أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
50290 104572

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر العقيدة و التوحيد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-17-2021, 12:01 AM
ابو عبد الرحمن المهناوي ابو عبد الرحمن المهناوي غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: شرق الجزائر (سكيكدة)
المشاركات: 37
افتراضي ترجل النساء وتحزبهن:أسبابه و أثاره على الأسرة والمجتمع

الحمد لله ربّ العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين وآله و صحبه أجمعين أما بعد:

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:((" لا يمنعنّ رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه أو شهده أو سمعه، ((وفي لفظ)) فإنه لا
يقرب من أجل و لا يباعد من رزق"))السلسلة الصحيحة:ج1-ص168 للعلامة الألباني
قال الله تعالى في محكم تنزيله في وصف المؤمنين ((أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ))الآية .وقال في وصف الكفرين: من المنافقين والملحدين والمشركين((أولئك حزب الشيطان آلا إن حزب الشيطان هم الخاسرون )) -الآية- فأن التحزب قديم في الناس من يوم أن خلق الله أول مخلوق من البشر وهو أبونا ادم عليه وعلى رسولنا الصلاة والسلام ثم جعل منه زوجه أمنا حواء ،فبعد آن أبى إبليس اللعين أن يمتثل أمر الله بالسجود له إكراما وإجلالا، ، وتم طرده وإبعاده من رحمته لحسده و تكبره،عند ذلك طلب من الله أنظاره إلى يوم القيامة ((قال أنضرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنضرين إلى يوم الوقت المعلوم))الآية.،فمن ذلك الحين سعى اللعين للانتقام من أبونا أدم وزوجه عليهما السلام بإغوائهما ومحاولة جعلهما من حزبه بتوريطهما في مخالفة أمر الله لهما بعدم الأكل من الشجرة ((ودلهما بغرور ))الآية ((ونادهما ربهما الم أنهاكما عن تلكما الشجرة واقل لكما إن الشيطان لكما عدوا مبين )) الآية- ((قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننا من الخاسرين ))-الآية- ((قال أهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو))-الآية-ومن ذلك الحين بدء الصراع بين الشيطان و أتباعه من الإنس والجن وحميرهم المغفلين، والمؤمنين من ذرية ادم من الأنبياء وإتباعهم من الأولياء والأصفياء المفلحين .

فالتحزب يكون على الدين الحق أو على دين باطل (محرف أو وضعي ) أو أهوى و مصالح

الاول :الدين الحق .فالمؤمنون الصادقون متحزبون متآزرون متحابون في الله لقول الله تعالى((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر))و جاء في الحديث الصحيح وصف المؤمنين بأنهم:((...يسعى بذمتهم أذناهم وهم يدا على من سواهم))وجاء في حديث أخر صحيح ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتك منه عضوا تدعا له سائر الجسد بالسهر والحمى )). وهذا هو التحزب الذي يدعو إليه الإسلام ويحث عليه، ويحبه الله ويرضاه للمؤمنين.((آلا إن حزب الله هم المفلحون ))الآيةـ و المرأة داخلة في هذا الحث والتوجيه ((النساء شقائق الرجال)) كما جاء في الحديث الصحيح
الثاني :ويقابله التحزب على دين محرف أو وضعي : كاليهودية والنصرانية وما إلى ذلك من الملل الباطلة كالمجوسية :(الشيعة الرافضة ) و البوذية و الهندوسية فكل من تحزب على مثل هذه الأديان المحرفة و الملل الوضعية فهو في حقيقة الأمر منخرط في حزب الشيطان اللعين ويلحق بهذه الأديان والملل المحرفة أو الوضعية توابعها من الحركات الباطنية السرية :كالماسونية والبهائية والقديانيية و الإسماعيلية

وكذلك التحزب حول النظريات السياسية العلمانية المعاصرة: كالديمقراطية واللبرالية (اليمينيين ) والاشتراكية والشيوعية (اليساريين )وغيرها من نتاج زبالة أفكار الكفرة الملحدين ، فكل متحزب مع هؤلاء عن وعي و رغبة لا عن غفلة أو رهبة(تقية)فهو منهم ((أولئك حزب الشطان آلا إن حزب الشطان هم الخاسرون ))-الآية-.وقريب من هذا التحزب الملي، تحزب النساء المترجلات بعضهن مع البعض وجعل الرجال تبع لهن.((لن يفلحوا قوما ولوا أمرهم امرأة ))الحديث.
فتحزب ملل الكافرة يعد تهديدا للمسلمين من الخارج و تحزب نحل الضلال والنساء المترجلات هو تفتيت للمسلمين من الداخل .
كيف تصير المراة مترجلة؟
الاوضاع التي تجعل المرأة مترجلة:
الوضع الاول –إن الرجال والنساء في بعض الشعوب والقبائل التي انتشرت فيها البدع والموبقات وكبدعة الإرجاء والطرق الصوفية المنحرفة والشعودة والسحر ، تجدهم خرافيون جاهلون بمبادئ الإسلام ،لا يتربي فيها الأولاد على التوحيد والإتباع :(مصدر الوعي و الاستقامة) فينشئون مغيبين اتكاليين (مذللين) ،فإذا كبيرو وجدوا أنفسهم عاجزين عن مواجهة مصاعب الحياة ،فيستغلون حنان الأم أو الأخت(النساء ) و دافع الأمومة فيها لابتزازها وجعلها تقوم بالعمل خارج البيت بدلهم، و قد ينحرفوا الى الإجرام ، فتتحمل المرأة أعباء الداخل (البيت)والخارج (هم إعالة الأسرة مع وجود الراعي العاجز)فإن كانت طيبة وغير ماكرة وابتليت بهذا الصنف من الذكور نتيجة لما قدمت يدها من التنشئة الفاسدة،عاشت في كد وجهد وإلى أخر أيامها . ((جزاءا وفاقا ))-الاية-ونرجو الله ان يكون تعب هؤلاء النسوة كفارة لذنوبهن إن رزقهن الله بحسن الخاتمة ، ويتخرج من مثل هذه الأسر أولاد أنانيون ماديون لا يعرون للفضائل أي قمة ،استغلاليون ابعد ما يكنون عن العدل والإنصاف،إلا أن يجدوا من يأخذ بأيديهم إلى سواء الصراط ويهديهم الله على يديه.
و إن كانت ذكية و حريصة على زخارف الدنيا ،متجاهلة للدين وماكرة وقدر الله لها ان اقترنت بزوج خامل سلبي او احمق اناني ، تحملت هذه الأعباء مع سحب القوامة منه ، ومن هنا تنقلب الموازين في مثل هذه الأسر فتصير المرأة هي المسطرة على دواليب الأسرة فإن رزقوا بأولاد أحاطت نفسها ببناتها وبمن لا يشوش عليها من الذكور اللينين او المذللين المغفلين مع إبعاد وتغييب الاقوياء المشاغبين ، وجعل كل الذكور بما فيهم الأب السلبي أو الأحمق مجرد غطاء لما تقرره هذه المترجلة مع بنات جنسها المقربات منها بمعية بعض الأبناء المدجنين ،وبهذه الطريقة تتكون المجتمعات والاسر المفككة (الأعراش النسوية )ويتخرج من هذه الأسر و الاعراش النسوية دوي الإعاقات النفسية من حمقاء أنانيون و مصلحيون استغلاليون ومراءون مغفلون (وهؤلاء تجدهم متفقون على أن لا يتفقوا، قد استقلا الشيطان بكل واحد منهم على حدة ،( لا لبعضهم بعضا نصروا ولا لعدوهم قهروا)، وفي المقابل تجد في كثلة النساء ( الغير قابلة للاختراق )ماكرات مترجلات و نمامات مفسدات وأخريات مغرورات مغفلات (وهؤلاء النسوة تجدهن متفقات على أن لا يتفق أو يتقارب من هم حولهن من أولياء أمورهن حتى لا يتفطنوا لألاعبهن فيضعوا حدا لرعونتهن.


الوضع الثاني- فسليمة الفطرة من النساء ،المؤمنة بقدر الله، تجدها راضية بقضائه خاضعة لأحكامه جل وعلى ،قال الله تعالى موجها خطابه لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وهن اطهر نساء العالمين ومن يجب على كل نساء المسلمين الاقتداء بهن .(( وقرن في بيوتكن ولاتبرجن تبرج الجاهلية الأولى ))-الاية- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح((...والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها... ))وقال الله تعالى ((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا)) -الاية- وقال عز وجل ((وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكن لهم الخيرة من أمرهم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ))-الآية- وقال تعالى ((أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون))-الاية- وقال الله تعالى ((فوربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ))-الآية - وجاء في حديث اخر صحيح ((لن يفلحوا قوما ولوا أمرهم امرأة)– فالمؤمنة الصادقة تجدها راضية بقوامة واليها في كل مرحل حياتها سوى كانت بنتا أو أختا أو زوجة أو أما، فهي في كفلة أبيها ا ن كانت عزباء فإن مات أبوها صارت في كفالة أخيها فإن تزوجت انتقلت إلى كفالة زوجها فإن مات زوجها وكانت لها أولاد تكفل بها أولادها وإن لا رجعت إلى دويها .
فالأنظمة الوضعية العلمانية(اللادينية) المتحكمة في رقاب المسلمين بالوكالة من الشرق(الدب الروسي) اوالغرب( الذئب الأرو أمريكي) التي تسوي بين الرجال والنساء في التعليم و لا تعترف بخصائص كل جنس و تقحم بالمرأة في مجلات لا تتوافق مع طبيعتها الأنثوية الرقيقة مثل:الجندية(شرطة - درك -عسكر- جمارك-حماية مدنية)والإمارة(رئيس-ة-وزير-ة -والي-ة -رئيس-ة دائرة- رئيس-ة مجلس شعبي –رئيس -ة مؤسسة مختلطة –رئيس-ة مصلحة مختلطة) والقضاء (نائب-ة عام –قاضي -ة –رئيس-ة محكمة- محامي-ة )الحرف الخاصة بالرجال كالبناء (أصوله و توابعه )و الفلاحة (إلا بعض مكملاتها كالسقي والتنقية)والنجارة والحدادة، وكل عمل فيه اختلاط بالرجال .هو السبب في إفساد فطرة المرأة وانتكاسها حتى صارت متمردة على خالقها ودينها ودويها مترجلة معتمدة على نفسها متعلقة ومستغنية براتبها عابدة له (الغالبية من النساء العاملات (إماء الراتب) إذا خيرت بين الزواج مع القرار في البيت للقيام على الأسرة وتربية الأولاد،فضلت العمل و العنوسة على الزواج المشروط)متبعة لهواها وشيطانها على حساب حيائها وأسرتها و مجتمعها .

كيف تهدم المرأة المترجلة أسرتها ومجتمعها ؟
وقال الله تعالى ((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا ))الآية – وقال تعالى ((وقرن في بيوتكن ولاتبرجن تبرج الجاهلية الاولى ))-الاية -وجاء في الحديث الصحيح ((لن يفلحوا قوما ولو أمرهم امرأة)) الحديث فالمراة المترجلة لا تعترف بقوامة الرجل ولا بملكيته فهي لا تريد منه الا حاجتها النفسية والأولاد إن كانت عفيفة ، فإذا قدرالله عليها أن اقترنت برجل مؤمن :( القوة و الأمانة ) عملت على ترويضه وسلخه بالتدريج من مصدر رجولته و هو: (التدين) إلى أن تصل إلى مبتغاها و هو :أن تصير هي الآمرة الناهية ،علانية أو من وراء الستار،لا يهمها ذالك، وأما الرجل فلا تريد منه الا ان يكون مجرد غطاء لما تقوم به هي وحشياتها .وإلا فالحرب سجال إلى أن ينصاع احد الطرفين ،وإثناء ذلك تتقوى عليه بالحمقاء و المدجنين من داويها (وما اكثر هذا الصنف من اشباه الرجال الذين ينتصرون لبناتهم أو أخواتهم ظالمات أو مظلومات)أو الاستعانة عليه بالكهنة والمشعوذين ، وكذلك تعمل على تحزيب الأولاد ضده وتأليبهم عليه وتحيط نفسها ببناتها أولا، ثم بالخانعين الضعاف من الذكور وتبعد وتغييب الأقوياء المنصفين وان كانوا صالحين ,وبهذا تغرس الكرهية والفرقة بين الإناث والذكور من جهة وبين النبهاء والمغفلين من الأولاد من جهة أخرى،و هكذا تصير هذه الأسرة حلبة صراع بين الرجال والنساء من جهة وبين السلبيين المنقادين للمترجلات والايجابيين الثائرين على ترجل النساء بما فيهم الأمهات .فأسرة مثل هذه لا تستطيع أن تصل إلى الطريق المستقيم في الدين ولا إلى الخلق القويم في التعامل مع المخلوقين، لان التدين الصحيح لا تصل إليه ألا بالعقل الحر السليم (الفطرة السوية) بعد توفيق الله ،والخلق القويم لا تصل إليه إلا بقوة الإرادة والتجرد من حظوظ النفس بعد إعانة الله أما القلوب المنتكسة (أشباه اليهود) والعقول المغيبة (أشباه النصارى) فمستقرهم في الغي والضلال أعادنا الله من أوصاف المغضوب عليهم و الضالين.

فهذه التجمعات والاعراش المحسوبة على المسلمين في ظاهر تجدهم من ألد أعدائهم في أوقات المحن والحروب
والتأريخ خير شاهد (عرش بني أعداس (غجر الجزائر ) نموذجا ،وغيرها من الاعراش النسوية التي تخرج
ويتخرج منها الكثير من الحركى (عملاء المستدمر المنافقين )الخائنين لدينهم وبني جلدتهم

الاثار السلبية لترجل المراة
الآثار السلبية على الذكور :إن الذكر المتربى بين المترجلات إما أن يشركوه في جلساتهن فينهل من أوصافهن ما الله به عليم أو يبعدوه ان كان فطنا معارضا فينشاء مغيبا لا يعرف حقائق الأمور إلا أن يشاء الله له الهداية ،والقلة من الرجال من يستطيع الانفلات من مخالب هؤلاء النسوة الماكرات لان كيدهن عظيم، نسأل الله أن يطلق سراح المأسورين بحبائلهن، فالضحايا لهؤلاء الماكرات منشغلون بالبحث عن أنفسهم ،أن بقيت لهم عقول؟من أن يبحثوا عن الدين الصحيح الذي تبنى عليه الرجولة ،
إذا، فترجل النساء هو حرب على عقول الذكور ورجولتهم، فلا دين بلا عقل ولا رجولة بلا دين
الآثار السلبية على الإناث:فالمرأة التي تتربى مع مترجلات تتأثر بأوصافهن لا محالة وإلا صارت منبوذة مبعدة ويتسلطن عليها بالذم والتقريع إلى أن تفقد الثقة بنفسها فتصر تابعة رغم انفها وهناك قاعدة في علم النفس تسمى(التوحد بالمعتدي) تقول:إذا قهرت من طرف شخص ظالم، توحدت معه (تقمصت شخصيته)وصرت تمارس أسالبه في الظلم مع غيرك بلا شعور منك إلى أن تتعود تلك الأساليب،وهو المثال الساري بين الناس من قولهم: (تقليد المغلوب للغالب) -تعقيب- : (إن لم يكن لك تدين مبني على قواعد صحيحة ) –المهناوي – أما الذكية الأنانية فتتتلمذ على كبراتهن حتى تصير مثلها أو أعلى درجة منها فيكونون كتلة داخل الأسرة يصعب اختراقها ويصرن يتلاعبن بعقول المحيطين بهن من المغفلين، فيرفعون المنصاع وان كان أحمقا أو فاسقا أو جاهلا ويحطون من قيمة صاحب المبدأ والدين المتفطن لألاعبهن وان كان احرص الناس على مصلحتهن. وقائدهن من يسير في فلكهن ويحقق لهن رغباتهن وان كان من أحمق و افسق الناس أو أغباهم، فإذا تبرم أو تعثر تخلين عنه ورموه بكل نقيصة واستبدلوه بغيره من المأسورين بحبائلهن. يتبع....
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-24-2022, 01:51 AM
ابو عبد الرحمن المهناوي ابو عبد الرحمن المهناوي غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: شرق الجزائر (سكيكدة)
المشاركات: 37
افتراضي تكملة لموضوع ترجل النساء

موقف المرأة المترجلة من الحق
الناس ثلاثة اصناف :
صنف الاول :من يؤمن بالحق وينصاع له قويا كان او ضعيف ،كالتلميذ الوفي مع شيخه والابن البار مع والديه والعامل(الولي ) الصادق المنصف مع أميره (الخليفة )أو الأجير المؤمن الأمين مع سيده )وهؤلاء هم :(الصالحين المصلحين )
صنف الثاني :لا ينقاد للحق الا في حالة الضعف فإذا قوي سعى لقهر من له الفضل عليه ومحاولة الانقلاب عليه ولو كان النبي أو معلمه أو أباه (وهؤلاء هم الذين يسعون الى العلو و الفساد في الأرض ويعون ما إليه يقصدون من الإفساد (جند إبليس)وكذلك المعتدون بأنفسهم ،المأسورين لأهوائهم الذين لا يفرقون بين اراءهم والحق (ما أريكم إلا ما أراء)- الآية- فيترتب على سلوكهم الفساد في الأرض بدون قصد الإفساد)(أو قل المهندسون من الانقلابيين والمنفذون أو المنافقون من الانقلابيين والبغاة الضالين )
الصنف الثالث :من ليس لهم موقف نابع عن قناعة ذاتية ،فهم مع من غلب صالحا كان أو طالحا (الذين يساقون كالقطيع).جاء في الاثر عن علي رضي الله عنه :(الناس ثلاث :عالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة (الصالحين والمصلحين )وهمج رعاع متبعين لكل ناعق لم يستضيؤا بنور العلم وهم :(الانقلابيين و أتباعهم الرعاع المغفلين.)
فالمرأة المترجلة لا تستطع ان تنفك عن السلوك الانقلابي إلا إذا لم تجد من تنقلب عليه كالسفهاء المدمنين (الأذلاء المنكسرين)أو النسويين المائعين:(المخنثين) أو الماديين الاستغلاليين :(كالديوث والبخيل والطماع ) فهؤلاء لا تهمهم القوامة بقدر ما تهمهم مصالحهم المادية أو المعنوية ومن يوفرها لهم كان من كان ولو على حساب دينهم أو مروءتهم (رجولتهم.)


كيف تهدم المرأة المترجلة أسرتها ومجتمعها ؟
وقال الله تعالى ((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا ))الآية – وقال تعالى ((وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ))-الآية -وجاء في الحديث الصحيح ((لن يفلحوا قوما ولو أمرهم امرأة)) الحديث ، فالمرأة المترجلة اذا قدر الله عليها أن اقترنت برجل مؤمن :(فيه القوة و الأمانة ) عملت على ترويضه وسلخه بالتدريج من مصدر رجولته وهو: (التدين الصحيح) إلى أن تصل إلى هدفها وهو:أن تصير هي الآمرة الناهية ،علانية أو من وراء الستار،لا يهمها ذالك لانها لا تعترف بقوامة الرجل ولا بملكيته ولا تراه حتى مشاركا لها في توجيه وتربية أولادهم ، (فهو و أولاده و ماله ملكا لها ) فهي لا تريد منه إلا حاجتها النفسية إن كانت عفيفة ،و ان يكون مجرد غطاء لما تقوم به مع وحشياتها .وإلا فالحرب سجال إلى أن ينصاع احد الطرفين ،وإثناء ذلك تستقوي عليه بالحمقاء و الخانعين من دويها (وما أكثر هذا الصنف من أشباه الرجال الذين ينتصرون لبناتهم أو أخواتهم ظالمات أو مظلومات)أو الاستعانة عليه بالكهنة والمشعوذين ، وكذلك تعمل على تحزيب الأولاد ضده وتأليبهم عليه و تحيط نفسها ببناتها أولا، ثم بالضعاف من الذكور وتبعد وتغييب الأقوياء المنصفين وان كانوا صالحين ,وبهذا تغرس الكراهية والفرقة بين البنين والبنات من جهة وبين النبهاء والمغفلين من الأولاد من جهة أخرى،و هكذا تصير هذه الأسرة حلبة صراع بين الذكور و الإناث من جهة وبين السلبيين المنقادين للمترجلات والايجابيين الثائرين على ترجل النساء بما فيهم الأمهات .فأسرة مثل هذه لا تستطيع أن تصل إلى الطريق المستقيم في الدين ولا إلى الخلق القويم في التعامل مع المخلوقين، لان التدين الصحيح لا تصل إليه ألا بالعقل الحر السليم (الفطرة السوية) بعد توفيق الله ،والخلق القويم لا تصل إليه إلا بقوة الإرادة والتجرد من حظوظ النفس(الطمع في ما في أيدي الناس) بعد إعانة الله أما القلوب المنكوسة (أشباه اليهود) والعقول المغيبة (أشباه النصارى) فمستقرهم في الغي أو الضلال أعادنا الله من أوصاف المغضوب عليهم و الضالين. إن مثل هذه الأسر والمجتمعات لا مطمع لأحد في إصلاحها أو تغييرها(إلا أن يشاء الله)بل الهروب منها هو الأولى مع الاحتراز من العقوق و قطيعة الرحم
فهذه التجمعات والاعراش المحسوبة على المسلمين في الظاهر تجدهم من ألذ أعدائهم في أوقات المحن والحروب، والتأريخ خير شاهد (عرش بني أعداس (غجر الجزائر ) نموذجا ،وغيرها من الاعراش النسوية التي تخرج ويتخرج منها الكثير من الخونة(الحركى :عملاء المستدمر المنافقين )الخائنين لدينهم وبني جلدتهم

الاثار السلبية لترجل المراة
الآثار السلبية على الذكور :إن الذكر المتربى بين المترجلات إما أن يشركوه في جلساتهن فينهل من أوصافهن ما الله به عليم أو يبعدوه ان كان فطنا معارضا فينشاء مغيبا لا يعرف حقائق الأمور إلا أن يشاء الله له الهداية ،والقلة من الرجال من يستطيع الانفلات من مخالب هؤلاء النسوة الماكرات فهن كالعقارب تلسع ما لم يقطع ذيلها ، نسأل الله أن يطلق سراح المأسورين بحبائلهن، فالضحايا لهؤلاء الماكرات منشغلون بالبحث عن أنفسهم ،أن بقيت لهم عقول؟من أن يبحثوا عن الدين الصحيح الذي تبنى عليه الرجولة ،
إذا، فترجل النساء هو حرب على عقول الذكور ورجولتهم، ((فلا دين بلا عقل ولا رجولة بلا دين)). إن هذه الوكالة عن ابليس التي تقوم بها المرأة المترجلة لم يستطع القيام بها إلا اليهود (أفاد القردة و الخنازير)ومن شابههم من المنافقين، ((فهنيئا لكي هذه النيابة عن شيخكي الملعون وهذه المنافسة لأخس عبيده))
الآثار السلبية على الإناث:فالمرأة التي تتربى مع مترجلات تتأثر بأوصافهن لا محالة وإلا صارت منبوذة مبعدة ويتسلطن عليها بالذم والتقريع إلى أن تفقد الثقة بنفسها فتصر تابعة رغم انفها وهناك قاعدة في علم النفس تسمى(التوحد بالمعتدي) تقول:إذا قهرت من طرف شخص ظالم، توحدت معه (تقمصت شخصيته)وصرت تمارس أسالبه في الظلم مع غيرك بلا شعور منك إلى أن تتعود تلك الأساليب،وهو المثال الساري بين الناس من قولهم: (تقليد المغلوب للغالب) -تعقيب- : (إن لم يكن لك تدين مبني على قواعد صحيحة مع وعي) –المهناوي – أما الذكية الأنانية فتتتلمذ على كبراتهن حتى تصير مثلها أو أعلى درجة منها فيكونون كتلة داخل الأسرة يصعب اختراقها ويصرن يتلاعبن بعقول المحيطين بهن من المغفلين فيرفعون المنصاع الجاهل وان كان أحمقا أو فاسقا ويحطون من قيمة صاحب المبدأ والدين المتفطن لألاعبهن وان كان احرص الناس على مصلحتهن. وقائدهن (شكلا )من يسير في فلكهن ويحقق لهن رغباتهن وان كان من أحمق او افسق الناس ، فإذا تبرم أو تعثر تخلين عنه ورموه بكل نقيصة واستبدلوه بغيره من المأسورين بحبائلهن.

هل للمرأة المترجلة توبة ؟ومن ما تتوب؟

ان تعامل الناس بعضهم مع بعض عادة تراعى فيه ثلاثة جوانب وهي :الجانب الأدبي –الجانب التنظيمي – والجانب العلمي – ولكن بعض المتسلطين يخلط بين هذه الجوانب ويستغل حياء الناس وجهلهم أو تملقهم ليمرر لهم قناعات وسلوكيات ما هي بعلمية ولا أدبية .
الاول: الجانب الادبي ،فإذا تعاملت مع أي شخص فأول جانب الذي يجب عليك ان ترعيه هو الجانب الأدبي: هل هذا المتعامل معه على دينك او على غير دينك ؟–هل هو من أرحامك أو من الأباعد ؟–هل هو جارك أو من غير جرأنك؟- وهل هو يكبرك أم يصغرك (علما أوسنا )؟– فإن لهؤلاء الأفاضل حقوق ليس لغيرهم من التوقير و التبجيل والإكرام.
الثاني :الجانب التنظيمي :هل هذا المتعامل معه، شيخك أم تلميذك ؟هل هو أباك أم ابنك ؟هل هو ولي أمرك أو احد رعيتك؟هل هو سيدك أم أجيرك؟ وهل هو قائدك أم جندييك. فإن لهؤلاء الكبار من الانقياد والطاعة في غير معصية الله والنصيحة بالمعرف ما ليس لغيرهم ،والرحمة والشفقة على الصغار منهم ما ليس لغيرهم (ملاحضة):ان الشيخ والوالد يجتمع فيهما الجانبان :الأدبي والتنظيمي ولهذا قدموا على غيرهم .
الثالث:الجانب العلمي :ان التعامل مع الناس في هذا الجانب يجب ان يكون المعتبر فيه هو الدليل في النقليات والبرهان في العقليات ولا اعتبار للكبير و الصغير و لا للأمير والحقير وللغني والفقير إذ أن الناس سواسية في مسائل العلم والعمل به والمقدم هو صاحب الحجة كبيرا كان أم صغير أميرا كان أم حقيرا غنيا كان أم فقيرا ولجهل عوام الناس وأنصاف المتعلمين بما فيهم المتدينين بهذا المبدأ تراهم ينبهرون بالوجهاء من هذه الأصناف فيتبنون كلامهم ويقلدون سلوكهم كأقوال و أفعال صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم ولا يناقشونها او يعترضون عليها وكأنها وحي منزل من الحكيم الخبير. ويزدرون الصغار من هؤلاء ويطعنون في نواياهم ويسفهون أقوالهم وينتقدون سلوكهم ولو كانت الحجة معهم بل و يصفونهم بالأوصاف المقززة لتنفير الناس عنهم
وما علاقة المرأة المترجلة بهذا الكلام ؟
فعلاقتها كالتالي:
إن المرأة المترجلة متسلقة على كل هذه الجوانب و ألذ خصومها هو العلم الشرعي أو حتى المنطقي فإن تدينت فبالقشر لا بالروح (إي بالمفهوم النصراني لا بالمفهوم الإسلامي ،من أن التدين هو علاقة بين العبد وربه في المسجد ولا علاقة له بالمجتمع توجيها وتنظيما ) أو تسترت ببعض الأدب فهو إلى الإفرنجي أقرب (من سفور وتبرج وتعطر واختلاط و مع هذا تجدها وخراجة ولاجة بلا ضرورة ولا حاجة ، و تجتمع كل هذه الخصال في الصلف و قلة الحياء ) اما الجانب التنظيمي فلا ترى فوقها أحدا لا أبها ولا آخها ولا زوجها ولا حتى ابنها بعد بلوغه سن الرشد ،الكل تحت سلطانها و يجب أن يعترفوا بعبقريتها و ينصاعوا لأوامرها ويترقبوا مخططاتها وإلا طلهم الإبعاد والتأليب . -
وألان فلنرجع الى السؤال :
من ما تتوب المرأة المترجلة؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور ((...الكبر بطر الحق وغمط الناس))أي رد الحق واحتقار الناس ، وقد تبين أن المرأة المترجلة تتحاشى (تبتعد عن) العلم الذي و يجلي حقيقتها و يعرفها نفسها ، والأدب الأصيل الذي يقيد سلوكها ويحد من نزواتها ،والتنظيم الشرعي العرفي الذي يحجر عليها ويلزمها حدودها ،ألآ يعد هذا كبرا ؟إذا، فالتوبة تكون من الكبر.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال أحد الصحابة (رضي الله عنهم ) الرجل منا يحب ان يكون ثوبه حسنا ونعله حسن ؟فقال عليه السلام : إن الله جميل ويحب الجمال ((الكبر بطر الحق وغمط الناس)) .

والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات
كتبه أبو عبد الرحمن مالك بن يوسف المهناوي الأثري

وهذه بعض النقول من كتاب مؤعظة المؤمنين من احياء علوم الدين لعلامة الديار الشامية المحدث الزاهد الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله يتكلم فيها عن الكبر:(حقيقته و بواعثه وعلاجه)من صفحة43 –الى54 وإن كان الكلام عن الكبر جاء و كأنه موجه للرجال ، فالكبر ليس خاص بالرجال ولا بالنساء ، فهو صفة ،من اتصف بها فهو المقصود .
كِتَابُ ذَمِّ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ
مَا وَرَدَ فِي ذَمِّ الْكِبْرِ
قَالَ تَعَالَى:*(سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)*[الْأَعْرَافِ: ١٤٦]*وَقَالَ تَعَالَى:*(كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)*[غَافِرٍ: ٣٥]*وَقَالَ تَعَالَى:*(وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)*[إِبْرَاهِيمَ: ١٥]*وَقَالَ تَعَالَى:*(إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ)*[النَّحْلِ: ٢٣]*وَقَالَ:*(إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)*[غَافِرٍ: ٦٠]*.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ»*.
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:*«يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَلْقَيْتُهُ فِي جَهَنَّمَ، وَلَا أُبَالِي»*.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَخِيلٌ، وَلَا جَبَّارٌ»*.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ يَجُرُّ إِزَارَهُ بَطَرًا»*.
وَجَاءَ فِي فَضْلِ التَّوَاضُعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«مَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ»*.
وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«طُوبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ فِي غَيْرِ مَسْكَنَةٍ، وَأَنْفَقَ مَالًا جَمَعَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَرَحِمَ أَهْلَ الذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ، وَخَالَطَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ»*.
وَعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:*«مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ، وَمَنْ تَكَبَّرَ وَضَعَهُ اللَّهُ، وَمَنِ اقْتَصَدَ أَغْنَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ بَذَّرَ أَفْقَرَهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللَّهِ أَحَبَّهُ اللَّهُ»*.
وَقَالَ*«الفضيل»*وَقَدْ سُئِلَ عَنِ التَّوَاضُعِ*«: أَنْ تَخْضَعَ لِلْحَقِّ وَتَنْقَادَ لَهُ، وَلَوْ سَمِعْتَهُ مِنْ صَبِيٍّ قَبِلْتَهُ، وَلَوْ سَمِعْتَهُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ قَبِلْتَهُ»*.
بَيَانُ حَقِيقَةِ الْكِبْرِ وَآفَتِهِ:
اعْلَمْ أَنَّ الْكِبْرَ يَنْقَسِمُ إِلَى بَاطِنٍ وَظَاهِرٍ، فَالْبَاطِنُ هُوَ خُلُقٌ فِي النَّفْسِ، وَالظَّاهِرُ هُوَ أَعْمَالٌ تَصْدُرُ مِنَ الْجَوَارِحِ، وَتِلْكَ الْأَعْمَالُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَآفَتُهُ عَظِيمَةٌ وَغَائِلَتُهُ هَائِلَةٌ،*وَكَيْفَ لَا تَعْظُمُ آفَتُهُ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ»*وَإِنَّمَا صَارَ حِجَابًا دُونَ
الْجَنَّةِ ; لِأَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ كُلِّهَا، وَتِلْكَ الْأَخْلَاقُ هِيَ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَالْكِبْرُ وَعِزَّةُ النَّفْسِ يُغْلِقُ تِلْكَ الْأَبْوَابَ كُلَّهَا ; لِأَنَّ الْمُتَكَبِّرَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُحِبَّ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّوَاضُعِ، وَهُوَ رَأْسُ أَخْلَاقِ الْمُتَّقِينَ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ الْحِقْدِ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَدُومَ عَلَى الصِّدْقِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ الْغَضَبِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى كَظْمِ الْغَيْظِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ الْحَسَدِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى النُّصْحِ اللَّطِيفِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى قَبُولِ النُّصْحِ، وَلَا يَسْلَمُ مِنَ الْإِزْرَاءِ بِالنَّاسِ وَمِنِ اغْتِيَابِهِمْ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا مِنْ خُلُقٍ ذَمِيمٍ إِلَّا وَصَاحِبُ الْعِزِّ وَالْكِبْرِ مُضْطَرٌّ إِلَيْهِ لِيَحْفَظَ بِهِ عِزَّهُ، وَمَا مِنْ خُلُقٍ مَحْمُودٍ إِلَّا وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَفُوتَهُ عِزُّهُ، فَمِنْ هَذَا لَمْ يُدْخِلِ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْهُ.
وَشَرُّ أَنْوَاعِ الْكِبْرِ مَا يَمْنَعُ مِنَ اسْتِفَادَةِ الْعِلْمِ وَقَبُولِ الْحَقِّ وَالِانْقِيَادِ لَهُ، وَفِيهِ وَرَدَتِ الْآيَاتُ الَّتِي فِيهَا ذَمُّ الْكِبْرِ وَالْمُتَكَبِّرِينَ.
وَمَنْشَؤُهُ اسْتِحْقَارُ الْغَيْرِ وَازْدِرَاؤُهُ وَاسْتِصْغَارُهُ،*وَلِذَلِكَ شَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِبْرَ بِهَاتَيْنِ الْآفَتَيْنِ بِقَوْلِهِ:*«الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْصُ الْخَلْقِ»*أَيِ ازْدِرَاؤُهُمْ وَاسْتِحْقَارُهُمْ وَهُمْ عِبَادُ اللَّهِ أَمْثَالُهُ أَوْ خَيْرٌ مِنْهُ وَهَذِهِ الْآفَةُ الْأُولَى، وَبَطَرُ الْحَقِّ هُوَ رَدُّهُ وَهِيَ الْآفَةُ الثَّانِيَةُ.
فَكُلُّ مَنْ رَأَى أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ أَخِيهِ وَاحْتَقَرَ أَخَاهُ وَازْدَرَاهُ وَنَظَرَ إِلَيْهِ بِعَيْنِ الِاسْتِصْغَارِ أَوْ رَدَّ الْحَقَّ، وَهُوَ يَعْرِفُهُ فَقَدْ تَكَبَّرَ وَنَازَعَ اللَّهَ فِي حَقِّهِ.
وَوَجْهُ الْآفَةِ الْأُولَى أَنَّ الْكِبْرَ وَالْعِزَّ وَالْعَظَمَةَ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِالْمَلِكِ الْقَادِرِ، فَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ الضَّعِيفُ الْعَاجِزُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ فَمِنْ أَيْنَ يَلِيقُ بِحَالِهِ الْكِبْرُ وَاسْتِعْظَامُ النَّفْسِ وَاسْتِحْقَارُ الْغَيْرِ؟ فَمَهْمَا تَكَبَّرَ الْعَبْدُ فَقَدْ نَازَعَ اللَّهَ تَعَالَى فِي صِفَةٍ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِجَلَالِهِ، وَمِثَالُهُ أَنْ يَأْخُذَ الْغُلَامُ تَاجَ الْمَلِكِ فَيَضَعُهُ عَلَى رَأْسِهِ وَيَجْلِسُ عَلَى سَرِيرِهِ فَمَا أَعْظَمَ اسْتِحْقَاقَهُ لِلْمَقْتِ، وَمَا أَعْظَمَ تَهَدُّفَهُ لِلْخِزْيِ وَالنَّكَالِ، وَمَا أَشَدَّ اسْتِجْرَاءَهُ عَلَى مَوْلَاهُ، وَمَا أَقْبَحَ مَا تَعَاطَاهُ.
فَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِبَادُ اللَّهِ وَلَهُ الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ عَلَيْهِمْ، فَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ فَقَدْ نَازَعَ اللَّهَ فِي حَقِّهِ.
وَوَجْهُ الْآفَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ مَنْ سَمِعَ الْحَقَّ مِنْ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَاسْتَنْكَفَ عَنْ قَبُولِهِ وَتَشَمَّرَ لِجَحْدِهِ فَمَا ذَاكَ إِلَّا لِلتَّرَفُّعِ وَالتَّعَاظُمِ وَاسْتِحْقَارِ غَيْرِهِ حَتَّى تَأَبَّى أَنْ يَنْقَادَ لَهُ،*وَذَلِكَ مِنْ أَخْلَاقِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِذْ وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ:*(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)*[فُصِّلَتْ: ٢٦]*.
فَكُلُّ مَنْ يَتَّضِحُ لَهُ الْحَقُّ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ وَيَأْنَفُ مِنْ قَبُولِهِ، أَوْ يُنَاظِرُ لِلْغَلَبَةِ وَالْإِفْحَامِ لَا لِيَغْتَنِمَ الْحَقَّ إِذَا ظَفِرَ بِهِ فَقَدْ شَارَكَهُمْ فِي هَذَا الْخُلُقِ،*وَكَذَلِكَ مَنْ تَحْمِلُهُ الْأَنَفَةُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ الْوَعْظِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:*(وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ)*[الْبَقَرَةِ: ٢٠٦]*.
بَيَانُ مَا بِهِ التَّكَبُّرُ:
اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَتَكَبَّرُ إِلَّا مَنِ اسْتَعْظَمَ نَفْسَهُ، وَلَا يَسْتَعْظِمُهَا إِلَّا وَهُوَ يَعْتَقِدُ لَهَا صِفَةً مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَجِمَاعُ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى كَمَالٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ، فَالدِّينِيُّ هُوَ الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ، وَالدُّنْيَوِيُّ هُوَ النَّسَبُ وَالْجَمَالُ وَالْقُوَّةُ وَالْمَالُ وَكَثْرَةُ الْأَنْصَارِ،*فَهَذِهِ سَبْعَةُ أَسْبَابٍ:
الْأَوَّلُ:*الْعِلْمُ، وَمَا أَسْرَعَ الْكِبْرَ إِلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَلَا يَلْبَثُ أَنْ يَسْتَشْعِرَ فِي نَفْسِهِ كَمَالَ الْعِلْمِ فَيَسْتَعْظِمَ نَفْسَهُ وَيَسْتَحْقِرَ النَّاسَ وَيَسْتَجْهِلَهُمْ وَيَسْتَخْدِمَ مَنْ خَالَطَهُ مِنْهُمْ.
وَقَدْ يَرَى نَفْسَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَعْلَى وَأَفْضَلَ مِنْهُمْ فَيَخَافُ عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ مِمَّا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَرْجُو لِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَرْجُو لَهُمْ،*وَسَبَبُ كِبْرِهِ بِالْعِلْمِ أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا:*أَنْ يَكُونَ اشْتِغَالُهُ بِمَا يُسَمَّى عِلْمًا وَلَيْسَ عِلْمًا فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ الْحَقِيقِيَّ مَا يَعْرِفُ بِهِ الْعَبْدُ رَبَّهُ وَنَفْسَهُ وَخَطَرَ أَمْرِهِ فِي لِقَاءِ اللَّهِ وَالْحِجَابِ مِنْهُ، وَهَذَا يُورِثُ الْخَشْيَةَ وَالتَّوَاضُعَ دُونَ الْكِبْرِ،*قَالَ تَعَالَى:*(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)*[فَاطِرٍ: ٢٨]*.
ثَانِيهِمَا:*أَنْ يَخُوضَ فِي الْعِلْمِ، وَهُوَ خَبِيثُ الدُّخْلَةِ رَدِيءُ النَّفْسِ سَيِّئُ الْأَخْلَاقِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْتَغِلْ أَوَّلًا بِتَهْذِيبِ نَفْسِهِ وَتَزْكِيَةِ قَلْبِهِ بِأَنْوَاعِ الْمُجَاهَدَاتِ فَبَقِيَ خَبِيثَ الْجَوْهَرِ، فَإِذَا خَاضَ فِي الْعِلْمِ صَادَفَ الْعِلْمُ مِنْ قَلْبِهِ مَنْزِلًا خَبِيثًا فَلَمْ يَطِبْ ثَمَرُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي الْخَيْرِ أَثَرُهُ، وَقَدْ ضَرَبَ*«وهب»*لِهَذَا مَثَلًا فَقَالَ: الْعِلْمُ كَالْغَيْثِ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ حُلْوًا صَافِيًا فَتَشْرَبُهُ الْأَشْجَارُ بِعُرُوقِهَا فَتُحَوِّلُهُ عَلَى قَدْرِ طَعُومِهَا فَيَزْدَادُ الْمُرُّ مَرَارَةً وَالْحُلْوُ حَلَاوَةً، فَكَذَلِكَ الْعِلْمُ يَحْفَظُهُ الرِّجَالُ فَتُحَوِّلُهُ عَلَى قَدْرِ هِمَمِهَا وَأَهْوَائِهَا، فَيَزِيدُ الْمُتَكَبِّرَ كِبْرًا وَالْمُتَوَاضِعَ تَوَاضُعًا، وَهَذَا ; لِأَنَّ مَنْ كَانَتْ هِمَّتُهُ الْكِبْرَ هُوَ جَاهِلٌ فَإِذَا حَفِظَ الْعِلْمَ وَجَدَ مَا يَتَكَبَّرُ بِهِ فَازْدَادَ كِبْرًا، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ خَائِفًا مَعَ عِلْمِهِ فَازْدَادَ عِلْمًا عَلِمَ أَنَّ الْحُجَّةَ قَدْ تَأَكَّدَتْ عَلَيْهِ فَيَزْدَادُ خَوْفًا.
الثَّانِي الْعَمَلُ وَالْعِبَادَةُ:*وَلَيْسَ يَخْلُو عَنْ رَذِيلَةِ الْكِبْرِ وَاسْتِمَالَةِ قُلُوبِ النَّاسِ الْعُبَّادِ فَيَتَرَشَّحُ مِنْهُمُ الْكِبْرُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَهُوَ أَنَّهُمْ يَتَوَقَّعُونَ ذِكْرَهُمْ بِالْوَرَعِ وَالتَّقْوَى وَتَقْدِيمَهُمْ عَلَى سَائِرِ النَّاسِ، وَكَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ عِبَادَتَهُمْ مِنَّةً عَلَى الْخَلْقِ، وَأَمَّا فِي الدِّينِ فَهُوَ أَنْ يَرَى النَّاسَ هَالِكِينَ وَيَرَى نَفْسَهُ نَاجِيًا، وَهُوَ الْهَالِكُ تَحْقِيقًا مَهْمَا رَأَى ذَلِكَ،*قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«إِذَا سَمِعْتُمُ الرَّجُلَ يَقُولُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ»*وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُزْدَرٍ بِخَلْقِ اللَّهِ مُغْتَرٌّ آمِنٌ مِنْ مَكْرِهِ غَيْرُ خَائِفٍ مِنْ سَطْوَتِهِ، وَكَيْفَ لَا يَخَافُ وَيَكْفِيهِ شَرًّا احْتِقَارُهُ لِغَيْرِهِ،*قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«كَفَى بِالْمَرْءِ شَرًّا أَنْ يُحَقِّرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ»*.
وَكَثِيرٌ مِنَ الْعِبَادِ إِذَا اسْتَخَفَّ بِهِ مُسْتَخِفٌّ أَوْ آذَاهُ مُؤْذٍ اسْتَبْعَدَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ، وَلَا يَشُكُّ فِي أَنَّهُ صَارَ مَمْقُوتًا عِنْدَ اللَّهِ، وَذَلِكَ لِعِظَمِ قَدْرِ نَفْسِهِ عِنْدَهُ، وَهُوَ جَهْلٌ وَجَمْعٌ بَيْنَ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَالِاغْتِرَارِ بِاللَّهِ.
وَقَدْ يَنْتَهِي الْحُمْقُ وَالْغَبَاوَةُ بِبَعْضِهِمْ إِلَى أَنْ يَتَحَدَّى وَيَقُولَ:*«سَتَرَوْنَ مَا يَجْرِي عَلَيْهِ»*، وَإِذَا أُصِيبَ بِنَكْبَةٍ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَاتِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ مَا أَرَادَ إِلَّا الِانْتِقَامَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ يَرَى طَبَقَاتٍ مِنَ الْكُفَّارِ يَسُبُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَعُرِفَ جَمَاعَةٌ آذَوُا الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ قَتَلَهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَمْهَلَ أَكْثَرَهُمْ، وَلَا يُعَاقِبُهُمْ فِي الدُّنْيَا، بَلْ رُبَّمَا أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يُصِبْهُ مَكْرُوهٌ فِي الدُّنْيَا،*وَلَا فِي الْآخِرَةِ:*أَفَيَظُنُّ


