أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
54632 92655

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منبر الموسوعات العلمية > قسم الأشرطة المفرغة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 07-21-2010, 11:40 PM
محمد نوفل محمد نوفل غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 324
افتراضي

وهاكم تفريغَ الشريط الثالث -بحمد الله- في المشاركة التالية، وعذرًا على التأخُّر...

بقي شريطان وينتهي الشرح، وبِوُدِّي -والله- لو أفرّغ أحدهما وأترك الآخر لأم زيد -وفقها الله-؛ عسى أن نكون عادلين (بعض الشيء) في قسمتنا... لكنّي مضطر -لانشغالي- لأن أترك الشريطين المتبقيين لأم زيد.. ولهذا؛ فليتحملني الأخ عمار وليصبر عليّ؛ فلعلي لا أوافيه بالتنسيق إلا بعد أسبوعين أو ثلاثة، لكنّ الثمرة ستكون -بإذن الله- حلوة!

والله يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 07-22-2010, 12:22 AM
محمد نوفل محمد نوفل غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 324
Post تفريغ الشريط الثالث


تَفْرِيغُ الشَّرِيطِ الثَّالِثِ
وفيه: شرحُ نواقِضِ الإسلامِ

[الْمَتن]
اعْلَمْ أَنَّ نَوَاقِضَ الْإِسْلَامِ عَشَرَةٌ:
الْأَوَّلُ: الشِّرْكُ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-؛ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النِّسَاء: 48، 116]، وَقَالَ: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}[الْمَائِدَة: 72]. وَمِنْهُ: الذَّبْحُ لِغَيْرِ اللَّهِ، كَمَنْ يَذْبَحُ لِلْجِنِّ أَوِ لِلْقَبْرِ.

