أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
53666 98094

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر العقيدة و التوحيد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #41  
قديم 04-14-2011, 02:09 AM
أبوالوليد اليعقوبي أبوالوليد اليعقوبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2009
الدولة: الجزائر(الجلفة)
المشاركات: 267
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عبد الله عادل السلفي مشاهدة المشاركة
أنت لا تفرق بين إجماع الصحابة و قول الجمهور إصطلاحا؟ لما تفرق بينهما أجيبك على كل ما تريد. أخي الكريم.
و إن أردت أن تعرف من نقل الإجماع إقرأ قول ابن حزم في المسألة.
أنا لا أخلط بارك الله فيك. أنا أشرت لكنك لم تفهم إشارتي وتلويحي .
*قصدت أن أثبت لك انتفاء ثبوت هذا الإجماع المزعوم عن الصحابة .
إذ كيف يجمع الصحابة ثم تطبق الأمة بعدهم على خلاف قولهم إلا قليلا من الفقهاء يعدون على الأصابع؟ !!!!!.
*إن من حكى هذا الإجماع- إن صح- فهذا التكفير يحمل على الكفر الأصغر غير المخرج من الملة لمن تركها متكاسلا .
أو يمكن أن يقال أنهم قصدوا تاركها جحودا أوعنادا أو استكبارا أو إعراضا . المهم ينزه قولهم أن يحمل على تكفير تاركي الصلاة المتكاسلين الكفر الأكبر .
بوركت .
  #42  
قديم 04-16-2011, 10:10 AM
أبومعاذ الحضرمي الأثري أبومعاذ الحضرمي الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الدولة: اليمن
المشاركات: 1,139
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله السلفي الجزائري مشاهدة المشاركة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قلت لك أن حديث البطاقة ظاهره أن عمل القلب ليس من أصل الإيمان ولم يذكر في الحديث فإذا ذهبت لتستدل على وجوب عمل القلب من أدلة أخرى فأقول وهكذا دلت هناك أدلة أخرى على وجوب عمل الجوارح سواء بسواء
هذا الكلام خطأ ومبني على محاكمة (الأدلة الشرعية) بالمصطلحات الحادثة ولا تختلني أخي فهذه الشبهة قد اجان (عليها) الشيخ أحمد الزهراني في كتابه(ترك العمل الظاهر واثره في الإيمان)...
والتعبير بعمل القلوب وعمل الجوارح تعبير حادث وأما في النصوص الشرعية فيعبر عن الباطن-عمل القلب) بالإيمان ويعبرعن الظاهر(عمل الجوارح) بالعمل ...ومن اقرب الأدلة التي (تفحم) من يقول كقولك هذا هو نفس الأثر الذي يستدل به بعض إخواننا على إجماع الصحابة ونصه حتى لا تنسى هو:(ما كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) .
فهل تلزم من يقول به ان الصحابة لا يكفرون تارك (عمل القلب=المنافق) ؟
وهذا على مذهبك طبعا أما الصواب فهو بالرجوع للنصوص والجمع بينها لا بالتكلف في تأويلها ومحاكمتها بالمصطلحات الحادثة ....كما فعلت هنا -عفا الله عنك-
ثم أن حدبث البطاقة ظاهره أن الرجل دخل الجنة ابتداء بعد أن وزنت سيئاته وحسنته فهل تلتزم بهذا الظاهر وبالتالي ستقول أن العمل ليس من الإيمان كما استدلت بذلك المرجئة أم ستذهب إلى أدلة أخرى وستفصل وتؤل هذا الظاهر انتظر الجواب
[COLOR="Red"]الجواب :
موجود في نص الحديث ولكن يبدو أنك لم تتأمله بل تتأوله...أليس الرجل قد(أمر به) إلى النار جزاء تقصيره كما في بعض الروايات؟وسأوافيك بها بإذن الله وهي في كتاب (الأجوبة السديدة على الأئلة الرشيدة)للشيخ زيد المدخلي -حفظه الله-

ثم عفالله عنه برحمته .[/COLOR]
..
وقولك بعدها :
أما حديث "لم يعمل خيراً قط"
فهذا يلزمكم إخراج أعمال القلوب أيضا
تماماً كما أخرجتم أعمال الجوارح عن حقيقة الايمان...!!!
أقول :
هذا جوابه كما سبق .. لا تحاكم الأصل بالفرع...وبين لنا وجه اللازم وأعني :
كيف تلزم من يؤمن بأن حديث البطاقة على ظاهره -وان الأعمال جزء من الإيمان- بأنه يخرج العمل من الأيمان ؟؟؟؟
وقولك :

فإن أثبتم عمل القلب يلزمكم كذلك إثبات أعمال الجوارح لدلالة أدلة أخرى على ذلك...
فالدليل المتقدم ايراده وحسب فهمكم يخرج أيضا عمل القلب، فقد قال المؤمنون لربهم((ربنا لم نذر فيها خيراً قط((
وذلك بعدما أخرجوا من النار من كان في قلبه(((مثقال ذرة من خير(((!!!!
فأين هو عمل القلب الذي أثبتموه وحكمتم بكفر تاركه،،، وكيف نفيتم كفر تارك العمل!!!
والناظر لهذا الدليل لا يجدفيه ما أثبتم....!
بل يرى فيه نفي العمل بالكلية عمل قلب كان،، أو عمل جوارح!!!
والجواب :
لو رجعت إلى كلام ابن تيمية كما في حاشية (ص302) من كتاب (منهج السلف الصالح) للشيخ علي الحلبي- حفظه الله- لوجدت الجواب من شيخ الإسلام على لسان تلميذه (الامام ابي بكر بن المحب الصامت-رحمه الله-).

وقولك :
فإن قلتم بأن هذا الحديث فيه الإخبار بأن الملائكة قالت : ( لم نذر فيها خيرا ) أي : أحدا فيه خير والمراد ما علموه بإعلام الله . ويجوز أن يقال لم يعلمهم بكل من في قلبه خير وأنه بقي من أخرجهم بقبضته أقول وهكذا نحن نقول لم يعلمهم بكل من عمل خير وأنه بقي من أخرجهم بقبضته ولهذا يعرفون بآثار السجود كما في حديث أبي هريرة وأبي سعيد المتفق عليه: ".....حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار؛ أمر الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله، ولا يشرك به شيئًا، فيخرجونهم، ويُعْرفون بآثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار، إلا أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتحشوا.... ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد.... " أي ثم يحكم الله بخلود أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، ويظهر بهذا أن هؤلاء الذين يؤمر الملائكة بإخراجهم، هم آخر من يخرج برحمة الله، وأنهم خرجوا بالرحمة، لا بشفاعة مخلوق، كما في الرواية الأخرى المتفق عليها:
"وأراد الله أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النار، من كان لا يشرك بالله شيئًا، ممن أراد الله أن يرحمه، ممن يشهد أن لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار بأثر السجود ....." الحديث. فتأمل
والجواب على هذا :
يبدو أنك تنظر إلى النصوص من جانب واحد ولا تجمع بين الروايات ..أليس هناك رواية القبضة وفيها أن الله تعالى يخرج أقواما لم يعملوا خيرا قط (قد صاروا حمما) لا أثر سجود ولا غيره ؟؟؟
وانظر كتاب (الدرر المتلألئة)للعلامة الألباني طبع الشيخ علي الحلبي ...وهو مناقشة بين الأمام الألباني -رحمه الله- وبين الدكتور سفر الحوالي الذي (أول النصوص) كما تفعل انت تماما واتهم لأجل ذلك الشيخ الألباني (بالإرجاء)...

وقولك :
من أقوال الإمام ابن رجب الحنبلي في عمل الجوارح

قال ابن رجب(جامع العلوم والحكم:1/93) تحت حديث عمر رضي الله عنه بني الإسلام على خمس:"فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذه الخمس دعائم الإسلام ومبانيه ، وفسّر بها الإسلام في حديث جبريل ، وفي حديث طلحة بن عبيد الله الذي فيه : أن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم ففسّره له بهذه الخمس ، ومع هذا فالمخالفون في الإيمان يقولون : لو زال من الإسلام خصلة واحدة أو أربع خصال سوى الشهادتين ، لم يخرج بذلك من الإسلام"أ.هـ. لاحظ أنه جعل قول المخالفين : لو زالت جميع الأعمال سوى الشهادتين ، لم يخرج بذلك من الإسلام.
و قال الحافظ ابن رجب رحمه الله (فتح الباري:1/21) عند ذكر تكفـير تـارك الصـلاة قال :"وحكاه إسحاق بن راهوية إجماعاً منهم ، حتى إنه جعل قول من قال : لا يكفر بترك هذه الأركان أنها من أقوال المرجئة"أ.هـ
والجواب :
للإمام ابن رجب كلام آخر في (فتح الباري) نقله الشيخ علي الحلبي في التنبيهات المتوائمة فارجع إليه ونسبه للإمام أحمد كروايات عنه...
وأما موافقة قول ما للمرجئة فهذا لا يعني أنه باطل ...
فابن عبدالبر عندما ذكر القول بعدم تكفير تارك الصلاة تكاسلا قال(وهذالقول قد قالت به المرجئة)ثم استدرك فبين الفرق بينها وبين أهل السنة وانظر التمهيد(4ص246).
وأما كون هذا القول هو نفسه إخراج العمل من الإيمان فنرجوا أن تبين لنا وجه اللازم بوضوح والشافعي ممن نقلت عنهم الإجماع هنا هو نفسه يرى أنتارك الصلاة إذا مات تحت السيف يموت حدا!!!!


ـ ويقول ابن رجب(جامع العلوم والحكم:1/58) أيضاً:"والمشهور عن السلف وأهل الحديث أن الإيمان : قول وعمل ونية ، وأن الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان ، وحكى الشافعي على ذلك إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركهم ، وأنكر السلف على من أخرج الأعمال عن الإيمان إنكاراً شديداً ، وممــن أنـكــر ذلـك عـلـى قائلــه ، وجعلـــه قــولاً محــدثـاً : سعيــد بــن جبــير وميمـون بن مهران وقتادة وأيوب السّختياني وإبراهيم النخعي والزهري ويحيى بن أبي كثير .. وغيرهم. وقال الثوري : هو رأي محدثٌ ، أدركنا الناس على غيره ، قال الأوزاعي : كان من مضى من السلف لا يفرقون بين العمل والإيمان".
ـ قال ابن رجب رحمه الله (فتح الباري :1/113-114) :"وقد كان طائفة من المرجئة يقولون : الإيمان قول وعمل ، موافقة لأهل السنة ، ثم يفسرون العمل بالقول ، ويقولون : هو عمل اللسان. وقد ذكر الإمام أحمد هذا القول عن شبابة بن سوار وأنكره عليه ، وقال : هو أخبث قول ، ما سمعت أن أحداً قال به ولا بلغني . يعني : أنه بدعةٌ ، لم يقله أحد ممن سلف. لعل مراده إنكار تفسير قول أهل السنة "الإيمان قول وعمل" بهذا التفسير فإنه : بدعة ، وفيه عِيٌّ وتكريرٌ ؛ إذ العمل على هذا هو القول بعينه ، ولا يكون مراده إنكار أن القول يسمى عملاً".
قال ابن رجب(جامع العلوم والحكم): الحديث التاسع تحت حديث أبي هريرة رضي الله عنه:(ما نهيتكم عنه فاجتنبوه) "فجنس الأعمال الواجبات أفضل من جنس ترك المحرمات لأن الأعمال مقصودة لذاتها والمحارم مطلوب عدمها ولذلك لا تحتاج إلى نية بخلاف الأعمال وكذلك كان جنس ترك الأعمال قد تكون كفرا كترك التوحيد وكترك أركان الإسلام أو بعضها على ما سبق بخلاف ارتكاب المنهيات فإنه لا يقتضي الكفر بنفسه ويشهد لذلك قول ابن عمر رضي الله عنهما لرد دانق من حرام أفضل من مائة ألف تنفق في سبيل الله وعن بعض السلف قال ترك دانق مما يكرهه الله أحب إلى الله من خمسمائة حجة.."
رد مع اقتباسليس البحث بحث (أفضل) ...
ولكن هل نفهم من كلام أن ترك الصيام والحج والزكاة كفر أم ما ذا ؟
أم هذا قول له مقابل بأقوال غيره من الأئمة ؟
ثم ما مناسبة كلام ابن عمر هنا ؟؟؟؟؟

[SIZE="4"]مرة أخرى أقول لقد لمست في أجوبتك خروج عن نقطة البحث فتذهب تشرق وتغرب في الجواب

اقتباس:
هذا الكلام خطأ ومبني على محاكمة (الأدلة الشرعية) بالمصطلحات الحادثة ولا تختلني أخي فهذه الشبهة قد اجان (عليها) الشيخ أحمد الزهراني في كتابه(ترك العمل الظاهر واثره في الإيمان)...
والتعبير بعمل القلوب وعمل الجوارح تعبير حادث
ياأخي التعبير بعمل القلوب وعمل الجوارح تعبير حادث من قال ذلك من العلماء الكبار وأئمة السلف وهذا الإمام ابن تيمية وابن القيم يعبرون بذلك في كتب العقائد كالواسطية ..

علماً أن الشيخ أحمد الزهراني قد تراجع عن مذهبه الذي تشير إليه فتنبه إلى ماتنسبه إليه بعد ذلك
وفقني الله وإياك لكل خير

"حقيقة الإيمان"... ثمّ تدبّرت!
السبت 04 صفر 1432 الموافق 08 يناير 2011
د. أحمد بن صالح الزهراني

أميز ما يتميّز به مذهب السّلف في سائر الأبواب أنّه متسالم مع كافّة أشكال التّحليل الفكري والمنطقي والنفسي.
المتمسّك بمذهب السّلف في أيّ بابٍ شخصٌ كفى نفسه معارك وحروبًا لا تنتهي بين ما يعتقده ويؤمن به، وبين مسلّمات ويقينيات عقلية أو فكرية أو حتّى نفسيّة.
كلّ من ينحرف عن مذهب السّلف يضع نفسه في غمرة بحر من التناقضات والتضاربات لا يكاد يستقرّ على فكرة إلاّ ونقضتها فكرة أخرى، ولا يكاد يستقر على مذهب في باب من الأبواب إلاّ وتعارض مع باب آخر، ولهذا قال واحد من أذكيائهم: «أضطجع على فراشي، وأضع الملحفة على وجهي، وأقابل بين أدلة هؤلاء وأدلة هؤلاء حتى يطلع الفجر، ولم يترجح عندي شيء»، والأدلة الّتي يقصدها هي نتاج أفكار الخارجين على الوحي، حتّى ابتكر بعض الساقطين فكرة تكافؤ الأدلّة، وصدق الله تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً).
ولهذا تجد أكثر العلماء إنتاجًا فكريًا وثراءً معرفيًا وأنفعهم هم أهل السنّة؛ لأنّهم توقّفوا عن ولوج مساحات كفاهم فيها الشرع، ووظّفوا طاقات الإبداع والابتكار في المساحات العمليّة ذات الثمرة، فأنتجوا وأثروا.
واحد من أهمّ أبواب المذهب السلفي هو عقيدتهم في الإيمان، تعريفه، تصوّره، طبيعته، أجزاؤه، فساده وصلاحه..
ولأنّ مبدأ الاعتقاد هو التصوّر.. فإنّ السّلف وأتباعهم جعلوا تصوّراتهم تابعة لما يصوّره الوحي، ومن ثمّ بنوا اعتقاداتهم عليها؛ فتوافق عندهم العقل والنقل..
أمّا المخالفون لهم فقد تشعّبت بهم الأهواء الرديّة ما بين غالٍ وجافٍ..
تصوّر السلف للإيمان ومن ثمّ اعتقادهم منطلق من الحقائق الواقعية الملموسة ذات الشوّاهد المتعدّدة اليسيرة التناول. تعالوا لنتأمّله:
قال أئمّة السّلف: إنّ الإيمان ذو شعب، وقد يوجد بعضه ويذهب بعضه، كسائر المركّبات الّتي تتشابه أجزاؤها، بل وحتّى كثير من المتفاوتة أجزاؤها؛ فالشجرة يُقطع بعض أجزائها وتبقى شجرة وإن كانت ناقصة، والجسد يذهب بعض أجزاؤه ويبقى اسم صاحبه إنسانًا كان أو حيوانًا.
ولهذا قالوا إنّ الإيمان الشرعي مركب من أجزاء، كلّ منها داخل في حقيقته وماهيّته الشرّعية، وإن كان بعضها أهمّ وأجلّ من بعض، بعضها يقوم بالقلب كالتصديق والخوف والمحبة وغيرها من أعمال القلوب، وبعضها يقوم باللسان كشهادة التوحيد والذكر وقراءة القرآن، وبعضها يقوم بالجوارح كالصلاة والصّوم ونحوها، وعبّروا عن ذلك بقولهم: الإيمان قول وعمل، أو: قول واعتقاد وعمل.
وهذا صريح قوله صلى الله عليه وسلّم: «الإيمان بضعٌ وستّون شعبة؛ أعلاها: شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّدًا رسول الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطّريق، والحياء شعبةٌ من الإيمان».
وبناء عليه قالوا: إنّ الإيمان قد يذهب بعضه ويبقى بعضه، فتذهب بعض الشعب وتبقى الأخرى، لا يلزم من ذهاب شعبة الزّكاة أن تذهب الصلاة، ولا يلزم من ترك شعبة إماطة الأذى ذهاب شعبة لا إله إلاّ الله.
ومن ثمّ قالوا: لا يزول إيمان المؤمن ولا يذهب كلّه إلاّ إذا ترك ما هو أصلٌ في الإيمان كالتّوحيد مثلًا بإجماعهم، وقال كثير من السّلف بتكفير تارك الصلاّة، كذلك بناء على ما جاء في السنّة بشأنها، وجاء عن بعضهم تكفير تارك المباني الأربعة.
وقالوا: إنّه قد يوجد شعبة من شعب الكفر والنفاق في المسلم مع أنّ لديه أصل الإيمان كما قال صلى الله عليه وسلّم: «أربعٌ من كنّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلةٌ منهنّ كانت فيه خصلةٌ من النّفاق حتّى يدعها: إذا حدّث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»، وقد ثبت في الصّحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال لأبي ذر: «إنك امرؤٌ فيك جاهلية».
وقالوا: إنّ فاعل الكبيرة الذي مات مصرًا عليها تحت مشيئة الله؛ لأنّه تعالى يقول: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ).
لكنّه مع هذا لا يستحقّ وصف الإيمان بالإطلاق، بل يقال: مؤمن ناقص الإيمان؛ لأنّه شخصٌ فقد بعض شعب الإيمان الواجبة فنقص إيمانه، فلا يستحق وصف الإيمان المشعر بالكمال والتّزكية، لكنه لا يُسلبَه بالمرة؛ لأنّه ما زال لديه أصل الإيمان وهو التوحيد.
أو يطلق عليه لفظ مسلم؛ لأنّ لفظ «مسلم» غير مستلزم للمدح المطلق، كما قال تعالى للأعراب: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا)، ولمّأ قال سعد بن أبي وقّاص للنبيّ -صلى الله عليه وسلّم- عن شخص إنّه مؤمن قال له النّبيّ: «أو مسلم».
لكن لا يستحق لفظ الإيمان بإطلاق؛ لأنّه كما قلنا ارتكب ما يتناقض مع كماله، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلّم: «لا يزْني الزّاني حين يزْني وهو مؤمنٌ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمنٌ، ولا يسرق السّارق حين يسرق وهو مؤمن» أنّه في حالة وقوعه في الكبيرة خرج من حالة الإيمان؛ لأنّ من آمن بالله وبثوابه وعقابه واستيقنه لا يمكن أن يفعل الكبيرة وهو مستحضر هذا الإيمان، بل يغيب عنه كما يغيب العقل عن شارب الخمر.
ولمّا سلّموا أنّ الإيمان ذو شعب يزول بعضه، ويبقى بعضه عرفوا أنّ ذلك يلزم منه أنّه شيء قابل للزيادة والنقصان تبعًا لزيادة الأجزاء المكوّنة له عند كلّ إنسان بحسبه، أو نقصها لديه.
فمن صلّى وزكّى وصام وحجّ ليس كمن فعل ذلك وزاد الجهاد والبر والصلة..
ولمّا قال عمير بن حبيبٍ رضي الله عنه: «الإيمان يزيد وينقص»، قيل: وما زيادته ونقصانه؟ قال: «إذا ذكرْنا الله فحمدناه وسبّحناه فتلك زيادته، وإذا غفلْنا ونسينا فذلك نقصانه».
وهذا معنى مثل قوله تعالى: (ويزْداد الّذين آمنوا إيمانًا). [المدّثر:31] وقوله: (فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ). [آل عمران:173].
ثمّ إنّهم عرفوا أنّه ما دام الإيمان ذا شعب عديدة مديدة أنّه لا يمكن أن يحصّل الإنسان فيه منزلة الرّضا عند الله؛ لأنّه ما من إيمان إلاّ وفوقه إيمان، ولأنّ المؤمن دائمًا يخشى على نفسه من النقص، فإنّه لا يزكي نفسه بوصف الإيمان، وإذا اضطر لذلك فإنّه يستثني فيقول: مؤمن إن شاء الله، وهذا منسجم مع تصوّرهم للإيمان كما قلت، فهم تصوّروه ذا شعب عديدة، فلم يتصوّروا الوصول للكمال فيه فاستثنوا، وهكذا وصفهم الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ). [المؤمنون:60] وقد قالت عائشة: يا رسول الله، أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر ويخاف؟ فقال: «لا يا بنت الصديق، بل هو الرجل يصلي ويصوم ويتصدق، ويخاف أن لا يتقبل منه».
ثمّ إنّهم قالو: إنّ شعب الإيمان وإن كانت متعددة ومتباينة، إلاّ أنّها مترابطة، يتضمن بعضها بعضًا ويستلزم بعضها بعضًا، وينتج بعضها عن بعض؛ فالشعب الظّاهرة تنتج عن الشعب الباطنة، توجد بوجودها، وتقوى بقوّتها، وتضعف بضعفها، وتزول بزوالها.
فإنّ القلب إذا عمره الإيمان والمحبة والخوف والرجاء ظهر أثر ذلك جليًّا على البدن بالعمل الصالح وهجر السيئات، وإذا ظهر على العبد ترك الفرائض والوقوع في المحرمات دلّ على ضعف ما في القلب من الإيمان، وإذا زال الظّاهر دلّ على زوال الباطن، وهذا أمر لا يختصّ بالإيمان بل بكلّ الصفات البشريّة..
فإنّ الشّخص لا يمكن أن يقبل دعوى المحبة من شخص يكيد له ويمكر به..
كما لا يمكن أن يصدّق شخص دعوى شخص بالكراهية، على الرغم مما يحوطه من عطف ورعاية..
فالظواهر دلائل السرائر.. وهكذا قال الله تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ). وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ). فجعل الاتباع والجهاد دليلًا وعلامة على المحبّة، وهي من مكنونات القلوب، لابدّ لها إن وجدت من فروع تظهر على البدن.
ومن جهة أخرى قال عن المنافقين: (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُون). [المائدة:81] فنفى عنهم الإيمان بالله والنّبيّ لوجود ما يتناقض مع هذه الدعوى، وهو تولي الكافرين.
والآن، لاشكّ عندي أنّ كل الجمل الّتي قلتها سابقًا لم تلق لدى العاقل أيّ نوع من التضارب الفكري أو العقلي.. فالحقيقة الشرعية والحقيقة العقلية والروحية منسجمة غاية الانسجام في مذهب السّلف في الإيمان.
أمّا الّذين تنكّبوا الصراط، فاضطربت كلماتهم، وتفرقت أهواؤهم، فشرّق بعضهم وغرّب بعضهم، ومن أعجب العجب أنّهم على رغم تباين وتناقض مذاهبهم، إلاّ أنّهم يتفقون على التصوّر الفاسد الّذي مزّقهم كلّ ممزّق.
فإنّهم تصوّروا الإيمان ماهيةً واحدة، وشيئًا واحدًا، لا يمكن تفرّق أجزائه، بل إمّا أن يوجد كاملًا أو يذهب كاملًا، وبناء عليه قالت المرجئة: بما أنّ الرسول -صلى الله عليه وسلّم- لم يكفّر أصحاب الكبائر، فهذا يعني أنّ الأعمال ليست داخلة في حقيقة الإيمان؛ لأنّها لو كانت كذلك لذهب الإيمان بذهابها، ولكفّر النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- شارب الخمر والزاني، ولم يقم عليهم الحد، ثم يصلي عليهم.
أمّا الخوارج فوافقت المرجئة على التصوّر الفاسد، وخالفتهم في التطبيق، والتزمت أنّ فاعل الكبيرة كافر مرتد خالد في نار جهنّم، واتفق معهم المعتزلة في حكمه في الآخرة، لكنّهم في الدّنيا لم يقولوا بكفره، ولا إيمانه، بل قالوا هو في منزلة بين المنزلتين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «أصل نزاع هذه الفرق في الإيمان من الخوارج والمرجئة والمعتزلة والجهمية وغيرهم أنّهم جعلوا الإيمان شيئًا واحدًا، إذا زال بعضه زال جميعه، وإذا ثبت بعضه ثبت جميعه.
ثمّ قالت الخوارج والمعتزلة: الطّاعات كلّها من الإيمان فإذا ذهب بعضها ذهب بعض الإيمان فذهب سائره، فحكموا بأنّ صاحب الكبيرة ليس معه شيءٌ من الإيمان.
وقالت المرجئة والجهميّة: ليس الإيمان إلاّ شيئًا واحدًا لا يتبعّض، إمّا مجرّد تصديق القلب كقول الجهميّة، أو تصديق القلب واللّسان كقول المرجئة، قالوا: لأنّا إذا أدخلْنا فيه الأعمال صارت جزءًا منه، فإذا ذهبتْ ذهب بعضه، فيلزم إخراج ذي الكبيرة من الإيمان، وهو قول المعتزلة والخوارج».
ولمّا التزموا هذه المقدّمة الباطلة فرّعوا عليها أقوالهم الباطلة في الإيمان: فقالت المرجئة: الإيمان قول بلا عمل، ومرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان، وأنّه لا يزيد ولا ينقص، والناس متساوون في إيمانهم أفجر الخلق وأتقى الخلق متساويان في الإيمان إذا أقرّا واعتقدا، وحرّموا الاستثناء في الإيمان؛ لأنّه عندهم مجرد التصديق، ومن استثنى فقد شكّ ومن شكّ فقد كفر.
وبضدّ أقوالهم هذه قالت الخوارج والمعتزلة وكفّرت المسلمين واستحلّت دماءهم وأموالهم.
وداخل كلّ من المذهبين فروع متضاربة ومتناقضة، ثمّ تجد الفقهاء منهم يقعون في أغلاط فقهية بسبب التزامهم هذه الفروع التي تقوم أصلًا على ذلك التصوّر فاسد، ومن ذلك مسألة انفصام الظاهر عن الباطن، حتّى تصوّر بعضهم أنّ الرّجل يُستتاب من ترك الصلاة أو سبّ الشيخين أو غير ذلك، ثمّ يصرّ على قوله، ويقتل ثم بعد ذلك يمكن أن يكون مؤمنًا بباطنه فيُغسل ويُصلّى عليه، وتصوّر بعضهم أنّ سابّ النّبيّ -صلى الله عليه وسلّم- قد يكون مؤمنًا بباطنه، وأنّ من كفر بلسانه وامتنع من النطق بشهادته أنّه يحكم بكفره في أحكام الشرع، لكنّه قد يكون مؤمنًا بباطنه، و مرة أخرى أقول: صدق الله: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً).

