أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
76371 69591

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر اللغة والأدب و الشعر - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #101  
قديم 07-01-2012, 03:12 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,648
افتراضي شرح منظومة أصول الفقه لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ. تتمّـة.

شرح منظومة أصول الفقه

72.
بيِّنةً أَ لْزِمْ لكلِّ مُدَّعِ *** ومنكراً أَ لْزِمْ يميناً تُطِعِ.

قوله: (بيِّنة) : مفعول لـ (أ لزم) : يعني ألزم كل مدع البينة ليحكم له بما ادعاه، (ومنكراً ألزم يميناً) يعني ألزم المنكر اليمين على ما أنكر (تطع) أي تطع النبي - صلّى الله عليه وسلّم - في قوله: «البينة على المدّعي واليمين على من أنكر».

وهذه من القواعد الهامة في الدعاوى. وذكرها الناظم بعد قوله فيما سبق: إن من ادعى شيئاً لا يمكن فإنها لا تسمع دعواه، لبيان أن من ادعى شيئاً ممكناً، فإنها لا تقبل دعواه إلا ببينة.

ـ مثال ذلك: لو ادعى زيد على عمرو ديناراً، فأنكر عمرو، وقلنا لزيد: ائت ببيّنة، فإن أتى ببينة حكم له بها، ولا يحكم له بمجرد دعواه، لأن دعواه سبب وليس مقتضياً للحكم، وإن لم يأت ببينة قيل للمنكر : احلف، فإن حلف برئ، وإن لم يحلف قضي عليه بالنكول.

فما هي البينة التي لا بد لكل مدعٍ إثباتها؟.

الجواب: البينة على القول الراجح هي: كل ما أبان الحق وأظهره من شهود، أو قرائن، أو عادات أو غيرها.

ثم إن بيّنة الشهود تختلف:

فمنها: ما لا بد أن تكون أربعة رجال.
ومنها: ما لا بد أن تكون ثلاثة رجال.
ومنها: ما لا بد أن تكون رجلين.
ومنها: ما لا بد أن تكون رجلين، أو رجلاً وامرأتين، أو رجلاً ويمين المدعي.
ومنها: ما لابد أن تكون شاهداً واحداً إما رجلاً أو امرأة.

أما الذي لا بد فيه من أربعة رجال عدول هو الزنا أو الإقرار به.

وأما الذي لا بد فيه من ثلاثة رجال، فهو: الرجل يكون غنياً، ثم يصيب ماله جائحة تتلفه، فيأتي يطلب من الزكاة، فهذا لا نقبل منه إلا بثلاثة رجال.

وأما الذي لا بد فيه من رجلين ذكرين، فهي الحدود ـ سوى الزنا، فسبق أنه لا بد فيه من أربعة شهداء ـ، والقصاص، وما ليس بمال ولا ملحقاً به.
فالحدود مثل السرقة: لا بد فيها من رجلين يشهدان بأن هذا سرق، فإن أتى صاحب المال برجل وامرأتين فقط، ثبت حقه في المال ولم يثبت الحد، فَيُضَمَّنُ السارقُ المالَ المسروق، ولكن لا يقام عليه الحد، لأن بينة المال وُجِدت، وبينةُ الحد لم توجد وهذا مما يتبعض فيه الحكم.

وأما الذي لا بد فيه من رجلين، أو رجل وامرأتين، أو رجل ويمين المدعي، فهو: المال وما يقصد به المال، أما المال: فكالبيع والشراء والهبة وغيرها، وأما ما يقصد به المال: فكالرهن والضمان والكفالة وما أشبهها.

أما الرجلان، أو الرجل وامرأتان، فقد جاء في القرآن، قال الله تعالى: {{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}} [البقرة: 282] ، وأما القضاء بالشاهد واليمين فقد ثبتت بذلك السنة عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم [(359)].

وأما الذي يكفى فيه شاهد واحد فهو: فيما لا يطّلع عليه إلا النساء كالرضاع والولادة، ولهذا نقبل شهادة المرأة في الرضاع، ولو كانت واحدة.

ـ فلو أن شخصاً تزوج بامرأة، وبعد الزواج جاءت امرأة ثقة، قالت: إني أرضعتكما خمس مرات رضاعاً مُحَرِّماً، فهنا نفرق بين الرجل وزوجته بشهادة هذه المرأة الواحدة.

ـ ولو أن رجلاً قال: أنا أشهد على فلانة أنها أرضعت هذه المرأة وهذا الرجل، كل واحد خمس مرات، يقول العلماء: إنه يقبل، لأن ما تقبل فيه المرأة يقبل فيه الرجل ولا عكس، وهذا قياس صحيح.
وقد تكون البينة مجرد الوصف، مثال ذلك:

ـ رجل وجد لُقَطَةً، عشرين ألفاً، وسأل وبحث، فجاء إنسان وقال: هي لي، هنا لا يلزم أن يأتي بالشهود، بل يكفي أن يصفها؛ لأن الوصف يقوم مَقام الشهادة. وإنما قام مَقام الشهادة لأنه ليس هناك طرف آخر يدّعيها، والملتقط مقر بأنها ليست ملكه، فاكتفي بالوصف كما جاء ذلك عن النبي - صلّى الله عليه وسلّم -[(360)].

___________

ـ[359] سبق تخريجه ص289.
ـ[360] انظر: جامع العلوم والحكم ص378 ـ 388، ط: دار الريان للتراث. الحديث الثالث والثلاثون.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #102  
قديم 07-01-2012, 03:16 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,648
افتراضي شرح منظومة أصول الفقه لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ. تتمّـة.

شرح منظومة أصول الفقه

72.
بيِّنةً أَ لْزِمْ لكلِّ مُدَّعِ *** ومنكراً أَ لْزِمْ يميناً تُطِعِ.

