أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
48047 71596

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 03-13-2012, 06:07 PM
أبو أويس السليماني أبو أويس السليماني غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 2,750
افتراضي الكِبْرُ يصدّ عن سبيل الله و يبطر حقّ أهل الحقّ.

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه و اتّبع هداه .
أمّا بعد :
فهذه وقفة يقفها العبد المسلم مع نفسه قبل أن يقف بين يدي ربّه سبحانه و تعالى ، و هي وقفة مع تزكية النّفوس و تطهيرها من أدران الجاهليّة و الظلاميّة و الظّلم المقيت ، تطهيرها من العبودية لغير الله تعالى و تطهيرها من آفات العبوديّة و معوّقاتها ، تطهيرها من الاعتراض على أحكام الله تعالى و أقداره و قسمته ، تطهيرها من مخالفة اختيار الربّ سبحانه لعبده الفقير إليه ، و تزكيتها بالتوحيد و الإذعان و الانقياد لله تعالى ، و التّسليم لأحكامه تعالى و أقداره و قسمته بين عباده ، و الرضى باختياره سُبحانه لعباده بما قد قسمه بينهم من معيشة و علم و فهم و هداية و رشاد ...
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره:
أمر تعالى بالإخلاص، وأثنى على المخلصين، وأخبر أنه لا يقبل إلا العمل الخالص.
وحقيقة الإخلاص: أن يقصد العامل بعمله وجه الله وحده وثوابه. وضده: الرياء، والعمل للأغراض النفسية.
نهى الله عن التكبر، وذم الكبر والمتكبرين، وأخبر عن عقوباتهم العاجلة والآجلة.
والتكبر هو: رد الحق، واحتقار الخلق، وضد ذلك التواضع، فقد أمر به، وأثنى على أهله، وذكر ثوابهم، فهو قبول الحق ممن قاله، وأن لا يحتقر الخلق، بل يرى فضلهم، ويحب لهم ما يحب لنفسه.
العدل، هو: أداء حقوق الله، وحقوق العباد.
و قال أيضا:
( وَيُزَكِّيكُمْ ) أي: يطهر أخلاقكم ونفوسكم، بتربيتها على الأخلاق الجميلة، وتنزيهها عن الأخلاق الرذيلة، وذلك كتزكيتكم من الشرك، إلى التوحيد ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن الخيانة إلى الأمانة، ومن الكبر إلى التواضع، ومن سوء الخلق إلى حسن الخلق، ومن التباغض والتهاجر والتقاطع، إلى التحاب والتواصل والتوادد، وغير ذلك من أنواع التزكية.
و قال أيضا :
في قوله تعالى:( وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ ) بوجه من الوجوه، بل وصفهم التكذيب والعناد، ونعتهم الكبر والفساد.
و قال ايضا في قوله تعالى:( قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ) حملهم الكبر أن لا ينقادوا للحق الذي انقاد له الضعفاء.
و يصوّر حالة أحد الأنبياء في تزكيته للنّفس فيقول رحمه الله تعالى :
ومنها: التأدب مع المعلم، وخطاب المتعلم إياه ألطف خطاب، لقول موسى عليه السلام:
( هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ) فأخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة، وأنك هل تأذن لي في ذلك أم لا وإقراره بأنه يتعلم منه، بخلاف ما عليه أهل الجفاء أو الكبر، الذي لا يظهر للمعلم افتقارهم إلى علمه، بل يدعي أنه يتعاون هم وإياه، بل ربما ظن أنه يعلم معلمه، وهو جاهل جدا، فالذل للمعلم، وإظهار الحاجة إلى تعليمه، من أنفع شيء للمتعلم.
ومنها تواضع الفاضل للتعلم ممن دونه، فإن موسى -بلا شك- أفضل من الخضر.
ومنها: تعلم العالم الفاضل للعلم الذي لم يتمهر فيه، ممن مهر فيه، وإن كان دونه في العلم بدرجات كثيرة.