بقيت مسألة المسائل:
إنّ الإيمان كما تقرّره النّصوص الشّرعيّة ليس كائنًا جامدًا يملكه العبد، فيظلّ كما هو لا يتغيّر حتّى يفقده، كلاّ، بل الإيمان ـ كما قلنا سابقًا ـ يشتمل على العلم والمعرفة والتّصديق، وعلى عمل القلْب والجوارح، وهذا يعني أنّ الإيمان صفةٌ متحرّكةٌ، لا تثبت البتّة، لسببٍ مهمٍّ للغاية، ألا وهو: أنّ الإنسان لا يعيش وحده، بل الإنسان يعيش في عالمٍ متغيّرٍ، تتوارد عليه الأحوال المتتابعة الّتي تجرّه إلى التّفاعل معها رغمًا عنه ما دام حيًّا.
والحيّ من صفته الإحساس، وما دام الإنسان حيًا فإنّه يشعر ويتحسّس من كلّ ما يحدث حوله، وهذه الأحوال والمتغيّرات يتفاعل معها الإنسان إمّا سلبًا أو إيجابًا، فيرتفع بسببها إيمانه ويزيد تارةً، وينخفض وينقص تارةً أخرى.
بل إنّ خاصّة المخزون الإيمانيّ للمؤمن أنّه إذا بقي بلا تأثيرٍ ولا حركةٍ فإنّه ينخفض وينقص، مثله مثل الطّاقة البدنيّة، فإذا لم يأكل الإنسان نقصت، وإذا نقصت ضعف فاحتاج إلى الطّعام.
وكذلك الإيمان، فإنّ خاصّته النقصان، فيحتاج المؤمن إلى التعذية الإيمانيّة للبقاء في مستوًى إيمانيٍّ معيّن، ويحتاج لها أيضًا للزّيادة إلى مستوياتٍ أعلى، كلّ ذلك بحسب همّته وطموحه، ولهذا قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثّوب الخلق، فاسألوا الله أن يجدّد الإيمان في قلوبكم».
وهذا صحيحٌ واقعيّ يجرّبه الإنسان من نفسه، وإذا كان هذا عرفْنا ـ بل تيقّنّا ـ أنّ العبد المؤمن لابدّ له من التأثّر في إيمانه بزيادةٍ أو نقصانٍ، فإذا ذكر الله وتقرّب إليه أو تفكّر في خلقه وشرعه زاد إيمانه، وإذا غفل ونسي وشغل بغير الله أو ارتكب ما نهى الله عنه نقص إيمانه.
ومن هنا نعرف أنّ العبد لا يمكن أن يظلّ في حالةٍ واحدةٍ ثابتةٍ لا يتغيّر حاله مهما قيل من إيمانه بل وكفره، وهذه حقيقةٌ أكّدها القرآن، أعني أنّ الكافر نفسه لا يبقى في حالةٍ واحدةٍ من الكفر، بل قد يزيد أو يقل، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً). [النساء:137] ، وقال: (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ). [التوبة:125]، وهذا يعني أنّ السّلف حين تكلّموا في باب الإيمان تكلّموا من خلال النصّ الشّرعي، الّذي يتناول الحقيقة في باب الإيمان من جانبٍ يعلم تمامًا حقيقة خلق الإنسان في بدنه وروحه وطبيعته البشريّة: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). [الملك:14] ولهذا جاء مذْهب السّلف منضبطًا، مثاليًا، واقعيًّا في نفس الوقت، أمّا المرجئة فجاء طرحهم تجريديًا بعيدًا عن الواقعيّة، مغرقًا في الخياليّة والتصوّر.

فإذا كان الذّهن يتخيّل ويتصوّر أمورًا تجريديّة، منزوعةً من لوازمها السّابقة و الّلاحقة، فإنّ الواقع لا يقبل هذا البتّة؛ فالمرجئة عندما عرّفت الإيمان بأنّه التّصديق، تعاملت معه كتعريفٍ ذهنيٍّ تصوّري، ثمّ بدأت تعتقد أمورًا تصوّريةً صرفة، كقولها مثلًا بعدم زيادة الإيمان والتّصديق، وقولها بعدم جواز الاستثناء، وقولها بأنّه شيءٌ واحدٌ لا يتغيّر، وأنّ إيمان الخلق كلّهم واحدٌ؛ النّبيّ والفاجر فيه سواءٌ، ما دام مصدّقًا أو عارفًا، وكلّ هذه الأقوال كما ترى قد يتصوّرها الذّهن ويجيزها، لكنّها في الحقيقة الخارجيّة عدمٌ محضٌ لا وجود له.
تمامًا كما افترض المتكلّمون ذاتًا مجرّدةً عن الصّفات، ثمّ بدؤوا يصدرون أحكامًا في ذات الله تعالى، مثل نفْي الأسماء والصّفات، فقال من قال من السّلف مقولتهم المشهورة: المعطّل يعبد عدمًا؛ لأنّ الحقيقة الواقعيّة تحيل أن توجد الذّات منفصلةً عن الصّفات.
وكذلك فعل المتكلّمون في الإيمان، فتعاملوا معه تعاملًا تصوّريًا وأصدروا أحكامًا في الإيمان يمكن أن نقول ـ وبكلّ ثقةٍ ـ إنّه على تعريفهم وقولهم في الإيمان: لا يوجد في الحقيقة إيمانٌ ولا كفْرٌ البتّة.
ولهذا يقول المرجئة: إنّ المؤمن اليوم هو هو بعد سنة ما دام معه الاعتقاد والقول.
أي أنّهم يتصوّرون وجود شخص كامل الإيمان إيمانه على حالة واحدة من الكمال رغم أنّه يقع في الموبقات.. وهذا ليس راجعًا إلى إهمالهم لمنزلة الأعمال، بل راجع إلى ضلالهم في تصوّر حقيقة الإيمان الشرعية، وأنّه قول وعمل، لا كما تصوّروه.
بينما يقول السّلف كما قال حنظلة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلّم: « لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله -صلى الله عليه و سلم- يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله -صلى الله عليه و سلم- عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرًا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله -صلى الله عليه و سلم- قلت: نافق حنظلة يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكّرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «والذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة».

• إذا فقهنا هذا عرفنا حجم تلك المسألة ذات الصيت الكبير والفائدة القليلة، أعني مسألة «تارك أعمال الجوارح»، تلك المسألة الّتي ظلّت سنوات عديدة مثار جدل ونقاش عميق – وعقيم – حول ما إذا كان تارك عمل الجوارح مسلمًا أو كافرًا، تحت المشيئة أو مقطوع له بالخلود في جهنّم.
• وكنت قد تبنّيت من خلال كتاب لي صدر عام 1418هـ -القول بأنّ تارك عمل الجوارح يبقى تحت المشيئة، لأنّه لا يعدو أن يكون من أهل الكبائر الّذين اجتمعت كلمة السّلف على أنّهم تحت المشيئة، علمًا أنّي قرّرت في الكتاب منهج السلف في أنّ الإيمان قول وعمل، وأنّه يزيد وينقص وغير ذلك.
• بينما ذهب جلّة أهل العلم في المملكة إلى أنّ هذا القول – أي نجاة تارك العمل - من أقوال طائفة المرجئة، وهم الّذين قالوا بأنّ الإيمان قول واعتقاد فقط، وأنّ العمل ليس داخلًا في حقيقة الإيمان الشّرعي.
• وقال هؤلاء العلماء - الذين من جملتهم أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء وعلى رأسهمّ قرّة عيون الموحّدين ودرّة تاج العلوم السلفيّة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- وأنزله منازل الصديقين – إنّ القول بأنّ تارك عمل الجوارح تحت المشيئة يتناقض مع القول بأنّ العمل من الإيمان، وإنّ القول بركنية العمل في الإيمان مستلزم لنفي الإيمان والإسلام عمّن ترك العمل بالكليّة، وأنّ من أثبت له الإسلام إمّا هو من المرجئة الخلّص، أو أنّه قائل بقولهم.
• ولاشكّ عندي الآن أنّ قولهم هو الصّواب، والمسألة برمّتها تنزع إلى الخيال أكثر من الواقع لو تدبرنا ما قلناه في طبيعة الإيمان، وحقيقته في الشرع.


فقه الوقوف


• والآن أعرف – كما لم أعرف من قبل - أنّه ليس كلّ قول تراه صوابًا يكون كذلك في نفس الأمر، فضلًا عن أن تتخذه دينًا تخاصم به وعليه وحوله، ثمّ يصبح راية تلتف حولها مع بعض المعجبين والأتباع والأصحاب فيتخذ الآخرون رايات يلتفّون حولها، ويصبح كلّ منّا يقاتل دون رايته، فإذا انفضّت المعركة لم يعرف القاتل فيمَ قَتل، ولا المقتول فيم قُتِل!
• كما أنّي أعي أنّه كان الواجب عليّ امتثال وصيّة السّلف الصالح الّتي مثلتها كلمة الإمام الأوزاعي -رحمه الله- حين قال: « اصبرْ نفسك على السنة، وقفْ حيث وقف القوم، وقلْ بما قالوا، وكفّ عما كفّوا عنه، واسلكْ سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعُك ما وسعهم».
• والوقوف هنا له معنى أشمل من الوقوف عن التكلم بالخطأ، إنّه يعني الاعتراف بقدر النّفس وأنّه – في مسائل العقيدة خاصّة- لم تضلّ الأمّة كلّها عن قول ينفعها.
• كم من المسائل الّتي يستطيع الباحث التوصّل فيها إلى أقوال حسنة في نفسها، وهي أقوال ربّما يسعها الدليل، لكن أين الدّعم العلمي من قبل أهل العلم لها؟
• ولهذا لمّا حكى المروزي في تعظيم قدر الصلاة قول الحسن في عدم قضاء الصلاة قال: «وهذا القول غير مستنكر في النظر لولا أن العلماء قد أجمعت على خلافه».
• قبل أن يصبح القول دينًا يدين العبد به ربّه عليه أن يسأل: هل قال به أحد قبلي؟ ومن هو ذلك القائل؟ وما هي ثمرة القول؟
• هذا الذي يجب أن يسأل الشخص نفسه قبل أن يتحدث في مسألة يكون منها فتنة واختلاف بين أهل السنّة.
• والآن أسأل نفسي سؤالًا: ما الّذي كان سيفوت الأمّة لو أنّي سكتّ عما قلت؟
• وما الّذي كانت ستدركه لو أخذت كلّها بقولي؟
• ثمّ إنّ المسألة فيها طرف تربوي أصيل عند أهل السنّة، وهو تقديم الكبار..
• بمعنى أنّ طالب العلم إذا عنّ له قول يراه صوابًا فليعرضه على الكبار من أهل العلم، فإن ارتضوه أو بعضهم على الأقل فحيّ هلا، وإن اتفقوا على تركه - إمّا لخطئه أو اشتباهه أو عدم نفعه – فأقولها الآن وبصدق من محّصته التجربة: ما أصعب العيش بعيدًا عن ظلّ الكبار..


رجوع

• وعلى الرغم مما صوّره لي الشيطان، وصوّرته لي نفسي قبل كتابة هذه الكلمات من شماتة بعض المخالفين، ومن خيبة بعض الموافقين، وما سيشيعه البعض من سوء الظنّ بالقصد من هذه الكلمات، فإنّي والله لا أجد غضاضة من القول بأني تاركٌ لكلّ ما قلته في خصوص مسألة تارك العمل الظاهر، وأنّي أرجع إلى ما اتفق عليه أهل العلم الكبار من الجمل الواضحة البيّنة التي يضرّ خلافها والنقص منها، ولا يضرّ الوقوف عندها وترك ما سواها، وهو ما اتفق عليه أئمّة السلف والخلف من أهل السنّة من أنّ:
• الإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح، وأنّ هذه أركانه ومبانيه الّتي يتألف منها ليس شيء منها خارجًا عن حقيقته، ولا يتمّ للإنسان إيمانٌ، ولا يقبل منه إلاّ بالعمل مع القول والاعتقاد.
• والخلاف واقع في كفر من ترك المباني الأربعة وأشهرها الصلاة.
• والقول بتكفير تارك الصّلاة قولٌ معتبرٌ، نسبه بعض الأئمة لجمهور الصحابة، وليس القائل به قائلًا بقول الخوارج -كما فهم من كلامي في الكتاب- فمن كفّر -من السلف - تارك الصلاة أو تارك أحد المباني الأربعة فتارك كلّ العمل عنده كافر من باب أولى.
• وأنّ الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالإيمان وينقص بالمعصية، وأعمال القلوب تتفاضل ويتفاضل بها الإيمان الظّاهر كذلك.
• وأنّ الاستثناء في الإيمان جائز، إذا كان واقعًا على العمل، بل هو مستحبّ من باب عدم تزكية النفس، خلاف ما عليه المرجئة من منع الاستثناء.
• وأنّ مرتكب الكبيرة مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، أو هو مسلم كما في حديث سعد، أو هو مؤمن ناقص الإيمان، إن لم يتب منها ويصلح ما بينه وبين الله تعالى، فلا نسلبه مطلق الإيمان -كما قال الخوارج والمعتزلة- ولا نثبت له الإيمان المطلق كما تقول المرجئة.
• إنّ رجوعي عن تبنّي ذلك القول الذي قلته سابقًا وألّفت فيه كتابيّ: «ضبط الضوابط» و «ترك العمل الظاهر» يأخذ عندي مدًى أكبر من مجرّد الرجوع عن خطأ إلى صواب، بل هو رجوع عن المشتبه إلى المحكم، وعن مظانّ الفتنة والخلاف إلى موجبات السنّة والجماعة، فأن تكون ذَنَبًا في المحكم المجمع عليه خيرٌ من أن تكون رأسًا في المشتبه المختلف فيه.
• وقد اجتهدت في غير معنى، ونافحت في غير ذي جدوى، وأسأل الله تعالى أن يغفر لي زللي، وأن يريني الحق حقًا ويرزقني اتباعه، والباطل باطلًا ويرزقني اجتنابه.
والله أعلم بالصواب وإليه المتاب.


المصدر :
http://alsaha2.fares.net/sahat/6/topics/283547


اقتباس:
ومن اقرب الأدلة التي (تفحم) من يقول كقولك هذا هو نفس الأثر الذي يستدل به بعض إخواننا على إجماع الصحابة ونصه حتى لا تنسى هو:(ما كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) .
فهل تلزم من يقول به ان الصحابة لا يكفرون تارك (عمل القلب=المنافق) ؟
يارجل الحديث يتكلم عن رؤية الصحابة لعمل الجوارح فقط ولهذا استثنى الصلاة وهي من من عمل الجوارح والمستثنى هو من جنس المستثنى منه
وإني لأعجب لمن يتأول هذا الحديث فيقول المراد كفر دون كفر أو كفر أصغر وهذا تأوي متعسف وفساده ظاهر فإذا كان الصلاة من عمل الجوارح هي كفر دون كفر عندهم فقط فما حكم الزكاة والصوم والحج أليست أيضاً كفر دون كفر


اقتباس:
ثم أن حدبث البطاقة ظاهره أن الرجل دخل الجنة ابتداء بعد أن وزنت سيئاته وحسنته فهل تلتزم بهذا الظاهر وبالتالي ستقول أن العمل ليس من الإيمان كما استدلت بذلك المرجئة أم ستذهب إلى أدلة أخرى وستفصل وتؤل هذا الظاهر انتظر الجواب
[COLOR="Red"]الجواب :
موجود في نص الحديث ولكن يبدو أنك لم تتأمله بل تتأوله...أليس الرجل قد(أمر به) إلى النار جزاء تقصيره كما في بعض الروايات؟وسأوافيك بها بإذن الله وهي في كتاب (الأجوبة السديدة على الأئلة الرشيدة)للشيخ زيد المدخلي -حفظه الله-

ثم عفالله عنه برحمته

الرجل الذي خلص بعد أن وزنت وزنت سيئاته وحسنته ورجحت هذه البطاقة وباتالي لم يأمر به بعد ذلك إلى النار بل دخل الجنة ابتداءً وهو رجل واحد بنص الحديث فهل ستلتزم بهذا الظاهر؟!!
اقتباس:
يبدو أنك تنظر إلى النصوص من جانب واحد ولا تجمع بين الروايات ..أليس هناك رواية القبضة وفيها أن الله تعالى يخرج أقواما لم يعملوا خيرا قط (قد صاروا حمما) لا أثر سجود ولا غيره ؟؟؟
وانظر كتاب (الدرر المتلألئة)للعلامة الألباني طبع الشيخ علي الحلبي ...وهو مناقشة بين الأمام الألباني -رحمه الله- وبين الدكتور سفر الحوالي الذي (أول النصوص) كما تفعل انت تماما واتهم لأجل ذلك الشيخ الألباني (بالإرجاء
من قال لك ليس هناك أثر سجود وقد جاء مفسراً في الرواية الأخرى
والإمام الألباني وافق سفر في هذا الكلام ياتراى هل ستوافق أنت أيضاً على هذا التفصيل ألا؟!
ففي نقدات الإمام الألباني وتعقباته على مواضع من كتاب "ظاهرة الإرجاء" نشره تلميذه علي بن حسن الحلبي. بعنوان (الدرر المتلألئة) وجاء في (ص127) منه: ((قال (د. سفرٌ الحوالي في (ص161): (فمن ترك الصلاة بالكلية فهو من جنس هؤلاء الكفار، ومن تركها في أكثر أحيانه ؛ فهو إليهم أقرب، وحاله بهم أشبه, ومن كان يصلي أحيانًا ويدع أحيانًا فهو متردد متذبذب بين الكفر والإيمان, والعبرة بالخاتمة.
وترك المحافظة.... غير الترك الكلي الذي هو الكفر)).اﻫ.
فقال الإمام الألباني: ((وهذا التفصيلُ نراه جيدًا ؛ ولكن: هل علة الكفر في هذه الحالة هو التـرك لأنه ترك؟ أم لأنه يدل بظاهره على العناد، والاستكبار ؛ وهو الكفر القلبي؟ هذا هو الظاهر، وهو مناط الحكم بالكفر, وليس مجرد الترك, وهو معنى ما كنت نقلته في رسالتي عن ابن تيمية (ص44-46), وهو المصر على الترك -مع قيام الداعي على الفعل -كما فصلته هناك-؛ فراجعه، فكلام المؤلف لا يخرج عنه؛ بل يبيّنه ويوضحه)).اﻫ.

وهناك مغالطات أخرى وخروج عن نقطة البحث لكن أكتفي بهذا فالوقت دون ذلك فاعذرني بارك الله فيك


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
  #43  
قديم 04-17-2011, 10:10 PM
عبد الله السلفي الجزائري عبد الله السلفي الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 1,039
افتراضي بين الأخ (الأثر) وأهل الأثر

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .............. وبعد :
فهذا حديث دال بوضوح على أن من نطق الشهادتين عن إعتقاد صحيح نفعته وكان بذلك مسلما ولو لم يعمل بجوارحه .
فقد قرأت في موقع الإمام محمد ناصر الدين الألباني-رحمه الله تعالى- تحت عنوان :

الصوم والصدقة عن الوالد المسلم

قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة - حديث رقم 484: ( أَمَّا أَبُوكَ فَلَوْ كَانَ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ فَصُمْتَ وَتَصَدَّقْتَ عَنْهُ نَفَعَهُ ذَلِكَ ):

أخرجه الإمام أحمد حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : " أَنَّ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ نَذَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَنْحَرَ مِائَةَ بَدَنَةٍ وَأَنَّ هِشَامَ بْنَ الْعَاصِي نَحَرَ حِصَّتَهُ خَمْسِينَ بَدَنَةً وَأَنَّ عَمْرًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : ( فذكره ) .
والحديث دليل واضح على أن الصدقة والصوم تلحق الوالد ومثله الوالدة بعد موتهما إذا كانا مسلمين , ويصل إليهما ثوابها بدون وصية منهما , ولما كان الولد من سعي الوالدين , فهو داخل في عموم قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) النجم 39 , فلا داعي إلى تخصيص هذا العموم بالحديث وما ورد في معناه في الباب , مما أورده المجد ابن تيمية في " المنتقى " كما فعل البعض .
واعلم أن الأحاديث التي ساقها في الباب هي خاصة بالأب أو الأم من الولد فالاستدلال بها على وصول ثواب القرب إلى جميع الموتى كما ترجم لها المجد ابن تيمية بقوله " باب وصول ثواب القرب المهداة إلى الموتى " غير صحيح لأن الدعوى أعم من الدليل , ولم يأت دليل يدل دلالة عامة على انتفاع عموم الموتى من عموم أعمال الخير التي تهدى إليهم من الأحياء , اللهم إلا في أمور خاصة ذكرها الشوكاني في " نيل الأوطار , ثم الكاتب في كتابه " أحكام الجنائز وبدعها " , وقد يسر الله – والحمد لله – طبعه , من ذلك الدعاء للموتى , فإنه ينفعهم إذا استجابه الله تبارك وتعالى , فاحفظ هذا تنج من الإفراط والتفريط في هذه المسألة .
وخلاصة ذلك أن للولد أن يتصدق ويصوم ويحج ويعتمر ويقرأ القرآن عن والديه , لأنه من سعيهما , وليس له ذلك عن غيرهما , إلا ما خصه الدليل مما سبقت الإشارة إليه , والله أعلم .

قلت :
لفظ الحديث واضح في ما ذكرته وهو مرة أخرى :

أخرجه الإمام أحمد حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : " أَنَّ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ نَذَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَنْحَرَ مِائَةَ بَدَنَةٍ وَأَنَّ هِشَامَ بْنَ الْعَاصِي نَحَرَ حِصَّتَهُ خَمْسِينَ بَدَنَةً وَأَنَّ عَمْرًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : ( أَمَّا أَبُوكَ فَلَوْ كَانَ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ فَصُمْتَ وَتَصَدَّقْتَ عَنْهُ نَفَعَهُ ذَلِكَ ).

والإقرار كما في اللغة هو :
التعبير باللسان عما في القلب وهو مقابل للجحود.
ففي لسان العرب :
والإِقرارُ الإِذعانُ للحق والاعترافُ به. أَقَرَّ بالحق أَي اعترف به.

...

أقول :
فلو لم يكن الإقرار بالتوحيد يتحقق به(أصل الإيمان= مطلق الإيمان الذي يخرج صاحبه عن حد الكفر لكن لا يكون إيمانه كاملا أي: لا يكون معه الإيمان المطلق) لما أجاب النبي-عليه الصلاة والسلام بهذا الجواب .
هذا وللكلام بقية -إن شاء الله تعالى-
والله أعلم .........
  #44  
قديم 04-18-2011, 08:47 AM
أبومعاذ الحضرمي الأثري أبومعاذ الحضرمي الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الدولة: اليمن
المشاركات: 1,139
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله السلفي الجزائري مشاهدة المشاركة
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .............. وبعد :
فهذا حديث دال بوضوح على أن من نطق الشهادتين عن إعتقاد صحيح نفعته وكان بذلك مسلما ولو لم يعمل بجوارحه .
فقد قرأت في موقع الإمام محمد ناصر الدين الألباني-رحمه الله تعالى- تحت عنوان :

الصوم والصدقة عن الوالد المسلم

قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة - حديث رقم 484: ( أَمَّا أَبُوكَ فَلَوْ كَانَ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ فَصُمْتَ وَتَصَدَّقْتَ عَنْهُ نَفَعَهُ ذَلِكَ ):

أخرجه الإمام أحمد حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : " أَنَّ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ نَذَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَنْحَرَ مِائَةَ بَدَنَةٍ وَأَنَّ هِشَامَ بْنَ الْعَاصِي نَحَرَ حِصَّتَهُ خَمْسِينَ بَدَنَةً وَأَنَّ عَمْرًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : ( فذكره ) .
والحديث دليل واضح على أن الصدقة والصوم تلحق الوالد ومثله الوالدة بعد موتهما إذا كانا مسلمين , ويصل إليهما ثوابها بدون وصية منهما , ولما كان الولد من سعي الوالدين , فهو داخل في عموم قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) النجم 39 , فلا داعي إلى تخصيص هذا العموم بالحديث وما ورد في معناه في الباب , مما أورده المجد ابن تيمية في " المنتقى " كما فعل البعض .
واعلم أن الأحاديث التي ساقها في الباب هي خاصة بالأب أو الأم من الولد فالاستدلال بها على وصول ثواب القرب إلى جميع الموتى كما ترجم لها المجد ابن تيمية بقوله " باب وصول ثواب القرب المهداة إلى الموتى " غير صحيح لأن الدعوى أعم من الدليل , ولم يأت دليل يدل دلالة عامة على انتفاع عموم الموتى من عموم أعمال الخير التي تهدى إليهم من الأحياء , اللهم إلا في أمور خاصة ذكرها الشوكاني في " نيل الأوطار , ثم الكاتب في كتابه " أحكام الجنائز وبدعها " , وقد يسر الله – والحمد لله – طبعه , من ذلك الدعاء للموتى , فإنه ينفعهم إذا استجابه الله تبارك وتعالى , فاحفظ هذا تنج من الإفراط والتفريط في هذه المسألة .
وخلاصة ذلك أن للولد أن يتصدق ويصوم ويحج ويعتمر ويقرأ القرآن عن والديه , لأنه من سعيهما , وليس له ذلك عن غيرهما , إلا ما خصه الدليل مما سبقت الإشارة إليه , والله أعلم .

