أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
103824 92142

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر العقيدة والمنهج - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-18-2011, 02:20 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي «لا حكـــم إلا لله» كلمـــة حـــق أريد بـــها باطــــل - حول منهج الخوارج وصفاتهم.

« لا حُكـــْــــمَ إِلّا لِلهْ »

كَلِمــَــةُ حَــــقٍّ أُريدَ بـِـــها باطــِـــل.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

الحمد لله الذي بيده ملكوت السموات والأرض، وهو على كل شيئ قدير، له الملك وله الحمد، وله الحكمة البالغـــــة في أمره، وفي شرعه وفي قضائه وقدره، يفعل ما يشاء ويحكـــــــم ما يريد.

عن بُسر بن سعيد عن عُبيد الله بن أبي رافع أن الحرورية (1) هاجت وهو مع عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقالوا: «لا حُكـــــــم إلا لله» فقال: عليّ - رضي الله عنه -: (كلمــــة حق أريد بهــــا باطل. إن رسول الله ﷺ وصف ناسًا وأشار إلى خلق من أبغض خلق الله إليه، فيهم أسوَد، إحدى يديه طبْيُ شاة أو حَلمَةُ ثدي) قال عبيد الله: «وأنا حاضرٌ ذلك من أمورهم، وقوْل عليّ فيهم». قال الألباني - رحمه الله -: [الحديث إسناده صحيح على شرط البخاري، وأخرجه مسلم والنسائي]. ا هـ. انظر: [ظلال الجنة جـ 2 رقم 928].

رضي الله عن الخليفة الراشد عليٍّ وأرضاه؛ نعم والله؛ إنها كلمة حقٍ أرادوا بها باطلا، وضعوها في غير موضعها تبعًا لأهوائهم، فألقوا الشبهات على العوام والجهال من الناس، خدعوهم بحسنِ مقالهم، وضللوهم بسوء فعالهم وفهمهم للدين، إنهم الخوارج الذين خرجوا على عليٍ -رضي الله عنه- وقاتلوه، فهموا النصوص الشرعية فهمًا خاطئًا مخالفًا لفهم سلف الأمة والصحب الكرام -رضي الله عنهم- أو بتروها وأوَّلوها تأويلًا باطلًا حسب أهوائهم؛ فضلوا وأضلوا والعياذ بالله -.

ولهذا لما ناظرَهُم عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - وبيّن لهم الفهم الصحيح للنصوص، رجع منهم مَن رجع، وبقي مَن لم يرجع على ضلالة، وقصة مناظرته لهم في مستدرك الحاكم (2)، وهي بإسناد صحيح على شرط مسلم، وفيها:
قول ابن عباس - رضي الله عنهما -: (أتيتكم من عند صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - من المُهاجرين والأنصار، لأبلغكُمْ ما يقولون المُخبِرون، فعليهم نزل القرآن، وهم أعلم بالوحيِ مِنكم، وفيهم أنزل، وليس فيكم منهم أحد.
فقال بعضهم: لا تُخاصِموا قريشًا فإن الله يقول: ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ(3)
قال ابن عباس رضي الله عنهما: وأتيتُ قومًا لم أرَ قومًا قطّ أشدّ اجتهادًا منهم مسهمَةٌ وجوههم مِنَ السهر، كأنّ أيديهم وركبهم تُثنى عليهم، فمضى مَن حضر.
فقال بعضهم: لنكلّمَنّه، ولننظرنّ ما يقول.
قلت: أخبروني ماذا نقمتم على ابن عمّ رسول الله ﷺ وصهرهُ والمُهاجرين والأنصار ؟.
قالوا: ثلاثا.
قلت: ما هنّ ؟.
قالوا: أما إحداهنّ فإنهُ حَكّمَ الرّجال في أمر الله، وقال الله - تعالى -: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلهِ (4) وما للرجال وما لِلْحُكْم؟.
فقلت: هذه واحدة.
قالوا: وأما الأخرى فإنه قاتَلَ ولم يَسْبِ ولم يَغْنَمْ، فلئن كان الذي قاتل كُفارًا لقد حلّ سبيُهُم وغنيمتهم، ولئن كانوا مؤمنينَ ما حلّ قِتالهم.
قلت: هذه ثنتان، فما الثالثة ؟.
قال: إنه محا نفسَه مِن أمير المُؤمنين، فهوَ أمير الكافرين.
قلت: أعِندَكم سِوى هذا ؟.
قالوا: حسبنا هذا.
فقلت لهم: أرأيتم إن قرأتُ عليكم مِن كتابِ الله ومن سنةِ نبيه - صلى الله عليه وسلم - ما يُرَدّ به قولَكُمْ أترضون ؟.
قالوا: نعم !.
فقلت: أما قولكم : حَكّمَ الرّجال في أمر الله، فأنا أقرأ عليكم ما قد رُدّ حكمه إلى الرجال في ثمنِ ربع دِرهم، في أرنبٍ أو نحوَها مِنَ الصّيد، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إلى قوله: ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ (5)، فنشدتكم الله: أحُكْمَ الرجال في أرنب ونحوها مِنَ الصيدِ أفضل أم حُكمهم في دمائِهم وصلاح ذات بينهم؟!؛ وأن تعلموا أنّ الله لو شاء لحَكَمَ ولم يُصيّر ذلكَ إلى الرجال، وفي المرأةِ وزوجِها قال الله - عزّ وجلّ -: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا (6) فجعل الله حُكْمَ الرجال سُنةً مأمونة، أخَرَجْتُ مِن هذه ؟.
قالوا: نعم.
قال قلت: وأما قولكم: قاتَلَ ولم يَسْبِ ولم يغنم، أتَسْبونَ أمّكم عائشة، ثمّ تستحلون منها ما تستحلونَ مِن غيرها ؟! فلئن فعلتُم لقد كفرتم وهيَ أمكم، ولئن قلتُم: ليست أمنا لقد كفرتم، فإن الله تعالى يقول: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ (7) فأنتم تدورونَ بينَ ضلالتين، أيُّهم صِرتم إليها صِرتُم إلى ضلالة؛ فنظر بعضهم إلى بعضٍ.
قلت: أخرَجْتُ مِنْ هذه ؟.
قالوا: نعم !.
وأما قولكم: محا اسمه مِن أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بما ترضوْنَ وأُريكم، قد سَمعتُم أن النبي ﷺ يومَ الحديبية، كاتب سهيل بن عمرو وأبا سفيان بن حرب، فقال رسول الله ﷺ لأمير المؤمنين: اكتب يا عليّ: هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله، فقال المشركون: لا والله ! لو نعلمُ أنكَ رسول الله ما قاتلناك، فقال رسول الله ﷺ: اللهم إنكَ تعلم أني رسول الله، اكتب يا عليّ: هذا ما اصطلحَ عليهِ محمد بن عبدالله، فواللهِ لرسولُ الله ﷺ خيرٌ مِن عليّ، وما أخرجهُ مِنَ النبوّةِ حينَ محا نفسَه، قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: فرجع من القوم ألفان، وقتل سائرهم على ضلالة) اهـ.