فإن موسى عليه السلام من أولي العزم من المرسلين، الذين منحهم الله وأعطاهم من العلم ما لم يعط سواهم، ولكن في هذا العلم الخاص كان عند الخضر، ما ليس عنده، فلهذا حرص على التعلم منه.
فعلى هذا، لا ينبغي للفقيه المحدث، إذا كان قاصرا في علم النحو، أو الصرف، أو نحوه من العلوم، أن لا يتعلمه ممن مهر فيه، وإن لم يكن محدثا ولا فقيها.
و قال رحمه الله في تفسير قوله تعالى:
( إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
يخبر تعالى أن من جادل في آياته ليبطلها بالباطل، بغير بينة من أمره ولا حجة، إن هذا صادر من كبر في صدورهم على الحق وعلى من جاء به، يريدون الاستعلاء عليه بما معهم من الباطل، فهذا قصدهم ومرادهم.
ولكن هذا لا يتم لهم وليسوا ببالغيه، فهذا نص صريح، وبشارة، بأن كل من جادل الحق أنه مغلوب، وكل من تكبر عليه فهو في نهايته ذليل.
( فَاسْتَعِذْ ) أي: اعتصم والجأ ( بِاللَّهِ ) ولم يذكر ما يستعيذ، إرادة للعموم. أي: استعذ بالله من الكبر الذي يوجب التكبر على الحق، واستعذ بالله من شياطين الإنس والجن، واستعذ بالله من جميع الشرور.اهـ.
و لأجل ذلك قال المفسرّ العلاّمة محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره الأضواء:
وَصَرَّحَ تَعَالَى بِهَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ : (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ ) .
وَبَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَثِيرًا مِنَ الْعَوَاقِبِ السَّيِّئَةِ الَّتِي تَنْشَأُ عَنِ الْكِبْرِ ، أَعَاذَنَا اللَّهُ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْهُ ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ:
سَبَبٌ لِصَرْفِ صَاحِبِهِ عَنْ فَهْمِ آيَاتِ اللَّهِ ، وَالِاهْتِدَاءِ بِهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ )الْآيَةَ .
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ :مِنْ أَسْبَابِ الثَّوَاءِ فِي النَّارِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ ) ، وَقَوْلِهِ : (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ) .
وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا فِي قَوْلِهِ : (لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ).
وَمِنْ ذَلِكَ :أَنَّ مُوسَى اسْتَعَاذَ مِنَ الْمُتَّصِفِ بِهِ وَلَا يُسْتَعَاذُ إِلَّا مِمَّا هُوَ شَرٌّ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ :( وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ) ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ نَتَائِجِهِ السَّيِّئَةِ ، وَعَوَاقِبِهِ الْوَخِيمَةِ ، وَيُفْهَمُ مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي الْآيَةِ : أَنَّ الْمُتَوَاضِعَ لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا يَرْفَعُهُ اللَّهُ .
وَقَدْ أَشَارَ تَعَالَى إِلَى مَكَانَةِ الْمُتَوَاضِعِينَ لَهُ عِنْدَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَقَوْلِهِ : (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا )، وَقَوْلِهِ : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : «إِنَّهُ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ، وَلَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ».
وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ :
تَوَاضَعْ تَكُنْ كَالْبَدْرِ تُبْصِرُ وَجْهَهُ ... عَلَى صَفَحَاتِ الْمَاءِ وَهُوَ رَفِيعُ
وَلَا تَكُ كَالدُّخَّانِ يَعْلُو بِنَفْسِهِ ... إِلَى صَفَحَاتِ الْجَوِّ وَهُوَ وَضِيعُ
وَقَالَ أَبُو الطِّيبِ الْمُتَنَبِّي :
وَلَوْ لَمْ يَعْلُ إِلَّا ذُو مَحَلٍّ ... تَعَالَ الْجَيْشُ وَانْحَطَّ الْقَتَامُ.اهـ.
و قال أيضا تحت قوله تعالى:(ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ).
وَيُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ مَنْ ثَنَى عِطْفَهُ اسْتِكْبَارًا عَنِ الْحَقِّ وَإِعْرَاضًا عَنْهُ عَامَلَهُ اللَّهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ فَأَذَلَّهُ وَأَهَانَهُ ، وَذَلِكَ الذُّلُّ وَالْإِهَانَةُ نَقِيضُ مَا كَانَ يُؤَمِّلُهُ مِنَ الْكِبْرِ وَالْعَظَمَةِ .اهـ.

قال بن القيّم رحمه الله :
"إذا كان الله قد رضي أخاك المسلم لنفسه عبدا أفلا ترضى أنت به أخا فعدم رضاك به أخا وقد رضيه سيدك الذي أنت عبده عبدا لنفسه عين الكبر وأي قبيح أقبح من تكبر العبد على عبد مثله لا يرضى بأخوته وسيده راض بعبوديته ، فيجيء من هذا : أن المتكبر غير راض بعبودية سيده إذ عبوديته توجب رضاه بأخوة عبده ...
وأن لا ترد على عدوك حقا :أي لا تصح لك درجة التواضع حتى تقبل الحق ممن تحب وممن تبغض ، فتقبله من عدوك كما تقبله من وليِّك، وإذا لم ترد عليه حقه فكيف تمنعه حقا له قبلك.
بل حقيقة التواضع :
أنه إذا جاءك قبلته منه وإذا كان له عليك حق أديته إليه، فلا تمنعك عداوته من قبول حقه ولا من إيتائه إياه .
وأما قبولك من المعتذر معاذيره فمعناه :
أن من أساء إليك ثم جاء يعتذر من إساءته فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته حقا كانت أو باطلا وتكل سريرته إلى الله تعالى كما فعل رسول الله في المنافقين الذين تخلفوا عنه في الغزو فلما قدم جاءوا يعتذرون إليه فقبل أعذارهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى ، وعلامة الكرم والتواضع : أنك إذا رأيت الخلل في عذره لا توقفه عليه ولا تحاجه وقل يمكن أن يكون الأمر كما تقول ولو قضى شيء لكان والمقدور لا مدفع له ونحو ذلك .اهـ.مدارج السالكين .
و بعكس ذلك صفة أعداء الأنبياء و من تشبّه بهم ، ممّن آثر إقامة العداء لأهل الحق و جثم على صدره الكِبْرُ ، و حارب أهل الحقّ ، بعد أن ردّ الحقّ الذي معهم ، و لم يكتف بذلك !
قال الإمام بن كثير رحمه الله في تفسيره:
في قوله تعالى:( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ) أي: وإنما حملهم على ذلك الكبْر والبَغْي وَالْحسَد، فأعْقَبَهم ذلك الذِّلة والصَّغَار والمسكنة أبدا، متصلا بذلة الآخرة.اهـ.
و قال أيضا رحمه الله :
في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا)
وتأمل هذا التشريف -أي لأمّنا عائشة رضي الله عنها-والإكرام الناشئ عن فرط تواضعها واستصغارها لنفسها، حيث قالت: (ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بوحي يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا يبرئني الله بها)، فهذه صديقة الأمة، وأم المؤمنين، وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تعلم أنها بريئة مظلومة، وأن قاذفيها ظالمون مفترون عليها، قد بلغ أذاهم إلى أبويها، وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا كان احتقارها لنفسها وتصغيرها لشأنها، فما ظنك بمن قد صام يوما أو يومين، أو شهرا أو شهرين، قد قام ليلة أو ليلتين، فظهر عليه شيء من الأحوال، ولاحظوا أنفسهم بعين استحقاق الكرامات، وأنهم ممن يتبرك بلقائهم، ويُغتنم بصالح دعائهم، وأنهم يجب على الناس احترامهم وتعظيمهم وتعزيزهم وتوقيرهم، فيتمسح بأثوابهم، ويقبل ثرى أعتابهم، وأنهم من الله بالمكانة التي تنتقم لهم لأجلها من تنقصهم في الحال، وأن يؤخذ من أساء الأدب عليهم من غير إمهال، وإن إساءة الأدب عليهم ذنب لا يكفره شيء إلا رضاهم.