والعادة أيضاً تكون بيّنة :

ـ رجل طلق امرأته، ولما طلقها ادعت المرأة أن أواني القهوة لها، وادعى الرجل أن الحُلي الذي عليها له، فهل نقبل قول المرأة في المسألة الأولى؟.

نقول : لا، لأن العادة أن أواني القهوة من عند الرجل، وهل نقبل قول الرجل في المسألة الثانية؟.

نقول : لا، لأن العادة أن الذي له الحُلي هو المرأة، ولا نحتاج أن نطالب بالشهود. والبينة في هاتين الصورتين هي العادة.

والقرينة أيضاً تكون بينة :

ـ رجل هارب عليه غترة وبيده غترة، ورجل آخر وراءه يصيح ويقول: أعطني غترتي، فقال الذي بيده الغترة، وهو الهارب: هذه لي، وقال الطالب: هذه غترتي، وليس هناك عادة تحكم بينهما؛ نقول هي للطالب.

فإذا قال الهارب : هات الشهود، الغترة بيدي وأنت مدع أنها لك، نقول: البينة ما بان به الحق، وهنا الحق يبين بأن الغترة للطالب.

لكن لو ادعى الطالب أن غترته هي التي على رأس الهارب، لأنها أحسن من التي بيده، فهنا لا بد فيها من بينة؛ لأن الأصل أن التي على رأسه غترته، حتى لو ادعى الطالب بأن الهارب أول ما أخذ غترته لبسها لأنها أحسن، وجعل غترته في يده، حتى إذا أُدرك وادُّعي عليه يقول: هذه التي بيدي هي غترتك. نقول: لا شك أن هذا فيه احتمال، ولكن لا يصل لأن يكون بينة.

المهم أن كل من ادعى دعوى فعليه البينة، والبينة كل ما يَبِيْنُ به الحق ويظهر، وهي إما شهود وإما قرائن وإما عادات وإما أحوال.

وقوله : (ومنكراً ألزم يميناً) : هنا عندنا اسمان منصوبان (منكراً) (يميناً) ، فلماذا نصب هذا الفعل مفعولين؟ نقول: لأن الفعل (ألزم) يتعدى إلى مفعولين، فهو من باب أعطى وكسا.

وظاهر كلام الناظم أن اليمين تجب على كل منكر في أي دعوى، وهذا هو ظاهر عموم الحديث. لكن بعض أهل العلم قيد ذلك بما يُقْضَى فيه بالنكول
[(361)]، وهو المال وما يقصد به المال، وأما ما لا يقضى فيه بالنكول فإنه لا يُلْزَم المدعى عليه باليمين، لأنه إن لم يحلف فإنه لا يقضى عليه.

وإذا نَكَلَ المنكر فهل ترد اليمين على المدعي؟ في ذلك قولان للعلماء: فمنهم من قال: لا ترد، ومنهم من قال: ترد.

والصحيح أن هذا راجع إلى القاضي فإن رأى أن يردها على المدعي لاتهامه إياه بالكذب فلا بأس، وإلا فالأصل أن المنكر إذا نكل عن اليمين قضي عليه.

ـ مثاله إذا ادعى شخص على آخر فقال: إن في ذمتك لي عشرة آلاف درهم، وطلب منه البينة، فقال: لا بينة عندي. نقول للمدعى عليه: احلف، قال: لا أحلف. فهنا نقضي على هذا الذي نكل بالنكول، ونقول: سلم للمدعي عشرة آلاف ريال؛ لأنك إذا كنت صادقاً فإن اليمين لا يضرك، وامتناعك عن اليمين يدل على صدق دعوى المدعي، فإن قال: أنا أريد أن أفتدي يميني، فنقول له: افتد يمينك بما ادعاه المدعي عليك، وهي عشرة آلاف ريال.

ـ إنسان آخر ادعى على شخص أنه قذفه، فقال المدعى عليه: أنا لم أقذفه، فهل نحلفه؟.

نقول : لا نحلفه، لأنه لو امتنع فإنه لا يقضى عليه بالنكول، إذ إن القضاء بالنكول يكون في المال وما يقصد به المال. لكن لو رأى القاضي أن مع المدعي قوة وقرينة، فهذا لا بأس به أن يُقضى على المدعى عليه بالنكول، لأنه يقال له: إذا كنت صادقاً أنك لم تقذفه، فما المانع من اليمين.

وهذا القول له وجهة قوية، لأن من كان صادقاً في نفي ما ادعي عليه لا يهمه أن يحلف، لأنه صادق ويبرئ ذمته، ويطمئن صاحبه.

ـ لو ادُّعي على رجل أنه زنى فأنكر، لم نحلفه، لأنه لا يقضى عليه بالنكول.

فكل من أنكر فإن عليه اليمين إلا فيما لا يقضى فيه عليه بالنكول.

فتبين أن القاعدة هي: البينة على المدعي، واليمين على من أنكر، وأنه يستثنى من ذلك: إذا كان الظاهر أقوى من الأصل، فإننا لا نقبل يمين المدعى عليه.

مثاله : ما سبق من دعوى الطالب غترة بيد هارب عليه غترة وبيده غترة، ويخرج هذا على الحديث بأن البينة ما بان به الحق، والحق يبين في هذه الصورة بأن الطالب هو الذي له الغترة ويقضى له بها.

ـ ادعى رجال الحُسْبَة، أو عامل الزكاة، على شخص أنه لم يؤد زكاة ماله، وقال هو: إنه أداها، فالقول قوله، ولو قال إنه أداها إليهم فعلى رجال الحُسْبَة أو العاملين اليمين على ما أنكروه.

وهل يلزم صاحب المال باليمين في الصورة التي قال إنه أداها أو لا؟.

