حكم صلاة الغائب

[أبو عمر السلامني]

صلاة الغائب من المسائل الفقهية المختلف فيها ،ذهب جمهور العلماء إلى جوازها مستدلين بما رواه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أصحابه يوم مات النجاشي ملك الحبشة رحمه الله ، فنعاه لهم ، وصفهم وصلى عليه صلاة الجنازة . و ذهب المالكية والحنفية إلى أنها لا تشرع ،وأجابوا عن الحديث أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ،ثم اختلف الجمهور في الميت الغائب الذي يصلى عليه ،فذهب الشافعية والحنابلة أنه يصلى على كل غائب ،وذهب آخرون إلى أنه يصلى على من فيه نفع للمسلمين كالعالم والمجاهد والتاجر الذي نفع الله بماله المسلمين ،وهذا القول رواية عن الإمام أحمد ، وذهب آخرون إلى أنه يصلى على من لم يصل عليه في بلده ،وهذا القول رواية كذلك عن الإمام أحمد اختارها ابن تيمية وابن القيم وابن عثيمين والألباني رحمهم الله ،وأنت ترى أن القائلين بتخصيص الغائب الذي يصلى عليه قد اختلفوا في العلة التي بسببها قد صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي رحمه الله ،فمن قائل أن النجاشي صلي عليه لنفعه المهاجرين الأول وحمايته لهم ،وهذا عمل عظيم ،ومن قائل أن النجاشي صلي عليه لأنه لم يوجد من يصلي عليه من أهل بلده ،لأنه كانوا نصارى ، أوالمسلمين منهم لم تبلغهم كيفية صلاة الجنازة ،ولم يقل أحد من العلماء أن صلاة الجنازة على الغائب بدعة ،إلا ما كان من الشيخ الألباني رحمه الله ، ولا سلف له في هذا القول ،ولما ذكرت هذا القول في بعض مشاركاتي ،انتقدني أخونا الفاضل أبو الأشبال الجنيدي جزاه الله خيرا ،وأشكره على أدبه الجم ،وبما الشيخ علي حفظه الله أغلق الموضوع ،وأبقى في نفسي كلاما أقوله ،خاصة وأنا إمام مسجد ،ومن حقي أن أقول ما أعتقده ،فإن كان خطأ تراجعت عنه ،وإن كان صوابا استفدنا كلنا ،وسأورد كلام أخي أبي الأشبال وأرد عليه فقرة فقرة إن شاء الله ،قال بارك الله فيه : ( أخي بوزيان : نسأل ما هي البدعة ؟!
هل هي إحداث عبادة في الدين لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينص عليها الشرع أم البدعة ما نص
عليها العلماء أنها بدعة ؟!
لأنني ألمح تعريفا جديدا للبدعة :
1- ينص عليها من سلف - ولا يكفي المعاصرون - على أنها بدعة !
2- ألا تكون مما اختلف فيها العلماء !
قد ذكرت في تعليق سابق أن بدعا كثيرة اجتهد في فيها بعض أهل العلم المرموقين , وعملوا بها ؛ وهي محدثة في الدين هل عمل بعض أهل العلم أو قولهم بها يمنعنا من تسميتها بدعة ؟!
وطبعا إذا قال بها بعض أهل العلم صارت من المختلف فيه كما هو واضح , وطردنا هذا الأمر ونظرنا في كل بدعة لوجدنا من قال بها أو عمل بها وبالتالي لن توجد بدعة في الدين إلا ما أجمع عليه أنه بدعة , وبعدها سنناقش ما طريقة إثبات هذا الإجماع ؟!!