ولو كان هذا من وراء كفاية لهان، ولكن من وراء تخلف، وهذه الحماقات والرعونات نتاج الجهل الصميم، والعقل غير المستقيم، فإن ذلك إنما يصدر من جاهل معجب بنفسه، غافل عن جرمه وعيوبه وذنوبه، مغتر بإمهال الله له عن أخذه بما هو فيه من الكبر والازدراء على من لعله عند الله خير منه،نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة. وينبغي للعبد أن يستعيذ بالله أن يكون عند نفسه عظيما، وهو عند الله حقير.اهـ.
قال الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس رحمه الله في مجالس التفسير:
العجب أصل الهلاك:
إذا أعجب المرء بنفسه عمي عن نقائصها، فلا يسعى في إزالتها، ولهى عن الفضائل فلا يسعى في اكتسابها؛ فعاش ولا أخلاق له، مصدراً لكل شر، بعيدا عن كل خير.
وعن العجب بالنفس ينشأ الكبر على الناس، والإحتقار لهم، ومن احتقر الناس لم ير لهم حقاً، ولم يعتقد لهم حرمة، ولم يراقب فيهم إلاًّ ولا ذمة، وكان عليهم- مثل ما كان على نفسه- أظلم الظالمين.
وإبليس اللعين- نعوذ بالله تعالى منه- كان أصل هلاكه، من عجبه بنفسه، وأنه خلق من النار، وأنه خير من آدم، فتكبر عليه فكان من الظالمين الهالكين.
ترك العجب شرط في حسن وكمال الأخلاق:
تربية النفوس تكون بالتخلية عن الرذائل، والتحلية بالفضائل.
والعجب هو أساس الرذائل، فأول الترك تركه.
وهو المانع من اكتساب الفضائل فشرط وجودها تركه كذلك.
ومن لم يكن معجباً بنفسه، كان بمدرجة التخلق بمحاسن الأخلاق والتنزه عن نقائصها، لأن الإنسان مجبول على محبة الكمال وكراهة النقص، فإذا سلم من العجب فإن تلك الجبلة تدعوه إلى ذلك التخلق والتنزه، فإذا نبه على نقصه لم تأخذه العزة، وإذا رغب في الكمال كانت له إليه هزة، فلا يزال بين التذكيرات الإلهية، والجبلة الإنسانية الخلقية، يتهذب، ويتشذب، حتى يبلغ ما قدر له من كمال.
ولهذه المعاني التي تتصل بتفسير هذه الآية الكريمة- وهي أصول في علم الأخلاق- عَنْوَنَّا عليها بآية الأخلاق.اهـ.
و الآية هي قوله تعالى:( إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا).
قلت : و لأجل عظم معرفة هذه الخصلة ونواقضها ألّف أهل العلم فيها كتبا خاصّة مثل كتاب : ابن عساكر في " مدح التواضع و ذم الكبر "
و هذه قصّة عجيبة عظيمة وقعت لأحد الصّحابة و هو :عبد الله بن سلام .
و هذه القصة ذكرها الشيخ الألباني رحمه الله في السّلسلة الصّحيحة برقم:(3257):
(زعم عبدالله بن حنظلة:أن عبدالله بن سلام مر في السوق، وعليه حزمة من حطب، فقيل له: أليس الله قد أغناك عن هذا؟ قال: بلى، ولكن أردت أن أدفع به الكبر، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:(لا يدخلُ الجنة من كان في قلبهِ مثقالُ حبّةٍ من خردلٍ من كِبرٍ.).
قال الشّيخ الألباني رحمه الله :
والحديث صحيح، له شواهد كثيرة، بعضها في "صحيح مسلم " عن ابن مسعود، وإنما آثرت هذا بالذكر؛لقصة عبدالله بن سلام-رضي الله عنه-.