هَذَا الْجَاهِلُ الْمَغْرُورُ أَنَّهُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ، وَأَنَّهُ قَدِ انْتَقَمَ لَهُ بِمَا لَمْ يَنْتَقِمْ لِأَنْبِيَائِهِ بِهِ، وَلَعَلَّهُ فِي مَقْتِ اللَّهِ بِإِعْجَابِهِ وَكِبْرِهِ، وَهُوَ غَافِلٌ عَنْ هَلَاكِ نَفْسِهِ، فَهَذِهِ عَقِيدَةُ الْمُغْتَرِّينَ،*وَأَمَّا الْأَكْيَاسُ مِنَ الْعِبَادِ فَيَقُولُونَ مَا كَانَ يَقُولُهُ السَّلَفُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ عَرَفَاتٍ:*«كُنْتُ أَرْجُو الرَّحْمَةَ لِجَمِيعِهِمْ لَوْلَا كَوْنِي فِيهِمْ»*فَانْظُرْ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ: هَذَا يَتَّقِي اللَّهَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَهُوَ وَجِلٌ عَلَى نَفْسِهِ مُزْدَرٍ لِعَمَلِهِ، وَذَاكَ يُضْمِرُ مِنَ الرِّيَاءِ وَالْكِبْرِ وَالْغِلِّ مَا هُوَ ضُحَكَةٌ لِلشَّيْطَانِ بِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ يَمْتَنُّ عَلَى اللَّهِ بِعَمَلِهِ.
الثَّالِثُ:*التَّكَبُّرُ بِالْحَسَبِ وَالنَّسَبِ، فَالَّذِي لَهُ نَسَبٌ شَرِيفٌ يَسْتَحْقِرُ مَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ النَّسَبُ وَإِنْ كَانَ أَرْفَعَ مِنْهُ عَمَلًا وَعِلْمًا، وَقَدْ يَتَكَبَّرُ بَعْضُهُمْ فَيَأْنَفُ مِنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ وَمُجَالَسَتِهِمْ،*وَقَدْ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ التَّفَاخُرُ بِهِ فَيَقُولُ لِغَيْرِهِ:*مَنْ أَنْتَ وَمَنْ أَبُوكَ فَأَنَا فُلَانٌ ابْنُ فُلَانٍ، وَمَعَ مِثْلِي تَتَكَلَّمُ! .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ*«أبا ذر»*رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:*«قَاوَلْتُ رَجُلًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ السَّوْدَاءِ،*فَغَضِبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ:»*يَا أبا ذر، لَيْسَ لِابْنِ الْبَيْضَاءِ عَلَى ابْنِ السَّوْدَاءِ فَضْلٌ*«فَقَالَ»*أبو ذر*«: فَاضْطَجَعْتُ وَقُلْتُ لِلرَّجُلِ: قُمْ فَطَأْ عَلَى خَدِّي»*.
فَانْظُرْ كَيْفَ نَبَّهَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ جَهْلٌ، وَانْظُرْ كَيْفَ تَابَ وَقَلَعَ مِنْ نَفْسِهِ شَجَرَةَ الْكِبْرِ إِذْ عَرَفَ أَنَّ الْعِزَّ لَا يَقْمَعُهُ إِلَّا الذُّلُّ.
الرَّابِعُ:*التَّفَاخُرُ بِالْجَمَالِ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ مَا يَجْرِي بَيْنَ النِّسَاءِ وَيَدْعُو ذَلِكَ إِلَى التَّنَقُّصِ وَالثَّلْبِ وَالْغِيبَةِ وَذِكْرِ عُيُوبِ النَّاسِ.
الْخَامِسُ:*الْكِبْرُ بِالْمَالِ وَذَلِكَ يَجْرِي بَيْنَ الْأُمَرَاءِ وَالتُّجَّارِ فِي لِبَاسِهِمْ وَخُيُولِهِمْ وَمَرَاكِبِهِمْ فَيَسْتَحْقِرُ الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ وَيَتَكَبَّرُ عَلَيْهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَهْلٌ بِفَضِيلَةِ الْفَقْرِ وَآفَةِ الْغِنَى.
السَّادِسُ:*الْكِبْرُ بِالْقُوَّةِ وَشِدَّةِ الْبَطْشِ وَالتَّكَبُّرِ بِهِ عَلَى أَهْلِ الضَّعْفِ.
السَّابِعُ:*التَّكَبُّرُ بِالْأَتْبَاعِ وَالْأَنْصَارِ وَالْعَشِيرَةِ وَالْأَقَارِبِ.
فَهَذِهِ مَجَامِعُ مَا يَتَكَبَّرُ بِهِ الْعِبَادُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
نَسْأَلُهُ تَعَالَى الْعَوْنَ بِلُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ.
بَيَانُ أَخْلَاقِ الْمُتَوَاضِعِينَ وَمَجَامِعِ مَا يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ التَّوَاضُعِ وَالتَّكَبُّرِ:
اعْلَمْ أَنَّ التَّكَبُّرَ يَظْهَرُ فِي شَمَائِلِ الرَّجُلِ كَصَعَرٍ فِي وَجْهِهِ وَنَظَرِهِ شَزْرًا وَإِطْرَاقِهِ رَأْسَهُ وَجُلُوسِهِ مُتَرَبِّعًا أَوْ مُتَّكِئًا، وَفِي أَقْوَالِهِ حَتَّى فِي صَوْتِهِ وَنَغَمَتِهِ وَصِيغَتِهِ فِي الْإِيرَادِ، وَيَظْهَرُ فِي مِشْيَتِهِ وَتَبَخْتُرِهِ وَقِيَامِهِ وَجُلُوسِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ. فَمِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ مَنْ يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَمِنْهُمْ

مَنْ يَتَكَبَّرُ فِي بَعْضٍ وَيَتَوَاضَعُ فِي بَعْضٍ، فَمِنْهَا التَّكَبُّرُ بِأَنْ يُحِبَّ قِيَامَ النَّاسِ لَهُ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَمْشِيَ إِلَّا وَمَعَهُ غَيْرُهُ يَمْشِي خَلْفَهُ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَزُورَ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ مِنْ زِيَارَتِهِ خَيْرٌ لِغَيْرِهِ فِي الدِّينِ، وَهُوَ ضِدُّ التَّوَاضُعِ، وَمِنْهَا أَنْ يَسْتَنْكِفَ مِنْ جُلُوسِ غَيْرِهِ بِالْقُرْبِ مِنْهُ إِلَّا أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالتَّوَاضُعُ خِلَافُهُ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَتَعَاطَى بِيَدِهِ شُغْلًا فِي بَيْتِهِ وَالتَّوَاضُعُ خِلَافُهُ.
رُوِيَ أَنَّ*«عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ»*أَتَاهُ لَيْلَةً ضَيْفٌ وَكَانَ يَكْتُبُ فَكَادَ السِّرَاجُ يُطْفَأُ،*فَقَالَ الضَّيْفُ:*أَقُومُ إِلَى الْمِصْبَاحِ فَأُصْلِحُهُ؟*فَقَالَ:*لَيْسَ مِنْ كَرَمِ الرَّجُلِ أَنْ يَسْتَخْدِمَ ضَيْفَهُ،*قَالَ:*أَفَأُنَبِّهُ الْغُلَامَ؟*فَقَالَ:*هِيَ أَوَّلُ نَوْمَةٍ نَامَهَا، فَقَامَ وَمَلَأَ الْمِصْبَاحَ زَيْتًا،*فَقَالَ الضَّيْفُ:*قُمْتَ أَنْتَ بِنَفْسِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟*فَقَالَ:*ذَهَبْتُ وَأَنَا عمر، وَرَجَعْتُ وَأَنَا عمر مَا نَقَصَ مِنِّي شَيْءٌ، وَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ مُتَوَاضِعًا.
وَمِنْهَا أَنْ لَا يَأْخُذَ مَتَاعَهُ وَيَحْمِلَهُ إِلَى بَيْتِهِ، وَهُوَ خِلَافُ عَادَةِ الْمُتَوَاضِعِينَ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَقَالَ*«علي»*:*«لَا يُنْقِصُ الرَّجُلَ الْكَامِلَ مِنْ كَمَالِهِ مَا حَمَلَ مِنْ شَيْءٍ إِلَى عِيَالِهِ»*، وَمِنْهَا اللِّبَاسُ إِذْ يَظْهَرُ بِهِ التَّكَبُّرُ وَالتَّوَاضُعُ، وَعَلَامَةُ الْمُتَكَبِّرِ فِيهِ حِرْصُهُ عَلَى التَّزَيُّنِ لِلنَّاسِ لِلشُّهْرَةِ وَالْمَخِيلَةِ، وَأَمَّا طَلَبُ التَّجَمُّلِ لِذَاتِهِ فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا مَخِيلَةٍ فَلَيْسَ مِنَ الْكِبْرِ، وَالْمَحْبُوبُ الْوَسَطُ مِنَ اللِّبَاسِ الَّذِي لَا يُوجِبُ شُهْرَةً بِالْجَوْدَةِ، وَلَا بِالرَّدَاءَةِ،*وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ سَرَفٍ، وَلَا مَخِيلَةٍ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ»*، وَمِنْهَا أَنْ يَتَوَاضَعَ بِالِاحْتِمَالِ إِذَا سُبَّ وَأُوذِيَ وَأُخِذَ حَقُّهُ، فَذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَمَجَامِعُ حُسْنِ الْأَخْلَاقِ وَالتَّوَاضُعِ سِيرَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ:*فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَمِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ يُتَعَلَّمَ.
وَقَدْ قَالَ*«ابن أبي سلمة»*: قُلْتُ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: مَا تَرَى فِيمَا أَحْدَثَ النَّاسُ مِنَ الْمَلْبَسِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَرْكَبِ وَالْمَطْعَمِ؟*فَقَالَ:*يَا ابْنَ أَخِي كُلْ لِلَّهِ، وَاشْرَبْ لِلَّهِ، وَالْبَسْ لِلَّهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ دَخَلَهُ زَهْوٌ أَوْ مُبَاهَاةٌ أَوْ رِيَاءٌ أَوْ سُمْعَةٌ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ وَسَرَفٌ،*وَعَالِجْ فِي بَيْتِكَ مِنَ الْخِدْمَةِ مَا كَانَ يُعَالِجُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ:*كَانَ يَحْلِبُ الشَّاةَ، وَيَخْصِفُ النَّعْلَ، وَيُرَقِّعُ الثَّوْبَ، وَيَأْكُلُ مَعَ خَادِمِهِ، وَيَشْتَرِي الشَّيْءَ مِنَ السُّوقِ، وَلَا يَمْنَعُهُ الْحَيَاءُ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِيَدِهِ، يُصَافِحُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ، وَيُسَلِّمُ مُبْتَدِئًا عَلَى كُلِّ مَنِ اسْتَقْبَلَهُ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، يُجِيبُ إِذَا دُعِيَ، وَلَا يُحَقِّرُ مَا دُعِيَ إِلَيْهِ، لَيِّنُ الْخُلُقِ، جَمِيلُ الْمُعَاشَرَةِ، طَلِيقُ الْوَجْهِ، شَدِيدٌ فِي غَيْرِ عُنْفٍ، مُتَوَاضِعٌ فِي
اذهب غَيْرِ مَذَلَّةٍ، جَوَادٌ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ، رَقِيقُ الْقَلْبِ.
زَادَتْ*«عائشة»*رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:*«وَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمْتَلِئْ قَطُّ شِبَعًا، وَلَمْ يَبُثَّ إِلَى أَحَدٍ شَكْوَى، وَإِنْ كَانَتِ الْفَاقَةُ لَأَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْيَسَارِ وَالْغِنَى»*.
فَمَنْ طَلَبَ التَّوَاضُعَ فَلْيَقْتَدِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ فَمَا أَشَدَّ جَهْلَهُ، فَلَقَدْ كَانَ أَعْظَمَ خَلْقِ اللَّهِ مَنْصِبًا فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ، فَلَا عِزَّ، وَلَا رِفْعَةَ إِلَّا فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ.
بَيَانُ الطَّرِيقِ فِي مُعَالَجَةِ الْكِبْرِ وَاكْتِسَابِ التَّوَاضُعِ:
اعْلَمْ أَنَّ الْكِبْرَ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ وَإِزَالَتُهُ فَرْضُ عَيْنٍ، وَلَا يَزُولُ بِمُجَرَّدِ التَّمَنِّي، بَلْ بِالْمُعَالَجَةِ،*وَفِي مُعَالَجَتِهِ مَقَامَانِ:
أَحَدُهُمَا:*قَلْعُ شَجَرَتِهِ مِنْ مَغْرِسِهَا فِي الْقَلْبِ.
الثَّانِي:*دَفْعُ الْعَارِضِ مِنْهُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي قَدْ يُتَكَبَّرُ بِهَا.
الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فِي اسْتِئْصَالِ أَصْلِهِ:
عِلَاجُهُ عِلْمِيٌّ وَعَمَلِيٌّ،*وَلَا يَتِمُّ الشِّفَاءُ إِلَّا بِمَجْمُوعِهِمَا:
أَمَّا الْعِلْمِيُّ:*فَهُوَ أَنْ يَعْرِفَ نَفْسَهُ وَيَعْرِفَ رَبَّهُ تَعَالَى، وَيَكْفِيهِ ذَلِكَ فِي إِزَالَةِ الْكِبْرِ، فَإِنَّهُ مَهْمَا عَرَفَ نَفْسَهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِ إِلَّا التَّوَاضُعُ، وَإِذَا عَرَفَ رَبَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا تَلِيقُ الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ إِلَّا بِاللَّهِ. أَمَّا مَعْرِفَتُهُ رَبَّهُ وَعَظَمَتَهُ وَمَجْدَهُ فَالْقَوْلُ فِيهِ يَطُولُ، وَأَمَّا مَعْرِفَتُهُ نَفْسَهُ فَهُوَ أَيْضًا يَطُولُ وَلَكُنَّا نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَنْفَعُ فِي إِثَارَةِ التَّوَاضُعِ، وَيَكْفِيهِ أَنْ يَعْرِفَ مَعْنَى آيَةٍ وَاحِدَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنَّ فِي الْقُرْآنِ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لِمَنْ فُتِحَتْ بَصِيرَتُهُ،*قَالَ تَعَالَى:*(قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ)*[عَبَسَ: ١٧ ٢٢]*فَقَدْ أَشَارَتِ الْآيَةُ إِلَى أَوَّلِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ وَإِلَى آخِرِ أَمْرِهِ وَإِلَى وَسَطِهِ، فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ ذَلِكَ لِيَفْهَمَ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ، أَمَّا أَوَّلُ الْإِنْسَانِ فَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا، وَقَدْ كَانَ فِي حَيِّزِ الْعَدَمِ دُهُورًا، وَأَيُّ شَيْءٍ أَخَسُّ مِنَ الْعَدَمِ، ثُمَّ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ أَقْذَرِ الْأَشْيَاءِ إِذْ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ ثُمَّ جَعَلَهُ عَظْمًا ثُمَّ كَسَا الْعَظْمَ لَحْمًا، فَهَذَا بِدَايَةُ وُجُودِهِ، فَمَا صَارَ شَيْئًا مَذْكُورًا إِلَّا وَهُوَ عَلَى أَخَسِّ الْأَوْصَافِ وَالنُّعُوتِ، إِذْ لَمْ يُخْلَقْ فِي ابْتِدَائِهِ كَامِلًا، بَلْ خَلَقَهُ جَمَادًا مَيِّتًا لَا يَسْمَعُ، وَلَا يُبْصِرُ، وَلَا يُحِسُّ، وَلَا يَتَحَرَّكُ، وَلَا يَنْطِقُ، وَلَا يَبْطِشُ، وَلَا يُدْرِكُ، وَلَا يَعْلَمُ، فَبَدَأَ بِمَوْتِهِ قَبْلَ حَيَاتِهِ، وَبِضَعْفِهِ قَبْلَ قُوَّتِهِ، وَبِجَهْلِهِ قَبْلَ عِلْمِهِ، وَبِعَمَاهُ قَبْلَ بَصَرِهِ، وَبِصَمَمِهِ قَبْلَ سَمْعِهِ، وَبِبَكَمِهِ قَبْلَ نُطْقِهِ، وَبِضَلَالِهِ قَبْلَ هُدَاهُ، وَبِفَقْرِهِ قَبْلَ غِنَاهُ، وَبِعَجْزِهِ قَبْلَ قُدْرَتِهِ،*فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:*(مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ)*[عَبَسَ: ١٨، ١٩]*ثُمَّ امْتَنَّ عَلَيْهِ فَقَالَ:*(ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ)*[عَبَسَ: ٢٠]*وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَيَسَّرَ لَهُ فِي مُدَّةِ حَيَاتِهِ إِلَى الْمَوْتِ. وَإِنَّمَا خَلَقَهُ مِنَ التُّرَابِ الذَّلِيلِ الَّذِي يُوطَأُ بِالْأَقْدَامِ وَالنُّطْفَةِ الْقَذِرَةِ بَعْدَ عَدَمِهَا لِيَعْرِفَ خِسَّةَ ذَاتِهِ فَيَعْرِفَ بِهَا ذَاتَهُ، فَيَعْرِفَ بِهَا نَفْسَهُ، وَإِنَّمَا أَكْمَلَ النِّعْمَةَ عَلَيْهِ لِيَعْرِفَ بِهَا رَبَّهُ وَيَعْلَمَ بِهَا عَظَمَتَهُ وَجَلَالَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَلِيقُ الْكِبْرِيَاءُ إِلَّا بِهِ جَلَّ وَعَلَا.
فَمَنْ كَانَ هَذَا بَدْأَهُ وَهَذِهِ أَحْوَالَهُ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ الْبَطَرُ وَالْكِبْرِيَاءُ وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ، وَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ أَضْعَفُ الضُّعَفَاءِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ عَادَةُ الْخَسِيسِ إِذَا رُفِعَ مِنْ خِسَّتِهِ شَمَخَ بِأَنْفِهِ وَتَعَظَّمَ، وَذَلِكَ لِدَلَالَةِ خِسَّةِ أَوَّلِهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
نَعَمْ، لَوْ أَكْمَلَهُ وَفَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَهُ وَأَدَامَ لَهُ الْوُجُودَ بِاخْتِيَارِهِ لَجَازَ أَنْ يَطْغَى وَيَنْسَى الْمَبْدَأَ وَالْمُنْتَهَى، وَلَكِنَّهُ سَلَّطَ عَلَيْهِ فِي دَوَامِ وُجُودِهِ الْأَمْرَاضَ وَالْآفَاتِ يَهْدِمُ الْبَعْضُ مِنْ أَجْزَائِهِ الْبَعْضَ شَاءَ أَمْ أَبَى، فَيَجُوعُ كُرْهًا وَيَعْطَشُ كُرْهًا، وَيَمْرَضُ كُرْهًا، وَيَمُوتُ كُرْهًا، لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا، وَلَا ضَرًّا، وَلَا خَيْرًا، وَلَا شَرًّا.
يُرِيدُ أَنْ يَعْلَمَ الشَّيْءَ فَيَجْهَلُهُ، وَيُرِيدُ أَنْ يَذْكُرَ الشَّيْءَ فَيَنْسَاهُ، وَيُرِيدُ أَنْ يَنْسَى الشَّيْءَ وَيَغْفُلُ عَنْهُ فَلَا يَغْفُلُ عَنْهُ، وَلَا يَأْمَنُ فِي لَحْظَةٍ مِنْ لَيْلِهِ أَوْ نَهَارِهِ أَنْ يُسْلَبَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ، وَتُفَلَّجَ أَعْضَاؤُهُ، وَيُخْتَلَسَ عَقْلُهُ، وَيُخْتَطَفَ رُوحُهُ، وَيُسْلَبَ جَمِيعَ مَا يَهْوَاهُ فِي دُنْيَاهُ، فَهُوَ مُضْطَرٌّ ذَلِيلٌ، إِنْ تُرِكَ بَقِيَ وَإِنِ اخْتُطِفَ فَنِيَ، عَبْدٌ مَمْلُوكٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا شَيْءٍ مِنْ غَيْرِهِ، فَأَيُّ شَيْءٍ أَذَلُّ مِنْهُ لَوْ عَرَفَ نَفْسَهُ، وَأَنَّى يَلِيقُ الْكِبْرُ بِهِ لَوْلَا جَهْلُهُ، فَهَذَا وَسَطُ أَحْوَالِهِ فَلْيَتَأَمَّلْهُ.*وَأَمَّا آخِرُهُ فَهُوَ الْمَوْتُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:*(ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ)*[عَبَسَ: ٢١ ٢٢]*وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسْلَبُ رُوحَهُ وَسَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَعِلْمَهُ وَقُدْرَتَهُ وَحِسَّهُ وَإِدْرَاكَهُ وَحَرَكَتَهُ فَيَعُودُ جَمَادًا كَمَا كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، لَا يَبْقَى إِلَّا شَكْلُ أَعْضَائِهِ وَصُورَتِهِ، لَا حِسَّ فِيهِ، وَلَا حَرَكَةَ، ثُمَّ يُوضَعُ فِي التُّرَابِ فَيَصِيرُ جِيفَةً مُنْتِنَةً قَذِرَةً، ثُمَّ تَبْلَى أَعْضَاؤُهُ، وَتَتَفَتَّتُ أَجْزَاؤُهُ، وَتَنْخُرُ عِظَامُهُ، وَيَأْكُلُ الدُّودُ أَجْزَاءَهُ فَيَصِيرُ رَوْثًا فِي أَجْوَافِ الدِّيدَانِ وَيَكُونُ جِيفَةً يَهْرُبُ مِنْهُ الْحَيَوَانُ، وَيَسْتَقْذِرُهُ كُلُّ إِنْسَانٍ وَيَهْرُبُ مِنْهُ لِشِدَّةِ الْإِنْتَانِ، وَلَيْتَهُ بَقِيَ كَذَلِكَ فَمَا أَحْسَنَهُ لَوْ تُرِكَ، لَا، بَلْ يُحْيِيهِ بَعْدَ طُولِ الْبِلَى لِيُقَاسِيَ شَدِيدَ الْبَلَا، فَيَخْرُجُ مِنْ قَبْرِهِ بَعْدَ جَمْعِ أَجْزَائِهِ الْمُتَفَرِّقَةِ، وَيَخْرُجُ إِلَى أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ فَيَنْظُرُ إِلَى قِيَامَةٍ قَائِمَةٍ، وَسَمَاءٍ مُشَقَّقَةٍ مُمَزَّقَةٍ، وَأَرْضٍ مُبَدَّلَةٍ، وَجِبَالٍ مُسَيَّرَةٍ، وَنُجُومٍ مُنْكَدِرَةٍ، وَشَمْسٍ مُنْكَسِفَةٍ، وَأَحْوَالٍ مُظْلِمَةٍ، وَمَلَائِكَةٍ غِلَاظٍ شِدَادٍ، وَجَهَنَّمَ تَزْفِرُ، وَجَنَّةٍ يَنْظُرُ إِلَيْهَا الْمُجْرِمُ فَيَتَحَسَّرُ، وَيَرَى صَحَائِفَ مَنْشُورَةً،*فَيُقَالُ لَهُ:*اقْرَأْ كِتَابَكَ،*فَيَقُولُ:*«وَمَا هُوَ»*؟*فَيُقَالُ:*كَانَ قَدْ وُكِّلَ بِكَ فِي حَيَاتِكَ الَّتِي كُنْتَ تَتَكَبَّرُ بِنَعِيمِهَا وَتَفْتَخِرُ بِأَسْبَابِهَا مَلَكَانِ رَقِيبَانِ يَكْتُبَانِ عَلَيْكَ مَا تَنْطِقُ بِهِ أَوْ تَعْمَلُهُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَصَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، قَدْ نَسِيتَ ذَلِكَ وَأَحْصَاهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، فَهَلُمَّ إِلَى الْحِسَابِ، وَاسْتَعِدَّ لِلْجَوَابِ، أَوْ تُسَاقُ إِلَى دَارِ الْعَذَابِ، فَيَنْقَطِعُ قَلْبُهُ فَزَعًا مِنْ هَوْلِ هَذَا الْخِطَابِ قَبْلَ أَنْ تَنْتَشِرَ الصَّحِيفَةُ وَيُشَاهِدَ مَا فِيهَا مِنْ مَخَازِيهِ،*فَإِذَا شَاهَدَهُ قَالَ:*(يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا)*[الْكَهْفِ: ٤٩]*فَهَذَا آخِرُ أَمْرِهِ،*وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:*(ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ)*[عَبَسَ: ٢٢]*فَمَا لِمَنْ هَذَا حَالُهُ وَالتَّكَبُّرُ وَالتَّعَظُّمُ؟ ، بَلْ مَا لَهُ وَلِلْفَرَحِ فَضْلًا عَنِ الْبَطَرِ؟ فَقَدْ ظَهَرَ لَهُ أَوَّلُ حَالِهِ وَوَسَطُهُ، وَلَوْ ظَهَرَ آخِرُهُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى رُبَّمَا اخْتَارَ أَنْ يَصِيرَ مَعَ الْبَهَائِمِ تُرَابًا، وَلَا يَكُونُ إِنْسَانًا يَسْمَعُ خِطَابًا أَوْ يَلْقَى عَذَابًا. فَمَنْ هَذَا حَالُهُ فِي الْعَاقِبَةِ إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ عَلَى شَكٍّ مِنَ الْعَفْوِ فَكَيْفَ يَفْرَحُ وَيَبْطَرُ؟ وَكَيْفَ يَتَكَبَّرُ وَيَتَجَبَّرُ؟ حَقًّا يَكْفِيهِ ذَلِكَ حُزْنًا وَخَوْفًا وَإِشْفَاقًا وَمَهَانَةً وَذُلًّا. فَهَذَا هُوَ الْعِلَاجُ الْعِلْمِيُّ الْقَامِعُ لِأَصْلِ الْكِبْرِ.
وَأَمَّا الْعِلَاجُ الْعَمَلِيُّ:*فَهُوَ التَّوَاضُعُ لِلَّهِ بِالْفِعْلِ، وَلِسَائِرِ الْخَلْقِ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى أَخْلَاقِ
الْمُتَوَاضِعِينَ كَمَا وَصَفْنَاهُ مِنْ شَمَائِلِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ أَحْوَالِ الصَّالِحِينَ، وَلَا يَتِمُّ التَّوَاضُعُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ إِلَّا بِالْعَمَلِ، وَلِذَلِكَ أُمِرَ الْعَرَبُ الَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِالْإِيمَانِ وَبِالصَّلَاةِ جَمِيعًا،*وَقِيلَ:*الصَّلَاةُ عِمَادُ الدِّينِ، وَفِي الصَّلَاةِ أَسْرَارٌ لِأَجْلِهَا كَانَتْ عِمَادًا، وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا فِيهَا مِنَ التَّوَاضُعِ بِالْمُثُولِ قَائِمًا وَبِالرُّكُوعِ وَبِالسُّجُودِ، وَقَدْ كَانَ الْعَرَبُ قَدِيمًا يَأْنَفُونَ مِنَ الِانْحِنَاءِ فَكَانَ يَسْقُطُ مِنْ يَدِ الْوَاحِدِ سَوْطُهُ فَلَا يَنْحَنِي لِأَخْذِهِ، وَيَنْقَطِعُ شِرَاكُ نَعْلِهِ فَلَا يُنَكِّسُ رَأْسَهُ لِإِصْلَاحِهِ، فَلَمَّا كَانَ السُّجُودُ عِنْدَهُمْ هُوَ مُنْتَهَى الذِّلَّةِ وَالضَّعَةِ أُمِرُوا بِهِ لِتَنْكَسِرَ بِذَلِكَ خُيَلَاؤُهُمْ وَيَزُولَ كِبْرُهُمْ وَيَسْتَقِرَّ التَّوَاضُعُ فِي قُلُوبِهِمْ. وَبِهِ أُمِرَ سَائِرُ الْخَلْقِ.
الْمَقَامُ الثَّانِي:*فِيمَا يَعْرِضُ مِنَ التَّكَبُّرِ بِالْأَسْبَابِ السَّبْعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ:
ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ ذَمِّ الْجَاهِ أَنَّ الْكَمَالَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ، فَأَمَّا مَا عَدَاهُ مِمَّا يَفْنَى بِالْمَوْتِ فَكَمَالٌ وَهْمِيٌّ،*وَنَحْنُ نَذْكُرُ طَرِيقَ الْعِلَاجِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ:
فِي جَمِيعِ أَسْبَابِهِ السَّبْعَةِ
الْأَوَّلُ النَّسَبُ:*فَمَنْ يَعْتَرِيهِ الْكِبْرُ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ فَلْيُدَاوِ قَلْبَهُ بِمَعْرِفَةِ أَنَّ هَذَا جَهْلٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ تَعَزَّزَ بِكَمَالِ غَيْرِهِ، وَمَنْ كَانَ خَسِيسًا فَمِنْ أَيْنَ تُجْبَرُ خِسَّتُهُ بِكَمَالِ غَيْرِهِ وَبِمَعْرِفَةِ نَسَبِهِ الْحَقِيقِيِّ أَعْنِي أَبَاهُ وَجَدَّهُ، فَإِنَّ أَبَاهُ الْقَرِيبَ نُطْفَةٌ قَذِرَةٌ، وَجَدَّهُ الْبَعِيدَ تُرَابٌ، وَقَدْ عَرَفَ اللَّهُ تَعَالَى نَسَبَهُ فَقَالَ*(وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ)*[السَّجْدَةِ: ٧، ٨]*فَإِذَا كَانَ أَصْلُهُ مِنَ التُّرَابِ وَفَصْلُهُ مِنَ النُّطْفَةِ فَمِنْ أَيْنَ تَأْتِيهِ الرِّفْعَةُ؟ فَهَذَا هُوَ النَّسَبُ الْحَقِيقِيُّ لِلْإِنْسَانِ، وَمَنْ عَرَفَهُ لَا يَتَكَبَّرُ بِالنَّسَبِ.
الثَّانِي الْكِبْرُ بِالْجَمَالِ:*وَدَوَاؤُهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى بَاطِنِهِ نَظَرَ الْعُقَلَاءِ، وَلَا يَنْظُرَ إِلَى الظَّاهِرِ نَظَرَ الْبَهَائِمِ، وَمَهْمَا نَظَرَ إِلَى بَاطِنِهِ رَأَى مِنَ الْقَبَائِحِ مَا يُكَدِّرُ عَلَيْهِ تَعَزُّزَهُ بِالْجَمَالِ، إِذْ خُلِقَ مِنْ أَقْذَارٍ وَوُكِّلَ بِهِ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ الْأَقْذَارُ، وَسَيَمُوتُ فَيَصِيرُ جِيفَةً أَقْذَرَ مِنْ سَائِرِ الْأَقْذَارِ، وَجَمَالُهُ لَا بَقَاءَ لَهُ، بَلْ هُوَ فِي كُلِّ حِينٍ يَتَصَوَّرُ أَنْ يَزُولَ بِمَرَضٍ أَوْ سَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ، فَكَمْ مِنْ وُجُوهٍ جَمِيلَةٍ قَدْ سَمُجَتْ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ. فَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ تَنْزِعُ مِنَ الْقَلْبِ دَاءَ الْكِبْرِ بِالْجَمَالِ لِمَنْ أَكْثَرَ تَأَمُّلَهَا.
الثَّالِثُ الْكِبْرُ بِالْقُوَّةِ:*وَيَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ مَا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْعِلَلِ وَالْأَمْرَاضِ، وَأَنَّهُ لَوْ تَوَجَّعَ عِرْقٌ وَاحِدٌ فِي يَدِهِ لَصَارَ أَعْجَزَ مِنْ كُلِّ عَاجِزٍ، أَوْ أَنَّ شَوْكَةً لَوْ دَخَلَتْ فِي رِجْلِهِ لَأَعْجَزَتْهُ، وَأَنَّ حُمَّى يَوْمٍ تُحَلِّلُ مِنْ قُوَّتِهِ مَا لَا يَنْجَبِرُ فِي مُدَّةٍ ; فَمَنْ لَا يُطِيقُ شَوْكَةً، وَلَا يُقَاوِمُ بَقَّةً فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْتَخِرَ بِقُوَّتِهِ. ثُمَّ إِنْ قَوِيَ الْإِنْسَانُ فَلَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ حِمَارٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ فِيلٍ أَوْ جَمَلٍ، وَأَيُّ افْتِخَارٍ فِي صِفَةٍ يَسْبِقُكَ بِهَا الْبَهَائِمُ.
السَّبَبُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ الْغِنَى وَكَثْرَةُ الْمَالِ:*وَفِي مَعْنَاهُ كَثْرَةُ الْأَتْبَاعِ وَالْأَنْصَارِ، وَالتَّكَبُّرُ بِالْمَنَاصِبِ وَالْوِلَايَاتِ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَكَبُّرٌ بِمَعْنًى خَارِجٍ عَنْ ذَاتِ الْإِنْسَانِ، وَهَذَا أَقْبَحُ أَنْوَاعِ الْكِبْرِ، فَلَوْ ذَهَبَ مَالُهُ أَوِ احْتَرَقَتْ دَارُهُ لَعَادَ ذَلِيلًا، وَكَمْ فِي الْيَهُودِ مَنْ يَزِيدُ عَلَيْهِ فِي الْغِنَى وَالثَّرْوَةِ وَالتَّجَمُّلِ، فَأُفٍّ لِشَرَفٍ يَسْبِقُهُ بِهِ يَهُودِيٌّ، أَوْ يَأْخُذُهُ سَارِقٌ فِي لَحْظَةٍ فَيَعُودُ ذَلِيلًا مُفْلِسًا.