قلت :
لفظ الحديث واضح في ما ذكرته وهو مرة أخرى :

أخرجه الإمام أحمد حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : " أَنَّ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ نَذَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَنْحَرَ مِائَةَ بَدَنَةٍ وَأَنَّ هِشَامَ بْنَ الْعَاصِي نَحَرَ حِصَّتَهُ خَمْسِينَ بَدَنَةً وَأَنَّ عَمْرًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : ( أَمَّا أَبُوكَ فَلَوْ كَانَ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ فَصُمْتَ وَتَصَدَّقْتَ عَنْهُ نَفَعَهُ ذَلِكَ ).

والإقرار كما في اللغة هو :
التعبير باللسان عما في القلب وهو مقابل للجحود.
ففي لسان العرب :
والإِقرارُ الإِذعانُ للحق والاعترافُ به. أَقَرَّ بالحق أَي اعترف به.

...

أقول :
فلو لم يكن الإقرار بالتوحيد يتحقق به(أصل الإيمان= مطلق الإيمان الذي يخرج صاحبه عن حد الكفر لكن لا يكون إيمانه كاملا أي: لا يكون معه الإيمان المطلق) لما أجاب النبي-عليه الصلاة والسلام بهذا الجواب .
هذا وللكلام بقية -إن شاء الله تعالى-
والله أعلم .........
رحمك الله أخي عبدالله
الإقرار ليس مجرد الاعتراف والتعبير باللسان فقط
المراد بالإقرار :
الإقرار يطلق على شيئين:
الأول: على قول القلب. وهذا عند ذكره مع عمل القلب.
الثاني: على عمل القلب. ويكون المراد به الالتزام، وهذا عند الإطلاق، كما في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ [ آل عمران: 81]. فالإقرار هنا ليس معناه الخبر المجرد، بل معناه الالتزام للإيمان والنصرة للرسول صلى الله عليه وسلم وهذا هو الإيمان بما فيه عمل القلب.
ويقابل الإقرار بالمعنى الأول الإنكار والجحود. وبالمعنى الثاني يقابله الإباء والامتناع. كما أن الكفر منه كفر إنكار وجحود. ومنه كفر إباء وامتناع ككفر إبليس.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولفظ الإقرار: يتناول الالتزام والتصديق، ولابد منهما، وقد يراد بالإقرار مجرد التصديق بدون التزام الطاعة) .
ولهذا عرفه في اللسان كماذكرت :والإِقرارُ الإِذعانُ للحق والاعترافُ به. أَقَرَّ بالحق أَي اعترف به

إذا لاحجة لك في ذلك

ولهذا قال الإمام الألباني في "الوجه الثاني" من (الشريط الثاني) من شرائط (رحلة النور):
((فقول المسلم أَيّ مسلم كان: لا إله إلا الله محمد رسول الله هذا بلا شك ينجيه من عذاب الدنيا ألا وهو القتل. كما قال عليه السلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإذا قالوها، فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسا بهم على الله). فمن قال: لا إله إلا الله، نجى بنفسه من الموت، ولكـن لا ينجو أمام الله عزَّ وجلَّ من الخلود في النار، إلا إذا قام بحق هذه الكلمة، وأول حقها هو عبـادة الله عزَّ وجلَّ وحـده لا شريك له)).اﻫ.
تأمل "لا ينجو أمام الله عزَّ وجلَّ من الخلود في النار، إلا إذا قام بحق هذه الكلمة، وأول حقها هو عبـادة الله عزَّ وجلَّ وحـده لا شريك له"
وقال في "الوجه الأول" من الشريط رقم (56) من "سلسلة الهدى والنور": ((الإسلام هو الشيء الظاهر، والإيمان هو الشيء المتعلق بالباطن، أي شخص يعيش في الدولة المسلمة فإذا أراد أن يكون له حقوق المسلمين، فيجب أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ثم يلتزم أحكام الإسلام كلًّا أو بعضًا على حسب التفصيل المعروف)).اﻫ
تأمل "ثم يلتزم أحكام الإسلام كلًّا أو بعضًا على حسب التفصيل المعروف"

وقال الإمام في "الوجه الأول" من شريط "الفرقة الناجية": ((كما نسمع ذلك في كثير من الأحيان من بعض الشباب الذين لم يربوا تربية إسلامية، وأخلّوا بكثير من الأركان الشرعية كالصلاة مثلًا، إذا قيل لهم: يا أخي لِـمَ ما تصلي؟ يقول لك: العبرة بما في القلب، كأنه يقول أو كأنه يتصور: أنه من الممكن أن يكون القلب صالحًا، وصحيحًا، وسليمًا، أما الجسد فلا يتجاوب مع الأحكام الشرعية؛ هذا أمر باطل تمام البطلان، فلا بد أن نلاحظ هذه الحقيقة، ألا وهي ارتباط الظاهر بالباطن)).اﻫ.
تأمل، قول الإمام: ((فلا بد أن نلاحظ هذه الحقيقة، ألا وهي ارتباط الظاهر بالباطن)).
  #45  
قديم 04-18-2011, 12:53 PM
عبد الله السلفي الجزائري عبد الله السلفي الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 1,039
افتراضي إلى الأخ الأثر مجددا ومن كلام العلامة الالباني (هذه المرة)..

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ................. وبعد :
فهذه مناقشة بين العلامة الألباني توضح (مذهبه)والذي هو قول لفريق من أهل السنة كالإمام الزهري-رحمه الله تعالى وقد "جرى نقاش بين الشيخ الألباني رحمه الله تعالى مع بعض طلبة العلم في مسألة كفر تارك الصلاة [شريط رقم (297) من سلسلة الهدى والنور] جاء فيه:
((قال الشيخ الألباني:شو ورد في السنة؟
السائل:مثل حديث البطاقة
الشيخ الألباني:وشو الاحتمال الذي يرد عليه؟
السائل:مثل حديث البطاقة يا شيخ.
الشيخ الألباني:طيب ما باله؟
السائل: إنه لم يفعل خيرًا إلا هذه الكلمة
الشيخ الألباني:طيب؛ شو يرد عليه؟
السائل:يرِدُ عليه؛أنَّ هذا الرجل لم يمكَّن من فعل الخيرات؛ كقاتل التسع والتسعين نفسًا!.
أحد الحاضرين معقبًا: ومُكِّن من فعل السيئات مائة سجل؟!
فقال الشيخ الألباني مؤيدًا للمعقِّب:هكذا يعني!!
ثم قال الشيخ سائلًا ومستنكرًا: والأحاديث المتواترة في الشفاعة يوم القيامة "أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من خير"، وفي رواية "من إيمان"؛ لم يتمكَّن من أعمال الإيمان؟!
[size="5"]وفي الأحاديث الصحيحة أي الأعمال أفضل؟ أعمال أفضل؛ وذكر منها الصلاة والحج وما شابه ذلك، لم يتمكَّن من الاعمال الصالحة كلها، ولذلك ما بقي في قلبه إلا ذرة من إيمان وذرة من خير؟
هيك يعني معنى الحديث؟!
وهكذا يسوقه علماء السلف الذين تلقينا العقيدة منهم؟!
لما يسوقوا الشفاعة وأحاديث الشفاعة يعنون الذين ما استطاعوا أن يعملوا عمل الخير؟!
هكذا؟!!
لقد وقعتم فيما أنكرتم على مَنْ خالفكم من أهل الأهواء!!.[/size]

إنكم تلفون وتدورون على الأحاديث الصحيحة وتتأولونها مع فكرة قائمة في أذهانكم!، لن تستطيعوا حتى اليوم أن تثبتوها بالأدلة من الكتاب والسنة إلا بالتأويل.
وعلى كل حال؛ فالأدلة التي أنت ذكرتها هي حجة عليك، لإنك تتأولها بما يشبه تعطيل المؤولة لنصوص الكتاب والسنة فيما يتعلق بالصفات الإلهية!!، فنحن الآن لا فرق بيننا وبين أهل الكلام من حيث التعطيل؛ الفرق شكلي!، أولئك يعطلون النصوص المتعلقة في الصفات الإلهية، وهؤلاء يعطلون النصوص المتعلقة بالأحكام الشرعية!، والتعطيل واحد!!!))."
انتهى نقلا عن (نصب الراية للأخ رائد آل طاهر).
وأظن أن الأخ (الأثر) سيقتنع هذه المرة-والله الموفق- ونحن نناقشه - وفقه الله - منطلقين معه من أصل واحد وهو أن (الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية) ونبحث معه في هذه الصورة بالدليل من الشرع المنزل(الكتاب والسنة) ثم ما تفرع عنه من الشرع المأول(كلام علماء السنة).
ولي إليك أخي الأثر شكري وتقديري على حسن أدبك وطول نفسك وتمسكك بما (تراه صوابا) ونامل منك مزيدا من النظر في الأدلة ...
والله الموفق لارب غيره.
أخوك :
راجي رحمة ربه :
عبد الله السلفي الجزائري ...
  #46  
قديم 04-18-2011, 01:43 PM
عبد الله السلفي الجزائري عبد الله السلفي الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 1,039
افتراضي

معنى الإقرار والتصديق في كلام السلف


أن إيمان القلب يشتمل على أصلين:
الأول: قول القلب.
الثاني: عمل القلب.
وقد ورد عن بعض السلف تفسير إيمان القلب: بالتصديق، أو الإقرار، أو الاعتقاد. ويوصف قول القلب بالعلم أو المعرفة إضافة إلى عمل القلب. فهذه سبعة معان مضافة للقلب وردت في عبارات السلف. وبمعرفة حقيقة هذه المعاني يتضح الفرق بين أقوال القلوب وأعمالها، والعلاقة بينها. حيث إن بعض الناس قد يخلط بين أقوال القلوب وأعمالها، فتخفى عليهم بعض أحكام أعمال القلوب. ولذا سوف أوضح – إن شاء الله – هذه المعاني، وبيان مراد السلف بها، من خلال المسائل الثلاث التالية:
المسألة الأولى: المراد بتصديق القلب
يطلق تصديق القلب على شيئين:
الأول: التصديق الخبري العلمي الذهني، بمعنى أن يقع في القلب نسبة الصدق إلى المخبر والخبر ذاته مجردا عما سوى ذلك من أعمال القلوب. وهذا هو قول القلب.
الثاني: التصديق العملي، أي تصديق الخبر بالامتثال والانقياد. وهذا هو الذي قصده السلف عند إطلاق التصديق. فمن قال من السلف بأن الإيمان هو: التصديق، فإنه يقصد بذلك المعنيين؛ قول القلب وعمله. أو عمل القلب المتضمن لتصديقه.
قال الإمام الآجري رحمه الله: (اعلموا – رحمنا الله وإياكم – أن الذي عليه علماء المسلمين: أن الإيمان واجب على جميع الخلق، وهو تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح) .
وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة ولغة العرب وأقوال السلف على أن التصديق ليس محصورا في التصديق الخبري. بل ورد كذلك في التصديق العملي، فمن شواهد ذلك:
1) قوله تعالى: وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [ الصافات: 104- 105]، أي قد امتثلت الأمر وحققته فكأنه قد ذبح ابنه. لأن المقصود هو عمل القلب.
2) قوله تعالى: وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [ الزمر: 33]. فقد فسرها ابن عباس رضي الله عنهما – أن الصدق هو شهادة أن لا إله إلا الله. فمن جاء مصدقا بها من المؤمنين ومصدقا بمحمد صلى الله عليه وسلم فهو المتقي .
3) قوله تعالى: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [ البقرة: 177].
قال ابن كثير رحمه الله: قوله أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا، أي هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات هم الذين صدقوا في إيمانهم، لأنهم حققوا الإيمان القلبي بالأقوال والأفعال) .
وبهذا يتضح معنى تصديق القلب عند السلف إذا أفرد، وأنهم يريدون بذلك التصديق الخبري المستلزم لعمل القلب، أو عمل القلب المتضمن لقوله، أو هما جميعا.
ومن الخطأ أن يظن أن مرادهم بالتصديق عند الإطلاق هو مجرد نسبة الصدق إلى الخبر، أو ما أشبهه كالمعرفة المجردة، أو العلم المجرد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (الإيمان أصله الإيمان الذي في القلب، ولا بد فيه من شيئين:
تصديق القلب، وإقراره ومعرفته، ويقال لهذا قول القلب.
ولابد فيه من عمل القلب، مثل حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وغير ذلك من أعمال القلوب، التي أوجبها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وجعلها من الإيمان) .
وقال أيضاً: (الإيمان وإن كان يتضمن التصديق، فليس هو مجرد التصديق، وإنما هو الإقرار والطمأنينة، وذلك لأن التصديق إنما يعرض للخبر فقط، فأما الأمر فليس فيه تصديق من حيث هو أمر، وكلام الله خبر وأمر، فالخبر يستوجب تصديق المخبر، والأمر يستوجب الانقياد له والاستلام، وهو عمل في القلب جماعة الخضوع والانقياد للأمر فإذا قوبل الخبر بالتصديق، والأمر بالانقياد، فقد حصل أصل الإيمان في القلب، وهو الطمأنينة والإقرار، وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والانقياد) .
وقال ابن القيم رحمه الله: (ونحن نقول: الإيمان هو التصديق، ولكن ليس التصديق مجرد اعتقاد صدق المخبر دون الانقياد له، ولو كان مجرد اعتقاد التصديق إيمانا، لكن إبليس وفرعون وقومه وقوم صالح واليهود الذين عرفوا أن محمدا رسول الله كما يعرفون أبناءهم مؤمنين مصدقين.. فالتصديق إنما يتم بأمرين: أحدهما: اعتقاد الصدق.
والثاني: محبة القلب، وانقياده) .

وقال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله: (ومن هنا يتبين لك أن من قال من أهل السنة في الإيمان هو: التصديق على ظاهر اللغة؛ أنهم إنما عنوا التصديق الإذعاني المستلزم للانقياد ظاهرا وباطنا بلا شك، لم يعنوا مجرد التصديق) .
فالحاصل أن لفظ تصديق القلب عند السلف له أربعة معان:
1) أن يراد به قول القلب فقط، وهذا فيما إذا قرن بعمل القلب.
2) أن يراد به عمل القلب المتضمن لقوله.
3) أن يراد به قول القلب المستلزم لعمل القلب.
4) أن يراد به قول القلب وعمله جميعا.
وأما أن يفرد ويراد به قول القلب فقط فهذا لم يرد عن السلف، بل هو من اصطلاحات أهل البدع.
ثم ليعلم أن التصديق بمعناه الخبري، الذي هو مجرد أن يقع في القلب نسبة الصدق إلى المخبر والخبر من غير إذعان وقبول؛ يساوي تماما عند السلف والأئمة معنى العلم أو المعرفة، إذ لا يوجد فرق بين العلم والمعرفة والتصديق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فإن الفرق بين معرفة القلب وبين مجرد تصديق القلب الخالي عن الانقياد والذي يجعل قول القلب، أمر دقيق. وأكثر العقلاء ينكرونه، وبتقدير صحته لا يجب على كل أحد أن يوجب شيئين لا يتصور الفرق بينهما. وأكثر الناس لا يتصورون الفرق بين معرفة القلب وتصديقه، ويقولون: إن ما قاله ابن كلاب والأشعري من الفرق كلام باطل لا حقيقة له، وكثير من أصحابه اعترف بعدم الفرق – إلى أن قال رحمه الله والمقصود هنا أن الإنسان إذا رجع إلى نفسه عسر عليه التفريق بين علمه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق، وبين تصديق قلبه تصديقا مجردا عن الانقياد وغيره من أعمال القلوب بأنه صادق) .
والمتتبع لبعض تعاريف السلف للإيمان يجد أنهم يعبرون عن التصديق بالمعرفة، وعن المعرفة بالتصديق، بل ويعرفون المعرفة بأنها التصديق، والتصديق بأنه المعرفة.
قال الإمام المروزي رحمه الله: (وإنما المعرفة التي هي إيمان: هي معرفة تعظيم الله وجلاله وهيبته، فإذا كان كذلك فهو المصدق الذي لا يجد محيصا عن الإجلال لله بالربوبية) .
وقال أيضاً: (ومعنى التصديق: هو المعرفة بالله، والاعتراف له بالربوبية، وبوعده، ووعيده، وواجب حقه، وتحقيق ما صدق به من القول والعمل) .
وقال ابن القيم رحمه الله: (ومن تأمل ما في السير والأخبار الثابتة من شهادة كثير من أهل الكتاب والمشركين له صلى الله عليه وسلم بالرسالة؛ وأنه صادق، فلم تدخلهم هذه الشهادة في الإسلام، علم أن الإسلام أمر وراء ذلك، وأنه ليس هو المعرفة فقط، ولا المعرفة والإقرار فقط، بل المعرفة والإقرار، والانقياد، والتزام طاعته ودينه ظاهرا وباطنا) .
فتبين من خلال هذه النقول أنه لا فرق بين المعرفة والتصديق المجرد.
المسألة الثانية: المراد باعتقاد القلب
الاعتقاد في اللغة مصدر عقد يعقد عقدا، مأخوذ من العقد، والربط، والشد بقوة .
وأما اعتقاد القلب عند السلف الصالح فهو يتضمن ركنين قلبيين:
الأول: المعرفة والعلم والتصديق. ويطلق عليه قول القلب، وهذا المعنى عندما يقترن الاعتقاد بعمل القلب .
الثاني: الالتزام والانقياد والتسليم. ويطلق عليه عمل القلب، وهذا المعنى للاعتقاد عند السلف إذا جاء مفردا.
وبهذا يتبين أن من قال من السلف بأن الإيمان اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح. فمراده بالاعتقاد هنا قول القلب وعمله.
ولهذا بوّب الإمام ابن منده رحمه الله في كتابه الإيمان بابا بعنوان: (ذكر خبر يدل على أن الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالأركان، يزيد وينقص) .
وكذا بوّب الإمام اللالكائي رحمه الله بقوله: (سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإيمان تلفظ باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح) . ثم ذكر الأدلة الدالة على أنه اعتقاد بالقلب.
وتقدم أن من أقوال السلف وأئمة السنة في تفسير الإيمان، أنهم تارة يقولون: قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وكذلك قول من قال: اعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح. جعل القول والعمل اسما لما ظهر، فاحتاج أن يضم إلى ذلك اعتقاد القلب. ولابد أن يدخل في قوله: اعتقاد القلب؛ أعمال القلب المقارنة لتصديقه مثل حب الله، وخشية الله، والتوكل عليه، ونحو ذلك) .
وأما إذا ذكر الاعتقاد مع عمل القلب، فإنه يراد به عند السلف قول القلب.
المسألة الثالثة: المراد بإقرار القلب:
إقرار القلب يطلق على شيئين:
الأول: على قول القلب. وهذا عند ذكره مع عمل القلب.
الثاني: على عمل القلب. ويكون المراد به الالتزام، وهذا عند الإطلاق، كما في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ [ آل عمران: 81]. فالإقرار هنا ليس معناه الخبر المجرد، بل معناه الالتزام للإيمان والنصرة للرسول صلى الله عليه وسلم وهذا هو الإيمان بما فيه عمل القلب.
ويقابل الإقرار بالمعنى الأول الإنكار والجحود. وبالمعنى الثاني يقابله الإباء والامتناع. كما أن الكفر منه كفر إنكار وجحود. ومنه كفر إباء وامتناع ككفر إبليس.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولفظ الإقرار: يتناول الالتزام والتصديق، ولابد منهما، وقد يراد بالإقرار مجرد التصديق بدون التزام الطاعة) .
وقد تقدم كلام شيخ الإسلام أن قول القلب: هو تصديقه وإقراره ومعرفته . وعليه فيقال في الإقرار كما قيل في التصديق والاعتقاد.
وخلاصة هذا المبحث: أن التصديق والاعتقاد والإقرار يتناول عند السلف:
1) قول القلب فقط، وذلك عند اقترانها بعمل القلب.
2) قول القلب المستلزم لعمل القلب.
3) عمل القلب، المتضمن لقول القلب.
4) قول القلب وعمله جميعا.
وكل ذلك بحسب التقييد والإطلاق. فيتبين بذلك مراد السلف في عباراتهم، وأنه لا اختلاف بينها.
وأما معرفة القلب وعلمه فلا إشكال في أن المراد بها قول القلب فقط .
انتهى نقلا عن (الدرر السنية....)
قلت :
خلاصة البحث هي :
أن التصديق والاعتقاد والإقرار يتناول عند السلف:
1) قول القلب فقط، وذلك عند اقترانها بعمل القلب.
2) قول القلب المستلزم لعمل القلب.
3) عمل القلب، المتضمن لقول القلب.
4) قول القلب وعمله جميعا.

وعلى ذكر العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- أنقل عنه هذا النقل العزيز الذي هو غير بعيد عن موضوع نقاشنا وهو :
قوله-رحمه الله-في "كتاب الصلاة"(ص54): ((وهاهنا أصل آخر، وهو أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل. والقول قسمان: قول القلب، وهو الاعتقاد، وقول اللسان، وهو التكلم بكلمة الإسلام. والعمل قسمان:عمل القلب، وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح فإذا زالت هذه الأربعة، زال الإيمان بكماله، وإذا زال تصديق القلب، لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة. وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق، فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة، فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان،وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب، وهو محبته وانقياده كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول، بل ويقرون به سرًّا وجهرًا)).اﻫ.
أقول وبالله التوفيق :
تامل-بارك الله فيك- أين جعل ابن القيم (موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة) حيث جعلها في(ذهاب عمل القلب-الذي هو محبته وانقياده- مع بقاء التصديق المجرد عن ذلك) ولم يجعلها في(جنس العمل!!!) أو (الصلاة)....
هذا أولا ...
والثاني متعلق بما قبله وهو:
من المعلوم جدا أن المرجئة(جميعا) لايجعلون عمل الجوارح من الإيمان -أصلا-بل عندهم أن الإيمان (كامل) بدون شيء من العمل الظاهر.
ومن هذا والذي قبله نعرف أن العلامة ابن القيم يرى أن وجود إيمان(ضعيف) بوجود القول والإعتقاد الصحيح ولو بدون شيء من العمل الظاهر(عمل الجوارح) ممكن عند فريق من أهل السنة وهم من لم يكفر تارك الصلاة (لكن لا يكون إيمانه كاملا كما تقول المرجئة بل إيمانه ضعيف وهو من أهل الوعيد إن شاء الله عفا عنه كصاحب(البطاقة) وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه كمن يدخلون النار ثم يخرجون بشفاعة الشافعين ورحمة رب العالمين...
قلت :
(وكتابه يناقش مسألة الصلاة من أوله إلى آخره).
هذا والله أعلم ...
  #47  
قديم 04-18-2011, 02:24 PM
مدحت كركوكلي مدحت كركوكلي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jul 2009
المشاركات: 4
Lightbulb هل يجوز أن يُرمَى بالإرجاء من يقول : " إنَّ الإيمانَ أصلٌ والعملَ كمالٌ ( فرعٌ )

هل يجوز أن يرمَى بالإرجاء من يقول :
" إنَّ الإيمانَ أصلٌ والعملَ كمالٌ ( فرعٌ ) "؟ ([1])
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه .
أما بعد :
فإن الله قال في محكم كتابه عن أهل الضلال :
( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ) سورة الحج(آية 9-10)
وقال تعالى : ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فانه يضله ويهديه إلى عذاب السعير ) الحج (آية3-4) .
وقال تعالى في شأن أحزاب الكفر والضلال : ( وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ) .
هذه في أعداء الرسل الذين كذبوهم وحاربوهم بأشد أنواع الحرب والأذى والكذب عليهم والافتراء .
ولأهل البدع والأهواء والضلال نصيب من العداوة للحق وأهله وحربهم بالأكاذيب والشائعات وجدالهم بالباطل ليدحضوا به الحق ، ومن جدالهم بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير .
ولهم نصيب من الوعيد الذي توعد الله به أعداء الحق وأعداء الرسل ولهم نصيب من الذم الذي ذم الله به أهل الباطل والهوى .
ومن أهل الأهواء والضلال المحاربين للحق وأهله فرقة الحدادية التي أنشئت في الظلام لحرب أهل السنة السابقين واللاحقين ولحرب عقائدهم وأصولهم وهدمها .
وحربهم هذه لا تقوم على شيء من الحق ولا من العلم والهدى ,وإنما تقوم على الكذب والجهل والخيانات ,الأمور التي لا غبار عليها ولا مخرج لهم منها ,ولا عذر لهم فيها ؛فإنها أمور واضحة مكشوفة لكل ذي عقل وبصر وبصيرة ,ونحن لا نكفرهم -وإن كفرونا بغياً وعدواناً- (!!) ولكنهم عندنا من شر أهل البدع وأجهلهم .
ولقد اخترعوا أصولاً لا علاقة لها بالكتاب والسنة لا من قريب ولا من بعيد ,منها :
1- جنس العمل ؛ وهو لفظ لا وجود له في الكتاب والسنة ولا خاصم به السلف ولا أدخلوه في قضايا الإيمان ,اتخذوه بديلاً لما قرره السلف من أن العمل من الإيمان وأن الإيمان قول وعمل واعتقاد ,يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي .
وإذا أخذوا بهذا الكلام على مضض فلا يكفي عندهم أن يقول السلفي :
الإيمان قول وعمل واعتقاد ويزيد وينقص حتى لا يبقى منه إلا مثقال ذرة وأدنى أدنى من مثقال ذرة كما نطقت به الأحاديث النبوية الصحيحة .
بل أوجبوا على الناس أن يقولوا : (حتى لا يبقى منه شيء) والذي لا يقول بهذه الزيادة فهو عندهم مرجئ غال وحتى ولو قالها بعض أهل السنة فهم عندهم مرجئة رغم أنوفهم !!
فعلى عقيدتهم هذه يكون حوالي تسعة وتسعون بالمائة من أهل السنة وأئمتهم مرجئة
وإذا بين لهم خطورة تأصيلهم وفساده ازدادوا عناداً وحرباً على أهل السنة .
2- الذي لا يبدع من لا يكفر تارك جنس العمل فهو عندهم مرجئ غال رمزاً إلى تكفيره .
وحتى وإن كفر تارك جنس العمل فهو مرجئ عندهم لماذا ؟ .
لأنهم قد فصلوا ثوب الإرجاء ليقمصوا به أهل السنة شاءوا أم أبوْا !!
3- أئمة الجرح والتعديل والحديث عندهم ليسوا أهلاً للحكم على أهل البدع وقواعدهم لا تنطبق على أهل البدع ؛ لأن هذه المرتبة إنما هي للعلماء ؛ أي علماء الحدادية الجهلة المجهولين ,فإن هؤلاء لهم الحق أن يبدعوا وأن يكفروا بالجهل والظلم .
4- بعض أصولهم ضللت الأئمة وبعضها من صنع الشيطان .
5- أحكام في التكفير تفوق أحكام الخوارج .
فمن لم يقلد فالحاً وأمثاله فقد نسف رسالات الرسل والكتب التي نزلت عليهم .
والذي يرضَى غيرَهُ من العلماء حَكَماً فقد كذًّب القرآن والسنة وكذَّب الإسلام .
6- إلى افتراءات واتهامات بالكفر لمن ينصحهم أو يخالفهم في تلك الأمور التي انفردت بها هذه الطائفة ,وقد ناقشناهم فيها وبينا أكاذيبهم وأباطيلهم وجهالاتهم .
واليوم نحن مع أصل من أصولهم الهدامة ألا وهو أن من يقول إن الإيمان أصل والعمل كمال ( فرع ) فهو مرجئ !
وبهذا الأصل الهدام يهدمون أهل السنة وعلماءهم !
وسوف أسوق مقالات لعدد من فحول أئمة السنة وعظمائهم يقولون فيها : إن الإيمان أصل والعمل كمال أو تمام أو فرع أو فروع .
وننتظر من هؤلاء الحدادية إما إعلان ندمهم وتوبتهم من هذه المجازفات أو التمادي في أحكامهم وأباطيلهم فيعرف الناس مكانهم من السنة وأهلها .

