حوار هادئ مع محتفل بالمولد النبوي(1)

[المهندس الأثري]

حوار هادئ مع محتفل بالمولد النبوي(1)!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين وعلى كل من استن بسنته واهتدى بهديه واقتفى أثره إلى يوم الدين
أما بعد,,
فهذه سلسة حوارات هادئة مبسطة وميسرة ومختصرة منهجية تبين منهج أهل السنة والجماعة المتبعين للكتاب والسنة على فهم سلف الأمة دون إفراط أو تفريط ودون غلو أو انحراف عن وسطية أهل الأثر والطريقة السلفية النقية البعيدة عن البدع والضلالات.
وهذه النقاشات هي على شكل حوار بين أثري متبع للكتاب والسنة ومحتفل بالمولد يتبادل كل منهما الرأي والنقاش لإظهار الحق وإزالة الشبه والالتباس ونشر العلم الشرعي الموافق لهدي النبي عليه الصلاة والسلام وفهم السلف الصالح.
وهذه الحوارات في هذه الأيام نظراً لاقتراب موعد عيد المولد النبوي الشريف الذي يكثر فيه الكلام والأخذ والرد والقيل والقال وتبادل الأدلة.
فأبدأ مستعيناً بالله متوكلاً عليه مصلياً على نبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم...
قال المحتفل: أقدم لك التهاني والتبريكات بمناسبة حلول عيد المولد النبوي جعله الله يوم ميلاد خير وبركة وكل عام وأنت بخير!
قال الأثري: أنا أتبع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة عقيدة ومنهجاً كما فهمه السلف الصالح أصحاب القرون الثلاثة الأولى وأسير على عقيدة أهل السنة والجماعة ولا أحتفل بالمولد النبوي حيث لم يحتفل به النبي عليه الصلاة والسلام ولا الصحابة ولا التابعون ولا من تبعهم وهم أصحاب القرون الثلاثة الأولى المشهود لهم بالخيرية.
قال المحتفل: وأنا أتبع الكتاب والسنة! وأحتفل بالمولد النبوي وأجعله عيداً! في 12/ربيع الأول من كل عام هجري حيث أجمع العلماء أن مولده في هذا التاريخ والإجماع حجة في الأصول وأنت تخالف الإجماع!
قال الأثري: إن الإجماع الذي ذكرته غير صحيح ومنخرم وليس قول العلماء في تحديد تأريخ ميلاده قول واحد بل فيه عدة أقوال ومما اجتمعوا عليه أن ولد في عام الفيل أي بعد حادثة الفيل! قال الإمام ابن كثير في البداية والنهاية((وُلِدَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ ...عَنْ أبي قتادة أن أعرابياً قال يارسول اللَّهِ، مَا تَقُولُ فِي صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَقَالَ: " ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فيه ".....وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ وُلِدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم يَوْمَ الِاثْنَيْنِ.
وَأَبْعَدَ بَلْ أَخْطَأَ مَنْ قَالَ وُلِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ نَقَلُهُ الْحَافِظُ ابْنُ دحية ..لبعض الشيعة..... ثُمَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَقِيلَ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْهُ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ ...
وَقِيلَ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْهُ حَكَاهُ الْحُمَيْدِيُّ عَنِ ابْنِ حَزْمٍ.
...ِ وقِيلَ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْهُ..
وَقِيلَ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ إِسْحَاقَ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَفَّانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَا عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالَا: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الفيل يوم الاثنين الثامن عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ...
وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقِيلَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْهُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ دِحْيَةَ عَنْ بَعْضِ الشِّيعَةِ.
وَقِيلَ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْهُ.... وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ وُلِدَ فِي رَمَضَانَ نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ..
.... قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ مَوْلِدُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَامَ الْفِيلِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْجُمْهُورِ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ: وَهُوَ الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وُلِدَ عَامَ الْفِيلِ وَبُعِثَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنَ الْفِيلِ.))اه
فدل على أنه لا إجماع في ذلك وهذا ما ذكره أصحاب السير كابن هشام وابن إسحاق وغيرهم وإن قلت أنه قول الجمهور يعني به الإجماع فغير صحيح ومخالف لما ذكره أهل العلم في أصول الفقه ولا يقال أن اختلاف الشخص والشخصين لا يؤثر في الإجماع على قول بعض الأصوليين فهنا الاختلاف على عدة أقوال في المسألة كما ترى ولا يوجد إجماع!
بل الذي كاد يكون إجماعا أن هذا التاريخ هو يوم وفاته كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي في فتح الباري شرح صحيح البخاري ((وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ بِلَا خِلَافٍ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَكَادَ يَكُونُ إِجْمَاعًا))اه
وليس الاحتفال بمولده بأولى من الحزن على وفاته!
قال المحتفل: أنا آخذ بقول الجمهور وأنه ولد في 12/ربيع الأول وعليه أثبت مشروعية العيد وأحتفل به!
قال الأثري: إن الشريعة الإسلامية جعلت لنا عيد الفطر وعيد الأضحى فقط وجعلت يوم الجمعة كل أسبوع يجتمع الناس به ولا يوجد دليل على جعل الحادثة الفلانية عيداً ولا يوجد نص شرعي في جعل المولد النبوي عيداً! وسمي العيد عيداً لاجتماع الناس به ولا يثبت العيد إلا بالنص والأدلة السمعية
والأعياد المكانية والزمانية المحدثة غير شرعية وهي محدثة وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ))
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم
((ومن المنكرات في هذا الباب: سائر الأعياد والمواسم المبتدعة، فإنها من المنكرات المكروهات سواء بلغت الكراهة التحريم أو لم تبلغه. وذلك أن أعياد أهل الكتاب والأعاجم نهي عنها لسببين:
أحدهما: أن فيها مشابهة الكفار. والثاني: أنها من البدع.
فما أحدث من المواسم والأعياد فهو منكر، وإن لم يكن فيه مشابهة لأهل الكتاب، لوجهين:
أحدهما: أن ذلك داخل في مسمى البدع المحدثات فيدخل فيما رواه مسلم في صحيحه عن جابر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم، ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرن بين أصبعين السبابة والوسطى، ويقول: أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة»......
وهذه المواسم المحدثة إنما نهى عنها لما حدث فيها من الدين الذي يتقرب به المتقربون كما سنذكره إن شاء الله.))اه
قال المحتفل: أنا مشغول بالمشاركة بتجهيزات عيد المولد وتعليق الزينة ونفخ البلالين! وصنع الحلويات والهريسة! وسأتكلم معك غداً بإذن الله
قال الأثري: سأرد عليك في المجلس القادم فعندي درس في شرح الشمائل المحمدية للترمذي حيث أبقى مع أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام ومع أنفاسه وسيرته
>>>> يتبع في الحلقة القادمة
✍️م.منتصر بيبرس
عمان - الأردن