السَّادِسُ الْكِبْرُ بِالْعِلْمِ
:*وَهُوَ أَعْظَمُ الْآفَاتِ وَعِلَاجُهُ بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ حُجَّةَ اللَّهِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ مِنَ الْجَاهِلِ مَا لَا يُحْتَمَلُ عُشْرُهُ مِنَ الْعَالِمِ، فَإِنَّ مَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى عَنْ مَعْرِفَةٍ وَعِلْمٍ فَجِنَايَتُهُ أَفْحَشُ وَخَطَرُهُ أَعْظَمُ.
ثَانِيهِمَا:*أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الْكِبْرَ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ، وَأَنَّهُ إِذَا تَكَبَّرَ صَارَ مَمْقُوتًا عَنِ اللَّهِ بَغِيضًا، فَهَذَا مِمَّا يُزِيلُ التَّكَبُّرَ وَيَبْعَثُ عَلَى التَّوَاضُعِ. وَإِذَا دَعَتْهُ نَفْسُهُ لِلتَّكَبُّرِ عَلَى فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدِعٍ فَلْيَتَذَكَّرْ مَا سَبَقَ مِنْ ذُنُوبِهِ وَخَطَايَاهُ لِتَصْغُرَ نَفْسُهُ فِي عَيْنِهِ، وَلِيُلَاحِظَ إِبْهَامَ عَاقِبَتِهِ وَعَاقِبَةِ الْآخَرِ فَلَعَلَّهُ يُخْتَمُ لَهُ بِالسُّوءِ وَلِذَاكَ بِالْحُسْنَى، حَتَّى يَشْغَلَهُ الْخَوْفُ عَنِ التَّكَبُّرِ عَلَيْهِ، وَلَا يَمْنَعُهُ تَرْكُ التَّكَبُّرِ عَلَيْهِ أَنْ يَكْرَهَهُ، وَيَغْضَبَ لِفِسْقِهِ، بَلْ يُبْغِضُهُ وَيَغْضَبُ لِرَبِّهِ إِذْ أَمَرَهُ أَنْ يَغْضَبَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَكَبُّرٍ عَلَيْهِ.
السَّابِعُ:*التَّكَبُّرُ بِالْوَرَعِ وَالْعِبَادَةِ: وَذَلِكَ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى الْعِبَادِ، وَسَبِيلُهُ أَنْ يُلْزِمَ قَلْبَهُ التَّوَاضُعَ لِسَائِرِ الْعِبَادِ،*قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ:*«مَا تَمَّ عَقْلُ عَبْدٍ حَتَّى يَكُونَ فِيهِ خِصَالٌ»*وَعَدَّ مِنْهَا خَصْلَةً قَالَ:*«بِهَا سَادَ مَجْدُهُ، وَبِهَا عَلَا ذِكْرُهُ أَنْ يَرَى النَّاسَ كُلَّهُمْ خَيْرًا مِنْهُ،*وَإِنَّمَا النَّاسُ عِنْدَهُ فِرْقَتَانِ:*فِرْقَةٌ هِيَ أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَرْفَعُ، وَفِرْقَةٌ هِيَ شَرٌّ مِنْهُ وَأَدْنَى، فَهُوَ يَتَوَاضَعُ لِلْفِرْقَتَيْنِ جَمِيعًا بِقَلْبِهِ، وَإِنْ رَأَى مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ سَرَّهُ ذَلِكَ وَتَمَنَّى أَنْ يَلْحَقَ بِهِ،*وَإِنْ رَأَى مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ قَالَ:*لَعَلَّ هَذَا يَنْجُو وَأَهْلِكُ أَنَا، فَلَا تَرَاهُ إِلَّا خَائِفًا مِنَ الْعَاقِبَةِ،*وَيَقُولُ:*لَعَلَّ بِرَّ هَذَا بَاطِنٌ فَذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ، وَلَا أَدْرِي لَعَلَّ فِيهِ خُلُقًا كَرِيمًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَتُوبَ عَلَيْهِ، وَيَخْتِمَ لَهُ بِأَحْسَنِ الْأَعْمَالِ، وَبِرِّي ظَاهِرٌ فَذَلِكَ شَرٌّ لِي، فَلَا يَأْمَنُ فِيمَا أَظْهَرَهُ مِنَ الطَّاعَةِ أَنْ يَكُونَ دَخَلَهَا الْآفَاتُ فَأَحْبَطَتْهَا»*،*قَالَ:*«فَحِينَئِذٍ كَمُلَ عَقْلُهُ وَسَادَ أَهْلَ زَمَانِهِ»*.
وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ هَذَا الْإِشْفَاقِ قَوْلُهُ تَعَالَى:*(يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)*[الْمُؤْمِنُونَ: ٦٠]*أَيْ أَنَّهُمْ يُؤْتُونَ الطَّاعَاتِ وَهُمْ عَلَى وَجَلٍ عَظِيمٍ مِنْ قَبُولِهَا،*وَقَالَ تَعَالَى:*(إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ)*[الْمُؤْمِنُونَ: ٥٧]*وَقَالَ تَعَالَى:*(إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ)*[الطُّورِ: ٢٦]*.
وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مَعَ تَقَدُّسِهِمْ عَنِ الذُّنُوبِ وَمُوَاظَبَتِهِمْ عَلَى الْعِبَادَاتِ بِالدَّؤُوبِ عَلَى الْإِشْفَاقِ فَقَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ:*(يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ)*[الْأَنْبِيَاءِ: ٢٠]*،*(وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)*[الْأَنْبِيَاءِ: ٢٨]*فَمَتَى زَالَ الْإِشْفَاقُ وَالْحَذَرُ غَلَبَ الْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْكِبْرَ، وَهُوَ سَبَبُ الْهَلَاكِ، فَالْكِبْرُ دَلِيلُ الْأَمْنِ وَالْأَمْنُ مُهْلِكٌ، وَالتَّوَاضُعُ دَلِيلُ الْخَوْفِ، وَهُوَ مُسْعِدٌ.
فَإِذَنْ مَا يُفْسِدُهُ الْعِبَادُ بِإِضْمَارِ الْكِبْرِ وَاحْتِقَارِ الْخَلْقِ أَكْثَرُ مِمَّا يُصْلِحُهُ بِظَاهِرِ الْأَعْمَالِ.
فَهَذِهِ مَعَارِفُ بِهَا يُزَالُ دَاءُ الْكِبْرِ عَنِ الْقَلْبِ، إِلَّا أَنَّ النَّفْسَ بَعْدَ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ قَدْ تُضْمِرُ التَّوَاضُعَ، وَتَدَّعِي الْبَرَاءَةَ مِنَ الْكِبْرِ وَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ عَادَتْ إِلَى طَبْعِهَا، فَعَنْ هَذَا لَا

يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى فِي الْمُدَاوَاةِ بِمُجَرَّدِ الْمَعْرِفَةِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَكْمُلَ بِالْعَمَلِ، وَتُجَرَّبَ بِأَفْعَالِ الْمُتَوَاضِعِينَ فِي مَوَاقِعِ هَيَجَانِ الْكِبْرِ مِنَ النَّفْسِ، وَبَيَانُهُ أَنْ يَمْتَحِنَ النَّفْسَ بِالِامْتِحَانَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى اسْتِخْرَاجٍ مَا فِي الْبَاطِنِ، وَالِامْتِحَانَاتُ كَثِيرَةٌ،*فَمِنْهَا وَهُوَ أَوَّلُهَا:*أَنْ يُنَاظِرَ فِي مَسْأَلَةٍ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ أَقْرَانِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ شَيْءٌ مِنَ الْحَقِّ عَلَى لِسَانِ صَاحِبِهِ فَثَقُلَ عَلَيْهِ قَبُولُهُ وَالِانْقِيَادُ لَهُ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَنْبِيهٍ فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِيهِ كِبْرًا دَفِينًا، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ فِيهِ وَيَشْتَغِلْ بِعِلَاجِهِ.
أَمَّا مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ فَبِأَنْ يُذَكِّرَ نَفْسَهُ خِسَّةَ نَفْسِهِ، وَخَطَرَ عَاقِبَتِهِ وَأَنَّ الْكِبْرَ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِاللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا الْعَمَلُ فَبِأَنْ يُكَلِّفَ نَفْسَهُ مَا ثَقُلَ عَلَيْهِ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ، وَأَنْ يُطْلِقَ اللِّسَانَ بِالْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ، وَيُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ،*وَيَشْكُرَهُ عَلَى الِاسْتِفَادَةِ وَيَقُولَ:*«مَا أَحْسَنَ مَا فَطِنْتَ لَهُ، وَقَدْ كُنْتُ غَافِلًا عَنْهُ فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا كَمَا نَبَّهْتَنِي لَهُ»*فَالْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَإِذَا وَجَدَهَا يَنْبَغِيَ أَنْ يَشْكُرَ مَنْ دَلَّهُ عَلَيْهَا.
فَإِذَا وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَةً صَارَ ذَلِكَ لَهُ طَبْعًا، وَسَقَطَ ثِقَلُ الْحَقِّ عَنْ قَلْبِهِ، وَطَابَ لَهُ قَبُولُهُ، وَمَهْمَا ثَقُلَ عَلَيْهِ الثَّنَاءُ عَلَى أَقْرَانِهِ بِمَا فِيهِمْ فَفِيهِ كِبْرٌ.
الِامْتِحَانُ الثَّانِي:*أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَ الْأَقْرَانِ وَالْأَمْثَالِ فِي الْمَحَافِلِ وَيُقَدِّمَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَمْشِيَ خَلْفَهُمْ، وَيَجْلِسَ فِي الصُّدُورِ تَحْتَهُمْ، فَإِنْ ثَقُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُتَكَبِّرٌ. فَلْيُوَاظِبْ عَلَيْهِ تَكَلُّفًا حَتَّى يَسْقُطَ عَنْهُ ثِقَلُهُ، فَبِذَلِكَ يُزَايِلُهُ الْكِبْرُ.
وَهَاهُنَا لِلشَّيْطَانِ مَكِيدَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَجْلِسَ فِي صَفِّ النِّعَالِ أَوْ يَجْلِسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَقْرَانِ بَعْضُ الْأَرْذَالِ فَيَظُنَّ أَنَّ ذَلِكَ تَوَاضُعٌ، وَهُوَ عَيْنُ الْكِبْرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُخِفُّ عَلَى نُفُوسِ الْمُتَكَبِّرِينَ إِذْ يُوهِمُونَ أَنَّهُمْ تَرَكُوا مَكَانَهُمْ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَالتَّفَضُّلِ فَيَكُونُ قَدْ تَكَبَّرَ بِإِظْهَارِ التَّوَاضُعِ أَيْضًا، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ أَقْرَانَهُ، وَيَجْلِسَ بِجَنْبِهِمْ، وَلَا يَنْحَطَّ عَنْهُمْ إِلَى صَفِّ النِّعَالِ، فَذَلِكَ هُوَ الَّذِي يُخْرِجُ خُبْثَ الْكِبْرِ مِنَ الْبَاطِنِ.
الِامْتِحَانُ الثَّالِثُ:*أَنْ يُجِيبَ دَعْوَةَ الْفَقِيرِ، وَيَمُرَّ إِلَى السُّوقِ فِي حَاجَةِ الرُّفَقَاءِ وَالْأَقَارِبِ، فَإِنْ ثَقُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَهُوَ كِبْرٌ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَالثَّوَابَ عَلَيْهَا جَزِيلٌ، فَنُفُورُ النَّفْسِ عَنْهَا لَيْسَ إِلَّا لِخُبْثٍ فِي الْبَاطِنِ، فَلْيَشْتَغِلْ بِإِزَالَتِهِ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ مَعَ تَذَكُّرِ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْمَعَارِفِ الَّتِي تُزِيلُ دَاءَ الْكِبْرِ.
الِامْتِحَانُ الرَّابِعُ:*أَنْ يَحْمِلَ حَاجَةَ نَفْسِهِ وَحَاجَةَ أَهْلِهِ وَرُفَقَائِهِ مِنَ السُّوقِ إِلَى الْبَيْتِ، فَإِنْ أَبَتْ نَفْسُهُ ذَلِكَ فَهُوَ كِبْرٌ أَوْ رِيَاءٌ.
وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَعِلَلِهِ الْمُهْلِكَةِ لَهُ إِنْ لَمْ تَتَدَارَكْ. وَقَدْ أَهْمَلَ النَّاسُ طِبَّ الْقُلُوبِ وَاشْتَغَلُوا بِطِبِّ الْأَجْسَادِ مَعَ أَنَّ الْأَجْسَادَ قَدْ كُتِبَ عَلَيْهَا الْمَوْتُ لَا مَحَالَةَ،*وَالْقُلُوبُ لَا تُدْرِكُ السَّعَادَةَ إِلَّا بِسَلَامَتِهَا إِذْ قَالَ تَعَالَى:*(إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)*[الشُّعَرَاءِ: ٨٩]*.
بَيَانُ غَايَةِ الرِّيَاضَةِ فِي خُلُقِ التَّوَاضُعِ:
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخُلُقَ كَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ لَهُ طَرَفَانِ وَوَسَطٌ، فَطَرَفُهُ الَّذِي يَمِيلُ إِلَى الزِّيَادَةِ
يُسَمَّى تَكَبُّرًا، وَطَرَفُهُ يَمِيلُ إِلَى النُّقْصَانِ يُسَمَّى تَخَاسُسًا وَمَذَلَّةً، وَالْوَسَطُ يُسَمَّى تَوَاضُعًا، وَالْمَحْمُودُ أَنْ يَتَوَاضَعَ فِي غَيْرِ مَذَلَّةٍ وَتَخَاسُسٍ،*فَإِنَّ:
كِلَا طَرَفَيْ قَصْدِ الْأُمُورِ ذَمِيمُ
وَأَحَبُّ الْأُمُورِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْسَاطُهَا، فَمَنْ يَتَقَدَّمْ عَلَى أَمْثَالِهِ فَهُوَ مُتَكَبِّرٌ، وَمَنْ يَتَأَخَّرْ عَنْهُمْ فَهُوَ مُتَوَاضِعٌ، أَيْ وَضَعَ شَيْئًا مِنْ قَدْرِهِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ، وَالْعَالِمُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ دَنِيءٌ فَتَنَحَّى لَهُ عَنْ مَجْلِسِهِ وَأَجْلَسَهُ فِيهِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ وَسَوَّى لَهُ نَعْلَهُ، وَغَدَا إِلَى بَابِ الدَّارِ خَلْفَهُ فَقَدْ تَخَاسَسَ وَتَذَلَّلَ، وَهُوَ أَيْضًا غَيْرُ مَحْمُودٍ، بَلِ الْمَحْمُودُ عِنْدَ اللَّهِ الْعَدْلُ، وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَاضَعَ بِمِثْلِ هَذَا لِأَقْرَانِهِ وَمَنْ يَقْرُبُ مِنْ دَرَجَتِهِ، فَأَمَّا تَوَاضُعُهُ لِلسُّوقِيِّ فَبِالْقِيَامِ وَالْبِشْرِ فِي الْكَلَامِ وَالرِّفْقِ فِي السُّؤَالِ وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ وَالسَّعْيِ فِي حَاجَتِهِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، وَأَنْ لَا يَرَى نَفْسَهُ خَيْرًا مِنْهُ فَلَا يَحْتَقِرُهُ، وَلَا يَسْتَصْغِرُهُ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ خَاتِمَةَ أَمْرِهِ.

تم بحمد الله
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-22-2022, 02:33 AM
ابو عبد الرحمن المهناوي ابو عبد الرحمن المهناوي غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: شرق الجزائر (سكيكدة)
المشاركات: 37
افتراضي ترجل النساء وتحزبهن: أسبابه و أثاره على الأسرة والمجتمع

الحمد لله ربّ العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين وآله و صحبه أجمعين أما بعد:

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:((" لا يمنعنّ رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه أو شهده أو سمعه، ((وفي لفظ)) فإنه لا
يقرب من أجل و لا يباعد من رزق"))السلسلة الصحيحة:ج1-ص168 للعلامة الألباني
قال الله تعالى في محكم تنزيله في وصف المؤمنين ((أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ))الآية .وقال في وصف الكفرين: من المنافقين والملحدين والمشركين((أولئك حزب الشيطان آلا إن حزب الشيطان هم الخاسرون )) -الآية- فأن التحزب قديم في الناس من يوم أن خلق الله أول مخلوق من البشر وهو أبونا ادم عليه وعلى رسولنا الصلاة والسلام ثم جعل منه زوجه أمنا حواء ،فبعد آن أبى إبليس اللعين أن يمتثل أمر الله بالسجود لأبي البشر إكراما وإجلالا، ، وتم طرده*وإبعاده من رحمته لحسده و تكبره،عند ذلك طلب من الله أنظاره إلى يوم القيامة ((قال أنضرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنضرين إلى يوم الوقت المعلوم))الآية.،فمن ذلك الحين سعى اللعين للانتقام من أبونا أدم وزوجه عليهما السلام بإغوائهما ومحاولة جعلهما من حزبه بتوريطهما في مخالفة تحذير الله لهما من الأكل من الشجرة ((ودلهما بغرور ))الآية ((ونادهما ربهما الم أنهاكما عن تلكما الشجرة واقل لكما إن الشيطان* لكما عدو مبين )) الآية- ((قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننا من الخاسرين ))-الآية- ((قال أهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو))-الآية-ومن ذلك الحين بدء الصراع بين إبليس و أتباعه من الإنس والجن وحميرهم الأغبياء المغفلين، والمؤمنين من ذرية ادم من الأنبياء وإتباعهم من الأولياء والأصفياء الفطناء المفلحين .

فالتحزب يكون على الدين الحق أو على دين باطل (محرف أو وضعي ) أو أهوى و مصالح

الاول :الدين الحق .فالمؤمنون الصادقون متحزبون متآزرون متحابون في الله لقول الله تعالى((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر))و جاء في الحديث الصحيح وصف المؤمنين بأنهم:((...يسعى بذمتهم أذناهم وهم يد على من سواهم))وجاء في حديث أخر صحيح ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتك منه عضو تدعا له سائر الجسد بالسهر والحمى )).*وهذا هو التحزب الذي يدعو إليه الإسلام*ويحث عليه، ويحبه الله ويرضاه للمؤمنين.((...آلا إن حزب الله هم المفلحون ))الآيةـ و المرأة داخلة في هذا الحث والتوجيه من الحكيم الرحيم.((النساء شقائق الرجال)) كما جاء في الحديث الصحيح
الثاني :ويقابله التحزب على دين محرف أو وضعي : كاليهودية والنصرانية وغيرهما من الملل الباطلة كالمجوسية :(الشيعة الغلاة من الرافضة وغيرهم ) و البوذية و الهندوسية والكنفوسشية فكل من تحزب على مثل هذه الأديان المحرفة و الملل الوضعية فهو في حقيقة الأمر منخرط في حزب الشيطان اللعين ويلحق بهذه الأديان والملل المحرفة أو الوضعية توابعها من الحركات الباطنية السرية :كالماسونية والبهائية والقديانيية و الإسماعيلية

وكذلك التحزب حول الإيديولوجيات العلمانية المعاصرة: كالديمقراطية واللبرالية (اليمينيين ) والاشتراكية والشيوعية (اليساريين )وغيرها من نتاج زبالة أفكار الملحدين ، فكل متحزب مع هؤلاء عن وعي و رغبة لا عن غفلة أو رهبة(تقية)
فهو منهم ((أولئك حزب الشطان آلا إن حزب الشطان هم الخاسرون ))-الآية-. و قريب من هذا التحزب الملي: *
تحزب نحل الضلال والبدعة لمنافسة أو محاربة أهل السنة والجماعة، و كذلك تحزب النساء المترجلات بعضهن مع البعض وجعل الرجال تبع لهن.((لن يفلحوا قوما ولوا أمرهم امرأة )) الحديث.
فتحزب الملل الكافرة يعد تهديدا للمسلمين من الخارج و تحزب نحل الضلال والبدعة، وكذاك النساء المترجلات هو تفتيت و إضعاف للمسلمين من الداخل.
كيف تتحزب المرأة*وتصير مترجلة؟
الاوضاع التي تجعل المرأة مترجلة:
الوضع الاول –إن الرجال والنساء في بعض الشعوب والقبائل التي انتشرت فيها البدع والموبقات وكبدعة الإرجاء والطرق الصوفية المنحرفة والشعودة والسحر ، تجدهم خرا فيون جاهلون بمبادئ الإسلام ،لا يتربي فيها الأولاد على التوحيد والإتباع :(الدعامتان للوعي و الاستقامة) فينشئون جفاة غلاظ أنانيون(قساة) آو ضعاف مذللين متواكلين (لينون) ،فإذا كبروا وجدوا أنفسهم طفيليين عاجزين عن مواجهة مصاعب الحياة ،فيستغلون ضعف و حنان الأم أو الأخت(النساء ) لابتزازها وجعلها تقوم بالعمل خارج البيت بدلهم، و قد ينحرفوا إلى الإجرام الفكري (النصب والاحتيال واحتراف التزلف والتملق للساسة و الؤجهاء ) والعملي(السطو على البيوت وقطع الطريق أو إدمان وترويج المسكرات والمخدرات و غيرها من الانحرافات )، فتتحمل المرأة أعباء الداخل (البيت) وتكره على تحمل أعباء الخارج (هم إعالة الأسرة مع وجود الراعي العاجز)فإن كانت طيبة(فيها غفلة الصالحين) وابتليت بهذا الصنف من فاقدي المروءة نتيجة لما قدمت يدها من التنشئة الفاسدة عن غير قصد،عاشت في كد وجهد إلى أخر أيامها . ((جزاءا وفاقا ))-الآية-ونرجو الله ان يكون تعب هؤلاء النسوة كفارة لذنوبهن إن رزقهن الله حسن الخاتمة ، ويتخرج من مثل هذه الأسر أولاد أنانيون ماديون لا يعيرون للفضائل أي قيمة ،استغلاليون ابعد ما يكونو عن العدل والإنصاف،إلا أن يجدوا من يأخذ بأيديهم إلى سواء الصراط ويهديهم الله على يديه.
و إن كانت ذكية و حريصة على زخارف الدنيا ،ماكرة ومتجاهلة لإحكام الدين وقدر الله لها أن اقترنت بزوج خامل سلبي أو أحمق أناني ، تحملت هذه الأعباء مع سحب القوامة منه ، ومن هنا تنقلب الموازين في مثل هذه الأسر فتصير المرأة هي المسطرة على دواليب الأسرة ،فإن رزقوا أولاد أحاطت نفسها ببناتها وبمن لا يشوش عليها من الذكور الهادئين اللينين أو الحمقاء المذللين مع إبعاد وتغييب الأقوياء القياديين (تنظيرا أو تطبيقا )، وجعل كل الذكور بما فيهم الأب السلبي أو الأحمق مجرد غطاء لما تقرره هذه المترجلة مع بنات جنسها المقربات منها . ،وهذه إحدى الطرق التي تتشكل منها المجتمعات المفككة (الأعراش النسوية )ويتخرج من هذه الأسر الغير منسجمة ، دوي الإعاقات النفسية من حمقاء أنانيون و مصلحيون استغلاليون ومراءون مغفلون وصرحاء مقهورون (وهؤلاء تجدهم متفقون على أن لا يتفقوا، قد استقل الشيطان بكل واحد منهم وصمم له في مخيلته دولة خاصة به ،( لا لبعضهم بعضا آزروا و نصروا ولا لعدوهم أرعبوا و قهروا)، وفي المقابل تجد في كثلة النساء ( الغير قابلة للاختراق )ماكرات مترجلات و نمامات مفسدات او مغرورات مغفلات بسيطات مقهورات (وهؤلاء النسوة تجدهن متفقات على أن لا يتفق أو يتقارب من هم حولهن من الإخوة والأخثان :(أزواج البنات والأخوات (حتى لا يتفطنوا لألاعبهن فيضعوا حدا لرعونتهن.


الوضع الثاني- فسليمة الفطرة من النساء ،المؤمنة بقدر الله، تجدها راضية بقضائه خاضعة لأحكامه جل وعلا ،قال الله تعالى موجها خطابه لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وهن اطهر نساء المؤمنين ومن يجب على كل نساء المسلمين الاقتداء بهم-ن .(( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ))-الآية- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح((...والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها... ))وقال الله تعالى ((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ))-الاية- وقال عز وجل ((وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكن لهم الخيرة من أمرهم ومن يطيع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ))-الآية- وقال تعالى ((أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون))-الاية- وقال الله تعالى ((فوربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ))-الآية– فالمؤمنة الصادقة تجدها راضية بقوامة واليها في كل مراحل حياتها سوءا كانت بنتا أو أختا أو زوجة أو أما، فهي في كفالة أبيها إن كانت عزباء فإن مات أبوها صارت في كفالة إخوانها فإن تزوجت انتقلت إلى كفالة زوجها فإن مات زوجها وكانت لها أولاد تكفل بها أبناءها وإن لا رجعت إلى دويها . و هذا هو الوضع الطبيعي الذي ينتج لنا نفوسا سوية و أسرا مترابطة وتكافل اجتماعي مبني على الرحمة والشعور بالمسؤولية ،فإن انحرفت المرأة و ركبت رأسها وترجلت (بأن جعلت من نفسها رأس القاطرة )أفسدت كل من حولها إلا من أنكر عليها وتحشاها ((وكان عاقبة أمرها خسرا))-الآية- وقد جاء في الأثر: ( لعن الله النساء المتشبهات بالرجال ...) وعن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :((لن يفلحوا قوما ولو أمرهم امرأة ))كما جاء في الحديث الصحيح
.
فالأنظمة الوضعية (اللادينية) المتحكمة في رقاب المسلمين بالوكالة من الشرق(الدب الروسي)أوالغرب( الذئب الأرو أمريكي) التي تسوي بين الرجال والنساء في التعليم و لا تعترف بخصائص كل جنس و تقحم بالمرأة في مجلات لا تتوافق مع طبيعتها الأنثوية الرقيقة مثل:الجندية(شرطة - درك -عسكر- جمارك-حماية مدنية)(هناك فتوى للشيخ الفوزان عضو هيئة كبارالعلماء (ولغيره من العلماء)، في حرمة تجنيد المرأة .-فالتراجع-) والإمارة(رئيس-ة- وزير-ة -والي-ة -رئيس-ة دائرة- رئيس-ة مجلس شعبي-رئيس-ة مؤسسة مختلطة -رئيس-ة مصلحة مختلطة)والقضاء و لو كان شرعيا(نائب-ة عام -قاضي -ة رئيس-ة محكمة-وكيل-ة جمهورية ) والوظائف والحرف الخاصة بالرجال كالرقابة والتفتيش والحراسة و ألسياقه والنجارة والحدادة والبناء ، وكل عمل فيه اختلاط بالرجال ،هو :السبب في إفساد فطرة المرأة وانتكاسها حتى صارت متمردة على خالقها ودينها ودويها مترجلة معتمدة على نفسها متعلقة ومستغنية براتبها عابدة له (الغالبية من النساء العاملات (إماء الراتب) إذا خيرت بين الزواج مع القرار في البيت للقيام على الأسرة وتربية الأولاد،فضلت العمل و العنوسة على الزواج المشروط)متبعة لهواها وشيطانها على حساب حيائها وأسرتها و مجتمعها .

موقف المرأة المترجلة من الحق
الناس ثلاثة اصناف :
صنف الاول :من يؤمن بالحق وينصاع له قويا كان او ضعيف ،كالتلميذ الوفي مع شيخه والابن البار مع والديه والعامل(الولي ) الصادق المنصف مع أميره (الخليفة )أو الأجير المؤمن الأمين مع سيده )وهؤلاء هم :(الصالحين المصلحين )
صنف الثاني :لا ينقاد للحق الا في حالة الضعف فإذا قوي سعى لقهر من له الفضل عليه ومحاولة الانقلاب عليه ولو كان النبي أو معلمه أو أباه (وهؤلاء هم الذين يسعون الى العلو و الفساد في الأرض ويعون ما إليه يقصدون من الإفساد (جند إبليس)وكذلك المعتدون(الدال مشددة) بأنفسهم ،المأسورين لأهوائهم الذين لا يفرقون بين اراءهم والحق (ما أريكم إلا ما أراء)- الآية- فيترتب على سلوكهم الفساد في الأرض بدون قصد الإفساد)(أو قل المهندسون من الانقلابيين والعمليون)
الصنف الثالث :من ليس لهم موقف نابع عن قناعة ذاتية ،فهم مع من غلب صالحا كان أو طالحا (الذين يساقون كالقطيع).جاء في الاثر عن علي رضي الله عنه :(الناس ثلاث :عالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة (هؤلاء هم الصالحين والمصلحين )وهمج رعاع متبعين لكل ناعق لم يستضيؤا بنور العلم وهم :( الرعاع المغفلين المتبعين لكل ناعق من الانقلابيين .)
فالمرأة المترجلة لا تستطع ان تنفك عن السلوك الانقلابي إلا إذا لم تجد من تنقلب عليه كالسفهاء المدمنين (الأذلاء المنكسرين)أو النسويين المائعين:(المخنثين) أو الماديين الاستغلاليين :(كالديوث والبخيل والطماع ) فهؤلاء لا تهمهم القوامة بقدر ما تهمهم مصالحهم المادية أو المعنوية ومن يوفرها لهم كان من كان؟ ولو على حساب دينهم أو مروءتهم (رجولتهم.)


كيف تهدم المرأة المترجلة أسرتها ومجتمعها ؟
وقال الله تعالى ((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا ))الآية – وقال تعالى ((وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ))-الآية -وجاء في الحديث الصحيح ((لن يفلحوا قوما ولو أمرهم امرأة)) الحديث ،فالمرأة المترجلة اذا قدر الله عليها أن اقترنت برجل مؤمن :(فيه القوة و الأمانة ) عملت على ترويضه وسلخه بالتدريج من مصدر رجولته وهو: (التدين الصحيح) إلى أن تصل إلى هدفها وهو:أن تصير هي الآمرة الناهية ،علانية أو من وراء الستار،لا يهمها ذالك لانها لا تعترف بقوامة الرجل ولا بملكيته ولا تراه حتى مشاركا لها في توجيه وتربية أولادهم ،(فهو و أولاده و ماله ملكا لها ) فهي لا تريد منه إلا حاجتها النفسية إن كانت عفيفة ،و ان يكون مجرد غطاء لما تقوم به مع وحشياتها .وإلا فالحرب سجال إلى أن ينصاع احد الطرفين ،وإثناء ذلك تستقوي عليه بالحمقاء و الخانعين من دويها (وما أكثر هذا الصنف من أشباه الرجال الذين ينتصرون لبناتهم أو أخواتهم ظالمات أو مظلومات)أو الاستعانة عليه بالكهنة والمشعوذين ،وكذلك تعمل على تحزيب الأولاد ضده وتأليبهم عليه و تحيط نفسها ببناتها أولا، ثم بالضعاف من الذكور وتبعد وتغييب الأقوياء المنصفين وان كانوا صالحين ,وبهذا تغرس الكراهية والفرقة بين البنين والبنات من جهة وبين النبهاء والمغفلين من الأولاد من جهة أخرى،و هكذا تصير هذه الأسرة حلبة صراع بين الذكور و الإناث من جهة وبين السلبيين المنقادين للمترجلات والايجابيين الثائرين على ترجل النساء بما فيهم الأمهات .فأسرة مثل هذه لا توفق الى التآلف والاستقرار ولا تهتدي إلى الطريق المستقيم في الدين ولا إلى الخلق القويم في التعامل مع المخلوقين، لان التدين الصحيح لا تصل إليه ألا بالعقل الحر السليم (الفطرة السوية) بعد توفيق الله ،والخلق القويم لا تصل إليه إلا بقوة الإرادة والتجرد من حظوظ النفس(الطمع في ما في أيدي الناس) بعد إعانة الله أما القلوب المنكوسة(أشباه اليهود) والعقول المغيبة (أشباه النصارى) فمستقرهم في الغي أو الضلال أعادنا الله من أوصاف المغضوب عليهم والضالين.إن مثل هذه الأسر والمجتمعات لا مطمع لأحد في إصلاحها أو تغييرها(إلا أن يشاء الله)بل الهروب منها هو الأولى مع الاحتراز من العقوق و قطيعة الرحم
فهذه التجمعات والاعراش المحسوبة على المسلمين في الظاهر تجدهم من ألذ أعدائهم في أوقات المحن والحروب، والتأريخ خير شاهد (عرش بني أعداس (غجر الجزائر ) نموذجا ،وغيرها من الاعراش النسوية التي تخرج ويتخرج منها الكثير من الخونة(الحركى :عملاء المستدمر المنافقين )الخائنين لدينهم وبني جلدتهم

الاثار السلبية لترجل المراة
الآثار السلبية على الذكور :إن الذكر المتربى بين المترجلات إما أن يشركوه في جلساتهن فينهل من أوصافهن ما الله به عليم أو يبعدوه ان كان فطنا معارضا فينشاء مغيبا لا يعرف حقائق الأمور إلا أن يشاء الله له الهداية ،والقلة من الرجال من يستطيع الانفلات من مخالب هؤلاء النسوة الماكرات فهن كالعقارب تلسع ما لم يقطع ذيلها ، نسأل الله أن يطلق سراح المأسورين بحبائلهن، فالضحايا لهؤلاء الماكرات منشغلون بالبحث عن أنفسهم ،أن بقيت لهم عقول؟من أن يبحثوا عن الدين الصحيح الذي تبنى عليه الرجولة ،
إذا، فترجل النساء هو حرب على عقول الذكور ورجولتهم، ((فلا دين بلا عقل ولا رجولة بلا دين)). إن هذه الوكالة عن ابليس التي تقوم بها المرأة المترجلة لم يستطع القيام بها إلا اليهود (أحفاد القردة و الخنازير)ومن شابههم من المنافقين، ((فهنيئا لكي ايتها الرعناء هذه النيابة عن شيخكي الملعون وهذه المنافسة لأخس عبيده))
الآثار السلبية على الإناث:فالمرأة التي تتربى مع مترجلات تتأثر بأوصافهن لا محالة وإلا صارت منبوذة مبعدة ويتسلطن عليها بالذم والتقريع إلى أن تفقد الثقة بنفسها فتصر تابعة رغم انفها وهناك قاعدة في علم النفس تسمى(التوحد بالمعتدي) تقول:إذا قهرت من طرف شخص ظالم، توحدت معه (تقمصت شخصيته)وصرت تمارس أسالبه في الظلم مع غيرك بلا شعور منك إلى أن تتعود تلك الأساليب،وهو المثال الساري بين الناس من قولهم: (تقليد المغلوب للغالب) -تعقيب- : (إن لم يكن لك تدين مبني على قواعد صحيحة مع وعي) –المهناوي – أما الذكية الأنانية فتتتلمذ على كبراتهن حتى تصير مثلها أو أعلى درجة منها فيكونون كتلة داخل الأسرة يصعب اختراقها ويصرن يتلاعبن بعقول المحيطين بهن من المغفلين فيرفعون المنصاع الجاهل وان كان أحمقا أو فاسقا ويحطون من قيمة صاحب المبدأ والدين المتفطن لألاعبهن وان كان احرص الناس على مصلحتهن. وقائدهن (شكلا )من يسير في فلكهن ويحقق لهن رغباتهن وان كان من أحمق او افسق الناس ، فإذا تبرم أو تعثر تخلين عنه ورموه بكل نقيصة واستبدلوه بغيره من المأسورين بحبائلهن.

هل للمرأة المترجلة توبة ؟ومن ما تتوب؟

ان تعامل الناس بعضهم مع بعض عادة تراعى فيه ثلاثة جوانب وهي :الجانب الأدبي –الجانب التنظيمي – والجانب العلمي – ولكن بعض المتسلطين يخلط بين هذه الجوانب ويستغل حياء الناس وجهلهم أو تملقهم ليمرر لهم قناعات وسلوكيات ما هي بعلمية ولا أدبية .
الاول: الجانب الادبي ،فإذا تعاملت مع أي شخص فأول جانب الذي يجب عليك ان ترعيه هو الجانب الأدبي: هل هذا المتعامل معه على دينك او على غير دينك ؟–هل هو من أرحامك أو من الأباعد ؟–هل هو جارك أو من غير جرأنك؟- وهل هو يكبرك أم يصغرك (علما أوسنا )؟– فإن لهؤلاء الأفاضل حقوق ليس لغيرهم من التوقير و التبجيل والإكرام.
الثاني :الجانب التنظيمي :هل هذا المتعامل معه، شيخك أم تلميذك ؟هل هو أباك أم ابنك ؟هل هو ولي أمرك أو احد رعيتك؟هل هو سيدك أم أجيرك؟ وهل هو قائدك أم جندييك. فإن لهؤلاء الكبار من الانقياد والطاعة في غير معصية الله والنصيحة بالمعرف ما ليس لغيرهم ،والرحمة والشفقة على الصغار منهم ما ليس لغيرهم (ملاحضة):ان الشيخ والوالد يجتمع فيهما الجانبان :الأدبي والتنظيمي ولهذا قدموا على غيرهم .
الثالث:الجانب العلمي :ان التعامل مع الناس في هذا الجانب يجب ان يكون المعتبر فيه هو الدليل في النقليات والبرهان في العقليات ولا اعتبار للكبير و الصغير و لا للأمير والحقير وللغني والفقير إذ أن الناس سواسية في مسائل العلم والعمل به والمقدم هو صاحب الحجة كبيرا كان أم صغير أميرا كان أم حقيرا غنيا كان أم فقيرا ولجهل عوام الناس وأنصاف المتعلمين بما فيهم المتدينين بهذا المبدأ تراهم ينبهرون بالوجهاء من هذه الأصناف فيتبنون كلامهم ويقلدون سلوكهم كأقوال و أفعال صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم ولا يناقشونها او يعترضون عليها وكأنها وحي منزل من الحكيم الخبير. ويزدرون الصغار من هؤلاء ويطعنون في نواياهم ويسفهون أقوالهم وينتقدون سلوكهم ولو كانت الحجة معهم بل و يصفونهم بالأوصاف المقززة لتنفير الناس عنهم
وما علاقة المرأة المترجلة بهذا الكلام ؟
فعلاقتها كالتالي:
إن المرأة المترجلة متسلقة على كل هذه الجوانب و ألذ خصومها هو العلم الشرعي أو حتى المنطقي فإن تدينت فبالقشر لا بالروح (إي بالمفهوم النصراني لا بالمفهوم الإسلامي ،من أن التدين هو علاقة بين العبد وربه في المسجد ولا علاقة له بالمجتمع توجيها وتنظيما ) أو تسترت ببعض الأدب فهو إلى الإفرنجي أقرب (من سفور وتبرج وتعطر واختلاط و تجدها وخراجة ولاجة بلا ضرورة ولا حاجة ، و تجتمع كل هذه الخصال في الصلف و قلة الحياء ) اما الجانب التنظيمي فلا ترى فوقها أحدا لا أبوها ولا آخوها ولا زوجها ولا حتى ابنها بعد بلوغه سن الرشد ،الكل تحت سلطانها و يجب أن يعترفوا بعبقريتها و ينصاعوا لأوامرها ويترقبوا مخططاتها وإلا طلهم الإبعاد والتأليب . -
وألان فلنرجع الى السؤال :
من ما تتوب المرأة المترجلة؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور ((...الكبر بطر الحق وغمط الناس))أي رد الحق واحتقار الناس ، وقد تبين أن المرأة المترجلة تتحاشى (تبتعد عن) العلم الذي و يجلي حقيقتها و يعرفها نفسها ، والأدب الأصيل الذي يقيد سلوكها ويحد من نزواتها ،والتنظيم الشرعي العرفي الذي يحجر عليها ويلزمها حدودها ،ألآ يعد هذا كبرا ؟إذا، فالتوبة تكون من الكبر.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال أحد الصحابة (رضي الله عنهم ) الرجل منا يحب ان يكون ثوبه حسنا ونعله حسن ؟فقال عليه السلام : إن الله جميل ويحب الجمال . ( (( الكبر بطر الحق وغمط الناس))

والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات
كتبه أبو عبد الرحمن مالك بن يوسف المهناوي الأثري