الجواب : الأصل أنه لا يلزم بها، لأنه مُؤْتَمن على دينه؛ نعم لو فرض أن الرجل ادعى أنه أداها إلى فلان، فسألنا فلاناً هذا فقال: لم يعطني شيئاً. فهنا نلزمه باليمين؛ لأن هناك فرقاً بين التقييد والإطلاق، أي: بين أن يقول أديتها إلى فلان، أو أديتها مطلقاً.

ـ وكذلك لو كان رجلاً ذا مال كثير، وقال: أديت الزكاة. ونعلم أنه لو أدى الزكاة لكان لها أثر في المجتمع، فهنا قد لا نقبل قوله، لأن الظاهر يخالفه ويكذبه.

مسألة : ما حكم تغليظ اليمين على من لزمته؟

الإجابة : الحكم بتغليظ اليمين راجعٌ إلى القاضي، ثم هل تغلّظ في كل شيء حتى في الشيء الزهيد كالدرهم ونحوه، أو لا تغلّظ إلا في الأشياء العظيمة؟ الصحيح أنها لا تغلّظ إلا في الأشياء الكبيرة، لأن عموم قول الرسول - صلّى الله عليه وسلّم - : «واليمين على من أنكر» [(362)] يقتضي أنه لا تغليظ.

مسألة : كيف نميز بين المُدّعي والمُدّعى عليه في الخصومات ؟.

نقول : المدعي من يدعي خلاف الأصل، والمنكر من يثبت الأصل.
مسألة : لو حصلت سرقة بين جماعة من الناس، فألزم بعضهم بعضاً بالمباهلة [(363)]، فهل يجوز هذا ؟.

نقول : لا يجوز، لأن المباهلة لا تقال في الغالب إلا في المسائل الخطرة في مسائل دينية، أما مسائل الدنيا فالرسول - صلّى الله عليه وسلّم - بينها لنا : «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» [(364)].

وهذا الحديث من أحاديث الأربعين النووية وقد شرحه ابن رجب شرحاً جيداً من أحب أن يرجع إليه فليفعل
[(365)].
____________

ـ[361] سبق تخريجه ص289.
ـ[362] أخرجه البخاري في الأدب، باب إكرام الكبير ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال (5791)، ومسلم في القسامة، باب القسامة (1669/1)، من حديث رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة - رضي الله عنهما -.
ـ[363] انظر شرح البيت السابع والثمانين.
ـ[364] أخرجه أبو داود في كتاب البيوع، باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده (3535)، والترمذي كتاب البيوع، باب (1264)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
ـ[365] أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم... (2097)، ومسلم في الأقضية، باب قضية هند (1714/7)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #103  
قديم 07-01-2012, 07:38 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,648
افتراضي شرح منظومة أصول الفقه لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ. تتمّـة.

شرح منظومة أصول الفقه

73.
كلُّ أمينٍ يدعي الرَّدَّ قُبِلْ *** ما لم يكنْ فيما له حظٌّ حَصَلْ.

هذه قاعدة في دعاوي الأمناء :

قوله: (كل أمين) :
الأمين: هو كل من حصلت العين بيده بإذن من الشرع أو بإذن من المالك.

ـ فَوَلِيُّ اليتيم أمين في مال اليتيم، لأن المال حصل بيده بإذن الشرع.

ـ المستأجر بالنسبة للمؤجر أمين، لأن العين حصلت في يده بإذن مالكها.

قوله: (يدعي الرد قبل) : يعني: إذا ادعى الأمين الرد، أي: رد العيْن إلى صاحبها فإنه يقبل قوله في الرد.ات

ومن أمثلة هذه القاعدة:

ـ رجل أودعته عشرة آلاف ريال، ثم أتيت إليه فيما بعد، وقلت: أدِّ لي الوديعة التي أودعتك، فقال : قد رددتها عليك، فلا يطالب بالبينة على الرد، بل نقول : القول قوله لأنه أمين ومحسن، وقد قال الله - تعالى - : {{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}} [التوبة: 91].

ولو كان يغلب على ظننا صِدق المودِع، لأن المودَع رجل ليس بالأمين، والمودِع يغلب على ظننا أنه أصدق فلا نقضي للمودِع لأنه هو الذي فَرّط بكونه أودعها عند من يشك في أمانته.

ـ ومثل ذلك: من أنقذ مالاً من هلكة، ثم ادعى صاحب المال أن هذا المنقِذ لم يَرُدَّه، إما أنه لم يرده مطلقاً، أو لم يرد بعضه بأن ادّعى صاحب المال أن المال أكثر مما رده منقذه، فهنا القول قول منقذ المال، لأنه محسن، فيدخل في عموم قوله تعالى: {{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}} [التوبة: 91] .

قوله: (ما لم يكن فيما له حظ حصل) : يعني: ما لم يكن في الأمور التي حصل للأمين فيها حظ؛ أي: منفعة، فإنه لا يقبل قوله في الرد حتى يأتي ببينة.

مثال ذلك: المستعير: رجل استعار من شخص قلماً، ثم ادعى المستعير أنه رده لصاحبه فهل يقبل قوله؟.

نقول: لا، لأن له فيه حظّاً، فلا يقبل قوله في الرد، فهو قد قبضه لمصلحة نفسه وليس لمصلحة المالك ولأن الأصل عدم الرد، فإنه إذا لم يرد المال فهو ضامن له.
وإذا كان في ذلك حظ للطرفين، المالك والأمين فهل يقبل قوله في الرد؟ نقول: كلام المؤلف يدل على أنه لا يقبل، لأنه حصل له فيه نفع.

مثال ذلك: المستأجر: أَجَّرْتَ شخصاً سيارة لمدة يوم، ثم جئت أطلبه إياها فقال: رددتها عليك. فهل يقبل قول المستأجر؟.