ومؤداه أنه لا توجد بدعة في الإسلام , وهي كلها أمور مختلف فيها , ونصبح نحتج بالخلاف وسلام على دين الله !)،أقول : ذكر الشيخ علي حفظه الله في كتابه الماتع " علم أصول البدع " ص 75 ،مبحثا عنوانه "كيف نعرف البدعة " ،ذكر فيه ضوابط تعين على تصنيف العمل ،وهل هو من البدع أم لا ،وقد تابع في ذلك شيخه الألباني رحمه الله ،الذي ذكرها في كتابه "أحكام الجنائز "، والملفت للنظر أن الشيخ رحمه الله لم يذكر بدعية صلاة الغائب مثالا تحت أي ضابط من الضوابط التي ذكرأنها تميز بها البدع ،وأنا أذكرها اختصارا :
1- كل ما عارض السنة من الأقوال والأفعال أو العقائد ،ولو كانت عن اجتهاد .
2- كل أمر يتقرب إلى الله به ،وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
3- كل أمر لا يمكن أن يشرع إلا بنص أو توقيف ،ولا نص عليه ،فهو بدعة ، إلا ما كان من صحابي تكرر العمل منه دون نكير
4- ما ألصق بالعبادة من عادات الكفار
5- ما نص على استحبابه بعض العلماء ،سيما المتأخرين منهم ،ولا دليل عليه
6- كل عبادة لم تأت كيفيتها إلا في حديث ضعيف أو موضوع
7- الغلو في العبادة
8- كل عبادة أطلقها الشارع ،وقيدها الناس ببعض القيود ،مثل المكان أو الزمان أو صفة أو عدد
9- عادات وخرافات لا يدل عليها شرع ،ولا يشهد لها عقل ،وإن عمل بها بعض الجهال ،واتخذوها شرعة لهمن ،ولم يعدموا من يِؤيدهم ولو في بعض ذلك ممن يدعي العلم ،ويتزيى بزيهم ،فهذه تسعة ضوابط لمعرفة البدعة ،فتحت أي ضابط نضع صلاة الغائب ؟،عبادة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ،وثبتت في حديث صحيح ،ولم يقل أحد من المتقدمين أنها بدعة ،وقد عرف أخونا أبو الأشبال البدعة " هي إحداث عبادة في الدين لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينص عليها الشرع"،فهل صلاة الغائب لم ينص عليها الشرع ولم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ؟،
قال جزاه الله خيرا " وأمر آخر مهم وهي قولك : أنه لا يوجد دليل على أن قوم النجاشي كانوا نصارى ؟!!
وهل قومه كانوا مسلمين ؟!
هذه بدهية يا أخي الكريم كيف تقول لا يوجد دليل يثبت هذه الحقيقة !
ثم هل كان النجاشي يعلن إسلامه أم يكتمه ؟!
وهل كان يكتمه عن المسلمين أم عن النصارى ؟!
ما هذا أخي بوزيان ؟! )،أقول:أنا أعرف أن قوم النجاشي كانوا نصارى ،ولكن هل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليه ،لأجل أن قومه كانوا نصارى ولم يصلوا عليه ،هذا لا دليل عليه ،وأنت قد رأيت أن القائلين بجواز صلاة الغائب اختلفوا في المعين الذي يصلى عليه ،فقال قوم يصلى على من لم يصل عليه ،وقال آخرون يصلى على من فيه نفع للمسلمين ،حتى ولو صلى عليه أهل بلده ،ثم هل يستطيع أحد أن يقول أن النجاشي لو صلى عليه قومه ،فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي عليه ،هذا تحكم لا دليل عليه ،قال بارك الله فيه :(وهل النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الغائب على من مات من المسلمين الغائبين وهم كثر ؟!
وهذه هي الصورة التي نتحدث عنها ؟!)،أقول : أعطني مثالا على من مات من المسلمين بعيدا عن النبي صلى الله عليه وسلم ،من غير الشهداء ،الذين لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عليهم حتى وهم حضور .
