أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
42039 94165

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-11-2011, 08:28 PM
القرشي القرشي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
المشاركات: 8
افتراضي الأمن وعاء الحياة

بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
الأَمْنُ وِعاءُ الحياةِ
أ.النميري بن محمد الصَّبَّار
الحمدُ للهِ وحدهُ ،و الصَّلاةُ والسَّلامُ على منْ لا نبي بعده ، أَمَّا بعدُ :
فإِنَّ الحديثَ عَنِ الأمنِ حديثٌ في غايةِ الأهميةِ والضرورةِ ؛ لا سيما في هذه الأيامِ العصيبةِ الحرجةِ الَّتي اختلَّتْ فيها المفاهيمُ ، واضطربتْ فيها الموازينُ ؛ فصارَ كُلُّ مَنْ يتكلَّمُ في هذه القضيةِ الكبرى في حياةِ النَّاسِ يُوصمُ بالمعايبِ والقبائحِ ؛ ويُتَّهمُ عندِ بعضِ الجهاتِ بالعمالةِ والخيانةِ ؛ وهكذا في كبكبةٍ فاجرةٍ ، وعمايةٍ عن الحقِّ ؛ و إيغالٍ في غوايةِ الشيطانِ وإضلالهِ ؛ وصدقَ الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّمَ إذ يقولُ في تصويرِ هذا الانقلابِ الهائلِ في عالمِ التَّصوُّراتِ والقيمِ والموازينِ :
(إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ سِنِينَ خَوَادِعًا، يُتَّهَمُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيَكْذِبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُصَدِّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ النَّاسِ الرُّوَيْبِضَةُ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ:( السَّفِيهُ يَنْطِقُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ )( ).
و ثَمَّتَ أسئلةٌ في غايةِ الأهميةِ تُدورُ حول (قضيةِ الأمنِ) ؛ يحسنُ الإجابةُ عليها بكلِّ صراحةٍ ووضوحٍ :
1-ما قيمةُ الأمنِ في حياةِ النَّاسِ ، وما منزلتهُ في مجتمعاتهم ؟
2-ما هي الأسبابُ الحقيقيةُ وراءَ تحقيقِ الأمنِ واستتبابهِ في المجتمعاتِ الإسلاميةِ؟
3-ما هي مَعاولُ الهدمِ الَّتي تَضْرِبُ بقوةٍ في ركيزةِ الأمنِ ؛ فإذ النَّاسُ في فزعٍ وهلعٍ؟

الأمنُ وعاءُ الحياةِ :
إِنَّ كُلَّ عاقلٍ لَيدركُ بما أتاهُ اللهُ من عقلٍ وبصيرةٍ أَنَّ الأمنَ هو وعاءُ الحياةِ ؛ الحافظُ لها-بإذنِ اللهِ- منَ الضَّياعِ والعبثِ ؛ وأَنَّهُ كذلكَ هو العقدُ الَّذي تنتظمُ بهِ حياةُ النَّاسِ في شؤونهم الدِّينيةِ والدُّنيويةِ على حدٍّ سواءَ .
وإذا انكسرَ هذا الوعاءُ ، وانفرطَ ذلكَ العِقدُ-لا قَدَّرَ اللهُ- ؛ فلا تسلْ بعد ذلكَ عنْ شيوعِ الفوضى ، واختلالِ نظامِ الحياةِ على كآفةِ الأصعدةِ وجميعِ المستوياتِ ؛ فلا تَرى إذْ ذاكَ دِيناً يُقامُ ، و لا دُنيا تُشَيَّدُ-ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله-.
ألَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ جلَّ وعلا جعلَ الأمنَ في بلدهِ الكريمِ و حرمهِ العظيمِ ؛ حتى يُقيمَ النَّاسُ عَباداتِهم بسكينةٍ وطمأنينةٍ منْ غيرِ خوفٍ أو فزعٍ؟
قال تعالى : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ) .[قريش : 3-4] .
