أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
46102 151323

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-12-2014, 02:55 PM
محب السلف الصالح الجزائري محب السلف الصالح الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 257
افتراضي الإنعام على رسلان بِطُرق افتراض الإلزام وأحكام همزة الاستفهام / للشيخ مختار الطيباوي


بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده.



أوَّلا: نحمد الله كثيرا على الرُّدود التي توالت في تصحيح منهج الدكتور رسلان، فقد أتت ثمارها ونقص التَّفحُّش عنده بصورة ملحوظة، فنرجو من الله أن لا تأخذه العزَّة بالإثم فيعاود طبيعته.
ثانيا: زعم الدكتور رسلان في فكاهة سوداء أنَّ في كلامي طعنا في عيسى عليه السَّلام فتولى الأخ الفاضل أبو الحارث مهدي الرَّدَّ عليه بعلم ومنطق سليم نسف به كلامه، وذكَّره بتقوى الله، جزاه الله خيرًا.
ومن باب الفائدة العلميَّة، وبيان حال هذا المعتدي على أهل العلم، وحقيقة جهله بمسالك العلم وطرق العلماء في الاستدلال أضفتُ هذا الرَّدَّ على ما سطَّره أخونا أبو الحارث مهدي.
ثالثا: الدكتور رسلان ـ وللأسف الشَّديد على ما لحق أهل السُّنَّة بسبب جهله وعناده ـ تتمثَّل طريقته في الرَّدِّ باتِّهامك بنفس التُّهمة التي ثبتت عليه، يعني يريدك أن تستوي معه في القبح، فبدلا من الارتفاع بالرُّجوع إلى الحقِّ يحاول أن ينزلك إلى حفرته، وكلامه في النَّاس لا يخرج عن البغي عليهم، لما نزعنا عنه بقوَّة الحجَّة شبهة "التَّفحُّش الشَّرعيِّ" التي كان يؤصِّل لها انتقل إلى البغي بالتَّأوُّل المتعسف الذي وصل درجة البهتان،{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [ يونس23]
ولم أكن أظنُّ أبدًا أن يبلغ الجهل بالدكتور رسلان قعر السَّفه والعناد، فيحمل عبارة من باب الافتراض بالاستفهام الإنكاري لمنع تصوُّر المستحيل ـ وهو عصمة الغلاة من الأخطاء ـ لشدَّة سخافة هذا المذهب على إنكار النَّصِّ المتواتر، مصوِّرا النِّزاع بيني وبينه على مكان نزول المسيح، لا على منهج يفترض ـ بلسان الحال ـ وجود العصمة لغير الأنبياء؟
قال: ((وهل ينزل عيسى صلى الله عليه وسلم عند غير المنارة البيضاء بدمشق؟ وهل النصوص التي تواترت بنزول المسيح عليه الصلاة والسلام يجهلها هذا الأفاك أو يعلمها ويستهزئ بها؟))
قلتُ: أين وجدتَني أنازع في مكان نزول عيسى عليه السَّلام؟
وأين كان الاختلاف حول تواتر النَّصِّ بنزوله من عدمه، بل أين ومتى كان الخلاف بيننا حول عيسى عليه السَّلام في شيء من الأشياء؟
من لا يكترث للفصل بين حُجَّة وشبهة لا يكترث إذا تقرَّح الجهل في عقله، والمنتصر بأيِّ شيء قد ركب صهوة الاعتداء السَّافر {وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[ البقرة 190].
ومع أنِّي لم أتَّهمه بالطَّعن في النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لولا فهمه السَّقيم، وما ينبغي لمسلم أن يتَّهم مسلمًا بمثل هذه التُّهمة حتَّى لو رأى عبارة موهمة مجملة يزول المحذور منها بمجرَّد التَّفسير، بل المفروض ممَّن عرف أصول الإيمان ألا يقترب من هذه التُّهمة، بل يسعى إلى توجيه الكلام إلى ما يليق بحبِّ المسلمين لنبيِّهم صلَّى الله عليه وسلَّم ما وسعه تأويلٌ، واحتمل السِّياقُ صدق التَّوجيه والتَّعليل، لأنَّ الطَّعن في واحد من الأنبياء طعن في جميع الأنبياء، فلا يبقى معه إيمان.
ولعلَّ من سخافة أمثال رسلان، وعلامة خذلان الله لهم حشرهم في الخلافات التَّافهة التي يتعمَّدون النَّيل بها من العلماء والدُّعاة: "مقام النَّبوَّة"، وهذا غاية الخذلان، فمقام النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أعلى من أن نوظِّفه زورا وبهتانا في إسقاط بعضنا بعضا.
ثمَّ؛ هل الطَّعن في أكثر الدُّعاة والعلماء من أهل الإيمان والدِّين بعبارات الحانات والمخامر والملاهي الرَّخيصة، والحكم عليهم بالفسق من توقير أهل السُّنَّة؟ ومن توقير مقام النُّبوَّة؟ وكيف يكون وقد ذبحتم كل من رفع لواء القرآن والسُّنَّة في هذا الزَّمن؟