نقول: لا يقبل لأنه قبضها لمصلحة نفسه، أي لاستيفاء حقه؛ ولو قبلنا قوله لكنا أعطيناه الحظ مرتين.

ولأن الأصل أيضاً عدم الرد، بل وعليه ضمانه، لأن الأصل في قابض مال غيره الضمان، ولا يوجد ما يعارضه، هذا ما قرره الفقهاء - رحمهم الله -.

وفيه وجه آخر أنه يقبل لأن الحظ هنا ليس متمحضاً للقابض، بل هو للأمين وصاحب السيارة، إذ إن الأمين انتفع بالسيارة، وصاحب السيارة انتفع بالأجرة.

ولكن القول الأول أظهر وهو الراجح أنه لا يقبل قوله لأنه قبضها لمصلحة نفسه، ولأن الأصل عدم الرد.

إذاً نقول: الأمناء القابضون ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:

1 ـ من قبض المال لحظ مالكه، مثل: المودَع.
2 ـ من قبض المال لحظ نفسه، مثل: المستعير.
3 ـ من قبضه لحظهما جميعاً مثل: المستأجر.

ومفهوم قول الناظم (كل أمين) : أن من ليس أميناً فإنه لا يقبل قوله في الرد، كالغاصب.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #104  
قديم 07-01-2012, 07:48 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,648
افتراضي شرح منظومة أصول الفقه لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ. تتمّـة.

شرح منظومة أصول الفقه

74.
وأَطْلِقِ القَبُولَ في دعوى التلَفْ *** وكلُّ مَنْ يُقبل قولُه حَلَفْ.

قوله: (وأطلق القبول في دعوى التلف) هذه القاعدة في دعوى الأمين التلف لا الرد، فإذا ادعى الأمين التلف فإنه يقبل قوله، سواء قبضه لحظ مالكه، أو لحظ نفسه، أو لحظهما جميعاً. وسواء حصلت العين بيده بإذن من الشارع، أو بإذن من المالك، لأن التلف ليس من فعله ولا باختياره.

مثال ذلك: المودَع، لما أتى إليه المودِع قال: أعطني الوديعة قال: تلفت أو سرقها سارق. فهل يقبل قوله؟ نقول: نعم، يقبل.

ـ طلب المعير العين التي أعارها للمستعير فقال: إنها تلفت. فإنه يقبل قوله، لأنه أمين، ولم يقل: إني رددتها عليك؛ لأن هذا دعوى إيقاع فعل من صاحبها وهو القبض، لأنه لو ادعى الرد فمعناه أن هناك رادًّا ومردوداً عليه، والمردود عليه أنكر.

ولكن هل يضمن المستعير إذا تلفت العارية وهي بيده، أم لا ؟.

هذه المسألة اختلف العلماء رحمهم الله فيها. على أربعة أقوال:
فمنهم من قال: لا تُضمن إلا بتعدٍّ أو تفريط، ومنهم من قال: تضمن مطلقاً سواء تعدى أو فرط، أم لم يتعد ولم يفرط، ومنهم من قال: تضمن إن شرط المعير ضمانها وإلا فلا، ومنهم من قال: تضمن إلا أن يشترط المستعير عدم الضمان.

والقول الراجح أنها لا تُضمن إلا بتعد أو تفريط، لأنها حصلت في يد المستعير بإذن صاحبها وهو أمين فيها.

ـ المستأجر إذا طلبت منه العين المؤجرة فادّعى تلفها فإن القول قوله.

فالقاعدة أن كل أمين ـ وهو من وقعت العين بيده بإذن الشرع أو المالك ـ إذا ادعى التلف فإنه يقبل قوله.

ولكن إن ادعاه بأمر ظاهر لا يخفى عادة، مثل أن يقول : جاءت أمطار كثيرة على العين المستعارة واجترفها السيل، والأمطار الكثيرة ظاهرة، فنقول له : أقم البينة أولاً على وجود هذا الأمر الظاهر، ثم بعد ذلك نقبل قولك أنها تلفت به.

ولو قال : احترق البيت وفيه العين، نقول: أقم البينة على احتراق البيت، لأن الاحتراق أمر ظاهر، فإذا أقمتها نقبل قولك بأنها احترقت معه، ولا نقبل دعوى المؤتَمِن وهو صاحب العين، أن العين لم تكن بالبيت، بل يقبل دعوى الأمين أنها احترقت مع البيت.

والحاصل: أن الأمناء في دعوى الرد يختلفون، فيقبل قول الأمين في الرد إذا كان قد قبض العين لمصلحة مالكها، ولا يقبل قوله إذا كان له مصلحة في قبض العين، إما خالصة، أو مشتركة مع المالك.

وأما في التلف، فإن قول جميع الأمناء مقبول، سواء كانت العين بأيديهم لحظ مالكها، أو لحظهم هم، أو لحظهما جميعاً.

قوله: (وكل من يقبل قوله حلف) : هذه قاعدة: أن كل من قبلنا قوله من الأمناء لزمه اليمين على ما ادعاه، ولا يَكفي قوله بل لا بد من اليمين، فإن لم يحلف لم يقبل قوله، لقول النبي - صلّى الله عليه وسلّم - : «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» [(366)].

مثال ذلك : رجل أودعته مالاً فادعى أنه تلف فيقبل قوله لكنه يحلف.

ـ رجل آخر أعرته حاجة من الحوائج ادعى أنها تلفت فيقبل قوله أيضاً لكنه يحلف.
ـ رجل آجرته كتاباً فادعى أنه تلف فيقبل قوله لكنه يحلف.
وهكذا كل من كانت العين بيده بإذن من الشارع أو من المالك فإنه يقبل قوله في التلف لكنه لا بد أن يحلف.

وهذا الحلف أحياناً يكون في جانب المدعي، وأحياناً يكون في جانب المُدَّعَى عليه، فكل من قوي جانبه فإن اليمين تكون في حقه.