وقال سبحانه : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).[الأنفال : 26] .
وقال : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً...)[القصص : 57] ، وقال : (ألَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ...) [العنكبوت : 67] ، وقوله: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً}[آل عمران : 97] ، وقوله: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً...) [البقرة : 125] .
وفي شأنِ العلاقةِ الوطيدةِ بين الأمنِ والجانبِ الدُّنيويِّ : يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ :
"مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدهِ ، ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحذَافيرها "( ) .
والسربُ فيها ثلاثُ لغاتٍ :
الأُولى : بكسرِ السينِ (السِّرْب) أيِ ( النَّفْسُ) وهي المشهورةُ ، والثانيةُ : بفتحِ السِّينِ (السَّرْبُ ) أي (المسلكُ ) ، والثالثةُ : بفتحِ السِّينِ والرَّاءِ (السَّرَبُ) أيِ (البيتُ )( ) .
ولاحظْ أخي القارئ كيفَ أَنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قَدَّمَ نعمةَ الأمن في النفسِ والطريقِ والبيتِ على نعمةِ الصحةِ والعافيةِ ونعمةِ القوتِ والطَّعامِ ؛ فهذا يَدُلُّ دلالةً واضحةً على أهميةِ هذه النعمةِ وقيمتها العظمى في حياةِ النَّاسِ ؛ وأَنَّها الوعاءُ الحافظُ لجميعِ النِّعمِ الأخرى ؛ إذْ لا تستقيمُ أوضاعُ النَّاسِ الصِّحيةِ أو المعيشيةِ إلا بالأمنِ؛ وهذا مشاهدٌ معلومٌ وبخاصَّةٍ في تلكَ الدولِ التي اختلَّ فيها الأمنُ ، ونشبتْ فيها الحروبُ ؛ فلا تَرى فيها إلا العَاهاتِ النَّفسيةَ ، والأمراضَ المستعصيةَ ، والمجاعاتِ الفتَّاكةَ-أسألُ اللهَ العفوَ والعافيةَ-
إذاً ؛ فَمَنْ أنعمَ اللهُ عليهِ بهذهِ النِّعمِ الثَّلاثِ ، وعلى رأسها (نعمةُ الأمنِ) التي عليها مدارُ بقيةِ النعمِ ؛ فقد جُمِعتْ له الدُّنيا منْ كُلِّ أطرافها : مستروحاً في أفيائِها ؛ متنعماً في ظلالها .
و إذا كانتْ قيمةُ الأمنِ بهذهِ الدُّرجةِ العليا ؛ فإِنَّهُ يجبُ الحفاظُ عليهِ بكلِّ سبيلٍ مشروعٍ ؛ والضَّربُ بيدٍ من حديدٍ على كُلِّ معتدٍ أثيمٍ يُريدُ النَّيلَ منهُ ، أوِ الإخلالَ بهِ.
كما يجبُ أَنْ يَعلمَ الجميعُ أَنَّ كُلَّ وسيلةٍ تُؤَدِّي إلى الإخلالِ بالأمنِ والإضرارِ بهِ ؛ فهي وسيلةٌ محرَّمةٌ إجرامِيَّةٌ سواءٌ كان ذلكَ بكلمةٍ تحريضيةٍ ، أَمْ بِمظاهراتٍ غوغائيةٍ؛ فالقَاعدةُ الشَّرعيةُ تَقْضِي بِأَنَّ ما أَدَّى إلى حَرامٍ فهو حَرامٌ ؛ وما أدَّى إلى فَسادٍ وإجرامٍ فهو فسادٌ وإجرامٌ .