أمَّا الكلام الذي ظنَّ الدكتور أنَّه استدركه عليَّ فليأكل التُّفاح ويرتاح فقد قيَّدته بحبالٍ لا يقدر أمثاله على تقطيعها ولو كانوا يعتقدون بوجود عُوج بن عُوق، فأنا على دراية كافية بسُبل مكافحة فيروس: "توليد البغلة" الذي يسير عليه الدكتور، وأعالجه بكيِّ الدِّماغ وشيِّ اللِّسان، لو كان جاهلا لسقيناه العسل لكنَّه جاهل معاند يتسلَّح بحيل الأطفال: التَّملُّق والبكاء.
وحتَّى لا يتحلَّم علينا متحالم في غير موطن الحلم أقول ما قاله ابن تيميَّة ـ رحمه الله ـ في تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} [العنكبوت: 46] .
((فَالظَّالِمُ لَمْ يُؤْمَرْ بِجِدَالِهِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فَمَنْ كَانَ ظَالِمًا مُسْتَحِقًّا لِلْقِتَالِ غَيْرَ طَالِبٍ لِلْعِلْمِ وَالدِّينِ فَهُوَ مِنْ هَؤُلَاءِ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ لَا يُجَادَلُونَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، بِخِلَافِ مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ وَالدِّينَ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ ظُلْمٌ، سَوَاءٌ كَانَ قَصْدُهُ الِاسْتِرْشَادَ، أَوْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ يَقْصِدُ نَصْرَ مَا يَظُنُّهُ حَقًّا، وَمَنْ كَانَ قَصْدُهُ الْعِنَادَ يَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَى بَاطِلٍ وَيُجَادِلُ عَلَيْهِ فَهَذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمُجَادَلَتِهِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، لَكِنْ قَدْ نُجَادِلُهُ بِطُرُقٍ أُخْرَى نُبَيِّنُ فِيهَا عِنَادَهُ وَظُلْمَهُ وَجَهْلَهُ جَزَاءً لَهُ بِمُوجِبِ عَمَلِهِ)) (الجواب الصَّحيح) (1/219)
وعليه، وجب حسم شغب وعناد الطِّفل رسلان بما يفضح جهله عند أجهل أصحابه، فأقول:
الذي قصَّدته من مقالي:" تنزيه كلام سيِّد ولد عدنان من تفحُّش رسلان" أنَّه لا ينبغي لنا أن ننسب للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كلاما يستلزم سوء أدب معه، أو فيه انتقاص من مقام النُّبوَّة، لأنَّه عندما يتفوَّه من حسبه النَّاس داعية إلى الله بكل عبارات التَّفحُّش الممكنة، فإذا اعتُرض عليه قال: هذا منهج سلفيٌّ، ووصيَّة نبويَّة؟
لأنَّه اشتبه عليه فهم نصٍّ على وجهه، فلا ريب أنَّ الطَّعن، ولو بغير قصد، ومن غير شعور في أدب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وفي مكارم أخلاقه، وحمل كلامه على غير قصده، وصرفه عن وجهته، فيه تقبيح حال النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في أعين النَّاس، وتنفيرهم عنه، وهذا من أشدِّ الفساد، والمطلوب من الدُّعاة توقير النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وتعظيم محبَّته في قلوب النَّاس، ونشر محاسنه وفضائله، وإبعاد كل ما يوهم انتقاصًا لمقامه.
وإذا وجدنا الدكتور رسلان يقدح ـ بسوء خلقه ـ في ما يجب أن يعتقده المسلم في أخلاق النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ويورث الشَّكَّ في آداب الإسلام، وحثِّه على حسن الخلق، ورفع منزلته فوق أعظم المنازل الإيمانيَّة ممَّا يسدُّ طريق العلم والإيمان بفضائل السِّيرة النَّبويَّة ، ويفتح طريق الطَّعن للمنافقين، وجب القيام بالنُّصح والتَّوجيه لرسلان بدون اتِّهامه بالطَّعن في النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأنِّي بخلافه أُفرِّق بين الشُّبهة الموهمة وبين القصد، ولا أظنُّ بوجود مسلم صحيح الإيمان يقصد الطَّعن في ظلِّ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أو في شيء له علاقة به عليه الصَّلاة والسَّلام.
كيف نناضل السَّنوات الطِّوال للدَّفع عن العلماء والدُّعاة وآحاد المسلمين، ونرضى بانتقاص مقام النُّبوَّة، فكيف نطعن في عيسى عليه السَّلام؟