إنهم الخوارج لا عهدَ لهم ولا أمان؛ خَرجوا على عليٍّ- رضي الله عنه - بآلافهم ... وخيلهم ورجلهم، وهم يعلمون علم اليقين أنهم لم يَرَوْا منه - رضي الله عنه - كفرًا بُواحًا يحتجّون به للخروج عليه، ويستحِلون قتالَه وسفكَ دمه وأبنائه ومن معهم من الصحب الكرام والتابعين - رضوان الله عليهم أجمعين -، ولا برهان لديهم يُعْذَروا به بين يدي الله - عزّ وجل - يوم القيامة.
فاضطر الخليفة الراشد عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - إلى قتالهم درءًا للفتنة مستعينًا بالله تعالى، وبيَّن عُذره في ذلك بقوله - رضي الله عنه -: (والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم، فإنهم سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرْح الناس، فسيرواعلى اسم الله).
قتلهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ولم ينجُ إلاّ قليلاً منهم فرّوا، فباؤوا بإثمهم وإثم من تبعهم من دعاة الفتن على مدى الزمان.
ورجع ألفانِ مِنهم عن باطلهم للإيضاح والبيان الذي حصلَ مِن ابن عباس - رضي الله عنهما – وفي ذلك دليلٌ على أنّ الرجوعَ إلى أهلِ العلمِ فيه السلامةُ مِنَ الشرور والفتن، وقد قال الله – عزّ وجلّ -: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (8)

فما أحرانا أن نتفكر مَلِيًّا بالوقفة الحازمة من الخليفة الراشد أمام فتنتهم؛ ومناظرة الصحابي الجليل عبدالله بن عباس القيِّمة لهم؛ رضي الله عنهما وجزاهما عن الإسلام والمسلمين خيرا.
ما أحرانا أن نأخذ منهما العظة والعبرة والموعظة الحسنة في حسن التصرف والتدبر والتشاور حال الفتن؛ ولنا فيهما الأسوة الحسنة بالمقارعة بالدليل وإقامة الحجـــــة على الخوارج؛ وعلى من انبهر بفعالهم؛ واغترَّ بباطلهم؛ وسار على دربهم؛ لعلهم يفيقون من غفلتهم؛ ويثوبون إلى رشدهم؛ ويتداركون أنفسهم وأمتهم.