يقولُ الإمامُ ابنُ القيمِ الجوزيةِ-رحمهُ اللهُ- :
"لما كَانتِ المقاصدُ لا يُتوصَّلُ إليها إلا بأسبابٍ وطُرقٍ تُفْضِي إليها كَانَتْ طُرُقُهَا وأَسبابُها تَابعةً لها ؛ معتبرةً بها ؛ فَوسائلُ المحرَّماتِ والمعاصي في كَراهَتها والمنعِ منها بِحسبِ إفضائِها إلى غَاياتِها وارتباطاتِها بها ...فإذا حَرَّم الرَّبُّ تعالى شيئاً ، وَلَهُ طُرقٌ ووسَائلُ تُفْضِي إليهِ ؛ فَإنَّهُ يُحَرِّمُها ويَمنَعُ منها تحقيقاً لتحريمهِ وتثبيتاً له ، وَمَنعاً أَنْ يَقربَ حِماهُ ، ولو أَباحَ الوسَائلَ والذَّرائعَ المفضيةَ إليهِ لكانَ ذلكَ نَقْضاً للتَّحريمِ وإغراءً للنُّفوس بهِ ، وَحِكمتُه تَعالى وَعِلْمُه يَأبى ذَلكَ كُلَّ الإباءِ ، بلْ سَياسةُ ملوكِ الدُّنيا تَأبى ذلكَ فَإنَّ أَحدَهم إذا منعَ جُنْدَهُ ، أَو رعيتَهُ ، أَو أهلَ بيتهِ مِنْ شَيءٍ ، ثُمَّ أباحَ له الطُّرقَ والأسبابَ والذَّرائعَ الموصلةَ إليهِ لَعُدَّ متناقضاً ولحصلَ مِنْ رعيتهِ وجندهِ ضدَ مقصودهِ ، وكَذلك الأطباءُ إذا أرادوا حَسمَ الدَّاءِ مَنَعُوا صَاحِبَه مِنَ الطُّرقِ والذَّرائعِ الموصلةِ إليهِ ، وإلا فَسدَ عليهم مَا يَرومونَ إصلاحَه ؛ فَما الظَّنُّ بِهذهِ الشَّريعةِ الكَاملةِ الَّتي هِيَ في أعلى دَرجاتِ الحكمةِ والمصلحةِ ، والكمالِ ؟!
وَمنْ تَأمَّلَ مَصادِرَها وموارِدَها عَلِمَ أَنَّ اللهَ تعالى وَرسُولَه سَدَّ الذَّرائعَ المفضيةَ إلى المحارمِ بأنْ حَرَّمَها ، ونَهى عَنْها ، وَالذَّريعةُ ما كَانَ وَسيلةً ، وطريقاً إلى الشَّيءِ "( ).

تحقيقُ التَّوحيدِ واجتنابُ كُلِّ ما يُناقضهُ هُوَ سبيلُ تحقيقِ الأمنِ واستتبابهِ :
تَسْعى الأنظمةُ الحاكمةُ الرَّشيدةُ إلى تحقيقِ منظومةِ الأمنِ في مجتمعِ الأُمَّةِ ، وتضعُ ذلكَ في سُلَّمِ أولوياتها ، وتُخصِّصُ لها الأموالَ الطَّائلةَ من ميزانِيَّاتها ؛ وذلكَ كُلُّهُ يُعدُّ فريضةً شرعيةً بها قوامُ الدِّينِ والدُّنيا ؛ وهو داخلٌ لا ريبَ فيهِ بالأخذِ بالأسبابِ الماديةِ المأذونِ به شرعاً ؛ مَـتى ما كانَ ذَلكَ في إطارِ العدلِ واجتنابِ الظلمِ .
يقولُ العلامةُ ابنُ عاشور-رَحِمهُ اللهُ-(مِنْ أَجلِ ذلكَ كُلِّهِ كَانَ حَقّاً عَلى وُلاة أمورِ الأمةِ أَنْ يَسْعَوا جُهدهم في تأمينِ البلادِ ، وحراسةِ السُّبلِ ، وتيسيرِ الأسفارِ ، وتقريرِ الأمنِ في سائرِ نواحي البلاد : جليلها وصغيرها بمختلفِ الوسائلِ ، وكانَ ذَلكَ مِنْ أَهمِّ ما تُنفق فيهِ أموالُ المسلمينَ ، وما يَبذلُ فيهِ أهلُ الخيرِ منَ الموسرينَ أَموالهم عَوناً على ذلكَ ، وذلكَ مِنْ رحمةِ أهلِ الأرضِ المشمولةِ لقولِ النَّبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم « ارحموا من في الأرض يرحَمْكم من في السماء)( ) .