الموضوع:
لأنِّي قلتُ في مقال لي ردًّا على جهل الدكتور رسلان الذي جعل أي خطأ يقع فيه أهل السُّنَّة، ولو كان في غير الدِّين سببا للطَّعن عليهم كأنَّه وعُصبته قد غطَّتهم العصمة:
((أمَّا الأخطاء والأقوال المرجوحة فمن يعرف موقعًا أو شخصًا سلِمَ منها فليخبرنا حتَّى ننظر أنزل عيسى عليه السَّلام في قرية الشَّيخ المفبرك، ولم نعلم به؟)) زعم أنِّي أكذِّب بالنَّصِّ المتواتر في نزول عيسى، وظاهر كلامي الطَّعن فيه ؟
قلتُ:هذا كلام واضح في نفي العصمة عن جميع المسلمين، بل عن جميع النَّاس من غير الأنبياء والذي يلزم منه أنَّ وقوع الخطأ من أهل السُّنَّة لا يلزم معه أنَّهم مبتدعة، ويجب الطَّعن عليهم، وتتبُّع زلاتهم.
ولتحدِّي فهم الدكتور رسلان باللَّازم، لأنَّ من يفعل هذا لا يفعله إلاَّ إن اعتقد أنَّه سلم من الخطأ والزَّلل، فإذا لم يكن الدكتور نبيًّا لزم أنَّه معرَّض للخطأ، والخطأ عليه جائز، بل هو لازم ذاتيٌّ له كالفقر تماما.
وإذا لم نعلم أنَّ عيسى عليه السَّلام قد نزل الأرض بعدُ حتَّى نعلم أنَّه يوجد معصوم مِن بيننا، والفعل (نزل) يُطلق على النُّزول الأصليِّ "الانتقال من أعلى"، وعلى النُّزول بمعنى "حلَّ"، فإذا لم ينزل عيسى عليه السَّلام بعدُ على المنارة البيضاء بدمشق النُّزول الأصليِّ، لم ينزل ـ حتما بمعنى حلَّ ـ قرية الدكتور رسلان ليشهد له بالصِّحَّة، وشهادة المعصوم لكلام أو منهج أو طريقة بالصِّحَّة تقطع النِّقاش وتحسم الخلاف.
فإذا ناقض الدكتور رسلان هذا الاستفهام الإنكاري الواضح بمثل هذه المناقضة التي لا تتجاوز كونها بُهتاناً ،فلأنَّه لم يجد سبيلا إلى الطَّعن في هذه الدَّلائل القاطعة على سخافة منهجه.
فعندما قلتُ: ((أنزل عيسى عليه السَّلام في قرية الشَّيخ المفبرك، ولم نعلم به))
فهذه همزة الِاسْتِفْهَام الإنكاري دخلت على الفعل (نزل) للإنكار والتوبيخ يا متفاصح متعاقل؟
هذا مع أنِّي نصبتها على القرن كالمنارة البيضاء يراها الأحول من جزر الوقواق، فكيف لو حذفتها لأنَّها ظاهرة من السِّياق، كان البراغيث سيأكلونني نيئاً؟
ومعلوم أنَّ معانيها تختلف بحسب اختلاف مواقعها، فقد تكون للشَّكِّ في الفاعل فتدخل على الأسماء، وقد تكون للشَّكِّ في الفعل نفسه فتدخل عليه.
فالاستفهام الإنكاري هنا موجَّه للشيخ المفبرك في علمه وفصاحته، ومعناه: إنكار الفعل نفسه، وأنَّه غير كائن، ولا ينبغي أن يكون أبدًا.
ومناسبة ذكر قرية الشَّيخ المفبرك ليس اعتقادا من الجنِّ والهوامِّ والدَّواب أنَّ عيسى عليه السَّلام سينزل في هذه القرية، ولكن قرينة على الاستحالة، لأنَّنا علمنا من النَّصِّ أنَّه سينزل في دمشق، ممَّا يعني عدم العصمة في قرية الشَّيخ المفبرك، وعدم معصوم يزكِّي منهجه يا فاهم؟