[الشّرْح]
الحمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والْمُرسَلِينَ: نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ أجْمَعِينَ.
أمَّا بعد:
هذا الْمَوْطِنُ مِن كلامِ الإمامِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في نواقِضِ الإسلامِ، وهذه -أيضًا- المسألةُ مِنَ المسائلِ المهمّةِ التي نَبَّهَ عليها الشيخُ وبَيَّنَها في الرَّدِّ -أيضًا- على مَنْ يَدَّعِي أنّ مَنْ قالَ: ((لا إله إلّا اللهُ)) وكانَ على الإسلامِ -أنّهُ- لا يجوزُ أنْ يُكَفَّرَ، وأنّ الحُكْمَ بِكُفْرِ المسلمينَ مخالِفٌ للأدِلّةِ، ومخالِفٌ لِما عليه العُلَماءُ.
والمسلمُ لا يجوزُ أنْ يُكَفَّرَ، لكنَّ المسلمَ قد يَكْفُرُ بعد إسلامِهِ، أمّا المسلمُ الذي هو على الإسلامِ لا يجوزُ أنْ يُكَفَّرَ، لا يُكَفِّرُهُ أحَدٌ، ولو كَفَّرَهُ فإنَّ تَكْفِيرَهُ لَهُ إنما يَتَضَرَّرُ به مَنْ كَفَّرَ، فالمسلمُ لا يكْفُرُ بِمُجَرَّدِ إلقاءِ الكُفْرِ عليه، أو بالحُكْمِ عليه بِالْكُفْرِ، وإنّما هذا يكونُ الضَّرَرُ على مَنْ كَفَّرَهُ؛ كما قالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِه أَحَدُهُمَا))[مُتّفَقٌ عليهِ، وهو عند أحمدَ ومالكٍ، واللّفْظُ لِأحمدَ].
وهذه المسألةُ مسألةٌ عَظِيمةٌ اختلفَ النّاسُ فيها، وانقسمَ النّاسُ فيها إلى طوائِفَ: ما بينَ أُناسٍ غَلَوْا في التَّكْفِيرِ فَكَفَّرُوا المسلمينَ بِغَيْرِ دليلٍ، وما بينَ طائفةٍ أُخْرى لم يُكَفِّرُوا مَنْ كَفَرَ بعدَ إسلامِهِ بِوُقُوعِهِ في الشِّرْكِ الأكْبَرِ والكُفْرِ بعدَ قِيامِ الحُجّةِ عليه. والحَقُّ هو التوَسُّطُ بينَ هؤلاءِ وهؤلاءِ؛ وهو أنّ المسلمَ قد يَكْفُرُ بعدَ إسلامِهِ وبعدَ إيمانِهِ، ولكنْ لا بُدَّ مِنَ التَّثَبُّتِ، ولا بُدَّ مِن قِيامِ الدّليلِ الدّالِّ على كُفْرِهِ، فإذا دَلَّ الدّليلُ على كُفْرِهِ فَمَنْ كَفَّرَهُ إنما يعملُ بالدّليلِ.
ولهذا؛ هذه المسألةُ كانت -حقيقةً- مَحَلَّ خِلافٍ ونِزاعٍ مِنَ القديمِ؛ لِعَدَمِ فَهْمِ النّاسِ لِحَقيقةِ هذه المسألةِ..
فَمِنْهُمْ مَنْ ظَنَّ أنَّ مَنْ قالَ: ((لا إله إلّا اللهُ)) وصَلَّى وصامَ -أنّهُ- لا يَكْفُرُ لو فَعَلَ ما فَعَلَ، وَلَرُبَّما وَقَعَ بعضُهم في الشّركِ الأكْبَرِ والكُفْرِ والاسْتِهْزاءِ بالدّينِ، ومَعَ هذا يَقُولونَ: هؤلاءِ مُسْلِمونَ لا يَجُوزُ أنْ نُكَفِّرَهُم. وهذا خَطَأٌ؛ فإنَّ مَنْ وَقَعَ في الكُفْرِ أو قامَ بِهِ الكُفُرُ -فَإِنَّهُ- يُنْظَرُ في حالِهِ؛ فإنْ قامَتْ عليه الحُجّةُ فإنّهُ يُكَفَّرُ، وإنْ لم تَقُمْ عليه الحُجّةُ فإنّهُ يُبَيَّنُ لَهُ.
والطّائِفةُ الأُخْرَى ظَنُّوا أنّهُ مَتَى ما قامَ الكُفْرُ الْمُطْلَقُ بالشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ فَإِنّهُ يَكْفُرُ بِمُجَرَّدِ وُقُوعِهِ في شَيْءٍ مِن صُوَرِ الشِّرْكِ أوِ الكُفْرِ، ولو كانَ جاهِلًا، ولو كان ناسِيًا. وهذا تَشْدِيدٌ في الْمَسْأَلةِ.
وقد بَيَّنَ شيخُ الإسْلامِ هذه الْمَسْأَلةَ بَيانًا شافِيًا كافِيًا لِمَنْ هَداهُ اللَّهُ؛ فَذَكَرَ أنَّ مَسْأَلةَ التَّكْفِيرِ والتَّفْسِيقِ والْوَعِيدِ واللَّعْنِ -يَعْنِي: لَعْنَ الْمُعَيَّنِ- قالَ: هذه- مِنْ بابٍ واحِدٍ، وأنّهُ لا يَجُوزُ أنْ يُكَفَّرَ الْمُسْلِمُ، ولا أنْ يُحْكَمَ عليه بِالْفِسْقِ، ولا بِمُقْتَضَى الْوَعِيدِ، ولا بِاللَّعْنِ، إلَّا بعدَ قِيامِ مُوجِبِ هذا الحُكْمِ فيهِ -وهو: الكُفْرُ، والفِسْقُ، والوَعِيدُ، ومُوجِبُ اللَّعْنِ-. ثم بَيَّنَ أنّهُ إذا قامَ مُوجِبُ الكُفْرِ وما بَعْدَهُ فيهِ فإنّهُ لا بُدَّ مِن النَّظَرِ في حالِهِ، وقَرَّرَ كثيرًا أنّ التَّكْفِيرَ -وكذلك الوَعِيدَ- أنَّها- لا تُنَزَّلُ على الْمُعَيَّنِينَ إلّا بِشُرُوطٍ، فلا بُدَّ مِن تَحَقُّقِ الشُّرُوطِ وانْتِفاءِ الْمَوانِعِ.
وقد نَبَّهَ شيخُ الإسلامِ محمّدُ بنُ عبدِ الوهّابِ -أيْضًا- على هذه الْمَسْأَلةِ وقَرَّرَها كثيرًا، وكم تَوَهَّمَ النّاسُ مِن كلامِهِ ما تَوَهَّمُوا مِنْ كَلامِ الْمُتَقَدِّمِينَ؛ كما ذَكَرَ شيخُ الإسلامِ أنّهُ ما مِنْ إمامٍ مِن أئِمّةِ الْمُسْلِمِينَ إلّا وَحُكِيَ عنه في هذه الْمَسْأَلةِ قَوْلانِ: بِالتَّكْفِيرِ، وَبِعَدَمِهِ.
وهذا دَلِيلٌ على أنّ النّاسَ إذا رَأَوْا بعضَ العُلَماءِ يُطْلِقُ الحُكْمَ الْمُطْلَقَ ظَنُّوا أنّهُ يَسْتَلْزِمُ تَكْفِيرَ الْمُعَيَّنِ، فإذا وَجَدُوهُ لا يُكَفِّرُ الْمُعَيَّنَ الذي قامَ بِهِ هذا الفِعْلُ ظَنُّوا أنّ لَهُ أكْثَرَ مِنْ قَوْلٍ.
ثم إنّي تَتَبَّعْتُ كلامَ شيخِ الإسلامِ هذا -عندما قالَ: إنّهُ ما مِنْ إمامٍ إلّا وَحُكِيَ عنه أكثرُ مِنْ قَوْلٍ-، فَوَجَدْتُ أئِمّةً كِبارًا -كَالْبَغَوِيِّ والْبَيْهَقِيِّ- يَنْقُلُونَ عَنِ الشّافِعِيِّ أنّ لَهُ في الْمَسْأَلةِ أكثرَ مِنْ قَوْلٍ -وهذه مَوْجُودةٌ في ((مَوْقِفِ أهْلِ السُّنَّةِ...))، ارْجِعُوا لها، في بداية مَبْحَثِ التّكْفِيرِ-، يَنْقُلُونَ عَنِ الأئِمّةِ أكثرَ مِنْ قَوْلٍ لَمَّا رَأَوْهُم يُطْلِقُونَ الحُكْمَ ثُمَّ أحْيانًا لا يَحْكُمُونَ على الْمُعَيَّنِ.
ولهذا؛ كان شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيّةَ مِنَ العُلَماءِ الذين حَرَّرُوا هذه المسألةَ كثيرًا، واشْتُهِرَ كلامُهُ فيها، حتّى إنّهُ كانَ يقولُ لِلْجَهْمِيّةِ -يُناظِرُهُم ويَقُولُ-: لو قُلْتُ بِقَوْلِكُمْ لَكَفَرْتُ، وأنتم لا تَكْفُرُونَ عِنْدِي. ثم يقولُ: وهذا خِطابٌ لِعُلَمائِهِمْ وقُضاتِهِمْ وكُبَرائِهِمْ -يُبَيِّنُ هذه الْمَسْأَلةَ-.
وكذلك الإمامُ أحمدُ في مَوْقِفِهِ مِنَ الْمَأمُونِ، وكذلك الْمُعْتَصِمِ، وهُما اللذانِ يَقُولانِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وهذا بإجماعِ أهلِ السُّنَّةِ أنّهُ كُفْرٌ، ومَعَ هذا لم يُكَفِّرُوا هؤلاءِ؛ لأنّهُ لُبِّسَ عليهم. ولهذا؛ يَذْكُرُ العُلَماءُ الْمَأْمُونَ ويَقُولُونَ: وقد لَبَّسَ عليه الجَهْمِيَّةُ بِمَقالَتِهم. ما قَالُوا بأنّهُ مُتَعَمِّدٌ الْكُفْرَ؛ لَبَّسَ عليه الجَهْمِيّةُ.
فهذا جانِبٌ -حقيقةً- مِنْ جانِبِ الخطأِ.
كما أنَّ الذي يقولُ أنّهُ لا يَكْفُرُ الْمُعَيَّنُ، هذا خَطَأٌ؛ لو قُلْنا أنّ الْمُعَيَّنَ لا يَكْفُرُ فيعني هذا أنّ كُلَّ مسلمٍ لا يُمْكِنُ أنْ يَرْتَدَّ ولا يَكْفُرَ.. وهذا خَطَأٌ. ولهذا؛ مَنْ يَتَوَهَّمُ مِنْ كلامِ مَنْ يُقَرِّرُ الشُّرُوطَ والْمَوانِعَ لِلتّكْفِيرِ يقولونَ: هذا لا يُكَفِّرُ الْمُعَيَّنَ.. حتّى زَعَمُوا أقْوالًا باطِلةً ونَسَبُوا لي في نَفْسِي أنّا لا نُكَفِّرُ اليهودَ والنّصارى! وأنّا لا نُكَفِّرُ الْمُعَيَّنَ!!
وهذا مِنَ الافْتِراءِ والظُّلْمِ؛ فإنّ الْمُعَيَّنَ يَكْفُرُ بِكَلِمَةٍ واحِدةٍ ويَخْرُجُ بها مِنَ الدِّينِ، ولكنْ ليس كُلُّ مَن قامَ بِهِ القولُ والفِعْلُ يُنَزَّلُ عليه الحُكْمُ إلّا بعدَ النَّظَرِ في الشُّرُوطِ والْمَوانِعِ. ولهذا؛ كثيرٌ مِنَ المسلمينَ -اليومَ- يَقَعُونَ في أخطاء لو عرفوا أنّها مِنَ الكُفْرِ لم يَقَعُوا فيها.
فالمقصودُ أنّ هذه المسألةَ مسألةٌ عظيمةٌ، كانَ بعضُ خُصُومِ الشيخِ يقولونَ: يُكَفِّرُ المسلمينَ، مَعَ أنّهُمْ يُصَلُّونَ ويَصُومُونَ ويَحْكُمُ عليهم بالكُفْرِ! فَبَيَّنَ الشيخُ -رَحِمَهُ اللَّهُ- أنّ الإسلامَ لَهُ نواقِضُ -وأنّ هذا الدينَ كما أنّهُ يَثْبُتُ بِالنُّطْقِ بالشّهادَتَيْنِ والتَّوْحِيدِ- قد يَخْرُجُ بها الرَّجُلُ لِمُجَرَّدِ الكُفْرِ؛ لأنّ الكُفْرَ إذا جاءَ بعدَ التوحيدِ يَرْفَعُ التوحيدَ والإيمانَ، والإيمانَ إذا جاءَ بعدَ الشِّرْكِ فإنّهُ يَرْفَعُ الشِّرْكَ. أصلانِ لا يَجْتَمِعانِ: أصْلُ الشِّرْكِ والكُفْرِ، وأصْلُ الإيمانِ.
وأمّا الشُّعَبُ -شُعَبُ الإيمانِ، وشُعَبُ الكُفْرِ- فقد تَجْتَمِعُ بعضُ شُعَبِ الإيمانِ وبعضُ شُعَبِ الكُفْرِ في الرَّجُلِ. ينبغي أنْ تُفْهَمَ هذه المسألةُ: فَرْقٌ بينَ الأصْلِ والشُّعْبةِ: كُلُّ الطّاعاتِ مِنْ شُعَبِ الإيمانِ، والإيمانُ لَهُ أصْلٌ، فأصْلُ الإيماِن لا يَرْتَفِعُ إلّا بأصْلِ الكُفْرِ، وأصْلُ الكُفْرِ لا يَرْتَفِعُ إلّا بأصْلِ الإيمانِ. وأمّا أنْ يُوجَدَ الأصْلُ مَعَ بعضِ الشُّعَبِ التي هي ليست منه -مثل أنْ يُوجَدَ الْمُؤْمِنُ الذي حَقَّقَ أصْلَ الإيمانِ ووَقَعَ في بعضِ شُعَبِ الكُفْرِ- فهذا مَوْجُودٌ؛ الْمَعاصِي كُلُّها مِنْ شُعَبِ الكُفْرِ. وكذلك قد يُوجَدُ الكافِرُ الأصْلِيُّ الذي تَقُومُ بِهِ بعضُ الطّاعاتِ، وهذه لا تَقْوى على رَفْعِ الأصْلِ.
لا بُدَّ مِنْ ضَبْطِ هذه المسألةِ.
ذَكَرَ الشيخُ -رَحِمَهُ اللَّهُ- أنّ نواقِضَ الإسلامِ عَشَرَةٌ، وهذا العددُ الذي ذَكَرَهُ إنّما هو لِبَعْضِ الأُمُورِ العامّةِ العظيمةِ، وإلّا نواقِضُ الإسلامِ لا يُمْكِنُ أنْ تَنْتَهِيَ عندَ حَدٍّ.
أمّا مِن جِهَةِ تَرْكِ الْمَشْرُوعِ فَنَعَمْ؛ لأنّ الْمَشْرُوعَ مَعْدُودٌ: مَنْ تَرَكَ النُّطْقَ بالشّهادَتَيْنِ، مَنْ تَرَكَ الاعْتِقادَ، مَنْ تَرَكَ اعْتِقادَ الْقَلْبِ في وُجُوبِ الواجِباتِ وتَحْرِيمِ الْمُحَرَّماتِ... فهذا كُفْرٌ. وهناك نِزاعٌ في تَرْكِ الْمَباني الأرْبَعةِ بعدَ اعْتِقادِ وُجوبِها: هل يَكْفُرُ أو لا. فإذن؛ التّكفيرُ بِتَرْكِ الْمَشْرُوعِ مُنْحَصِرٌ؛ لأنّ الْمَشْرُوعَ مُنْحَصِرٌ.
وأمّا الْمَقالاتُ الباطِلةُ والأقْوالُ الْمُكَفِّرةُ التي هي مِن جِنْسِ فِعْلِ الْمَحْظُورِ، فهذه لا تَنْتَهِي لِحَدٍّ، وما زالَ النّاسُ يُحْدِثُونَ مِنَ الصُّوَرِ والأقْوالِ والأفْعالِ الشَّيْءَ الكَثِيرَ، وقد صُنِّفَتْ في هذا مُصَنَّفاتٌ، يَعُدُّونَ الألْفاظَ التي يَكْفُرُ بها الرَّجُلُ.
حتى عَدُّوا مِنَ الألْفاظِ أنَّ مَنْ طَعَنَ في النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ قالَ: جُبّةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسِخَةٌ.. يَكْفُرُ، مَنْ عَرَّضَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ عَرَّضَ بِهِ- بِبَعْضِ ما يَطْرَأُ على الْبَشَرِ (على سَبِيلِ التَّنَقُّصِ لَهُ) فَإنّهُ يَكْفُرُ، يعني إذا كانَ يُرِيدُ تَنَقُّصَهُ؛ لأنّ الْبَشَرَ لَهُ عَوارِضُ، الْبَشَرُ لَهُمْ صِفاتٌ خَلَقَهُمُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عليها، فلو قُلْتَ -مَثَلًا- في إنْسانٍ مِنَ النّاسِ أنّهُ يَفْعَلُ كذا وكذا -وَهُوَ مِنْ حُكْمِ طَبِيعةِ الْبَشَرِ- فهذا الأمْرُ هَيِّنٌ، لكنْ إذا قيلَ في النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على سَبِيلِ تَنَقُّصِهِ والإزْراءِ عليه فإنَّ هذا كُفْرٌ.
فالصُّوَرُ كثيرةٌ لا تَنْتَهِي بِحَدٍّ، وإنّما ذَكَرَ الأُصُولَ العامّةَ، وذَكَرَ بعضَ الْمَسائلِ التي تَنْدَرِجُ تَحْتَها صُوَرٌ كثيرةٌ.
فذَكَرَ الأمْرَ الأوّلَ وهُوَ: ((الشِّرْكُ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ)). الشِّرْكُ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ هذا أعْظَمُ ناقِضٍ مِنَ النّواقِضِ، ولهذا؛ هذا هو حَقِيقةُ الْكُفْرِ والشِّرْكِ؛ وهي: عِبادةُ غَيْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، حَقِيقةُ الشِّرْكِ والكُفْرِ عِبادةُ غَيْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.
ولهذا؛ قالَ الشيخُ هُنا: ((الشِّرْكُ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ)). وما قالَ: عبادةُ غيرِ اللهِ؛ مُبَيِّنًا على أدْنَى ما يَحْصُلُ بِهِ الشِّرْكُ. ((الشِّرْكُ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ))، وهُنا عِبارةُ الشّيخِ دَقِيقةٌ؛ مُبَيِّنًا أنّ الأصْلَ أنّ هذا يَعْبُدُ اللَّهَ ولَكِنَّهُ يُشْرِكُ في عِبادَتِهِ، وما قالَ: مِنْ نواقِضِ الإسلامِ عبادةُ غيرِ اللهِ؛ لأنَّهُ هُنا يَرُدُّ على بَعْضِ مَنْ يَنْتَسِبُ إلى الإسلامِ ويَقَعُ في الشِّرْكِ يقولونَ: لا يُمْكِنُ أنْ نَحْكُمَ عليه.. فَبَيَّنَ أنّ مِنْ نواقِضِ الإسلامِ الشِّرْكَ في عِبادةِ اللَّهِ. ولأنّ الأصْلَ فيه الإسلامُ: أنّهُ يَعْبُدُ اللهَ، فإذا طَرَأَ الشِّرْكُ في عِبادَتِهِ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بأنْ أشْرَكَ مَعَ اللهِ غَيْرَهُ في العِبادةِ، فإنَّ هذا ناقِضٌ مِنْ نواقِضِ الإسلامِ؛ كما قالَ -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
هذه الآيةُ أصْلٌ في هذا البابِ: في أنّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لا يَغْفِرُ الشِّرْكَ، {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}: لِمَنْ لَقِيَ اللهَ بِشَيْءٍ مِنَ الذُّنُوبِ دُونَ الشِّرْكَ؛ فهذه الآيةُ قالَ العُلَماءُ: هي في حُكْمِ الذُّنُوبِ مِنْ غَيْرِ تَوْبةٍ. مَنْ لَقِيَ اللهَ بِشَيْءٍ مِنَ الشِّرْكِ فإنَّ اللهَ لا يَغْفِرُهُ، ومَنْ لَقِيَهُ بما دُونَ الشِّرْكِ مِنَ الذُّنُوبِ فإنّهُ تحتَ الْمَشِيئَةِ، وأمّا مَعَ التّوْبةِ فإنّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا؛ كما قالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}[الزُّمَر:53]، قالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[الأَنْفال:38]؛ فإذا انْتَهى الكافِرُ عَنْ كُفْرِهِ والْمُشْرِكُ عَنْ شِرْكِهِ وتابَ إلى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فإنّ اللهَ يَغْفِرُ لَهُ. لكنْ هذه الآيةُ في حَقِّ مَنْ ماتَ وهو على الشّركِ.
وهذه مسألةٌ نَبَّهَ عليها الإمامُ أحْمَدُ في ((أُصُولِ السُّنَّةِ)) في أرْبَعِ صُوَرٍ: مَنْ ماتَ على الشِّرْكِ فإنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ لَهُ، ومَنْ ماتَ على مَعْصِيَةٍ أُقِيمَ عليه الْحَدُّ بها..، أو أنّهُ تابَ مِنْها... فَبَيَّنَ أرْبَعَ صُوَرٍ سَبَقَ أنْ نَبَّهْنا عليها في كتابِ ((أُصُولِ السُّنَّةِ)).
[قالَ الإمامُ أحْمَدُ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في ((أُصُولِ السُّنّةِ)) (ص74-75، ط2، مَكْتَبة الصّحابة، الإمارات-الشّارِقة]: ((ومَن لَقِيَ الله بذنبٍ يجبُ له [بِهِ] النَّار -تائبًا غيرَ مُصِرٍّ عليهِ- فإنَّ اللهَ يتوبُ عليهِ، ويقبلُ التوبةَ عن عبادِهِ ويعفو عن السيئاتِ.
ومَن لَقِيَهُ وقدْ أُقِيمَ عليه حَدُّ ذلكَ الذنبِ في الدنيا فهو كَفَّارَتُهُ، كما جاءَ في الخبرِ عنْ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ومن لَقِيَه مُصِرًّا غيرَ تائبٍ من الذنوب التي [قَدِ] اسْتَوْجَبَ بها العقوبةَ؛ فأَمْرُهُ إلى اللهِ إنْ شاءَ عذَّبَهُ وإنْ شاءَ غفرَ لَهُ.
ومن لَقِيَهُ -من كافرٍ- عذَّبَهُ ولمْ يغفرْ لَهُ))].