غيرَ أَنَّ هناكَ سبباً شرعياً هو أعظمُ مِنْ ذلكَ كُلِّهِ ؛ ألا وهو تحقيقُ التوحيدِ واجتنابُ كُلِّ ما مِنْ شأنهِ أن يُناقضَهُ في أصلهِ منْ شركٍ أو كفرٍ أو نفاقٍ أو زندقةٍ أو إلحادٍ ؛ أو ما يُناقضهُ في كمالهِ الواجبِ مِمَّا هو دونَ الشِّركِ الأكبرِ منْ سائرِ الذنوبِ والمعاصي .
يقول تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).[ الأنعام : 82] ، ويقولُ سُبحانهُ : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) .[النور : 55] .
يقولُ الإمامُ ابنُ القيمِ الجوزية-رحمهُ اللهُ- :
"التَّوحيدُ منْ أقوى أسبابِ الأمنِ مِنَ المخاوفِ ، و الشِّركُ منْ أعظمِ أسبابِ حُصولِ المخاوف ؛ ولذلكَ مَنْ خَافَ شيئاً غَيرَ اللهِ سَلَّطَ عليهِ ، وَكَانَ خَوْفُه مِنهُ ، هُو سَببُ تسليطهِ عليهِ ، ولو خافَ اللهَ دُونه وَلم يخفه لكانَ عَدمُ خوفهِ منهُ ، وَتوكُّلُه عَلى اللِه مِنْ أعظمِ أسبابِ نجاتهِ منهُ ، وَكَذلكَ مَنْ رَجَا شَيئاً غَيرَ اللهِ حَرمُ ما رَجاهُ مِنهُ ، وكانَ رجاؤهُ غيُر اللهِ مِن أقوى أسبابِ حرمانهِ ؛ فَإذا رَجا اللهَ وحدهُ كانَ تَوحيدُ رجائهِ أقوى أسبابِ الفوزِ بما رَجَاهُ ، أو بنظيرهِ ، أَو بِما هو أنفعُ لَهُ مِنهُ"( ) .
ويقولُ أيضاً في موضعٍ آخرَ :
"الظلمُ الرَّافعُ للأمنِ والهدايةِ على الإطلاقِ هو الشِّركُ ، وهذا واللهِ الجوابُ الَّذِي يَشفي العليلَ ، ويروي الغليلَ ؛ فإنَّ الظُّلمَّ المطلقَ التَّامَّ هُو الشِّركُ الِّذي هُو وَضْعُ العبادةِ في غير مَوضعها.والأمنُ والهدى المطلقُ هو الأمنُ في الدُّنيا والآخرة...فالظُّلم المطلقُ التَّامُ مَانعٌ مِنَ الأمنِ والهدى المطلقِ ، ولا يمنعُ ذلكَ أَنْ يكونَ مُطلقُ الظُّلمِ مانعاً مِنْ مُطلقِ الأمنِ ومُطلقِ الهدى فَتأَمَّلْهُ"( ) .
ويقولُ العلامةُ ابنُ عاشورٍ-رحمهُ اللهُ- :
(جملة : { يعبدونني } حال من ضمائر الغيبة المتقدمة ، أي هذا الوعدُ جَرى في حَالِ عِبادِتهم إيَّايَ . وفي هذهِ الحالِ إيذانٌ بأنَّ ذلك الوعدَ جَزاءٌ لهم ، أَي وعدتُّهم هذا الوعدَ الشَّاملَ لهم ، والباقي في خِلفهم ؛ لأَنَّهم يعبدونني عِبادةً خالصةً عن الإشراكِ )( ) .