لا يجوز أن يُرمى بالإرجاء من يقول :
" إنَّ الإيمان أصل وفرع " لأنَّ هذا يقتضي تضليل علماء الأمة
ومنهم الأئمة الآتي ذكرهم وأقوالهم :
وقبل أن أورد كلام الأئمة أسوق بعض الأدلة في هذا الشأن:
قال الإمام أحمد-رحمه الله- في مسنده ( 6/47, 99) :
حدثنا إسماعيل ثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عائشة رضي الله عنه قالت :قال رسول صلى الله عليه وسلم :"إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله" .
إسناد هذا الحديث صحيح إن سلم من إرسال أبي قلابة وأخرجه ابن أبي شيبة في الإيمان برقم ( 19 )قال حدثنا حفص عن خالد به .
و له شاهد من حديث أبي هريرة قال أبو داوود في سننه ( 5 /60 ): حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً ".
وأخرجه أحمد في مسنده ( 2/250 و472 )وابن أبي شيبة في الإيمان من طريقين برقم (18و20 ) والترمذي (2/454 رقم 1162 ) وقال : حديث أبي هريرة هذا حديث : حسن صحيح .
وله شاهد آخر من حديث أبي أمامة مرفوعاً ولفظه " من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان " أخرجه أبو داود(5/60 رقم 4681 )وشاهد آخر من حديث سهل بن معاذ عن أبيه ويروى من طريقين ضعيفين يقوي أحدهما الآخر .
وكتب عمر بن عبدالعزيز – رضي الله عنه – إلي عدي بن عدي :
" أن للإيمان فرائض وشرائع وحدوداً وسنناً فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان فإن أعش فسأبينها لكم حتى تعملوا بهاوإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص " أخرجه ابن أبي شيبة في الإيمان ( 45رقم 135 ) بإسناد
"صحيح" وأورده البخاري في كتاب الإيمان معلقاً (1/19 ).
أقول:
وهذه الأحاديث تدل على أن للإيمان أصلاً وكمالاً إذ الكمال لا يقوم إلا على أصل.
كلام الأئمة
1- قال الإمام محمد بن إسحاق بن منده في كتابه الإيمان (1/331-332) بعد أن ذكر أقوال الطوائف في الإيمان :
"وقال أهل الجماعة: الإيمان هو الطاعات كلها بالقلب واللسان وسائر الجوارح غير أن له أصلا وفرعا .
فأصله المعرفة بالله والتصديق له وبه وبما جاء من عنده بالقلب واللسان مع الخضوع له والحب له والخوف منه والتعظيم له ,مع ترك التكبر والاستنكاف والمعاندة ,فإذا أتى بهذا الأصل فقد دخل في الإيمان ولزمه اسمه وأحكامه ,ولا يكون مستكملا له حتى يأتي بفرعه وفرعه المفترض عليه أو الفرائض واجتناب المحارم ,وقد جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه قال: ( الإيمان بضع وسبعون أو ستون شعبة أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ) .
فجعل الإيمان شعبا بعضها باللسان والشفتين ,وبعضها بالقلب ,وبعضها بسائر الجوارح " .
وقال أيضا في كتاب الإيمان (1/350) : " قال الله عز وجل ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ) .
فضربها مثلاً لكلمة الإيمان وجعل لها أصلا وفرعا وثمرا تؤتيه كل حين " .
أقول : بيَّن الإمام ابن منده عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان وأنه أصل وفرع وبيَّن أن أصل الإيمان محله القلب وأنه يكون بأمور منها:
المعرفة بالله والتصديق لله و به وبما جاء من عنده بالقلب واللسان مع الخضوع والحب والخوف والتعظيم الخ .
وذكر أنه لا يستكمله العبد إلا إذا أتى بفروعه المفروضة عليه مع اجتناب المحارم واستدل على ذلك بحديث شعب الإيمان .
وفي النص الثاني ساق الآية الكريمة : ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ) الآية .
ثم قال فضربها مثلاً لكلمة الإيمان وجعل لها أصلا وفرعا وثمراً .
فما رأي أهل الشغب في أهل السنة والجماعة الذين حكى عقيدتهم ومذهبهم هذا الإمام وساق بعض أدلتهم أهم مرجئة ؟! أم هم أهل السنة حقاً ؟
نريد الإجابة الصادقة الصريحة .
2- وقال الإمام محمد بن نصر المروزي – رحمه الله- خلال مناقشته للمرجئة : "فلما أقرت المرجئة بأن الإقرار باللسان هو إيمان يكمل به تصديق القلب , ولا يتم إلا به , ثم بيَّن الله تعالى لنا , والرسول صلى الله عليه وسلم : أنه أول الإسلام , ثبت أن جميع الإسلام من الإيمان , فإن يكن شيء من الإسلام ليس من الإيمان , فالإقرار الذي هو أول الإسلام ليس من الإيمان ، فبإيجابهم أن أول الإسلام بجارحة اللسان هو من الإيمان بالله , يلزمهم أن يجعلوا كلما بقى من الإسلام من الإيمان بعد ما سمى الله عز وجل , والرسول الإقرارَ باللسان إيماناً , ثم شهدت المرجئةُ أن الإقرار الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم إسلاماً هو إيمان , فما بال سائر الإسلام لا يكون من الإيمان , فهو في الأخبار من الإيمان , وفي اللغة , والمعقول كذلك , إذ هو خضوع بالإخلاص , إلا أن له أصلاً وفرعاً , فأصله الإقرار بالقلب عن المعرفة , وهو الخضوع لله بالعبودية , والخضوع له بالربوبية , وكذلك خضوع اللسان بالإقرار بالإلهية بالإخلاص له من القلب , واللسان , أنه واحد لا شريك له ثم فروع هذين الخضوع له بأداء الفرائض كلها , ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : " الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله , وإقام الصلاة , وإيتاء الزكاة " وما عدا من الفرائض , فَلِمَ جَعَلَتِ المرجئةُ الشهادةَ إيماناً , ولم تجعل جميع ما جعله النبي صلى الله عليه وسلم من الإسلام إيماناً ؟! وكيف جعلتْ بعض ما سماه النبي صلى الله عليه وسلم إسلاماً إيماناً , ولم تجعل جميعه إيماناً وتبدأ بأصله , وتتبعه بفروعه , وتجعله كله إيماناً ؟! " تعظيم قدر الصلاة(2/701-702) .
أ - انظر إلى قوله عن الإيمان : " إلا أن له أصلاً وفرعاً , فأصله الإقرار بالقلب عن المعرفة , وهو الخضوع لله بالعبودية , والخضوع له بالربوبية ... الخ .
ب – وانظر إلى قوله : " ثم فروع هذين الخضوع له بأداء الفرائض كلها " أي أعمال الجوارح " .
جـ - وإلى قوله : " وكيف جعلت بعض ما سماه النبي صلى الله عليه وسلم إسلاماً إيماناً , ولم تجعل جميعه إيماناً وتبدأ بأصله , وتتبعه بفروعه , وتجعله كله إيماناً ؟! " .
– وقال أيضاً : " وقالت طائفة أخرى أيضاً من أصحاب الحديث بمثل مقالة هؤلاء ([2]) إلا أنهم سموه مسلماً لخروجه من ملل الكفر، ولإقراره بالله، وبما قال، ولم يسموه مؤمناً، وزعموا أنه مع تسميتهم إياه بالإسلام كافرٌ، لا كافر بالله، ولكن كافر من طريق العمل، وقالوا: كفر لا ينقل من الملة، وقالوا: محال أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم (( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن))، والكفر ضد الإيمان، فلايزول([3]) عنه اسم الإيمان إلا واسم الكفر لازم له، لأن الكفر ضد الإيمان إلا أن الكفر كفران: كفر هو جحد بالله، وبما قال، فذلك ضد الإقرار بالله، والتصديق به، وبما قال، وكفر هو عمل ضد الإيمان الذي هو عمل، ألا ترى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقة))، قالوا : فإذا لم يؤمن فقد كفر، ولا يجوز غير ذلك إلا أنه كفر من جهة العمل [ إذ لم يؤمن من جهة العمل ] لأنه لا يضيع المفترض عليه , ويركب الكبائر إلا من خوفه([4]), وإن ما يقل خوفه من قلة تعظيمه لله, ووعيده, فقد ترك من الإيمان التعظيم الذي صدر عنه الخوف والورع عن الخوف, فأقسم النبي صلى الله عليه وسلم أنه (( لا يؤمن إذا لم يأمن جاره بوائقه )).
ثم قد روى جماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :(( قتال المسلم كفر )), وأنه قال :(( إذا قال المسلم لأخيه )):( يا كافر ) ولم يكن كذلك فقد باء بالكفر فقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم بقتاله أخاه كافراً, وبقوله له: يا كافر؛ كافراً وهذه الكلمة دون الزنا, والسرقة, وشرب الخمر.
قالوا: وأما قول من احتج علينا, فزعم أنا إذا سميناه كافراً, لزمنا أن نحكم عليه بحكم الكافرين بالله, فنستتيبه, ونبطل الحدود عنه, لأنه إذا كفر, فقد زالت عنه أحكام المؤمنين, وحدودهم, وفي ذلك إسقاط الحدود, وأحكام المؤمنين عن كل من أتى كبيرة, فإنا لم نذهب في ذلك إلى حيث ذهبوا .
ولكنا نقول: للإيمان أصل وفرع, وضد الإيمان الكفر في كل معنى, فأصل الإيمان: الإقرار والتصديق, وفرعه إكمال العمل بالقلب, والبدن, فضد الإقرار والتصديق الذي هو أصل الإيمان : الكفر بالله, وبما قال, وترك التصديق به, وله.
وضد الإيمان الذي هو عمل، وليس هو إقرار، كفر، ليس بكفر بالله [ينقل عن الملة ،] ولكن كفر يضيع العمل كما كان العمل إبماناً، وليس هو الإيمان الذي هو إقرار بالله، فكما كان من ترك الإيمان الذي هو إقرار بالله كافراً يستتاب، ومن ترك الإيمان الذي هو عمل مثل الزكاة، والحج، والصوم، أو ترك الورع عن شرب الخمر، والزنا، فقد زال عنه بعض الإيمان، ولا يجب أن يستتاب عندنا، ولا عند من خالفنا من أهل السنة، وأهل البدع ..." [تعظيم قدر الصلاة(2/517-519)] .
والشاهد في قول هذه الطائفة من أهل السنة ( ولكنا نقول: للإيمان أصل وفرع, وضد الإيمان الكفر في كل معنى, فأصل الإيمان: الإقرار والتصديق, وفرعه إكمال العمل بالقلب, والبدن) .
3- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
أ-" ثم هو في الكتاب بمعنيين(2)‏ :‏ أصل ،وفرع واجب ،فالأصل الذي في القلب وراء العمل ؛ فلهذا يفرق بينهما بقوله‏:‏ ‏( آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏ )‏ ‏[‏البينة‏:‏7‏]‏ والذي يجمعهما كما في قوله‏:‏ ‏( ‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ‏ ) ‏[‏الأنفال‏:‏2‏]‏، و( ‏لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ‏ ) ‏ ‏[‏التوبة‏:‏44‏]‏‏.‏ وحديث الحياء، ووفد عبد القيس،وهو مركب من أصل لا يتم بدونه، ومن واجب ينقص بفواته نقصًا يستحق صاحبه العقوبة، ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة، فالناس فيه ظالم لنفسه ومقتصد وسابق، كالحج وكالبدن والمسجد وغيرها من الأعيان، والأعمال والصفات، فمن سواء أجزائه ما إذا ذهب نقص عن الأكمل ومنه ما نقص عن الكمال، وهو ترك الواجبات أو فعل المحرمات، ومنه ما نقص ركنه وهو ترك الاعتقاد والقول، الذي يزعم المرجئة والجهمية أنه مسمى فقط، وبهذا تزول شبهات الفرق، وأصله القلب وكماله العمل الظاهر، بخلاف الإسلام فإن أصله الظاهر، وكماله القلب‏ ".‏ ([6])
- أقول :
ففي هذا النص جعل الشيخ الإسلام للإيمان معنيين أصلاً وفرعاً و أشار إلى كون العمل كمالاً للإيمان بقوله "فمن سواء أجزائه ما إذا ذهب نقص عن الأكمل ومنه ما نقص عن الكمال وهو ترك الواجبات أو فعل المحرمات إلخ وأكد هذا التقرير بقوله عن الإيمان :"وأصله القلب وكماله العمل الظاهر .
وقال عن الفرق بينه وبين الإسلام : ( بخلاف الإسلام ) فإن أصله الظاهر ,وكماله القلب " .
فماذا يقول المتطفلون على علوم الإسلام وعقائده في هذا الإمام الجهبذ وفي تقريره هذا
عن الإيمان والعمل ؟!!.
ب- وقال -رحمه الله- : " والدين القائم بالقلب من الإيمان علمًا وحالًا هو الأصل، والأعمال الظاهرة هي الفروع، وهي كمال الإيمان‏ .‏
فالدين أول ما يبنى من أصوله ويكمل بفروعه، كما أنزل اللّه بمكة أصوله من التوحيد والأمثال التي هي المقاييس العقلية، والقصص، والوعد، والوعيد، ثم أنزل بالمدينة ـ لما صار له قوة ـ فروعه الظاهرة من الجمعة والجماعة، والأذان والإقامة، والجهاد، والصيام، وتحريم الخمر والزنا، والميسر وغير ذلك من واجباته ومحرماته‏.‏
فأصوله تمد فروعه وتثبتها، وفروعه تكمل أصوله وتحفظها، فإذا وقع فيه نقص ظاهر فإنما يقع ابتداء من جهة فروعه ؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏( ‏أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة‏ ) .([7])
صرح شيخ الإسلام هنا بأن الإيمان هو الأصل والأعمال الظاهرة هي الفروع وهي كمال الإيمان وأن أصوله تمد فروعه وتثبتها وأن فروعه تكمل أصوله .
ج- وقال -رحمه الله- : " وأما قولهم :إن الله فرق بين الإيمان والعمل في مواضع ,فهذا صحيح . وقد بينا أن الإيمان إذا أطلق أدخل الله ورسوله فيه الأعمال المأمور بها .
وقد يقرن به الأعمال ,وذكرنا نظائر لذلك كثيرة ؛ وذلك لأن أصل الإيمان هو ما في القلب .والأعمال الظاهرة لازمة لذلك . لا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح ,بل متى نقصت الأعمال الظاهرة كان لنقص الإيمان الذي في القلب ؛فصار الإيمان متناولاً للملزوم واللازم وإن كان أصله ما في القلب ؛ وحيث عطفت عليه الأعمال ,فإنه أريد أنه لا يكتفي بإيمان القلب بل لا بد معه من الأعمال الصالحة " .([8])
وهنا ذكر شيخ الإسلام أن أصل الإيمان هو ما في القلب وأن الأعمال الظاهرة لازمة له.
ولا يريد بهذا التلازم إلا التلازم بين الأصل وفروعه .
د- وقال -رحمه الله- : " وكذلك يذكر الإيمان أولاً لأنه الأصل الذي لا بد منه .
ثم يذكر العمل الصالح فإنه أيضاً من تمام الدين لا بد منه ,فلا يظن الظان اكتفاءه بمجرد إيمان ليس معه العمل الصالح " .([9])
وهنا بين شيخ الإسلام عن الإيمان هو الأصل الذي لا بد منه وأن العمل الصالح من تمام الدين لا بد منه ".
فأنت ترى أنه أعتبر العمل من تمام الدين يعنى الإيمان ,وهذا أمر يبِّدع به أهل الفتن فهل من مدكر ".
هـ- وقال -رحمه الله- : " ثم أكثر المتأخرين الذين نصروا قول جهم يقولون بالاستثناء في الإيمان ,ويقولون :(( الإيمان في الشرع )) هو ما يوافي به العبد ربه ,وإن كان في اللغة أعم من ذلك ,فجعلوا في ((مسألة الاستثناء )) مسمى الإيمان ما ادعوا أنه مسماه في الشرع ,وعدلوا عن اللغة ,فهلا فعلوا هذا في الأعمال . ودلالة الشرع على أن الأعمال الواجبة من تمام الإيمان لا تحصى كثرة ,بخلاف دلالته على أنه لا يسمى إيمانا ؛ إلا ما مات الرجل عليه فإنه ليس في الشرع ما يدل على هذا ,وهو قول محدث لم يقله أحد من السلف " .([10])
انظر إلى شيخ الإسلام كيف صرح أن دلالة الشرع على أن الأعمال الواجبة من تمام الإيمان لا تحصى كثرة أي أنها من كمال الإيمان فقد جعل الأعمال الواجبة من تمام الإيمان.
وهذا أمر منكر وإرجاء خطير عند جهال أهل الفتن والشغب فماذا يقول فيهم من يهون من شأنهم و من خطر فتنتهم؟" ويرى أنه يجب السكوت عنهم .
و- وقال -رحمه الله- : " وإذا ذكر اسم الإيمان مجرداً، دخل فيه الإسلام والأعمال الصالحة،كقوله في حديث الشعب‏ : ‏‏( ‏الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها‏:‏ قول لا إله إلا اللّه، وأدناها‏:‏ إماطة الأذى عن الطريق ‏)‏‏.‏ وكذلك سائر الأحاديث التي يجعل فيها أعمال البر من الإيمان‏.‏
ثم إن نفي ‏‏الإيمان‏ عند عدمها ،دل على أنها واجبة ،وإن ذكر فضل إيمان صاحبها -ولم ينف إيمانه- دلَّ على أنها مستحبة ؛فإن اللّه ورسوله لا ينفي اسم مسمى أمر - أمر اللّه به ورسوله -إلاَّ إذا ترك بعض واجباته ،كقوله ‏: ‏‏( ‏لا صلاة إلا بأم القرآن‏ ) ‏،وقوله‏ : ‏‏( ‏لا إيمان لمن لا أمانة له ،ولا دين لمن لا عهد له ‏)‏ ونحو ذلك‏.‏
فأما إذا كان الفعل مستحباً في العبادة لم ينفها لانتفاء المستحب ،فإن هذا لو جاز ،لجاز أن ينفي عن جمهور المؤمنين اسم الإيمان والصلاة والزكاة والحج ؛لأنه ما من عمل إلا وغيره أفضل منه‏ .‏ وليس أحد يفعل أفعال البر مثل ما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ؛بل ولا أبو بكر ولا عمر‏.‏ فلو كان من لم يأت بكمالها المستحب يجوز نفيها عنه، لجاز أن ينفي عن جمهور المسلمين من الأولين والآخرين، وهذا لا يقوله عاقل‏.
فمن قال‏:‏ إن المنفي هو الكمال، فإن أراد أنه نفي الكمال الواجب الذي يذم تاركه ويتعرض للعقوبة ،فقد صدق‏.‏ وإن أراد أنه نفي الكمال المستحب ،فهذا لم يقع قط في كلام اللّه ورسوله ،ولا يجوز أن يقع ؛فإن من فعل الواجب كما وجب عليه ،ولم ينتقص من واجبه شيئاً ،لم يجز أن يقال ‏:‏ ما فعله لا حقيقة ولا مجازاً‏ .‏ فإذا قال للأعرابي المسيء في صلاته ‏:‏‏( ‏ارجع فَصَلِّ ،فإنك لم تُصَلِّ‏ ) ‏،وقال لمن صلى خلف الصف-وقد أمره بالإعادة - ‏: ‏‏( ‏لا صلاة لفَذٍّ خلف الصف‏ )‏ كان لترك واجب، وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) ‏[‏الحجرات‏:‏15‏]‏،يبين أن الجهاد واجب، وترك الارتياب واجب " ‏.(‏[11])
ذكر شيخ الإسلام هنا حديث" الإيمان بضع وسبعون شعبة ,وذكر أن أعمال البر من الإيمان ,وذكر ما يفيد أن للإيمان كمالا واجبا وكمالا مستحبا ,وأنه إذا نفي الإيمان عن المسلم فإنما يراد بهذا النفي نفي الكمال الواجب لا الكمال المستحب .
مثل " لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن " ,فنفي الصلاة هنا عن من لم يقرأ بأم القرآن دليل على وجوب قراءة الفاتحة لا استحبابها وبعض العلماء يقول إن النفي هنا نفي للكمال الواجب لا نفي لحقيقة الصلاة .
ونفي الإيمان عن من لا أمانة له يدل على أن الأمانة من الواجبات وهي من كمال الإيمان ,وليس المراد بنفي الإيمان عنه أنه كافر خارج من ملة الإسلام .
وننبه القارئ هنا على أن هذا الحديث ضعيف ,وقد يكون عند شيخ الإسلام صالحاً للاحتجاج به ,وعلى كل حال فإن قصد شيخ الإسلام من التمثيل به في مثل هذا السياق بيان أن مثل هذا النفي إنما يراد به نفي الكمال الواجب لا نفي حقيقة الإيمان ولا نفي الكمال المستحب .
ويلتحق بهذا مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يزني الزاني حين يزنى وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن "متفق عليه .
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم :" والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل: ومن يا رسول الله قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه " متفق عليه واللفظ للبخاري .
فليس المراد هنا تكفير هؤلاء العصاة بالكبائر التي ارتكبوها ولا إخراجهم من الإسلام كما يعتقد الخوارج وليس المراد نفي كمال الإيمان المستحب عنهم وإنما المراد نفي الكمال الواجب .
فالذي لا يجيز أن يقال إن للإيمان كمالا وتماما ماذا يقول في نفي الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر والمنتهب ومؤذي جاره ؟ .
إن قال المراد نفي الكمال الواجب تبين بطلان مذهبه في رمي من يقول بأن الإيمان أصل والعمل كمال .
وإن قال إن المنفي عن العاصي : الزاني وغيره إنما هو الإيمان المقابل للكفر الأكبر المخرج من الإسلام ,فقد نادى على نفسه بأنه من الخوارج المكفرين بالذنوب .
ح- وقال رحمه الله تعالى في المجموع (13/157-159) : " وقال‏:‏‏( ‏ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء )‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏24-27‏]‏ .
والأصول مأخوذة من أصول الشجرة وأساس البناء ؛ولهذا يقال فيه ‏:‏ الأصل ما ابتنى عليه غيره ،أو ما تفرع عنه غيره‏ .‏
فالأصول الثابتة هي أصول الأنبياء ،كما قيل‏:‏
أيها المغتدي لتطلب علمــا ** كل علم عبد لعلم الرســول
تطلب الفرع كي تصحح حكما ** ثم أغفلت أصل أصل الأصـول
واللّه يهدينا وسائر إخواننا المؤمنين إلى صراطه المستقيم ،صراط الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا‏.‏
وهذه الأصول ينبني عليها ما في القلوب ،ويتفرع عليها‏.‏
وقد ضرب اللّه مثل الكلمة الطيبة التي في قلوب المؤمنين، ومثل الكلمة الخبيثة التي في قلوب الكافرين‏.‏ و‏‏الكلمة‏ هي قضية جازمة وعقيدة جامعة، ونبينا صلى الله عليه وسلم أوتي فواتح الكلام،وخواتمه وجوامعه، فبعث بالعلوم الكلية والعلوم الأولية والآخرية على أتم قضية، فالكلمة الطيبة في قلوب المؤمنين -وهي العقيدة الإيمانية التوحيدية- كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، فأصل أصول الإيمان ثابت في قلب المؤمن كثبات أصل الشجرة الطيبة وفرعها في السماء‏ ( ‏إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ‏ )‏ [‏ فاطر‏:‏10‏]‏ واللّّه -سبحانه- مَثَّل الكلمة الطيبة ،أي‏ :‏ كلمة التوحيد ،بشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء‏ " .‏
وهنا استدل شيخ الإسلام بهذه الآية التى ضرب الله فيها المثل للكلمة الطيبة كلمة التوحيد والإيمان بالشجرة الطيبة لها أصل ثابت وفرعها في السماء فكما أن لهذه الشجرة الطيبة أصل يقوم عليها فروع ولها ثمار طيبة كذلك شجرة الإيمان لها أصل ثابت ولها فروع وثمار طيبة والأصل كما قال ما انبنى عليه غيره أو ما تفرع عنه غيره .
هكذا يفهم العلماء الراسخون القرآن وأمثاله المضروبه وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- :
" قال عمر بن عبد العزيز : " من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح " فأما العمل الصالح بالباطن والظاهر : فلا يكون إلا عن علم ، ولهذا أمر الله ورسوله بعبادة الله والإنابة إليه ، وإخلاص الدين له ونحو ذلك ، فإن هذه الأسماء تنتظم العلم والعمل جميعاً : علم القلب وحاله ، وإن دخل في ذلك قول اللسان وعمل الجوارح أيضاً ، فإن وجود الفروع الصحيحة مستلزم لوجود الأصول ، وهذا ظاهر ، ليس الغرض هنا بسطه " مجموع الفتاوى (2/382) .
وقال أيضاً : " والدين القائم بالقلب من الإيمان علماً وحالاً هو " الأصل " والأعمال الظاهرة هي " الفروع " وهي كمال الإيمان " مجموع الفتاوى (10/355) .
4- قال الإمام ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين (1/171-174):
" ومنها ( أي الأمثال ) قوله تعالى : ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ) فشبه سبحانه وتعالى الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة ؛ لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح ,والشجرة الطيبة تثمر الثمر النافع ,وهذا ظاهر على قول جمهور المفسرين الذين يقولون: الكلمة الطيبة هي شهادة أن لا إله إلا الله فإنها تثمر جميع الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنية ؛فكل عمل صالح مرضي لله ثمرة هذه الكلمة ,وفي تفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (كلمة طيبة) شهادة أن لا إله إلا الله (كشجرة طيبة) وهو المؤمن (أصلها ثابت) قول لا إله إلا الله في قلب المؤمن (وفرعها في السماء) يقول: يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء .
وقال الربيع بن أنس: ( كلمة طيبة) هذا مثل الإيمان ؛فالإيمان الشجرة الطيبة وأصلها الثابت الذي لا يزول الإخلاص فيه وفرعه في السماء خشية الله ,والتشبيه على هذا القول أصح وأظهر وأحسن ؛فإنه سبحانه شبه شجرة التوحيد في القلب بالشجرة الطيبة الثابتة الأصل الباسقة الفرع في السماء علوا التي لا تزال تؤتي ثمرتها كل حين ,وإذا تأملت هذا التشبيه رأيته مطابقا لشجرة التوحيد الثابتة الراسخة في القلب التي فروعها من الأعمال الصالحة صاعدة إلى السماء ,ولا تزال هذه الشجرة تثمر الأعمال الصالحة كل وقت بحسب ثباتها في القلب ومحبة القلب لها وإخلاصه فيها ومعرفته بحقيقتها وقيامه بحقوقها ومراعاتها حق رعايتها .
فمن رسخت هذه الكلمة في قلبه بحقيقتها التي هي حقيقتها واتصف قلبه بها وانصبغ بها بصبغة الله التي لا أحسن صبغة منها فعرف حقيقة الإلهية التي يثبتها قلبه لله ويشهد بها لسانه وتصدقها جوارحه ونفى تلك الحقيقة ولوازمها عن كل ما سوى الله وواطأ قلبه لسانه في هذا النفي والإثبات وانقادت جوارحه لمن شهد له بالوحدانية طائعة سالكة سبل ربه ذللا غير ناكبة عنها ولا باغية سواها بدلا كما لا يبتغي القلب سوى معبوده الحق بدلا فلا ريب أن هذه الكلمة من هذا القلب على هذا اللسان لا تزال تؤتي ثمرتها من العمل الصالح الصاعد إلى الله كل وقت ,فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل الصالح إلى الرب تعالى وهذه الكلمة الطيبة تثمر كلماً كثيراً طيباً يقارنه عمل صالح فيرفع العمل الصالح الكلم الطيب كما قال تعالى : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) .
فأخبر سبحانه أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب ,وأخبر أن الكلمة الطيبة تثمر لقائلها عملا صالحا كل وقت .
والمقصود أن كلمة التوحيد إذا شهد بها المؤمن عارفا بمعناها وحقيقتها نفيا وإثباتا متصفا بموجبها قائما قلبه ولسانه وجوارحه بشهادته ,فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل من هذا الشاهد أصلها ثابت راسخ في قلبه وفروعها متصلة بالسماء وهي مخرجة لثمرتها كل وقت .
ومن السلف من قال : إن الشجرة الطيبة هي النخلة ويدل عليه حديث ابن عمر الصحيح ,ومنهم من قال : هي المؤمن نفسه كما قال محمد بن سعد حدثني أبي حدثني عمي حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله : ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة ) يعني بالشجرة الطيبة المؤمن ويعني بالأصل الثابت في الأرض والفرع في السماء يكون المؤمن يعمل في الأرض ويتكلم فيبلغ عمله وقوله السماء وهو في الأرض . وقال عطية العوفي في قوله: ( ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة ) قال: ذلك مثل المؤمن لا يزال يخرج منه كلام طيب وعمل صالح يصعد إلى الله . وقال الربيع بن أنس : ( أصلها ثابت وفرعها في السماء ) قال ذلك المؤمن ضرب مثله في الإخلاص لله وحده وعبادته وحده لا شريك له ( أصلها ثابت ) قال أصل عمله ثابت في الأرض ( وفرعها في السماء ) قال ذكره في السماء ,ولا اختلاف بين القولين ,والمقصود بالمثل المؤمن والنخلة مشبهة به وهو مشبه بها وإذا كانت النخلة شجرة طيبة فالمؤمن المشبه بها أولى أن يكون كذلك ومن قال من السلف إنها شجرة في الجنة فالنخلة من أشرف أشجار الجنة .