ويدل لهذا قصة القَسَامة حينما طلب النبي - صلّى الله عليه وسلّم - من المدعِين أن يُقسموا [(367)]، مع أن الأصل أن اليمين في جانب المدعى عليه. لكن كانت اليمين في القَسَامة في حق المدعي لقوة جانبه.

ـ ومثال ذلك لو تنازع الزوجان بعد الفراق في أواني البيت فما يصلح للرجل فهو له، وما يصلح للمرأة فلها. ولكن لو ادعى الرجل ما يصلح له وهو بيد المرأة، فقالت: هو بيدي وهو ملكي، فهنا القرينة تشهد بأن المال للرجل فيكون له، ونقول له: احلف أنه لك. فهنا اليمين في جانب المدعي، لأن جانبه أقوى من جانب المدعى عليه.

فاليمين إذاً في جانب أقوى المُتَدَاعِيَيْن.

واعلم أنه لا يُحَلَّفُ المرء في العبادات لأنها بين العبد وربه، فلو ادعى رجل أنه أدى الزكاة لم يحلف، لأنها حق لله، أمانة بين العبد وربه.

مسألة: إن قال قائل: إذا كان الأمين قد قبض العين لمصلحة مالكها، ثم ادعى الرد، فهو محسن فكيف نلزمه باليمين ؟.

والجواب أن نقول: لأن اليمين لا تضره إن كان صادقاً، وإن لم يكن صادقاً فإنه إن كان عنده تقوى لله فإنه لن يحلف، سواء في دعوى الرد إذا قبل قوله فيه، أو في دعوى التلف.

فإن قال قائل: إذا لم يحلف الأمين على الرد في دعوى الرد، أو على التلف في دعوى التلف، فما الحكم ؟.

فالجواب: الحكم أنه يضمن، لأنه لو كان صادقاً لم يضره أن يحلف، فإن قال قائل: لعله هاب اليمين؟.

فالجواب: أنه إذا هاب اليمين فهذا دليل على ورعه، ومن تمام ورعه أن يضمن الحق لصاحبه.

مسألة: إذا ادعى المالك أن العيب حصل عند المستأجر فهل يقبل قوله؟.

والجواب أن نقول: حتى لو حصل عند المستأجر وهو لم يتعد، ولم يفرط، فلا ضمان عليه، لكن إذا اختلف البائع والمشتري عند مَنْ حدث العيب؛ فقال البائع: إنه حدث عند المشتري، وقال المشتري : إنه حدث عند البائع، فإن كان لا يحتمل قول الثاني، أخذ بقول الأول.

مثال ذلك : إذا كان العيب إصبعاً زائدة وقال المشتري : إنه معيب عند البائع، وقال البائع: بل عند المشتري. فالقول قول المشتري، لأنه لا يمكن أن تنبت الإصبع، وإذا كان جرحاً طرياً نعلم أنه حدث عن قرب، فادعى المشتري أنه حدث عند البائع، وادعى البائع أنه حدث عند المشتري فالقول قول البائع هنا، وإذا كان يحتمل هذا وهذا.

فمن العلماء من قال : إن القول قول البائع، ومنهم من قال: إن القول قول المشتري، وسيأتي الصحيح في المسألة إن شاء الله وفقاً لقواعد الفقهاء [(368)].

مسألة: إذا أتى المودِع ببيّنة على أنه أودعه ثم أنكر المودَع باليمين فما الحكم ؟.

والجواب أن نقول : إذا أتى المودِع ببيّنة أنه أودع الوديعة، فمعلوم أن القول قوله، وإنكار المودَع باليمين لا يقبل.

____________

ـ[366] سبق تخريجه ص305.
ـ[367] أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه... (1292)، ومسلم في كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة... (2658/22)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
ـ[368] سبق تخريجه ص264.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #105  
قديم 07-01-2012, 07:53 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,648
افتراضي شرح منظومة أصول الفقه لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ. تتمّـة.

شرح منظومة أصول الفقه

75.
أدِّ الأمانَ للذي قدْ أَمَّنَكْ *** ولا تخنْ مَنْ خان فهْو قد هَلَكْ.

وهذه أيضاً قاعدة مهمة : أنه يجب على الإنسان أن يؤدي الأمانة لمن أَمَّنَه على أي حال كان؛ سواء كانت وديعة أو عارية أو إجارة. بل حتى الكلام إذا أَمَّنَك عليه، فالواجب أن تؤدي الأمانة.

ولهذا قال العلماء: إذا قال لك الرجل أَبْلِغْ سلامي فلاناً. فقلت: أفعل إن شاء الله، فإنه يجب عليك أن تنقل السلام، لأن الذي قال لك ذلك أَمَّنَك، فإن لم تقبل إبلاغ سلامه فلا يلزمك.

ولهذا ينبغي للإنسان إذا وَدَّعَ أحداً يتوجه إلى بلد أن لا يقول: سلّم لي على الجماعة، أو على الطلبة، أو ما أشبه ذلك؛ لأنه يُحرج صاحبه، إن قبل تحمل المسؤولية، وإن رفض ربما يسخط صاحبه، ولكن يقول: سلّم لي على من سأل عني، فإذا قال ذلك، صار إذا سُئل تذكر، فيقول: فلان طيب ويسلم عليك.

ـ إذا كان الإنسان عليه دين لفلان مائة ألف، وكان قد أودع الذي له مائة ألف وديعة مائة ألف، فذهب الرجل المطلوب إلى الطالب وقال: أعطني الأمانة التي أودعتك إياها وهي المائة ألف، فأنكر، فهنا تكون البينة على المدعي، فنقول له ائت بالشهود على أنك أعطيت فلاناً مائة ألف؛ وإلا فلا شيء لك.