وأيْضًا قولُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}؛ فهذا دَلِيلٌ على أنّ صاحِبَ الشركِ -أنّهُ- خالِدٌ مُخَلَّدٌ في النّارِ، وأنّ اللهَ حَرَّمَ عليه الجَنَّةَ، بِخِلافِ مَنْ دَخَلَ النّارَ مِنْ أهْلِ التَّوْحِيدِ؛ فإنّ الجَنّةَ ليست مُحَرَّمةً عليه، بل يَخْرُجُونَ مِنَ النّارِ ويَدْخُلُونَ الجَنّةَ -كما أخْبَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنّهُ يَخْرُجُونَ مِنَ النّارِ ويَدْخُلُونَ الجَنّةَ-.
فهذا هو النّاقِضُ الأوَّلُ -وهُوَ الشّركُ الأكْبَرُ-.
وأمّا الشِّرْكُ الأصْغَرُ فهو ليس بِناقِضٍ بِاتِّفاقِ أهْلِ السُّنَّةِ، لكنِ اخْتَلَفُوا: هل هو داخِلٌ في عُمُومِ الشِّرْكِ في قَوْلِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}، أم أنّهُ داخِلٌ في عُمُومِ: {مَا دُونَ ذَلِكَ} فهو تَحْتَ الْمَشِيئَةِ.. يعني: هل الشِّرْكُ الأصْغَرُ -هو- داخِلٌ في حُكْمِ الشِّرْكِ الذي لا يَغْفِرُهُ اللهُ، أم أنّهُ داخِلٌ في عُمُومِ: {مَا دُونَ ذَلِكَ}؛ لِأَنَّ الشِّرْكَ الأصْغَرَ دُونَ الشِّرْكِ الأكْبَرِ.. اخْتَلَفَ العُلَماءُ.
فمَنْ قالَ: إنّ الشِّرْكَ جِنْسٌ واحِدٌ؛ فَهُوَ إعْطَاءُ غيرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- حَقَّ اللهِ؛ قالَ: هذا هُوَ الشِّرْكُ، وهذا لا يَغْفِرُهُ اللهُ.. ثم قالَ في حُكْمِهِ: مِنْهُ ما هو أكْبَرُ مُخْرِجٌ مِنَ الْمِلّةِ، ومِنْهُ ما هو أصْغَرُ غَيْرُ مُخْرِجٍ مِنَ الْمِلّةِ. فقالَ هؤلاءِ العُلَماءُ: إنّ اللهَ لا يَغْفِرُ الشِّرْكَ الأصْغَرَ لِمَنْ لَقِي اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهِ.
لكنْ، ما معنى هذا؟
فَهِمَ بعضُ النّاسِ أنّهُم يَقُولُونَ أنّهُ لا بُدَّ أنْ يُعَذَّبَ عليه، يعني لا بُدَّ أنْ يَدْخُلَ النّارَ على الشِّرْكِ الأصْغَرِ. وهذا غيرُ صَحِيحٍ، فَيَنْبَغِي أنْ يُفْهَمَ -الآنَ- اللّفْظُ ومَدْلُولُهُ. فالذي يُقالُ: إنّ اللهَ لا يَغْفِرُهُ، والشِّرْكُ الأصْغَرُ إذا أدْخَلْناهُ في هذا العُمُومِ إنّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لا يَغْفِرُهُ، لا يَلْزَمُ في كُلِّ ذَنْبٍ يُقالُ: إنّ اللهَ لا يَغْفِرُهُ. أنْ يُعَذِّبَ عليه؛ لأنّهُ قد يكونُ مِنَ الذُّنوبِ التي لا يَغْفِرُها، وتُجْعَلُ في كِفّةِ السَّيِّئاتِ، وفي مُقابِلِ هذه الكِفَّةِ الحَسَناتُ، فهذه الذُّنوب التي دَخَلَتْ في كِفّةِ السَّيِّئاتِ لم يَغْفِرْها اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، ومِن هُنا جاءت الْمُقاصّةُ منها.
فإذن؛ الذُّنُوبُ التي لا تُغْفَرُ: منها ما لا تَقْوى الحَسَناتُ على رَفْعِها، فهذه الذُّنُوبُ التي لا بُدَّ أنْ يُعَذَّبَ عليها إنْ لم يَعْفُ اللهُ. وأمّا إذا دَخَلَتْ في كِفّةِ السَّيِّئاتِ، وقامَتِ الْمُقاصّةُ، ورَجَحَتِ الحَسَناتُ على السَّيِّئاتِ، فهؤلاءِ لهم ذُنُوبٌ ولم يَغْفِرْها اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، لكنَّ حسناتِهم تَرَجَّحَتْ على هذه السَّيِّئاتِ، فَدَخَلُوا الجَنّةَ بما مَعَهُمْ مِنَ الحَسَناتِ.
فَيَنْبَغِي أنْ نَتَنَبَّهَ لِمَدْلُولِ الألْفاظِ؛ فَفَرْقٌ بينَ أنْ يُقالَ: إنّ اللهَ يُعَذِّبُ على الشِّرْكِ، فَيُقالُ: هُوَ بِقِسْمَيْهِ يُعَذِّبُ عليه.. وبينَ قولِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}.
لكنِ الشِّرْكُ الأكْبَرُ قُلْنَا: إنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لا بُدَّ أنْ يُعَذِّبَ عليه؛ لأنّهُ ليس مَعَهُ حَسَنةٌ، ولا يَدْخُلُ في الْمُقاصّةِ، ولا يَقْبَلُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- معه حَسَنةً، ولهذا؛ فإنّ صاحِبَهُ مُعَذَّبٌ، ودَلَّتِ النُّصُوصُ على عَذابِهِ، وعلى عَدَمِ الْمَغْفِرَةِ لَهُ؛ كما قالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ}، وهذا -قَطْعًا- ما قالَ أحَدٌ مِنَ العُلَماءِ أنّ الشِّرْكَ هُنَا يَدْخُلُ فيه الشّركُ الأصْغَرُ.
لاحِظُوا الآيةَ الأُخْرى: ما قال أحَدٌ مِنَ العُلَماءِ إنّ الشِّرْكَ الأصْغَرَ يَدْخُلُ في عُمُومِ الشِّرْكِ في قَوْلِهِ: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ}؛ بل مُجْمِعُونَ على أنّ الشِّرْكَ الأصْغَرَ أنّ صاحِبَهُ لا تَحْرُم عليه الجَنَّةُ. فإذن؛ لاحِظُوا الْفَرْقَ.
الالْتِباسُ يَحْصُلُ -مثل ما ذَكَرْتُ وَنَبَّهْتُ- على أنّهُ يلتَبِسُ اللَّفْظُ مَعَ لَفْظٍ آخَرَ؛ فَيَنْبَغِي أنْ يُفَرَّقَ بينَ الذي يُقالُ: إنَّ اللهَ يُعَذِّبُ عليه، وبين ما يُقالُ: إنّ اللهَ لا يَغْفِرُهُ.
ثُم أيْضًا مَسْألةٌ: الذُّنُوبُ التي يُقالُ: إنَّ اللهَ يُعَذِّبُ عليها، أو يُقالُ: إنّ صاحِبَها في النّارِ..
ذَكَرَ شيخُ الإسلامِ أنّ هذا مِنَ الوَعِيدِ -أيْضًا-، والوَعِيدُ له شُرُوطٌ، فَمِنْ شَرْطِ الوَعِيدِ: أنْ لا تَكُونَ له حَسَنةٌ مُكَفِّرةٌ، وأنْ لا يَغْفِرَ اللهُ -وأنْ لا يَعْفُوَ اللهُ-، وأنْ لا يُشَفِّعَ فيه أحدًا مِنَ الشُّفَعاءِ؛ فَعِنْدَ ذلك يكونُ هذا الذي اسْتَوْجَبَ أنْ يُعَذَّبَ. أمّا إذا جاءَ في مقابِلِ هذا بعضُ الأُمُورِ التي يَرْتَفِعُ بها الحُكْمُ، فإنّهُ لا يُحْكَمُ على كل مَنْ وَرَدَ عليه الوَعِيدُ.
ولهذا؛ نَجِدُ -الآنَ- في المسلمينَ مَنْ يَبْنِي مَسْجِدًا؛ فهو مَوْعُودٌ بأنْ يَبْنِيَ اللهُ لَهُ بَيْتًا في الجَنّةِ، ويَأْكُلُ الرِّبا، وهو مَوْعُودٌ بِدُخُول النّارِ.. فماذا نَقُولُ في هؤلاءِ؟
نَقُولُ: إنّ الوَعْدَ مُقابَلٌ بِالْوَعِيدِ، والْوَعْدُ لَهُ شُرُوطٌ والْوَعِيدُ لَهُ شُرُوطٌ؛ فليس كُلُّ مَن بَنَى مَسْجِدًا مَقْطُوعًا بِدُخُولِهِ الجَنَّةَ إلّا بِشُرُوطٍ، وليس كُلُّ مَنْ تُوُعِّدَ مَقْطُوعًا بِدُخُولِهِ النّارَ إلّا بِشُرُوطٍ.
وهذه المسألةُ -أيْضًا- أشْكَلَتْ على بعضِ النّاسِ، حتى إنّ الخَطَأَ بَلَغَ إلى أنّ بعضَ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أهْلِ السُّنَّةِ قالوا: إنّ اللهَ يُخْلِفُ وَعِيدَهُ!
قالَ شيخُ الإسلامِ: وهذا غيرُ صَحِيحٍ؛ فإنّ الوعيدَ بِشُرُوطٍ، واللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لا يُخْلِفُ الوَعِيدَ؛ وإنّما ليس كُلُّ مَنْ تَوَعَّدَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يُعَذِّبُهُ؛ فالوَعِيدُ لَهُ شُرُوطٌ، والْوَعْدُ لَهُ شُرُوطٌ.
ولهذا؛ ما يُمْدَحُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بأنّهُ يُخْلِفُ الوَعِيدَ؛ وإنّما يُمْدَحُ بِالْعَفْوِ، وليسَ مِنْ أسْماءِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أنّهُ يُخْلِفُ أوِ الْمُخْلِفُ، وإنّما مِنْ أسْمائهِ: الْعَفُوُّ، الْغَفُورُ، الرَّحِيمُ.. ولهذا؛ قالَ بعضُ العُلَماءِ: النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا مَدَحَهُ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ قالَ: ((وَالْعَفْوُ عندَ رسولِ اللَّهِ مَأْمُولُ))، ما قالَ: وَالْخُلْفُ عندَ رسولِ اللهِ مَأْمُولُ؛ فمَن عَفَى عَمَّنْ تَوَعَّدَهُ فهذا عَفْوٌ، ولا يُقالُ: خُلْفٌ لِلْوَعِيدِ. ولهذا؛ هذه المسألة يبنغي أن يتنبه لها.
فالشِّرْكُ الأصْغَرُ إنْ قُلْنا: إنّ اللهَ لا يَغْفِرُهُ. لا يَلْزَمُ أنْ يُعَذِّبَ عليه؛ لَكِنَّهُ يَلْزَمُ أنّهُ لا يَغْفِرُهُ كما يَغْفِرُ غيرَهُ مِنَ الذُّنُوبِ التي نَقُولُ: هي تحتَ الْمَشِيئَةِ؛ لَكِنَّهُ قد يَدْخُلُ فِي كِفَّةِ السَّيِّئاتِ وتَجْرِي عليه الْمُقَاصّةُ.
ذكَرَ بعضَ الصُّورِ هُنا، مِنْها: ((الذَّبْحُ لِغَيْرِ اللَّهِ))، الذَّبْحُ لِغَيْرِ اللهِ -هذا- مِنَ الشِّرْكِ الأكْبَرِ؛ لأنّ الذَّبْحَ عِبادةٌ؛ فَصَرْفُها لِغَيْرِ اللهِ شِرْكٌ.
((كمَنْ يَذْبَحُ لِلْجِنِّ أو لِلْقَبْرِ)). الْمَقْصُودُ هو التَّمْثِيلُ، كُلُّ نَوْعٍ مِنْ أنْواعِ العِبادةِ إذا صُرِفَتْ لِأيِّ مَخْلُوقٍ فهي شِرْكٌ، كُلُّ عِبادةٍ قُلْ فيها ما قِيلَ في الذَّبْحِ، وما قِيلَ في الجِنِّ والقَبْرِ يُقالُ في كُلِّ مَخْلُوقٍ، حَتَّى لو لِنَبِيٍّ مِنَ الأنْبِياءِ، حَتَّى لو لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لو ذَبَحَ لَهُ على وَجْهِ التَّعْظِيمِ والعِبادةِ فإنَّ هذا شِرْكٌ أكْبَرُ مُخْرِجٌ مِنَ الْمِلَّةِ.
[الْمَتن]
الثَّانِي: مَنْ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَسَائِطَ؛ يَدْعُوهُمْ، وَيَسْأَلُهُمُ الشَّفَاعَةَ، وَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِمْ - كَفَرَ إِجْمَاعًا.
[الشّرْح]
((الثَّانِي: مَنْ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَسَائِطَ؛ يَدْعُوهُمْ، وَيَسْأَلُهُمُ الشَّفَاعَةَ، وَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِمْ - كَفَرَ إِجْمَاعًا)). وهذا يَدْخُلُ في صُوَرِ الشِّرْكِ، لكنَّ الْمُصَنِّفَ هُنا يُنَبِّهُ على بعضِ الصُّوَرِ التي تَكْثُرُ في الْمُجْتَمَعِ الذي كانَ فيهِ، وهذا -كما ذَكَرْنا- أنّ العُلَماءَ عندما يُقَسِّمُونَ لَهُم مَقَاصِدُ، وإلّا لو قالَ الشّيخُ أنّ الرَّجُلَ قد يَرْتَدُّ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنَ الكُفْرِ والشِّرْكِ، لَكَفَى، لكنَّهُ ذَكَرَ هذه الأقْسامَ لِيُنَبِّهَ على بعضِ هذه الصُّوَرِ التي يَغْفُلُ عنها النّاسُ.
فمِن هذا: ((مَنْ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَسَائِطَ؛ يَدْعُوهُمْ، وَيَسْأَلُهُمُ الشَّفَاعَةَ)). الوَسائِطُ بينَ اللهِ وبينَ خَلْقِهِ في العِبادةِ شِرْكٌ، نَبَّهَ على هذا شيخُ الإسلامِ: أنّهُ لا واسِطةَ بينَ اللهِ وبينَ خَلْقِهِ في العِبادةِ؛ وإنّما الواسِطةُ في التَّبْلِيغِ.
لاحِظُوا: النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واسِطةٌ بينَ الخَلْقِ وبينَ خَالِقِهِمْ في التَّبْلِيغِ؛ فلا يُمْكِنُ لنا أنْ نَعْبُدَ اللهَ بِعِبادةٍ إلّا عَنْ طَرِيقِ هذا النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولكنْ لم يَجْعَلِ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- نَوْعًا مِنْ أنْواعِ العِبادةِ تُصْرَفُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيُبَلِّغُها اللَّهَ.