قال أبو الأشبال جزاه الله خيرا (ومن يريد أن يستدل بقصة النجاشي فعليه هو أن يثبت أن النجاشي صلي عليه وعلم النبي صلى الله عليه و سلم بذلك ثم مع ذلك أعاد النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب عليه , هكذا فقط يكون التماثل ويصح الاستدلال , ودون ذلك خرط القتاد !!)،أقول: وأنت هل تستطيع أن تثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه ،لأجل أن قومه لم يصلوا عليه ،أو صلى عليه مكافأة له على ما قدم للمهاجرين إليه من الحماية والرعاية؟،ودون ذلك خرط القتاد
قال بارك الله فيه (ثم نسأل مَن مِن السلف صلى هذه الصلاة على هذا الوجه - يعني صلاة الغائب على من صلي عليه في بلده - أو قال به , أم نشترط السلف فقط على الألباني ؟!)،الألباني رحمه الله قال أنها بدعة ،ولا سلف له في ذلك ،أما من لم يقل أنها بدعة فهذا لا كلام معه ،ثم إن هناك من العبادات من فعلها النبي مرة واحدة ،وعدها العلماء من السنن ،وقد صلي على شيخ الاسلام ابن تيمية صلاة الغائب أكثر من مائة وخمسين مرة ،ولم نقرأ في سيرته أن أحدا من العلماء رفض ذلك أو عده من البدع )،يتبع إن شاء الله

[أبو عمر السلامني]

نواصل تعليقي على كلام أخينا أبي الأشبال ،وقد رأيت أن مقالي الأول لم يلتفت إليه ،وكنت أود من الإخوة التعليق عليه ،قال أخونا أبو الأشبال ( ثم أخي بوزيان الإخوة يرونها صلاة غير مشروعة - وسمها أنت كما تشاء-؛ فكيف تقول لهم أمر بها المسؤول فصلوا ؟!!
يعني هل ترى طاعة المسؤول فيما تعتقد أنه معصية ؟!
الظن بك أنك لا تقول بطاعة المخلوق في معصية الخالق , فكيف تأمرهم بالطاعة وهم يرونها معصية ؟!
وهذه المسألة كانت هي مربط تعليقاتي , وهي تنشئة السلفيين على هذه الباقعة وهي الطاعة حتى في المنكر , وإنما الطاعة في المعروف !
وفرق بين أن تقول الحكمة كذا , والمصلحة كذا - وافقناك أم خالفناك - وبين أن تقول طاعة المسؤول ؟!
والدعاء لهم شيء والصلاة شيء آخر و فمن قال لك أن من لم يصل هذه الصلاة الغير مشروعة لم يدع لهم ولم يخلص في الدعاء لهم ؟
ثم لو كانت صلاةً حاضرةً - ليست صلاة غائب - هل يحق لأحد أن ينكر علينا إن لم نصل عليهم وكأنها صارت فرض عين !
أمر ولي الأمر بها - لو كانت مشروعة - لن تخرج عن حكم الصلاة الحاضرة لو أمر ولي الأمر بإقامتها , وتبقى فرض كفاية : إن أقامها البعض لم تجب على باقي الأمة ؛ فكيف بكم تنكرون على من ترك الصلاة وهو يراها غير مشروعة أصلا ً؟!!
ثم هل الأمر بإقامتها هو أمر عيني على جميع الناس , أم هو أمر للقائمين على المساجد بإقامتها ؟!) ،أقول: يا أخي الفاضل أنتم الذين جعلتم صلاة الغائب معصية ،وقلدتم في ذلك الشيخ الألباني في عدها بدعة ،والعلماء كلهم ولله الحمد يعدون هذا من الخلاف الفقهي ،فهل من العقل والحكمة أن ننشر قولا مخالفا لكل العلماء ثم نحاول أن نقنع به الناس في مسألة حساسة كهذه ،الموتى فيها من المؤسسة العسكرية التي يكفرها كثيرا من أصحاب اللحى عندنا من غير السلفيين ،وهل صلاة الغائب في بدعيتها كالذكر الجماعي والحزب الراتب ،ودرس الجمعة ؟هذه عبادة فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،أمرك بها ولي الأمر ،تعين عليك فعلها لأن أمر الحاكم يرفع الخلاف ،ولا تقل إنه لا يرفع الخلاف فيما كان بدعة ،فهي والحمد لله من مسائل الخلاف الفقهي .