فإن قال: ما عندي بينة. قلنا: يحلف الرجل إذاً، فحلف بأنه ما أعطاه الأمانة، وفي ذمة المدعي للحالف مائة ألف، فهل نقول: اجحد الذي عندك، لأن الرجل خانك فخنه أو لا يجوز ؟.

نقول: لا يجوز، بل أوفه دَيْنَه، وأما وديعتك التي جحدها فحسابه على الله - عزّ وجل -.

إذاً إذا خانك أحد في معاملة فلا تخنه، أَدِّ الأمانة واصدق، وإذا كان قد خانك فحسابه على الله - عزّ وجل -.

ولهذا قال: (ولا تخن من خان فهو قد هلك) أي خسر فيكون الوزر عليه وأنت لك الأجر؛ وبهذه القاعدة تستقيم أحوال الناس ولو قلنا: كل من خانك فخنه، لكان الناس يخون بعضهم بعضاً فتكثر الخيانات وتفسد الأمور.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #106  
قديم 07-01-2012, 08:00 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,648
افتراضي شرح منظومة أصول الفقه لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ. تتمّـة.

شرح منظومة أصول الفقه

75.
أدِّ الأمانَ للذي قدْ أَمَّنَكْ *** ولا تخنْ مَنْ خان فهْو قد هَلَكْ.

وجاء في الحديث الصحيح: «أَدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» [(369)] وهذه المسألة ثقيلة على الطمّاعين وأهل الشح، فيقولون: كيف أقر له بدينه وهو أنكر الوديعة التي عنده ؟.

فنقول: نعم، أَدِّ الأمانة، واستثنى المؤلف من هذا بقوله :

76 ـ وجائزٌ أخذُك مالاً استُحِقْ *** شرعاً ولو سرَّاً كضيفٍ فهْو حَقْ.

استثنى هذه المسألة وهي إذا كان لك حق تستحقه شرعاً، لا بالمعاملة، لأن الذي تستحقه بالمعاملة قلنا ـ فيما سبق ـ : يجب أن تؤدي الأمانة له ولا تخنه، لكن إذا كان لك الحق واجباً شرعاً كالضيف، فله أن يأخذ من مال مضيفه لو لم يؤده حق الضيافة، ولو بغير علمه ولهذا قال: (ولو سِرّاً) مثاله :

ـ نزل ضيف بشخص وقال: أنا ضيف عندك، فقال: أنا غير مستعد، ولكن أدلك على المسجد فإنه مكان للضيوف ممن أراد الصلاة. فانصرف الرجل، وتمكن من أن يأخذ شاة من بيت الرجل، وتمراً من نخله يكفيه، فذبح الشاة وأكل حتى شبع، وفي الصباح جاء له بالباقي فهل يجوز هذا العمل أَوْ لا ؟.

نقول: نعم، يجوز لأنه حق عليه، لكن إذا تمكن أن يجد شيئاً بدون ذبح الشاة، فليفعل مثل ما لو وجد لحماً من مذبوح، فهذا لا يأخذ شاة ليذبحها.

ـ نزل أناس على صاحب غنم ضيوفاً عليه، ولكن صاحب الغنم لم يقم بواجب الضيافة، فلهم أن يأخذوا من غنمه بقدر ضيافتهم بالمعروف، لأن وجوب الضيافة على صاحب الغنم ثابت بالشرع، وأخذُهم من ماله قَدْرَ ضيافتهم من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

لكن إذا كان يُخاف من أخذهم من ماله بقدر ضيافتهم أن تقع فتنة بينهم وبينه، بقتال حاضراً أو مستقبلاً، فإن دَرْء المفاسد أولى.

والمراد بهذه المسألة ما لو سافر إنسان لغرض مقصود ونزل ضيفاً بآخر، لا أن إنساناً يسافر ليبحث عمن ينزل عنده، من أجل أن يأخذ حق الضيافة، فهذا لا يجوز، لأن هذا إنما سافر ليأكل أموال الناس.
لكن لو قال قائل: هل يجوز أن يشتروا من غنمه مقدار ضيافتهم، ثم يقولون: لم نشتر منك شيئاً.

فالجواب: لا يجوز هذا، لأن عقد البيع معه عقد شرعي، وثبوت الحق في ذممهم ثبت بفعلهم، فلا يحل لهم إنكاره من أجل أخذ ضيافتهم.

ـ ومن ذلك المرأة، فإن نفقتها واجبة على الزوج شرعاً، فلو كان زوجها بخيلاً، لا يعطيها ما يكفيها، وله مال تقدر على أخذه لتنفق على نفسها وأولادها ـ إن كان لها أولاد ـ بالمعروف، فهل لها أن تفعل ؟.

نقول: نعم، لأن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - أفتى به هند بنت عتبة رضي الله عنها حين جاءت وقالت: يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي، فهل علي من جناح إن أخذت من ماله؟ قال: «خذي من ماله ما يكفيك ويكفي بنيك بالمعروف» [(370)]، فلها أن تفعل لأن هذا حق شرعي وسببه ظاهر.

ـ ومثل ذلك أيضاً من تجب نفقته على شخص بخيل لا يعطيه ما ينفقه عليه، فإن له إذا قدر على شيء من ماله أن يأخذ منه بالمعروف، قياساً على حق الزوجة.

ـ رجل استأجر أجيراً فعمل الأجير حتى انتهت مدة الإجارة، وصار يطلب المستأجِر ولكنه يماطل به، فقدر الأجير على أخذ شيء من ماله، فهل يأخذ أو لا ؟.

نقول: لا يأخذ لأن الواجب هنا بالعقد لا بالشرع.