فإذن؛ الوسائِطُ بينَ اللَّهِ وبينَ خَلْقِهِ في التَّبْلِيغِ، وأمّا في العِبادةِ: فَالْكُلُّ يَدْعُو اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، الْكُلُّ يَعْبُدُ اللهَ، الْكُلُّ يَسْجُدُ لِلَّهِ.
ولهذا؛ مِنْ كَمالِ التَّوْحِيدِ، ومِنْ كَمالِ التَّشْرِيعِ في هذا الدّينِ: أنّهُ حَتَّى الرُّقْيَةُ الْمُبَاحةُ الَّتِي يَرْقِي الرَّجُلُ الرَّجُلَ بالآياتِ، جاءَ في الإسْلامِ التَّرْغِيبُ في أنْ يَرْقِيَ الإنْسانُ نَفْسَهُ؛ في حديثِ السَّبْعِينَ ألْفًا الذين يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِلا حِسابٍ ولا عَذابٍ: ((هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونُ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ))[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
فالدّينُ جاءَ بأنْ يكونَ الْمُسْلِمُ مُرْتَبِطًا بِاللهِ، حتّى في الدُّعاءِ، مَعَ أَنَّهُ جائِزٌ أنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: ادْعُ اللهَ لِي. والتَّوَسُّلُ بِدُعاءِ الرَّجُلِ الصّالِحِ جائِزٌ، لكنْ التّرْغِيبُ فيما هو أكْمَلُ: ((إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ))[رَواهُ التِّرْمِذِيُّ، وصَحَّحَهُ الألبانِيُّ].
فهذا الدّينُ جاءَ بِرَبْطِ القُلُوبِ بِاللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: الكُلُّ يَدْعُو اللهَ، الكُلُّ يَسْتَغْفِرُ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، الكُلُّ يَرْقِي نَفْسَهُ؛ حتّى تَرْتَبِطَ القُلوبُ باللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.
ولهذا؛ لَمَّا انْصَرَفَ النّاسُ عَنِ الرُّقْيةِ في أنْ يَرْقِيَ الإنْسانُ نَفْسَهُ؛ ذَهَبُوا إلى مَنْ يَرْقِيهِمْ، وجَرَّهُمْ هذا إلى الاعْتِقادِ فيهم، ولَرُبّما جَرَّهُم إلى الشِّرْكِ.
ولهذا كَوْنُ الْمُسْلِمِ يَرْتَبِطُ بِرَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- ليسَ بَيْنَهُ وبينَ اللهِ وسائِطُ، اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يَدْعُو عِبادَهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ: ((مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟))[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]؛ لستَ في حاجةٍ أنْ تُبَلَّغَ عِبادَتُكَ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، تَعْبُدُ اللهَ، تَدْعُو اللهَ.
كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ لَبَّسَ عليه الشَّيْطانُ؛ يقولُ: أنا ضَعِيفٌ، وأنا مُذْنِبٌ.. وهل تَظُنُّ أنّ الذي تَطْلُبُ منه الدُّعَاءَ -أَنَّهُ- كامِلٌ، وأنّهُ مَعْصُومٌ؟! كُلُّ النّاسِ لهم ذُنُوبٌ، بل لَرُبّما الذي تَطْلُبُ منه الدُّعاءَ قد تَكُونَ أفْضَلَ مِنْهُ! كثيرٌ مِنَ النّاسِ يَأْتُونَ يَطْلُبُونَ الدُّعاءَ مِنْ أُناسٍ قد يَكُونُونَ هُمْ أفْضَلَ مِنْهُمْ!!
فاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يَسْتَجِيبُ لِعِبادِهِ؛ لأنّكَ عَبْدٌ مِن عَبِيدِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، لَيْسَ لِأَنَّ فُلَانًا لَهُ مَنْزِلَةٌ يَسْتَجِيبُ لَهُ وأنْتَ لا يُسْتَجابُ لَكَ.. إذا أخْلَصْتَ وتَوَجَّهْتَ إلى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- ذُلَّ على قَدْرِ فَقْرِكَ لِلَّهِ، وعلى قَدْرِ نَقْصِكَ لِنَفْسِكَ- فإنّ اللَّهَ يَسْتَجِيبُ لَكَ.
ولهذا؛ يُنْقَلُ عَن أحَدِ الصّالِحينَ أنّهُ كانَتْ لَهُ عِبادةٌ: يَقُومُ اللَّيْلَ، ويَدْعُو اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، ولم يَسْتَجِبْ لَهُ، فنامَ لَيْلةٍ عَن وِرْدِهِ، ثم اسْتَشْعَرَ ضَعْفَهُ وتَقْصِيرَهُ فَدَعا اللهَ قالَ: فكيفَ بِهذه اللَّيْلةِ التي فيها تَقْصِيرٌ؟ فاسْتَجابَ اللَّهُ لَهُ..
وهذا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ؛ لأنّهُ كانَ يَلْزَمُ عِبادَتَهُ أنْ يَظُنَّ أنَّ لَهُ مَنْزِلةً، فلمّا اسْتَشْعَرَ الفَقْرَ، وأنّهُ الليلةَ مُفَرِّطٌ، اسْتَجابَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَهُ. ولهذا؛ كُلَّما اسْتَشْعَرَ الإنْسانُ فَقْرَهُ وضَعْفَهُ كانَ أرْجَى في قَبُولِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لِدُعائِهِ.
فعلى النّاسِ أنْ يَرْتَبِطُوا بِاللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وأنْ يَدْعُوا اللَّهَ، وأنْ يَتَوَجَّهُوا لِلَّهِ، واللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- غُفُورٌ رَحِيمٌ.
ثم يَكونُ لِلْمُسْلِمِ دُرْبةٌ مَعَ رَبِّهِ: إذا اسْتَجابَ لَكَ مَرّةً تَعْلَمُ أنّهُ يَسْتَجِيبُ لَكَ، الْمَرّةُ الثّانِيةُ تَعْلَمُ أنّ لك عندَ اللَّهِ مَنْزِلةً، الثّالِثةُ تَعْلَمُ أنّكَ مُسْتَجابُ الدَّعْوَةِ؛ فَتَكُونُ لَكَ مَنْزِلَةٌ، وتَعْظِيمٌ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- ومَحَبّةٌ.
بِخِلافِ ما إذا كانَ الإنْسانُ يَعْتَقِدُ أنّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ يَسْتَجِيبُ لِغَيْرِهِ؛ فَهذا مَحَبَّتُهُ ليست كَمَحَبّةِ مَنْ يَدْعُو اللَّهَ ويَسْتَجِيبُ لَهُ، واللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- غَفُورٌ رَحِيمٌ، ولو نَظَرَ النّاسُ في ذُنُوبِهِم ما رَفَعْنا أيْدِيَنا إلى اللهِ، لكنْ لَمّا يَنْظُرِ الإنْسانُ إلى رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وإلى رَحْمَتِهِ وإلى مَغْفِرَتِهِ وإلى لُطْفِهِ بِعِبادِهِ، فإنّهُ يَرْجُو رَحْمَةَ اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-. ولهذا؛ ليس بينَ النّاسِ وبينَ خالِقِهِمْ وسائِطُ في العِبادَةِ.
قالَ: ((مَنْ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَسَائِطَ؛ يَدْعُوهُمْ))، وقُولوا في الدُّعاءِ: العِبادة؛ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ أنْواعِ العِبادةِ إذا جَعَلْتَ بَيْنَكَ وبينَ اللَّهِ واسِطةً فإنّ هذا هو الشِّرْكُ.
الواسِطةُ في التَّبْلِيغِ، يعني: لا يُمْكِنُ أنْ نَعْبُدَ اللهَ بِعِبادةٍ إلّا عَنْ طَرِيقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، هو الوَاسِطةُ لَنَا فيما يُحِبُّ اللهُ، وكذلك بعدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الواسِطةُ في فَهْمِ الشَّرْعِ هُمُ العُلَماءُ؛ {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[النَّحْل:43، الأنْبِياء:7].
ولهذا؛ هذه مِنَ الأقْسامِ التي ينبغي أنْ يُتَنَبَّهَ لها:
الواسِطةُ بَيْنَ اللهِ وبينَ خَلْقِهِ منها ما هو حَقٌّ وصَحِيحٌ، ومِنْها ما هو باطِلٌ؛ فالواسِطةُ بينَ اللهِ وبينَ خَلْقِهِ في التَّبْلِيغِ ثابِتةٌ في الرُّسُلِ، وكذلك كُلِّ مَنْ بَلَّغَ عَنِ اللَّهِ. وأمّا الوَاسِطةُ بينَ اللهِ وبينَ خَلْقِهِ في العِبادةِ فهذه الْمُحَرَّمةٌ الشِّرْكِيّةٌ، وكُلُّ مَنِ اتَّخَذَ بَيْنَهُ وبينَ اللهِ واسِطةً في هذا فإنّ هذا مِنَ الشِّرْكِ.
قالَ: ((يَدْعُوهُمْ، وَيَسْأَلُهُمُ الشَّفَاعَةَ، وَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِمْ)). يعني: يَطْلُبُ مِنْهُمُ الشَّفاعةَ -يعني- بَعْدَ مَوْتِهم.
أمّا سّؤالُ الشّفاعةِ مِنْهُم في حياتِهم -كأنْ يَقُولَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اشْفَعْ لِي- فهذا جائِزٌ، لكنّ الأكْمَلَ منه هو تَرْكُهُ. ولهذا؛ قالَ شيخُ الإسلامِ: ما يُؤْثَرُ عَنْ أبي بَكْرٍ ولا عُمَرَ ولا عُثْمانَ ولا عَلَيٍّ ولا عَنْ أحَدٍ مِنَ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ أنّهُ طَلَبَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنْ يَشْفَعَ لَهُ أنْ يَكُونَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، إلّا ما نُقِلَ عَن سَعْدِ بنِ أبي وَقّاصٍ أنّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنْ يَجْعَلَهُ مُجابَ الدَّعْوَةِ، قالَ: ((أَطِبْ مَكْسَبَكَ تُجَبْ دَعْوَتُكَ))[ضَعَّفَهُ العلّامةُ الألْبانِيُّ في ((السِّلْسِلةِ الضَّعِيفةِ))، وهو بلفظِ: ((أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجابَ الدَّعْوةِ))]، فأرْشَدَهُ إلى السَّبَبِ الّذي يَقُومُ بِهِ. أبو بَكْرٍ الذي هو أكثرُ النّاسِ مُلازَمةً ما يُؤْثَرُ عنه أنّهُ جاءَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: يا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أنْ يَجْعَلَنِي مِنَ السَّبْعِينَ أَلْفًا.. ولا عُمَرُ، وإنْ كانَ هذا جائِزًا؛ فَيُفَرَّقُ بينَ الأكْمَلِ والجائِزِ.
فهنا الشّفاعةُ يَقْصِدُ الشّفاعةَ الشِّرْكِيّةَ: أن يَطْلُبَ منه الشّفاعةَ الشِّرْكِيّةَ التي هي مِنْ نَواقِضِ الدِّينِ، ولا ينبغي أنْ يُفْهَمَ أنّ مَنْ طَلَبَ مِنْ غَيْرِهِ أنْ يَدْعُوَ له -نقولُ- أنّ هذا قد وَقَعُ في مُكَفِّرٍ مِنَ الْمُكَفِّراتِ.
((وَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِمْ)). التَّوَكُّلُ على الْغَيْرِ شِرْكٌ، وهو ليسَ كالاسْتِعانةِ. بعضُ النّاسِ يَخْلِطُ بينَ الاسْتِعانةِ والتَّوَكُّلِ؛ الاسْتِعانةُ يَجُوزُ أنْ يُسْتَعانَ بِالْمَخْلُوقِ فيما يَقْدِرُ عليه، وليسَ هذا بِشِرْكٍ، ولكنّهُ دونَ الكَمالِ. وأما التَّوَكُّلُ فلا يَجُوزُ أنْ يُتَوَكَّلَ على غَيْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ لأنّ التَّوَكُّلَ هو تَفْوِيضُ الأمْرِ والْقَلْبِ إلى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-. ولهذا؛ خَلَطَ بعضُ النّاسِ بين التَّوَكُّلِ والتَّوْكِيلِ، التَّوْكِيلُ غيرُ التَّوَكُّلِ؛ التَّوْكِيلُ: هو أنْ تُوَكِّلَ فُلانًا في أنْ يَقْضِيَ هذه الحاجةَ مِنْ غَيْرِ أنْ تَتَوَكَّلَ عليه، وأمّا التَّوَكُّلُ: فهو التَّوَكُّلُ على اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بِتَفْوِيضِ الأمْرِ إلى اللهِ؛ فيجوزُ أنْ تُوَكِّلَ الْمَخْلُوقَ، وأنْ تَتَوَكَّلَ على اللهِ، ولا يَجُوزُ أنْ تَتَوَكَّلَ على الْمَخْلُوقِ.
[الْمَتن]
