتمسك بالسنة، ونبذ كل بدعة والتبرؤ منها، ونطهر قلوبنا من الغل والشنآن، وأن نشيع السلام بين المؤمنين، فإذا فعلنا ذلك تهيئت نفوسنا للدخول في شهر رمضان، كما تتهيأ نفوس المؤمنين في الآخرة عند القنطرة حتى يدخلوا جنات النعيم.
جعلني الله وإياكم ممن يدخل الجنة من غير قصاص ولا حساب ولا عذاب.
أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
مما ينبغي معرفته ومراعاته في ليلة النصف من شهر شعبان أنها ليست ليلة للاحتفال، ولا تخصص بالصلاة والصيام، فكل هذا لم يأت فيه دليل عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا عن أحد من خلفائه الراشدين المهديين، ولا من سائر أصحابه رضي الله عنهم أجمعين.
ومن الخطأ اعتقاد أنه يُقدّر في ليلة النصف من شعبان ما يكون في العام من الأرزاق والأعمال وغيره، وكذلك تسمية بعضهم لها الليلة المباركة، فإنما هذا وصف ليلة القدر.
وأما قيام ليلة النصف من شهر شعبان، فقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: له ثلاث مراتب:
١- أن يكون له عادة في قيام الليل
فيفعل في ليلة النصف ما يفعله في غيرها من غير أن يخصها بزيادة فهذا أمر لا بأس به.
٢- أن يصلي في ليلة النصف من شعبان دون غيرها من الليالي فهذا بدعة.
٣- أن يصلى في تلك الليلة صلوات ذات عدد معلوم،
يكرر كل عام، فهذه المرتبة أشد ابتداعاً من المرتبة الثانية وأبعد عن السنة. [مجموع الفتاوى (٢٨/٢٠-٣٠ ].
وأما فيما يتعلق بعد النصف من شهر شعبان فقد جاء النهي عن صيام النصف الثاني من شعبان قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عليه وسلم: « إِذَا بَقِيَ نِصْفٌ مِنْ شَعْبَانَ فَلاَ تَصُومُوا » [ رواه الترمذي ].
وَمَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ: أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُفْطِرًا، فَإِذَا بَقِيَ مِنْ شَعْبَانَ شَيْءٌ أَخَذَ فِي الصَّوْمِ لِحَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ.
ويجمع بينه وبين حديث: « أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصل شعبان برمضان »
فإن المراد بالنهي عن ابتداء الصوم بعد النصف، أما من صام أكثر الشهر أو الشهر كله فقد أصاب السنة.
والنهي هنا للكراهة وليس للتحريم. والمكروه عند الفقهاء هو ما يثاب تاركه امتثالا، ولا يأثم فاعله.
ومما ينبغي مراعاته هو قضاء من كان عليه صوم من شهر رمضان الماضي، فإنَّ تأخيره حتى يأتي شهر رمضان مرة أخرى فيه إثم ويبقى القضاء في الذمة.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، ونفعنا وإياكم بما سمعنا، وأسمعنا ما ينفعنا، وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، الله وفقنا إلى ما تحب وترضى، وخذ بنواصينا إلى البر والتقوى، واجعلنا من المقبولين والمرحومين والمغفور لهم، يا أرحم الراحمين، ومن علينا بالمغفرة في ليلة النصف من شعبان، وبلغنا شهر رمضان وبارك لنا فيه.
آمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان وأهل السنة والجماعة إلى يوم الدين.
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
النصف.من.شعبان

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:59 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.