وهذه بعض النقول من كتاب مؤعظة المؤمنين من احياء علوم الدين لعلامة الديار الشامية المحدث الزاهد الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله يتكلم فيها عن الكبر:(حقيقته و بواعثه وعلاجه)من صفحة43 –الى54 وإن كان الكلام عن الكبر جاء و كأنه موجه للرجال ، فالكبر ليس خاص بالرجال ولا بالنساء ، فهو صفة ،من اتصف بها فهو المقصود .
كِتَابُ ذَمِّ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ
مَا وَرَدَ فِي ذَمِّ الْكِبْرِ
قَالَ تَعَالَى:*(سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)*[الْأَعْرَافِ: ١٤٦]*وَقَالَ تَعَالَى:*(كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)*[غَافِرٍ: ٣٥]*وَقَالَ تَعَالَى:*(وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)*[إِبْرَاهِيمَ: ١٥]*وَقَالَ تَعَالَى:*(إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ)*[النَّحْلِ: ٢٣]*وَقَالَ:*(إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)*[غَافِرٍ: ٦٠]*.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ»*.
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:*«يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَلْقَيْتُهُ فِي جَهَنَّمَ، وَلَا أُبَالِي»*.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَخِيلٌ، وَلَا جَبَّارٌ»*.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ يَجُرُّ إِزَارَهُ بَطَرًا»*.
وَجَاءَ فِي فَضْلِ التَّوَاضُعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«مَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ»*.
وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«طُوبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ فِي غَيْرِ مَسْكَنَةٍ، وَأَنْفَقَ مَالًا جَمَعَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَرَحِمَ أَهْلَ الذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ، وَخَالَطَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ»*.
وَعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:*«مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ، وَمَنْ تَكَبَّرَ وَضَعَهُ اللَّهُ، وَمَنِ اقْتَصَدَ أَغْنَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ بَذَّرَ أَفْقَرَهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللَّهِ أَحَبَّهُ اللَّهُ»*.
وَقَالَ*«الفضيل»*وَقَدْ سُئِلَ عَنِ التَّوَاضُعِ*«: أَنْ تَخْضَعَ لِلْحَقِّ وَتَنْقَادَ لَهُ، وَلَوْ سَمِعْتَهُ مِنْ صَبِيٍّ قَبِلْتَهُ، وَلَوْ سَمِعْتَهُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ قَبِلْتَهُ»*.
بَيَانُ حَقِيقَةِ الْكِبْرِ وَآفَتِهِ:
اعْلَمْ أَنَّ الْكِبْرَ يَنْقَسِمُ إِلَى بَاطِنٍ وَظَاهِرٍ، فَالْبَاطِنُ هُوَ خُلُقٌ فِي النَّفْسِ، وَالظَّاهِرُ هُوَ أَعْمَالٌ تَصْدُرُ مِنَ الْجَوَارِحِ، وَتِلْكَ الْأَعْمَالُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَآفَتُهُ عَظِيمَةٌ وَغَائِلَتُهُ هَائِلَةٌ،*وَكَيْفَ لَا تَعْظُمُ آفَتُهُ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ»*وَإِنَّمَا صَارَ حِجَابًا دُونَ
الْجَنَّةِ ; لِأَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ كُلِّهَا، وَتِلْكَ الْأَخْلَاقُ هِيَ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَالْكِبْرُ وَعِزَّةُ النَّفْسِ يُغْلِقُ تِلْكَ الْأَبْوَابَ كُلَّهَا ; لِأَنَّ الْمُتَكَبِّرَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُحِبَّ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّوَاضُعِ، وَهُوَ رَأْسُ أَخْلَاقِ الْمُتَّقِينَ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ الْحِقْدِ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَدُومَ عَلَى الصِّدْقِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ الْغَضَبِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى كَظْمِ الْغَيْظِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ الْحَسَدِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى النُّصْحِ اللَّطِيفِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى قَبُولِ النُّصْحِ، وَلَا يَسْلَمُ مِنَ الْإِزْرَاءِ بِالنَّاسِ وَمِنِ اغْتِيَابِهِمْ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا مِنْ خُلُقٍ ذَمِيمٍ إِلَّا وَصَاحِبُ الْعِزِّ وَالْكِبْرِ مُضْطَرٌّ إِلَيْهِ لِيَحْفَظَ بِهِ عِزَّهُ، وَمَا مِنْ خُلُقٍ مَحْمُودٍ إِلَّا وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَفُوتَهُ عِزُّهُ، فَمِنْ هَذَا لَمْ يُدْخِلِ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْهُ.
وَشَرُّ أَنْوَاعِ الْكِبْرِ مَا يَمْنَعُ مِنَ اسْتِفَادَةِ الْعِلْمِ وَقَبُولِ الْحَقِّ وَالِانْقِيَادِ لَهُ، وَفِيهِ وَرَدَتِ الْآيَاتُ الَّتِي فِيهَا ذَمُّ الْكِبْرِ وَالْمُتَكَبِّرِينَ.
وَمَنْشَؤُهُ اسْتِحْقَارُ الْغَيْرِ وَازْدِرَاؤُهُ وَاسْتِصْغَارُهُ،*وَلِذَلِكَ شَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِبْرَ بِهَاتَيْنِ الْآفَتَيْنِ بِقَوْلِهِ:*«الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْصُ الْخَلْقِ»*أَيِ ازْدِرَاؤُهُمْ وَاسْتِحْقَارُهُمْ وَهُمْ عِبَادُ اللَّهِ أَمْثَالُهُ أَوْ خَيْرٌ مِنْهُ وَهَذِهِ الْآفَةُ الْأُولَى، وَبَطَرُ الْحَقِّ هُوَ رَدُّهُ وَهِيَ الْآفَةُ الثَّانِيَةُ.
فَكُلُّ مَنْ رَأَى أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ أَخِيهِ وَاحْتَقَرَ أَخَاهُ وَازْدَرَاهُ وَنَظَرَ إِلَيْهِ بِعَيْنِ الِاسْتِصْغَارِ أَوْ رَدَّ الْحَقَّ، وَهُوَ يَعْرِفُهُ فَقَدْ تَكَبَّرَ وَنَازَعَ اللَّهَ فِي حَقِّهِ.
وَوَجْهُ الْآفَةِ الْأُولَى أَنَّ الْكِبْرَ وَالْعِزَّ وَالْعَظَمَةَ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِالْمَلِكِ الْقَادِرِ، فَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ الضَّعِيفُ الْعَاجِزُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ فَمِنْ أَيْنَ يَلِيقُ بِحَالِهِ الْكِبْرُ وَاسْتِعْظَامُ النَّفْسِ وَاسْتِحْقَارُ الْغَيْرِ؟ فَمَهْمَا تَكَبَّرَ الْعَبْدُ فَقَدْ نَازَعَ اللَّهَ تَعَالَى فِي صِفَةٍ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِجَلَالِهِ، وَمِثَالُهُ أَنْ يَأْخُذَ الْغُلَامُ تَاجَ الْمَلِكِ فَيَضَعُهُ عَلَى رَأْسِهِ وَيَجْلِسُ عَلَى سَرِيرِهِ فَمَا أَعْظَمَ اسْتِحْقَاقَهُ لِلْمَقْتِ، وَمَا أَعْظَمَ تَهَدُّفَهُ لِلْخِزْيِ وَالنَّكَالِ، وَمَا أَشَدَّ اسْتِجْرَاءَهُ عَلَى مَوْلَاهُ، وَمَا أَقْبَحَ مَا تَعَاطَاهُ.
فَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِبَادُ اللَّهِ وَلَهُ الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ عَلَيْهِمْ، فَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ فَقَدْ نَازَعَ اللَّهَ فِي حَقِّهِ.
وَوَجْهُ الْآفَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ مَنْ سَمِعَ الْحَقَّ مِنْ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَاسْتَنْكَفَ عَنْ قَبُولِهِ وَتَشَمَّرَ لِجَحْدِهِ فَمَا ذَاكَ إِلَّا لِلتَّرَفُّعِ وَالتَّعَاظُمِ وَاسْتِحْقَارِ غَيْرِهِ حَتَّى تَأَبَّى أَنْ يَنْقَادَ لَهُ،*وَذَلِكَ مِنْ أَخْلَاقِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِذْ وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ:*(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)*[فُصِّلَتْ: ٢٦]*.
فَكُلُّ مَنْ يَتَّضِحُ لَهُ الْحَقُّ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ وَيَأْنَفُ مِنْ قَبُولِهِ، أَوْ يُنَاظِرُ لِلْغَلَبَةِ وَالْإِفْحَامِ لَا لِيَغْتَنِمَ الْحَقَّ إِذَا ظَفِرَ بِهِ فَقَدْ شَارَكَهُمْ فِي هَذَا الْخُلُقِ،*وَكَذَلِكَ مَنْ تَحْمِلُهُ الْأَنَفَةُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ الْوَعْظِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:*(وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ)*[الْبَقَرَةِ: ٢٠٦]*.
بَيَانُ مَا بِهِ التَّكَبُّرُ:
اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَتَكَبَّرُ إِلَّا مَنِ اسْتَعْظَمَ نَفْسَهُ، وَلَا يَسْتَعْظِمُهَا إِلَّا وَهُوَ يَعْتَقِدُ لَهَا صِفَةً مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَجِمَاعُ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى كَمَالٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ، فَالدِّينِيُّ هُوَ الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ، وَالدُّنْيَوِيُّ هُوَ النَّسَبُ وَالْجَمَالُ وَالْقُوَّةُ وَالْمَالُ وَكَثْرَةُ الْأَنْصَارِ،*فَهَذِهِ سَبْعَةُ أَسْبَابٍ:
الْأَوَّلُ:*الْعِلْمُ، وَمَا أَسْرَعَ الْكِبْرَ إِلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَلَا يَلْبَثُ أَنْ يَسْتَشْعِرَ فِي نَفْسِهِ كَمَالَ الْعِلْمِ فَيَسْتَعْظِمَ نَفْسَهُ وَيَسْتَحْقِرَ النَّاسَ وَيَسْتَجْهِلَهُمْ وَيَسْتَخْدِمَ مَنْ خَالَطَهُ مِنْهُمْ.
وَقَدْ يَرَى نَفْسَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَعْلَى وَأَفْضَلَ مِنْهُمْ فَيَخَافُ عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ مِمَّا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَرْجُو لِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَرْجُو لَهُمْ،*وَسَبَبُ كِبْرِهِ بِالْعِلْمِ أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا:*أَنْ يَكُونَ اشْتِغَالُهُ بِمَا يُسَمَّى عِلْمًا وَلَيْسَ عِلْمًا فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ الْحَقِيقِيَّ مَا يَعْرِفُ بِهِ الْعَبْدُ رَبَّهُ وَنَفْسَهُ وَخَطَرَ أَمْرِهِ فِي لِقَاءِ اللَّهِ وَالْحِجَابِ مِنْهُ، وَهَذَا يُورِثُ الْخَشْيَةَ وَالتَّوَاضُعَ دُونَ الْكِبْرِ،*قَالَ تَعَالَى:*(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)*[فَاطِرٍ: ٢٨]*.
ثَانِيهِمَا:*أَنْ يَخُوضَ فِي الْعِلْمِ، وَهُوَ خَبِيثُ الدُّخْلَةِ رَدِيءُ النَّفْسِ سَيِّئُ الْأَخْلَاقِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْتَغِلْ أَوَّلًا بِتَهْذِيبِ نَفْسِهِ وَتَزْكِيَةِ قَلْبِهِ بِأَنْوَاعِ الْمُجَاهَدَاتِ فَبَقِيَ خَبِيثَ الْجَوْهَرِ، فَإِذَا خَاضَ فِي الْعِلْمِ صَادَفَ الْعِلْمُ مِنْ قَلْبِهِ مَنْزِلًا خَبِيثًا فَلَمْ يَطِبْ ثَمَرُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي الْخَيْرِ أَثَرُهُ، وَقَدْ ضَرَبَ*«وهب»*لِهَذَا مَثَلًا فَقَالَ: الْعِلْمُ كَالْغَيْثِ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ حُلْوًا صَافِيًا فَتَشْرَبُهُ الْأَشْجَارُ بِعُرُوقِهَا فَتُحَوِّلُهُ عَلَى قَدْرِ طَعُومِهَا فَيَزْدَادُ الْمُرُّ مَرَارَةً وَالْحُلْوُ حَلَاوَةً، فَكَذَلِكَ الْعِلْمُ يَحْفَظُهُ الرِّجَالُ فَتُحَوِّلُهُ عَلَى قَدْرِ هِمَمِهَا وَأَهْوَائِهَا، فَيَزِيدُ الْمُتَكَبِّرَ كِبْرًا وَالْمُتَوَاضِعَ تَوَاضُعًا، وَهَذَا ; لِأَنَّ مَنْ كَانَتْ هِمَّتُهُ الْكِبْرَ هُوَ جَاهِلٌ فَإِذَا حَفِظَ الْعِلْمَ وَجَدَ مَا يَتَكَبَّرُ بِهِ فَازْدَادَ كِبْرًا، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ خَائِفًا مَعَ عِلْمِهِ فَازْدَادَ عِلْمًا عَلِمَ أَنَّ الْحُجَّةَ قَدْ تَأَكَّدَتْ عَلَيْهِ فَيَزْدَادُ خَوْفًا.
الثَّانِي الْعَمَلُ وَالْعِبَادَةُ:*وَلَيْسَ يَخْلُو عَنْ رَذِيلَةِ الْكِبْرِ وَاسْتِمَالَةِ قُلُوبِ النَّاسِ الْعُبَّادِ فَيَتَرَشَّحُ مِنْهُمُ الْكِبْرُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَهُوَ أَنَّهُمْ يَتَوَقَّعُونَ ذِكْرَهُمْ بِالْوَرَعِ وَالتَّقْوَى وَتَقْدِيمَهُمْ عَلَى سَائِرِ النَّاسِ، وَكَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ عِبَادَتَهُمْ مِنَّةً عَلَى الْخَلْقِ، وَأَمَّا فِي الدِّينِ فَهُوَ أَنْ يَرَى النَّاسَ هَالِكِينَ وَيَرَى نَفْسَهُ نَاجِيًا، وَهُوَ الْهَالِكُ تَحْقِيقًا مَهْمَا رَأَى ذَلِكَ،*قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«إِذَا سَمِعْتُمُ الرَّجُلَ يَقُولُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ»*وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُزْدَرٍ بِخَلْقِ اللَّهِ مُغْتَرٌّ آمِنٌ مِنْ مَكْرِهِ غَيْرُ خَائِفٍ مِنْ سَطْوَتِهِ، وَكَيْفَ لَا يَخَافُ وَيَكْفِيهِ شَرًّا احْتِقَارُهُ لِغَيْرِهِ،*قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«كَفَى بِالْمَرْءِ شَرًّا أَنْ يُحَقِّرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ»*.
وَكَثِيرٌ مِنَ الْعِبَادِ إِذَا اسْتَخَفَّ بِهِ مُسْتَخِفٌّ أَوْ آذَاهُ مُؤْذٍ اسْتَبْعَدَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ، وَلَا يَشُكُّ فِي أَنَّهُ صَارَ مَمْقُوتًا عِنْدَ اللَّهِ، وَذَلِكَ لِعِظَمِ قَدْرِ نَفْسِهِ عِنْدَهُ، وَهُوَ جَهْلٌ وَجَمْعٌ بَيْنَ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَالِاغْتِرَارِ بِاللَّهِ.
وَقَدْ يَنْتَهِي الْحُمْقُ وَالْغَبَاوَةُ بِبَعْضِهِمْ إِلَى أَنْ يَتَحَدَّى وَيَقُولَ:*«سَتَرَوْنَ مَا يَجْرِي عَلَيْهِ»*، وَإِذَا أُصِيبَ بِنَكْبَةٍ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَاتِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ مَا أَرَادَ إِلَّا الِانْتِقَامَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ يَرَى طَبَقَاتٍ مِنَ الْكُفَّارِ يَسُبُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَعُرِفَ جَمَاعَةٌ آذَوُا الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ قَتَلَهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَمْهَلَ أَكْثَرَهُمْ، وَلَا يُعَاقِبُهُمْ فِي الدُّنْيَا، بَلْ رُبَّمَا أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يُصِبْهُ مَكْرُوهٌ فِي الدُّنْيَا،*وَلَا فِي الْآخِرَةِ:*أَفَيَظُنُّ


هَذَا الْجَاهِلُ الْمَغْرُورُ أَنَّهُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ، وَأَنَّهُ قَدِ انْتَقَمَ لَهُ بِمَا لَمْ يَنْتَقِمْ لِأَنْبِيَائِهِ بِهِ، وَلَعَلَّهُ فِي مَقْتِ اللَّهِ بِإِعْجَابِهِ وَكِبْرِهِ، وَهُوَ غَافِلٌ عَنْ هَلَاكِ نَفْسِهِ، فَهَذِهِ عَقِيدَةُ الْمُغْتَرِّينَ،*وَأَمَّا الْأَكْيَاسُ مِنَ الْعِبَادِ فَيَقُولُونَ مَا كَانَ يَقُولُهُ السَّلَفُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ عَرَفَاتٍ:*«كُنْتُ أَرْجُو الرَّحْمَةَ لِجَمِيعِهِمْ لَوْلَا كَوْنِي فِيهِمْ»*فَانْظُرْ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ: هَذَا يَتَّقِي اللَّهَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَهُوَ وَجِلٌ عَلَى نَفْسِهِ مُزْدَرٍ لِعَمَلِهِ، وَذَاكَ يُضْمِرُ مِنَ الرِّيَاءِ وَالْكِبْرِ وَالْغِلِّ مَا هُوَ ضُحَكَةٌ لِلشَّيْطَانِ بِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ يَمْتَنُّ عَلَى اللَّهِ بِعَمَلِهِ.
الثَّالِثُ:*التَّكَبُّرُ بِالْحَسَبِ وَالنَّسَبِ، فَالَّذِي لَهُ نَسَبٌ شَرِيفٌ يَسْتَحْقِرُ مَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ النَّسَبُ وَإِنْ كَانَ أَرْفَعَ مِنْهُ عَمَلًا وَعِلْمًا، وَقَدْ يَتَكَبَّرُ بَعْضُهُمْ فَيَأْنَفُ مِنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ وَمُجَالَسَتِهِمْ،*وَقَدْ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ التَّفَاخُرُ بِهِ فَيَقُولُ لِغَيْرِهِ:*مَنْ أَنْتَ وَمَنْ أَبُوكَ فَأَنَا فُلَانٌ ابْنُ فُلَانٍ، وَمَعَ مِثْلِي تَتَكَلَّمُ! .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ*«أبا ذر»*رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:*«قَاوَلْتُ رَجُلًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ السَّوْدَاءِ،*فَغَضِبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ:»*يَا أبا ذر، لَيْسَ لِابْنِ الْبَيْضَاءِ عَلَى ابْنِ السَّوْدَاءِ فَضْلٌ*«فَقَالَ»*أبو ذر*«: فَاضْطَجَعْتُ وَقُلْتُ لِلرَّجُلِ: قُمْ فَطَأْ عَلَى خَدِّي»*.
فَانْظُرْ كَيْفَ نَبَّهَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ جَهْلٌ، وَانْظُرْ كَيْفَ تَابَ وَقَلَعَ مِنْ نَفْسِهِ شَجَرَةَ الْكِبْرِ إِذْ عَرَفَ أَنَّ الْعِزَّ لَا يَقْمَعُهُ إِلَّا الذُّلُّ.
الرَّابِعُ:*التَّفَاخُرُ بِالْجَمَالِ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ مَا يَجْرِي بَيْنَ النِّسَاءِ وَيَدْعُو ذَلِكَ إِلَى التَّنَقُّصِ وَالثَّلْبِ وَالْغِيبَةِ وَذِكْرِ عُيُوبِ النَّاسِ.
الْخَامِسُ:*الْكِبْرُ بِالْمَالِ وَذَلِكَ يَجْرِي بَيْنَ الْأُمَرَاءِ وَالتُّجَّارِ فِي لِبَاسِهِمْ وَخُيُولِهِمْ وَمَرَاكِبِهِمْ فَيَسْتَحْقِرُ الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ وَيَتَكَبَّرُ عَلَيْهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَهْلٌ بِفَضِيلَةِ الْفَقْرِ وَآفَةِ الْغِنَى.
السَّادِسُ:*الْكِبْرُ بِالْقُوَّةِ وَشِدَّةِ الْبَطْشِ وَالتَّكَبُّرِ بِهِ عَلَى أَهْلِ الضَّعْفِ.
السَّابِعُ:*التَّكَبُّرُ بِالْأَتْبَاعِ وَالْأَنْصَارِ وَالْعَشِيرَةِ وَالْأَقَارِبِ.
فَهَذِهِ مَجَامِعُ مَا يَتَكَبَّرُ بِهِ الْعِبَادُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
نَسْأَلُهُ تَعَالَى الْعَوْنَ بِلُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ.
بَيَانُ أَخْلَاقِ الْمُتَوَاضِعِينَ وَمَجَامِعِ مَا يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ التَّوَاضُعِ وَالتَّكَبُّرِ:
اعْلَمْ أَنَّ التَّكَبُّرَ يَظْهَرُ فِي شَمَائِلِ الرَّجُلِ كَصَعَرٍ فِي وَجْهِهِ وَنَظَرِهِ شَزْرًا وَإِطْرَاقِهِ رَأْسَهُ وَجُلُوسِهِ مُتَرَبِّعًا أَوْ مُتَّكِئًا، وَفِي أَقْوَالِهِ حَتَّى فِي صَوْتِهِ وَنَغَمَتِهِ وَصِيغَتِهِ فِي الْإِيرَادِ، وَيَظْهَرُ فِي مِشْيَتِهِ وَتَبَخْتُرِهِ وَقِيَامِهِ وَجُلُوسِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ. فَمِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ مَنْ يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَمِنْهُمْ
<<**<****>**>>
مَنْ يَتَكَبَّرُ فِي بَعْضٍ وَيَتَوَاضَعُ فِي بَعْضٍ، فَمِنْهَا التَّكَبُّرُ بِأَنْ يُحِبَّ قِيَامَ النَّاسِ لَهُ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَمْشِيَ إِلَّا وَمَعَهُ غَيْرُهُ يَمْشِي خَلْفَهُ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَزُورَ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ مِنْ زِيَارَتِهِ خَيْرٌ لِغَيْرِهِ فِي الدِّينِ، وَهُوَ ضِدُّ التَّوَاضُعِ، وَمِنْهَا أَنْ يَسْتَنْكِفَ مِنْ جُلُوسِ غَيْرِهِ بِالْقُرْبِ مِنْهُ إِلَّا أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالتَّوَاضُعُ خِلَافُهُ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَتَعَاطَى بِيَدِهِ شُغْلًا فِي بَيْتِهِ وَالتَّوَاضُعُ خِلَافُهُ.
رُوِيَ أَنَّ*«عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ»*أَتَاهُ لَيْلَةً ضَيْفٌ وَكَانَ يَكْتُبُ فَكَادَ السِّرَاجُ يُطْفَأُ،*فَقَالَ الضَّيْفُ:*أَقُومُ إِلَى الْمِصْبَاحِ فَأُصْلِحُهُ؟*فَقَالَ:*لَيْسَ مِنْ كَرَمِ الرَّجُلِ أَنْ يَسْتَخْدِمَ ضَيْفَهُ،*قَالَ:*أَفَأُنَبِّهُ الْغُلَامَ؟*فَقَالَ:*هِيَ أَوَّلُ نَوْمَةٍ نَامَهَا، فَقَامَ وَمَلَأَ الْمِصْبَاحَ زَيْتًا،*فَقَالَ الضَّيْفُ:*قُمْتَ أَنْتَ بِنَفْسِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟*فَقَالَ:*ذَهَبْتُ وَأَنَا عمر، وَرَجَعْتُ وَأَنَا عمر مَا نَقَصَ مِنِّي شَيْءٌ، وَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ مُتَوَاضِعًا.
وَمِنْهَا أَنْ لَا يَأْخُذَ مَتَاعَهُ وَيَحْمِلَهُ إِلَى بَيْتِهِ، وَهُوَ خِلَافُ عَادَةِ الْمُتَوَاضِعِينَ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَقَالَ*«علي»*:*«لَا يُنْقِصُ الرَّجُلَ الْكَامِلَ مِنْ كَمَالِهِ مَا حَمَلَ مِنْ شَيْءٍ إِلَى عِيَالِهِ»*، وَمِنْهَا اللِّبَاسُ إِذْ يَظْهَرُ بِهِ التَّكَبُّرُ وَالتَّوَاضُعُ، وَعَلَامَةُ الْمُتَكَبِّرِ فِيهِ حِرْصُهُ عَلَى التَّزَيُّنِ لِلنَّاسِ لِلشُّهْرَةِ وَالْمَخِيلَةِ، وَأَمَّا طَلَبُ التَّجَمُّلِ لِذَاتِهِ فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا مَخِيلَةٍ فَلَيْسَ مِنَ الْكِبْرِ، وَالْمَحْبُوبُ الْوَسَطُ مِنَ اللِّبَاسِ الَّذِي لَا يُوجِبُ شُهْرَةً بِالْجَوْدَةِ، وَلَا بِالرَّدَاءَةِ،*وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ سَرَفٍ، وَلَا مَخِيلَةٍ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ»*، وَمِنْهَا أَنْ يَتَوَاضَعَ بِالِاحْتِمَالِ إِذَا سُبَّ وَأُوذِيَ وَأُخِذَ حَقُّهُ، فَذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَمَجَامِعُ حُسْنِ الْأَخْلَاقِ وَالتَّوَاضُعِ سِيرَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ:*فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَمِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ يُتَعَلَّمَ.
وَقَدْ قَالَ*«ابن أبي سلمة»*: قُلْتُ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: مَا تَرَى فِيمَا أَحْدَثَ النَّاسُ مِنَ الْمَلْبَسِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَرْكَبِ وَالْمَطْعَمِ؟*فَقَالَ:*يَا ابْنَ أَخِي كُلْ لِلَّهِ، وَاشْرَبْ لِلَّهِ، وَالْبَسْ لِلَّهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ دَخَلَهُ زَهْوٌ أَوْ مُبَاهَاةٌ أَوْ رِيَاءٌ أَوْ سُمْعَةٌ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ وَسَرَفٌ،*وَعَالِجْ فِي بَيْتِكَ مِنَ الْخِدْمَةِ مَا كَانَ يُعَالِجُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ:*كَانَ يَحْلِبُ الشَّاةَ، وَيَخْصِفُ النَّعْلَ، وَيُرَقِّعُ الثَّوْبَ، وَيَأْكُلُ مَعَ خَادِمِهِ، وَيَشْتَرِي الشَّيْءَ مِنَ السُّوقِ، وَلَا يَمْنَعُهُ الْحَيَاءُ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِيَدِهِ، يُصَافِحُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ، وَيُسَلِّمُ مُبْتَدِئًا عَلَى كُلِّ مَنِ اسْتَقْبَلَهُ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، يُجِيبُ إِذَا دُعِيَ، وَلَا يُحَقِّرُ مَا دُعِيَ إِلَيْهِ، لَيِّنُ الْخُلُقِ، جَمِيلُ الْمُعَاشَرَةِ، طَلِيقُ الْوَجْهِ، شَدِيدٌ فِي غَيْرِ عُنْفٍ، مُتَوَاضِعٌ فِي
اذهب غَيْرِ مَذَلَّةٍ، جَوَادٌ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ، رَقِيقُ الْقَلْبِ.
زَادَتْ*«عائشة»*رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:*«وَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمْتَلِئْ قَطُّ شِبَعًا، وَلَمْ يَبُثَّ إِلَى أَحَدٍ شَكْوَى، وَإِنْ كَانَتِ الْفَاقَةُ لَأَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْيَسَارِ وَالْغِنَى»*.
فَمَنْ طَلَبَ التَّوَاضُعَ فَلْيَقْتَدِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ فَمَا أَشَدَّ جَهْلَهُ، فَلَقَدْ كَانَ أَعْظَمَ خَلْقِ اللَّهِ مَنْصِبًا فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ، فَلَا عِزَّ، وَلَا رِفْعَةَ إِلَّا فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ.
بَيَانُ الطَّرِيقِ فِي مُعَالَجَةِ الْكِبْرِ وَاكْتِسَابِ التَّوَاضُعِ:
اعْلَمْ أَنَّ الْكِبْرَ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ وَإِزَالَتُهُ فَرْضُ عَيْنٍ، وَلَا يَزُولُ بِمُجَرَّدِ التَّمَنِّي، بَلْ بِالْمُعَالَجَةِ،*وَفِي مُعَالَجَتِهِ مَقَامَانِ:
أَحَدُهُمَا:*قَلْعُ شَجَرَتِهِ مِنْ مَغْرِسِهَا فِي الْقَلْبِ.
الثَّانِي:*دَفْعُ الْعَارِضِ مِنْهُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي قَدْ يُتَكَبَّرُ بِهَا.
الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فِي اسْتِئْصَالِ أَصْلِهِ:
عِلَاجُهُ عِلْمِيٌّ وَعَمَلِيٌّ،*وَلَا يَتِمُّ الشِّفَاءُ إِلَّا بِمَجْمُوعِهِمَا:
أَمَّا الْعِلْمِيُّ:*فَهُوَ أَنْ يَعْرِفَ نَفْسَهُ وَيَعْرِفَ رَبَّهُ تَعَالَى، وَيَكْفِيهِ ذَلِكَ فِي إِزَالَةِ الْكِبْرِ، فَإِنَّهُ مَهْمَا عَرَفَ نَفْسَهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِ إِلَّا التَّوَاضُعُ، وَإِذَا عَرَفَ رَبَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا تَلِيقُ الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ إِلَّا بِاللَّهِ. أَمَّا مَعْرِفَتُهُ رَبَّهُ وَعَظَمَتَهُ وَمَجْدَهُ فَالْقَوْلُ فِيهِ يَطُولُ، وَأَمَّا مَعْرِفَتُهُ نَفْسَهُ فَهُوَ أَيْضًا يَطُولُ وَلَكُنَّا نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَنْفَعُ فِي إِثَارَةِ التَّوَاضُعِ، وَيَكْفِيهِ أَنْ يَعْرِفَ مَعْنَى آيَةٍ وَاحِدَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنَّ فِي الْقُرْآنِ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لِمَنْ فُتِحَتْ بَصِيرَتُهُ،*قَالَ تَعَالَى:*(قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ)*[عَبَسَ: ١٧ ٢٢]*فَقَدْ أَشَارَتِ الْآيَةُ إِلَى أَوَّلِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ وَإِلَى آخِرِ أَمْرِهِ وَإِلَى وَسَطِهِ، فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ ذَلِكَ لِيَفْهَمَ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ، أَمَّا أَوَّلُ الْإِنْسَانِ فَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا، وَقَدْ كَانَ فِي حَيِّزِ الْعَدَمِ دُهُورًا، وَأَيُّ شَيْءٍ أَخَسُّ مِنَ الْعَدَمِ، ثُمَّ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ أَقْذَرِ الْأَشْيَاءِ إِذْ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ ثُمَّ جَعَلَهُ عَظْمًا ثُمَّ كَسَا الْعَظْمَ لَحْمًا، فَهَذَا بِدَايَةُ وُجُودِهِ، فَمَا صَارَ شَيْئًا مَذْكُورًا إِلَّا وَهُوَ عَلَى أَخَسِّ الْأَوْصَافِ وَالنُّعُوتِ، إِذْ لَمْ يُخْلَقْ فِي ابْتِدَائِهِ كَامِلًا، بَلْ خَلَقَهُ جَمَادًا مَيِّتًا لَا يَسْمَعُ، وَلَا يُبْصِرُ، وَلَا يُحِسُّ، وَلَا يَتَحَرَّكُ، وَلَا يَنْطِقُ، وَلَا يَبْطِشُ، وَلَا يُدْرِكُ، وَلَا يَعْلَمُ، فَبَدَأَ بِمَوْتِهِ قَبْلَ حَيَاتِهِ، وَبِضَعْفِهِ قَبْلَ قُوَّتِهِ، وَبِجَهْلِهِ قَبْلَ عِلْمِهِ، وَبِعَمَاهُ قَبْلَ بَصَرِهِ، وَبِصَمَمِهِ قَبْلَ سَمْعِهِ، وَبِبَكَمِهِ قَبْلَ نُطْقِهِ، وَبِضَلَالِهِ قَبْلَ هُدَاهُ، وَبِفَقْرِهِ قَبْلَ غِنَاهُ، وَبِعَجْزِهِ قَبْلَ قُدْرَتِهِ،*فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:*(مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ)*[عَبَسَ: ١٨، ١٩]*ثُمَّ امْتَنَّ عَلَيْهِ فَقَالَ:*(ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ)*[عَبَسَ: ٢٠]*وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَيَسَّرَ لَهُ فِي مُدَّةِ حَيَاتِهِ إِلَى الْمَوْتِ. وَإِنَّمَا خَلَقَهُ مِنَ التُّرَابِ الذَّلِيلِ الَّذِي يُوطَأُ بِالْأَقْدَامِ وَالنُّطْفَةِ الْقَذِرَةِ بَعْدَ عَدَمِهَا لِيَعْرِفَ خِسَّةَ ذَاتِهِ فَيَعْرِفَ بِهَا ذَاتَهُ، فَيَعْرِفَ بِهَا نَفْسَهُ، وَإِنَّمَا أَكْمَلَ النِّعْمَةَ عَلَيْهِ لِيَعْرِفَ بِهَا رَبَّهُ وَيَعْلَمَ بِهَا عَظَمَتَهُ وَجَلَالَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَلِيقُ الْكِبْرِيَاءُ إِلَّا بِهِ جَلَّ وَعَلَا.
فَمَنْ كَانَ هَذَا بَدْأَهُ وَهَذِهِ أَحْوَالَهُ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ الْبَطَرُ وَالْكِبْرِيَاءُ وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ، وَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ أَضْعَفُ الضُّعَفَاءِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ عَادَةُ الْخَسِيسِ إِذَا رُفِعَ مِنْ خِسَّتِهِ شَمَخَ بِأَنْفِهِ وَتَعَظَّمَ، وَذَلِكَ لِدَلَالَةِ خِسَّةِ أَوَّلِهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
نَعَمْ، لَوْ أَكْمَلَهُ وَفَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَهُ وَأَدَامَ لَهُ الْوُجُودَ بِاخْتِيَارِهِ لَجَازَ أَنْ يَطْغَى وَيَنْسَى الْمَبْدَأَ وَالْمُنْتَهَى، وَلَكِنَّهُ سَلَّطَ عَلَيْهِ فِي دَوَامِ وُجُودِهِ الْأَمْرَاضَ وَالْآفَاتِ يَهْدِمُ الْبَعْضُ مِنْ أَجْزَائِهِ الْبَعْضَ شَاءَ أَمْ أَبَى، فَيَجُوعُ كُرْهًا وَيَعْطَشُ كُرْهًا، وَيَمْرَضُ كُرْهًا، وَيَمُوتُ كُرْهًا، لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا، وَلَا ضَرًّا، وَلَا خَيْرًا، وَلَا شَرًّا.
يُرِيدُ أَنْ يَعْلَمَ الشَّيْءَ فَيَجْهَلُهُ، وَيُرِيدُ أَنْ يَذْكُرَ الشَّيْءَ فَيَنْسَاهُ، وَيُرِيدُ أَنْ يَنْسَى الشَّيْءَ وَيَغْفُلُ عَنْهُ فَلَا يَغْفُلُ عَنْهُ، وَلَا يَأْمَنُ فِي لَحْظَةٍ مِنْ لَيْلِهِ أَوْ نَهَارِهِ أَنْ يُسْلَبَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ، وَتُفَلَّجَ أَعْضَاؤُهُ، وَيُخْتَلَسَ عَقْلُهُ، وَيُخْتَطَفَ رُوحُهُ، وَيُسْلَبَ جَمِيعَ مَا يَهْوَاهُ فِي دُنْيَاهُ، فَهُوَ مُضْطَرٌّ ذَلِيلٌ، إِنْ تُرِكَ بَقِيَ وَإِنِ اخْتُطِفَ فَنِيَ، عَبْدٌ مَمْلُوكٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا شَيْءٍ مِنْ غَيْرِهِ، فَأَيُّ شَيْءٍ أَذَلُّ مِنْهُ لَوْ عَرَفَ نَفْسَهُ، وَأَنَّى يَلِيقُ الْكِبْرُ بِهِ لَوْلَا جَهْلُهُ، فَهَذَا وَسَطُ أَحْوَالِهِ فَلْيَتَأَمَّلْهُ.*وَأَمَّا آخِرُهُ فَهُوَ الْمَوْتُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:*(ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ)*[عَبَسَ: ٢١ ٢٢]*وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسْلَبُ رُوحَهُ وَسَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَعِلْمَهُ وَقُدْرَتَهُ وَحِسَّهُ وَإِدْرَاكَهُ وَحَرَكَتَهُ فَيَعُودُ جَمَادًا كَمَا كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، لَا يَبْقَى إِلَّا شَكْلُ أَعْضَائِهِ وَصُورَتِهِ، لَا حِسَّ فِيهِ، وَلَا حَرَكَةَ، ثُمَّ يُوضَعُ فِي التُّرَابِ فَيَصِيرُ جِيفَةً مُنْتِنَةً قَذِرَةً، ثُمَّ تَبْلَى أَعْضَاؤُهُ، وَتَتَفَتَّتُ أَجْزَاؤُهُ، وَتَنْخُرُ عِظَامُهُ، وَيَأْكُلُ الدُّودُ أَجْزَاءَهُ فَيَصِيرُ رَوْثًا فِي أَجْوَافِ الدِّيدَانِ وَيَكُونُ جِيفَةً يَهْرُبُ مِنْهُ الْحَيَوَانُ، وَيَسْتَقْذِرُهُ كُلُّ إِنْسَانٍ وَيَهْرُبُ مِنْهُ لِشِدَّةِ الْإِنْتَانِ، وَلَيْتَهُ بَقِيَ كَذَلِكَ فَمَا أَحْسَنَهُ لَوْ تُرِكَ، لَا، بَلْ يُحْيِيهِ بَعْدَ طُولِ الْبِلَى لِيُقَاسِيَ شَدِيدَ الْبَلَا، فَيَخْرُجُ مِنْ قَبْرِهِ بَعْدَ جَمْعِ أَجْزَائِهِ الْمُتَفَرِّقَةِ، وَيَخْرُجُ إِلَى أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ فَيَنْظُرُ إِلَى قِيَامَةٍ قَائِمَةٍ، وَسَمَاءٍ مُشَقَّقَةٍ مُمَزَّقَةٍ، وَأَرْضٍ مُبَدَّلَةٍ، وَجِبَالٍ مُسَيَّرَةٍ، وَنُجُومٍ مُنْكَدِرَةٍ، وَشَمْسٍ مُنْكَسِفَةٍ، وَأَحْوَالٍ مُظْلِمَةٍ، وَمَلَائِكَةٍ غِلَاظٍ شِدَادٍ، وَجَهَنَّمَ تَزْفِرُ، وَجَنَّةٍ يَنْظُرُ إِلَيْهَا الْمُجْرِمُ فَيَتَحَسَّرُ، وَيَرَى صَحَائِفَ مَنْشُورَةً،*فَيُقَالُ لَهُ:*اقْرَأْ كِتَابَكَ،*فَيَقُولُ:*«وَمَا هُوَ»*؟*فَيُقَالُ:*كَانَ قَدْ وُكِّلَ بِكَ فِي حَيَاتِكَ الَّتِي كُنْتَ تَتَكَبَّرُ بِنَعِيمِهَا وَتَفْتَخِرُ بِأَسْبَابِهَا مَلَكَانِ رَقِيبَانِ يَكْتُبَانِ عَلَيْكَ مَا تَنْطِقُ بِهِ أَوْ تَعْمَلُهُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَصَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، قَدْ نَسِيتَ ذَلِكَ وَأَحْصَاهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، فَهَلُمَّ إِلَى الْحِسَابِ، وَاسْتَعِدَّ لِلْجَوَابِ، أَوْ تُسَاقُ إِلَى دَارِ الْعَذَابِ، فَيَنْقَطِعُ قَلْبُهُ فَزَعًا مِنْ هَوْلِ هَذَا الْخِطَابِ قَبْلَ أَنْ تَنْتَشِرَ الصَّحِيفَةُ وَيُشَاهِدَ مَا فِيهَا مِنْ مَخَازِيهِ،*فَإِذَا شَاهَدَهُ قَالَ:*(يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا)*[الْكَهْفِ: ٤٩]*فَهَذَا آخِرُ أَمْرِهِ،*وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:*(ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ)*[عَبَسَ: ٢٢]*فَمَا لِمَنْ هَذَا حَالُهُ وَالتَّكَبُّرُ وَالتَّعَظُّمُ؟ ، بَلْ مَا لَهُ وَلِلْفَرَحِ فَضْلًا عَنِ الْبَطَرِ؟ فَقَدْ ظَهَرَ لَهُ أَوَّلُ حَالِهِ وَوَسَطُهُ، وَلَوْ ظَهَرَ آخِرُهُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى رُبَّمَا اخْتَارَ أَنْ يَصِيرَ مَعَ الْبَهَائِمِ تُرَابًا، وَلَا يَكُونُ إِنْسَانًا يَسْمَعُ خِطَابًا أَوْ يَلْقَى عَذَابًا. فَمَنْ هَذَا حَالُهُ فِي الْعَاقِبَةِ إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ عَلَى شَكٍّ مِنَ الْعَفْوِ فَكَيْفَ يَفْرَحُ وَيَبْطَرُ؟ وَكَيْفَ يَتَكَبَّرُ وَيَتَجَبَّرُ؟ حَقًّا يَكْفِيهِ ذَلِكَ حُزْنًا وَخَوْفًا وَإِشْفَاقًا وَمَهَانَةً وَذُلًّا. فَهَذَا هُوَ الْعِلَاجُ الْعِلْمِيُّ الْقَامِعُ لِأَصْلِ الْكِبْرِ.
وَأَمَّا الْعِلَاجُ الْعَمَلِيُّ:*فَهُوَ التَّوَاضُعُ لِلَّهِ بِالْفِعْلِ، وَلِسَائِرِ الْخَلْقِ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى أَخْلَاقِ
الْمُتَوَاضِعِينَ كَمَا وَصَفْنَاهُ مِنْ شَمَائِلِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ أَحْوَالِ الصَّالِحِينَ، وَلَا يَتِمُّ التَّوَاضُعُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ إِلَّا بِالْعَمَلِ، وَلِذَلِكَ أُمِرَ الْعَرَبُ الَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِالْإِيمَانِ وَبِالصَّلَاةِ جَمِيعًا،*وَقِيلَ:*الصَّلَاةُ عِمَادُ الدِّينِ، وَفِي الصَّلَاةِ أَسْرَارٌ لِأَجْلِهَا كَانَتْ عِمَادًا، وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا فِيهَا مِنَ التَّوَاضُعِ بِالْمُثُولِ قَائِمًا وَبِالرُّكُوعِ وَبِالسُّجُودِ، وَقَدْ كَانَ الْعَرَبُ قَدِيمًا يَأْنَفُونَ مِنَ الِانْحِنَاءِ فَكَانَ يَسْقُطُ مِنْ يَدِ الْوَاحِدِ سَوْطُهُ فَلَا يَنْحَنِي لِأَخْذِهِ، وَيَنْقَطِعُ شِرَاكُ نَعْلِهِ فَلَا يُنَكِّسُ رَأْسَهُ لِإِصْلَاحِهِ، فَلَمَّا كَانَ السُّجُودُ عِنْدَهُمْ هُوَ مُنْتَهَى الذِّلَّةِ وَالضَّعَةِ أُمِرُوا بِهِ لِتَنْكَسِرَ بِذَلِكَ خُيَلَاؤُهُمْ وَيَزُولَ كِبْرُهُمْ وَيَسْتَقِرَّ التَّوَاضُعُ فِي قُلُوبِهِمْ. وَبِهِ أُمِرَ سَائِرُ الْخَلْقِ.
الْمَقَامُ الثَّانِي:*فِيمَا يَعْرِضُ مِنَ التَّكَبُّرِ بِالْأَسْبَابِ السَّبْعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ:
ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ ذَمِّ الْجَاهِ أَنَّ الْكَمَالَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ، فَأَمَّا مَا عَدَاهُ مِمَّا يَفْنَى بِالْمَوْتِ فَكَمَالٌ وَهْمِيٌّ،*وَنَحْنُ نَذْكُرُ طَرِيقَ الْعِلَاجِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ:
فِي جَمِيعِ أَسْبَابِهِ السَّبْعَةِ
الْأَوَّلُ النَّسَبُ:*فَمَنْ يَعْتَرِيهِ الْكِبْرُ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ فَلْيُدَاوِ قَلْبَهُ بِمَعْرِفَةِ أَنَّ هَذَا جَهْلٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ تَعَزَّزَ بِكَمَالِ غَيْرِهِ، وَمَنْ كَانَ خَسِيسًا فَمِنْ أَيْنَ تُجْبَرُ خِسَّتُهُ بِكَمَالِ غَيْرِهِ وَبِمَعْرِفَةِ نَسَبِهِ الْحَقِيقِيِّ أَعْنِي أَبَاهُ وَجَدَّهُ، فَإِنَّ أَبَاهُ الْقَرِيبَ نُطْفَةٌ قَذِرَةٌ، وَجَدَّهُ الْبَعِيدَ تُرَابٌ، وَقَدْ عَرَفَ اللَّهُ تَعَالَى نَسَبَهُ فَقَالَ*(وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ)*[السَّجْدَةِ: ٧، ٨]*فَإِذَا كَانَ أَصْلُهُ مِنَ التُّرَابِ وَفَصْلُهُ مِنَ النُّطْفَةِ فَمِنْ أَيْنَ تَأْتِيهِ الرِّفْعَةُ؟ فَهَذَا هُوَ النَّسَبُ الْحَقِيقِيُّ لِلْإِنْسَانِ، وَمَنْ عَرَفَهُ لَا يَتَكَبَّرُ بِالنَّسَبِ.
الثَّانِي الْكِبْرُ بِالْجَمَالِ:*وَدَوَاؤُهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى بَاطِنِهِ نَظَرَ الْعُقَلَاءِ، وَلَا يَنْظُرَ إِلَى الظَّاهِرِ نَظَرَ الْبَهَائِمِ، وَمَهْمَا نَظَرَ إِلَى بَاطِنِهِ رَأَى مِنَ الْقَبَائِحِ مَا يُكَدِّرُ عَلَيْهِ تَعَزُّزَهُ بِالْجَمَالِ، إِذْ خُلِقَ مِنْ أَقْذَارٍ وَوُكِّلَ بِهِ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ الْأَقْذَارُ، وَسَيَمُوتُ فَيَصِيرُ جِيفَةً أَقْذَرَ مِنْ سَائِرِ الْأَقْذَارِ، وَجَمَالُهُ لَا بَقَاءَ لَهُ، بَلْ هُوَ فِي كُلِّ حِينٍ يَتَصَوَّرُ أَنْ يَزُولَ بِمَرَضٍ أَوْ سَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ، فَكَمْ مِنْ وُجُوهٍ جَمِيلَةٍ قَدْ سَمُجَتْ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ. فَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ تَنْزِعُ مِنَ الْقَلْبِ دَاءَ الْكِبْرِ بِالْجَمَالِ لِمَنْ أَكْثَرَ تَأَمُّلَهَا.
الثَّالِثُ الْكِبْرُ بِالْقُوَّةِ:*وَيَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ مَا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْعِلَلِ وَالْأَمْرَاضِ، وَأَنَّهُ لَوْ تَوَجَّعَ عِرْقٌ وَاحِدٌ فِي يَدِهِ لَصَارَ أَعْجَزَ مِنْ كُلِّ عَاجِزٍ، أَوْ أَنَّ شَوْكَةً لَوْ دَخَلَتْ فِي رِجْلِهِ لَأَعْجَزَتْهُ، وَأَنَّ حُمَّى يَوْمٍ تُحَلِّلُ مِنْ قُوَّتِهِ مَا لَا يَنْجَبِرُ فِي مُدَّةٍ ; فَمَنْ لَا يُطِيقُ شَوْكَةً، وَلَا يُقَاوِمُ بَقَّةً فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْتَخِرَ بِقُوَّتِهِ. ثُمَّ إِنْ قَوِيَ الْإِنْسَانُ فَلَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ حِمَارٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ فِيلٍ أَوْ جَمَلٍ، وَأَيُّ افْتِخَارٍ فِي صِفَةٍ يَسْبِقُكَ بِهَا الْبَهَائِمُ.
السَّبَبُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ الْغِنَى وَكَثْرَةُ الْمَالِ:*وَفِي مَعْنَاهُ كَثْرَةُ الْأَتْبَاعِ وَالْأَنْصَارِ، وَالتَّكَبُّرُ بِالْمَنَاصِبِ وَالْوِلَايَاتِ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَكَبُّرٌ بِمَعْنًى خَارِجٍ عَنْ ذَاتِ الْإِنْسَانِ، وَهَذَا أَقْبَحُ أَنْوَاعِ الْكِبْرِ، فَلَوْ ذَهَبَ مَالُهُ أَوِ احْتَرَقَتْ دَارُهُ لَعَادَ ذَلِيلًا، وَكَمْ فِي الْيَهُودِ مَنْ يَزِيدُ عَلَيْهِ فِي الْغِنَى وَالثَّرْوَةِ وَالتَّجَمُّلِ، فَأُفٍّ لِشَرَفٍ يَسْبِقُهُ بِهِ يَهُودِيٌّ، أَوْ يَأْخُذُهُ سَارِقٌ فِي لَحْظَةٍ فَيَعُودُ ذَلِيلًا مُفْلِسًا.