الثَّالِثُ: مَنْ لَمْ يُكَفِّرِ الْمُشْرِكِينَ، أَوْ يَشُكُّ فِي كُفْرِهِمْ، أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ - كَفَرَ.
[الشّرْح]
هذه مِنَ النّواقِضِ -أيْضًا-: ((مَنْ لَمْ يُكَفِّرِ الْمُشْرِكِينَ، أَوْ يَشُكُّ فِي كُفْرِهِمْ، أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ -كَفَرَ)).
((مَنْ لَمْ يُكَفِّرِ الْمُشْرِكِينَ)): مَنِ اعْتَقَدَ أنّ المشركينَ ليسوا بِكُفّارٍ، فهذا كُفْرٌ. ولهذا؛ ذَكَرَ شيخُ الإسلامِ في نِهايةِ ((الصَّارِمِ...)) قالَ: مَنِ اعْتَقَدَ أنّ أصْحابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَفَرُوا إلا الْقَلِيلَ منهم فهو كافِرٌ، ومَنْ تَوَقَّفَ في تَكْفِيرِهِ فتَكْفِيرُهُ مُتَعَيِّنٌ؛ لأنّ هذا يَسْتَلْزِمُ تَكْذِيبَ الْقُرْآنِ الذي جاءَ بالشَّهادةِ لهم بالإيمانِ والتَّقْوى، وأنّ اللهَ رَضِيَ عنهم ورَضُوا عنه؛ فلا بُدَّ مِنِ اعْتِقادِ كُفْرِ الكُفّارِ، اعْتِقادِ كُفْرِ كُلِّ مُشْرِكٍ وكُلِّ كافِرٍ، واعْتِقادِ كُفْرِ اليهودِ والنّصارى -اليومَ- بعدَ بَعْثةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأنّهم كُفّارٌ، ولا يَنْفَعُهُمْ إيمانُهم بِموسى وعيسى؛ لأنّ الشّرائِعَ السّابِقةَ نُسِخَتْ بِشَرِيعةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ولهذا؛ جاءتْ طَوائِفُ مِنْ بَعْضِ أهْلِ الجَدَلِ وزَعَمُوا أنّ اليهودَ والنّصارى -أنهم- مُؤْمِنونَ، ويَسْتَدِلُّونَ بِما جاءَ في كِتابِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}[البقرة:62]، قالُوا: هذا دَلِيلٌ على إيمانِهم. هذا إيمانُهم يومَ القِيامةِ، الذين يَأْتُونَ يومَ القِيامةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ومِنَ اليهودِ الذين كانوا على شَرِيعةِ موسى قبلَ بَعْثةِ محمّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ومِنَ النّصارى الذين كانوا على شَرِيعةِ عيسى قبل بَعْثةِ نَبِيِّنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. أمّا بعدَ بَعْثةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا يَهُودِيّةَ ولا نَصْرانِيّةَ؛ ما هُناكَ إلا الإسْلامُ. فجَهِلَ هؤلاءِ هذه النُّصُوصَ وزَعَمُوا أنّ اليهودَ والنّصارى -اليومَ- أنّهم- مُؤْمِنونَ مُسْلِمُونَ!
((أَوْ يَشُكُّ فِي كُفْرِهِمْ)). يعني: شَكَّ قالَ: واللهِ ما نَدْري: اليهودُ هم مُسْلِمُونَ أمْ كُفّارٌ! فهذا -أيْضًا- كُفْرٌ؛ لأنّ الشّكَّ لا يَنْفَعُ؛ لا بُدَّ مِنَ اليَقِينِ -كما تَقَدَّمَ-.
((أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ)). يعني: صَحَّحَ طَرِيقَتَهُم أو مَذْهَبَهُم -يعني- الدِّينِيَّ. وأمّا مَذاهِبُهُم في الدُّنْيا -مثل -الآنَ- بعض النّاسِ يُثْنِي عليهم في ضَبْطِهِم لِأَوْقاتِهم في التِّجارةِ والصِّناعةِ-، فلا شَكَّ أنّ الإعْجابَ بِالكُفّارِ خَطِيرٌ، وإنْ كانَ فيهم بعضُ الصِّفاتِ التي الْتَزَموا بها لِدُنْياهُم، لَكِنّهُ لا يَنْبَغِي الإعْجابُ بهم، لكنْ إذا جاءَ مَنْ يُعْجَبُ بهم لِما فِيهم فإنّ هذا قد يَتَرَدَّدُ فيه الأمْرُ بينَ التّحْرِيمِ وبينَ ما هو دُونَ ذلك، ولكنّهُ لا يَكُونُ مِنَ الكُفْرِ. أمّا مَنْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُم في الدّينِ وصَحَّحَ شَرِيعتَهُم أو عِبادَتَهُم فإنّ هذا كُفْرٌ.
[الْمَتن]
الرَّابِعُ: مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ غَيْرَ هَدْيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكْمَلُ مِنْ هَدْيِهِ، أَوْ أَنَّ حُكْمَهُ أَحْسَنُ مِنْ حُكْمِهِ، كَالَّذِي يُفَضِّلُ حُكْمَ الطَّوَاغِيتِ عَلَى حُكْمِهِ - فَهُوَ كَافِرٌ.
[الشّرْح]
مَنِ اعْتَقدَ أنّ غيرَ هَدْيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكْمَلُ مِنْ هَدْيِهِ، هذا كُفْرٌ، مَنْ فَضَّلَ طَرِيقةً في الدّينِ على طَرِيقةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أيِّ بابٍ: طريقةً في العِبادةِ، طريقةً في الدّعْوةِ إلى اللهِ، طريقةً في الجِهادِ، طريقةً في الأمْرِ بالْمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.. مَنْ زَعَمَ أنّ هُناكَ طريقةً أكْمَلُ مِن هَدْيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بل مَنْ زَعَمَ أنّ هُناكَ طَرِيقةً مُساوِيةً لِطريقةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنّ هذا كُفْرٌ؛ بل (يَجِبُ) عليه أنْ يَعْتَقِدَ أنّ هَدْيَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكْمَلُ، وأنّهُ لا يُساوي هَدْيَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَدْيٌ، في كُلِّ بابٍ -يعني في الاعْتِقادِ، وفي العَمَلِ، في الْمَناهِجِ في الدّعْوةِ، في الْمَناهِجِ في التَّعْلِيمِ...-، هَدْيُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكْمَلُ الْهَدْيِ.
قال: ((أَوْ أَنَّ حُكْمَ غَيْرِهِ أَحْسَنُ مِنْ حُكْمِهِ)). هذه في صُوَرِ اعْتِقادِ أنّ هَدْيَ غَيْرِهِ أكْمَلُ مِنْ هَدْيِهِ: مَنِ اعْتَقَدَ أنّ حُكْمَ غَيْرِهِ أحْسَنُ مِنْ حُكْمِهِ، أو أنّ دَعْوةِ غَيْرِهِ أحْسَنُ مِنْ دَعْوَتِهِ، أو أنّ عِبادةَ غَيْرِهِ أحْسَنُ مِنْ عِبادَتِهِ - فكُلُّ هذا كُفْرٌ.
قالَ: ((كَالَّذِي يُفَضِّلُ حُكْمَ الطَّوَاغِيتِ عَلَى حُكْمِهِ - فَهُوَ كَافِرٌ)). يُفَضِّلُ حُكْمَ الطّواغِيتِ -وهو الحُكْمُ بغيرِ شرعِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- يُفَضِّلُهُ- على حكمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولو في مَسألةٍ واحِدةٍ؛ فإنّهُ يَكْفُرُ.
ولهذا؛ ذَكَرَ العُلَماءُ أنّ مِنْ صُوَرِ الحُكْمِ بغيرِ ما أنْزَلَ اللهُ التي يَكْفُرُ بها المسلمُ: أنْ يَعْتَقِدَ أنّ الحُكْمَ بغيرِ ما أنْزَلَ اللهُ أحْسَنُ مِنْ حُكْمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو أنّهُ مُساوٍ لِحُكْمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذه الصُّوَرُ ذَكَرَها سماحةُ الشيخِ عبدُ العزيزِ بنُ بازٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، في أنّ هذه الصُّوَرَ مِنَ الصُّوَرِ الْمُكَفِّرَةِ.
أمّا إذا حَكَمَ بغيرِ ما أنْزَلَ اللهُ وهو يَعْتَقِدُ أنّ هَدْيَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكْمَلُ وأحْسَنُ، وأنّهُ عاصٍ بِحُكْمِهِ بغيرِ ما أُنْزِلَ - فإنّ هذا كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ، وهذا كُفْرٌ أصْغَرُ.
أمّا إذا اعْتَقَدَ أنّ حُكْمَهُ مُساوٍ لِحُكْمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو أنّهُ أفْضَلُ - فهذا كُفْرٌ، بل لو لم يَحْكُمْ، لو حَكَمَ بِشَرْعِ اللهِ ثم اعْتَقَدَ أنّ حُكْمَ غيرِ اللهِ أفْضَلُ مِنْ حُكْمِ اللهِ، أو مُساوٍ لِحُكْمِ اللهِ، أو أنّهُ يَسَعُهُ الخُروجُ عَنْ حُكْمِ اللهِ وعن دِينِ الله - فإنّ هذا كُفْرٌ.
[الْمَتن]
الْخَامِسُ: مَنْ أَبْغَضَ شَيْئًا مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَوْ عَمِلَ بِهِ- كَفَرَ.
[الشّرْح]
((مَنْ أَبْغَضَ شَيْئًا مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَوْ عَمِلَ بِهِ- كَفَرَ)). مَنْ أبْغَضَ شَيْئًا مِن دينِ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لو أبْغَضَ هَدْيَ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في اللِّحْيةِ، هَدْيَ النبيِّ في اللِّباسِ، هَدْيَ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في التَّعَدُّدِ، هَدْيَ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في السِّواكِ، هَدْيَ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجِهادِ، هَدْيَ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدَّعْوةِ... فمَنْ أبْغَضَ شَيْئًا مِن ذلك فإنّ هذا كُفْرٌ.
ولاحِظُوا تَعْبِيرَ الشيخِ هُنا: ((مَنْ أَبْغَضَ))، ولم يَقُلْ: مَنْ تَرَكَ؛ فَيُنَبَّهُ. وكذلك عندما ذَكَرَ حُكْمَ الطّواغِيتِ قالَ: ((مَنِ اعْتَقَدَ)) أنّهُ أحْسَنُ، قالَ: ((كَالَّذِي يُفَضِّلُ حُكْمَ الطَّوَاغِيتِ))، لاحِظُوا: عِباراتُ العُلَماءِ دَقِيقةٌ. كثيرٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ لا يَتَنَبَّهُونَ لِهذا؛ يُطْلِقُونَ الأحْكامَ دُونَ أنْ يَتَنَبَّهُوا إلى هذه القُيُودِ.
قالَ: ((مَنْ أبْغَضَ شَيْئًا مِمَّا جاءَ بِهِ الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)). ولهذا؛ لا تَجِدُ مسلمًا -حتى لو كانَ يَحْلِقُ لِحْيَتَهُ ويُسْبِلُ- يُبْغِضُ هَدْيَ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لكنْ يَعْلَمُ أنّهُ مُقَصِّرٌ.
وأما بُغْضُ شَيْءٍ مِمّا جاءَ بِهِ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فإنّ هذا يَقْتَضِي عَدَمَ اعْتِقادِ وُجُوبِهِ، وهذا كُفْرٌ، ويَعْتَقِدُ أنّ هذا ليس بِحَسَنٍ، وأنّهُ سَيِّئٌ، هذا كُفْرٌ.
أمّا المسلمُ، يَعْتَقِدُ أنَّ كُلَّ ما جاءَ به النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو حَسَنٌ، وكُلَّ ما حَذَّرَ منه فهو سَيِّئٌ، ولكن يقولُ: نحن نَضْعُفُ، ولنا ذُنُوبٌ، وهذه مِن ذُنُوبِنا، وهذه مَعْصِيةٌ.
قال: ((...-وَلَوْ عَمِلَ بِهِ- كَفَرَ)). يعني: لو عَمِلَ -مثلًا- بِهَدْيِ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ بُغْضِهِ لَهُ، فهذا كافِرٌ.
[الْمَتن]
السَّادِسُ: مَنِ اسْتَهْزَأَ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ ثَوَابِهِ أَوْ عِقَابِهِ كَفَرَ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ -تَعَالَى-: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}[التَّوْبَة:65-66].
[الشّرْح]
((مَنِ اسْتَهْزَأَ بِشَيْءٍ مِن دينِ الرّسولِ -صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ ثَوَابِهِ أَوْ عِقَابِهِ كَفَرَ)). هذا -أيْضًا- مِنَ الْمُكَفِّراتِ، مِنْ نَواقِضِ الإسْلامِ، وهو: الاسْتِهْزاءُ بِشَيْءٍ مِنَ الدِّينِ؛ لأنّ الاسْتِهْزاءَ بِشَيْءٍ مِنَ الدِّينِ... بأيِّ صُورةٍ مِنْ صُوَرِ الاسْتِهْزاءِ، وبأيِّ نَوْعٍ مِنْ أنْواعِ العِبادةِ؛ فإنّ هذا مِنَ الدِّينِ؛ كما قالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}.