إن الأئمة السلفيين مستضعفون في الجزائر متربص بهم ،يجب عليهم أن يحسنوا التعامل مع مثل هذه الأحداث .
هب أني ادعيت أن صلاة الغائب بدعة ولم أصلها بالناس ،وبعد ذلك طردت ،وأتوا بعدي بشيخ طرقي جمع كل البدع ،في العقائد والعبادات ،فهل فعلي هذا من الحكمة أم ....
أعرف إماما سلفيا أوصله غباؤه وجهله وتعصبه إلى تمزيق الضلال لسيد قطب فما كان من الوزارة إلا فصله ، وهو الآن يعمل بناء والله ،ويجرح ويعدل .
وآخر كان قبلي في المسجد الذي أنا فيه ،هدم المحراب وأغلقه ،ونفر الناس منه بسبب أنه أمر الداخل يوم الجمعة وهو على المنبر بصلاة ركعتين ،( وهذا مشابه لجهل بعض الأئمة من المتعصبة لمذهب مالك الذين يأمرون من أحرم بركعتي التحية بالجلوس ) .وهذا الإمام حرم من الجمعة وأعطي له مصلى لأداء الصلوات فقط.
قال أبو الأشبال هداه الله ( ثم نسأل سؤالا : كم مرة أمر ولي الأمر بإقامة صلاة الإستسقاء لماذا لم نر إلزامكم لعموم الأمة بها , وإنكاركم على من تركها بحجة طاعة ولي الأمر والمسؤول , رغم أنها مشروعة بالاتفاق وليس فيها محذور شرعي , وإقامتها في المساجد وإن كان خلاف السنة ولكنه مشروع ؟!
فأين كانت هذه الغيرة , والأمر هو الأمر , والمسؤول هو المسؤول ؟!) أقول : فرق بين صلاة الغائب والاستسقاء ،فالاستسقاء من السنن ،ولم يختلف الناس في مشروعيتها ،ولا لها حساسية كحساسية صلاة الغائب على العسكريين ،ثم قد أمر بها ولي الأمر ،وحكم الحاكم يرفع الخلاف كما هو مقرر ،وقد تحاول رد هذه القاعدة أن حكم الحاكم لا يرفع الخلاف فيما هو بدعة ، أقول نعم ، ولكن اثبت العرش ثم انقش
قال أبو الأشبال ( فرجاءً الأمر أوضح من أن يُوضح , أما الأئمة فقد بينت لك حالهم وأحوالهم ؛ بل حال كبرائهم مع أهم الأمور وهي التوحيد والشرك المنتشر في الزوايا والذي ترعاه وزارتهم فلا يتكلمون عنه إلا بالعناوين العامة التي لن يخالف فيها أي قبوري , وقد مرت أيام على هذه الصلاة ولم نر شيئا حدث فلا نتوهم أمرا غير واقع !
بوركتم ). أقول : لو دعا السلفيون إلى التوحيد ونبذ الشرك واقتصروا في دعوتهم على ذلك ،لتغير كثير من الواقع الجزائري ،لقد دعا الإمام محمد بن عبد الوهاب إلى التوحيد ،وغفل عن كثير من المسائل الفقهية ،وفعل مثله الامام عبد الحميد بن باديس وإخوانه من جمعية العلماء ،حتى كان ابن باديس يدرس أقرب المسالك للدردير ،ودرس أبو يعلى الزواوي مختصر خليل ،ولكن لما كان همتهم نشر التوحيد ومحاربة الطرقية آتت دعوتهم ثمارها ،أما نحن فانشغلنا بمسائل الجرح والتعديل ،وأشبعناها بحثا وكتابة ،وأخرجنا جيلا من السلفيين ،ظاهره الإلتزام واللحية والقميص ،وباطن أكثرنا من أبعد ما يكون عن الألتزام وحب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم ،وموالاة المؤمنين ،وابتعد كثير منا عن طلب العلم والله المستعان والله المستعان