وهذا يقع كثيراً، ولو فتح الباب للأخذ بمثل هذا السبب غير الظاهر، لكان كثير من الناس يأخذ من مال غيره ويقول: أنا لي حق عليه، ويحصل بهذا شر كثير، ولو علم صاحب المال بأن عامله أخذ من ماله بغير علمه، حصل من الشجار والمنازعات ما لا يعلم بمغبته إلا الله - عزّ وجل -.

____________

ـ[369] أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب من باع نخلاً قد أبرت... (2090)، ومسلم في كتاب البيوع، باب من باع نخلاً عليها ثمر (1543/77)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
ـ[370] سبق تخريجه ص36.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #107  
قديم 07-01-2012, 08:06 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,648
افتراضي شرح منظومة أصول الفقه لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ. تتمّـة.

شرح منظومة أصول الفقه

إذاً يستثنى من قولنا:

(أَدِّ الأمان للذي قد أمنك *** ولا تخن من خان فهو قد هلك)

ما كان واجباً شرعاً؛ كحق الضيف ونفقة الزوجة والأولاد وما أشبه ذلك، فهؤلاء لهم أن يأخذوا من مال من منعهم، سِراً أو علناً، وذلك لأن سبب الوجوب ظاهر معلوم، فلا تقع فيه الخيانة ولا الفوضى.

مسألة: في قول الناظم - رحمه الله تعالى - :

أَدِّ الأمان للذي قد أمَّنك *** ولا تخن من خان فهو قد هلك.

هل هذا على سبيل الوجوب، أو من باب الورع ؟. فمن استأمنني على مال، وأنا أطلبه بدين عليه، فهل لو تحايلت وأخذت حقي منه بهذه الحيلة، يكون هذا من المحرم؟ وما الرأي في الحيلة لمن له حق عند غني مماطل ؟.

والجواب أن نقول: الحديث عام: «أَدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» [(371)]، فيجب أداء الأمانة، ولا تجوز الخيانة، وكما قلنا في الشرح: إن أدركت حقك في الدنيا فهذا هو المطلوب، وإن لم تدركه ففي الآخرة.

وعلى هذا نقول: إن التحيّل على أخذ المال على غير وجه شرعي محرم.

ولكني أرشد إخواني إلى ألاّ يفرطوا في الأموال، وأن يحفظوا عليهم أموالهم، وألاّ يؤدوا إلى أحد شيئاً إلاّ بشروط.

وقد أرشد الله إلى هذا بقوله: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ}} [سورة البقرة: 282] وكون بعض الناس يستحي أن يُشْهِد، يقال له: أنت الذي فرطت، وأنت الذي أهملت، والإشهاد لا ينافي الحياء، لأنه حق.

وأما المماطل إذا قدرت على شيء من ماله، فلا يجوز لك أن تخونه، بل: «أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك».

مسألة: إذا كان الوالد لا ينفق على أهل البيت، وابنه ساكن معهم، ويقوم في أكثر الأحيان بالصرف عليهم، نظراً لأنه موظف، ولكنه في بعض الأحيان لا يستطيع، فهل يجوز له أن يأخذ من مال أبيه بقدر ما يكفي البيت، وينفق عليه بدون علمه ؟.

الإجابة: نعم، يجوز له أن يأخذ من مال أبيه ما ينفقه على بيت أبيه بدون علمه.

___________

ـ[371] وسيأتي ذكر هذا المثال أيضاً في النظم.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #108  
قديم 07-01-2012, 08:10 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,648
افتراضي شرح منظومة أصول الفقه لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ. تتمّـة.

شرح منظومة أصول الفقه

77.
قد يَثْبُتُ الشيءُ لغيرِهِ تَبَعْ *** وإنْ يكنْ لوِ استَقَلَّ لامْتَنَعْ.

قوله: (قد) : هنا يحتمل أن تكون للتحقيق، ويحتمل أن تكون للتقليل.
والمراد الأول يعني : أن الشيء يثبت لغيره تبعاً، لكن بشرط أن تتحقق التبعية، فإذا تحققت التبعية تحقق الإتباع.

وقوله: (تبع) : حال من فاعل (يثبت) وسكَّنها، مع أنها منصوبة، لأجل القافية، وكذلك وفقاً للغة ربيعة الذين يقفون على المنصوب بالسكون.

وهذه القاعدة وهي أن الشيء قد يثبت تبعاً لغيره مع أنه لو استقل لكان حراماً قد نَصَّ عليها الفقهاء - رحمهم الله -، فقالوا: يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، وللقاعدة أمثلة كثيرة منها :

ـ اللبن: بيعه في الضرع حرام؛ للجهالة، ولعدم التمكن التام من استيفائه، فلا يحل بيعه. لكن لو باع شاة لبوناً، يعني فيها لبن، فإنه يجوز، فيكون صحة العقد على اللبن تبعاً.

ـ رجل باع شاة فيها لبن، بإناء كبير مملوء لبناً فهل يجوز بيع اللبن باللبن متفاضلاً؟ نقول: لا يجوز، ولكن هنا يجوز مع أن اللبن في الضرع أقل من اللبن الذي في هذا الإناء الكبير، لأن اللبن صار تبعاً.

ـ ومن ذلك تبعية الإنسان لأبويه في الدِّين، فإن الولد يثبت إسلامه تبعاً لوالديه وإن لم ينطق بالإسلام، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه»
[(372)].
___________

ـ[372] انظر: الإنصاف (20/416)، ط: هجر.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #109  
قديم 07-01-2012, 11:53 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,648
افتراضي شرح منظومة أصول الفقه لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ. تتمّـة.

شرح منظومة أصول الفقه

ـ ومثّل الناظم بقوله :

78 ـ كحاملٍ إنْ بِيعَ حملُها امْتَنَعْ *** ولو تُباعُ حاملاً لم يَمْتَنِعْ.