مَنِ اسْتَهْزَأَ بِسُنّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في اللِّحْيةِ، في الثِّيابِ، في تَطْهِيرِ الثِّيابِ، في هَدْيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في نَوْعٍ مِنْ أنْواعِ العِبادةِ، فإنّ هذا كُفْرٌ.
ونحنُ نَتَكَلَّمُ عَنِ الأحْكامِ الْمُطْلَقةِ، لَكِنْ قد يأتي جاهِلٌ يَسْخَرُ باللِّحْيةِ ويَقُولُ أنّ هذا ليس مِنَ النّظافة ويَسْخَرُ، فهذا يُنْظَرُ في حالِهِ: يُقالُ لَهُ: هل تَعْلَمُ أنّ هذا هَدْيُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فإذا عَلِمَ أنّ هذا هَدْيُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنّهُ يَكْفُرُ بذلك. أمّا إذا كانَ يَظُنُّ أنّ هَدْيَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنّه لا يُعْفِي لِحْيَتَهُ، ويَظُنُّ أنّ الذي يُعْفِي لِحْيَتَهُ هذا الْمُخالِفُ لِلسُّنّةِ -هذا مِنْ جَهْلِهِ-، هذا لا يَكْفُرُ؛ يُعَلَّمُ. أو يَظُنُّ أنّ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُهَذِّبُ اللِّحْيةَ ويَأْخُذُ مِنْها ويَقُصُّ منها، ويَسْخَرُ بِمَنْ يُطْلِقُ لِحْيَتَهُ.
ولهذا؛ دائِمًا يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ لِبعض هؤلاءِ الْمُسْتَهْزِئينَ: لا شَكَّ أنّ فيهم جُرْأةً، ولكنّ بعضَهُم قد يَقَعُ في الخَطَأِ وهو لا يدري، ولا يَعْلَمُ أنّهُ مِنَ الدّينِ، يَسْتَهْزِئُ بشيءٍ ولا يدري أنّهُ مِنَ الدّينِ. ولهذا؛ الاستهزاءُ بالدّينِ ليس بما يَتَوَهَّمُ الْمُتَوَهِّمُ أنّهُ مِنْ غيرِ الدّينِ، فهذا اسْتِهْزَاؤُهُ مِنْ جَهْلِ الجَاهِلِينَ، وهو على خَطَرٍ. لكنْ ينبغي أن يُعْرَفَ -يعني في الحُكْمِ-.
ولهذا؛ هذه المسألةُ -أيْضًا- يُنَبَّهُ على أنّهُ ليس مَنِ اسْتَهْزَأَ بِلِحْيَتِكَ أنْتَ يَسْتَهْزِئُ بالدِّينِ؛ لأنّ بعضَ النّاسِ قد تَنْبُتُ لِحْيَتُهُ ولا يكونُ فيها استواءٌ، [أو] تَنْبُتُ في مكانٍ دون مكانٍ؛ فيأتي بعضُ الجَاهِلِينَ ويَسْخَرُ منه؛ فيأتي يقولُ: هذا سَخِرَ بالدِّينِ نُكَفِّرُهُ؟ لا؛ هو اسْتَهْزَأَ بِلِحْيةِ فُلانٍ.
وهذا الاسْتِهْزاءُ -أيْضًا- فيه تَفْصِيلٌ؛ فإذا كانَ يَسْخَرُ به على خَلْقِهِ الذي خَلَقَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فيه فهذا كُفْرٌ، إذا كان يسخرُ أنّ اللهَ يَخْلُقُ لحيةً كهذه فهذا كُفْرٌ؛ لأنّ العَيْبَ لِلْخَلْقِ عَيْبٌ للخالِقِ. وإذا كان يسخرُ بفلانٍ يقولُ لَهُ: أنت لا تَهْتَمُّ بِلِحْيَتِكَ.. فهذا استهزاءٌ بمسلمٍ، وهو مَعْصِيةٌ. وإذا كانَ يَسْتَهْزِئُ بإعفاءِ اللحية بالكُلِّيّةِ، ويعلمُ أنّها مِنْ هَدْيِ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهذا كفر.
فينبغي أنْ يُفَرَّقَ بينَ هذه الصُّوَرِ.
دائِمًا التَّنَبُّهُ إلى هذه المسائِلِ والتَّفْرِيقُ بين مسألةٍ ومسألةٍ هو مِنْ أنْفَعِ ما يكونُ للإنْسانِ في دِينِهِ، ويكونُ على بَيِّنةٍ مِن تلك الْمُفارَقاتِ التي تَحْصُلُ مِن بعضِ هؤلاءِ؛ لأنّهُ لَرُبّما كَفَّرْنا بعضَ مَنْ يستهزئُ بنا، ليس مَنِ اسْتَهْزَأَ بنا هو مُسْتَهْزِئٌ باللهِ وبِرَسُولِهِ.
وبعضُ الناسِ يعلمُ أنّهُ يَسْخَرُ مِن شخصٍ لا يُوجِبُ السُّخْرِيةَ، لكنّهُ لِعَداوةٍ بينهما يَسْخَرُ مِنْهُ، ولو كانت -مَثَلًا- لِحْيتُهُ مِن أجْمَلِ اللِّحى، لكن لِغَلَبةِ العَداوةِ عليه، ولو كانَ دينُهُ وكانَ سَمْتُهُ مِن أحْسَنِ النّاسِ، ولكن لِغَلَبةِ العَداوةِ يَسْخَرُ منه.. فهذا مِنَ الاسْتِهْزاءِ بالمسلمينَ الذي يكونُ هو معصيةً، ولا يكونُ كُفْرًا حتى يستهزِئَ بشيءٍ مِنَ الدّينِ، فإذا اسْتَهْزَأَ بشيءٍ مِنَ الدّينِ عند ذلك يُنْظَرُ في حُكْمِهِ ويُنْظَرُ في حالِهِ: هل يَعْلَمُ أو لا يَعْلَمُ؛ فإن كانَ مِنَ الذين يَعْلَمُونَ أنّ هذا مِنَ الدّينِ ويَسْخَرُ به فهذا كُفْرٌ.
[الْمَتن]
السَّابِعُ: السِّحْرُ. وَمِنْهُ: الصَّرْفُ، وَالْعَطْفُ. فَمَنْ فَعَلَهُ أَوْ رَضِيَ بِهِ كَفَرَ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ -تَعَالَى-: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ}[الْبَقَرَة:102].
[الشّرْح]
((السَّابِعُ: السِّحْرُ)). والسِّحْرُ مِنْ أنْواعِ الْكُفْرِ، والسّاحِرُ كافِرٌ، وقد جاءَ في الحديثِ: ((حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ))[رَواهُ التِّرْمِذِّيُّ، وضَعَّفَهُ الألْبانِيُّ]؛ فإنّهُ يُقْتَلُ. والسِّحْرُ: هو تعاطي السِّحْرِ بالاسْتِعانةِ بالجِنِّ بِصَرْفِ أنْواعِ العِبادةِ لهم، ثم يَقُومُ هؤلاءِ الْمَرَدةُ بِخِدْمةِ إخْوانِهم مِنَ الإنْسِ. ولهذا؛ يذكرون في تَعَلُّمِ السِّحْرِ أنّهُ لا يكونُ إلا بعدَ الشَّرْطِ، شرطُ السّاحِرِ عندما يُعَلِّمُ أنْ يُشْرِكَ الْمُتَعَلِّمُ، وقد اعْتَرَفَ بَعْضُهُم أنّهُ طُلِبَ منه أنْ يُلْقِيَ الْمُصْحَفَ في القاذوراتِ وفي الحمّامِ، وأن يَنْتَعِلَ بأوْراقِ الْمُصْحَفِ، وأن يَتْرُكَ الصّلاةَ أرْبَعِينَ يَوْمًا.. يَذْكُرُهُ بعضُ هؤلاءِ.. فالسّاحِرُ لا يُعَلِّمُ إلا بعدَ الكُفْرِ، ولا يقومُ هؤلاءِ الْمَرَدةُ بِخِدمةِ إخْوانِهم مِنَ الإنْسِ مِنْ أهْلِ الكُفْرِ إلا بعدَ أنْ يُشْرِكوا، أمّا إذا كانوا على الإسلامِ لا يَخْدُمُونَهُم.
ولهذا؛ أكْثَرُ تَسَلُّطِ هؤلاءِ على أهْلِ الشِّرْكِ وعلى أهْلِ الْبِدَعِ، وما عُرِفَ -بِحَمْدِ اللَّهِ- أنّهم تَسَلَّطُوا على أهْلِ العِلْمِ والإيمانِ، وقد يَتَسَلَّطُونَ على أهْلِ الجَهْلِ مِنْهُمْ، يأتي مَنْ يقولُ: أنا أقومُ بِخِدْمَتِكَ؛ لأنّكَ مِنَ الصّالِحين! هذا جهلٌ؛ ما خَدَمُوا أبا بَكْرٍ وعُمَرَ، ما خَدَمُوا النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ما خدموا العُلَماءَ، ولكنْ هذا: مِنْ جَهْلِ هؤلاءِ يَتَسَلَّطُ عليهم بعضُ هؤلاءِ.
((وَمِنْهُ: الصَّرْفُ، وَالْعَطْفُ)). يعني: هذه من أنْواعِ السِّحْرِ: الصَّرْفُ، والْعَطْفُ؛ صَرْفُ الْمَرْأَةِ عن زَوْجِها وعَطْفُها عليه، وما يَتَعاطاهُ النِّساءُ مِنْ قِبَلِ السَّحَرةِ بما يَكْتُبُهُ السّاحِرُ وما يُعْطِيهِ لها مِمّا يَزْعُمُونَ أنّهُ يُحَبِّبُ الْمَرْأَةَ إلى زَوْجِها والزَّوْجَ إلى زَوْجَتِهِ.
وذَكَرَ الدّليلَ قالَ: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ}، والشّاهِدُ -أيْضًا- في قولِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ}.
[الْمَتن]
الثَّامِنُ: مُظَاهَرَةُ الْمُشْرِكِينَ وَمُعَاوَنَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ -تَعَالَى-: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[الْمَائِدة:51].
[الشّرْح]
مُظاهَرةُ الْمُشْرِكينَ ومُعاوَنَتُهُم على المسلمينَ -هذه- مِنْ صُوَرِ الشِّرْكِ، ومِن صُوَرِ الرِّدّةِ، ومِمَّا يَخْرُجُ بِهِ الْمُسْلِمُ عَنْ دِينِهِ.
لكنّ هذه الْمُظاهَرةَ والْمُعاوَنةَ فيها تَفْصِيلٌ مِنْ حيثُ الإطْلاقُ؛ فمَنْ أعانَهُم وظاهَرَهُم لَيَظْهَرُوا على الإسلامِ، ولِيَتَمَكَّنَ الكُفّارُ مِنَ المسلمينَ - فهذا كُفْرٌ -كما نَبَّهَ على هذا شيخُ الإسلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ-، مَنْ أعانَ الكُفّارَ لِيَظْهَرَ الكُفْرُ على الإيمانِ والشِّرْكُ على التَّوْحِيدِ فهذا كُفْرٌ. لكنْ مَنْ أعانَهُم لِمَصْلَحةٍ دُنْيَوِيّةٍ -لِمالٍ يُعْطى، أو لِما يَرْجُو مِنْ نَفْعِهم- فإنّ هذه كبيرةٌ مِنْ كَبائرِ الذُّنُوبِ.
ولهذا؛ مَنْ أعانَ -الآنَ- الْمُشْرِكينَ على بَعْضِ ما هم فيه دُونَ أنْ يَكُونَ على الشِّرْكِ، فهذه مَعْصِيةٌ. لكنْ مَنْ خالَطَهُم وهو يُحِبُّ ظُهُورَهُم على الْمُسْلِمينَ، ووالاهُم على هذا، وهو يَتَمَنَّى أنْ يَظْهَرُوا على المسلمينَ، وأن يَتَمَكَّنُوا مِنَ المسلمينَ، وأنْ يَظْهَرَ الكُفْرُ على الإيمانِ - فهذا لا يُوجَدُ مَعَ أصْلِ الإيمانِ، بل أسْقَطُ النّاسِ -بل فُجّارُ المسلمينَ- إذا رَأَوُا الْعَدُوَّ داهَمَ بلادَ المسلمينَ فإنّهُم يُجاهِدُونَهُ؛ فَدَلَّ على أنّ هذه الصُّورةَ لا تكون إلا مِنَ المشركينَ.
لكنْ هذه المسألةُ خَفِيتْ على بعضِ -الآنَ- مَنْ يُكَفِّرُ المسلمينَ بغيرِ بَيِّنةٍ؛ فَيَزْعُمُونَ أنّ الاسْتِعانةَ بالكُفّارِ، أو أنّ بعضَ المسلمينِ إذا اعْتَدَوْا على الكُفّارِ وأُعِينَ الكُفّارُ على قِتالِهم، قالوا: هذه مِنْ مُظاهَرةِ المشركينَ، وهذا كُفْرٌ.. ليس الأمْرُ كذلك؛ بل إنّ هذا يَدْخُلُ في قَوْلِ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا))[أخْرَجَهُ الشَّيخانِ، واللّفْظُ للبُخارِيِّ]، ما قال: انْصُرْهُ إنْ كانَ ظالِمًا لِمُسْلِمٍ، تَنْصُرُهُ إنْ كانَ ظالِمًا: لو رَأَيْتَهُ يَقْتُلُ الكُفّارَ الْمُعاهَدِينَ فَمِنْ نُصْرَتِهِ أنْ تَمْنَعَهُ مِنْ قَتْلِهِم، وهذه تكونُ أعَنْتَ الكافِرَ على دَفْعِ هذا المسلمِ الْمُعْتَدي عليه، فهل هذا كُفْرٌ؟!
إذن؛ يَنْبَغِي أنْ يُفَرَّقَ بينَ مَنْ يُعِينُهُم بِحَقٍّ، مثل أنْ يَكُونَ بينَهُم وبينَ المسلمين عَهْدٌ: أنْ يُقَاتِلُوا مَعَ المسلمينَ، وأنْ يُقاتِلَ المسلمونَ مَعَهُم إذا ما داهَمَ عَدُوٌّ؛ فإذا اعْتُدِيَ عليهم مِنْ قِبَلِ بعضِ المسلمينَ (بغيرِ حَقٍّ) فيجوزُ لنا أنْ نَدْفَعَ الصّائِلَ الْمُعْتَدِيَ مِنَ المسلمينَ عنهم، وهذا من صُوَرِ العَهْدِ، وهذه الصُّورةُ جائِزةٌ، لا بأسَ بها، وليستْ بِمُحَرّمةٍ.
وأمّا إذا أعانَ المسلمُ الكافِرَ على قِتالِ المسلمينَ لِمَصْلَحةٍ دُنْيَوِيّةٍ، وهو لا يُحِبُّ ظُهُورَهُم على المسلمينَ، ولكنْ يقولُ: أنا أُعِينُهم وأعْلَمُ أنّهم لا يُمْكِنُ أنْ يَظْهَرُوا على المسلمينَ؛ لأنّهُ لا يُمْكِنُ أنْ يَظْهَرَ الكُفْرُ على الإسلامِ - فإنّ هذه مَعْصِيةٌ.