السَّادِسُ الْكِبْرُ بِالْعِلْمِ
:*وَهُوَ أَعْظَمُ الْآفَاتِ وَعِلَاجُهُ بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ حُجَّةَ اللَّهِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ مِنَ الْجَاهِلِ مَا لَا يُحْتَمَلُ عُشْرُهُ مِنَ الْعَالِمِ، فَإِنَّ مَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى عَنْ مَعْرِفَةٍ وَعِلْمٍ فَجِنَايَتُهُ أَفْحَشُ وَخَطَرُهُ أَعْظَمُ.
ثَانِيهِمَا:*أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الْكِبْرَ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ، وَأَنَّهُ إِذَا تَكَبَّرَ صَارَ مَمْقُوتًا عَنِ اللَّهِ بَغِيضًا، فَهَذَا مِمَّا يُزِيلُ التَّكَبُّرَ وَيَبْعَثُ عَلَى التَّوَاضُعِ. وَإِذَا دَعَتْهُ نَفْسُهُ لِلتَّكَبُّرِ عَلَى فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدِعٍ فَلْيَتَذَكَّرْ مَا سَبَقَ مِنْ ذُنُوبِهِ وَخَطَايَاهُ لِتَصْغُرَ نَفْسُهُ فِي عَيْنِهِ، وَلِيُلَاحِظَ إِبْهَامَ عَاقِبَتِهِ وَعَاقِبَةِ الْآخَرِ فَلَعَلَّهُ يُخْتَمُ لَهُ بِالسُّوءِ وَلِذَاكَ بِالْحُسْنَى، حَتَّى يَشْغَلَهُ الْخَوْفُ عَنِ التَّكَبُّرِ عَلَيْهِ، وَلَا يَمْنَعُهُ تَرْكُ التَّكَبُّرِ عَلَيْهِ أَنْ يَكْرَهَهُ، وَيَغْضَبَ لِفِسْقِهِ، بَلْ يُبْغِضُهُ وَيَغْضَبُ لِرَبِّهِ إِذْ أَمَرَهُ أَنْ يَغْضَبَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَكَبُّرٍ عَلَيْهِ.
السَّابِعُ:*التَّكَبُّرُ بِالْوَرَعِ وَالْعِبَادَةِ: وَذَلِكَ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى الْعِبَادِ، وَسَبِيلُهُ أَنْ يُلْزِمَ قَلْبَهُ التَّوَاضُعَ لِسَائِرِ الْعِبَادِ،*قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ:*«مَا تَمَّ عَقْلُ عَبْدٍ حَتَّى يَكُونَ فِيهِ خِصَالٌ»*وَعَدَّ مِنْهَا خَصْلَةً قَالَ:*«بِهَا سَادَ مَجْدُهُ، وَبِهَا عَلَا ذِكْرُهُ أَنْ يَرَى النَّاسَ كُلَّهُمْ خَيْرًا مِنْهُ،*وَإِنَّمَا النَّاسُ عِنْدَهُ فِرْقَتَانِ:*فِرْقَةٌ هِيَ أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَرْفَعُ، وَفِرْقَةٌ هِيَ شَرٌّ مِنْهُ وَأَدْنَى، فَهُوَ يَتَوَاضَعُ لِلْفِرْقَتَيْنِ جَمِيعًا بِقَلْبِهِ، وَإِنْ رَأَى مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ سَرَّهُ ذَلِكَ وَتَمَنَّى أَنْ يَلْحَقَ بِهِ،*وَإِنْ رَأَى مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ قَالَ:*لَعَلَّ هَذَا يَنْجُو وَأَهْلِكُ أَنَا، فَلَا تَرَاهُ إِلَّا خَائِفًا مِنَ الْعَاقِبَةِ،*وَيَقُولُ:*لَعَلَّ بِرَّ هَذَا بَاطِنٌ فَذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ، وَلَا أَدْرِي لَعَلَّ فِيهِ خُلُقًا كَرِيمًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَتُوبَ عَلَيْهِ، وَيَخْتِمَ لَهُ بِأَحْسَنِ الْأَعْمَالِ، وَبِرِّي ظَاهِرٌ فَذَلِكَ شَرٌّ لِي، فَلَا يَأْمَنُ فِيمَا أَظْهَرَهُ مِنَ الطَّاعَةِ أَنْ يَكُونَ دَخَلَهَا الْآفَاتُ فَأَحْبَطَتْهَا»*،*قَالَ:*«فَحِينَئِذٍ كَمُلَ عَقْلُهُ وَسَادَ أَهْلَ زَمَانِهِ»*.
وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ هَذَا الْإِشْفَاقِ قَوْلُهُ تَعَالَى:*(يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)*[الْمُؤْمِنُونَ: ٦٠]*أَيْ أَنَّهُمْ يُؤْتُونَ الطَّاعَاتِ وَهُمْ عَلَى وَجَلٍ عَظِيمٍ مِنْ قَبُولِهَا،*وَقَالَ تَعَالَى:*(إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ)*[الْمُؤْمِنُونَ: ٥٧]*وَقَالَ تَعَالَى:*(إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ)*[الطُّورِ: ٢٦]*.
وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مَعَ تَقَدُّسِهِمْ عَنِ الذُّنُوبِ وَمُوَاظَبَتِهِمْ عَلَى الْعِبَادَاتِ بِالدَّؤُوبِ عَلَى الْإِشْفَاقِ فَقَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ:*(يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ)*[الْأَنْبِيَاءِ: ٢٠]*،*(وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)*[الْأَنْبِيَاءِ: ٢٨]*فَمَتَى زَالَ الْإِشْفَاقُ وَالْحَذَرُ غَلَبَ الْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْكِبْرَ، وَهُوَ سَبَبُ الْهَلَاكِ، فَالْكِبْرُ دَلِيلُ الْأَمْنِ وَالْأَمْنُ مُهْلِكٌ، وَالتَّوَاضُعُ دَلِيلُ الْخَوْفِ، وَهُوَ مُسْعِدٌ.
فَإِذَنْ مَا يُفْسِدُهُ الْعِبَادُ بِإِضْمَارِ الْكِبْرِ وَاحْتِقَارِ الْخَلْقِ أَكْثَرُ مِمَّا يُصْلِحُهُ بِظَاهِرِ الْأَعْمَالِ.
فَهَذِهِ مَعَارِفُ بِهَا يُزَالُ دَاءُ الْكِبْرِ عَنِ الْقَلْبِ، إِلَّا أَنَّ النَّفْسَ بَعْدَ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ قَدْ تُضْمِرُ التَّوَاضُعَ، وَتَدَّعِي الْبَرَاءَةَ مِنَ الْكِبْرِ وَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ عَادَتْ إِلَى طَبْعِهَا، فَعَنْ هَذَا لَا

يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى فِي الْمُدَاوَاةِ بِمُجَرَّدِ الْمَعْرِفَةِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَكْمُلَ بِالْعَمَلِ، وَتُجَرَّبَ بِأَفْعَالِ الْمُتَوَاضِعِينَ فِي مَوَاقِعِ هَيَجَانِ الْكِبْرِ مِنَ النَّفْسِ، وَبَيَانُهُ أَنْ يَمْتَحِنَ النَّفْسَ بِالِامْتِحَانَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى اسْتِخْرَاجٍ مَا فِي الْبَاطِنِ، وَالِامْتِحَانَاتُ كَثِيرَةٌ،*فَمِنْهَا وَهُوَ أَوَّلُهَا:*أَنْ يُنَاظِرَ فِي مَسْأَلَةٍ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ أَقْرَانِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ شَيْءٌ مِنَ الْحَقِّ عَلَى لِسَانِ صَاحِبِهِ فَثَقُلَ عَلَيْهِ قَبُولُهُ وَالِانْقِيَادُ لَهُ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَنْبِيهٍ فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِيهِ كِبْرًا دَفِينًا، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ فِيهِ وَيَشْتَغِلْ بِعِلَاجِهِ.
أَمَّا مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ فَبِأَنْ يُذَكِّرَ نَفْسَهُ خِسَّةَ نَفْسِهِ، وَخَطَرَ عَاقِبَتِهِ وَأَنَّ الْكِبْرَ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِاللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا الْعَمَلُ فَبِأَنْ يُكَلِّفَ نَفْسَهُ مَا ثَقُلَ عَلَيْهِ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ، وَأَنْ يُطْلِقَ اللِّسَانَ بِالْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ، وَيُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ،*وَيَشْكُرَهُ عَلَى الِاسْتِفَادَةِ وَيَقُولَ:*«مَا أَحْسَنَ مَا فَطِنْتَ لَهُ، وَقَدْ كُنْتُ غَافِلًا عَنْهُ فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا كَمَا نَبَّهْتَنِي لَهُ»*فَالْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَإِذَا وَجَدَهَا يَنْبَغِيَ أَنْ يَشْكُرَ مَنْ دَلَّهُ عَلَيْهَا.
فَإِذَا وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَةً صَارَ ذَلِكَ لَهُ طَبْعًا، وَسَقَطَ ثِقَلُ الْحَقِّ عَنْ قَلْبِهِ، وَطَابَ لَهُ قَبُولُهُ، وَمَهْمَا ثَقُلَ عَلَيْهِ الثَّنَاءُ عَلَى أَقْرَانِهِ بِمَا فِيهِمْ فَفِيهِ كِبْرٌ.
الِامْتِحَانُ الثَّانِي:*أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَ الْأَقْرَانِ وَالْأَمْثَالِ فِي الْمَحَافِلِ وَيُقَدِّمَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَمْشِيَ خَلْفَهُمْ، وَيَجْلِسَ فِي الصُّدُورِ تَحْتَهُمْ، فَإِنْ ثَقُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُتَكَبِّرٌ. فَلْيُوَاظِبْ عَلَيْهِ تَكَلُّفًا حَتَّى يَسْقُطَ عَنْهُ ثِقَلُهُ، فَبِذَلِكَ يُزَايِلُهُ الْكِبْرُ.
وَهَاهُنَا لِلشَّيْطَانِ مَكِيدَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَجْلِسَ فِي صَفِّ النِّعَالِ أَوْ يَجْلِسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَقْرَانِ بَعْضُ الْأَرْذَالِ فَيَظُنَّ أَنَّ ذَلِكَ تَوَاضُعٌ، وَهُوَ عَيْنُ الْكِبْرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُخِفُّ عَلَى نُفُوسِ الْمُتَكَبِّرِينَ إِذْ يُوهِمُونَ أَنَّهُمْ تَرَكُوا مَكَانَهُمْ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَالتَّفَضُّلِ فَيَكُونُ قَدْ تَكَبَّرَ بِإِظْهَارِ التَّوَاضُعِ أَيْضًا، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ أَقْرَانَهُ، وَيَجْلِسَ بِجَنْبِهِمْ، وَلَا يَنْحَطَّ عَنْهُمْ إِلَى صَفِّ النِّعَالِ، فَذَلِكَ هُوَ الَّذِي يُخْرِجُ خُبْثَ الْكِبْرِ مِنَ الْبَاطِنِ.
الِامْتِحَانُ الثَّالِثُ:*أَنْ يُجِيبَ دَعْوَةَ الْفَقِيرِ، وَيَمُرَّ إِلَى السُّوقِ فِي حَاجَةِ الرُّفَقَاءِ وَالْأَقَارِبِ، فَإِنْ ثَقُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَهُوَ كِبْرٌ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَالثَّوَابَ عَلَيْهَا جَزِيلٌ، فَنُفُورُ النَّفْسِ عَنْهَا لَيْسَ إِلَّا لِخُبْثٍ فِي الْبَاطِنِ، فَلْيَشْتَغِلْ بِإِزَالَتِهِ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ مَعَ تَذَكُّرِ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْمَعَارِفِ الَّتِي تُزِيلُ دَاءَ الْكِبْرِ.
الِامْتِحَانُ الرَّابِعُ:*أَنْ يَحْمِلَ حَاجَةَ نَفْسِهِ وَحَاجَةَ أَهْلِهِ وَرُفَقَائِهِ مِنَ السُّوقِ إِلَى الْبَيْتِ، فَإِنْ أَبَتْ نَفْسُهُ ذَلِكَ فَهُوَ كِبْرٌ أَوْ رِيَاءٌ.
وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَعِلَلِهِ الْمُهْلِكَةِ لَهُ إِنْ لَمْ تَتَدَارَكْ. وَقَدْ أَهْمَلَ النَّاسُ طِبَّ الْقُلُوبِ وَاشْتَغَلُوا بِطِبِّ الْأَجْسَادِ مَعَ أَنَّ الْأَجْسَادَ قَدْ كُتِبَ عَلَيْهَا الْمَوْتُ لَا مَحَالَةَ،*وَالْقُلُوبُ لَا تُدْرِكُ السَّعَادَةَ إِلَّا بِسَلَامَتِهَا إِذْ قَالَ تَعَالَى:*(إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)*[الشُّعَرَاءِ: ٨٩]*.
بَيَانُ غَايَةِ الرِّيَاضَةِ فِي خُلُقِ التَّوَاضُعِ:
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخُلُقَ كَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ لَهُ طَرَفَانِ وَوَسَطٌ، فَطَرَفُهُ الَّذِي يَمِيلُ إِلَى الزِّيَادَةِ
يُسَمَّى تَكَبُّرًا، وَطَرَفُهُ يَمِيلُ إِلَى النُّقْصَانِ يُسَمَّى تَخَاسُسًا وَمَذَلَّةً، وَالْوَسَطُ يُسَمَّى تَوَاضُعًا، وَالْمَحْمُودُ أَنْ يَتَوَاضَعَ فِي غَيْرِ مَذَلَّةٍ وَتَخَاسُسٍ،*فَإِنَّ:
كِلَا طَرَفَيْ قَصْدِ الْأُمُورِ ذَمِيمُ
وَأَحَبُّ الْأُمُورِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْسَاطُهَا، فَمَنْ يَتَقَدَّمْ عَلَى أَمْثَالِهِ فَهُوَ مُتَكَبِّرٌ، وَمَنْ يَتَأَخَّرْ عَنْهُمْ فَهُوَ مُتَوَاضِعٌ، أَيْ وَضَعَ شَيْئًا مِنْ قَدْرِهِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ، وَالْعَالِمُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ دَنِيءٌ فَتَنَحَّى لَهُ عَنْ مَجْلِسِهِ وَأَجْلَسَهُ فِيهِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ وَسَوَّى لَهُ نَعْلَهُ، وَغَدَا إِلَى بَابِ الدَّارِ خَلْفَهُ فَقَدْ تَخَاسَسَ وَتَذَلَّلَ، وَهُوَ أَيْضًا غَيْرُ مَحْمُودٍ، بَلِ الْمَحْمُودُ عِنْدَ اللَّهِ الْعَدْلُ، وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَاضَعَ بِمِثْلِ هَذَا لِأَقْرَانِهِ وَمَنْ يَقْرُبُ مِنْ دَرَجَتِهِ، فَأَمَّا تَوَاضُعُهُ لِلسُّوقِيِّ فَبِالْقِيَامِ وَالْبِشْرِ فِي الْكَلَامِ وَالرِّفْقِ فِي السُّؤَالِ وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ وَالسَّعْيِ فِي حَاجَتِهِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، وَأَنْ لَا يَرَى نَفْسَهُ خَيْرًا مِنْهُ فَلَا يَحْتَقِرُهُ، وَلَا يَسْتَصْغِرُهُ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ خَاتِمَةَ أَمْرِهِ.

تم بحمد الله
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 04-22-2022, 02:34 AM
ابو عبد الرحمن المهناوي ابو عبد الرحمن المهناوي غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: شرق الجزائر (سكيكدة)
المشاركات: 37
افتراضي

الحمد لله ربّ العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين وآله و صحبه أجمعين أما بعد:

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:((" لا يمنعنّ رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه أو شهده أو سمعه، ((وفي لفظ)) فإنه لا
يقرب من أجل و لا يباعد من رزق"))السلسلة الصحيحة:ج1-ص168 للعلامة الألباني
قال الله تعالى في محكم تنزيله في وصف المؤمنين ((أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ))الآية .وقال في وصف الكفرين: من المنافقين والملحدين والمشركين((أولئك حزب الشيطان آلا إن حزب الشيطان هم الخاسرون )) -الآية- فأن التحزب قديم في الناس من يوم أن خلق الله أول مخلوق من البشر وهو أبونا ادم عليه وعلى رسولنا الصلاة والسلام ثم جعل منه زوجه أمنا حواء ،فبعد آن أبى إبليس اللعين أن يمتثل أمر الله بالسجود لأبي البشر إكراما وإجلالا، ، وتم طرده*وإبعاده من رحمته لحسده و تكبره،عند ذلك طلب من الله أنظاره إلى يوم القيامة ((قال أنضرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنضرين إلى يوم الوقت المعلوم))الآية.،فمن ذلك الحين سعى اللعين للانتقام من أبونا أدم وزوجه عليهما السلام بإغوائهما ومحاولة جعلهما من حزبه بتوريطهما في مخالفة تحذير الله لهما من الأكل من الشجرة ((ودلهما بغرور ))الآية ((ونادهما ربهما الم أنهاكما عن تلكما الشجرة واقل لكما إن الشيطان* لكما عدو مبين )) الآية- ((قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننا من الخاسرين ))-الآية- ((قال أهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو))-الآية-ومن ذلك الحين بدء الصراع بين إبليس و أتباعه من الإنس والجن وحميرهم الأغبياء المغفلين، والمؤمنين من ذرية ادم من الأنبياء وإتباعهم من الأولياء والأصفياء الفطناء المفلحين .

فالتحزب يكون على الدين الحق أو على دين باطل (محرف أو وضعي ) أو أهوى و مصالح

الاول :الدين الحق .فالمؤمنون الصادقون متحزبون متآزرون متحابون في الله لقول الله تعالى((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر))و جاء في الحديث الصحيح وصف المؤمنين بأنهم:((...يسعى بذمتهم أذناهم وهم يد على من سواهم))وجاء في حديث أخر صحيح ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتك منه عضو تدعا له سائر الجسد بالسهر والحمى )).*وهذا هو التحزب الذي يدعو إليه الإسلام*ويحث عليه، ويحبه الله ويرضاه للمؤمنين.((...آلا إن حزب الله هم المفلحون ))الآيةـ و المرأة داخلة في هذا الحث والتوجيه من الحكيم الرحيم.((النساء شقائق الرجال)) كما جاء في الحديث الصحيح
الثاني :ويقابله التحزب على دين محرف أو وضعي : كاليهودية والنصرانية وغيرهما من الملل الباطلة كالمجوسية :(الشيعة الغلاة من الرافضة وغيرهم ) و البوذية و الهندوسية والكنفوسشية فكل من تحزب على مثل هذه الأديان المحرفة و الملل الوضعية فهو في حقيقة الأمر منخرط في حزب الشيطان اللعين ويلحق بهذه الأديان والملل المحرفة أو الوضعية توابعها من الحركات الباطنية السرية :كالماسونية والبهائية والقديانيية و الإسماعيلية

وكذلك التحزب حول الإيديولوجيات العلمانية المعاصرة: كالديمقراطية واللبرالية (اليمينيين ) والاشتراكية والشيوعية (اليساريين )وغيرها من نتاج زبالة أفكار الملحدين ، فكل متحزب مع هؤلاء عن وعي و رغبة لا عن غفلة أو رهبة(تقية)
فهو منهم ((أولئك حزب الشطان آلا إن حزب الشطان هم الخاسرون ))-الآية-. و قريب من هذا التحزب الملي: *
تحزب نحل الضلال والبدعة لمنافسة أو محاربة أهل السنة والجماعة، و كذلك تحزب النساء المترجلات بعضهن مع البعض وجعل الرجال تبع لهن.((لن يفلحوا قوما ولوا أمرهم امرأة )) الحديث.
فتحزب الملل الكافرة يعد تهديدا للمسلمين من الخارج و تحزب نحل الضلال والبدعة، وكذاك النساء المترجلات هو تفتيت و إضعاف للمسلمين من الداخل.
كيف تتحزب المرأة*وتصير مترجلة؟
الاوضاع التي تجعل المرأة مترجلة:
الوضع الاول –إن الرجال والنساء في بعض الشعوب والقبائل التي انتشرت فيها البدع والموبقات وكبدعة الإرجاء والطرق الصوفية المنحرفة والشعودة والسحر ، تجدهم خرا فيون جاهلون بمبادئ الإسلام ،لا يتربي فيها الأولاد على التوحيد والإتباع :(الدعامتان للوعي و الاستقامة) فينشئون جفاة غلاظ أنانيون(قساة) آو ضعاف مذللين متواكلين (لينون) ،فإذا كبروا وجدوا أنفسهم طفيليين عاجزين عن مواجهة مصاعب الحياة ،فيستغلون ضعف و حنان الأم أو الأخت(النساء ) لابتزازها وجعلها تقوم بالعمل خارج البيت بدلهم، و قد ينحرفوا إلى الإجرام الفكري (النصب والاحتيال واحتراف التزلف والتملق للساسة و الؤجهاء ) والعملي(السطو على البيوت وقطع الطريق أو إدمان وترويج المسكرات والمخدرات و غيرها من الانحرافات )، فتتحمل المرأة أعباء الداخل (البيت) وتكره على تحمل أعباء الخارج (هم إعالة الأسرة مع وجود الراعي العاجز)فإن كانت طيبة(فيها غفلة الصالحين) وابتليت بهذا الصنف من فاقدي المروءة نتيجة لما قدمت يدها من التنشئة الفاسدة عن غير قصد،عاشت في كد وجهد إلى أخر أيامها . ((جزاءا وفاقا ))-الآية-ونرجو الله ان يكون تعب هؤلاء النسوة كفارة لذنوبهن إن رزقهن الله حسن الخاتمة ، ويتخرج من مثل هذه الأسر أولاد أنانيون ماديون لا يعيرون للفضائل أي قيمة ،استغلاليون ابعد ما يكونو عن العدل والإنصاف،إلا أن يجدوا من يأخذ بأيديهم إلى سواء الصراط ويهديهم الله على يديه.
و إن كانت ذكية و حريصة على زخارف الدنيا ،ماكرة ومتجاهلة لإحكام الدين وقدر الله لها أن اقترنت بزوج خامل سلبي أو أحمق أناني ، تحملت هذه الأعباء مع سحب القوامة منه ، ومن هنا تنقلب الموازين في مثل هذه الأسر فتصير المرأة هي المسطرة على دواليب الأسرة ،فإن رزقوا أولاد أحاطت نفسها ببناتها وبمن لا يشوش عليها من الذكور الهادئين اللينين أو الحمقاء المذللين مع إبعاد وتغييب الأقوياء القياديين (تنظيرا أو تطبيقا )، وجعل كل الذكور بما فيهم الأب السلبي أو الأحمق مجرد غطاء لما تقرره هذه المترجلة مع بنات جنسها المقربات منها . ،وهذه إحدى الطرق التي تتشكل منها المجتمعات المفككة (الأعراش النسوية )ويتخرج من هذه الأسر الغير منسجمة ، دوي الإعاقات النفسية من حمقاء أنانيون و مصلحيون استغلاليون ومراءون مغفلون وصرحاء مقهورون (وهؤلاء تجدهم متفقون على أن لا يتفقوا، قد استقل الشيطان بكل واحد منهم وصمم له في مخيلته دولة خاصة به ،( لا لبعضهم بعضا آزروا و نصروا ولا لعدوهم أرعبوا و قهروا)، وفي المقابل تجد في كثلة النساء ( الغير قابلة للاختراق )ماكرات مترجلات و نمامات مفسدات او مغرورات مغفلات بسيطات مقهورات (وهؤلاء النسوة تجدهن متفقات على أن لا يتفق أو يتقارب من هم حولهن من الإخوة والأخثان :(أزواج البنات والأخوات (حتى لا يتفطنوا لألاعبهن فيضعوا حدا لرعونتهن.


الوضع الثاني- فسليمة الفطرة من النساء ،المؤمنة بقدر الله، تجدها راضية بقضائه خاضعة لأحكامه جل وعلا ،قال الله تعالى موجها خطابه لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وهن اطهر نساء المؤمنين ومن يجب على كل نساء المسلمين الاقتداء بهم-ن .(( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ))-الآية- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح((...والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها... ))وقال الله تعالى ((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ))-الاية- وقال عز وجل ((وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكن لهم الخيرة من أمرهم ومن يطيع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ))-الآية- وقال تعالى ((أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون))-الاية- وقال الله تعالى ((فوربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ))-الآية– فالمؤمنة الصادقة تجدها راضية بقوامة واليها في كل مراحل حياتها سوءا كانت بنتا أو أختا أو زوجة أو أما، فهي في كفالة أبيها إن كانت عزباء فإن مات أبوها صارت في كفالة إخوانها فإن تزوجت انتقلت إلى كفالة زوجها فإن مات زوجها وكانت لها أولاد تكفل بها أبناءها وإن لا رجعت إلى دويها . و هذا هو الوضع الطبيعي الذي ينتج لنا نفوسا سوية و أسرا مترابطة وتكافل اجتماعي مبني على الرحمة والشعور بالمسؤولية ،فإن انحرفت المرأة و ركبت رأسها وترجلت (بأن جعلت من نفسها رأس القاطرة )أفسدت كل من حولها إلا من أنكر عليها وتحشاها ((وكان عاقبة أمرها خسرا))-الآية- وقد جاء في الأثر: ( لعن الله النساء المتشبهات بالرجال ...) وعن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :((لن يفلحوا قوما ولو أمرهم امرأة ))كما جاء في الحديث الصحيح
.
فالأنظمة الوضعية (اللادينية) المتحكمة في رقاب المسلمين بالوكالة من الشرق(الدب الروسي)أوالغرب( الذئب الأرو أمريكي) التي تسوي بين الرجال والنساء في التعليم و لا تعترف بخصائص كل جنس و تقحم بالمرأة في مجلات لا تتوافق مع طبيعتها الأنثوية الرقيقة مثل:الجندية(شرطة - درك -عسكر- جمارك-حماية مدنية)(هناك فتوى للشيخ الفوزان عضو هيئة كبارالعلماء (ولغيره من العلماء)، في حرمة تجنيد المرأة .-فالتراجع-) والإمارة(رئيس-ة- وزير-ة -والي-ة -رئيس-ة دائرة- رئيس-ة مجلس شعبي-رئيس-ة مؤسسة مختلطة -رئيس-ة مصلحة مختلطة)والقضاء و لو كان شرعيا(نائب-ة عام -قاضي -ة رئيس-ة محكمة-وكيل-ة جمهورية ) والوظائف والحرف الخاصة بالرجال كالرقابة والتفتيش والحراسة و ألسياقه والنجارة والحدادة والبناء ، وكل عمل فيه اختلاط بالرجال ،هو :السبب في إفساد فطرة المرأة وانتكاسها حتى صارت متمردة على خالقها ودينها ودويها مترجلة معتمدة على نفسها متعلقة ومستغنية براتبها عابدة له (الغالبية من النساء العاملات (إماء الراتب) إذا خيرت بين الزواج مع القرار في البيت للقيام على الأسرة وتربية الأولاد،فضلت العمل و العنوسة على الزواج المشروط)متبعة لهواها وشيطانها على حساب حيائها وأسرتها و مجتمعها .

موقف المرأة المترجلة من الحق
الناس ثلاثة اصناف :
صنف الاول :من يؤمن بالحق وينصاع له قويا كان او ضعيف ،كالتلميذ الوفي مع شيخه والابن البار مع والديه والعامل(الولي ) الصادق المنصف مع أميره (الخليفة )أو الأجير المؤمن الأمين مع سيده )وهؤلاء هم :(الصالحين المصلحين )
صنف الثاني :لا ينقاد للحق الا في حالة الضعف فإذا قوي سعى لقهر من له الفضل عليه ومحاولة الانقلاب عليه ولو كان النبي أو معلمه أو أباه (وهؤلاء هم الذين يسعون الى العلو و الفساد في الأرض ويعون ما إليه يقصدون من الإفساد (جند إبليس)وكذلك المعتدون(الدال مشددة) بأنفسهم ،المأسورين لأهوائهم الذين لا يفرقون بين اراءهم والحق (ما أريكم إلا ما أراء)- الآية- فيترتب على سلوكهم الفساد في الأرض بدون قصد الإفساد)(أو قل المهندسون من الانقلابيين والعمليون)
الصنف الثالث :من ليس لهم موقف نابع عن قناعة ذاتية ،فهم مع من غلب صالحا كان أو طالحا (الذين يساقون كالقطيع).جاء في الاثر عن علي رضي الله عنه :(الناس ثلاث :عالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة (هؤلاء هم الصالحين والمصلحين )وهمج رعاع متبعين لكل ناعق لم يستضيؤا بنور العلم وهم :( الرعاع المغفلين المتبعين لكل ناعق من الانقلابيين .)
فالمرأة المترجلة لا تستطع ان تنفك عن السلوك الانقلابي إلا إذا لم تجد من تنقلب عليه كالسفهاء المدمنين (الأذلاء المنكسرين)أو النسويين المائعين:(المخنثين) أو الماديين الاستغلاليين :(كالديوث والبخيل والطماع ) فهؤلاء لا تهمهم القوامة بقدر ما تهمهم مصالحهم المادية أو المعنوية ومن يوفرها لهم كان من كان؟ ولو على حساب دينهم أو مروءتهم (رجولتهم.)


كيف تهدم المرأة المترجلة أسرتها ومجتمعها ؟
وقال الله تعالى ((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا ))الآية – وقال تعالى ((وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ))-الآية -وجاء في الحديث الصحيح ((لن يفلحوا قوما ولو أمرهم امرأة)) الحديث ،فالمرأة المترجلة اذا قدر الله عليها أن اقترنت برجل مؤمن :(فيه القوة و الأمانة ) عملت على ترويضه وسلخه بالتدريج من مصدر رجولته وهو: (التدين الصحيح) إلى أن تصل إلى هدفها وهو:أن تصير هي الآمرة الناهية ،علانية أو من وراء الستار،لا يهمها ذالك لانها لا تعترف بقوامة الرجل ولا بملكيته ولا تراه حتى مشاركا لها في توجيه وتربية أولادهم ،(فهو و أولاده و ماله ملكا لها ) فهي لا تريد منه إلا حاجتها النفسية إن كانت عفيفة ،و ان يكون مجرد غطاء لما تقوم به مع وحشياتها .وإلا فالحرب سجال إلى أن ينصاع احد الطرفين ،وإثناء ذلك تستقوي عليه بالحمقاء و الخانعين من دويها (وما أكثر هذا الصنف من أشباه الرجال الذين ينتصرون لبناتهم أو أخواتهم ظالمات أو مظلومات)أو الاستعانة عليه بالكهنة والمشعوذين ،وكذلك تعمل على تحزيب الأولاد ضده وتأليبهم عليه و تحيط نفسها ببناتها أولا، ثم بالضعاف من الذكور وتبعد وتغييب الأقوياء المنصفين وان كانوا صالحين ,وبهذا تغرس الكراهية والفرقة بين البنين والبنات من جهة وبين النبهاء والمغفلين من الأولاد من جهة أخرى،و هكذا تصير هذه الأسرة حلبة صراع بين الذكور و الإناث من جهة وبين السلبيين المنقادين للمترجلات والايجابيين الثائرين على ترجل النساء بما فيهم الأمهات .فأسرة مثل هذه لا توفق الى التآلف والاستقرار ولا تهتدي إلى الطريق المستقيم في الدين ولا إلى الخلق القويم في التعامل مع المخلوقين، لان التدين الصحيح لا تصل إليه ألا بالعقل الحر السليم (الفطرة السوية) بعد توفيق الله ،والخلق القويم لا تصل إليه إلا بقوة الإرادة والتجرد من حظوظ النفس(الطمع في ما في أيدي الناس) بعد إعانة الله أما القلوب المنكوسة(أشباه اليهود) والعقول المغيبة (أشباه النصارى) فمستقرهم في الغي أو الضلال أعادنا الله من أوصاف المغضوب عليهم والضالين.إن مثل هذه الأسر والمجتمعات لا مطمع لأحد في إصلاحها أو تغييرها(إلا أن يشاء الله)بل الهروب منها هو الأولى مع الاحتراز من العقوق و قطيعة الرحم
فهذه التجمعات والاعراش المحسوبة على المسلمين في الظاهر تجدهم من ألذ أعدائهم في أوقات المحن والحروب، والتأريخ خير شاهد (عرش بني أعداس (غجر الجزائر ) نموذجا ،وغيرها من الاعراش النسوية التي تخرج ويتخرج منها الكثير من الخونة(الحركى :عملاء المستدمر المنافقين )الخائنين لدينهم وبني جلدتهم

الاثار السلبية لترجل المراة
الآثار السلبية على الذكور :إن الذكر المتربى بين المترجلات إما أن يشركوه في جلساتهن فينهل من أوصافهن ما الله به عليم أو يبعدوه ان كان فطنا معارضا فينشاء مغيبا لا يعرف حقائق الأمور إلا أن يشاء الله له الهداية ،والقلة من الرجال من يستطيع الانفلات من مخالب هؤلاء النسوة الماكرات فهن كالعقارب تلسع ما لم يقطع ذيلها ، نسأل الله أن يطلق سراح المأسورين بحبائلهن، فالضحايا لهؤلاء الماكرات منشغلون بالبحث عن أنفسهم ،أن بقيت لهم عقول؟من أن يبحثوا عن الدين الصحيح الذي تبنى عليه الرجولة ،
إذا، فترجل النساء هو حرب على عقول الذكور ورجولتهم، ((فلا دين بلا عقل ولا رجولة بلا دين)). إن هذه الوكالة عن ابليس التي تقوم بها المرأة المترجلة لم يستطع القيام بها إلا اليهود (أحفاد القردة و الخنازير)ومن شابههم من المنافقين، ((فهنيئا لكي ايتها الرعناء هذه النيابة عن شيخكي الملعون وهذه المنافسة لأخس عبيده))
الآثار السلبية على الإناث:فالمرأة التي تتربى مع مترجلات تتأثر بأوصافهن لا محالة وإلا صارت منبوذة مبعدة ويتسلطن عليها بالذم والتقريع إلى أن تفقد الثقة بنفسها فتصر تابعة رغم انفها وهناك قاعدة في علم النفس تسمى(التوحد بالمعتدي) تقول:إذا قهرت من طرف شخص ظالم، توحدت معه (تقمصت شخصيته)وصرت تمارس أسالبه في الظلم مع غيرك بلا شعور منك إلى أن تتعود تلك الأساليب،وهو المثال الساري بين الناس من قولهم: (تقليد المغلوب للغالب) -تعقيب- : (إن لم يكن لك تدين مبني على قواعد صحيحة مع وعي) –المهناوي – أما الذكية الأنانية فتتتلمذ على كبراتهن حتى تصير مثلها أو أعلى درجة منها فيكونون كتلة داخل الأسرة يصعب اختراقها ويصرن يتلاعبن بعقول المحيطين بهن من المغفلين فيرفعون المنصاع الجاهل وان كان أحمقا أو فاسقا ويحطون من قيمة صاحب المبدأ والدين المتفطن لألاعبهن وان كان احرص الناس على مصلحتهن. وقائدهن (شكلا )من يسير في فلكهن ويحقق لهن رغباتهن وان كان من أحمق او افسق الناس ، فإذا تبرم أو تعثر تخلين عنه ورموه بكل نقيصة واستبدلوه بغيره من المأسورين بحبائلهن.