وبالتَّالي فحتى عند من يظنُّون أنَّهم لا يخطئون كالشَّيخ المفبرك تمتنع العصمة بالضَّرورة، ومن هنا وجب عليهم ترك انتقاد النَّاس، وإلاَّ انتقدوهم على أخطائهم بدورهم.
وهذا الأسلوب الاستفهامي الاستنكاري يعمل به العلماء مع المعاندين والجهَّال الذين يعاندون الأدلَّة، فنستعمله معهم لأنَّه كما قال العلماء: "هو أبلغ من النَّفي والنَّهى، وألطف موقعاً "، فنقول له: هل أنت نبيٌّ؟ هل نزل عليك الوحي؟ هل نزل عليك جبريل؟ هل أخبرك النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بذلك؟
ولو قال قائل لأحدهم: هل نزل عليكم كتابٌ من السَّماء بهذا حتى تركتم النُّصوص الصَّحيحة؟
أو: لم أعلم أنَّه نزل عليكم كتاب من السَّماء؟
فليس قصده إلاَّ الاستفهام الإنكاري، فقد يكون هذا المسئول نصرانيًّا أو يهوديا أسلم فيقول: نعم لقد نزل علينا كتاب، أو يكون من أهل ناصرة، أو أي مدينة نزل فيها كتاب على نبيٍّ، فهذا الجواب من المجادلة بالباطل لأنَّ السائل يقصده هو بالذَّات.
وبهذا نفهم شبهة الشَّيخ المفبرك عندما قال: ((وهل لو أجابه أحدٌ بأنه يعرف موضعًا أو يعرف شخصًا سَلِمَ من الأخطاء والأقوال المرجوحة –هل لو أجابه أحدٌ بذلك- يكون عيسى عليه السلام قد نزل بقرية الشيخ؟))
قال الشيَّخ ابن جبرين ـ رحمه الله ـ عن محنة خلق القرآن:
((وآخر يقول لابن أبي دؤاد: هل نزل عليك وحي؟ هل أنت رسول من الله تعالى؟ ما الدليل على رسالتك؟ ما هو الوحي الذي نزل عليك حتى تكون أنت أعلم من الرسول، وأعلم من الخلفاء؟ فتحير ابن أبي دؤاد، ولم يجد بداً من أن يقول: بل علموها.)) ونسبه لـ(كتاب الشَّريعة).
وإن كان الاستفهام الإنكاري من الشَّيخ صحيح، ومن طرق أهل العلم لكنَّه لم يرد بهذا السِّياق في (الشَّريعة)
وعليه: أقول ـ بمنطق توليد البغلة المسكينة الذي يستعمله رسلان ـ : ألم يعرف أئمَّة السُّنَّة النُّصوص المتواترة، وآي القرآن المحكمة أنَّ محمَّدا صلَّى الله عليه وسلَّم خاتم الأنبياء، فكيف سألوا ابن أبي دؤاد إن كان نبيًّا، وما الدَّليل على رسالته؟
هل نزل جبريل على أحدٍ بعد محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟
هل يشكُّون في المعلوم من الدِّين بالضَّرورة؟
ذكر أبو العرب أحمد بن تميم الإفريقي مناظرة بين الجعفريِّ والعنبريِّ في (طبقات علماء افريقية)(1/89) أذكرها بتمامها حتى يتعلَّم الجاهل، ويسكت السَّفيه المعاند:
((... فقال للجعفريِّ: إن كان معك أبو محمَّد فهذا الأمير معي، يعني: الأغلب، فقلتُ: وما للملوك وللكلام في الدِّين؟ فأَحفَظه ذلك، فقال لي: يا أبا محمَّد، وكذلك من أتى إلى السُّلطان فهو مثل السُّلطان، فقلت له: إنَّما أتاكم الآتي لأنَّكم خير ممَّن هو شرٌّ منكم، ولو أتى من هو خير منكم لأتاه النَّاس ولم يأتوكم، فقال: ومن خير منَّا؟ فقلت له: لو نزل عيسى ابن مريم أكان حسنا يتركونه ويأتونكم؟ لو نزل عيسى أتاه النَّاس ولم يأتوكم.))