وهذا الأمْرُ هو الذي اشْتَبَهَ على حاطِبِ بْنِ أبي بَلْتَعةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- [حديثُ حاطِبٍ في الصَّحِيحَيْنِ]؛ لأنّهُ لَمّا أعانَ الكُفّارَ أرادَ مَصْلَحةً دُنْيَوِيّةً، قالَ للنبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((وَعَلِمْتُ أنَّ ذلكَ لا يَضُرُّكَ))؛ فَدَلَّ على قُوّةِ إيمانِهِ، وأنّهُ يَعْلَمُ لو أعانَهُم ما تَمَكَّنُوا مِنَ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فأعانَهُم لِطَلَبِ مَصْلَحةٍ دُنْيَوِيّةٍ، وهو لا يُحِبُّ أنْ يَظْهَرُوا، بل لو كان يَشُكُّ أنْ يَظْهَرُوا على النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَفَدَى النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَفْسِهِ لو أنّهُ يُقْتَلُ سَبْعِينَ مَرّةً -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، لكنّهُ نَظَرَ إلى الجانِبِ الكَوْنِيِّ القَدَرِيِّ وهو أنّ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْصُورٌ، وقالَ: هذا الشيءُ أنْتَفِعُ بِهِ ولا يَضُرُّ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
هذه الشُّبْهَةُ، ولهذا؛ هذا الفِعْلُ أصلًا مِن حاطِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ليس بكُفْرٍ، وإنّما لو فَعَلَهُ -اليومَ- أحَدٌ مِنْ أفْرادِ المسلمينَ قالَ: أُعِينُ اليهودَ والنّصارى على قِتالِ المسلمينَ، وأعْلَمُ أنّهم لا يُمْكِنُ أنْ يَظْهَرُوا على المسلمينَ؛ لأنّ الدّينَ ظاهِرٌ، ولأنّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لا يمكنُ أنْ يُمَكِّنَ هؤلاءِ من المسلمينَ - فإن هذا لا يَكْفُرُ.
ولهذا؛ قال بعضُ الجَهَلةِ مِنَ الطَّلَبةِ -وإنْ كانت هذه الكَلِمةُ ثَبَتَتْ عَنْ أحَدٍ مِنْ أهْلِ العِلْمِ فَلَهُ مكانُهُ في العِلْمِ والفَضْلِ- قال بعضُهم-: إنّ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يَذُبَّ عن حاطِبٍ بِأنّه لم يَكْفُرْ؛ وإنّما قالَ: إنّهُ مِنْ أهْلِ بَدْرٍ! سمعتُ هذه الكَلِمةَ قالَها أكثرُ مِنْ شَخْصٍ، قالَ: لم يَذُبَّ عنه بأنّهُ لم يَكْفُرْ؛ وإنّما قالَ: إنّهُ مِنْ أهْلِ بَدْرٍ!
سُبْحانَ اللَّهِ! فقلتُ لَهُ: وما الذي تُرِيدُ؟ يعني: هل ترى أنّ حاطِبًا يَكْفُرُ؟! قالَ: لا؛ لأنّهُ لَمّا كان مِنْ أهْلِ بَدْرٍ كَفَّرَ عنه هذا. فقلتُ لَهُ: تَأَمَّلْ قَوْلَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزمر:65]، يعني: الشِّرْكُ لو كانَ مِنَ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لو كانَ [مِن] نَبِيٍّ مِنَ الأنْبِياءِ- أحْبَطَ عَمَلَهُ، ألا يُحْبِطُ عَمَلَ أهْلِ بَدْرٍ؟! يعني انْظُرُوا إلى مُخالَفةِ الأُصُولِ.
عَمَلُ أهْلِ بَدْرٍ لو جاءَ بعدَهُ الشّركُ لا يُمْكِنُ أنْ يَتَغَيَّرَ الحُكْمُ الشَّرْعِيُّ، لكنّ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمّا جاءَ مَنْ يُشَكِّكُ في نِيَّتِهِ، والصورةُ -حقيقةً- مُشْكِلَةٌ: أنْ يُعِينَ الكُفّارَ؛ فظَنَّ بعضُهم فيه النّفاقَ الباطِنَ فقالَ: إنّهُ مُنافِقٌ خانَ اللهَ ورَسُولَهُ. فقالَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((وَمَا يُدْرِيكَ؟ [فَلَعَلَّ] اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ)) يعني: اطَّلَعَ على قُلُوبِهم، وعَلِمَ مِنْهُمُ الإيمانَ، ((فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ؛ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ)). ولهذا؛ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: ((صَدَقَ)). قال [حاطِبُ]: ((وما بي ألا أكُونَ مُؤْمِنًا باللهِ ورَسُولِهِ))، قالَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((صَدَقَ)). فهل يقالُ بأنّ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما حَكَمَ لَهُ بِالإسْلامِ؟!
وانْظُرُوا إلى التَّخْرِيجاتِ التي تَرْجِعُ إلى سُوءِ الفَهْمِ، وهذه كم يُلَبَّسُ بها على بَعْضِ النّاسِ، لكنْ إذا جُلِّيَتِ الحَقِيقةُ، وتَنَبَّهَ النّاسُ لِلأدِلّةِ، وبُيِّنَتْ لهم الأصُولُ، عند ذلك تَنْجَلِي الشُّبْهةُ وكأنّها لم تَكُنْ.
[الْمَتن]
التَّاسِعُ: مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَسَعُهُ الْخُرُوجُ عَنْ شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا وَسِعَ الْخِضْرَ الْخُرُوجُ عَنْ شَرِيعَةِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَهُوَ كَافِرٌ.
[الشّرْح]
أيْضًا مَنِ اعْتَقَدَ أنّهُ يَسَعُهُ الخُرُوجُ عَن شريعةِ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كمَنْ يَدَّعِي العِلْمَ اللَّدُنِّي، أو أنّ لَهُ طريقةً غيرَ طريقةِ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ بِدَعْوى أنّ موسى اسْتَفادَ مِنَ الخِضْرِ، فَلِماذا لا يكونُ في الأُمّةِ مَنْ يَتَلَقَّى عن اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.. فهذا كُفْرٌ، وخُرُوجٌ عَنِ الدِّينِ.
[الْمَتن]
الْعَاشِرُ: الْإِعْرَاضُ عَنْ دِينِ اللَّهِ -تَعَالَى-: لَا يَتَعَلَّمُهُ، وَلَا يَعْمَلُ بِهِ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ -تَعَالَى-: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}[السَّجْدَة:22].
وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ النَّوَاقِضِ بَيْنَ الْهَازِلِ وَالْجَادِّ وَالْخَائِفِ، إِلَّا الْمُكْرَهَ، وَكُلُّهَا مِنْ أَعْظَمِ مَا يَكُونُ خَطَرًا، وَأَكْثَرِ مَا يَكُونُ وُقُوعًا؛ فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَحْذَرَهَا، وَيَخَافَ مِنْهَا عَلَى نَفْسِهِ -نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ مُوجِبَاتِ غَضَبِهِ، وَأَلِيمِ عِقَابِهِ-.
[الشّرْح]
قالَ: ((الْعَاشِرُ: الْإِعْرَاضُ عَنْ دِينِ اللَّهِ -تَعَالَى-: لَا يَتَعَلَّمُهُ، وَلَا يَعْمَلُ بِهِ)). الإعْراضُ عَن دِينِ اللهِ: أنْ لا يَتَعَلَّمَ الدّينَ ولا يَعْمَلَ بِهِ، فهذا كُفْرٌ.
وأمّا الإعْراضُ عَنْ بَعْضِ العِلْمِ وعَنْ بعضِ الدّينِ فهذا ليس بِكُفْرٍ، كثيرٌ مِنَ النّاسِ -الآنَ- يُعْرِضُونَ عَنِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ، وقد يكونُ هذا مِنَ العِلْمِ الواجِبِ..
مَنْ أَعْرَضَ عن العِلْمِ بِالصّلاةِ التي هي واجِبٌ، التي هي رُكْنٌ عظيمٌ مِنْ أرْكانِ الإسلامِ -وهي الرُّكْنُ الثّانِي-، فلا شكّ أنّ هذا الإعراضَ -أنّهُ- قُصُورٌ، ولكنّهُ لا يَكْفُرُ بِهِ. لكنْ إذا أوجدَ هذا الإعراضُ الجهلَ بهذه الصّلاةِ، وأنْ لا يُؤُدِّيَها، فإنّ صلاتَهُ لا تَصِحُّ إلّا بأنْ يأتِيَ بها على نَحْوِ ما شَرَعَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو لا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ في تَفْرِيطِهِ في هذه العِبادةِ، لكنْ تَكَلَّمَ العُلَماءُ: هل يَكْفُرُ بالصّلاةِ التي يُؤَدِّيها على غيرِ ما شَرَعَها النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع إعْراضِهِ عَنِ العِلْمِ أم لا.
أمّا إذا كانَ غافِلًا عن العِلْمِ وهو لا يَعْلَمُ، كالذي صَلَّى بِحُضُورِ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: ((ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ))[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، فإنّ هذا بالاتِّفاقِ إنّهُ لا يُمْكِنُ أنْ يَكْفُرَ، ولا يُمْكِنُ أنْ يُنَزَّلَ عليه الحُكْمُ، لكنّهُ قد يُؤاخَذُ بالتَّفْرِيطِ إنْ كانَ مُفَرِّطًا.
فينبغي أنْ يُفَرَّقَ بينَ الإعْراضِ عَنِ الدّينِ بالكُلِّيّةِ على وَجْهِ الرَّغْبةِ عنهُ، لا يُحِبُّهُ ولا يُحِبُّ أنْ يَتَعَلَّمَهُ.. فهذا كُفْرٌ، وأمّا الإعْراضُ عن بعضِ العِلْمِ فإنّ هذا ليس كالإعْراضِ الكُلِّيِّ، وكذلك الغَفْلةُ عن العِلْمِ، يعني كثيرٌ مِنَ النّاسِ -الآنَ- يَظُنُّ أنّهُ على عِلْمٍ بِصَلاتِهِ وبِصَوْمِهِ وبِحَجِّهِ وبِتَوْحِيدِهِ، فيَظُنُّ أنه على عِلْمٍ، فهذا يَقَعُ في الخَطَأِ، ولا يَتَعَلَّمُ، ولا يَطْلُبُ العِلْمَ، يَظُنُّ أنّهُ على عِلْمٍ، فهذا لا يُمْكِنُ أنْ يُؤَاخَذَ.
ولهذا؛ ينبغي أنْ يُفَرَّقَ بينَ هذه الصورةِ -صورةِ الغافِلِ الذي يَظُنُّ أنّهُ على عِلْمٍ-، وبينَ الذي يَعْلَمُ أنّهُ جاهِلٌ لا يَتَعَلَّمُ التَّوْحِيدَ..؛ فهذا يُخْشَى عليه.
قال: ((وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ -تَعَالَى-: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}[السَّجْدَة:22])).
الإجْرامُ هُنا هو الجُرْمُ الأكْبَرُ، وهو الكُفْرُ باللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.
فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هذه الصُّوَرَ ثم قالَ: ((وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ النَّوَاقِضِ بَيْنَ الْهَازِلِ وَالْجَادِّ وَالْخَائِفِ، إِلَّا الْمُكْرَهَ)). هل قالَ: لا فرق بين الجاهل والعالم؟
قال: ((الْهَازِل والْجَادّ))؛ لأنّهُ لا يُمْكِنُ أنْ يُعْذَرَ الرَّجُلُ يقولُ: واللهِ أنا أمْزَحُ، أو أنّي قُلْتُ هذه الكَلِمةَ على سَبِيلِ الْمُزاحِ. وكذلك: ((الْخَائِف)) يقولُ أنّهُ وقَعَ في الشِّرْكِ خَوْفًا مِن فُلانٍ، إلّا أنْ يَبْلُغَ الحَدُّ إلى الإكْراهِ، والإكْراهُ له ضَوابِطُ: ليس كُلُّ مَنْ هَدَّدَ بِشَيْءٍ إذا اسْتُجِيبَ لَهُ يُقالُ أنّ هذا هو مُكْرِهٌ غَيْرَهُ على شَيْءٍ؛ وإنّما له شُرُوطٌ؛ وهو أنْ يكونَ على قُدْرةٍ أنْ يُنَفِّذَ ما هَدَّدَ بِهِ، وأنْ يكونَ ذلك الْمُهَدَّدَ أعْزَلَ لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَدْفَعَ عن نَفْسِهِ. فإذا تَحَقَّقَتْ هذه الشُّرُوطُ -شُرُوطَ الإكْراهِ- فعند ذلك يُعْذَرُ الْمُكْرَهُ فيما بَدَرَ منه في حالِ الإكْراهِ.
قال: ((وَكُلُّهَا مِنْ أَعْظَمِ مَا يَكُونُ خَطَرًا، وَأَكْثَرِ مَا يَكُونُ وُقُوعًا)). نَبَّهَ على خُطُورَتِها؛ لِعِظَمِ خَطَرِها؛ فإنّها مِنْ أخْطَرِ أنْواعِ الكُفْرِ، ولِكَثْرةِ -أيْضًا- الوُقُوعِ فِيها. ولهذا؛ ((يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَحْذَرَها، وَأَنْ يَخَافَ مِنْهَا عَلَى نَفْسِهِ)).
نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- التَّوْفِيقَ لِلْجَمِيعِ.
هذا واللَّهُ أعْلَمُ، وصَلَّى اللَّهُ وسَلَّمَ وبارَكَ على عَبْدِهِ ورَسُولِهِ مُحَمَّدٍ.
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 07-22-2010, 03:47 PM
عمارالفهداوي عمارالفهداوي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: العراق
المشاركات: 976
افتراضي