هل للمرأة المترجلة توبة ؟ومن ما تتوب؟

ان تعامل الناس بعضهم مع بعض عادة تراعى فيه ثلاثة جوانب وهي :الجانب الأدبي –الجانب التنظيمي – والجانب العلمي – ولكن بعض المتسلطين يخلط بين هذه الجوانب ويستغل حياء الناس وجهلهم أو تملقهم ليمرر لهم قناعات وسلوكيات ما هي بعلمية ولا أدبية .
الاول: الجانب الادبي ،فإذا تعاملت مع أي شخص فأول جانب الذي يجب عليك ان ترعيه هو الجانب الأدبي: هل هذا المتعامل معه على دينك او على غير دينك ؟–هل هو من أرحامك أو من الأباعد ؟–هل هو جارك أو من غير جرأنك؟- وهل هو يكبرك أم يصغرك (علما أوسنا )؟– فإن لهؤلاء الأفاضل حقوق ليس لغيرهم من التوقير و التبجيل والإكرام.
الثاني :الجانب التنظيمي :هل هذا المتعامل معه، شيخك أم تلميذك ؟هل هو أباك أم ابنك ؟هل هو ولي أمرك أو احد رعيتك؟هل هو سيدك أم أجيرك؟ وهل هو قائدك أم جندييك. فإن لهؤلاء الكبار من الانقياد والطاعة في غير معصية الله والنصيحة بالمعرف ما ليس لغيرهم ،والرحمة والشفقة على الصغار منهم ما ليس لغيرهم (ملاحضة):ان الشيخ والوالد يجتمع فيهما الجانبان :الأدبي والتنظيمي ولهذا قدموا على غيرهم .
الثالث:الجانب العلمي :ان التعامل مع الناس في هذا الجانب يجب ان يكون المعتبر فيه هو الدليل في النقليات والبرهان في العقليات ولا اعتبار للكبير و الصغير و لا للأمير والحقير وللغني والفقير إذ أن الناس سواسية في مسائل العلم والعمل به والمقدم هو صاحب الحجة كبيرا كان أم صغير أميرا كان أم حقيرا غنيا كان أم فقيرا ولجهل عوام الناس وأنصاف المتعلمين بما فيهم المتدينين بهذا المبدأ تراهم ينبهرون بالوجهاء من هذه الأصناف فيتبنون كلامهم ويقلدون سلوكهم كأقوال و أفعال صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم ولا يناقشونها او يعترضون عليها وكأنها وحي منزل من الحكيم الخبير. ويزدرون الصغار من هؤلاء ويطعنون في نواياهم ويسفهون أقوالهم وينتقدون سلوكهم ولو كانت الحجة معهم بل و يصفونهم بالأوصاف المقززة لتنفير الناس عنهم
وما علاقة المرأة المترجلة بهذا الكلام ؟
فعلاقتها كالتالي:
إن المرأة المترجلة متسلقة على كل هذه الجوانب و ألذ خصومها هو العلم الشرعي أو حتى المنطقي فإن تدينت فبالقشر لا بالروح (إي بالمفهوم النصراني لا بالمفهوم الإسلامي ،من أن التدين هو علاقة بين العبد وربه في المسجد ولا علاقة له بالمجتمع توجيها وتنظيما ) أو تسترت ببعض الأدب فهو إلى الإفرنجي أقرب (من سفور وتبرج وتعطر واختلاط و تجدها وخراجة ولاجة بلا ضرورة ولا حاجة ، و تجتمع كل هذه الخصال في الصلف و قلة الحياء ) اما الجانب التنظيمي فلا ترى فوقها أحدا لا أبوها ولا آخوها ولا زوجها ولا حتى ابنها بعد بلوغه سن الرشد ،الكل تحت سلطانها و يجب أن يعترفوا بعبقريتها و ينصاعوا لأوامرها ويترقبوا مخططاتها وإلا طلهم الإبعاد والتأليب . -
وألان فلنرجع الى السؤال :
من ما تتوب المرأة المترجلة؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور ((...الكبر بطر الحق وغمط الناس))أي رد الحق واحتقار الناس ، وقد تبين أن المرأة المترجلة تتحاشى (تبتعد عن) العلم الذي و يجلي حقيقتها و يعرفها نفسها ، والأدب الأصيل الذي يقيد سلوكها ويحد من نزواتها ،والتنظيم الشرعي العرفي الذي يحجر عليها ويلزمها حدودها ،ألآ يعد هذا كبرا ؟إذا، فالتوبة تكون من الكبر.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال أحد الصحابة (رضي الله عنهم ) الرجل منا يحب ان يكون ثوبه حسنا ونعله حسن ؟فقال عليه السلام : إن الله جميل ويحب الجمال . ( (( الكبر بطر الحق وغمط الناس))

والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات
كتبه أبو عبد الرحمن مالك بن يوسف المهناوي الأثري

وهذه بعض النقول من كتاب مؤعظة المؤمنين من احياء علوم الدين لعلامة الديار الشامية المحدث الزاهد الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله يتكلم فيها عن الكبر:(حقيقته و بواعثه وعلاجه)من صفحة43 –الى54 وإن كان الكلام عن الكبر جاء و كأنه موجه للرجال ، فالكبر ليس خاص بالرجال ولا بالنساء ، فهو صفة ،من اتصف بها فهو المقصود .
كِتَابُ ذَمِّ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ
مَا وَرَدَ فِي ذَمِّ الْكِبْرِ
قَالَ تَعَالَى:*(سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)*[الْأَعْرَافِ: ظ،ظ¤ظ¦]*وَقَالَ تَعَالَى:*(كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)*[غَافِرٍ: ظ£ظ¥]*وَقَالَ تَعَالَى:*(وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)*[إِبْرَاهِيمَ: ظ،ظ¥]*وَقَالَ تَعَالَى:*(إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ)*[النَّحْلِ: ظ¢ظ£]*وَقَالَ:*(إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)*[غَافِرٍ: ظ¦ظ*]*.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ»*.
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:*«يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَلْقَيْتُهُ فِي جَهَنَّمَ، وَلَا أُبَالِي»*.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَخِيلٌ، وَلَا جَبَّارٌ»*.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ يَجُرُّ إِزَارَهُ بَطَرًا»*.
وَجَاءَ فِي فَضْلِ التَّوَاضُعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«مَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ»*.
وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«طُوبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ فِي غَيْرِ مَسْكَنَةٍ، وَأَنْفَقَ مَالًا جَمَعَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَرَحِمَ أَهْلَ الذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ، وَخَالَطَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ»*.
وَعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:*«مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ، وَمَنْ تَكَبَّرَ وَضَعَهُ اللَّهُ، وَمَنِ اقْتَصَدَ أَغْنَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ بَذَّرَ أَفْقَرَهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللَّهِ أَحَبَّهُ اللَّهُ»*.
وَقَالَ*«الفضيل»*وَقَدْ سُئِلَ عَنِ التَّوَاضُعِ*«: أَنْ تَخْضَعَ لِلْحَقِّ وَتَنْقَادَ لَهُ، وَلَوْ سَمِعْتَهُ مِنْ صَبِيٍّ قَبِلْتَهُ، وَلَوْ سَمِعْتَهُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ قَبِلْتَهُ»*.
بَيَانُ حَقِيقَةِ الْكِبْرِ وَآفَتِهِ:
اعْلَمْ أَنَّ الْكِبْرَ يَنْقَسِمُ إِلَى بَاطِنٍ وَظَاهِرٍ، فَالْبَاطِنُ هُوَ خُلُقٌ فِي النَّفْسِ، وَالظَّاهِرُ هُوَ أَعْمَالٌ تَصْدُرُ مِنَ الْجَوَارِحِ، وَتِلْكَ الْأَعْمَالُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَآفَتُهُ عَظِيمَةٌ وَغَائِلَتُهُ هَائِلَةٌ،*وَكَيْفَ لَا تَعْظُمُ آفَتُهُ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ»*وَإِنَّمَا صَارَ حِجَابًا دُونَ
الْجَنَّةِ ; لِأَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ كُلِّهَا، وَتِلْكَ الْأَخْلَاقُ هِيَ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَالْكِبْرُ وَعِزَّةُ النَّفْسِ يُغْلِقُ تِلْكَ الْأَبْوَابَ كُلَّهَا ; لِأَنَّ الْمُتَكَبِّرَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُحِبَّ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّوَاضُعِ، وَهُوَ رَأْسُ أَخْلَاقِ الْمُتَّقِينَ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ الْحِقْدِ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَدُومَ عَلَى الصِّدْقِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ الْغَضَبِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى كَظْمِ الْغَيْظِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ الْحَسَدِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى النُّصْحِ اللَّطِيفِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى قَبُولِ النُّصْحِ، وَلَا يَسْلَمُ مِنَ الْإِزْرَاءِ بِالنَّاسِ وَمِنِ اغْتِيَابِهِمْ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا مِنْ خُلُقٍ ذَمِيمٍ إِلَّا وَصَاحِبُ الْعِزِّ وَالْكِبْرِ مُضْطَرٌّ إِلَيْهِ لِيَحْفَظَ بِهِ عِزَّهُ، وَمَا مِنْ خُلُقٍ مَحْمُودٍ إِلَّا وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَفُوتَهُ عِزُّهُ، فَمِنْ هَذَا لَمْ يُدْخِلِ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْهُ.
وَشَرُّ أَنْوَاعِ الْكِبْرِ مَا يَمْنَعُ مِنَ اسْتِفَادَةِ الْعِلْمِ وَقَبُولِ الْحَقِّ وَالِانْقِيَادِ لَهُ، وَفِيهِ وَرَدَتِ الْآيَاتُ الَّتِي فِيهَا ذَمُّ الْكِبْرِ وَالْمُتَكَبِّرِينَ.
وَمَنْشَؤُهُ اسْتِحْقَارُ الْغَيْرِ وَازْدِرَاؤُهُ وَاسْتِصْغَارُهُ،*وَلِذَلِكَ شَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِبْرَ بِهَاتَيْنِ الْآفَتَيْنِ بِقَوْلِهِ:*«الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْصُ الْخَلْقِ»*أَيِ ازْدِرَاؤُهُمْ وَاسْتِحْقَارُهُمْ وَهُمْ عِبَادُ اللَّهِ أَمْثَالُهُ أَوْ خَيْرٌ مِنْهُ وَهَذِهِ الْآفَةُ الْأُولَى، وَبَطَرُ الْحَقِّ هُوَ رَدُّهُ وَهِيَ الْآفَةُ الثَّانِيَةُ.
فَكُلُّ مَنْ رَأَى أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ أَخِيهِ وَاحْتَقَرَ أَخَاهُ وَازْدَرَاهُ وَنَظَرَ إِلَيْهِ بِعَيْنِ الِاسْتِصْغَارِ أَوْ رَدَّ الْحَقَّ، وَهُوَ يَعْرِفُهُ فَقَدْ تَكَبَّرَ وَنَازَعَ اللَّهَ فِي حَقِّهِ.
وَوَجْهُ الْآفَةِ الْأُولَى أَنَّ الْكِبْرَ وَالْعِزَّ وَالْعَظَمَةَ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِالْمَلِكِ الْقَادِرِ، فَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ الضَّعِيفُ الْعَاجِزُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ فَمِنْ أَيْنَ يَلِيقُ بِحَالِهِ الْكِبْرُ وَاسْتِعْظَامُ النَّفْسِ وَاسْتِحْقَارُ الْغَيْرِ؟ فَمَهْمَا تَكَبَّرَ الْعَبْدُ فَقَدْ نَازَعَ اللَّهَ تَعَالَى فِي صِفَةٍ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِجَلَالِهِ، وَمِثَالُهُ أَنْ يَأْخُذَ الْغُلَامُ تَاجَ الْمَلِكِ فَيَضَعُهُ عَلَى رَأْسِهِ وَيَجْلِسُ عَلَى سَرِيرِهِ فَمَا أَعْظَمَ اسْتِحْقَاقَهُ لِلْمَقْتِ، وَمَا أَعْظَمَ تَهَدُّفَهُ لِلْخِزْيِ وَالنَّكَالِ، وَمَا أَشَدَّ اسْتِجْرَاءَهُ عَلَى مَوْلَاهُ، وَمَا أَقْبَحَ مَا تَعَاطَاهُ.
فَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِبَادُ اللَّهِ وَلَهُ الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ عَلَيْهِمْ، فَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ فَقَدْ نَازَعَ اللَّهَ فِي حَقِّهِ.
وَوَجْهُ الْآفَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ مَنْ سَمِعَ الْحَقَّ مِنْ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَاسْتَنْكَفَ عَنْ قَبُولِهِ وَتَشَمَّرَ لِجَحْدِهِ فَمَا ذَاكَ إِلَّا لِلتَّرَفُّعِ وَالتَّعَاظُمِ وَاسْتِحْقَارِ غَيْرِهِ حَتَّى تَأَبَّى أَنْ يَنْقَادَ لَهُ،*وَذَلِكَ مِنْ أَخْلَاقِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِذْ وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ:*(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)*[فُصِّلَتْ: ظ¢ظ¦]*.
فَكُلُّ مَنْ يَتَّضِحُ لَهُ الْحَقُّ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ وَيَأْنَفُ مِنْ قَبُولِهِ، أَوْ يُنَاظِرُ لِلْغَلَبَةِ وَالْإِفْحَامِ لَا لِيَغْتَنِمَ الْحَقَّ إِذَا ظَفِرَ بِهِ فَقَدْ شَارَكَهُمْ فِي هَذَا الْخُلُقِ،*وَكَذَلِكَ مَنْ تَحْمِلُهُ الْأَنَفَةُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ الْوَعْظِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:*(وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ)*[الْبَقَرَةِ: ظ¢ظ*ظ¦]*.
بَيَانُ مَا بِهِ التَّكَبُّرُ:
اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَتَكَبَّرُ إِلَّا مَنِ اسْتَعْظَمَ نَفْسَهُ، وَلَا يَسْتَعْظِمُهَا إِلَّا وَهُوَ يَعْتَقِدُ لَهَا صِفَةً مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَجِمَاعُ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى كَمَالٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ، فَالدِّينِيُّ هُوَ الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ، وَالدُّنْيَوِيُّ هُوَ النَّسَبُ وَالْجَمَالُ وَالْقُوَّةُ وَالْمَالُ وَكَثْرَةُ الْأَنْصَارِ،*فَهَذِهِ سَبْعَةُ أَسْبَابٍ:
الْأَوَّلُ:*الْعِلْمُ، وَمَا أَسْرَعَ الْكِبْرَ إِلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَلَا يَلْبَثُ أَنْ يَسْتَشْعِرَ فِي نَفْسِهِ كَمَالَ الْعِلْمِ فَيَسْتَعْظِمَ نَفْسَهُ وَيَسْتَحْقِرَ النَّاسَ وَيَسْتَجْهِلَهُمْ وَيَسْتَخْدِمَ مَنْ خَالَطَهُ مِنْهُمْ.
وَقَدْ يَرَى نَفْسَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَعْلَى وَأَفْضَلَ مِنْهُمْ فَيَخَافُ عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ مِمَّا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَرْجُو لِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَرْجُو لَهُمْ،*وَسَبَبُ كِبْرِهِ بِالْعِلْمِ أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا:*أَنْ يَكُونَ اشْتِغَالُهُ بِمَا يُسَمَّى عِلْمًا وَلَيْسَ عِلْمًا فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ الْحَقِيقِيَّ مَا يَعْرِفُ بِهِ الْعَبْدُ رَبَّهُ وَنَفْسَهُ وَخَطَرَ أَمْرِهِ فِي لِقَاءِ اللَّهِ وَالْحِجَابِ مِنْهُ، وَهَذَا يُورِثُ الْخَشْيَةَ وَالتَّوَاضُعَ دُونَ الْكِبْرِ،*قَالَ تَعَالَى:*(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)*[فَاطِرٍ: ظ¢ظ¨]*.
ثَانِيهِمَا:*أَنْ يَخُوضَ فِي الْعِلْمِ، وَهُوَ خَبِيثُ الدُّخْلَةِ رَدِيءُ النَّفْسِ سَيِّئُ الْأَخْلَاقِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْتَغِلْ أَوَّلًا بِتَهْذِيبِ نَفْسِهِ وَتَزْكِيَةِ قَلْبِهِ بِأَنْوَاعِ الْمُجَاهَدَاتِ فَبَقِيَ خَبِيثَ الْجَوْهَرِ، فَإِذَا خَاضَ فِي الْعِلْمِ صَادَفَ الْعِلْمُ مِنْ قَلْبِهِ مَنْزِلًا خَبِيثًا فَلَمْ يَطِبْ ثَمَرُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي الْخَيْرِ أَثَرُهُ، وَقَدْ ضَرَبَ*«وهب»*لِهَذَا مَثَلًا فَقَالَ: الْعِلْمُ كَالْغَيْثِ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ حُلْوًا صَافِيًا فَتَشْرَبُهُ الْأَشْجَارُ بِعُرُوقِهَا فَتُحَوِّلُهُ عَلَى قَدْرِ طَعُومِهَا فَيَزْدَادُ الْمُرُّ مَرَارَةً وَالْحُلْوُ حَلَاوَةً، فَكَذَلِكَ الْعِلْمُ يَحْفَظُهُ الرِّجَالُ فَتُحَوِّلُهُ عَلَى قَدْرِ هِمَمِهَا وَأَهْوَائِهَا، فَيَزِيدُ الْمُتَكَبِّرَ كِبْرًا وَالْمُتَوَاضِعَ تَوَاضُعًا، وَهَذَا ; لِأَنَّ مَنْ كَانَتْ هِمَّتُهُ الْكِبْرَ هُوَ جَاهِلٌ فَإِذَا حَفِظَ الْعِلْمَ وَجَدَ مَا يَتَكَبَّرُ بِهِ فَازْدَادَ كِبْرًا، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ خَائِفًا مَعَ عِلْمِهِ فَازْدَادَ عِلْمًا عَلِمَ أَنَّ الْحُجَّةَ قَدْ تَأَكَّدَتْ عَلَيْهِ فَيَزْدَادُ خَوْفًا.
الثَّانِي الْعَمَلُ وَالْعِبَادَةُ:*وَلَيْسَ يَخْلُو عَنْ رَذِيلَةِ الْكِبْرِ وَاسْتِمَالَةِ قُلُوبِ النَّاسِ الْعُبَّادِ فَيَتَرَشَّحُ مِنْهُمُ الْكِبْرُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَهُوَ أَنَّهُمْ يَتَوَقَّعُونَ ذِكْرَهُمْ بِالْوَرَعِ وَالتَّقْوَى وَتَقْدِيمَهُمْ عَلَى سَائِرِ النَّاسِ، وَكَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ عِبَادَتَهُمْ مِنَّةً عَلَى الْخَلْقِ، وَأَمَّا فِي الدِّينِ فَهُوَ أَنْ يَرَى النَّاسَ هَالِكِينَ وَيَرَى نَفْسَهُ نَاجِيًا، وَهُوَ الْهَالِكُ تَحْقِيقًا مَهْمَا رَأَى ذَلِكَ،*قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«إِذَا سَمِعْتُمُ الرَّجُلَ يَقُولُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ»*وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُزْدَرٍ بِخَلْقِ اللَّهِ مُغْتَرٌّ آمِنٌ مِنْ مَكْرِهِ غَيْرُ خَائِفٍ مِنْ سَطْوَتِهِ، وَكَيْفَ لَا يَخَافُ وَيَكْفِيهِ شَرًّا احْتِقَارُهُ لِغَيْرِهِ،*قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«كَفَى بِالْمَرْءِ شَرًّا أَنْ يُحَقِّرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ»*.
وَكَثِيرٌ مِنَ الْعِبَادِ إِذَا اسْتَخَفَّ بِهِ مُسْتَخِفٌّ أَوْ آذَاهُ مُؤْذٍ اسْتَبْعَدَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ، وَلَا يَشُكُّ فِي أَنَّهُ صَارَ مَمْقُوتًا عِنْدَ اللَّهِ، وَذَلِكَ لِعِظَمِ قَدْرِ نَفْسِهِ عِنْدَهُ، وَهُوَ جَهْلٌ وَجَمْعٌ بَيْنَ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَالِاغْتِرَارِ بِاللَّهِ.
وَقَدْ يَنْتَهِي الْحُمْقُ وَالْغَبَاوَةُ بِبَعْضِهِمْ إِلَى أَنْ يَتَحَدَّى وَيَقُولَ:*«سَتَرَوْنَ مَا يَجْرِي عَلَيْهِ»*، وَإِذَا أُصِيبَ بِنَكْبَةٍ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَاتِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ مَا أَرَادَ إِلَّا الِانْتِقَامَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ يَرَى طَبَقَاتٍ مِنَ الْكُفَّارِ يَسُبُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَعُرِفَ جَمَاعَةٌ آذَوُا الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ قَتَلَهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَمْهَلَ أَكْثَرَهُمْ، وَلَا يُعَاقِبُهُمْ فِي الدُّنْيَا، بَلْ رُبَّمَا أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يُصِبْهُ مَكْرُوهٌ فِي الدُّنْيَا،*وَلَا فِي الْآخِرَةِ:*أَفَيَظُنُّ