فأنت ترى كيف استعمل حرف (لو) لأنَّه في مقام المناظرة، مع أنَّه متيقِّن بنزول عيسى عليه السَّلام كما هو متيقِّن بأنَّه لن ينزل في تونس، بل في دمشق، ولكن هذه مناظرة بالافتراض لردِّ المحال، كمن يقول لآخر في الجزائر: أكنتَ تقول هذا للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لو كان حيًّا ؟ وهو يعلم أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لن يعود لهذه الدُّنيا، كما يعلم أنَّه لم يدخل الجزائر، لأنَّ المقصود في الكلام والمناظرة ليس مكان وزمان النُّزول، ولكن ما يمثِّله النَّبيِّ من عصمة تحسم الخلاف، فهذا من أدلَّة الإفحام.
ومعلوم عند من يعرف بعض العربيَّة وليس دعيًّا فيها أنَّ حرف (لو) يدلُّ على امتناع الشَّيء لامتناع غيره.
لكن الغبيَّ المعاند رسلان لا يُفرِّق بين حرفٍ لو حُذف استقلَّ الكلام عنه، وحرفٍ لو حُذف بطل الكلام كله؟
الذي لا يعرِّف طُرق أهل العلم وأساليب المناظرة ظنَّ ـ وهو في هذا الظنِّ وحده في مقابل الثقلين ـ أنِّي أكذِّب بالنَّصِّ الصَّحيح الذي عيَّن مكان نزول عيسى عليه السَّلام وهو دمشق، وأزعم أنَّه سينزل في قرية المفبرك، كأنَّه لي مصلحة في إثبات هذا الفضل لقرية الشَّيخ المفبرك، يعني: قرونُ الجهل فتقت الجلد، وكسرت العظم، وثقبت سطح بيت رسلان!
فلم يفهم أنَّ هذا افتراض لمنع الاحتمال، وطريقة الافتراض هي من طُرق التَّنزُّل في الكلام، ومعنى الَّتنزُّل: أنِّي أتنازل مؤقَّتا لغرض الإفحام عن المذهب الحقِّ لأُبيِّن لك شدَّة سخافة مذهبك، وأنَّك تتكلَّف ما لا أصل له عند العقلاء.
فالعلماء بحقٍّ ـ وليس بالمصادرة على عقول الجهَّال ـ يتنزَّلون في الكلام، ويسلِّمون للمعاند بصحَّة كلامه لإقامة الدَّليل على بطلان مذهبه، فحاصل كلامي: فرضُ محال هو نزول عيسى عليه السَّلام بقرية الشَّيخ المفبرك من باب الانتقال من المذهب الحقِّ الذي يعرفه كلُّ المسلمين إلى ما ينكره كلُّ المسلمين لبيان مدى بطلان منهج الشَّيخ المفبرك.
فلا يكون بهذا الاعتبار متعلِّق كلامي إلاَّ الافتراض، وعدم اللُّزوم، لدى لم يجد الشَّيخ المفبرك طريقة لدفعه إلاَّ هذا الخبل: إنكار المتواتر والطَّعن في عيسى عليه السَّلام؟
ولو فرضنا ـ جدلا ـ أنَّ أحدهم ظنَّ أنَّ عيسى عليه السَّلام سيدخل حمص، أو العريش، أو أيَّ مدينة أو قرية، فأي طعن يكون فيه ؟ أم أنَّ الشَّيخ المفبرك يحتقر قريته، و يرى أنَّه لا يدخلها إلاَّ مشبوه؟ أو ربَّما يملك خريطة بالأماكن التي سيدخلها عيسى عليه السَّلام؟
لو كان استدلال الشَّيخ المفبرك في هذه القضيَّة سائغاً لوجب على العلماء من قديم الزَّمان قبل أن يُخلق رسلان أن يسدُّوا باب التَّجوُّز والتَّوسُّع في الكلام والافتراض والتَّنزُّل حتى لا ننتهي إلى عته رسلان، فلمَّا لم يكن ذلك علمنا بطلان كلام رسلان.