و يوافقه حديثٌ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما استكبر من أَكَلَ معه خادمه، وركب الحمار بالأسواق، واعتقل الشاة فحلبها".حسنه الشيخ الألباني رحمه الله.-صحيح الأدب...-
و الأحاديث في هذا الباب كثيرة جليلة عظيمة ، تستحقّ أن تُفرد بجزء نافع جامع.
و أختم هذه النقول -و المجال أوسع بكثير من هذا- بكلام شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله- في كتابه العبودية حيث قال:
حقيقة الإسلام أن يستسلم المسلم لله لا لغيره فالمستسلم له ولغيره مشرك والممتنع عن الإسلام مشرك.
وهذا هو حقيقة دين الإسلام الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه وهو أن يستسلم العبد لله لا لغيره فالمستسلم له ولغيره مشرك والممتنع عن الاستسلام له مستكبر.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن الجنة لا يدخلها من في قلبه مثقال ذرة من كبر)، كما أن :(النار لا يدخلها من في قلبه مثقال ذرة من إيمان) ، فجعل الكبر مقابل الإيمان، فإن الكبر ينافى حقيقة العبودية ، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (يقول الله : العظمة إزارى والكبرياء ردائى فمن نازعنى واحدا منهما عذبته )، فالعظمة والكبرياء من خصائص الربوبية ، والكبرياء أعلى من العظمة ولهذا جعلها بمنزلة الرداء كما جعل العظمة بمنزلة الإزار.
إلى أن قال -رحمه الله-:
بل الاستقراء يدل على أنه كلما كان الرجل أعظم استكبارا عن عبادة الله كان أعظم إشراكا بالله لأنه كلما استكبر عن عبادة الله ازداد فقره وحاجته إلى المراد المحبوب الذي هو مقصود القلب بالقصد الأول فيكون مشركا بما استعبده من ذلك ولن يستغنى القلب عن جميع المخلوقات إلا بأن يكون الله هو مولاه الذي لا يعبد إلا إياه ولا يستعين إلا به ولا يتوكل إلا عليه ولا يفرح إلا بما يحبه ويرضاه ولا يكره إلا ما يبغضه الرب ويكرهه.
ولا يوالى إلا من والاه الله ولا يعادى إلا من عاداه الله ولا يحب إلا لله ولا يبغض إلا لله فكلما قوى إخلاص دينه لله كملت عبوديته لله واستغناؤه عن المخلوقات وكمال عبوديته لله يبرئه من الكبر ومن الشرك.
حتى قال:
الكبر مستلزم للشرك والشرك ضد الإسلام وهو الذنب الذي لا يغفره الله.
ولما كان الكبر مستلزما للشرك والشرك ضد الإسلام وهو الذنب الذي لا يغفره الله قال الله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ) كان الأنبياء جميعهم مبعوثين بدين الإسلام فهو الدين الذي لا يقبل الله غيره لا من الأولين ولا من الآخرين.اهـ.
هذا ما ينبغي أن يكون عليه طلبة العلم و أهله و حامليه -علما و عملا- طالبين مراتب الكمال مترفعين عن سفاسفها و أحطّها في هذا الباب .
دون استصغار حقّ أو ردّه و لو كان ذلك في لقمة عيش كما جاءت به السنّة ، فعن سلمة بن الأكوع عن أبيه أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال : " كل بيمينك " قال : لاأستطيع . قال " لا استطعت " . ما منعه إلا الكبر قال : فما رفعها إلى فيه . رواه مسلم .
و أعتذر عن تقديم بحث كهذا دون تدقيق أو تنسيق ، و قد جاء كما ترون ،و هذا لأهميّة الموضوع و قلّة اليد و ضعف الهمّة ، فمن وجد خيرا فليحمد الله تعالى ، و من وجد غير ذلك فليحسن النّصح .
أسأل الله تعالى أن ينفعني به و جميع إخواني و كلّ من قرأها بقلب سليم .
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم و بارك على نبيه الكريم تسليما كثيرا مزيدا.

رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:53 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.