حكمة تشبيه المؤمن بالشجرة
وفي هذا المثل من الأسرار والعلوم والمعارف ما يليق به ويقتضيه علم الذي تكلم به وحكمته .
فمن ذلك أن الشجرة لا بد لها من عروق وساق وفروع وورق وثمر فكذلك شجرة الإيمان والإسلام ليطابق المشبه المشبه به ,فعروقها العلم والمعرفة واليقين ,وساقها الإخلاص وفروعها الأعمال وثمرتها ما توجبه الأعمال الصالحة من الآثار الحميدة والصفات الممدوحة والأخلاق الزكية والسمت الصالح والهدى والدل المرضي فيستدل على غرس هذه الشجرة في القلب وثبوتها فيه بهذه الأمور " .
- أقول :
1- انظر إلى قوله : لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح والكلمة الطيبة عند الجمهور هي شهادة أن لا إله إلا الله تثمر الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة ، كل عمل صالح مرضي لله ثمرة هذه الكلمة .
2- وانظر إلى قوله : والتشبيه على هذا القول أصح وأظهر وأحسن فإنه سبحانه شبه شجرة التوحيد في القلب بالشجرة الطيبة الثابتة الأصل الباسقة الفرع في السماء علواً .... إلى قوله : وإذا تأملت هذا التشبيه رأيته مطابقاً لشجرة التوحيد الثابتة الراسخة في القلب التي فروعها من الأعمال الصالحة صاعدة إلى السماء ولا تزال هذه الشجرة تثمر الأعمال الصالحة .... الخ .
3- وإلى قوله : " وفي هذا المثل من الأسرار والعلوم والمعارف ما يليق به ويقتضيه علم الذي تكلم به وحكمته فمن ذلك أن الشجرة لا بد لها من عروق وساقٍ وفروع ووَرق وثمر ,فكذلك شجرة الإيمان والإسلام ؛ليطابق المشبه به فعروقها العلم والمعرفة واليقين ,وساقهاَ الإخلاص ,وفروعُها الأعمال وثمرتهُاَ ما توجبه الأعمال الصالحة من الآثار الحميدة والصفات الممدوحة والأخلاق الزكية والسَّمتِ الصالح والهدي والدل المرضي ,فيستدل على غَرْسِ هذه الشجرة في القلب وثبوتها فيه بهذه الأمور ".
فتراه هنا اعتبر الإخلاص والتوحيد شجرة في قلب المؤمن وفروعها الإعمال الخ .
والشرك والكذب والرياء شجرة في قلب الكافر وذكر أن ثمارها في الدنيا الخوف وثمارها في الآخرة الزقوم و العذاب الأليم وأحال بالمثليين إلى القرآن سورة إبراهيم .
فهل هذا الإمام مرجئ عند أجهل الفرق ؟!
بل أهل السنة كلهم مرجئة على أصلهم ومذهبهم ,ومنهم جمهور المفسرين ،لكن القرآن والسنة يبرآن أهل السنة وأئمتهم مما يقذفهم به الحدادية : خوارج ومرجئة العصر تبعاً للخوارج الأولين .
وقال -رحمه الله- في كتابه الفوائد (ص179-180) طـ دار مكتبة الصفا ) :
" والإخلاص والتوحيد شجرة في القلب ؛ فروعها الأعمال وثمرها طيب الحياة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة ,وكما أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك .
والشرك والكذب والرياء ؛ شجرة في القلب ثمرها في الدنيا الخوف والهم والغم وضيق الصدر وظلمة القلب ,وثمرها في الآخرة الزقوم والعذاب المقيم ,وقد ذكر الله هاتين الشجرتين في سورة إبراهيم " .
5- وقال الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في جامع العلوم والحكم (1/151) .
" وقد ضرب العلماء مثل الإيمان بمثل شجرة لها أصل وفروع وشعب فاسم الشجرة يشمل ذلك كله ,ولو زال شيء من شعبها وفروعها لم يزل عنها اسم الشجرة ,وإنما يقال: هي شجرة ناقصة أو غيرها أتم منها.
وقد ضرب الله مثل الإيمان بذلك في قوله تعالى ( ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء توتي أُكلها كل حين بإذن ربها ) (إبراهيم :24 ).
والمراد بالكلمة كلمة التوحيد ,وبأصلها التوحيد الثابت في القلوب ,وأكلها : هو الأعمال الصالحة الناشئة منه.
وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن والمسلم بالنخلة ولو زال شيء من فروع النخلة أومن ثمرها لم يزل بذلك عنها اسم النخلة بالكلية ,وإن كانت ناقصة الفروع أو الثمر.

-وقال أيضاً في فتح الباري شرح صحيح البخاري (1/27-28 ) :
وقد ضرب الله ورسولُه مثل الإيمان والإسلام بالنخلة ,قال الله تعالى : ( ضرب الله مثلا كلمةً طيبة كشجرةٍ طيبة أصلها ثابت وفرعُهَا في السماء تؤتي أُكُلَهَا كل حيٍن بإذنِ ربها ) ( إبراهيم 23-24 ) .
فالكلمة الطيبة هي كلمة التوحيد وهي أساس الإسلامِ ,وهي جاريةُ على لسانِ المؤمنِ وثبوتُ أصلها هو ثبوتُ التصديق بها في قلب المؤمن ,وارتفاعُ فرعها في السماء هو علو هذه الكلمةِ وبُسُوقها وأنها تخرق الحجب ولا تتناهى دونَ العرش ِ ,وإتيانُها أكلها كل حينٍ :
هو ما يرفع بسببها للمؤمن في كل حينٍ من القولِ الطيبِ والعملِ الصالح ِ ؛ فهو ثمرتها .
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم مثل المؤمنِ أو المسلمِ كمثلِ النخلةِ .
وقال طاوس : مثل ( الإسلام ) كشجرة أصلها الشهادةُ ,وساقُهَا كذا وكذا ,وورقُهَا كذا وكذا ,وثمرُهَا :الورعُ ,ولا خيَر في شجرةٍ لا ثمرَ لها ,ولا خير في إنسانٍ لا ورَعَ فيه .
ومعلوم أن ما دخل في مسمَّى الشجرةِ والنخلةِ من فروعها وأغصانها وورقِهاَ وثمرها إذا ذهب شيء منه لم يذهب عن الشجرةِ اسمُهَا ؛ولكن يقال : هي شجرةُ ناقصةُ ,وغيرها أكمل منها ,فإن قطع أصلُها وسقطت لم تبق شجرةً ؛وإنما تصير حَطباً ,فكذلك الإيمان والإسلام إذا زالَ منه بعض ما يدخل في مسماه مع بقاء أركان بنيانه لا يزولُ به اسمُ الإسلامِ والإيمانِ بالكليةِ ,وإن كان قد سُلِبَ الاسم عنه لنقصه بخلافِ ما انهدمت أركانُهُ وبنيانُهُ فإنه يزول مسماه بالكليةِ ,واللهُ أعلمُ .
أقول : وهذا المثل القرآني من أقوى وأوضح الأمثلة والأدلة على أن للإيمان أصلاً وفروعاً وهذا المثل وتفسيره من أقوى ما يرد به على الخوارج الذين يكفرون المؤمن بارتكاب الكبيرة ويخرجونه من الإسلام ,لأن عقيدتهم الفاسدة تقول : إن الإيمان إذا ذهب بعضه ذهب كله .
وهو أيضاً رد على المرجئة الذين يعتقدون أن العمل ليس من الإيمان ,ويعتقدون أيضاً أنه إذا ذهب بعضه ذهب كله ,وينكرون أن يكون العمل من الإيمان .

6- قال الإمام عبد الرحمن بن حسن -رحمه الله- في فتح المجيد (ص8-9) :
" وأما كتابه ([12]) المذكور فموضوعه في بيان ما بعث به الله رسله من توحيد العبادة وبيانه بالأدلة من الكتاب والسنة ، وذكر ما ينافيه من الشرك الأكبر أو ينافي كماله الواجب ، من الشرك الأصغر ونحوه ، وما يقرب من ذلك أو يوصل إليه " .
أقول : إن توحيد العبادة هو مضمون شهادة أن لا إله إلا الله أصل الإيمان وأن الشرك الأكبر ينافي هذا التوحيد والشرك الأصغر ينافي كماله وإذن فللإيمان أصل وكمال عند هذا الإمام وهذا سير منه على طريق السلف .
ونقل عن الإمام ابن القيم -رحمه الله- قوله : " فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأقواله ،فهو التوحيد العلمي الخبري ،وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه ،فهو التوحيد الإرادي الطلبي ،وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته وأمره ونهيه ،فهو حقوق التوحيد ومكملاته ،وإما خبر عن إكرام أهل التوحيد وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة ،فهو جزاء توحيده ،وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب ،فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد ،فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه ،وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم " انتهى .([13])
انظر كيف جعل للتوحيد بأنواعه حقوقاً ومكملات وهي الأوامر والنواهي والطاعات فما حكم ابن القيم والشيخ عبد الرحمن هل قالوا هنا بقول المرجئة .
فما أكثر سعي الحدادية لهدم أهل السنة وأصولهم العظيمة بجهالاتهم ووساوسهم .
قال الإمام محمد -رحمه الله- في كتاب التوحيد في باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما ... الخ ،ساق في الباب بعض الأدلة ,ثم قال : ولابن أبي حاتم عن حذيفة
أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) .
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد (ص104-105) : " قوله ( وتلا قوله " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " ) استدل حذيفة -رضي الله عنه- بالآية على أن هذا شرك ، ففيه صحة الاستدلال على الشرك الأصغر بما أنزله الله في الشرك الأكبر لشمول الآية ودخوله في مسمى الشرك ، وتقدم معنى هذه الآية عن ابن عباس وغيره في كلام شيخ الإسلام وغيره ، والله أعلم ، وفي هذه الآثار عن الصحابة ما يبين كمال علمهم بالتوحيد وما ينافيه أو ينافي كماله " .
فهنا يثني الإمام عبد الرحمن على الصحابة بكمال علمهم بالتوحيد وما ينافيه وينافي كماله وهذا حق فمن أعلم بالله وبدينه من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .
7- وقال الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- في كتاب تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد (ص 114) :
" فإن كمال الإسلام هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتمام ذلك بالجهاد في سبيل الله ,ومن نشأ في المعروف ,فلم يعرف غيره ,فقد لا يكون عنده من العلم بالمنكر وضرره ما عند من علمه ,ولا يكون عنده من الجهاد لأهله ما عند الخبير بهم " .
وهنا يثبت الشيخ سليمان بن عبد الله أن للإسلام كمالاً هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتمام ذلك بالجهاد في سبيل الله .
8- وقال الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ – رحمه الله – في رده على افتراءات عثمان بن منصور على الإمام محمد بن عبد الوهاب : " فمحا الله بدعوته (أي الإمام محمداً) شعار الشرك ومشاهده ، وهدم بيوت الكفر والشرك ومعابده ، وكبت الطواغيت والملحدين ، وألزم من ظهر عليه من البوادي وسكان القرى بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد والهدى ، وكفَّر من أنكر البعث واستراب فيه من أهل الجهالة والجفاء ، وأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وترك المنكرات والمسكرات ، ونهى عن الابتداع في الدين ، وأمر بمتابعة سيد المرسلين والسلف الماضين ، في الأصول والفروع من مسائل الدين ، حتى ظهر دين الله واستعلن . واستبان بدعوته منهاج الشريعة والسنن وقام قائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحُدّت الحدود الشرعية ، وعزرت التعازير الدينية ، وانتصب علم الجهاد ، وقاتل لإعلاء كلمة الله أهل الشرك والعناد ، حتى سارت دعوته وثبت نصحه لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وجمع الله به القلوب بعد شتاتها ، وتألفت بعد عداوتها ، وصاروا بنعمة الله إخوانا " مصباح الظلام في الرد على من كذب الشيخ الإمام (ص17) .
وقال الإمام عبد اللطيف أيضاً خلال مناقشته لعثمان بن منصور وبيان جهله وضلاله : " ولذلك رد على أهل التوحيد والإيمان بما رد به على المتكلمين من أهل منطق اليونان فظن أن البحث في التوحيد وتحقيقه . والنهي عن الشرك وسد ذرائعه ، وقطع وسائله وتبين حقيقته . والفرق بين أصغره وأكبره هو من جنس أبحاث المتكلمين المخالفين للسلف في خوضهم في مسألة الجوهر والعرض ، وبقية المقولات العشر . ولذلك رد على المسلمين بما رد به ابن عقيل على المتكلمين . وذكر أن تحقيق التوحيد وذكر أصوله وفروعه وثمراته وبيان الشرك وذكر أصوله وفروعه ووسائله وذرائعه من جنس بدعة المتكلمين وانفتح بها البثق .
فقف هنا واعتبر واعرف بعد هذا الضرب من الناس عن طريق العلم والهدى واعرف ما تضمنه قوله تعالى : ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) " مصباح الظلام (ص378).
وعندهم الآن وأمام أعينهم تشاد في الجامعات كليات باسم كليات أصول الدين , وكليات الشريعة أي الفروع .
فعلى أي أساس قامت هذه التسميات على أيدي علماء السنة والتوحيد ؟ على مذهب الإرجاء عند الحدادية وعلى مذهب أهل السنة عند أهل السنة .
وأقولها صريحة لو قال عالم أن في الأعمال أصولاً مثل الأركان الأربعة الصلاة والزكاة والصوم والحج لقلت وغيري نعم ولا حرج في ذلك .
ومع ذلك فهي مرتبطة بأعمال القلوب وقائمة على أساسها كما قرر ذلك علماء السنة وقد ذكرنا أقوالهم وأدلتهم في هذا المقال , فلا تخالف ولا تصادم بين هذا القول وذاك .
9- قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله- في ( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان : ص 425 ) :
يقول تعالى( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة ) وهي شهادة أن لا إله إلا الله وفروعها ( كشجرة طيبة ) وهي النخلة ( أصلها ثابت ) في الأرض ( وفرعها ) منتشر (في السماء) وهي كثيرة النفع دائماً ,( تؤتي أكلها ) أي : ثمرتها ( كل حين بإذن ربها ) فكذلك شجرة الإيمان ,أصلها ثابت في قلب المؤمن ,علماً واعتقاداً .وفرعها من الكلم الطيب ,والعمل الصالح ,والأخلاق المرضية ,والآداب الحسنة ,في السماء دائماً ,يصعد إلى الله منه من الأعمال والأقوال التي تخرجها شجرة الإيمان ,ما ينتفع به المؤمن وينفع غيره ( ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ) ما أمرهم به ونهاهم عنه ,فإن في ضرب الأمثال تقريباً للمعاني المعقولة من الأمثال المحسوسة ,ويتبين المعنى الذي أراده الله غاية البيان ويتضح غاية الوضوح ,وهذا من رحمته وحسن تعليمه . فلله أتم الحمد وأكمله وأعمه ,فهذه صفة كلمة التوحيد وثباتها في قلب المؤمن .
- وقال رحمه الله في القول السديد ( المجموعة الكاملة 3/13-14) في شرح باب : من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب :
" وهذا الباب تكميل للباب الذي قبله وتابع له ,فإن تحقيق التوحيد تهذيبه وتصفيته من الشرك الأكبر والأصغر ,ومن البدع القولية الاعتقادية ,والبدع الفعلية العملية ,ومن المعاصي وذلك بكمال الإخلاص لله في الأقوال والأفعال والإرادات ,وبالسلامة من الشرك الأكبر المناقض لأصل التوحيد ,ومن الشرك الأصغر المنافي لكماله ,وبالسلامة من البدع والمعاصي التي تكدر التوحيد وتمنع كماله ,وتعوقه عن حصول آثاره " .
فهنا صرح الشيخ السعدي بأن للتوحيد أصلاً ينافيه الشرك الأكبر وله كمال ينافيه الشرك الأصغر وأن البدع والمعاصي تمنع من كمال الإيمان .
فماذا يريد من ينكر أن للإيمان أصلاً وكمالاً (فرعاً) وبأي حق يضلل من يثبت ما أثبته الله ورسوله وقال به علماء السنة وأئمتها .
- وقال رحمه الله في كتاب التوضيح والبيان لشجرة الإيمان (87/88 ) :
" أما بعد : فهذا كتاب يحتوي على مباحث الإيمان التي هي أهم مباحث الدين ,وأعظم أصول الحق واليقين ؛مستمداً ذلك من كتاب الله الكريم - الكفيل بتحقيق هذه الأصول تحقيقاً لا مزيد عليه - ومن سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم :التي توافق الكتاب وتفسره وتعبر عن كثير من مجملاته ,وتفصل كثيراً من مطلقاته . مُبتدِئاً بتفسيره ,مُثْنِياً بذكر أصوله ومقوماته ,ومن أي شيء يستمد ؟ مُثلِّثاً بفوائده وثمراته ,وما يتبع هذه الأصول .
قال الله تعالى : ( ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ) ( 14/ 24-25 ) .
فمثل الله كلمة الإيمان - التي هي أطيب الكلمات- بشجرة هي أطيب الأشجار ,موصوفة بهذه الأوصاف الحميدة : أصولها ثابتة مستقرة ,ونماؤها مستمر ,وثمراتها لا تزال ,كل وقت وكل حين ,تغل على أهلها وعلى غيرهم المنافع المتنوعة ,والثمرات النافعة .
وهذه الشجرة متفاوتة في قلوب المؤمنين تفاوتاً عظيماً ,بحسب تفاوت هذه الأوصاف التي وصفها الله بها .
فعلى العبد الموفق أن يسعى لمعرفتها ,ومعرفة أوصافها وأسبابها ,وأصولها وفروعها ؛ويجتهد في التحقق بها : علماً وعملاً . فإن نصيبه من الخير والفلاح ,والسعادة العاجلة والآجلة بحسب نصيبه من هذه الشجرة " .
انظر قوله عن شجرة الإيمان وتفاوتها : " فعلى العبد أن يسعى لمعرفتها ومعرفة أوصافها وأسبابها وأصولها وفروعها ... الخ " .
وحاصل ما دل عليه الكتاب والسنة وكلام الأئمة أن للإيمان أصولاً وفروعاً وكمالاً وأن الإيمان كالشجرة الطيبة لها أصل وفروع وثمار وتلك الفروع والثمار من تلك الشجرة .
فأين هذا المذهب الأصيل القائم على الكتاب والسنة وآمن به أساطين الأمة من مذهب الإرجاء الذي لا يعتبر العمل من الإيمان وأنه لا يزيد ولا ينقص ,أي أنه ليس من شجرة الإيمان ،وأهل السنة يعتبرون العمل من الإيمان وفرع وكمال للإيمان ومن شجرة الإيمان .
وهذا ما تيسر نقله من كلام الأئمة العلماء والتعليقات الموجزة عليه وأسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

([1]) الجواب : لا . لماذا ؟ لأنه يقتضي تضليل أئمة الإسلام .

[2]) الطائفة الأولى هي من أهل السنة والحديث الذين يقولون القول المشهور في مرتكب الكبيرة إنه مؤمن فاسق أو مؤمن ناقص الإيمان.

[3] - في الأصل فيزيل والتصحيح من كتاب الإيمان لابن تيمية (307) .

[4] - والظاهر أنه حصل هنا سقط ولعل أصل الكلام إلا من قلة خوفه والسياق يرشد إلى هذا .

( [5] ) يعني الإيمان .

([6] ) مجموع الفتاوى (7/637).


([7]) مجموع الفتاوى (10/355-356) .

(5) مجموع الفتاوى (7/198) .

(6) مجموع الفتاوى (7/199) .

([10] ) مجموع الفتاوى (7/143) .

( [11] ) مجموع الفتاوى (7/14-15) .

([12]) يعني كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبدا لوهاب -رحمه الله - .