ولو سألنا المفبرك من باب محاجة الأطفال هذه الأسئلة البسيطة:
1 ـ هل تعرف كلَّ القرى والمدن التي سيدخلها عيسى عليه السَّلام، ويمكنك أن تنفي أو تثبت؟
2 ـ هل يوجب نفي العصمة عن رسلان تطرق الطَّعن إلى عيسى عليه السَّلام؟
3 ـ وهل الطَّعن في رسلان يلزم منه الطَّعن في عيسى عليه السَّلام؟
فكلامي فيه الطَّعن في دعواكم العصمة بلسان الحال المستنبط من تكالبكم على دعاة وعلماء أهل السُّنَّة، وليست العصمة إلاَّ في الأنبياء، والذي سينزل منهم ـ كما في النُّصوص الصَّحيحة التي يؤمن بها المؤمنون ـ عيسى عليه السَّلام فلن تكون العصمة إلاَّ عند نزوله، وهو لم ينزل بعدُ، لا في دمشق كما تخبرنا النُّصوص، ولم يذهب للطور لأنَّه لم ينزل بعدُ، فحتما لم يمر بقريتك، فمن أين لكم العصمة ؟
قال: ((وهل ظاهر كلامه الاستهزاء بعيسى عليه الصلاة والسلام أو لا))
قلتُ: بل الظَّاهر المقارن للعموم أنِّي استهزأ بك، وبفهمك، ومنهجك، واضطررت إلى الافتراض والاستفهام الإنكاري لأظهر تعصبُّك على الشَّباب الذين وصفتهم بالجراثيم، وأنَّ السَّفه لازم من كلامك، فتكون بذلك متِّهما في دينك، لا يعتبر بقولك إلاَّ جاهل، نسأل الله أن يرحمه فيبعده عنك.
النَّصيحة لرسلان:
لا يدرك الحقَّ يا دكتور إلاَّ من طهَّر نفسه من مرض حبِّ الرِّئاسة، وصفَّى عقله من شواغل الأتباع ولم يموِّه في كلامه، ولم يسامح نفسه على المغالبة بالباطل، فهذا قد يقف على الحقائق، ويخلِّصه الله من ظُلمة الجهل.
فما يصنعه رسلان هو من جنس ما يصنعه المبتدعة عندما يقعون في مناظرة الرِّجال على وجوههم فيجعلون المقدِّمات المفروضة من باب الجدل قولاً للمناظر لهم، كمن زعم أنَّ من حرَّم شدَّ الرِّحال إلى قبر النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقد طعن فيه، وانتقص منه؟!
وهم يعرفون أحاديثه صلَّى الله عليه وسلَّم في النَّهي عن اتِّخاذ قبور الأنبياء عيدًا، فلزم وفقاً لمنطق استدلالهم أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان مجاهرا للأنبياء بالعداوة، مظهراً لهم الخصومة، مقلِّلا من شأنهم.
أنصحك يا جاهل، والجهل فيك قليل في مقابل السَّفه والكبر، أن تصوم عن الكلام فتكفي من يستمع إليك شرَّ لسانك، ولا تلهينا عن الرُّشد بالجواب عن غيِّك، فإن لم تتَّق الله ، ولم تستح فعلى الأقلِّ استر مرضك وجهلك، ومن أصيب بِقاذورة فليستتر، ولعمر الحقِّ قد كثرت قاذوراتك فاحبسها في بيتك، لعلَّ الله يتداركك برحمة منه، ونسأل الله تعالى أن يُسلِّم المسلمين من شرِّك، وأن يجعل لك من نفسك شغلاً بعمل صالح يشغلك عن أعراض المسلمين قبل أن يأتي: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}[عبس: 37]