قوله: (حامل) : سواء كان حَمْلَ أمة أو بعير أو شاة أو بقرة أو غير ذلك، فلو أنه باع الحمل وحده لكان هذا حراماً، والبيع باطلاً لأن فيه غرراً، لكن لو باع الأم وفيها هذا الحمل، صار البيع صحيحاً لأن الحمل صار تبعاً لها أي حزءاً من أجزائها.

ولهذا لو قال: بعتك هذه الشاة وحملها لم يصح البيع لأنه أفرده عن أمه حيث عطفه عليها والعطف يقتضي المغايرة، أي أن المعطوف غير المعطوف عليه والمغايرة تكون بالعين كقولك: جاء زيد وعمرو، وتكون بالصفة كقوله تعالى: {{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى }} [الأعلى: 1 ـ 4] .

قوله: (حاملاً) حال من نائب الفاعل المستتر في قوله: (ولو تباع) ، يعني: لو تباع حال كونها حاملاً لم يمتنع، ولا يصح المعنى لو جعلت (حاملاً) نائب الفاعل.

ـ ومثل ذلك ثمر النخل؛ فبيع ثمر النخل وحده لا يجوز، حتى يبدو صلاحه كأن يَحْمَر، أو يصفر، وبيع النخل وعليه الثمر ولو قبل بدو صلاحه جائز.

أما الأول، فلأن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها»[(373)]، وهو بأن تحمر، أو تصفر.

وأما الثاني، فلأن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: «من باع نخلاً بعد أن تؤبر، فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع»[(374)]؛ فمفهومه أن الثمرة قبل أن تؤبر تكون للمشتري، تبعاً لبيع أصلها، مع أنها لم يبدُ صلاحها بعد.

مسألة: هل يجوز بيع الثمرة لمالك الأصل قبل بُدُوِّ صلاحها ؟.

الجواب: في هذا خلاف بين العلماء، ومثال ذلك أن يبيع الفلاح نصيبه من الثمرة على صاحب الشجرة، مثل أن يكون الفلاح قد عامل صاحب النخل بنصف الثمرة، ثم بدا للفلاح ألا يستمر في العمل، وباع نصيبه من الثمرة على صاحب الأصل، فمن العلماء من قال: إن هذا جائز، لأنه باع الثمر على صاحب الأصل، ومنهم من قال: إنه ليس بجائز، وهذا هو الحق، لأن نصيب العامل مستقل، ولم يملكه صاحب الأصل من جهته، بخلاف ما إذا اشترطه المشتري الذي اشترى الأصل، وهو عليه الثمر.

____________

ـ[372] انظر: الإنصاف (20/416)، ط: هجر.
ـ[373] أخرجه البخاري في كتاب المظالم، باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه (2326)، ومسلم في الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة (1713/4) نحوه من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
ـ[374] سبق تخريجه ص221.
سبق تخريجه ص224.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #110  
قديم 07-02-2012, 12:24 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,648
افتراضي شرح منظومة أصول الفقه لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ. تتمّـة.

شرح منظومة أصول الفقه

79.
وكلُّ شرطٍ مُفسدٍ للعقدِ *** بذكرِهِ يُفسدُه بالقصدِ.

وهذه أيضاً من القواعد المهمة.كل شرط يُفْسِدُ العقدَ إذا ذكر فيه، فإنه يفسده أيضاً إذا نوي. يعني أن النية تقوم مقام النطق.

ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» [(375)].

مثال ذلك: التحليل: فالمطلّقة ثلاثاً، لا تحل لمطلقها حتى يتزوجها زوج آخر ويجامعها، لقوله تعالى: {{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}} [البقرة: 230] .
تنكح : بمعنى تجامع.

فلو أن امرأةً طُلَّقت ثلاثاً من زوجها، فقام أهلها بتزويجها، وشرطوا على الزوج الثاني أن يطلقها إذا فعل ما يحللها لزوجها الأول، فرضي بهذا الشرط، فهنا الشرط باطل ومفسد للعقد ولا تحل لزوجها الأول بهذا العقد، لأنها تزوجت بعقد فاسد، والفاسد لا حكم له في نفسه، فضلاً عن غيره.

ولو أن الزوج الثاني نوى التحليل بدون علم الزوجة وأهلها، فالعقد أيضاً فاسد [(376)]، وذلك لأنه نوى ما يفسد العقد. فكل ما يفسد العقد بالذكر يفسده بالقصد.

ـ ومن ذلك، على المذهب، لو أن إنساناً تزوج بِنِيَّة الطلاق بعد شهر، فالنكاح باطل [(377)]؛ لأنه لو شرط أن يكون النكاح مؤقتاً بالشهر لكان هذا الشرط مفسداً للعقد، فإذا كان هذا الشرط مفسداً للعقد، كانت نيته ـ أيضاً ـ مفسدة للعقد، لقول النبي - صلّى الله عليه وسلّم - : «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».

ـ ومن ذلك أيضاً: لو أن إنساناً اشترى سلاحاً، واشترط أن يقاتل به المسلمين، فهذا الشرط باطل ومفسد للعقد، لكن لو نواه بدون شرط، كان العقد فاسداً فيما بينه وبين الله، وإن كان في الظاهر لا يفسد، فيما لو تحاكموا عند القاضي، ولهذا قال الناظم ممثلاً لذلك:

__________

ـ[375] أخرجه البخاري في كتاب الشروط، باب إذا اشترط ظهر دابته إلى مكان مسمّى جاز (2569)، ومسلم في كتاب المساقاة، باب بيع البعير واستثناء ركوبه (715/109)، من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -.
ـ[376] أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب شراء النبي - صلّى الله عليه وسلّم - بالنسيئة (1962)، ومسلم في كتاب المساقاة، باب الرهن وجوازه في الحضر والسفر (1603/125، 126)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
ـ[377] هو جزء من حديث سبق تخريجه ص85.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:15 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.