([13]) فتح المجيد (ص15-16) وانظر مدارج السالكين ( 3/449 ).
  #48  
قديم 04-18-2011, 04:33 PM
عبد الله السلفي الجزائري عبد الله السلفي الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 1,039
افتراضي مرحبا وأهلا وسهلا بالأخ الكريم: مدحت كركوكلي-وفقه الله-

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ................. وبعد :
فنرحب بالأخ الكريم (مدحت كركوكلي) ونتمنى أن يتحفنا بمزيد من الفوائد ..
فذكر:
ولقد اخترعوا أصولاً لا علاقة لها بالكتاب والسنة لا من قريب ولا من بعيد ,منها :
1- جنس العمل ؛ وهو لفظ لا وجود له في الكتاب والسنة ولا خاصم به السلف ولا أدخلوه في قضايا الإيمان ,اتخذوه بديلاً لما قرره السلف من أن العمل من الإيمان وأن الإيمان قول وعمل واعتقاد ,يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي .
وإذا أخذوا بهذا الكلام على مضض فلا يكفي عندهم أن يقول السلفي :
الإيمان قول وعمل واعتقاد ويزيد وينقص حتى لا يبقى منه إلا مثقال ذرة وأدنى أدنى من مثقال ذرة كما نطقت به الأحاديث النبوية الصحيحة .
بل أوجبوا على الناس أن يقولوا : (حتى لا يبقى منه شيء) والذي لا يقول بهذه الزيادة فهو عندهم مرجئ غال وحتى ولو قالها بعض أهل السنة فهم عندهم مرجئة رغم أنوفهم !!
فعلى عقيدتهم هذه يكون حوالي تسعة وتسعون بالمائة من أهل السنة وأئمتهم مرجئة
وإذا بين لهم خطورة تأصيلهم وفساده ازدادوا عناداً وحرباً على أهل السنة .
2- الذي لا يبدع من لا يكفر تارك جنس العمل فهو عندهم مرجئ غال رمزاً إلى تكفيره .
وحتى وإن كفر تارك جنس العمل فهو مرجئ عندهم لماذا ؟ .

لأنهم قد فصلوا ثوب الإرجاء ليقمصوا به أهل السنة شاءوا أم أبوْا !!
وما ذكره من ان بعض الناس يرمي بالإرجاء حتى من يكفر تارك جنس العمل صحيح وأقرب مثال على ذلك هو فضيلة الشيخ عبدالعزيز الريس وهو ممن يكفر تارك(جنس العمل) بل ويجمع معها تكفير تارك الصلاة! ومع ذلك فهذا لم يشفع له عند الشيخ صالح الفوزان -سدده الله وأصلح له البطانة- حيث اتهمه بالإرجاء وقال عن كتابه (الإلمام....)بأنه كتاب (إرجاء) !!!
ودليله في ذلك هو أنه يقرر العذر بالجهل لمن وقع في المكفرات حتى تقام عليه الحجة !!!
مع أن ما قرره الشيخ عبدالعزيز الريس-وفقه الله- هو قول الشيخ ابن عثيمين والإمام محمد بن عبدالوهاب بل وقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهم الله تعالى-
أما في مسألة الإيمان والعمل فقد وجدت نصا آخر لشيخ الإسلام ابن تيمية كما في رسالة لتلاميذ العلامة الألباني-رحمه الله- وهي (مجمل مسائل الإيمان العلمية...) حيث قالوا -وفقهم الله- :
الإيمان :

[SIZE="6"]1- الإِيمانُ: اعْتِقادٌ بِالجَنَانِ، وَقَوْلٌ بِالِّلسانِ، وَعَمَلٌ بِالأَرْكانِ.
2- العَمَلُ - بِأَنْواعِهِ كافَّةً؛ عَمَلِ الْقَلْبِ، وَعَمَلِ الجوارِحِ - مِنْ حَقِيقَةِ الإِيمانِ.
وَلا نُخْرِجُ أَدْنَى عَمَلٍ مِنْهُ - فَضلاً عَنْ أَكْبَرِهِ وَأَعْظَمِهِ - عَنْ مُسَمَّى الإِيمانِ.
3- لَيْسَ مِنْ مَقالاَتِ أَهْلِ السُّنَّةِ: أَنَّ الإِيمانَ هُوَ تَصْدِيقُ القَلْبِ ! أَوْ: تَصْدِيقُهُ وَالنُّطْقُ بِالِّلسانِ - فَقط - دُونَ عَمَلِ الجوارِحِ ! وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ: فَهْوَ ضالٌّ؛ وَهذا هُوَ مَذْهَبُ الإِرْجاءِ الخَبيثُ.
4- الإِيمانُ شُعَبٌ وَدَرَجاتٌ؛ مِنْها: مَا تَرْكُهُ كُفْرٌ ، وَمِنْهَا: مَا تَرْكُهُ إِثْمٌ - صَغَائِرَ أَوْ كَبائِرَ-، وَمِنْهَا: ما تَرْكُهُ تَفْوِيتٌ للثَّوابِ، وَإِضاعَةٌ للأَجْرِ.
5- الإِيمانُ: يَزِيدُ بالطَّاعَةِ حَتَّى يَصِلَ إِلى كَمالِهِ، وَيَنْقُصُ بالْمَعْصِيَةِ حَتَّى يزول؛ فلا يَبْقَى مِنْهُ شيءٌ.
6- الحَقُّ في مَسأَلَةِ (الإِيمانِ) وَ (العَمَلِ)- وَصِلَةِ بَعْضِهِما بِبِعْضٍ -من حيثُ التلازُمُ-؛ نَقْصاً أَوْ زِيادَةً، ثُبوتاً أَوِ انْتِفاءً - هُوَ ما تَضَمَّنَهُ كَلامُ شَيْخِ الإِسلامِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللهُ -:
«وَأَصْلُ الإِيمانِ: في القلْبِ ؛ وَهُوَ قَوْلُ القَلْبِ وَعَمَلُهُ ؛ وَهُوَ إِقْرارٌ بالتَّصْدِيقِ ، وَالحُبِّ ، والانْقِيادِ.
وَما كانَ في القَلْبِ (فَلا بُدَّ) أَنْ يَظْهَرَ مُوَجَبُهُ وَمُقْتَضاه عَلَى الجوارِحِ.
وَإِذا لَمْ يَعْمَلْ بِمُوجَبِهِ وَمُقْتَضاهُ؛ (دَلَّ عَلَى عَدَمِهِ أَوْ ضَعْفِهِ).
وَلِهذا كانَتِ (الأَعْمالُ الظّاهِرَةُ مِنْ مُوجَبِ إِيمانِ القَلْبِ وَمُقْتَضاهُ)؛ وَهِي تَصْدِيقٌ لِمَا في القَلْبِ ، وَدَلِيلٌ عَلَيْهِ ، وَشاهِدٌ لَهُ ؛ وَهي شُعْبَةٌ مِنْ مَجْمُوعِ (الإِيمانِ المُطْلَقِ)، وَبَعْضٌ لَهُ.
لَكِنَّ ما في القَلْبِ : هُوَ الأَصْلُ لِمَا عَلَى الجوارِحِ».
قُلْنا: وَانْتِفاءُ الإِيمانِ المُطْلَقِ - وَهُوَ كَمَالُهُ - لا يَلْزَمُ مِنْهُ نفي (مُطْلَقِ الإِيمانِ) -وَهُوَ أَصْلُهُ-؛ كَما قَرَّرَهُ شَيْخُ الإسلامِ - رَحِمَه اللهُ - في مَواضِعَ -.
7- أَعْمالُ الجوارِحِ -عَدا الصَّلاةَ - عَلَى ما سَيَأْتي تَفْصِيلُهُ -إِنْ شَاءَ اللهُ- إِمَّا أنْ تَكونَ مِنْ كَمالِ الإِيمانِ الواجِبِ ، أَوْ كَمالِه المُسْتَحَبِّ ؛ كُلٌّ بِحَسَبِهِ- كَما تَقَدَّمَ في كلامِ شَيْخِ الإِسْلامِ-؛ فَواجِبُها وَاجِبٌ ، وَمُسْتَحَبُّها مُسْتحَبٌّ.
  #49  
قديم 04-19-2011, 09:04 AM
أبومعاذ الحضرمي الأثري أبومعاذ الحضرمي الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الدولة: اليمن
المشاركات: 1,139
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله السلفي الجزائري مشاهدة المشاركة
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ................. وبعد :
فهذه مناقشة بين العلامة الألباني توضح (مذهبه)والذي هو قول لفريق من أهل السنة كالإمام الزهري-رحمه الله تعالى وقد "جرى نقاش بين الشيخ الألباني رحمه الله تعالى مع بعض طلبة العلم في مسألة كفر تارك الصلاة [شريط رقم (297) من سلسلة الهدى والنور] جاء فيه:
((قال الشيخ الألباني:شو ورد في السنة؟
السائل:مثل حديث البطاقة
الشيخ الألباني:وشو الاحتمال الذي يرد عليه؟
السائل:مثل حديث البطاقة يا شيخ.
الشيخ الألباني:طيب ما باله؟
السائل: إنه لم يفعل خيرًا إلا هذه الكلمة
الشيخ الألباني:طيب؛ شو يرد عليه؟
السائل:يرِدُ عليه؛أنَّ هذا الرجل لم يمكَّن من فعل الخيرات؛ كقاتل التسع والتسعين نفسًا!.
أحد الحاضرين معقبًا: ومُكِّن من فعل السيئات مائة سجل؟!
فقال الشيخ الألباني مؤيدًا للمعقِّب:هكذا يعني!!
ثم قال الشيخ سائلًا ومستنكرًا: والأحاديث المتواترة في الشفاعة يوم القيامة "أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من خير"، وفي رواية "من إيمان"؛ لم يتمكَّن من أعمال الإيمان؟!
[size="5"]وفي الأحاديث الصحيحة أي الأعمال أفضل؟ أعمال أفضل؛ وذكر منها الصلاة والحج وما شابه ذلك، لم يتمكَّن من الاعمال الصالحة كلها، ولذلك ما بقي في قلبه إلا ذرة من إيمان وذرة من خير؟
هيك يعني معنى الحديث؟!
وهكذا يسوقه علماء السلف الذين تلقينا العقيدة منهم؟!
لما يسوقوا الشفاعة وأحاديث الشفاعة يعنون الذين ما استطاعوا أن يعملوا عمل الخير؟!
هكذا؟!!
لقد وقعتم فيما أنكرتم على مَنْ خالفكم من أهل الأهواء!!.[/size]

إنكم تلفون وتدورون على الأحاديث الصحيحة وتتأولونها مع فكرة قائمة في أذهانكم!، لن تستطيعوا حتى اليوم أن تثبتوها بالأدلة من الكتاب والسنة إلا بالتأويل.
وعلى كل حال؛ فالأدلة التي أنت ذكرتها هي حجة عليك، لإنك تتأولها بما يشبه تعطيل المؤولة لنصوص الكتاب والسنة فيما يتعلق بالصفات الإلهية!!، فنحن الآن لا فرق بيننا وبين أهل الكلام من حيث التعطيل؛ الفرق شكلي!، أولئك يعطلون النصوص المتعلقة في الصفات الإلهية، وهؤلاء يعطلون النصوص المتعلقة بالأحكام الشرعية!، والتعطيل واحد!!!))."
انتهى نقلا عن (نصب الراية للأخ رائد آل طاهر).
وأظن أن الأخ (الأثر) سيقتنع هذه المرة-والله الموفق- ونحن نناقشه - وفقه الله - منطلقين معه من أصل واحد وهو أن (الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية) ونبحث معه في هذه الصورة بالدليل من الشرع المنزل(الكتاب والسنة) ثم ما تفرع عنه من الشرع المأول(كلام علماء السنة).
ولي إليك أخي الأثر شكري وتقديري على حسن أدبك وطول نفسك وتمسكك بما (تراه صوابا) ونامل منك مزيدا من النظر في الأدلة ...
والله الموفق لارب غيره.
أخوك :
راجي رحمة ربه :
عبد الله السلفي الجزائري ...
مرة أخرى ياعبدالله
لم أراك تناقش النقولات الصريحة التي ذكرتها لك عن الإمام الألباني لماذا؟!
كما أنك لم تقف مع ماكتبت لك من إلزامات فيما يتعلق بحديث البطاقة وحديث الجهنميين وأنت أمام خيارين إما أن تتأولها وإما أن تلتزم بظاهرها فتوافق المرجئة في قولهم أن العمل ليس من الإيمان

ثم إن رسالة "حكم تارك الصلاة" للشيخ الألباني , هي مطابقة لعنوانها فقط، ولم يتعرض فيها الإمام, ويستدل على ترك العمل وهكذا النقل الذي ذكرته تعرض لمسألة تارك الصلاة وهي خلافية بلاشك ولم يتعرض لترك العمل.
فقد قال في "الدرر المتلألئة في نقد وتعقبات مواضع من ظاهرة الإرجاء" (ص126): ((قال د.سفر الحوالي (ص 66): حيث جعل [ أي: الإمام الألباني] التارك الكُلِّي مؤمنًا من أهل الشفاعة، وركَّب رسالته كلها على هذا !!)).
فقال (شيخنا الألباني) - رحمه الله - رادًّا, وناقضًا -:
((ليس كذلك ؛ فالرسالة قائمة على تارك الصلاة - كسلًا -)).اﻫ.
وفي "الوجه الأول" من الشريط رقم (140)، من "سلسلة الهدى والنور" قرأ أحد الحضور قول العلامة ابن عثيمين - في تكفير تارك الصلاة -: ((بل النظر الصحيح فيقال هل يعقل أن رجلًا في قلبه حبة من خردل من إيمان, يعرف عظمة الصلاة وعناية الله بها ثم يحافظ على تركها هذا شيء لا يمكن؟)) علَّق الإمام على هذا بقوله: ((هذا هو أول من يخالف هذا الكلام، المؤلف هو أول من يخالف ما قال في هذه الفقرة، لأن البحث عندهم ليس فيمـن لم يصل في عُمره صلاةًَ، وإنما مَنْ ترك صلاةً صلاتين... إلى آخره, أنتَ لاحظتَ أول عبارته: هـل يعقل؟ شُوْ معنى يحافظ على تركها حتى الوفاة أو قبل الوفاة؟ ظاهر الكلام أنه ما صلى قط وليس هذا قولهم، يعني لو ما صلى يومًا بكامله هل هو مسلم أو كافر؟ هو عندهم كافر, أنا أقول: مثل ما يقول: لايعقل، لكن القضية مُشْ قضية معقول وغير معقول, القضية كما قال عليه السلام: (وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع, فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) (وإنما الأعمال بالخواتيم..)) أهـ.
ففي كلام الإمام هذا إشارة واضحة إلى مطلق الترك للصلاة والترك المطلق وأنه ينقد التكفير بمطلق الترك
وفي نقدات الإمام الألباني وتعقباته على مواضع من كتاب "ظاهرة الإرجاء" نشره تلميذه علي بن حسن الحلبي. بعنوان (الدرر المتلألئة) وجاء في (ص127) منه: ((قال (د. سفرٌ الحوالي في (ص161): (فمن ترك الصلاة بالكلية فهو من جنس هؤلاء الكفار، ومن تركها في أكثر أحيانه ؛ فهو إليهم أقرب، وحاله بهم أشبه, ومن كان يصلي أحيانًا ويدع أحيانًا فهو متردد متذبذب بين الكفر والإيمان, والعبرة بالخاتمة.
وترك المحافظة.... غير الترك الكلي الذي هو الكفر)).اﻫ.
فقال الإمام الألباني: ((وهذا التفصيلُ نراه جيدًا ؛ ولكن: هل علة الكفر في هذه الحالة هو التـرك لأنه ترك؟ أم لأنه يدل بظاهره على العناد، والاستكبار ؛ وهو الكفر القلبي؟ هذا هو الظاهر، وهو مناط الحكم بالكفر, وليس مجرد الترك, وهو معنى ما كنت نقلته في رسالتي عن ابن تيمية (ص44-46), وهو المصر على الترك -مع قيام الداعي على الفعل -كما فصلته هناك-؛ فراجعه، فكلام المؤلف لا يخرج عنه؛ بل يبيّنه ويوضحه)).اﻫ.

أرجوا الوقوف مع هذه النقول ومناقشتها


وهذه أدلة من الكتاب والسنة على ركنية العمل في الإيمان
أذكر بعض ما استدل به السلف في ذلك حتى تطمئن -فهم أعلم الناس بدلالات النصوص- فمن ذلك قوله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[البينة:5]
وقال الإمام الآجري رحمه الله: 'فالأعمال بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان، فمن لم يصدق الإيمان بعمله؛ مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه لهذه، ورضي لنفسه بالمعرفة والقول دون العمل لم يكون مؤمناً، ولم تنفعه المعرفة والقول، وكان تركه للعمل تكذيباً منه لإيمانه، وكان العمل بما ذكرنا تصديقاً منه لإيمانه، فاعلم ذلك.
هذا مذهب علماء المسلمين قديماً وحديثاً، فمن قال غير هذا فهو مرجئ خبيث، احذره على دينك، والدليل على هذا قول الله عز وجل: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5] ' [806] . أخلاق العلماء: (ص: 28)

• ما ورد من الآيات في حكم التولي عن الطاعة
ولا شك أن تارك الأعمال متولٍ عن الطاعة معرض عن الامتثال؛ فالآيات الدالة على أن تارك الركن تارك للإيمان هي دليل على تركب حقيقة الإيمان من هذين الركنين معاً، ومنها:
1- قوله تعالى: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران:32].
2- قوله تعالى: وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [النور:47].
3- قوله تعالى في حق الكافر: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة:31-32].
4- قوله تعالى: لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى [الليل:15-16].
5- قوله تعالى على لسان موسى وهارون: إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [طه:48].
يقول شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية : 'فعلم أن التولي ليس هو التكذيب، بل هو التولي عن الطاعة؛ فإن الناس عليهم أن يصدقوا الرسول فيما أخبر ويطيعوه فيما أمر، وضد التصديق التكذيب، وضد الطاعة التولي، فلهذا قال: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة:31-32] وقد قال تعالى: وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [النور:47] فنفى الإيمان عمن تولى عن العمل وإن كان قد أتى بالقول...'
إلى أن يقول: "ففي القرآن والسنة من نفي الإيمان عمن لم يأتِ بالعمل مواضع، كما نفى فيها الإيمان عن المنافق، وأما العالم بقلبه مع المعاداة أو المخالفة الظاهرة، فهذا لم يُسمَّ قط مؤمناً، وعند الجهمية إذا كان العلم في قلبه مؤمن كامل الإيمان، إيمانه كإيمان النبيين، ولو قال أو عمل ماذا عسى أن يقول ويعمل، ولا يتصور عندهم أن ينتفي الإيمان إلا إذا زال ذلك العلم من قلبه' . الإيمان (ص: 137) وهو في مجموع الفتاوى: (7/ 142)