أرزيو/ الجزائر، في 11/02/2014م

مختار الأخضر طيباوي



__________________
سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-12-2014, 05:17 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي

جزاك الله خيرا أبا هارون ونفع بك .
ألا فلينظر المنصفون الفرق بين العلم والجهل !
ألا فليتعلم الرسلان والجهلة المصفقون له من هذا الشيخ الجليل .
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 02-12-2014, 06:51 PM
عماد الشريف عماد الشريف غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
الدولة: الأردن
المشاركات: 873
افتراضي

ماشاء الله اللهم احفظ مشايخنا من كل سوء
__________________
اللهم رب جبرائيل ومكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ................
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 02-12-2014, 06:53 PM
لؤي عبد العزيز كرم الله لؤي عبد العزيز كرم الله غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
الدولة: السودان
المشاركات: 2,417
افتراضي

بوركت أيها الشيخ الفاضل ونفع الله بعلومكم فقد قطعتم لسان الجاهل العنيد ورددتم إليه حجاجه وعلي نفسها جنت براقش .
__________________
‏(إن الرد بمجرد الشتم والتهويل لا يعجز عنه أحد ، والإنسان لو أنه يناظر المشركين وأهل الكتاب : لكان عليه أن يذكر من الحجة ما يبين به الحق الذي معه والباطل الذي معهم ، فقد قال الله عز وجل لنبيه صلي الله عليه وسلم : (ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) وقال تعالي : (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)
الفتاوي ج4 ص (186-187)
بوساطة غلاف(التنبيهات..) لشيخنا الحلبي
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 02-12-2014, 07:47 PM
ابومحمد عبدالله ابومحمد عبدالله غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Nov 2012
الدولة: الجزائر
المشاركات: 4
افتراضي

بارك الله في الكاتب والناقل
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 02-12-2014, 08:20 PM
عمربن محمد بدير عمربن محمد بدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 12,046
افتراضي

هكذا العلم
فهل يثبت أمامه جهل التهويل ي التقويل و التنويم؟
__________________
قال ابن تيمية:"و أما قول القائل ؛إنه يجب على [العامة] تقليد فلان أو فلان'فهذا لا يقوله [مسلم]#الفتاوى22_/249
قال شيخ الإسلام في أمراض القلوب وشفاؤها (ص: 21) :
(وَالْمَقْصُود أَن الْحَسَد مرض من أمراض النَّفس وَهُوَ مرض غَالب فَلَا يخلص مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس وَلِهَذَا يُقَال مَا خلا جَسَد من حسد لَكِن اللَّئِيم يبديه والكريم يخفيه).
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 02-12-2014, 09:49 PM
ابو تميم ابو تميم غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
المشاركات: 43
افتراضي

ما شاء الله لا قوة الا بالله هذا هو الحق المبين
لقد كنت مخدوعا بالشيخ رسلان لكن وقد بان عوره فلا حول ولا قوة الا بالله
وجزاك الله شيخنا وابانا الوقور خير الجزاء واجزل العطاء
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 02-12-2014, 09:59 PM
محمد أرسلان العامري محمد أرسلان العامري غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2014
المشاركات: 39
افتراضي

بارك الله فيك
وهذه مشاركة أخرى في نفس الموضوع
ضمن الأجوبة الحِسان عن سؤالات رسلان..مسألة نزول عيسى عليه السلام
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 02-12-2014, 09:59 PM
أبو عبد الله عادل السلفي أبو عبد الله عادل السلفي غير متواجد حالياً
مشرف منبر المقالات المترجمة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الولايات المتحدة الأمريكية
المشاركات: 4,043
افتراضي

بارك الله فيك.
__________________
قال أيوب السختياني: إنك لا تُبْصِرُ خطأَ معلِّمِكَ حتى تجالسَ غيرَه، جالِسِ الناسَ. (الحلية 3/9).

قال أبو الحسن الأشعري في كتاب (( مقالات الإسلاميين)):
"ويرون [يعني أهل السنة و الجماعة ].مجانبة كل داع إلى بدعة، و التشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار، و النظر في الفقه مع التواضع و الإستكانة وحسن الخلق، وبذل المعروف، وكف الأذى، وترك الغيبة و النميمة والسعادة، وتفقد المآكل و المشارب."


عادل بن رحو بن علال القُطْبي المغربي
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 02-13-2014, 03:03 AM
رضوان بن غلاب أبوسارية رضوان بن غلاب أبوسارية غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر.العاصمة.الأبيار
المشاركات: 2,896
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله

جزى الله خيرا الشيخ الفاضل مختار طيباوي على مقاله الماتع ..
والحمد لله على نعمة الأنترنت التي أذهبت المشقة على العم رسلان كي يسافر و يثني عقله بدل ركبتيه عند الشيخ أبي هارون حفظه الله .

أخوكم أبوسارية
__________________
((وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ))
عن إبراهيم النخعي قوله هذه الأهواء المختلفة والتباغض فهو الإِغراء ..
قال قتادة إن القوم لما تركوا كتاب الله وعصوا رسله وضيّعوا فرائضه وعطّلوا حدوده ألقى بينهم العدواة والبغضاء إلى يوم القيامة بأعمالهم أعمال السوء ولو أخذ القوم كتاب الله وأمره ما افترقوا.
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مختار الطيباوي

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:19 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.