هَذَا الْجَاهِلُ الْمَغْرُورُ أَنَّهُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ، وَأَنَّهُ قَدِ انْتَقَمَ لَهُ بِمَا لَمْ يَنْتَقِمْ لِأَنْبِيَائِهِ بِهِ، وَلَعَلَّهُ فِي مَقْتِ اللَّهِ بِإِعْجَابِهِ وَكِبْرِهِ، وَهُوَ غَافِلٌ عَنْ هَلَاكِ نَفْسِهِ، فَهَذِهِ عَقِيدَةُ الْمُغْتَرِّينَ،*وَأَمَّا الْأَكْيَاسُ مِنَ الْعِبَادِ فَيَقُولُونَ مَا كَانَ يَقُولُهُ السَّلَفُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ عَرَفَاتٍ:*«كُنْتُ أَرْجُو الرَّحْمَةَ لِجَمِيعِهِمْ لَوْلَا كَوْنِي فِيهِمْ»*فَانْظُرْ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ: هَذَا يَتَّقِي اللَّهَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَهُوَ وَجِلٌ عَلَى نَفْسِهِ مُزْدَرٍ لِعَمَلِهِ، وَذَاكَ يُضْمِرُ مِنَ الرِّيَاءِ وَالْكِبْرِ وَالْغِلِّ مَا هُوَ ضُحَكَةٌ لِلشَّيْطَانِ بِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ يَمْتَنُّ عَلَى اللَّهِ بِعَمَلِهِ.
الثَّالِثُ:*التَّكَبُّرُ بِالْحَسَبِ وَالنَّسَبِ، فَالَّذِي لَهُ نَسَبٌ شَرِيفٌ يَسْتَحْقِرُ مَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ النَّسَبُ وَإِنْ كَانَ أَرْفَعَ مِنْهُ عَمَلًا وَعِلْمًا، وَقَدْ يَتَكَبَّرُ بَعْضُهُمْ فَيَأْنَفُ مِنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ وَمُجَالَسَتِهِمْ،*وَقَدْ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ التَّفَاخُرُ بِهِ فَيَقُولُ لِغَيْرِهِ:*مَنْ أَنْتَ وَمَنْ أَبُوكَ فَأَنَا فُلَانٌ ابْنُ فُلَانٍ، وَمَعَ مِثْلِي تَتَكَلَّمُ! .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ*«أبا ذر»*رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:*«قَاوَلْتُ رَجُلًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ السَّوْدَاءِ،*فَغَضِبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ:»*يَا أبا ذر، لَيْسَ لِابْنِ الْبَيْضَاءِ عَلَى ابْنِ السَّوْدَاءِ فَضْلٌ*«فَقَالَ»*أبو ذر*«: فَاضْطَجَعْتُ وَقُلْتُ لِلرَّجُلِ: قُمْ فَطَأْ عَلَى خَدِّي»*.
فَانْظُرْ كَيْفَ نَبَّهَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ جَهْلٌ، وَانْظُرْ كَيْفَ تَابَ وَقَلَعَ مِنْ نَفْسِهِ شَجَرَةَ الْكِبْرِ إِذْ عَرَفَ أَنَّ الْعِزَّ لَا يَقْمَعُهُ إِلَّا الذُّلُّ.
الرَّابِعُ:*التَّفَاخُرُ بِالْجَمَالِ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ مَا يَجْرِي بَيْنَ النِّسَاءِ وَيَدْعُو ذَلِكَ إِلَى التَّنَقُّصِ وَالثَّلْبِ وَالْغِيبَةِ وَذِكْرِ عُيُوبِ النَّاسِ.
الْخَامِسُ:*الْكِبْرُ بِالْمَالِ وَذَلِكَ يَجْرِي بَيْنَ الْأُمَرَاءِ وَالتُّجَّارِ فِي لِبَاسِهِمْ وَخُيُولِهِمْ وَمَرَاكِبِهِمْ فَيَسْتَحْقِرُ الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ وَيَتَكَبَّرُ عَلَيْهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَهْلٌ بِفَضِيلَةِ الْفَقْرِ وَآفَةِ الْغِنَى.
السَّادِسُ:*الْكِبْرُ بِالْقُوَّةِ وَشِدَّةِ الْبَطْشِ وَالتَّكَبُّرِ بِهِ عَلَى أَهْلِ الضَّعْفِ.
السَّابِعُ:*التَّكَبُّرُ بِالْأَتْبَاعِ وَالْأَنْصَارِ وَالْعَشِيرَةِ وَالْأَقَارِبِ.
فَهَذِهِ مَجَامِعُ مَا يَتَكَبَّرُ بِهِ الْعِبَادُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
نَسْأَلُهُ تَعَالَى الْعَوْنَ بِلُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ.
بَيَانُ أَخْلَاقِ الْمُتَوَاضِعِينَ وَمَجَامِعِ مَا يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ التَّوَاضُعِ وَالتَّكَبُّرِ:
اعْلَمْ أَنَّ التَّكَبُّرَ يَظْهَرُ فِي شَمَائِلِ الرَّجُلِ كَصَعَرٍ فِي وَجْهِهِ وَنَظَرِهِ شَزْرًا وَإِطْرَاقِهِ رَأْسَهُ وَجُلُوسِهِ مُتَرَبِّعًا أَوْ مُتَّكِئًا، وَفِي أَقْوَالِهِ حَتَّى فِي صَوْتِهِ وَنَغَمَتِهِ وَصِيغَتِهِ فِي الْإِيرَادِ، وَيَظْهَرُ فِي مِشْيَتِهِ وَتَبَخْتُرِهِ وَقِيَامِهِ وَجُلُوسِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ. فَمِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ مَنْ يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَمِنْهُمْ
<<**<****>**>>
مَنْ يَتَكَبَّرُ فِي بَعْضٍ وَيَتَوَاضَعُ فِي بَعْضٍ، فَمِنْهَا التَّكَبُّرُ بِأَنْ يُحِبَّ قِيَامَ النَّاسِ لَهُ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَمْشِيَ إِلَّا وَمَعَهُ غَيْرُهُ يَمْشِي خَلْفَهُ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَزُورَ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ مِنْ زِيَارَتِهِ خَيْرٌ لِغَيْرِهِ فِي الدِّينِ، وَهُوَ ضِدُّ التَّوَاضُعِ، وَمِنْهَا أَنْ يَسْتَنْكِفَ مِنْ جُلُوسِ غَيْرِهِ بِالْقُرْبِ مِنْهُ إِلَّا أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالتَّوَاضُعُ خِلَافُهُ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَتَعَاطَى بِيَدِهِ شُغْلًا فِي بَيْتِهِ وَالتَّوَاضُعُ خِلَافُهُ.
رُوِيَ أَنَّ*«عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ»*أَتَاهُ لَيْلَةً ضَيْفٌ وَكَانَ يَكْتُبُ فَكَادَ السِّرَاجُ يُطْفَأُ،*فَقَالَ الضَّيْفُ:*أَقُومُ إِلَى الْمِصْبَاحِ فَأُصْلِحُهُ؟*فَقَالَ:*لَيْسَ مِنْ كَرَمِ الرَّجُلِ أَنْ يَسْتَخْدِمَ ضَيْفَهُ،*قَالَ:*أَفَأُنَبِّهُ الْغُلَامَ؟*فَقَالَ:*هِيَ أَوَّلُ نَوْمَةٍ نَامَهَا، فَقَامَ وَمَلَأَ الْمِصْبَاحَ زَيْتًا،*فَقَالَ الضَّيْفُ:*قُمْتَ أَنْتَ بِنَفْسِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟*فَقَالَ:*ذَهَبْتُ وَأَنَا عمر، وَرَجَعْتُ وَأَنَا عمر مَا نَقَصَ مِنِّي شَيْءٌ، وَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ مُتَوَاضِعًا.
وَمِنْهَا أَنْ لَا يَأْخُذَ مَتَاعَهُ وَيَحْمِلَهُ إِلَى بَيْتِهِ، وَهُوَ خِلَافُ عَادَةِ الْمُتَوَاضِعِينَ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَقَالَ*«علي»*:*«لَا يُنْقِصُ الرَّجُلَ الْكَامِلَ مِنْ كَمَالِهِ مَا حَمَلَ مِنْ شَيْءٍ إِلَى عِيَالِهِ»*، وَمِنْهَا اللِّبَاسُ إِذْ يَظْهَرُ بِهِ التَّكَبُّرُ وَالتَّوَاضُعُ، وَعَلَامَةُ الْمُتَكَبِّرِ فِيهِ حِرْصُهُ عَلَى التَّزَيُّنِ لِلنَّاسِ لِلشُّهْرَةِ وَالْمَخِيلَةِ، وَأَمَّا طَلَبُ التَّجَمُّلِ لِذَاتِهِ فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا مَخِيلَةٍ فَلَيْسَ مِنَ الْكِبْرِ، وَالْمَحْبُوبُ الْوَسَطُ مِنَ اللِّبَاسِ الَّذِي لَا يُوجِبُ شُهْرَةً بِالْجَوْدَةِ، وَلَا بِالرَّدَاءَةِ،*وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:*«كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ سَرَفٍ، وَلَا مَخِيلَةٍ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ»*، وَمِنْهَا أَنْ يَتَوَاضَعَ بِالِاحْتِمَالِ إِذَا سُبَّ وَأُوذِيَ وَأُخِذَ حَقُّهُ، فَذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَمَجَامِعُ حُسْنِ الْأَخْلَاقِ وَالتَّوَاضُعِ سِيرَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ:*فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَمِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ يُتَعَلَّمَ.
وَقَدْ قَالَ*«ابن أبي سلمة»*: قُلْتُ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: مَا تَرَى فِيمَا أَحْدَثَ النَّاسُ مِنَ الْمَلْبَسِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَرْكَبِ وَالْمَطْعَمِ؟*فَقَالَ:*يَا ابْنَ أَخِي كُلْ لِلَّهِ، وَاشْرَبْ لِلَّهِ، وَالْبَسْ لِلَّهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ دَخَلَهُ زَهْوٌ أَوْ مُبَاهَاةٌ أَوْ رِيَاءٌ أَوْ سُمْعَةٌ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ وَسَرَفٌ،*وَعَالِجْ فِي بَيْتِكَ مِنَ الْخِدْمَةِ مَا كَانَ يُعَالِجُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ:*كَانَ يَحْلِبُ الشَّاةَ، وَيَخْصِفُ النَّعْلَ، وَيُرَقِّعُ الثَّوْبَ، وَيَأْكُلُ مَعَ خَادِمِهِ، وَيَشْتَرِي الشَّيْءَ مِنَ السُّوقِ، وَلَا يَمْنَعُهُ الْحَيَاءُ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِيَدِهِ، يُصَافِحُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ، وَيُسَلِّمُ مُبْتَدِئًا عَلَى كُلِّ مَنِ اسْتَقْبَلَهُ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، يُجِيبُ إِذَا دُعِيَ، وَلَا يُحَقِّرُ مَا دُعِيَ إِلَيْهِ، لَيِّنُ الْخُلُقِ، جَمِيلُ الْمُعَاشَرَةِ، طَلِيقُ الْوَجْهِ، شَدِيدٌ فِي غَيْرِ عُنْفٍ، مُتَوَاضِعٌ فِي
اذهب غَيْرِ مَذَلَّةٍ، جَوَادٌ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ، رَقِيقُ الْقَلْبِ.
زَادَتْ*«عائشة»*رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:*«وَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمْتَلِئْ قَطُّ شِبَعًا، وَلَمْ يَبُثَّ إِلَى أَحَدٍ شَكْوَى، وَإِنْ كَانَتِ الْفَاقَةُ لَأَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْيَسَارِ وَالْغِنَى»*.
فَمَنْ طَلَبَ التَّوَاضُعَ فَلْيَقْتَدِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ فَمَا أَشَدَّ جَهْلَهُ، فَلَقَدْ كَانَ أَعْظَمَ خَلْقِ اللَّهِ مَنْصِبًا فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ، فَلَا عِزَّ، وَلَا رِفْعَةَ إِلَّا فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ.
بَيَانُ الطَّرِيقِ فِي مُعَالَجَةِ الْكِبْرِ وَاكْتِسَابِ التَّوَاضُعِ:
اعْلَمْ أَنَّ الْكِبْرَ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ وَإِزَالَتُهُ فَرْضُ عَيْنٍ، وَلَا يَزُولُ بِمُجَرَّدِ التَّمَنِّي، بَلْ بِالْمُعَالَجَةِ،*وَفِي مُعَالَجَتِهِ مَقَامَانِ:
أَحَدُهُمَا:*قَلْعُ شَجَرَتِهِ مِنْ مَغْرِسِهَا فِي الْقَلْبِ.
الثَّانِي:*دَفْعُ الْعَارِضِ مِنْهُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي قَدْ يُتَكَبَّرُ بِهَا.
الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فِي اسْتِئْصَالِ أَصْلِهِ:
عِلَاجُهُ عِلْمِيٌّ وَعَمَلِيٌّ،*وَلَا يَتِمُّ الشِّفَاءُ إِلَّا بِمَجْمُوعِهِمَا:
أَمَّا الْعِلْمِيُّ:*فَهُوَ أَنْ يَعْرِفَ نَفْسَهُ وَيَعْرِفَ رَبَّهُ تَعَالَى، وَيَكْفِيهِ ذَلِكَ فِي إِزَالَةِ الْكِبْرِ، فَإِنَّهُ مَهْمَا عَرَفَ نَفْسَهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِ إِلَّا التَّوَاضُعُ، وَإِذَا عَرَفَ رَبَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا تَلِيقُ الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ إِلَّا بِاللَّهِ. أَمَّا مَعْرِفَتُهُ رَبَّهُ وَعَظَمَتَهُ وَمَجْدَهُ فَالْقَوْلُ فِيهِ يَطُولُ، وَأَمَّا مَعْرِفَتُهُ نَفْسَهُ فَهُوَ أَيْضًا يَطُولُ وَلَكُنَّا نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَنْفَعُ فِي إِثَارَةِ التَّوَاضُعِ، وَيَكْفِيهِ أَنْ يَعْرِفَ مَعْنَى آيَةٍ وَاحِدَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنَّ فِي الْقُرْآنِ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لِمَنْ فُتِحَتْ بَصِيرَتُهُ،*قَالَ تَعَالَى:*(قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ)*[عَبَسَ: ظ،ظ§ ظ¢ظ¢]*فَقَدْ أَشَارَتِ الْآيَةُ إِلَى أَوَّلِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ وَإِلَى آخِرِ أَمْرِهِ وَإِلَى وَسَطِهِ، فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ ذَلِكَ لِيَفْهَمَ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ، أَمَّا أَوَّلُ الْإِنْسَانِ فَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا، وَقَدْ كَانَ فِي حَيِّزِ الْعَدَمِ دُهُورًا، وَأَيُّ شَيْءٍ أَخَسُّ مِنَ الْعَدَمِ، ثُمَّ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ أَقْذَرِ الْأَشْيَاءِ إِذْ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ ثُمَّ جَعَلَهُ عَظْمًا ثُمَّ كَسَا الْعَظْمَ لَحْمًا، فَهَذَا بِدَايَةُ وُجُودِهِ، فَمَا صَارَ شَيْئًا مَذْكُورًا إِلَّا وَهُوَ عَلَى أَخَسِّ الْأَوْصَافِ وَالنُّعُوتِ، إِذْ لَمْ يُخْلَقْ فِي ابْتِدَائِهِ كَامِلًا، بَلْ خَلَقَهُ جَمَادًا مَيِّتًا لَا يَسْمَعُ، وَلَا يُبْصِرُ، وَلَا يُحِسُّ، وَلَا يَتَحَرَّكُ، وَلَا يَنْطِقُ، وَلَا يَبْطِشُ، وَلَا يُدْرِكُ، وَلَا يَعْلَمُ، فَبَدَأَ بِمَوْتِهِ قَبْلَ حَيَاتِهِ، وَبِضَعْفِهِ قَبْلَ قُوَّتِهِ، وَبِجَهْلِهِ قَبْلَ عِلْمِهِ، وَبِعَمَاهُ قَبْلَ بَصَرِهِ، وَبِصَمَمِهِ قَبْلَ سَمْعِهِ، وَبِبَكَمِهِ قَبْلَ نُطْقِهِ، وَبِضَلَالِهِ قَبْلَ هُدَاهُ، وَبِفَقْرِهِ قَبْلَ غِنَاهُ، وَبِعَجْزِهِ قَبْلَ قُدْرَتِهِ،*فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:*(مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ)*[عَبَسَ: ظ،ظ¨، ظ،ظ©]*ثُمَّ امْتَنَّ عَلَيْهِ فَقَالَ:*(ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ)*[عَبَسَ: ظ¢ظ*]*وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَيَسَّرَ لَهُ فِي مُدَّةِ حَيَاتِهِ إِلَى الْمَوْتِ. وَإِنَّمَا خَلَقَهُ مِنَ التُّرَابِ الذَّلِيلِ الَّذِي يُوطَأُ بِالْأَقْدَامِ وَالنُّطْفَةِ الْقَذِرَةِ بَعْدَ عَدَمِهَا لِيَعْرِفَ خِسَّةَ ذَاتِهِ فَيَعْرِفَ بِهَا ذَاتَهُ، فَيَعْرِفَ بِهَا نَفْسَهُ، وَإِنَّمَا أَكْمَلَ النِّعْمَةَ عَلَيْهِ لِيَعْرِفَ بِهَا رَبَّهُ وَيَعْلَمَ بِهَا عَظَمَتَهُ وَجَلَالَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَلِيقُ الْكِبْرِيَاءُ إِلَّا بِهِ جَلَّ وَعَلَا.
فَمَنْ كَانَ هَذَا بَدْأَهُ وَهَذِهِ أَحْوَالَهُ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ الْبَطَرُ وَالْكِبْرِيَاءُ وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ، وَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ أَضْعَفُ الضُّعَفَاءِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ عَادَةُ الْخَسِيسِ إِذَا رُفِعَ مِنْ خِسَّتِهِ شَمَخَ بِأَنْفِهِ وَتَعَظَّمَ، وَذَلِكَ لِدَلَالَةِ خِسَّةِ أَوَّلِهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
نَعَمْ، لَوْ أَكْمَلَهُ وَفَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَهُ وَأَدَامَ لَهُ الْوُجُودَ بِاخْتِيَارِهِ لَجَازَ أَنْ يَطْغَى وَيَنْسَى الْمَبْدَأَ وَالْمُنْتَهَى، وَلَكِنَّهُ سَلَّطَ عَلَيْهِ فِي دَوَامِ وُجُودِهِ الْأَمْرَاضَ وَالْآفَاتِ يَهْدِمُ الْبَعْضُ مِنْ أَجْزَائِهِ الْبَعْضَ شَاءَ أَمْ أَبَى، فَيَجُوعُ كُرْهًا وَيَعْطَشُ كُرْهًا، وَيَمْرَضُ كُرْهًا، وَيَمُوتُ كُرْهًا، لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا، وَلَا ضَرًّا، وَلَا خَيْرًا، وَلَا شَرًّا.
يُرِيدُ أَنْ يَعْلَمَ الشَّيْءَ فَيَجْهَلُهُ، وَيُرِيدُ أَنْ يَذْكُرَ الشَّيْءَ فَيَنْسَاهُ، وَيُرِيدُ أَنْ يَنْسَى الشَّيْءَ وَيَغْفُلُ عَنْهُ فَلَا يَغْفُلُ عَنْهُ، وَلَا يَأْمَنُ فِي لَحْظَةٍ مِنْ لَيْلِهِ أَوْ نَهَارِهِ أَنْ يُسْلَبَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ، وَتُفَلَّجَ أَعْضَاؤُهُ، وَيُخْتَلَسَ عَقْلُهُ، وَيُخْتَطَفَ رُوحُهُ، وَيُسْلَبَ جَمِيعَ مَا يَهْوَاهُ فِي دُنْيَاهُ، فَهُوَ مُضْطَرٌّ ذَلِيلٌ، إِنْ تُرِكَ بَقِيَ وَإِنِ اخْتُطِفَ فَنِيَ، عَبْدٌ مَمْلُوكٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا شَيْءٍ مِنْ غَيْرِهِ، فَأَيُّ شَيْءٍ أَذَلُّ مِنْهُ لَوْ عَرَفَ نَفْسَهُ، وَأَنَّى يَلِيقُ الْكِبْرُ بِهِ لَوْلَا جَهْلُهُ، فَهَذَا وَسَطُ أَحْوَالِهِ فَلْيَتَأَمَّلْهُ.*وَأَمَّا آخِرُهُ فَهُوَ الْمَوْتُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:*(ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ)*[عَبَسَ: ظ¢ظ، ظ¢ظ¢]*وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسْلَبُ رُوحَهُ وَسَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَعِلْمَهُ وَقُدْرَتَهُ وَحِسَّهُ وَإِدْرَاكَهُ وَحَرَكَتَهُ فَيَعُودُ جَمَادًا كَمَا كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، لَا يَبْقَى إِلَّا شَكْلُ أَعْضَائِهِ وَصُورَتِهِ، لَا حِسَّ فِيهِ، وَلَا حَرَكَةَ، ثُمَّ يُوضَعُ فِي التُّرَابِ فَيَصِيرُ جِيفَةً مُنْتِنَةً قَذِرَةً، ثُمَّ تَبْلَى أَعْضَاؤُهُ، وَتَتَفَتَّتُ أَجْزَاؤُهُ، وَتَنْخُرُ عِظَامُهُ، وَيَأْكُلُ الدُّودُ أَجْزَاءَهُ فَيَصِيرُ رَوْثًا فِي أَجْوَافِ الدِّيدَانِ وَيَكُونُ جِيفَةً يَهْرُبُ مِنْهُ الْحَيَوَانُ، وَيَسْتَقْذِرُهُ كُلُّ إِنْسَانٍ وَيَهْرُبُ مِنْهُ لِشِدَّةِ الْإِنْتَانِ، وَلَيْتَهُ بَقِيَ كَذَلِكَ فَمَا أَحْسَنَهُ لَوْ تُرِكَ، لَا، بَلْ يُحْيِيهِ بَعْدَ طُولِ الْبِلَى لِيُقَاسِيَ شَدِيدَ الْبَلَا، فَيَخْرُجُ مِنْ قَبْرِهِ بَعْدَ جَمْعِ أَجْزَائِهِ الْمُتَفَرِّقَةِ، وَيَخْرُجُ إِلَى أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ فَيَنْظُرُ إِلَى قِيَامَةٍ قَائِمَةٍ، وَسَمَاءٍ مُشَقَّقَةٍ مُمَزَّقَةٍ، وَأَرْضٍ مُبَدَّلَةٍ، وَجِبَالٍ مُسَيَّرَةٍ، وَنُجُومٍ مُنْكَدِرَةٍ، وَشَمْسٍ مُنْكَسِفَةٍ، وَأَحْوَالٍ مُظْلِمَةٍ، وَمَلَائِكَةٍ غِلَاظٍ شِدَادٍ، وَجَهَنَّمَ تَزْفِرُ، وَجَنَّةٍ يَنْظُرُ إِلَيْهَا الْمُجْرِمُ فَيَتَحَسَّرُ، وَيَرَى صَحَائِفَ مَنْشُورَةً،*فَيُقَالُ لَهُ:*اقْرَأْ كِتَابَكَ،*فَيَقُولُ:*«وَمَا هُوَ»*؟*فَيُقَالُ:*كَانَ قَدْ وُكِّلَ بِكَ فِي حَيَاتِكَ الَّتِي كُنْتَ تَتَكَبَّرُ بِنَعِيمِهَا وَتَفْتَخِرُ بِأَسْبَابِهَا مَلَكَانِ رَقِيبَانِ يَكْتُبَانِ عَلَيْكَ مَا تَنْطِقُ بِهِ أَوْ تَعْمَلُهُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَصَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، قَدْ نَسِيتَ ذَلِكَ وَأَحْصَاهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، فَهَلُمَّ إِلَى الْحِسَابِ، وَاسْتَعِدَّ لِلْجَوَابِ، أَوْ تُسَاقُ إِلَى دَارِ الْعَذَابِ، فَيَنْقَطِعُ قَلْبُهُ فَزَعًا مِنْ هَوْلِ هَذَا الْخِطَابِ قَبْلَ أَنْ تَنْتَشِرَ الصَّحِيفَةُ وَيُشَاهِدَ مَا فِيهَا مِنْ مَخَازِيهِ،*فَإِذَا شَاهَدَهُ قَالَ:*(يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا)*[الْكَهْفِ: ظ¤ظ©]*فَهَذَا آخِرُ أَمْرِهِ،*وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:*(ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ)*[عَبَسَ: ظ¢ظ¢]*فَمَا لِمَنْ هَذَا حَالُهُ وَالتَّكَبُّرُ وَالتَّعَظُّمُ؟ ، بَلْ مَا لَهُ وَلِلْفَرَحِ فَضْلًا عَنِ الْبَطَرِ؟ فَقَدْ ظَهَرَ لَهُ أَوَّلُ حَالِهِ وَوَسَطُهُ، وَلَوْ ظَهَرَ آخِرُهُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى رُبَّمَا اخْتَارَ أَنْ يَصِيرَ مَعَ الْبَهَائِمِ تُرَابًا، وَلَا يَكُونُ إِنْسَانًا يَسْمَعُ خِطَابًا أَوْ يَلْقَى عَذَابًا. فَمَنْ هَذَا حَالُهُ فِي الْعَاقِبَةِ إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ عَلَى شَكٍّ مِنَ الْعَفْوِ فَكَيْفَ يَفْرَحُ وَيَبْطَرُ؟ وَكَيْفَ يَتَكَبَّرُ وَيَتَجَبَّرُ؟ حَقًّا يَكْفِيهِ ذَلِكَ حُزْنًا وَخَوْفًا وَإِشْفَاقًا وَمَهَانَةً وَذُلًّا. فَهَذَا هُوَ الْعِلَاجُ الْعِلْمِيُّ الْقَامِعُ لِأَصْلِ الْكِبْرِ.
وَأَمَّا الْعِلَاجُ الْعَمَلِيُّ:*فَهُوَ التَّوَاضُعُ لِلَّهِ بِالْفِعْلِ، وَلِسَائِرِ الْخَلْقِ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى أَخْلَاقِ
الْمُتَوَاضِعِينَ كَمَا وَصَفْنَاهُ مِنْ شَمَائِلِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ أَحْوَالِ الصَّالِحِينَ، وَلَا يَتِمُّ التَّوَاضُعُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ إِلَّا بِالْعَمَلِ، وَلِذَلِكَ أُمِرَ الْعَرَبُ الَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِالْإِيمَانِ وَبِالصَّلَاةِ جَمِيعًا،*وَقِيلَ:*الصَّلَاةُ عِمَادُ الدِّينِ، وَفِي الصَّلَاةِ أَسْرَارٌ لِأَجْلِهَا كَانَتْ عِمَادًا، وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا فِيهَا مِنَ التَّوَاضُعِ بِالْمُثُولِ قَائِمًا وَبِالرُّكُوعِ وَبِالسُّجُودِ، وَقَدْ كَانَ الْعَرَبُ قَدِيمًا يَأْنَفُونَ مِنَ الِانْحِنَاءِ فَكَانَ يَسْقُطُ مِنْ يَدِ الْوَاحِدِ سَوْطُهُ فَلَا يَنْحَنِي لِأَخْذِهِ، وَيَنْقَطِعُ شِرَاكُ نَعْلِهِ فَلَا يُنَكِّسُ رَأْسَهُ لِإِصْلَاحِهِ، فَلَمَّا كَانَ السُّجُودُ عِنْدَهُمْ هُوَ مُنْتَهَى الذِّلَّةِ وَالضَّعَةِ أُمِرُوا بِهِ لِتَنْكَسِرَ بِذَلِكَ خُيَلَاؤُهُمْ وَيَزُولَ كِبْرُهُمْ وَيَسْتَقِرَّ التَّوَاضُعُ فِي قُلُوبِهِمْ. وَبِهِ أُمِرَ سَائِرُ الْخَلْقِ.
الْمَقَامُ الثَّانِي:*فِيمَا يَعْرِضُ مِنَ التَّكَبُّرِ بِالْأَسْبَابِ السَّبْعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ:
ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ ذَمِّ الْجَاهِ أَنَّ الْكَمَالَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ، فَأَمَّا مَا عَدَاهُ مِمَّا يَفْنَى بِالْمَوْتِ فَكَمَالٌ وَهْمِيٌّ،*وَنَحْنُ نَذْكُرُ طَرِيقَ الْعِلَاجِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ:
فِي جَمِيعِ أَسْبَابِهِ السَّبْعَةِ
الْأَوَّلُ النَّسَبُ:*فَمَنْ يَعْتَرِيهِ الْكِبْرُ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ فَلْيُدَاوِ قَلْبَهُ بِمَعْرِفَةِ أَنَّ هَذَا جَهْلٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ تَعَزَّزَ بِكَمَالِ غَيْرِهِ، وَمَنْ كَانَ خَسِيسًا فَمِنْ أَيْنَ تُجْبَرُ خِسَّتُهُ بِكَمَالِ غَيْرِهِ وَبِمَعْرِفَةِ نَسَبِهِ الْحَقِيقِيِّ أَعْنِي أَبَاهُ وَجَدَّهُ، فَإِنَّ أَبَاهُ الْقَرِيبَ نُطْفَةٌ قَذِرَةٌ، وَجَدَّهُ الْبَعِيدَ تُرَابٌ، وَقَدْ عَرَفَ اللَّهُ تَعَالَى نَسَبَهُ فَقَالَ*(وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ)*[السَّجْدَةِ: ظ§، ظ¨]*فَإِذَا كَانَ أَصْلُهُ مِنَ التُّرَابِ وَفَصْلُهُ مِنَ النُّطْفَةِ فَمِنْ أَيْنَ تَأْتِيهِ الرِّفْعَةُ؟ فَهَذَا هُوَ النَّسَبُ الْحَقِيقِيُّ لِلْإِنْسَانِ، وَمَنْ عَرَفَهُ لَا يَتَكَبَّرُ بِالنَّسَبِ.
الثَّانِي الْكِبْرُ بِالْجَمَالِ:*وَدَوَاؤُهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى بَاطِنِهِ نَظَرَ الْعُقَلَاءِ، وَلَا يَنْظُرَ إِلَى الظَّاهِرِ نَظَرَ الْبَهَائِمِ، وَمَهْمَا نَظَرَ إِلَى بَاطِنِهِ رَأَى مِنَ الْقَبَائِحِ مَا يُكَدِّرُ عَلَيْهِ تَعَزُّزَهُ بِالْجَمَالِ، إِذْ خُلِقَ مِنْ أَقْذَارٍ وَوُكِّلَ بِهِ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ الْأَقْذَارُ، وَسَيَمُوتُ فَيَصِيرُ جِيفَةً أَقْذَرَ مِنْ سَائِرِ الْأَقْذَارِ، وَجَمَالُهُ لَا بَقَاءَ لَهُ، بَلْ هُوَ فِي كُلِّ حِينٍ يَتَصَوَّرُ أَنْ يَزُولَ بِمَرَضٍ أَوْ سَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ، فَكَمْ مِنْ وُجُوهٍ جَمِيلَةٍ قَدْ سَمُجَتْ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ. فَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ تَنْزِعُ مِنَ الْقَلْبِ دَاءَ الْكِبْرِ بِالْجَمَالِ لِمَنْ أَكْثَرَ تَأَمُّلَهَا.
الثَّالِثُ الْكِبْرُ بِالْقُوَّةِ:*وَيَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ مَا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْعِلَلِ وَالْأَمْرَاضِ، وَأَنَّهُ لَوْ تَوَجَّعَ عِرْقٌ وَاحِدٌ فِي يَدِهِ لَصَارَ أَعْجَزَ مِنْ كُلِّ عَاجِزٍ، أَوْ أَنَّ شَوْكَةً لَوْ دَخَلَتْ فِي رِجْلِهِ لَأَعْجَزَتْهُ، وَأَنَّ حُمَّى يَوْمٍ تُحَلِّلُ مِنْ قُوَّتِهِ مَا لَا يَنْجَبِرُ فِي مُدَّةٍ ; فَمَنْ لَا يُطِيقُ شَوْكَةً، وَلَا يُقَاوِمُ بَقَّةً فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْتَخِرَ بِقُوَّتِهِ. ثُمَّ إِنْ قَوِيَ الْإِنْسَانُ فَلَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ حِمَارٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ فِيلٍ أَوْ جَمَلٍ، وَأَيُّ افْتِخَارٍ فِي صِفَةٍ يَسْبِقُكَ بِهَا الْبَهَائِمُ.
السَّبَبُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ الْغِنَى وَكَثْرَةُ الْمَالِ:*وَفِي مَعْنَاهُ كَثْرَةُ الْأَتْبَاعِ وَالْأَنْصَارِ، وَالتَّكَبُّرُ بِالْمَنَاصِبِ وَالْوِلَايَاتِ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَكَبُّرٌ بِمَعْنًى خَارِجٍ عَنْ ذَاتِ الْإِنْسَانِ، وَهَذَا أَقْبَحُ أَنْوَاعِ الْكِبْرِ، فَلَوْ ذَهَبَ مَالُهُ أَوِ احْتَرَقَتْ دَارُهُ لَعَادَ ذَلِيلًا، وَكَمْ فِي الْيَهُودِ مَنْ يَزِيدُ عَلَيْهِ فِي الْغِنَى وَالثَّرْوَةِ وَالتَّجَمُّلِ، فَأُفٍّ لِشَرَفٍ يَسْبِقُهُ بِهِ يَهُودِيٌّ، أَوْ يَأْخُذُهُ سَارِقٌ فِي لَحْظَةٍ فَيَعُودُ ذَلِيلًا مُفْلِسًا.

السَّادِسُ الْكِبْرُ بِالْعِلْمِ
:*وَهُوَ أَعْظَمُ الْآفَاتِ وَعِلَاجُهُ بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ حُجَّةَ اللَّهِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ مِنَ الْجَاهِلِ مَا لَا يُحْتَمَلُ عُشْرُهُ مِنَ الْعَالِمِ، فَإِنَّ مَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى عَنْ مَعْرِفَةٍ وَعِلْمٍ فَجِنَايَتُهُ أَفْحَشُ وَخَطَرُهُ أَعْظَمُ.
ثَانِيهِمَا:*أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الْكِبْرَ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ، وَأَنَّهُ إِذَا تَكَبَّرَ صَارَ مَمْقُوتًا عَنِ اللَّهِ بَغِيضًا، فَهَذَا مِمَّا يُزِيلُ التَّكَبُّرَ وَيَبْعَثُ عَلَى التَّوَاضُعِ. وَإِذَا دَعَتْهُ نَفْسُهُ لِلتَّكَبُّرِ عَلَى فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدِعٍ فَلْيَتَذَكَّرْ مَا سَبَقَ مِنْ ذُنُوبِهِ وَخَطَايَاهُ لِتَصْغُرَ نَفْسُهُ فِي عَيْنِهِ، وَلِيُلَاحِظَ إِبْهَامَ عَاقِبَتِهِ وَعَاقِبَةِ الْآخَرِ فَلَعَلَّهُ يُخْتَمُ لَهُ بِالسُّوءِ وَلِذَاكَ بِالْحُسْنَى، حَتَّى يَشْغَلَهُ الْخَوْفُ عَنِ التَّكَبُّرِ عَلَيْهِ، وَلَا يَمْنَعُهُ تَرْكُ التَّكَبُّرِ عَلَيْهِ أَنْ يَكْرَهَهُ، وَيَغْضَبَ لِفِسْقِهِ، بَلْ يُبْغِضُهُ وَيَغْضَبُ لِرَبِّهِ إِذْ أَمَرَهُ أَنْ يَغْضَبَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَكَبُّرٍ عَلَيْهِ.
السَّابِعُ:*التَّكَبُّرُ بِالْوَرَعِ وَالْعِبَادَةِ: وَذَلِكَ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى الْعِبَادِ، وَسَبِيلُهُ أَنْ يُلْزِمَ قَلْبَهُ التَّوَاضُعَ لِسَائِرِ الْعِبَادِ،*قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ:*«مَا تَمَّ عَقْلُ عَبْدٍ حَتَّى يَكُونَ فِيهِ خِصَالٌ»*وَعَدَّ مِنْهَا خَصْلَةً قَالَ:*«بِهَا سَادَ مَجْدُهُ، وَبِهَا عَلَا ذِكْرُهُ أَنْ يَرَى النَّاسَ كُلَّهُمْ خَيْرًا مِنْهُ،*وَإِنَّمَا النَّاسُ عِنْدَهُ فِرْقَتَانِ:*فِرْقَةٌ هِيَ أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَرْفَعُ، وَفِرْقَةٌ هِيَ شَرٌّ مِنْهُ وَأَدْنَى، فَهُوَ يَتَوَاضَعُ لِلْفِرْقَتَيْنِ جَمِيعًا بِقَلْبِهِ، وَإِنْ رَأَى مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ سَرَّهُ ذَلِكَ وَتَمَنَّى أَنْ يَلْحَقَ بِهِ،*وَإِنْ رَأَى مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ قَالَ:*لَعَلَّ هَذَا يَنْجُو وَأَهْلِكُ أَنَا، فَلَا تَرَاهُ إِلَّا خَائِفًا مِنَ الْعَاقِبَةِ،*وَيَقُولُ:*لَعَلَّ بِرَّ هَذَا بَاطِنٌ فَذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ، وَلَا أَدْرِي لَعَلَّ فِيهِ خُلُقًا كَرِيمًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَتُوبَ عَلَيْهِ، وَيَخْتِمَ لَهُ بِأَحْسَنِ الْأَعْمَالِ، وَبِرِّي ظَاهِرٌ فَذَلِكَ شَرٌّ لِي، فَلَا يَأْمَنُ فِيمَا أَظْهَرَهُ مِنَ الطَّاعَةِ أَنْ يَكُونَ دَخَلَهَا الْآفَاتُ فَأَحْبَطَتْهَا»*،*قَالَ:*«فَحِينَئِذٍ كَمُلَ عَقْلُهُ وَسَادَ أَهْلَ زَمَانِهِ»*.
وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ هَذَا الْإِشْفَاقِ قَوْلُهُ تَعَالَى:*(يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)*[الْمُؤْمِنُونَ: ظ¦ظ*]*أَيْ أَنَّهُمْ يُؤْتُونَ الطَّاعَاتِ وَهُمْ عَلَى وَجَلٍ عَظِيمٍ مِنْ قَبُولِهَا،*وَقَالَ تَعَالَى:*(إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ)*[الْمُؤْمِنُونَ: ظ¥ظ§]*وَقَالَ تَعَالَى:*(إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ)*[الطُّورِ: ظ¢ظ¦]*.
وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مَعَ تَقَدُّسِهِمْ عَنِ الذُّنُوبِ وَمُوَاظَبَتِهِمْ عَلَى الْعِبَادَاتِ بِالدَّؤُوبِ عَلَى الْإِشْفَاقِ فَقَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ:*(يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ)*[الْأَنْبِيَاءِ: ظ¢ظ*]*،*(وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)*[الْأَنْبِيَاءِ: ظ¢ظ¨]*فَمَتَى زَالَ الْإِشْفَاقُ وَالْحَذَرُ غَلَبَ الْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْكِبْرَ، وَهُوَ سَبَبُ الْهَلَاكِ، فَالْكِبْرُ دَلِيلُ الْأَمْنِ وَالْأَمْنُ مُهْلِكٌ، وَالتَّوَاضُعُ دَلِيلُ الْخَوْفِ، وَهُوَ مُسْعِدٌ.
فَإِذَنْ مَا يُفْسِدُهُ الْعِبَادُ بِإِضْمَارِ الْكِبْرِ وَاحْتِقَارِ الْخَلْقِ أَكْثَرُ مِمَّا يُصْلِحُهُ بِظَاهِرِ الْأَعْمَالِ.
فَهَذِهِ مَعَارِفُ بِهَا يُزَالُ دَاءُ الْكِبْرِ عَنِ الْقَلْبِ، إِلَّا أَنَّ النَّفْسَ بَعْدَ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ قَدْ تُضْمِرُ التَّوَاضُعَ، وَتَدَّعِي الْبَرَاءَةَ مِنَ الْكِبْرِ وَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ عَادَتْ إِلَى طَبْعِهَا، فَعَنْ هَذَا لَا

يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى فِي الْمُدَاوَاةِ بِمُجَرَّدِ الْمَعْرِفَةِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَكْمُلَ بِالْعَمَلِ، وَتُجَرَّبَ بِأَفْعَالِ الْمُتَوَاضِعِينَ فِي مَوَاقِعِ هَيَجَانِ الْكِبْرِ مِنَ النَّفْسِ، وَبَيَانُهُ أَنْ يَمْتَحِنَ النَّفْسَ بِالِامْتِحَانَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى اسْتِخْرَاجٍ مَا فِي الْبَاطِنِ، وَالِامْتِحَانَاتُ كَثِيرَةٌ،*فَمِنْهَا وَهُوَ أَوَّلُهَا:*أَنْ يُنَاظِرَ فِي مَسْأَلَةٍ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ أَقْرَانِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ شَيْءٌ مِنَ الْحَقِّ عَلَى لِسَانِ صَاحِبِهِ فَثَقُلَ عَلَيْهِ قَبُولُهُ وَالِانْقِيَادُ لَهُ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَنْبِيهٍ فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِيهِ كِبْرًا دَفِينًا، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ فِيهِ وَيَشْتَغِلْ بِعِلَاجِهِ.
أَمَّا مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ فَبِأَنْ يُذَكِّرَ نَفْسَهُ خِسَّةَ نَفْسِهِ، وَخَطَرَ عَاقِبَتِهِ وَأَنَّ الْكِبْرَ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِاللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا الْعَمَلُ فَبِأَنْ يُكَلِّفَ نَفْسَهُ مَا ثَقُلَ عَلَيْهِ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ، وَأَنْ يُطْلِقَ اللِّسَانَ بِالْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ، وَيُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ،*وَيَشْكُرَهُ عَلَى الِاسْتِفَادَةِ وَيَقُولَ:*«مَا أَحْسَنَ مَا فَطِنْتَ لَهُ، وَقَدْ كُنْتُ غَافِلًا عَنْهُ فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا كَمَا نَبَّهْتَنِي لَهُ»*فَالْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَإِذَا وَجَدَهَا يَنْبَغِيَ أَنْ يَشْكُرَ مَنْ دَلَّهُ عَلَيْهَا.
فَإِذَا وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَةً صَارَ ذَلِكَ لَهُ طَبْعًا، وَسَقَطَ ثِقَلُ الْحَقِّ عَنْ قَلْبِهِ، وَطَابَ لَهُ قَبُولُهُ، وَمَهْمَا ثَقُلَ عَلَيْهِ الثَّنَاءُ عَلَى أَقْرَانِهِ بِمَا فِيهِمْ فَفِيهِ كِبْرٌ.
الِامْتِحَانُ الثَّانِي:*أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَ الْأَقْرَانِ وَالْأَمْثَالِ فِي الْمَحَافِلِ وَيُقَدِّمَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَمْشِيَ خَلْفَهُمْ، وَيَجْلِسَ فِي الصُّدُورِ تَحْتَهُمْ، فَإِنْ ثَقُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُتَكَبِّرٌ. فَلْيُوَاظِبْ عَلَيْهِ تَكَلُّفًا حَتَّى يَسْقُطَ عَنْهُ ثِقَلُهُ، فَبِذَلِكَ يُزَايِلُهُ الْكِبْرُ.
وَهَاهُنَا لِلشَّيْطَانِ مَكِيدَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَجْلِسَ فِي صَفِّ النِّعَالِ أَوْ يَجْلِسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَقْرَانِ بَعْضُ الْأَرْذَالِ فَيَظُنَّ أَنَّ ذَلِكَ تَوَاضُعٌ، وَهُوَ عَيْنُ الْكِبْرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُخِفُّ عَلَى نُفُوسِ الْمُتَكَبِّرِينَ إِذْ يُوهِمُونَ أَنَّهُمْ تَرَكُوا مَكَانَهُمْ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَالتَّفَضُّلِ فَيَكُونُ قَدْ تَكَبَّرَ بِإِظْهَارِ التَّوَاضُعِ أَيْضًا، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ أَقْرَانَهُ، وَيَجْلِسَ بِجَنْبِهِمْ، وَلَا يَنْحَطَّ عَنْهُمْ إِلَى صَفِّ النِّعَالِ، فَذَلِكَ هُوَ الَّذِي يُخْرِجُ خُبْثَ الْكِبْرِ مِنَ الْبَاطِنِ.
الِامْتِحَانُ الثَّالِثُ:*أَنْ يُجِيبَ دَعْوَةَ الْفَقِيرِ، وَيَمُرَّ إِلَى السُّوقِ فِي حَاجَةِ الرُّفَقَاءِ وَالْأَقَارِبِ، فَإِنْ ثَقُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَهُوَ كِبْرٌ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَالثَّوَابَ عَلَيْهَا جَزِيلٌ، فَنُفُورُ النَّفْسِ عَنْهَا لَيْسَ إِلَّا لِخُبْثٍ فِي الْبَاطِنِ، فَلْيَشْتَغِلْ بِإِزَالَتِهِ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ مَعَ تَذَكُّرِ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْمَعَارِفِ الَّتِي تُزِيلُ دَاءَ الْكِبْرِ.
الِامْتِحَانُ الرَّابِعُ:*أَنْ يَحْمِلَ حَاجَةَ نَفْسِهِ وَحَاجَةَ أَهْلِهِ وَرُفَقَائِهِ مِنَ السُّوقِ إِلَى الْبَيْتِ، فَإِنْ أَبَتْ نَفْسُهُ ذَلِكَ فَهُوَ كِبْرٌ أَوْ رِيَاءٌ.
وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَعِلَلِهِ الْمُهْلِكَةِ لَهُ إِنْ لَمْ تَتَدَارَكْ. وَقَدْ أَهْمَلَ النَّاسُ طِبَّ الْقُلُوبِ وَاشْتَغَلُوا بِطِبِّ الْأَجْسَادِ مَعَ أَنَّ الْأَجْسَادَ قَدْ كُتِبَ عَلَيْهَا الْمَوْتُ لَا مَحَالَةَ،*وَالْقُلُوبُ لَا تُدْرِكُ السَّعَادَةَ إِلَّا بِسَلَامَتِهَا إِذْ قَالَ تَعَالَى:*(إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)*[الشُّعَرَاءِ: ظ¨ظ©]*.
بَيَانُ غَايَةِ الرِّيَاضَةِ فِي خُلُقِ التَّوَاضُعِ:
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخُلُقَ كَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ لَهُ طَرَفَانِ وَوَسَطٌ، فَطَرَفُهُ الَّذِي يَمِيلُ إِلَى الزِّيَادَةِ
يُسَمَّى تَكَبُّرًا، وَطَرَفُهُ يَمِيلُ إِلَى النُّقْصَانِ يُسَمَّى تَخَاسُسًا وَمَذَلَّةً، وَالْوَسَطُ يُسَمَّى تَوَاضُعًا، وَالْمَحْمُودُ أَنْ يَتَوَاضَعَ فِي غَيْرِ مَذَلَّةٍ وَتَخَاسُسٍ،*فَإِنَّ:
كِلَا طَرَفَيْ قَصْدِ الْأُمُورِ ذَمِيمُ
وَأَحَبُّ الْأُمُورِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْسَاطُهَا، فَمَنْ يَتَقَدَّمْ عَلَى أَمْثَالِهِ فَهُوَ مُتَكَبِّرٌ، وَمَنْ يَتَأَخَّرْ عَنْهُمْ فَهُوَ مُتَوَاضِعٌ، أَيْ وَضَعَ شَيْئًا مِنْ قَدْرِهِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ، وَالْعَالِمُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ دَنِيءٌ فَتَنَحَّى لَهُ عَنْ مَجْلِسِهِ وَأَجْلَسَهُ فِيهِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ وَسَوَّى لَهُ نَعْلَهُ، وَغَدَا إِلَى بَابِ الدَّارِ خَلْفَهُ فَقَدْ تَخَاسَسَ وَتَذَلَّلَ، وَهُوَ أَيْضًا غَيْرُ مَحْمُودٍ، بَلِ الْمَحْمُودُ عِنْدَ اللَّهِ الْعَدْلُ، وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَاضَعَ بِمِثْلِ هَذَا لِأَقْرَانِهِ وَمَنْ يَقْرُبُ مِنْ دَرَجَتِهِ، فَأَمَّا تَوَاضُعُهُ لِلسُّوقِيِّ فَبِالْقِيَامِ وَالْبِشْرِ فِي الْكَلَامِ وَالرِّفْقِ فِي السُّؤَالِ وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ وَالسَّعْيِ فِي حَاجَتِهِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، وَأَنْ لَا يَرَى نَفْسَهُ خَيْرًا مِنْهُ فَلَا يَحْتَقِرُهُ، وَلَا يَسْتَصْغِرُهُ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ خَاتِمَةَ أَمْرِهِ.

تم بحمد الله
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 05-08-2022, 01:49 PM
ابو عبد الرحمن المهناوي ابو عبد الرحمن المهناوي غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: شرق الجزائر (سكيكدة)
المشاركات: 37
افتراضي تكميلة لموضوع :(ترجل النساءوتحزبهن )الجزء الثاني

موقف المرأة المترجلة من الحق
الناس ثلاثة اصناف :
صنف الاول :من يؤمن بالحق وينصاع له قويا كان او ضعيف ،كالتلميذ الوفي مع شيخه والابن البار مع والديه والعامل(الولي ) الصادق المنصف مع أميره (الخليفة )أو الأجير المؤمن الأمين مع سيده )وهؤلاء هم :(الصالحين المصلحين )
صنف الثاني :لا ينقاد للحق الا في حالة الضعف فإذا قوي سعى لقهر من له الفضل عليه ومحاولة الانقلاب عليه ولو كان النبي أو معلمه أو أباه (وهؤلاء هم الذين يسعون الى العلو و الفساد في الأرض ويعون ما إليه يقصدون من الإفساد (جند إبليس)وكذلك المعتدون(الدال مشددة) بأنفسهم ،المأسورين لأهوائهم الذين لا يفرقون بين اراءهم والحق (ما أريكم إلا ما أراء)- الآية- فيترتب على سلوكهم الفساد في الأرض بدون قصد الإفساد)(أو قل المهندسون من الانقلابيين والعمليون)
الصنف الثالث :من ليس لهم موقف نابع عن قناعة ذاتية ،فهم مع من غلب صالحا كان أو طالحا (الذين يساقون كالقطيع).جاء في الاثر عن علي رضي الله عنه :(الناس ثلاث :عالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة (هؤلاء هم الصالحين والمصلحين )وهمج رعاع متبعين لكل ناعق لم يستضيؤا بنور العلم وهم :( الرعاع المغفلين المتبعين لكل ناعق من الانقلابيين .)
فالمرأة المترجلة لا تستطع ان تنفك عن السلوك الانقلابي إلا إذا لم تجد من تنقلب عليه كالسفهاء المدمنين (الأذلاء المنكسرين)أو النسويين المائعين:(المخنثين) أو الماديين الاستغلاليين :(كالديوث والبخيل والطماع ) فهؤلاء لا تهمهم القوامة بقدر ما تهمهم مصالحهم المادية أو المعنوية ومن يوفرها لهم كان من كان؟ ولو على حساب دينهم أو مروءتهم (رجولتهم.)


كيف تهدم المرأة المترجلة أسرتها ومجتمعها ؟
وقال الله تعالى ((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا ))الآية – وقال تعالى ((وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ))-الآية -وجاء في الحديث الصحيح ((لن يفلحوا قوما ولو أمرهم امرأة)) الحديث ،فالمرأة المترجلة اذا قدر الله عليها أن اقترنت برجل مؤمن :(فيه القوة و الأمانة ) عملت على ترويضه وسلخه بالتدريج من مصدر رجولته وهو: (التدين الصحيح) إلى أن تصل إلى هدفها وهو:أن تصير هي الآمرة الناهية ،علانية أو من وراء الستار،لا يهمها ذالك لانها لا تعترف بقوامة الرجل ولا بملكيته ولا تراه حتى مشاركا لها في توجيه وتربية أولادهم ،(فهو و أولاده و ماله ملكا لها ) فهي لا تريد منه إلا حاجتها النفسية إن كانت عفيفة ،و ان يكون مجرد غطاء لما تقوم به مع وحشياتها .وإلا فالحرب سجال إلى أن ينصاع احد الطرفين ،وإثناء ذلك تستقوي عليه بالحمقاء و الخانعين من دويها (وما أكثر هذا الصنف من أشباه الرجال الذين ينتصرون لبناتهم أو أخواتهم ظالمات أو مظلومات)أو الاستعانة عليه بالكهنة والمشعوذين ،وكذلك تعمل على تحزيب الأولاد ضده وتأليبهم عليه و تحيط نفسها ببناتها أولا، ثم بالضعاف من الذكور وتبعد وتغييب الأقوياء المنصفين وان كانوا صالحين ,وبهذا تغرس الكراهية والفرقة بين البنين والبنات من جهة وبين النبهاء والمغفلين من الأولاد من جهة أخرى،و هكذا تصير هذه الأسرة حلبة صراع بين الذكور و الإناث من جهة وبين السلبيين المنقادين للمترجلات والايجابيين الثائرين على ترجل النساء بما فيهم الأمهات .فأسرة مثل هذه لا توفق الى التآلف والاستقرار ولا تهتدي إلى الطريق المستقيم في الدين ولا إلى الخلق القويم في التعامل مع المخلوقين، لان التدين الصحيح لا تصل إليه ألا بالعقل الحر السليم (الفطرة السوية) بعد توفيق الله ،والخلق القويم لا تصل إليه إلا بقوة الإرادة والتجرد من حظوظ النفس(الطمع في ما في أيدي الناس) بعد إعانة الله أما القلوب المنكوسة(أشباه اليهود) والعقول المغيبة (أشباه النصارى) فمستقرهم في الغي أو الضلال أعادنا الله من أوصاف المغضوب عليهم والضالين.إن مثل هذه الأسر والمجتمعات لا مطمع لأحد في إصلاحها أو تغييرها(إلا أن يشاء الله)بل الهروب منها هو الأولى مع الاحتراز من العقوق و قطيعة الرحم
فهذه التجمعات والاعراش المحسوبة على المسلمين في الظاهر تجدهم من ألذ أعدائهم في أوقات المحن والحروب، والتأريخ خير شاهد (عرش بني أعداس (غجر الجزائر ) نموذجا ،وغيرها من الاعراش النسوية التي تخرج ويتخرج منها الكثير من الخونة(الحركى :عملاء المستدمر المنافقين )الخائنين لدينهم وبني جلدتهم

الاثار السلبية لترجل المراة
الآثار السلبية على الذكور :إن الذكر المتربى بين المترجلات إما أن يشركوه في جلساتهن فينهل من أوصافهن ما الله به عليم أو يبعدوه ان كان فطنا معارضا فينشاء مغيبا لا يعرف حقائق الأمور إلا أن يشاء الله له الهداية ،والقلة من الرجال من يستطيع الانفلات من مخالب هؤلاء النسوة الماكرات فهن كالعقارب تلسع ما لم يقطع ذيلها ، نسأل الله أن يطلق سراح المأسورين بحبائلهن، فالضحايا لهؤلاء الماكرات منشغلون بالبحث عن أنفسهم ،أن بقيت لهم عقول؟من أن يبحثوا عن الدين الصحيح الذي تبنى عليه الرجولة ،
إذا، فترجل النساء هو حرب على عقول الذكور ورجولتهم، ((فلا دين بلا عقل ولا رجولة بلا دين)). إن هذه الوكالة عن ابليس التي تقوم بها المرأة المترجلة لم يستطع القيام بها إلا اليهود (أحفاد القردة و الخنازير)ومن شابههم من المنافقين، ((فهنيئا لكي ايتها الرعناء هذه النيابة عن شيخكي الملعون وهذه المنافسة لأخس عبيده))
الآثار السلبية على الإناث:فالمرأة التي تتربى مع مترجلات تتأثر بأوصافهن لا محالة وإلا صارت منبوذة مبعدة ويتسلطن عليها بالذم والتقريع إلى أن تفقد الثقة بنفسها فتصر تابعة رغم انفها وهناك قاعدة في علم النفس تسمى(التوحد بالمعتدي) تقول:إذا قهرت من طرف شخص ظالم، توحدت معه (تقمصت شخصيته)وصرت تمارس أسالبه في الظلم مع غيرك بلا شعور منك إلى أن تتعود تلك الأساليب،وهو المثال الساري بين الناس من قولهم: (تقليد المغلوب للغالب) -تعقيب- : (إن لم يكن لك تدين مبني على قواعد صحيحة مع وعي) –المهناوي – أما الذكية الأنانية فتتتلمذ على كبراتهن حتى تصير مثلها أو أعلى درجة منها فيكونون كتلة داخل الأسرة يصعب اختراقها ويصرن يتلاعبن بعقول المحيطين بهن من المغفلين فيرفعون المنصاع الجاهل وان كان أحمقا أو فاسقا ويحطون من قيمة صاحب المبدأ والدين المتفطن لألاعبهن وان كان احرص الناس على مصلحتهن. وقائدهن (شكلا )من يسير في فلكهن ويحقق لهن رغباتهن وان كان من أحمق او افسق الناس ، فإذا تبرم أو تعثر تخلين عنه ورموه بكل نقيصة واستبدلوه بغيره من المأسورين بحبائلهن.

