180- يقول السَّائل: شيخَنا -بارك الله فيك-:
وقع عندنا -نحن الإخوة السلفيِّين في تونس-، وقع عندنا في الآونةِ الأخيرة -منذ أسبوع- أنَّ بعض النَّاس حَمَلوا السِّلاح على الحاكِم، ووقع اشتباكٌ بينهم، وكان قاتل ومقتول، ونحن نُعاني -الآن- من هذه الفتنة -مِن انعكاساتِها، وإلى غير ذلك-.
وكانت علة هؤلاء القوم أنَّ هذا الحاكم هو كافر؛ بِزعم أنَّه ينزع الحجاب، ويحلق لِحى النَّاس، وإلى غير ذلك.
وبعد هذه الأحداث اختلف في هؤلاء القوم: منهم مَن قال أنَّهم مِن الخوارج، ومنهم مَن قال: أنا أتورَّع وأقول هؤلاء أخطؤوا بزعم أنَّ الحاكم كافر، فأنا أقول أخطأ، ولا أسَمِّيهم بالخوارج.
فشيخَنا: هل مِن كلمةٍ منهجيَّة حول هذا؟
ثم: نُريد منكم نصيحةً لكل من الإخوة السلفيِّين حتى نستطيع من نشرها بين الإخوة، خاصَّة أنَّ هذه الجماعة نسبتْ نفسَها إلى منهج السَّلف، وأنَّهم مِن السلفيِّين!
ولا حول ولا قوَّة إلا بالله.
بارك الله فيك -شيخنا-، جزاك الله خيرًا.
الجواب:
الحقيقة: قرأنا وسَمِعنا ما جرى في تونس -قبل أيَّام-كما ذكرَ الأخُ السَّائل-، وآلَمنا -جدًّا- ذلك، وتأسَّفنا عليه كثيرًا، وزاد مِن تأسُّفِنا كَونُ هؤلاء انتسبوا إلى السَّلفيِّين وإن كان ما ذُكر مِن نسبتِهم إلى السَّلفيِّين جاء مُرتبطًا بالسَّلفيَّة الجزائريَّة القِتاليَّة؛ فهذا يُبيِّن الفَرق بيننا وبينهم؛ فنحن لا ننتسبُ إلى أولئك -لا في قليلٍ، ولا في كثير-؛ بل هُم يَطعَنون بعُلمائِنا، ويطعنون بِنا، وعقائدِنا، وإن تسمَّوا بِهذا الاسم، وانتسبوا بهذه النِّسبة؛ فليسوا من الحقِّ في شيء.
لكنْ: لا يُميِّز هذا الأمرَ الكثيرُ من النَّاس، فإذا سَمِعو كلمة (السَّلفيَّة) يظنُّون هؤلاء سلفيِّين حقًّا، ومؤمنين صِدقًا، والأمرُ -للأسف!- ليس كذلك!
وهذه الأحداث المؤسِفة، ليست -فقط- في تونس، أو لَم تقع في تونس -فقط-؛ وإنَّما -كما لا يخفى- وقعت في الأردن، وقعت في مصر، وقعتْ في الكويت، وقعتْ في الكثير من البلاد الإسلاميَّة، وكلُّها -للأسفِ!- تقع بِاسم الدِّين، وباسمِ التَّوحيد، وبِاسم العقيدة -مِمَّا يُخالف مُبتدأَ هذه الأمورِ ومُنتهاها كافَّةُ أهل العلم الرَّبَّانيِّين المعتبَرين.
لذلك: لو سألتَ هؤلاء: مَن مرجِعيَّتُكم؟ ومَن علماؤُكم؟ ومَن الذين يُفتون لكم؟ وعمَّن تأخذون عِلمَكم؟ لا يجدون جوابًا! لأنَّهم ليسوا على سَويَّة معرفيَّة ولا عِلميَّة، وليسوا على ثقةٍ مِما يقولون؛ وإنَّما جَمعتهُم العواطفُ العاصِفة، والحماساتُ الفارغة، والغوغائيَّة -ولو بِاسم الدِّين، والحميَّة على الدِّين، والرَّغبة والعاطفة الدِّينيَّة-.
فنحن ضد هذه الأمور، ولا نرضى بِها.
أمَّا أن يُحكَم على هؤلاء بأنَّهم مُخطِئون؛ فنَعم؛ هذا أقلُّ ما يُحكَم عليهم أنَّهم مُخطئون.
وأنا أرى أنَّ الحُكمَ عليهم بالخطأ ليس هو الذي يَكفي؛ وإنَّما هُم أكثرُ مِن ذلك.
فهذه الأفعال ليست أفعالَ أهل العلم، ولا أهل السُّنة، ولا أهل الفِقه في الدِّين، حتى لو كان هنالك كُفر صريح -لا يَختلف فيه اثنان، ولا ينتطح فيها عنزان-، أهلُ العلم ينظرون إلى الأمور بِمفاسدِها ومصالحها، ينظرون إلى الأمور باعتباراتِ مآلاتِها، لا ينظرون إلى الأمرِ بِمجرَّد كلمةٍ تُقال، أو رأي يُذكَر ويُشهَر؛ لا؛ إنَّما النَّظرة يجبُ أن تكونَ شاملة وكاملة، وهذه ميزةُ العلماء الرَّبَّانيِّين عن غيرِهم مِن العامَّة والرَّعاع.
أمَّا نصيحتي للإخوة السلفيِّين: فأن يُعلِنوا براءتَهم من هذا الأمر؛ حتى يتميَّز الصَّف، وحتَّى يُعرف أن ما عليه هؤلاء ليس على مثلِ ما هُم عليه -من الحقِّ والسُّنَّة والدعوةِ والتَّوحيد-.
لذلك؛ نصيحتي للإخوة: أن يستمرُّوا في دعوتِهم، وفي حِرصِهم، ويثبُتوا على الحقِّ، ويجتمعوا على الحق -دون التحزُّبات، ودون العصبيَّات، وإلى غير هذا وذاك-.
وكما قلتُ -وأكرِّر، وأؤكِّد-: عليهم أن يُميِّزوا أنفسَهم، ويُبيِّنوا أن هذه المواقفَ لا نرتضيها، وفتاوى مشايخنا أهل العلم -في حوادث مُشابِهة- كثيرة -ولله الحمد-: فتاوى الشيخ الألباني، فتاوى الشيخ ابن باز، فتاوى الشيخ ابن عثيمين -في ذلك-الحمد لله- معروفة ومشهورة؛ فأرى أن يُبرِزوها، وأن يُوضِّحوا كلام أهل العلم السَّلفيِّين المعتَبَرين؛ حتى يُعرَف ما عليه هؤلاء مِن خلل، ومِن باطل.
واللهُ المستعان.
المصدر: لقاء البالتوك (16/1/2007) -من لقاءات البالتوك القديمة، في غرفة مركز الإمام الألباني-، (6:29). من هنـا لسماع اللقاء كاملًا.