جزاك الله خيرا اخي عماد ززفقك لما يحب ويرضى أن أنتظر وليس عندي مشكلة فقط أن يكتمل التنسيق .....
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 07-30-2010, 10:43 AM
عمارالفهداوي عمارالفهداوي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: العراق
المشاركات: 976
افتراضي

جزاك الله خيرا يا أم زيد وجعل ذلك في ميزان حسناتك بمنه وكرمه .... ونحن بانتطار الاخ محمد عماد نوفل لتنسيقها كما وعدنا ونسأله تعالى أن يجزل له الاجر والمثوبة آميـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 08-20-2010, 10:28 PM
عمارالفهداوي عمارالفهداوي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: العراق
المشاركات: 976
افتراضي

الاخ محمد عماد نوفل رمضان مبارك علينا وعليكم وعلى جميع المسلمين نسأله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الاعمال بس لا تحسب هذا استعجال فقط اريد ان استفسر عن تنسيق التفريغ اين وصل العمل ارجوا ان تخبرني لو تكرمت وجزيت خيرا اخوك عمار الفهداوي
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 08-21-2010, 12:18 AM
محمد نوفل محمد نوفل غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 324
افتراضي

أخي الكريم، أسبوع -كحد أقصى!- وأضع التفريغ منسقًا بين أيديكم.. والله ولي التوفيق.
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 08-27-2010, 12:56 AM
عمارالفهداوي عمارالفهداوي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: العراق
المشاركات: 976
افتراضي

اللهم يسر يارب .........
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 08-27-2010, 07:03 PM
محمد نوفل محمد نوفل غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 324
افتراضي

(هانت -أخي عمار-)...
أعلم أني تأخرتُ عليك، لكن اعلم أني أمني نفسي والصوارف تشغلني -فمضت الأيام ولمّا أعمل في التنسيق شيئًا إلا مؤخرًا-، وأبشر؛ فإني -الآن- شُغِلْتُ به قبل كل شيء، وسأنتهي قريبًا، ولتكن مدركًا أن هذا الأمر يأخذ الوقت الطويل... بوركتم.
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 09-03-2010, 03:58 AM
عمارالفهداوي عمارالفهداوي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: العراق
المشاركات: 976
افتراضي

أنا بالانتظار وأسأله تعالى أن يعينك على هذا العمل وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وان يجعل ذلك في ميزان حسناتك بمنه وكرمه أمين اخوك الداعي لك بالخير دوما ((عمار))
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 09-22-2010, 11:50 PM
عكرمه عكرمه غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: May 2010
المشاركات: 15
افتراضي

جزاكم الله خيرا
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
تفريغات أم زيد, تفريغات محمد عماد نوفل

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:25 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.