الآيات في اقتران العمل بالإيمان
وهذا ما استدل به السلف قديماً، ماذكره الإمام أبو بكر محمد بن الحسين الآجري الشافعي ، قال:
' اعلموا -رحمنا الله تعالى وإياكم- يا أهل القرآن ويا أهل العلم، يا أهل السنن والآثار، ويا معشر من فقههم الله عز وجل في الدين بعلم الحلال والحرام، أنكم إن تدبرتم القرآن كما أمركم الله عز وجل علمتم أن الله عز وجل أوجب على المؤمنين بعد إيمانهم به وبرسوله العمل.
وأنه عز وجل لم يُثن على المؤمنين بأنه قد رضي عنهم وقد رضوا عنه، وأثابهم على ذلك الدخول إلى الجنة والنجاة من النار إلا بالإيمان والعمل الصالح، وقرن مع الإيمان العمل الصالح، لم يدخلهم الجنة بالإيمان وحده حتى ضم إليه العمل الصالح الذي قد وفقهم إليه، فصار الإيمان لا يتم لأحد حتى يكون مصدقاً بقلبه وناطقاً بلسانه، وعاملاً بجوارحه.
لا يخفى أن من تدبر القرآن وتصفحه وجده كما ذكرت.
واعلموا -رحمنا الله تعالى وإياكم- أني قد تصفحت القرآن، فوجدت فيه ما ذكرته في تسعة وخمسين موضعاً من كتاب الله عز وجل، وأن الله تبارك وتعالى لم يدخل المؤمنين الجنة بالإيمان وحده، بل أدخلهم الجنة برحمته إياهم، وبما وفقهم له من الإيمان به والعمل الصالح.
وهذا رد على من قال: الإيمان المعرفة، ورد على من قال: " المعرفة والقول، وإن لم يعمل "، نعوذ بالله من قائل هذا...'.
ثم شرع رحمه الله في سرد هذه المواضع من قوله تعالى في سورة البقرة:
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [البقرة:25]. ..وذلك في فصل خاص من كتاب الشريعة
وقال الإمام البغوي في شرح حديث جبريل:
'جعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث الإسلام اسماً لما ظهر من الأعمال، وجعل الإيمان اسماً لما بطن من الاعتقاد، وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان، والتصديق بالقلب ليس من الإسلام، بل ذلك تفصيل لجملة، هي كلها شيء واحد، وجماعها الدين؛ ولذلك قال: { ذلك جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم }، والتصديق والعمل يتناولهما اسم الإيمان والإسلام جميعاً، ويدل عليه قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ [آل عمران:19] و وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً [المائدة:3]، و وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85] فأخبر أن الدين الذي رضيه ويقبله من عباده هو الإسلام، ولن يكون الدين في محل القبول والرضا إلا بانضمام التصديق إلى العمل' شرح السنة: (1/ 10) .
وهذه آيات قرآنية كريمة تدل على ركنية العمل الظاهر :
الآية الأولى : قوله تعالى في آخر سورة الأنعام [ آية:158]:)يوم يأت بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً( الآية ، فهذه الآية تدل على كفر من زعم أنه مؤمن لإتيانه بتصديق القلب واللسان دون كسب الجوارح ؛ لأنها نص في عدم نفع الإيمان لكل نفس آمنت ولم تصدق إيمانها بالعمل قبل إتيان بعض الآيات ، وأنه لن ينتفع عندئذ إلا الذي جمع بين الإيمان مع كسب العمل الذي هو من حقيقته:
ـ قــال أبو جعفـر الطبري رحمه الله(تفسيره:8/76) :"وأما قوله )أو كسبت في إيمانها خيراً( فإنه يعني : أو عملت في تصديقها بالله خيراً من عملٍ صالحٍ تصدقُ قِيْلَه وتحققه ، من قبل طلوع الشمس من مغربها ... ولا ينفع من كان بالله وبرسله مصدقاً ولفرائض الله مضيعاً ، غير مكتسبٍ بجوارحه لله طاعة ، إذ هي طلعـت مـن مغربهـا أعمالُه إن عمـل ، وكسبـه إن اكتسـب ، لتفريطه الذي سلف قبل طلوعها في ذلك ، كما حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بـن المفضـل قال : ثنا أسباط عن السدي )يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً( ، يقول : كسبت في تصديقها خيراً : عملاً صالحاً ، فهؤلاء أهل القبلة وإن كانت مصدقة ولم تعمل قبل ذلك خيراً ، فعملت بعد أن رأت الآية لم يقبل منها ، وإن عملت قبل الآية خيراً ثم عملت بعد الآية خيراً قبل منها".
ـ وقال الشوكاني رحمه الله(فتح القدير:2/254) :"قولـــه )أو كسبت في إيمانهـا خيراً( معطـوف علـى )آمَنَتْ( ، والمعنى : أنه لا ينفع نفساً إيمانها عند حضور الآيات متصفةً بأنها لم تكن آمنت من قبل ، أو آمنت من قبل ولكن لم تكسب في إيمانها خيراً. فحصل من هذا أنه لا ينفع إلا الجمع بين الإيمان من قبل مجيء بعض الآيات مع كسب الخير في الإيمان ، فمن آمن من قبل فقط ولم يكسب خيراً في إيمانه ، أو كسب خيراً ولم يؤمن فإن ذلك غير نافعه".
الآية الثانية : قوله تعالى في سورة فاطر [ آية:10] : )إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه( ، فعلى التفسير المنقول عن السلف أن رفع القول والذي أعظمه الشهادتان متوقف على العمل الصالح ، فمن أقر ولم يعمل لم يكن له عمل يرفع الإقرار ، فدل على أن العمل وأعظمه الصلاة شرط لقبول القول الذي أعظمه الشهادتان ، وإليـك أيهــا الأخ الطالب للحــق أقــوال بعـض المفســرين والمصنفين في كتب الاعتقاد :
ـ قال أبو جعفر الطبري رحمه الله(تفسيره:22/80) :"وقوله )إليه يصعـد الكلم الطيب( : يقول تعالى ذكره : إلى الله يصعد ذكر العمل إياه وثناؤه عليه ، والعمل الصالح يرفعه ، يقول : ويرفع ذكرَ العبد ربه إليه عملُه الصالح ، وهو العمل بطاعته وأداء فرائضه والانتهاء إلى ما أمره به ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل"أ.هـ. ثم أسند عدة آثار منها : ما أسنــده بقولـه : حدثني علي ، ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله)إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه( ، قال : الكلام الطيب ذكر الله ، والعمل الصالح أداء فرائضه ، فمن ذكر الله سبحانه في أداء فرائضه حمل عليه ذكر الله فصعد به إلى الله ، ومن ذكر الله ولم يؤد فرائضه ردّ كلامه على عمله فكان أولى به". قلت : هذا من نسخة رواها الكبـار عن أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث ، إلا أن المحدثين أجمعوا على أن ابن أبي طلحـــة لم يسمــع من ابــن عباس رضي الله عنه ، لكن قال السيوطي(الإتقان:2/188) :"قال أحمد بن حنبل : [ بمصر صحيفة في التفسير رواها علي بن أبي طلحة لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصداً ، ما كان كثيراً] ، أسنده أبو جعفر النحاس في ناسخه. قال ابن حجر : [ وهذه النسخة كانت عند أبي صــالح كاتـب الليث ، رواها عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وهي عند البخاري عن أبي صالح ، وقد اعتمد عليها في صحيحه كثيراً فيما يعلقه عن ابن عباس ]. وأخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر كثيراً بوسائط بينهم وبين أبي صالح. وقـال قــوم : لم يسمــع ابن أبي طلحة من ابن عباس التفسير ، وإنما أخذه من مجاهد وسعيد بن جبير ؛ قال ابن حجر :[ بعد أن عرفت الواسطة ــ هو ثقة ــ فلا ضير في ذلك ]"أ.هـ. ونقل كذلك في كتابه(الدر المنثور:8/700) أن ابن حجر قال:"عليٌّ صدوق ، ولم يلق ابن عباس ، لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه ، فلذلك كان البخاري وأبو حاتم وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة"أ.هـ. قلت : جزم البخاري بمعلقات عن ابن عباس من هذا الطريق. وقد روي هذا المعنى عن جمــع من التابعــيــن كما ستأتي الإشارة إليه.
ـ وقال أبو عبد الله القرطبي (الجامع لأحكام القرآن:14/330) تحت هذه الآية:"قال ابن العربي : [إن كلام المرء بذكر الله إن لم يقترن به عمل صالح لم ينفـع ؛ لأن من خالف قوله فعلَه فهـو وبــالٌ عليـه ، وتحقيق هذا : أن العمل إذا وقع شرطاً في قبول القول أو مرتبطاً ، فإنه لا قبول له إلا به ، وإن لم يكن شرطاً فيه فإن كلمه الطيب يكتب له وعمله السيئ عليه ، وتقع الموازنة بينهما ، ثم يحكم الله بالفوز والربح والخسران ] أ.هـ. قلت [ القائل القرطبي ]: ما قاله ابن العربي تحقيق ، والظاهر أن العمل الصالح شرط في قبول القول الطيب ، وقد جاء في الآثار أن العبد إذا قال : لا إله إلا الله ، بنية صادقة نظرت الملائكة إلى عمله ، فإن كان العمل موافقاً لقوله صعدا جميعاً ، وإن كان عمله مخالفاً وقف قوله حتى يتوب من عمله. فعلى هذا : العمل الصالح يرفـــع الكلم الطيب إلى الله ، والكناية في )يرفعه( ترجع إلى الكلم الطيب ، وهذا قول ابن عباس وشهر بن حوشب وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وأبي العالية والضحاك ، وعلى أن الكلم الطيب هو التوحيد ، فهو الرافع للعمل الصالح ؛ لأنه لا يقبل العمل الصالح إلا مع الإيمان والتوحيد ، أي : والعمل الصالح يرفعــه الكلم الطيب ، فالكناية تعود على العمل الصالح ، وروي هذا القول عـن شهــر بـن حــوشب قــال: [ الكلم الطيب القرآن ، والعمل الصالح يرفعه القرآن ]. وقيل : تعود على الله عزوجل ؛ أي أن العمل الصالح يرفعه الله على الكلم الطيب ؛ لأن العمل تحقيق الكلِم ، والعامل أكثر تعباً من القائل ، وهذا هو حقيقة الكلام ؛ لأن الله هو الرافع الخافض ، والثاني والثالث مجاز ، ولكنه سائغ جائز. قال النحاس : القول الأول أولاها وأصحها لعلوّ من قال به ، وأنه في العربية أولى ؛ لأن القراء على رفع العمل ، ولو كان المعنى : والعمل الصالح يرفعه الله ، أو العمل الصالح يرفعه الكلم الطيب ، لكان الاختيار نصف العمل ، ولا نعلم أحداً قرأه منصوباً"أ.هـ. قلت : الأمــر كمــا قــال النّحـاس رحمه الله ، لكن وإن كان القول الأول هو الأشهر من حيث القائل به وأصح من حيث القراءة واللغة ، إلا أنه لا منافاة بين القولين الأول والثاني ؛ فإن القـول والعمل كلاهما شرط في صحة الإيمان ، فإذا كان العمل الصالح لا يرفع إلا بأن يسبقه القول الذي هو الإقرار المتضمن للتصديق ، فكذلك لا يرفع الإقرار إلا بالعمل المصاحب للعمل فلا يرفع أحدهما إلا بالآخر.
ـ وقال الآجري(1/284) : بعد ذكره هذه الآية :"فأخبر تعالى بأن الكلام الطيب حقيقته أن يُرفع إلى الله تعالى بالعمل ، إن لم يكن عمل بطل الكلام من قائله ورُدَّ عليه. ولا كلام طيب أجل من التوحيد ، ولا عمل من أعمال الصالحات أجل من أداء الفرائض".
ـ وقال ابن الحنبلي في (الرسالة الواضحة في الرد على الأشاعرة:2/802) :"والدلالة أيضا على أن الإيمان قول وعمل ، قول الله تعالى ) إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه( ، فأخبر الله تعالى أن القول لا يرفع إلا بالعمل ؛ إذ العمل يرفعه ، فدل على أن قولاً لا يقترن بالعمل لا يرفع .
وأما الحديث النبوي الشريف : وهو تحت فرعين :
(الفرع الأول) : أحاديث في عموم العمل ، منها على سبيل المثال :
(1) ما روى الشيخان(البخاري:6/103-4949،مسلم:4/2039-2647) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :"ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة". قالوا : يا رسول الله! أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ؟ قال :"اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة. ثم قرأ )فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى(. ففي هذا الحديث دليل على ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم من الكتاب والسنة من أن الجنة لا تنال إلا بعمل ، وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الفهم ، ولذلك نهاهم عن ترك العمل احتجاجاً بالقدر ، ولا ينافي هذا مارواه الشيخان(البخاري:7/13-5673،مسلم:4/2169-2816) من حديث أَبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"لن يدخل أحداً عملُه الجنة". قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال :"لا ، ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة ، فسددوا وقاربوا ". فلا يعني هذا أن الجنـة تنـال بغـير عمـل ، بـل لا بد من العمل لدخولها لقوله صلى الله عليه وسلم:"فسددوا وقاربوا"، ولقوله تعالى )ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون( [ النحل:32 ] ، وقوله تعالى)وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملــون( [ الزخرف:72 ] ، وإنما النفي في الحديث أن يكون دخولها على سبيل المعاوضة دون رحمة الله للعبد بهدايته وتوفيقه له ثم قبول هذا العمل ومغفرته لسيئاته :
ـ قال النووي رحمه الله (شرح مسلم:17/159) في الجمع:"أَنَّ دخول الجنَّـة بسبب الأعمال , ثمّ التوفِيق لِلأعمال والهداية لِلإخلاص فيها , وقبولها برحمة اللَّه تعالى وفضله , فيصح أنّه لم يدخل بمجرد العمل . وهو مراد الأحاديث , ويَصحّ أَنَّه دخل بالأعمال أي بسببِها , وهي من الرّحمة".
ـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (الفتاوى:1/217):"فلن يدخل أحد الجنة بعمله ، وما من أحد إلا وله ذنوب يحتاج فيها إلى مغفرة الله لها)ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة(. وقوله صلى الله عليه وسلم [ لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله ] لا يناقض قوله تعالى )جزاء بما كانوا يعملون( ؛ فإن المنفي نفي بباء المقابلة والمعاوضة ، كما يقال : بعت هذا بهذا ، وما أثبت أثبت بباء السبب فالعمل لا يقابل الجزاء ، وإن كان سبباً للجزاء".
وقال ابن القيم (مفتاح دار السعادة:1/8):"الباء المقتضية للدخول غير الباء التي نفى معها الدخول : فالمقتضية هي باء السببية الدالة على أن الأعمال سبب للدخول مقتضية له كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها ، والباء التي نفى بها الدخول هــي بــاء المعاوضة والمقابلة التي في نحو قولهم : اشتريت هذا بهذا. فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمــل أحد ، وأنــه لولا تغمد الله سبحانه لعبده برحمته لما أدخله الجنة فليس عمل العبد وإن تناهى موجباً بمجرده لدخول الجنة ولا عوضاً لها ؛ فإن أعماله وإن وقعت منه على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه فهي لا تقاوم نعمة الله التي أنعم بها عليه في دار الدنيا ولا تعادلها".
(2) وقد جاء نص صريح بنحو حديث عليّ رضي الله عنه فيه اشتراط العمل لدخول الجنة ، وذلك فيما ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : يا نبي الله! أريت ما نَعملُ ، ألأَمرٍ فُرغَ منه ، أم لأَمرٍ نستقبله استقبالاً ؟ قال :"بل ، لأَمرٍ فُرِغَ منهُ". فقال عمر : ففيم العمل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كلٌّ ـ وفي رواية [ كلا ] لايُنالُ إِلاّ بالعَملِ". فقال عمرُ : إنا ـ وفي رواية [ إذن ] نجتهد. رواه معمر بن راشد في كتاب(الجامع الملحق بالمصنف:11/111-20063). وابن وهب في كتاب(القدر:109-20) ، من طريق يونس بن يزيد الأيلي. وابن أبي عاصم في كتاب(السنة:1/134-167،168) ، من طريق محمد بن الوليد الزبيدي والأوزاعي. والفريابي في كتاب(القدر:47-29،30) ، من طريق الزبيدي ويونس بن يزيد. واللالكائي(شرح اعتقاد أهل السنة:4/838-1556) ، من طريق معمر.أربعتهم(معمر ، الزبيدي ، والأوزاعي ، ويونس) عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب عن عمر فذكره. وهذا الحديث أعل بعلتين :
الأولى : قول بعض المحدثين أن سعيد بن المسيب لم يسمع من عمر رضي الله عنه ، وأجيب بأنه قد ثبتت رؤيته لعمر رضي الله عنه على المنبر حيث إنه ولد لسنتين من خلافتـه ، ولـذا قـال يحيى بن معين : ابن ثمان سنين يحفظ شيئـاً. وقـال الإمــام أحمـد :"سعيــد عــن عمــر حجــة ، قـد رأى عمر وسمع منه ، وإذا لم يقبل سعيد عن عمر فمن يقبل ؟ أ.هـ. ويضاف لهذا أن الأئمة نصوا على أن مراسيل ابن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصح المراسيل ، وانظر لذلك كله (تهذيب الكمال:11/73،74).
الثانية : الاختلاف في هذا الحديث من أوجه أخرى :
أ- بإدخال أبي هريرة بين سعيد بن المسيب وعمر رضي الله عنهم ، رواه من هذا الوجه ابن أبي عاصم في كتاب(السنة:1/135-171). والبزار(كشف الأستار:3/18-2137). والفريابي في كتاب(القدر:49-31). وابن حبان(الإحسان:1/312-108). والآجري(الشريعة:1/344-363). من طريقين عن أنس بن عياض عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن عمر مرفوعاً. قال البزار بعده :"رواه غير واحد عن الزهري عن سعيد : أن عمر قال. لا نعلم أحداً يسنده عن أبي هريرة إلا أنس". قلت : صحح هذا الوجه كما ترى ابن حبان لأنه رأى ذكر أبي هريرة زيادة من ثقة وهو أنس بن عياض ، ولكن خالفه غيره كما سيأتي.
ب- بذكر الحديث من طريق عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنهما ، رواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن سالم عن أبيه عبد الله عن عمر ، ذكر هذا الوجه البزار(كشف الأستار:3/19-2137). والدارقطني(العلل:2/91-سؤال134) معلقاً دون إسناد.وهذا الوجه لا يصح لأن ابن أبي الأخضر ضعيف.

ج- بذكر الحديث عن الزهري مرسلاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، رواه عُقَيل بن خالد عن الزهري مرسلاً. ذكره الدارقطني(العلل:2/91-سؤال134) معلقاً دون إسناد ، وقال :"والمرسل أصح). قلت : الدارقطني إمام عارف ولا شك ، لكن يشكل على ترجيحه أنه قد خالف عٌقيلاً أربعةٌ من أصحاب الزهري الأثبات ــ وإن كان في رواية يزيد عنــه وهمٌ قليلٌ ــ وهم : معمر ، الزبيدي ، والأوزاعي ، ويونس بن يزيد. كلهم رواه عن الزهري عن سعيد عن عمر ، والحكم لهم أولى ، ولعله رحمه الله راعى مخالفة المتن لسائر الراويات التي تذكر أن إجابة النبي صلى الله عليه وسلم كانت:"كلٌ ميسر لما خلق له" ، لكن قد صحح ابن حبان كما عرفت الوصل بزيادة أبي هريرة. وعلى كل حـال فعنـدي أن قـوله صلى الله عليه وسلم في هـذا الحـديث: "لا ينال إلا بعمل" كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عليّ رضي الله عنه المتفق عليه :"اعملوا ، فكل ميسر لما خُلق له" ، ولا مانع من تعدد الواقعة ، فمرة قال هذا ومرة قال اللفظ الآخر ، والله أعلم.
(3) ما رواه الشيخان(البخاري:2/165-1496،مسلم:1/51-29) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن ، فقال:"ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإن هم أطاعوا لذلك ، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك ، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم". وجاءت الرواية لهما في دعوتهم للتوحيد بلفظ:"فإذا عرفوا الله" ، وأما رواية الصلاة فجاءت:"فإذا فعلــوا" ، وفي أخــرى للبخــاري وحده:"فإذا صلوا". فيلاحظ هنا أنه صلى الله عليه وسلم علق إجابة الدعوة إلى الشهادتين على الإقرار ، بينما علق إجابة الدعوة إلى الصلاة على فعلها وإقامتها ، ومن المعلوم هنا أن هؤلاء لو أذعنوا وأقروا بالشهادتين وبالصلاة والزكاة ، لكنهم قالوا : لا نصلي لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم إسلامهم ، يفسره الحديث الآخر المتفق عليه(البخاري:1/14-25،مسلم1/52-36) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال صلى الله عليه وسلم:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها". قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الفتاوى:7/611) وذكر حديث معاذ رضي الله عنه وخلاف العلماء فيمن ترك شيئاً من أركان الإسلام الأربعة:" وهذه المسألة لها طرفان : أحدهما: في إثبات الكفر الظاهر ، والثاني : في إثبات الكفر الباطن. فأما الطرف الثاني : فهو مبني على مسألة كـون الإيمـان قولاً وعملاً كما تقدم ، ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم من رمضان ولا يؤدي لله زكاة ولا يحج إلى بيته ، فهذا ممتنع ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة ، لا مع إيمان صحيح ، ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع من السجود الكفار". وسيأتي أيضاً قوله رحمه الله(الصارم المسلول:3/969) عمن يصدّق الرسول ظاهراً وباطناً ثم يمتنع عن الانقياد للأمر:"غايته في تصديق الرسول أن يكون بمنزلة من سمع الرسالة من الله سبحانه وتعالى كإبليس". وقوله(الفتاوى:7/287) عــن قــوم يزعمــون الإيمــان بقلوبهــم مــن غــير شــك ، ويقــــرون بألسنتـهم بالشهادتين , إلا أنهم يقولون : لا نطيع في شيء من فعل الأوامر وترك النواهي قال:"كل مسلم يعلم بالاضطرار أنه يقول لهم [ أي النبي صلى الله عليه وسلم ]: أنتم أكفر الناس بما جئت به , ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك".

من كتاب أقــوال ذوي العـــرفـــــان في أن أعمـال الجــوارح داخلة في مسمى الإيمــان راجعه فضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله كتبه عصام بن عبد الله السناني
الدكتور في كلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم

أقول السلف في مسألة تارك عمل الجوارح بالكلية.
1)ـ قول الإمام سفيان بن عيينة بن أبي عمران أبي محمد الهلالي-رحمه الله-(ت 198هـ)
قـولــه :
قال عبد الله بن أحمد في ((السنة)) [1/347-348] حدثنا سويد بن سعيد الهروي قال: سألنا سفيان بن عيينـة عن الإرجاء، فقال : يقولون الإيمان قول، ونحن نقول الإيمان قول وعمل. والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصراً بقلبه على ترك الفرائض وسمّوا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم وليس بسواء لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصية وترك الفرائض متعمداً من غير جهل ولا عذر هو كفر)) أهـ.
فقه قول الإمام سفيان بن عيينة:
1. قول الإمام هو في بيان الفرق بين أهل السنة والمرجئة في معتقدهم في عمل الجوارح وترك الفرائض منه تعمداً وإصراراً فكلامه لا يتعلق بترك الصلاة بل هو بيان اعتقاد أهل السنة والفرق بينه وبين اعتقاد المرجئة.
2. المرجئة أوجبوا الجنة لمن نطق بالشهادتين وهو يترك الفرائض مصراً بقلبه متعمداً أيْ غير جاحد ولا مستحل.
3. المرجئة لم يفرقوا بين ترك الفرائض وفعل المحارم، فكله ذنب عندهم مادام بدون جحد ولا استحلال.
4. قولـه: ((ونحن نقول)) أيْ أهل السنة؛ فيكون معتقد أهل السنة نقيض ما سبق من معتقـد المرجئة فهو:
5. أهل السنة لا يوجبون الجنة لمن نطق بالشهادتين وهو يترك الفرائض مصراً أيْ غير جاحد ولا مستحل، ومتعمداً أي من غير جهل ولا عذر.
6. لأن تعمد ترك الفرائض من غير جهل ولا عذر ، يكون عن إصرار القلب على ترك فعل الفرائض، وبهذا الإصرار يكون انتفى عمل القلب، وبانتفاء عمل القلب ينتـفي الإيمان منه،
2)ـ قول الإمام أبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي (رحمه لله)(ت 219هـ:
قال أبوبكر الخلال في ((السنة)) [ص586-587] : أخبرني عبيدالله بن حنبل قال: حدثني أبي حنبل ابن إسحاق بن حنبل قال: قال الحميدي: أُخبرت أن قوما يقولون: إن من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت أو يصلي مسند ظهره مستدبر القبلة حتى يموت فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً إذا علم أن تركه ذلك في إيمانه إذا كان يقر بالفروض واستقبال القبلة؛ فقلت: هذا الكفر بالله الصراح، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله  وفعل المسلمين)) أهـ.
(3) قول الإمام إسحاق بن إبراهيم بن رَاهَوْيه أبي يعقوب الحنظلي ((رحمه الله)) ( ت 238هـ)
قال الحافظ ابن رجب في ((فتح الباري)) [1/23]: (نقل حرب الكرماني عن إسحاق قال: ((غَلَت المرجئة حتى صار من قولهم: إن قوماً يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض من غير جحود لها، لا نكفّره يرجى أمره إلـى الله بعــدُ إذ هو مقـرٌّ، فهؤلاء الذين لاشك فيهم يعني في أنهم مرجئة)) أهـ.
(4) قول الإمام أبي بكر محمد بن الحسين الآجري (ت 360 هـ ):
قـولــه:
قال الآجري في ((الشريعة)) [ص120- 121 تحقيق حامد الفقي] : ((فالأعمال بالجوارح: تصديق للإيمان بالقلب واللسان، فمن لم يصدق الإيمان بعمل جوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه لهذه ، ورضي من نفسه بالمعرفة والقول لم يكن مؤمناً ولم تنفعه المعرفة والقول، وكان تركه العمل تكذيباً منه لإيمانه وكان العمل بما ذكرنا تصديقاً منه لإيمانه… وقد قال عز وجل في كتابه وبيّن في غير موضع: أن الإيمان لا يكون إلا بعمل وبيّنه رسوله  خلاف ما قالت المرجئة الذين لعب بهم الشيطان) أهـ.
(5) قول الإمام أبي عبدالله عُبيدالله بن محمد بن بطة العُكْبُري (رحمه الله)(ت 387هـ)
قـولــه:
ذكر ابن بطة في ((الإبانة)) : ((الفرائض والواجبات الظاهرة )) ثم قال في [2/764/تحقيق رضا نعسان معطي] : ((ومن أقر بذلك وقاله بلسانه ثم تركه تهاوناً ومجوناً أو معتقداً لرأي المرجئة ومتبعاً لمذاهبهم فهو تارك الإيمان ليس في قلبه منه قليل ولا كثير وهو في جملة المنافقين الذين نافقوا رسول الله  فنزل القرآن بوصفهم وما أعد لهم وأنهم في الدرك الأسفل من النار نستجير بالله من مذاهب المرجئة الضالة )) أهـ.
(6) قول الإمام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (رحمه الله) ت 728هـ :
قـولــه:
قال الإمام ابن تيمية في ((الفتاوى)) [7/621]: ((..ومن قال بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات سواء جعل فعل تلك الواجبات لازماً له أو جزءاً منه فهو نزاع لفظي؛ كان مخطئاً خطأً بيِّناً وهذه بدعة الإرجاء التي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها وقالوا فيها من المقالات الغليظة ماهو معروف)) أهـ.
فكلام الإمام ابي العباس تقرير وتوكيد لما سبق نقله عن الأئمة :
1- فقد نسب الإمام القول بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات إلى الخطأ البَيِّن ووصفه بأنه بدعة الإرجاء.
2- والقول بعدم حصول الإيمان الواجب لترك فعل الواجبات هو القول الصواب وإن اختُلِف بعد ذلك في تسمية فعل الواجبات أهي من لازم الإيمان الواجب أم جزءٌ منه فهذا الاختلاف لفظي ما دام الكل يقول بعدم حصول الإيمان الواجب لترك فعل الواجبات.
3- والمراد بالإيمان الواجب هنا أصل الإيمان وليس مازاد على أصله ودليل ذلك :
أ ) أن الإمام ابن تيمية قبل قوله هذا بيّن بياناً شافياً هذا الأمر ولخص بيانه فقال : (( فلا يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بايجابها محمد  )) بيانه: (( فلا يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله)) أيْ انتفى عنه أصل الإيمان الذي هو ضد قوله ((..بحصول الإيمان الواجب)) وبيانه: ((مع عدم شيء من الواجبات)) أيْ ترك فعل الواجبات الذي يساوي قوله ((بدون فعل شيء من الواجبات))
وهناك أقوال لـه توضح هذا وتؤكده كلها تصب في معنى واحد يلتقي مع أقوال الأئمة السابقين وغيرهم.
ب) قال الإمام ابن تيمية في ((الفتاوى)) [7/142]: ((… والتولي هو التولي عن الطاعة.. فعُلم أن ((التولي)) ليس هو التكذيب بل التولي عن الطاعة، فإن الناس عليهم أن يصدقوا الرسول فيما أخبر ويطيعوه فيما أمر. وضد التصديق التكذيب، وضد الطاعة التولي… وقد قال تعالى: ((ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين)) فنفى الإيمان عمن تولى عن العمل وإن كان قد أتى بالقول… ففي القرآن والسنة من نفي الإيمان عمن لم يأت بالعمل مواضع كثيرة، كما نفى فيها الإيمان عن المنافق.)) أهـ.
فقوله: ((لم يأت بالعمل)) يساوي قوله: ((بدون فعل شيء من الواجبات)). وقوله ((كما نفى فيها الإيمان عن المنافق)) ضد قوله: ((حصول الإيمان الواجب)) والمنفي عن المنافق هو أصل الإيمان فيكون من لم يأت بالعمل منفي عنه أصل الإيمان، فيكون ترك فعل الواجبات لا يحصل به الإيمان الواجب أي :ْ لا يحصل به أصل الإيمان.
ج) قال الإمام في (الفتاوى)) [7/198]: ((… وذلك لأن أصل الإيمان هو مافي القلب، والأعمال الظاهرة لازمة لذلك، لا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح، بل متى نقصت الأعمال الظاهرة كان لنقص الإيمان الذي في القلب)) أهـ.
تأمل قوله: ((أصل الإيمان هو مافي القلب)) و ((وجود إيمان القلب الواجب)) وتعلق العمل الظاهر بهما وجوداً وعدماً ونقصاً .
فقد فرَّق الإمام بين زوال إيمان القلب الواجب وبين نقصه، فزواله يكون مع عدم جميع أعمال الجوارح، ونقصه يكون بنقص الأعمال الظاهرة، فيكون إيمان القلب الواجب هنا يرادف أصل الإيمان، لأن:
د) قال الإمام في ((الفتاوى)) [7/218]: ((وإنما قال الأئمة بكفر هذا، لأن هذا فرض ما لايقع فيمتنع أن يكون الرجل لا يفعل شيئا مما أمر به من الصلاة والزكاة والصيام والحج، ويفعل ما يقدر عليه من المحرمات مثل الصلاة بلا وضوء وإلى غير القبلة ونكاح الأمهات وهو مع ذلك مؤمن في الباطن، بل لا يفعل ذلك إلا لعدم الإيمان الذي في قلبه)) أهـ.
فقولـه : ((لايفعل شيئاً مما أمر به..)) هو قوله السابق : ((بدون فعل شيء من الواجبات )) فماذا يكـون قوله : ((لعدم الإيمان الذي في قلبه )) ؟ أليس يكون في (( انتفاء أصل الإيمــــان )) ؟. وعليه ماذا يكون ((بحصول الإيمان الواجب)) ؟ وانظر لعدم الإيمان هو الكفر ((الفتاوى)) له[20/86و94].