فبقدرِ تحقيقِ التوحيدِ يكونُ تحَقُّقُ الأمنِ واستتبابهُ ؛ وبقدرِ الخللِ فيهِ يكونُ الخللُ في الأمنِ واستتبابهُ ؛ ؛ فَكُلَّما تَحَقَّقَ التَّوحيدُ فَشَى الأمنُ وشَاعَ ، وكُلَّما زالَ التَّوحيدُ أو نقصَ ؛ زالَ الأمنُ أو نقصَ تبعاً لذلك ؛ فالعلاقةُ بينَ التَّوحيدِ والأمنِ علاقةٌ حتميةٌ لا تنفكُّ أبداً .
ولذا يجبُ على الأمةِ كُلَّما أحسَّتْ بخطرٍ داهمٍ يُهدِّدُ أمنها أَنْ تُراجعَ تَوْحِيدَها لرَبِّها؛ ومدى تَحَقُّقِها بهِ .

نواقضُ التَّوحيدِ معاولُ الهدمِ الحقيقيةِ في ركيزةِ الأمنِ:
ولَئِنْ كانَ تحقيقُ التوحيدِ واجتنابُ كُلِّ ما مِنْ شأنهِ أن يُناقضَهُ في أصلهِ منْ شركٍ أو كفرٍ أو نفاقٍ أو زندقةٍ أو إلحادٍ ؛ أو ما يُناقضهُ في كمالهِ الواجبِ مِمَّا هو دونَ الشركَ الأكبرِ منْ سائرِ الذنوبِ والمعاصي هُوَ السبيلَ الحقيقيَّ الَّذي به تحقيقُ الأمنِ واستتبابهُ ؛ فإنَّ ضدَ ذلكَ كُلَّهَ مِنْ نَواقضِ التَّوحيدِ مِمَّا يُعَدُّ في الحقيقةِ مِنْ معاولِ الهدمِ الَّتي تَضْرِبُ بِقوةٍ في ركيزةِ الأمنِ ؛ فإذا النَّاسُ في خوفٍ وهلعٍ ؛ كما قال تعالى :
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) .[النحل : 112].
لذلكَ كانَ فرضاً لازماً على الأمةِ : حكاماً ومحكومينَ أنْ تجتنبَ كُلَّ ما مِنْ شأنهِ أن يُناقضَ التَّوحيدَ في أصلهِ منْ شركٍ أو كفرٍ أو نفاقٍ أو زندقةٍ أو إلحادٍ ؛ أو ما يُناقضهُ في كمالهِ الواجبِ مِمَّا هو دونَ الشركَ الأكبرِ منْ سائرِ الذنوبِ والمعاصي ما استطاعتْ إلى ذلك سبيلاً .
علاوةً على أَنَّهُ يتعيَّنُ عليها أنْ تَقفَ صَفًّا واحداً أمام دَعواتِ الشِّركِ والنفاقِ والزَّندقةِ والإلحادِ التي تُروَّجُ اليومَ منْ خلالِ وسائلِ الإعلامِ المختلفةِ ، أو عبرَ الفعالياتِ الثقافيةِ بشعاراتٍ برَّاقةٍ ؛ كحريةِ التَّعبيرِ ، أو الرَّأيِ والرَّأيِ الآخرِ ، أوِ التَّعدُّدِ الثقافيِّ والفكريِّ ؛ فَمِنْ شأنِ هذه الوقفةِ الحازمةِ -بإذنِ اللهِ- أنْ تُجَفِّفَ
منابعَ الشَّرِّ والفتنةِ ، و تُكَرِّسَ الأمنَ الحقيقيَّ الَّذي ينشدهُ الجميعُ .
هذا ؛ وأسألُ اللهَ-جلَّ وعلا- أنْ يجعلَ بلادَ الحرمينِ الشريفينِ آمنةً مطمئنةً وسائرَ بلادِ المسلمينَ ؛ إِنَّهُ لطيفٌ حليمٌ .
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:51 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.