هل للمرأة المترجلة توبة ؟ومن ما تتوب؟

ان تعامل الناس بعضهم مع بعض عادة تراعى فيه ثلاثة جوانب وهي :الجانب الأدبي –الجانب التنظيمي – والجانب العلمي – ولكن بعض المتسلطين يخلط بين هذه الجوانب ويستغل حياء الناس وجهلهم أو تملقهم ليمرر لهم قناعات وسلوكيات ما هي بعلمية ولا أدبية .
الاول: الجانب الادبي ،فإذا تعاملت مع أي شخص فأول جانب الذي يجب عليك ان ترعيه هو الجانب الأدبي: هل هذا المتعامل معه على دينك او على غير دينك ؟–هل هو من أرحامك أو من الأباعد ؟–هل هو جارك أو من غير جرأنك؟- وهل هو يكبرك أم يصغرك (علما أوسنا )؟– فإن لهؤلاء الأفاضل حقوق ليس لغيرهم من التوقير و التبجيل والإكرام.
الثاني :الجانب التنظيمي :هل هذا المتعامل معه، شيخك أم تلميذك ؟هل هو أباك أم ابنك ؟هل هو ولي أمرك أو احد رعيتك؟هل هو سيدك أم أجيرك؟ وهل هو قائدك أم جندييك. فإن لهؤلاء الكبار من الانقياد والطاعة في غير معصية الله والنصيحة بالمعرف ما ليس لغيرهم ،والرحمة والشفقة على الصغار منهم ما ليس لغيرهم (ملاحضة):ان الشيخ والوالد يجتمع فيهما الجانبان :الأدبي والتنظيمي ولهذا قدموا على غيرهم .
الثالث:الجانب العلمي :ان التعامل مع الناس في هذا الجانب يجب ان يكون المعتبر فيه هو الدليل في النقليات والبرهان في العقليات ولا اعتبار للكبير و الصغير و لا للأمير والحقير وللغني والفقير إذ أن الناس سواسية في مسائل العلم والعمل به والمقدم هو صاحب الحجة كبيرا كان أم صغير أميرا كان أم حقيرا غنيا كان أم فقيرا ولجهل عوام الناس وأنصاف المتعلمين بما فيهم المتدينين بهذا المبدأ تراهم ينبهرون بالوجهاء من هذه الأصناف فيتبنون كلامهم ويقلدون سلوكهم كأقوال و أفعال صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم ولا يناقشونها او يعترضون عليها وكأنها وحي منزل من الحكيم الخبير. ويزدرون الصغار من هؤلاء ويطعنون في نواياهم ويسفهون أقوالهم وينتقدون سلوكهم ولو كانت الحجة معهم بل و يصفونهم بالأوصاف المقززة لتنفير الناس عنهم
وما علاقة المرأة المترجلة بهذا الكلام ؟
فعلاقتها كالتالي:
إن المرأة المترجلة متسلقة على كل هذه الجوانب و ألذ خصومها هو العلم الشرعي أو حتى المنطقي فإن تدينت فبالقشر لا بالروح (إي بالمفهوم النصراني لا بالمفهوم الإسلامي ،من أن التدين هو علاقة بين العبد وربه في المسجد ولا علاقة له بالمجتمع توجيها وتنظيما ) أو تسترت ببعض الأدب فهو إلى الإفرنجي أقرب (من سفور وتبرج وتعطر واختلاط و تجدها وخراجة ولاجة بلا ضرورة ولا حاجة ، و تجتمع كل هذه الخصال في الصلف و قلة الحياء ) اما الجانب التنظيمي فلا ترى فوقها أحدا لا أبوها ولا آخوها ولا زوجها ولا حتى ابنها بعد بلوغه سن الرشد ،الكل تحت سلطانها و يجب أن يعترفوا بعبقريتها و ينصاعوا لأوامرها ويترقبوا مخططاتها وإلا طلهم الإبعاد والتأليب . -
وألان فلنرجع الى السؤال :
من ما تتوب المرأة المترجلة؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور ((...الكبر بطر الحق وغمط الناس))أي رد الحق واحتقار الناس ، وقد تبين أن المرأة المترجلة تتحاشى (تبتعد عن) العلم الذي و يجلي حقيقتها و يعرفها نفسها ، والأدب الأصيل الذي يقيد سلوكها ويحد من نزواتها ،والتنظيم الشرعي العرفي الذي يحجر عليها ويلزمها حدودها ،ألآ يعد هذا كبرا ؟إذا، فالتوبة تكون من الكبر.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال أحد الصحابة (رضي الله عنهم ) الرجل منا يحب ان يكون ثوبه حسنا ونعله حسن ؟فقال عليه السلام : إن الله جميل ويحب الجمال . ( (( الكبر بطر الحق وغمط الناس))

والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات
كتبه أبو عبد الرحمن مالك بن يوسف المهناوي الأثري
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 07-14-2022, 10:45 PM
ابو عبد الرحمن المهناوي ابو عبد الرحمن المهناوي غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: شرق الجزائر (سكيكدة)
المشاركات: 37
افتراضي اضافة الشطر الثاني من مقالة (تحزب النساء )

موقف المرأة المترجلة من الحق
الناس ثلاثة اصناف :
صنف الاول :من يؤمن بالحق وينصاع له قويا كان او ضعيف ،كالتلميذ الوفي مع شيخه والابن البار مع والديه والعامل(الولي ) الصادق المنصف مع أميره (الخليفة )أو الأجير المؤمن الأمين مع سيده )وهؤلاء هم :(الصالحين المصلحين)
صنف الثاني :لا ينقاد للحق الا في حالة الضعف فإذا قوي سعى لقهر من له الفضل عليه ومحاولة الانقلاب عليه ولو كان النبي أو معلمه أو أباه (وهؤلاء هم الذين يسعون الى العلو و الفساد في الأرض ويعون ما إليه يقصدون من الإفساد (جند إبليس)وكذلك المعتدون(الدال مشددة) بأنفسهم ،المأسورين لأهوائهم الذين لا يفرقون بين اراءهم والحق (ما أريكم إلا ما أراء)- الآية- فيترتب على سلوكهم الفساد في الأرض بدون قصد الإفساد(أو قل المهندسون من الانقلابيين والعمليون)
الصنف الثالث :من ليس لهم موقف نابع عن قناعة ذاتية ،فهم مع من غلب صالحا كان أو طالحا (الذين يساقون كالقطيع).جاء في الاثر عن علي رضي الله عنه :(الناس ثلاث :عالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة (هؤلاء هم الصالحين المصلحين )وهمج رعاع متبعين لكل ناعق لم يستضيؤا بنور العلم وهم :( الرعاع المغفلين المتبعين لكل ناعق من الانقلابيين .)
فالمرأة المترجلة لا تستطع ان تنفك عن السلوك الانقلابي إلا إذا لم تجد من تنقلب عليه كالسفهاء المدمنين(الأذلاء المنكسرين)أو النسويين المائعين(المخنثين) أو الماديين الاستغلاليين (كالديوث والبخيل والطماع ) فهؤلاء لا تهمهم القوامة بقدر ما تهمهم مصالحهم المادية أو المعنوية ومن يوفرها لهم كان من كان؟ ولو على حساب دينهم أو مروءتهم (رجولتهم.)


كيف تهدم المرأة المترجلة أسرتها ومجتمعها ؟
وقال الله تعالى((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا))الآية – وقال تعالى((وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى))-الآية -وجاء في الحديث الصحيح((لن يفلحوا قوما ولو أمرهم امرأة)) الحديث ،فالمرأة المترجلة اذا قدر الله عليها أن اقترنت برجل مؤمن (( القوي و الأمين )) عملت على ترويضه وسلخه بالتدريج من مصدر رجولته وهو: (التدين الصحيح) إلى أن تصل إلى هدفها وهو:أن تصير هي الآمرة الناهية ،علانية أو من وراء الستار،لا يهمها ذالك لانها لا تعترف بقوامة الرجل ولا بملكيته ولا تراه حتى مشاركا لها في توجيه وتربية أولادهم ،(فهو و أولاده و ماله ملكا لها ) فهي لا تريد منه إلا حاجتها النفسية إن كانت عفيفة ،و ان يكون مجرد غطاء لما تقوم به مع وحشياتها .وإلا فالحرب سجال إلى أن ينصاع احد الطرفين ،وإثناء ذلك تستقوي عليه بالحمقاء و الخانعين من دويها(وما أكثر هذا الصنف من أشباه الرجال الذين ينتصرون لبناتهم أو أخواتهم ظالمات أو مظلومات)أو الاستعانة عليه بالكهنة والمشعوذين ،وكذلك تعمل على تحزيب الأولاد ضده وتأليبهم عليه و تحيط نفسها ببناتها أولا، ثم بالضعاف من الذكور وتبعد وتغييب الأقوياء المنصفين وان كانوا صالحين ,وبهذا تغرس الكراهية والفرقة بين البنين والبنات من جهة وبين النبهاء والمغفلين من الأولاد من جهة أخرى،و هكذا تصير هذه الأسرة حلبة صراع بين الذكور و الإناث من جهة وبين السلبيين المنقادين للمترجلات والايجابيين الثائرين على ترجل النساء بما فيهم الأمهات .فأسرة مثل هذه لا توفق الى التآلف والاستقرار ولا تهتدي إلى الطريق المستقيم في الدين ولا إلى الخلق القويم في التعامل مع المخلوقين، لان التدين الصحيح لا تصل إليه ألا بالعقل الحر السليم (الفطرة السوية) بعد توفيق الله ،والخلق القويم لا تصل إليه إلا بقوة الإرادة والتجرد من حظوظ النفس(الطمع في ما في أيدي الناس) بعد إعانة الله أما القلوب المنكوسة(أشباه اليهود) والعقول المغيبة (أشباه النصارى) فمستقرهم في الغي أو الضلال أعادنا الله من أوصاف المغضوب عليهم والضالين.إن مثل هذه الأسر والاعراش لا مطمع لأحد في إصلاحها أو تغييرها(إلا أن يشاء الله)بل الهروب منها هو الأولى مع الاحتراز من العقوق و قطيعة الرحم
فهذه التجمعات والاعراش المحسوبة على المسلمين في الظاهر تجدهم من ألذ أعدائهم في أوقات المحن والحروب، والتأريخ خير شاهد (عرش بني أعداس (غجر الجزائر ) نموذجا ،وغيرها من الاعراش النسوية التي تخرج ويتخرج منها الكثير من الخونة(الحركى :عملاء المستدمر المنافقين )الخائنين لدينهم وبني جلدتهم

الاثار السلبية لترجل المراة
الآثار السلبية على الذكور :إن الذكر المتربى بين المترجلات إما أن يشركوه في جلساتهن فينهل من أوصافهن ما الله به عليم أو يبعدوه ان كان فطنا معارضا فينشاء مغيبا لا يعرف حقائق الأمور إلا أن يشاء الله له الهداية ،والقلة من الرجال من يستطيع الانفلات من مخالب هؤلاء النسوة الماكرات فهن كالعقارب تلسع ما لم يقطع ذيلها ، نسأل الله أن يطلق سراح المأسورين بحبائلهن، فالضحايا لهؤلاء الماكرات منشغلون بالبحث عن أنفسهم ،أن بقيت لهم عقول؟من أن يبحثوا عن الدين الصحيح الذي تبنى عليه الرجولة ،
إذا، فترجل النساء هو حرب على عقول الذكور ورجولتهم، ((فلا دين بلا عقل ولا رجولة بلا دين)). إن هذه الوكالة عن ابليس التي تقوم بها المرأة المترجلة لم يستطع القيام بها إلا اليهود (أحفاد القردة و الخنازير)ومن شابههم من المنافقين، ((فهنيئا لكي ايتها الرعناء هذه النيابة عن شيخكي الملعون وهذه المنافسة لأخس عبيده))
الآثار السلبية على الإناث:فالمرأة التي تتربى مع مترجلات تتأثر بأوصافهن لا محالة وإلا صارت منبوذة مبعدة ويتسلطن عليها بالذم والتقريع إلى أن تفقد الثقة بنفسها فتصر تابعة رغم انفها وهناك قاعدة في علم النفس تسمى(التوحد بالمعتدي ) تقول:إذا قهرت من طرف شخص ظالم، توحدت معه (تقمصت شخصيته)وصرت تمارس أسالبه في الظلم مع غيرك بلا شعور منك إلى أن تتعود تلك الأساليب،وهو المثال الساري بين الناس من قولهم: (تقليد المغلوب للغالب) -تعقيب- : (إن لم يكن لك تدين مبني على قواعد صحيحة مع وعي –المهناوي – أما الذكية الأنانية فتتتلمذ على كبراتهن حتى تصير مثلها أو أعلى درجة منها فيكونون كتلة داخل الأسرة يصعب اختراقها ويصرن يتلاعبن بعقول المحيطين بهن من المغفلين فيرفعون المنصاع الجاهل وان كان أحمقا أو فاسقا ويحطون من قيمة صاحب المبدأ والدين المتفطن لألاعبهن وان كان احرص الناس على مصلحتهن. وقائدهن (شكلا )من يسير في فلكهن ويحقق لهن رغباتهن وان كان من أحمق او افسق الناس ، فإذا تبرم أو تعثر تخلين عنه ورموه بكل نقيصة واستبدلوه بغيره من المأسورين بحبائلهن.

هل للمرأة المترجلة توبة ؟ومن ما تتوب؟

ان تعامل الناس بعضهم مع بعض عادة تراعى فيه ثلاثة جوانب وهي :الجانب الأدبي –الجانب التنظيمي –والجانب العلمي – ولكن بعض المتسلطين يخلط بين هذه الجوانب ويستغل حياء الناس وجهلهم أو تملقهم ليمرر لهم قناعات وسلوكيات ما هي بعلمية ولا أدبية .
الاول: الجانب الادبي ،فإذا تعاملت مع أي شخص فأول جانب الذي يجب عليك ان ترعيه هو الجانب الأدبي: هل هذا المتعامل معه على دينك او على غير دينك ؟– وهل هو يكبرك أم يصغرك (علما أوسنا )؟هل هو من أرحامك أو من الأباعد ؟–هل هو جارك أو من غير جرأنك؟-– فإن لهؤلاء الأفاضل حقوق ليس لغيرهم من التوقير و التبجيل والإكرام.
الثاني :الجانب التنظيمي :هل هذا المتعامل معه، شيخك أم تلميذك ؟هل هو أباك أم ابنك ؟هل هو ولي أمرك أو احد رعيتك؟هل هو سيدك أم أجيرك؟ وهل هو قائدك أم جندييك. فإن لهؤلاء الكبار من الانقياد والطاعة فيغير معصية الله والنصيحة بالمعرف ما ليس لغيرهم ،والرحمة والشفقة على الصغار منهم ما ليس لغيرهم (ملاحضة):ان الشيخ والوالد يجتمع فيهما الجانبان :الأدبي والتنظيمي ولهذا قدموا على غيرهم .
الثالث:الجانب العلمي :ان التعامل مع الناس في هذا الجانب يجب ان يكون المعتبر فيه هو الدليل في النقليات والبرهان في العقليات ولا اعتبار للكبير و الصغير و لا للأمير والحقير وللغني والفقير إذ أن الناس سواسية في مسائل العلم والعمل به والمقدم هو صاحب الحجة كبيرا كان أم صغير أميرا كان أم حقيرا غنيا كان أم فقيرا ولجهل عوام الناس وأنصاف المتعلمين بما فيهم المتدينين بهذا المبدأ تراهم ينبهرون بالوجهاء من هذه الأصناف فيتبنون كلامهم ويقلدون سلوكهم كأقوال و أفعال صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم ولا يناقشونها او يعترضون عليها وكأنها وحي منزل من الحكيم الخبير. ويزدرون الصغار من هؤلاء ويطعنون في نواياهم ويسفهون أقوالهم وينتقدون سلوكهم ولو كانت الحجة معهم بل و يصفونهم بالأوصاف المقززة لتنفير الناس عنهم
وما علاقة المرأة المترجلة بهذا الكلام ؟
فعلاقتها كالتالي:
إن المرأة المترجلة متسلقة على كل هذه الجوانب وابغض خصومها اليها هو العلم الشرعي أو حتى المنطقي فإن تدينت فبالقشر لا بالروح (إي بالمفهوم النصراني لا بالمفهوم الإسلامي ،من أن التدين هو علاقة بين العبد وربه في المسجد ولاعلاقة له بالمجتمع توجيها وتنظيما ) أو تسترت ببعض الأدب فهو إلى الإفرنجي أقرب (من انبساط واختلاط مع غيرالمحارم تراها خراجة ولاجة بلا ضرورة و لا حاجة سافرة الوجه متعطرة ، وقد توجت كل هذه الانحرفات بالصلف و قلة الحياء ) اما الجانب التنظيمي فلا ترى فوقها أحدا لا أبوها ولا آخوها ولا زوجها ولا حتى ابنها بعد بلوغه سن الرشد، الكل تحت سلطانها و يجب أن يعترفوا بعبقريتها و ينصاعوا لأوامرها ويترقبوا مخططاتها وإلا طالهم الابعاد والتأليب
وألان فلنرجع الى السؤال :
من ما تتوب المرأة المترجلة؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور ((...الكبر بطر الحق وغمط الناس))أي رد الحق واحتقار الناس ، وقد تبين أن المرأة المترجلة تتحاشى (تبتعد عن) العلم الذي و يجلي حقيقتها و يعرفها -"-الراء مشدد-" نفسها ، والأدب الأصيل الذي يقيد سلوكها ويحد من نزواتها ،والتنظيم الشرعي العرفي الذي يحجر عليها ويلزمها حدودها ،ألآ يعد هذا كبرا ؟ إذا، فالتوبة تكون من الكبر.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال أحد الصحابة (رضي الله عنهم ) الرجل منا يحب ان يكون ثوبه حسنا ونعله حسن ؟فقال عليه السلام : إن الله جميل ويحب الجمال .(( الكبر بطر الحق وغمط الناس))
وهذه بعض النقول من كتاب مؤعظة المؤمنين من احياء علوم الدين لعلامة الديار الشامية المحدث الزاهد الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله يتكلم فيها عن الكبر:(حقيقته و بواعثه وعلاجه)من صفحة43 –الى54 وإن كان الكلام عن الكبر جاء و كأنه موجه للرجال ، فالكبر ليس خاص بالرجال ولا بالنساء ، فهو صفة ،من اتصف بها فهو المقصود .
كِتَابُ ذَمِّ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ
مَا وَرَدَ فِي ذَمِّ الْكِبْرِ
قَالَ تَعَالَى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) [الْأَعْرَافِ: ١٤٦] وَقَالَ تَعَالَى: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) [غَافِرٍ: ٣٥]
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ» .
وَجَاءَ فِي فَضْلِ التَّوَاضُعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ» .
وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طُوبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ فِي غَيْرِ مَسْكَنَةٍ، وَأَنْفَقَ مَالًا جَمَعَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَرَحِمَ أَهْلَ الذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ، وَخَالَطَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ» .
وَعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ، وَمَنْ تَكَبَّرَ وَضَعَهُ اللَّهُ، وَمَنِ اقْتَصَدَ أَغْنَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ بَذَّرَ أَفْقَرَهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللَّهِ أَحَبَّهُ اللَّهُ» .
وَقَالَ «الفضيل» وَقَدْ سُئِلَ عَنِ التَّوَاضُعِ «: أَنْ تَخْضَعَ لِلْحَقِّ وَتَنْقَادَ لَهُ، وَلَوْ سَمِعْتَهُ مِنْ صَبِيٍّ قَبِلْتَهُ، وَلَوْ سَمِعْتَهُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ قَبِلْتَهُ» .
بَيَانُ حَقِيقَةِ الْكِبْرِ وَآفَتِهِ:
اعْلَمْ أَنَّ الْكِبْرَ يَنْقَسِمُ إِلَى بَاطِنٍ وَظَاهِرٍ، فَالْبَاطِنُ هُوَ خُلُقٌ فِي النَّفْسِ، وَالظَّاهِرُ هُوَ أَعْمَالٌ تَصْدُرُ مِنَ الْجَوَارِحِ، وَتِلْكَ الْأَعْمَالُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَآفَتُهُ عَظِيمَةٌ وَغَائِلَتُهُ هَائِلَةٌ، وَكَيْفَ لَا تَعْظُمُ آفَتُهُ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» وَإِنَّمَا صَارَ حِجَابًا دُونَ
الْجَنَّةِ ; لِأَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ كُلِّهَا، وَهُوَ رَأْسُ أَخْلَاقِ الْمُتَّقِينَ،
وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا مِنْ خُلُقٍ ذَمِيمٍ إِلَّا وَصَاحِبُ الْعِزِّ وَالْكِبْرِ مُضْطَرٌّ إِلَيْهِ لِيَحْفَظَ بِهِ عِزَّهُ، وَمَا مِنْ خُلُقٍ مَحْمُودٍ إِلَّا وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَفُوتَهُ عِزُّهُ، فَمِنْ هَذَا لَمْ يُدْخِلِ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْهُ.
وَشَرُّ أَنْوَاعِ الْكِبْرِ مَا يَمْنَعُ مِنَ اسْتِفَادَةِ الْعِلْمِ وَقَبُولِ الْحَقِّ وَالِانْقِيَادِ لَهُ،
: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فُصِّلَتْ: ٢٦] .
فَكُلُّ مَنْ يَتَّضِحُ لَهُ الْحَقُّ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ وَيَأْنَفُ مِنْ قَبُولِهِ، أَوْ يُنَاظِرُ لِلْغَلَبَةِ وَالْإِفْحَامِ لَا لِيَغْتَنِمَ الْحَقَّ إِذَا ظَفِرَ بِهِ فَقَدْ شَارَكَهُمْ فِي هَذَا الْخُلُقِ بَيَانُ مَا بِهِ التَّكَبُّرُ:
الْأَوَّلُ: الْعِلْمُ، وَمَا أَسْرَعَ الْكِبْرَ إِلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَلَا يَلْبَثُ أَنْ يَسْتَشْعِرَ فِي نَفْسِهِ كَمَالَ الْعِلْمِ فَيَسْتَعْظِمَ نَفْسَهُ وَيَسْتَحْقِرَ النَّاسَ وَيَسْتَجْهِلَهُمْ وَيَسْتَخْدِمَ مَنْ خَالَطَهُ مِنْهُمْ.
وَسَبَبُ كِبْرِهِ بِالْعِلْمِ أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ اشْتِغَالُهُ بِمَا يُسَمَّى عِلْمًا وَلَيْسَ عِلْمًا فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ الْحَقِيقِيَّ مَا يَعْرِفُ بِهِ الْعَبْدُ رَبَّهُ وَنَفْسَهُ وَخَطَرَ أَمْرِهِ فِي لِقَاءِ اللَّهِ وَالْحِجَابِ مِنْهُ، وَهَذَا يُورِثُ الْخَشْيَةَ وَالتَّوَاضُعَ دُونَ الْكِبْرِ، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فَاطِرٍ: ٢٨] .
ثَانِيهِمَا: أَنْ يَخُوضَ فِي الْعِلْمِ، وَهُوَ خَبِيثُ الدُّخْلَةِ رَدِيءُ النَّفْسِ سَيِّئُ الْأَخْلَاقِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْتَغِلْ أَوَّلًا بِتَهْذِيبِ نَفْسِهِ وَتَزْكِيَةِ قَلْبِهِ بِأَنْوَاعِ الْمُجَاهَدَاتِ فَبَقِيَ خَبِيثَ الْجَوْهَرِ، فَإِذَا خَاضَ فِي الْعِلْمِ صَادَفَ الْعِلْمُ مِنْ قَلْبِهِ مَنْزِلًا خَبِيثًا فَلَمْ يَطِبْ ثَمَرُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي الْخَيْرِ أَثَرُهُ، وَقَدْ ضَرَبَ «وهب» لِهَذَا مَثَلًا فَقَالَ: الْعِلْمُ كَالْغَيْثِ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ حُلْوًا صَافِيًا فَتَشْرَبُهُ الْأَشْجَارُ بِعُرُوقِهَا فَتُحَوِّلُهُ عَلَى قَدْرِ طَعُومِهَا فَيَزْدَادُ الْمُرُّ مَرَارَةً وَالْحُلْوُ حَلَاوَةً، فَكَذَلِكَ الْعِلْمُ يَحْفَظُهُ الرِّجَالُ فَتُحَوِّلُهُ عَلَى قَدْرِ هِمَمِهَا وَأَهْوَائِهَا، فَيَزِيدُ الْمُتَكَبِّرَ كِبْرًا وَالْمُتَوَاضِعَ تَوَاضُعًا، وَهَذَا ; لِأَنَّ مَنْ كَانَتْ هِمَّتُهُ الْكِبْرَ هُوَ جَاهِلٌ فَإِذَا حَفِظَ الْعِلْمَ وَجَدَ مَا يَتَكَبَّرُ بِهِ فَازْدَادَ كِبْرًا، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ خَائِفًا مَعَ عِلْمِهِ فَازْدَادَ عِلْمًا عَلِمَ أَنَّ الْحُجَّةَ قَدْ تَأَكَّدَتْ عَلَيْهِ فَيَزْدَادُ خَوْفًا.
الثَّانِي الْعَمَلُ وَالْعِبَادَةُ: وَلَيْسَ يَخْلُو عَنْ رَذِيلَةِ الْكِبْرِ وَاسْتِمَالَةِ قُلُوبِ النَّاسِ الْعُبَّادِ
وَلَعَلَّهُ فِي مَقْتِ اللَّهِ بِإِعْجَابِهِ وَكِبْرِهِ، وَهُوَ غَافِلٌ عَنْ هَلَاكِ نَفْسِهِ، فَهَذِهِ عَقِيدَةُ الْمُغْتَرِّينَ، وَأَمَّا الْأَكْيَاسُ مِنَ الْعِبَادِ فَيَقُولُونَ مَا كَانَ يَقُولُهُ السَّلَفُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ عَرَفَاتٍ: «كُنْتُ أَرْجُو الرَّحْمَةَ لِجَمِيعِهِمْ لَوْلَا كَوْنِي فِيهِمْ
الثَّالِثُ: التَّكَبُّرُ بِالْحَسَبِ وَالنَّسَبِ، فَالَّذِي لَهُ نَسَبٌ شَرِيفٌ يَسْتَحْقِرُ مَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ النَّسَبُ وَإِنْ كَانَ أَرْفَعَ مِنْهُ عَمَلًا وَعِلْمًا، وَقَدْ يَتَكَبَّرُ بَعْضُهُمْ فَيَأْنَفُ مِنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ وَمُجَالَسَتِهِمْ، وَقَدْ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ التَّفَاخُرُ بِهِ فَيَقُولُ لِغَيْرِهِ: مَنْ أَنْتَ وَمَنْ أَبُوكَ فَأَنَا فُلَانٌ ابْنُ فُلَانٍ، وَمَعَ مِثْلِي تَتَكَلَّمُ! .
الرَّابِعُ: التَّفَاخُرُ بِالْجَمَالِ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ مَا يَجْرِي بَيْنَ النِّسَاءِ وَيَدْعُو ذَلِكَ إِلَى التَّنَقُّصِ وَالثَّلْبِ وَالْغِيبَةِ وَذِكْرِ عُيُوبِ النَّاسِ.
الْخَامِسُ: الْكِبْرُ بِالْمَالِ وَذَلِكَ يَجْرِي بَيْنَ الْأُمَرَاءِ وَالتُّجَّارِ فِي لِبَاسِهِمْ وَخُيُولِهِمْ وَمَرَاكِبِهِمْ فَيَسْتَحْقِرُ الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ وَيَتَكَبَّرُ عَلَيْهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَهْلٌ بِفَضِيلَةِ الْفَقْرِ وَآفَةِ الْغِنَى.
السَّادِسُ: الْكِبْرُ بِالْقُوَّةِ وَشِدَّةِ الْبَطْشِ وَالتَّكَبُّرِ بِهِ عَلَى أَهْلِ الضَّعْفِ.
السَّابِعُ: التَّكَبُّرُ بِالْأَتْبَاعِ وَالْأَنْصَارِ وَالْعَشِيرَةِ وَالْأَقَارِبِ.
فَهَذِهِ مَجَامِعُ مَا يَتَكَبَّرُ بِهِ الْعِبَادُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
نَسْأَلُهُ تَعَالَى الْعَوْنَ بِلُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ.
بَيَانُ أَخْلَاقِ الْمُتَوَاضِعِينَ وَمَجَامِعِ مَا يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ التَّوَاضُعِ وَالتَّكَبُّرِ:
اعْلَمْ أَنَّ التَّكَبُّرَ يَظْهَرُ فِي شَمَائِلِ الرَّجُلِ كَصَعَرٍ فِي وَجْهِهِ وَيَظْهَرُ فِي مِشْيَتِهِ وَتَبَخْتُرِهِ فَمِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ مَنْ يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَمِنْهُمْ

مَنْ يَتَكَبَّرُ فِي بَعْضٍ وَيَتَوَاضَعُ فِي بَعْضٍ،
رُوِيَ أَنَّ «عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ» أَتَاهُ لَيْلَةً ضَيْفٌ وَكَانَ يَكْتُبُ فَكَادَ السِّرَاجُ يُطْفَأُ، فَقَالَ الضَّيْفُ: أَقُومُ إِلَى الْمِصْبَاحِ فَأُصْلِحُهُ؟ فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ كَرَمِ الرَّجُلِ أَنْ يَسْتَخْدِمَ ضَيْفَهُ، قَالَ: أَفَأُنَبِّهُ الْغُلَامَ؟ فَقَالَ: هِيَ أَوَّلُ نَوْمَةٍ نَامَهَا، فَقَامَ وَمَلَأَ الْمِصْبَاحَ زَيْتًا، فَقَالَ الضَّيْفُ: قُمْتَ أَنْتَ بِنَفْسِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: ذَهَبْتُ وَأَنَا عمر، وَرَجَعْتُ وَأَنَا عمر مَا نَقَصَ مِنِّي شَيْءٌ، وَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ مُتَوَاضِعًا.
بِهِ.
بَيَانُ الطَّرِيقِ فِي مُعَالَجَةِ الْكِبْرِ وَاكْتِسَابِ التَّوَاضُعِ:
اعْلَمْ أَنَّ الْكِبْرَ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ وَإِزَالَتُهُ فَرْضُ عَيْنٍ، وَلَا يَزُولُ بِمُجَرَّدِ التَّمَنِّي، بَلْ بِالْمُعَالَجَةِ، وَفِي مُعَالَجَتِهِ مَقَامَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَلْعُ شَجَرَتِهِ مِنْ مَغْرِسِهَا فِي الْقَلْبِ.
الثَّانِي: دَفْعُ الْعَارِضِ مِنْهُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي قَدْ يُتَكَبَّرُ بِهَا.
الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فِي اسْتِئْصَالِ أَصْلِهِ:
عِلَاجُهُ عِلْمِيٌّ وَعَمَلِيٌّ، وَلَا يَتِمُّ الشِّفَاءُ إِلَّا بِمَجْمُوعِهِمَا:
أَمَّا الْعِلْمِيُّ: فَهُوَ أَنْ يَعْرِفَ نَفْسَهُ وَيَعْرِفَ رَبَّهُ تَعَالَى، وَيَكْفِيهِ ذَلِكَ فِي إِزَالَةِ الْكِبْرِ، فَإِنَّهُ مَهْمَا عَرَفَ نَفْسَهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِ إِلَّا التَّوَاضُعُ، وَإِذَا عَرَفَ رَبَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا تَلِيقُ الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ إِلَّا بِاللَّهِ. قَالَ تَعَالَى: (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ) [عَبَسَ: ١٧ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) [عَبَسَ: ١٨، ١٩] ثُمَّ امْتَنَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) [عَبَسَ: ٢٠] وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَيَسَّرَ لَهُ فِي مُدَّةِ حَيَاتِهِ إِلَى الْمَوْتِ
. وَأَمَّا آخِرُهُ فَهُوَ الْمَوْتُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ) [عَبَسَ: ٢١ ٢٢]
وَأَمَّا الْعِلَاجُ الْعَمَلِيُّ: فَهُوَ التَّوَاضُعُ لِلَّهِ بِالْفِعْلِ، وَلِسَائِرِ الْخَلْقِ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى أَخْلَاقِ
الْمُتَوَاضِعِينَ كَمَا وَصَفْنَاهُ مِنْ شَمَائِلِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ أَحْوَالِ الصَّالِحِينَ، وَلَا يَتِمُّ التَّوَاضُعُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ إِلَّا بِالْعَمَلِ،
الْمَقَامُ الثَّانِي: فِيمَا يَعْرِضُ مِنَ التَّكَبُّرِ بِالْأَسْبَابِ السَّبْعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ:
ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ ذَمِّ الْجَاهِ أَنَّ الْكَمَالَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ، فَأَمَّا مَا عَدَاهُ مِمَّا يَفْنَى بِالْمَوْتِ فَكَمَالٌ وَهْمِيٌّ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ طَرِيقَ الْعِلَاجِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ:

آفة الآفات الْكِبْرُ بِالْعِلْمِ
: وَهُوَ أَعْظَمُ الْآفَاتِ وَعِلَاجُهُ بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ حُجَّةَ اللَّهِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ مِنَ الْجَاهِلِ مَا لَا يُحْتَمَلُ عُشْرُهُ مِنَ الْعَالِمِ، فَإِنَّ مَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى عَنْ مَعْرِفَةٍ وَعِلْمٍ فَجِنَايَتُهُ أَفْحَشُ وَخَطَرُهُ أَعْظَمُ.
فَمَتَى زَالَ الْإِشْفَاقُ وَالْحَذَرُ غَلَبَ الْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْكِبْرَ، وَهُوَ سَبَبُ الْهَلَاكِ، فَالْكِبْرُ دَلِيلُ الْأَمْنِ وَالْأَمْنُ مُهْلِكٌ، وَالتَّوَاضُعُ دَلِيلُ الْخَوْفِ، وَهُوَ مُسْعِدٌ.
فَإِذَنْ مَا يُفْسِدُهُ الْعِبَادُ بِإِضْمَارِ الْكِبْرِ وَاحْتِقَارِ الْخَلْقِ أَكْثَرُ مِمَّا يُصْلِحُهُ بِظَاهِرِ الْأَعْمَالِ.
فَهَذِهِ مَعَارِفُ بِهَا يُزَالُ دَاءُ الْكِبْرِ عَنِ الْقَلْبِ، إِلَّا أَنَّ النَّفْسَ بَعْدَ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ قَدْ تُضْمِرُ التَّوَاضُعَ، وَتَدَّعِي الْبَرَاءَةَ مِنَ الْكِبْرِ وَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ عَادَتْ إِلَى طَبْعِهَا، فَعَنْ هَذَا لَا

يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى فِي الْمُدَاوَاةِ بِمُجَرَّدِ الْمَعْرِفَةِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَكْمُلَ بِالْعَمَلِ، وَتُجَرَّبَ بِأَفْعَالِ الْمُتَوَاضِعِينَ فِي مَوَاقِعِ هَيَجَانِ الْكِبْرِ مِنَ النَّفْسِ، وَبَيَانُهُ أَنْ يَمْتَحِنَ النَّفْسَ بِالِامْتِحَانَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى اسْتِخْرَاجٍ مَا فِي الْبَاطِنِ، وَالِامْتِحَانَاتُ كَثِيرَةٌ، فَمِنْهَا وَهُوَ أَوَّلُهَا: أَنْ يُنَاظِرَ فِي مَسْأَلَةٍ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ أَقْرَانِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ شَيْءٌ مِنَ الْحَقِّ عَلَى لِسَانِ صَاحِبِهِ فَثَقُلَ عَلَيْهِ قَبُولُهُ وَالِانْقِيَادُ لَهُ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَنْبِيهٍ فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِيهِ كِبْرًا دَفِينًا، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ فِيهِ وَيَشْتَغِلْ بِعِلَاجِهِ.
أَمَّا مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ فَبِأَنْ يُذَكِّرَ نَفْسَهُ خِسَّةَ نَفْسِهِ، وَخَطَرَ عَاقِبَتِهِ وَأَنَّ الْكِبْرَ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِاللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا الْعَمَلُ فَبِأَنْ يُكَلِّفَ نَفْسَهُ مَا ثَقُلَ عَلَيْهِ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ، وَأَنْ يُطْلِقَ اللِّسَانَ بِالْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ، وَيُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ، وَيَشْكُرَهُ عَلَى الِاسْتِفَادَةِ وَيَقُولَ: «مَا أَحْسَنَ مَا فَطِنْتَ لَهُ، وَقَدْ كُنْتُ غَافِلًا عَنْهُ فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا كَمَا نَبَّهْتَنِي لَهُ» فَالْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَإِذَا وَجَدَهَا يَنْبَغِيَ أَنْ يَشْكُرَ مَنْ دَلَّهُ عَلَيْهَا.
فَإِذَا وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَةً صَارَ ذَلِكَ لَهُ طَبْعًا، وَسَقَطَ ثِقَلُ الْحَقِّ عَنْ قَلْبِهِ، وَطَابَ لَهُ قَبُولُهُ، وَمَهْمَا ثَقُلَ عَلَيْهِ الثَّنَاءُ عَلَى أَقْرَانِهِ بِمَا فِيهِمْ فَفِيهِ كِبْرٌ.
بَيَانُ غَايَةِ الرِّيَاضَةِ فِي خُلُقِ التَّوَاضُعِ:
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخُلُقَ كَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ لَهُ طَرَفَانِ وَوَسَطٌ، فَطَرَفُهُ الَّذِي يَمِيلُ إِلَى الزِّيَادَةِ
يُسَمَّى تَكَبُّرًا، وَطَرَفُهُ يَمِيلُ إِلَى النُّقْصَانِ يُسَمَّى تَخَاسُسًا وَمَذَلَّةً، وَالْوَسَطُ يُسَمَّى تَوَاضُعًا، وَالْمَحْمُودُ أَنْ يَتَوَاضَعَ فِي غَيْرِ مَذَلَّةٍ وَتَخَاسُسٍ، فَإِنَّ:
كِلَا طَرَفَيْ قَصْدِ الْأُمُورِ ذَمِيمُ
وَأَحَبُّ الْأُمُورِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْسَاطُهَا، فَمَنْ يَتَقَدَّمْ عَلَى أَمْثَالِهِ فَهُوَ مُتَكَبِّرٌ، وَمَنْ يَتَأَخَّرْ عَنْهُمْ فَهُوَ مُتَوَاضِعٌ، أَيْ وَضَعَ شَيْئًا مِنْ قَدْرِهِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ، وَالْعَالِمُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ دَنِيءٌ فَتَنَحَّى لَهُ عَنْ مَجْلِسِهِ وَأَجْلَسَهُ فِيهِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ وَسَوَّى لَهُ نَعْلَهُ، وَغَدَا إِلَى بَابِ الدَّارِ خَلْفَهُ فَقَدْ تَخَاسَسَ وَتَذَلَّلَ، وَهُوَ أَيْضًا غَيْرُ مَحْمُودٍ، بَلِ الْمَحْمُودُ عِنْدَ اللَّهِ الْعَدْلُ، وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَاضَعَ بِمِثْلِ هَذَا لِأَقْرَانِهِ وَمَنْ يَقْرُبُ مِنْ دَرَجَتِهِ، فَأَمَّا تَوَاضُعُهُ لِلسُّوقِيِّ فَبِالْقِيَامِ وَالْبِشْرِ فِي الْكَلَامِ وَالرِّفْقِ فِي السُّؤَالِ وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ وَالسَّعْيِ فِي حَاجَتِهِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، وَأَنْ لَا يَرَى نَفْسَهُ خَيْرًا مِنْهُ فَلَا يَحْتَقِرُهُ، وَلَا يَسْتَصْغِرُهُ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ خَاتِمَةَ أَمْرِهِ.

كتبه أبو عبد الرحمن المهناوي الأثري
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:18 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.