الإمام ابن بطة لا يقول بكفر تارك الصلاة.
قول الإمام ابن بطة في كفر تارك عمل الجوارح:
1- قال في ((الإبانة)) [2/789]: (( فمن زعم أنه يقر بالفرائض ولا يؤديها ويعلمها وبتحريم الفواحش والمنكـــرات ولا ينزجر عنها ولايتركها وأنه مع ذلك مؤمن فقد كذّب بالكتاب وبما جاء به رسوله ومثله كمثل المنافقين الذين قالوا: ( آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم))أهـ.
3- قال في [2/795]: ((فقد تلوت عليكم من كتاب الله ما يدل العقلاء من المؤمنين أن الإيمان قول وعمل وأن من صدق بالقول وترك العمل كان مكذبا وخارجاً من الإيمان))أهـ.
فعلى القول المتداول أن ابن بطة لا يكفر بترك الصلاة يكون حكم ترك العمل لا يرتبط بحكم ترك الصلاة فابن بطة لا يُكَفِّر بترك الصلاة وهو مع ذلك يُكَفِّر بترك العمل.
قول الحافظ أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852هـ)
أ )ـ ترك الصلاة عند الحافظ ابن حجر كبيرة من الكبائر لايكفر تاركها فانظر ((فتح الباري )) [2/7و12و32] .
ب)ـ قول الحافظ :
عند شرحه حديث (( أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله 000)) رقم [6924و6925] قال في ((فتح الباري)) [12/279] : ((وفيه منع قتل من قال لا إله إلاَّ الله ولو لم يزد عليها ، وهو كذلك لكن هل يصير بمجرد ذلك مسلماً ؟؟ الراجح لا ، بل يجب الكف عن قتله حتى يختبر فان شهد بالرسالة والتزم أحكام الإسلام حكم بإسلامه ، وإلى ذلك الاشارة بالإستثناء بقوله (( إلاّ بحق الإسلام )) . )) .أهـ .
ج)ـ فقه قول الحافظ :
مـــن كلام الحافظ يظهــر :
أ ـ يحكم بالإسلام لمجرد التلفظ بالشهادتين ومعلوم أن ذلك بشرط مالم يقترن مع تلفظه مايدل على بقائه على الشرك.
ب ـ ولكن هل بالشهادتين فقط يعصم دمه وماله ويكون مسلماً ؟ الحافظ قال : (( لا )) حتى يلتزم أحكام الإسلام مثل الصلاة والزكاة والصيام والحج والتي هي من حق الإسلام ، حيث بيَّن قبلُ في [12/277] معنى (( حق الإسلام )) فقال : ((فمهما ثبت أنه من حق الإسلام تناوله )).أهـ ونحوه قال في [1/76] وانظر ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب الحديث الثامــن [ص84-86] لـ(( إِلاَّ بحق الإسلام )).
ج ـ وماقاله الحافظ هو الذي عليه العمل عند السلف الصالح ، قال الإمام ابن تيمية في (( الفتاوى))[7/258] : (( الاعراب وغيرهم كانوا إذا اسلموا على عهد النبي  ألزموا بالأعمال الظاهرة : الصلاة ، والزكاة والصيام والحج ،ولم يكن أحد يترك بمجرد الكلمة )) . أهـ . ونحو قول الإمام ابن تيمية قال الحافظ ابن رجب في (( جامع العلوم والحكم )) [ص83] ، وانظر (( صحيح ابن خزيمة )) [4/7] .
د ـ فيكون عند الحافظ لابد من التلفظ بالشهادتين لثبوت الحكم بالإسلام ابتداء ولابد من العمل الظاهر مع الشهادتين في بقاء الحكم بالإسلام واستمراره .
هـ ـ وبهذا يكون ترك العمل الظاهر جملة يمنع الحكم بالإسلام على تاركه .
فيـكون عند الحافظ حكم ترك الصلاة شيءٌ وحكم ترك العمل الظاهر شيءٌ آخر.
(8) قول الإمام محمد بن علي الشوكاني (ت1255هـ:
أ – مذهبه: يرى الإمام الشوكاني أن تارك الصلاة يطلق عليه كافر ويقتل لكن لا يخلد في النار كما في ((نيل الأوطار)) [1/370 و 374].
ب ـ قول الإمام :
في (إرشاد السائل إلى دلائل المسائل)) الرسالة الخامسة من ((مجموعة الرسائل المنيرية)) [2/88-89]، ((سئل الإمام الشوكاني ما حاصلـه : ماحكم الأعراب سكان البادية الذين لا يفعلون شيئاً من الشرعيات إلاّ مجرد التكلم بالشهادة هل هم كفار أم لا ؟.
فأجـاب: أقول من كان تاركاً لأركان الإسلام وجميع فرائضه ورافضاً لما يجب عليه من ذلك من الأقوال والأفعال ولم يكن لديه إلاّ مجرد التكلم بالشهادتين فلا شك ولا ريب أن هذا كافر شديد الكفر حلال الدم، وصيانة الأموال إنما تكون بالقيام بأركان الإسلام فالذي يجب على من يجاور هذا الكافر من المسلمين في المواطن والمساكن أن يدعوه إلى العمل بأحكام الإسلام….وإن أصر ذلك الكافر على كفره وجب على من يبلغه أمره من المسلمين أن يقاتلوه حتى يعمل بأحكام الإسلام على التمام فإن لم يعمل فهو حلال الدم والمال وحكمه حكم أهل الجاهلية…)) أهـ.
ج ـ فقه قول الإمام :
السؤال واضح وصريح فيمن يتكلم بالشهادتين ولا يفعل شيئاً من الفرائض .
الإجابة كانت مطابقة لهذا السؤال الواضح الصريح:
قوله: ((من كان تاركاً لأركان الإسلام وجميع فرائضه ورافضاً لما يجب عليه من ذلك.. ولم يكن لديه إلا مجرد التكلم بالشهادتين فلا شك ولا ريب أن هذا كافر شديد الكفر..)) فقوله: ((تاركاً لأركان الإسلام وجميع فرائضـه .. ولم يكن لديه إلا مجرد التكلم بالشهادتين كافر شديد الكفر)) واضح أن حكمه فيمن لم يأت إلاّ بالشهادتين فقط .



للفائدة/
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : (ومن عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئاً في ذلك ، بل كان مبتدعاً وإن كان مجتهداً مغفوراً له خطؤه ، فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته ، وطرق الصواب ، ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم ، وأنهم أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ، فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعاً ) ، ( مجموع فتاوى شيخ الإسلام ج 13 / 361)

وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله - : منتقدا تأويلات أهل البدع لصفة الإستواء لله عز وجل ( . . إن هذا تفسير لكلام الله بالرأي المجرد الذي لم يذهب إليه صاحب ، ولا تابع ، ولا قاله إمام من أئمة المسلمين ،ولا أحد من أهل التفسير الذين يحكون أقوال السلف ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ) ، وإن إحداث القول في تفسير كتاب الله الذي كان السلف والأئمة على خلافه يستلزم أحد أمرين : إما أن يكون خطأ في نفسه أو تكون أقوال السلف المخالفة له خطأ ، ولا يشك عاقل أنه أولى بالغلط والخطأ من قول السلف ) ، ( انظر مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ص 353.
وقال الإمام ابن عبد الهادي – رحمه الله - : ( ولا يجوز إحداث تأويل في آية ، أو في سنة،لم يكن على عهد السلف، ولا عرفوه،ولا بينوه للأمة، فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا وضلوا عنه، واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر، فكيف إذا كان التأويل يخالف تأويلهم ويناقضه ، وبطلان هذا التأويل أظهر من أن يطنب في رده )، ( انظر الصارم المنكي في الرد على السبكي ص 427

وفقني الله وإياك لما فيه رضاه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  #50  
قديم 04-19-2011, 09:31 AM
أبومعاذ الحضرمي الأثري أبومعاذ الحضرمي الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الدولة: اليمن
المشاركات: 1,139
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله السلفي الجزائري مشاهدة المشاركة
معنى الإقرار والتصديق في كلام السلف


أن إيمان القلب يشتمل على أصلين:
الأول: قول القلب.
الثاني: عمل القلب.
وقد ورد عن بعض السلف تفسير إيمان القلب: بالتصديق، أو الإقرار، أو الاعتقاد. ويوصف قول القلب بالعلم أو المعرفة إضافة إلى عمل القلب. فهذه سبعة معان مضافة للقلب وردت في عبارات السلف. وبمعرفة حقيقة هذه المعاني يتضح الفرق بين أقوال القلوب وأعمالها، والعلاقة بينها. حيث إن بعض الناس قد يخلط بين أقوال القلوب وأعمالها، فتخفى عليهم بعض أحكام أعمال القلوب. ولذا سوف أوضح – إن شاء الله – هذه المعاني، وبيان مراد السلف بها، من خلال المسائل الثلاث التالية:
المسألة الأولى: المراد بتصديق القلب
يطلق تصديق القلب على شيئين:
الأول: التصديق الخبري العلمي الذهني، بمعنى أن يقع في القلب نسبة الصدق إلى المخبر والخبر ذاته مجردا عما سوى ذلك من أعمال القلوب. وهذا هو قول القلب.
الثاني: التصديق العملي، أي تصديق الخبر بالامتثال والانقياد. وهذا هو الذي قصده السلف عند إطلاق التصديق. فمن قال من السلف بأن الإيمان هو: التصديق، فإنه يقصد بذلك المعنيين؛ قول القلب وعمله. أو عمل القلب المتضمن لتصديقه.
قال الإمام الآجري رحمه الله: (اعلموا – رحمنا الله وإياكم – أن الذي عليه علماء المسلمين: أن الإيمان واجب على جميع الخلق، وهو تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح) .
وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة ولغة العرب وأقوال السلف على أن التصديق ليس محصورا في التصديق الخبري. بل ورد كذلك في التصديق العملي، فمن شواهد ذلك:
1) قوله تعالى: وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [ الصافات: 104- 105]، أي قد امتثلت الأمر وحققته فكأنه قد ذبح ابنه. لأن المقصود هو عمل القلب.
2) قوله تعالى: وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [ الزمر: 33]. فقد فسرها ابن عباس رضي الله عنهما – أن الصدق هو شهادة أن لا إله إلا الله. فمن جاء مصدقا بها من المؤمنين ومصدقا بمحمد صلى الله عليه وسلم فهو المتقي .
3) قوله تعالى: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [ البقرة: 177].
قال ابن كثير رحمه الله: قوله أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا، أي هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات هم الذين صدقوا في إيمانهم، لأنهم حققوا الإيمان القلبي بالأقوال والأفعال) .
وبهذا يتضح معنى تصديق القلب عند السلف إذا أفرد، وأنهم يريدون بذلك التصديق الخبري المستلزم لعمل القلب، أو عمل القلب المتضمن لقوله، أو هما جميعا.
ومن الخطأ أن يظن أن مرادهم بالتصديق عند الإطلاق هو مجرد نسبة الصدق إلى الخبر، أو ما أشبهه كالمعرفة المجردة، أو العلم المجرد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (الإيمان أصله الإيمان الذي في القلب، ولا بد فيه من شيئين:
تصديق القلب، وإقراره ومعرفته، ويقال لهذا قول القلب.
ولابد فيه من عمل القلب، مثل حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وغير ذلك من أعمال القلوب، التي أوجبها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وجعلها من الإيمان) .
وقال أيضاً: (الإيمان وإن كان يتضمن التصديق، فليس هو مجرد التصديق، وإنما هو الإقرار والطمأنينة، وذلك لأن التصديق إنما يعرض للخبر فقط، فأما الأمر فليس فيه تصديق من حيث هو أمر، وكلام الله خبر وأمر، فالخبر يستوجب تصديق المخبر، والأمر يستوجب الانقياد له والاستلام، وهو عمل في القلب جماعة الخضوع والانقياد للأمر فإذا قوبل الخبر بالتصديق، والأمر بالانقياد، فقد حصل أصل الإيمان في القلب، وهو الطمأنينة والإقرار، وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والانقياد) .
وقال ابن القيم رحمه الله: (ونحن نقول: الإيمان هو التصديق، ولكن ليس التصديق مجرد اعتقاد صدق المخبر دون الانقياد له، ولو كان مجرد اعتقاد التصديق إيمانا، لكن إبليس وفرعون وقومه وقوم صالح واليهود الذين عرفوا أن محمدا رسول الله كما يعرفون أبناءهم مؤمنين مصدقين.. فالتصديق إنما يتم بأمرين: أحدهما: اعتقاد الصدق.
والثاني: محبة القلب، وانقياده) .

وقال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله: (ومن هنا يتبين لك أن من قال من أهل السنة في الإيمان هو: التصديق على ظاهر اللغة؛ أنهم إنما عنوا التصديق الإذعاني المستلزم للانقياد ظاهرا وباطنا بلا شك، لم يعنوا مجرد التصديق) .
فالحاصل أن لفظ تصديق القلب عند السلف له أربعة معان:
1) أن يراد به قول القلب فقط، وهذا فيما إذا قرن بعمل القلب.
2) أن يراد به عمل القلب المتضمن لقوله.
3) أن يراد به قول القلب المستلزم لعمل القلب.
4) أن يراد به قول القلب وعمله جميعا.
وأما أن يفرد ويراد به قول القلب فقط فهذا لم يرد عن السلف، بل هو من اصطلاحات أهل البدع.
ثم ليعلم أن التصديق بمعناه الخبري، الذي هو مجرد أن يقع في القلب نسبة الصدق إلى المخبر والخبر من غير إذعان وقبول؛ يساوي تماما عند السلف والأئمة معنى العلم أو المعرفة، إذ لا يوجد فرق بين العلم والمعرفة والتصديق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فإن الفرق بين معرفة القلب وبين مجرد تصديق القلب الخالي عن الانقياد والذي يجعل قول القلب، أمر دقيق. وأكثر العقلاء ينكرونه، وبتقدير صحته لا يجب على كل أحد أن يوجب شيئين لا يتصور الفرق بينهما. وأكثر الناس لا يتصورون الفرق بين معرفة القلب وتصديقه، ويقولون: إن ما قاله ابن كلاب والأشعري من الفرق كلام باطل لا حقيقة له، وكثير من أصحابه اعترف بعدم الفرق – إلى أن قال رحمه الله والمقصود هنا أن الإنسان إذا رجع إلى نفسه عسر عليه التفريق بين علمه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق، وبين تصديق قلبه تصديقا مجردا عن الانقياد وغيره من أعمال القلوب بأنه صادق) .
والمتتبع لبعض تعاريف السلف للإيمان يجد أنهم يعبرون عن التصديق بالمعرفة، وعن المعرفة بالتصديق، بل ويعرفون المعرفة بأنها التصديق، والتصديق بأنه المعرفة.
قال الإمام المروزي رحمه الله: (وإنما المعرفة التي هي إيمان: هي معرفة تعظيم الله وجلاله وهيبته، فإذا كان كذلك فهو المصدق الذي لا يجد محيصا عن الإجلال لله بالربوبية) .
وقال أيضاً: (ومعنى التصديق: هو المعرفة بالله، والاعتراف له بالربوبية، وبوعده، ووعيده، وواجب حقه، وتحقيق ما صدق به من القول والعمل) .
وقال ابن القيم رحمه الله: (ومن تأمل ما في السير والأخبار الثابتة من شهادة كثير من أهل الكتاب والمشركين له صلى الله عليه وسلم بالرسالة؛ وأنه صادق، فلم تدخلهم هذه الشهادة في الإسلام، علم أن الإسلام أمر وراء ذلك، وأنه ليس هو المعرفة فقط، ولا المعرفة والإقرار فقط، بل المعرفة والإقرار، والانقياد، والتزام طاعته ودينه ظاهرا وباطنا) .
فتبين من خلال هذه النقول أنه لا فرق بين المعرفة والتصديق المجرد.
المسألة الثانية: المراد باعتقاد القلب
الاعتقاد في اللغة مصدر عقد يعقد عقدا، مأخوذ من العقد، والربط، والشد بقوة .
وأما اعتقاد القلب عند السلف الصالح فهو يتضمن ركنين قلبيين:
الأول: المعرفة والعلم والتصديق. ويطلق عليه قول القلب، وهذا المعنى عندما يقترن الاعتقاد بعمل القلب .
الثاني: الالتزام والانقياد والتسليم. ويطلق عليه عمل القلب، وهذا المعنى للاعتقاد عند السلف إذا جاء مفردا.
وبهذا يتبين أن من قال من السلف بأن الإيمان اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح. فمراده بالاعتقاد هنا قول القلب وعمله.
ولهذا بوّب الإمام ابن منده رحمه الله في كتابه الإيمان بابا بعنوان: (ذكر خبر يدل على أن الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالأركان، يزيد وينقص) .
وكذا بوّب الإمام اللالكائي رحمه الله بقوله: (سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإيمان تلفظ باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح) . ثم ذكر الأدلة الدالة على أنه اعتقاد بالقلب.
وتقدم أن من أقوال السلف وأئمة السنة في تفسير الإيمان، أنهم تارة يقولون: قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وكذلك قول من قال: اعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح. جعل القول والعمل اسما لما ظهر، فاحتاج أن يضم إلى ذلك اعتقاد القلب. ولابد أن يدخل في قوله: اعتقاد القلب؛ أعمال القلب المقارنة لتصديقه مثل حب الله، وخشية الله، والتوكل عليه، ونحو ذلك) .
وأما إذا ذكر الاعتقاد مع عمل القلب، فإنه يراد به عند السلف قول القلب.
المسألة الثالثة: المراد بإقرار القلب:
إقرار القلب يطلق على شيئين:
الأول: على قول القلب. وهذا عند ذكره مع عمل القلب.
الثاني: على عمل القلب. ويكون المراد به الالتزام، وهذا عند الإطلاق، كما في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ [ آل عمران: 81]. فالإقرار هنا ليس معناه الخبر المجرد، بل معناه الالتزام للإيمان والنصرة للرسول صلى الله عليه وسلم وهذا هو الإيمان بما فيه عمل القلب.
ويقابل الإقرار بالمعنى الأول الإنكار والجحود. وبالمعنى الثاني يقابله الإباء والامتناع. كما أن الكفر منه كفر إنكار وجحود. ومنه كفر إباء وامتناع ككفر إبليس.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولفظ الإقرار: يتناول الالتزام والتصديق، ولابد منهما، وقد يراد بالإقرار مجرد التصديق بدون التزام الطاعة) .
وقد تقدم كلام شيخ الإسلام أن قول القلب: هو تصديقه وإقراره ومعرفته . وعليه فيقال في الإقرار كما قيل في التصديق والاعتقاد.
وخلاصة هذا المبحث: أن التصديق والاعتقاد والإقرار يتناول عند السلف:
1) قول القلب فقط، وذلك عند اقترانها بعمل القلب.
2) قول القلب المستلزم لعمل القلب.
3) عمل القلب، المتضمن لقول القلب.
4) قول القلب وعمله جميعا.
وكل ذلك بحسب التقييد والإطلاق. فيتبين بذلك مراد السلف في عباراتهم، وأنه لا اختلاف بينها.
وأما معرفة القلب وعلمه فلا إشكال في أن المراد بها قول القلب فقط .
انتهى نقلا عن (الدرر السنية....)
قلت :
خلاصة البحث هي :
أن التصديق والاعتقاد والإقرار يتناول عند السلف:
1) قول القلب فقط، وذلك عند اقترانها بعمل القلب.
2) قول القلب المستلزم لعمل القلب.
3) عمل القلب، المتضمن لقول القلب.
4) قول القلب وعمله جميعا.

وعلى ذكر العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- أنقل عنه هذا النقل العزيز الذي هو غير بعيد عن موضوع نقاشنا وهو :
قوله-رحمه الله-في "كتاب الصلاة"(ص54): ((وهاهنا أصل آخر، وهو أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل. والقول قسمان: قول القلب، وهو الاعتقاد، وقول اللسان، وهو التكلم بكلمة الإسلام. والعمل قسمان:عمل القلب، وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح فإذا زالت هذه الأربعة، زال الإيمان بكماله، وإذا زال تصديق القلب، لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة. وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق، فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة، فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان،وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب، وهو محبته وانقياده كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول، بل ويقرون به سرًّا وجهرًا)).اﻫ.
أقول وبالله التوفيق :
تامل-بارك الله فيك- أين جعل ابن القيم (موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة) حيث جعلها في(ذهاب عمل القلب-الذي هو محبته وانقياده- مع بقاء التصديق المجرد عن ذلك) ولم يجعلها في(جنس العمل!!!) أو (الصلاة)....
هذا أولا ...
والثاني متعلق بما قبله وهو:
من المعلوم جدا أن المرجئة(جميعا) لايجعلون عمل الجوارح من الإيمان -أصلا-بل عندهم أن الإيمان (كامل) بدون شيء من العمل الظاهر.
ومن هذا والذي قبله نعرف أن العلامة ابن القيم يرى أن وجود إيمان(ضعيف) بوجود القول والإعتقاد الصحيح ولو بدون شيء من العمل الظاهر(عمل الجوارح) ممكن عند فريق من أهل السنة وهم من لم يكفر تارك الصلاة (لكن لا يكون إيمانه كاملا كما تقول المرجئة بل إيمانه ضعيف وهو من أهل الوعيد إن شاء الله عفا عنه كصاحب(البطاقة) وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه كمن يدخلون النار ثم يخرجون بشفاعة الشافعين ورحمة رب العالمين...
قلت :
(وكتابه يناقش مسألة الصلاة من أوله إلى آخره).
هذا والله أعلم ...
هذا مانقلت لك بشأن معنى الإقرار عند السلف وقد زدت عليه ما يثبت ماذهبت إليه فلاحجة لك في ذلك

قال الإمام العلامة ابن القيم الجوزية رحمه الله "من قال بلسانه ما ليس في قلبه لم يكن بذلك مؤمنا بل كان من المنافقين وكذلك من عرف بقلبه وأقر بلسانه لم يكن بمجرد ذلك مؤمنا حتى يأتى بعمل القلب من الحب والبغض والموالاة والمعاداة فيحب الله ورسوله ويوالى أولياء الله ويعادى أعداءه ويستسلم بقلبه لله وحده وينقاد لمتابعة رسوله وطاعته والتزام شريعته ظاهرا وباطنا وإذا فعل ذلك لم يكف في كمال إيمانه حتى يفعل ما أمر به
فهذه الأركان الأربعة هي أركان الإيمان التي قام عليها بناؤه وهى ترجع إلى علم وعمل" عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين
تأمل تتمة العبارة التي لم تنقلها "فهذه الأركان الأربعة هي أركان الإيمان التي قام عليها بناؤه وهى ترجع إلى علم وعمل"
جعلها أركان فالشهادة ركن وعمل الجوارح ركن ..
وتأمل لكلام الإمام ابن القيم رحمه الله وهو يقول:
( قاعدة الايمان له ظاهر وباطن
وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح
وباطنه تصديق القلب وانقياده ومحبته
فلا ينفع ظاهر لا باطن له وان حقن به الدماء وعصم به المال والذرية
ولا يجزىء باطن لا ظاهر له إلا إذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلاك
فتخلف العمل ظاهرا مع عدم المانع دليل علي فساد الباطن وخلوه من الايمان

ونقصه دليل نقصه وقوته دليل قوته).أهـ الفوائد ص 85

تأمل قوله"ونقصه دليل نقصه وقوته دليل قوته" ثم قوله"فتخلف العمل ظاهرا مع عدم المانع دليل علي فساد الباطن وخلوه من الايمان"



واعلم أن عدم وجود العمل يلزم عدم وجود ولاحتى ذرة من يقين وإذعان وإنقياد..
قال ابن أبي العز الحنفي في ((شرح العقيدة الطحاوية)) [ص 341 تخريج الألباني]: ((ولاشك أنه يلزم من عدم طاعة الجوارح عدم طاعة القلب، إذ لو أطاع القلب وانقاد لأطاعت الجوارح وانقادت، ويلزم من عدم طاعة القلب وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة، فمن صلح قلبه صلح جسده قطعاً بخلاف العكس)) أهـ
و المتقرر عند أهل السنة والجماعة هو تلازم عمـل الجــوارح الظاهـرة وأعـمـال القلـوب البـاطنـة لا يمكن تصور وجود أحدهما دون الآخر ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الفتاوى:7/221): "والقرآن يبين أن إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر بحسبه" أ.هـ ، وبهذا صرح أئمة الدين وحكوه عقيدة لأهل السنة ، أذكر عدداً ممن قرر ذلك :

1- قال أبو طالب المكي رحمه الله كما نقله شيخ الإسلام ( الفتاوى: 7/333) :" الإيمان والإسلام أحدهما مرتبط بالآخر فهما كشيء واحد ، لا إيمان لمن لا إسلام له ، ولا إسلام لمن لا إيمان له ، إذ لا يخلو المسلم من إيمان به يصح إسلامه – ولا يخلو المؤمن من إسلام به يحقق إيمانه من حيث اشترط الله للأعمال الصالحة الإيمان ; واشترط للإيمان الأعمال الصالحة ؛ فقال في تحقيق ذلك :)فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه( وقال في تحقيق الإيمان بالعمل : )ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجت العلى( . فمن كان ظاهره أعمال الإسلام ولا يرجع إلى عقود الإيمان بالغيب فهو منافق نفاقاً ينقل عن الملة ، ومن كان عقده الإيمان بالغيب ولا يعمل بأحكام الإيمان وشرائع الإسلام فهو كافر كفراً لا يثبت معه توحيد ; ومن كان مؤمنا بالغيب مما أخبرت به الرسل عن الله عاملاً بما أمر الله فهو مؤمن مسلم … فلا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بعقد. ومَثَلُ ذلك مَثَلُ العمل الظاهر والباطن أحدهما مرتبط بصاحبه من أعمال القلوب وعمل الجوارح. ومثله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : )إنما الأعمال بالنيات( ؛ أي لا عمل إلا بعقد وقصد ، لأن [إنما] تحقيق للشيء ونفي لما سواه ؛ فأثبت بذلك عمـل الجـوارح من المعاملات ، وعمل القلوب من النيات. فمثل العمل من الإيمان كمثل الشفتين من اللسان لا يصح الكلام إلا بهما ؛ لأن الشفتين تجمع الحروف ، واللسان يظهر الكلام ، وفي سقوط أحدهما بطلان الكلام ، وكذلك في سقوط العمل ذهاب الإيمان .

و قال ابن تيمية رحمه الله الفتاوى:7/50":"فإن المرجئة لا تنازع في أن الإيمان الذي في القلب يدعو إلى فعل الطاعة ويقتضي ذلك ، والطاعة من ثمراته ونتائجه ، لكنها تنازع هل يستلزم الطاعة ؟".

وقال ابن تيمية رحمه الله في [7/611] من ((الفتاوى)): ((ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم من رمضان ولا يؤدي لله زكاة ولا يحج إلى بيته فهذا ممتنع ولا يصدر إلاّ مع نفاق في القلب وزندقة لا مع إيمان صحيح..)) أهـ.
وقال الإمام ابن تيمية في ((الفتاوى)) [7/621]: ((..ومن قال بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات سواء جعل فعل تلك الواجبات لازماً له أو جزءاً منه فهو نزاع لفظي؛ كان مخطئاً خطأً بيِّناً وهذه بدعة الإرجاء التي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها وقالوا فيها من المقالات الغليظة ماهو معروف)) أهـ.
موضوع مغلق


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:35 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.