قال الإمام مسلم رحمه الله -تعالى- في صحيحه: [... ثنا سلمة بن كهيل؛ حدثني زيد بن وهب الجهني: أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي الذين ساروا إلى الخوارج؛ فقال علي: يا أيها الناس! إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: (يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم؛ يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرميّة). لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قُضي لهم على لسان نبيهم ﷺ؛ لاتكلوا عن العمل، وآية ذلك أن فيهم رجلًا له عضدٌ ليس لها ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدي، عليه شعرات بيض، فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم!. والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام وأغاروا في سرح الناس، فسيروا على اسم الله.
قال سلمة بن كهيل: فنزلني زيد بن وهب منزلًا حتى قال: مررنا على قنطرة؛ فلما التقينا - وعلى الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب الراسبي- فقال لهم: ألقوا الرماح؛ وسلوا سيوفكم من جفونها؛ فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حرَوْراء، فرجعوا فوحَشوا برماحهم وسلّوا السيوف؛ فشَجَرَهُمُ الناس برماحهم؛ قال: وقُتل بعضهم على بعض وما أصيب من الناس يومئذٍ إلا رجلان. قال علي: التمسوا فيهم المُخَدَّج، فالتَمَسوهُ فلم يجدوه، فقام عَليٌّ بنفسه حتى أتى ناسًا بعضهم إلى بعض، فقال: أخروهم؛ فوجدوهُ مما يلي الأرضَ فكبر؛ ثم قال: صدق الله وبلَّغ رسوله. قال: فقام إليه عبيدة السلماني فقال: يا أمير المؤمنين، آللهِ الذي لا إله إلا هو لَسَمِعْتَ هذا الحديث من رسول الله ﷺ فقال: إي والله الذي لا إله إلا هو، حتى استحلفه ثلاثًا؛ وهو يحلف له»]. [أخرجه الإمام مسلم في صحيحه باب: التحريض على قتل الخوارج 156 – 1566].

قتلهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ولم ينجُ إلاّ قليلاً منهم فرّوا، فباؤوا بإثمهم وإثم أفراخهم؛ ومن تبعهم؛ إنهم الخوارج دعاة الفتنة؛ لا عهدَ لهم ولا أمان؛ على مدى الزمان.

قام أصلهم الأول على التشكيك في عدل رسول الله ﷺ وقسمه؛ فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه – قال: «بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقسم قسمًا أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله ! اعدل، فقال ﷺ: (ويلك ! ومن يعدل إذا لم أعدل ؟ قد خِبْتُ وَخَسِرْتُ إن لم أكن أعدل) فقال عمر له: ائذن لي فيه أضرب عنقه، فقال: دَعه، فإن له أصحابًا يَحْقِرُ أحدكم صلاتهُ مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نَضِيّهِ - وهو قدحه -، ثم ينظر إلى قُذَذِهِ (9) فلا يوجد فيه شيء قد سبق الفرث والدم، آيَتُهُمْ رجل أسوَد، إحدى عَضُدَيْهِ مثل ثدي المرأة، أو مثل البُضعَةِ تدَرْدَرْ (10) يخرجون على حين فرقة من الناس). قال أبو سعيد رضي الله عنه: (أشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله ﷺ وأشهد أن عليًّا بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأُمِرَ بذلك الرجل، فالتُمِسَ فأتِيَ به حتى نظرتُ إليه على نعت النبي ﷺ الذي نَعَتَهُ». أخرجه: [البخاري (6163)] و [مسلم (1064/ 148)].

وفي رواية: (أقبل رجل غائر العينين، ناتئ الجبين، كثّ اللحية، مشرف الوجنتين، محلوق الرأس فقال: يا محمد ! اتق الله، فقال فمن يطيع الله إذا عصيته، أيأمنُني الله على أهل الأرض، ولا تأمنوني ؟ فسأل رجل قتله فمنعه فلما ولّى قال: (إن من ضِئْضِئِ هذا قومًا يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام، وَيَدَعون أهل الأوثان، لئن أدركتُهم لأقتلنّهم قتل عاد). أخرجه: [البخاري (3344)] و [مسلم (1064)].

إنهم الذين قال رسول الله ﷺ فيهم وأمثالهم: (الخوارج كلاب أهل النار) (حديث صحيح) أخرجه الترمذي (3000) وصححه الألباني - رحمه الله تعالى - انظر: [ظلال الجنة جـ 2 رقم 928].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - تعالى - فيهم وفي صفاتهم: [أول البدع ظهورًا في الإسلام، وأظهرها ذمًا في السنَّة والآثار "بدعة الحرورية المارقة": فإن أولهم قال للنبي ﷺ في وجهه : "اعدل يا محمد ! فإنك لم تعدل"، وأمر النبي ﷺ بقتلهم وقتالهم، وقاتلهم أصحاب النبي ﷺ مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
والأحاديث عن النبي ﷺ مستفيضة بوصفهم، وذمِّهم والأمر بقتالهم، قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله - تعالى -: صحَّ الحديث في الخوارج مِن عشرة أوجه، قال النبي ﷺ: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنَّ في قتلهم أجرًا لهم عند الله يوم القيامة) (متفق عليه). (11)
ولهم خاصَّتان مشهورتان فارقوا بهما جماعة المسلمين وأئمتهم؛ إحداهما: خروجهم عن السنة، وجعلهم ما ليس بسيئة سيئة، أو ما ليس بحسنة حسنة، وهذا هو الذي أظهروه في وجه النبي ﷺ حيث قال له ذو الخويصرة التميمي: "إعدل فإنك لم تعدل"، حتى قال له النبي ﷺ: (ويلك ! ومن يعدل إذا أنا لم أعدل ؟ لقد خبتُ وخسرتُ إن لم أعدل) (متفق عليه) (12). -وحاشاه أن لا يَعدل -.
فقوله: فإنك لم تعدل، جعل منه لفعل النبي ﷺ سَفَهًا وتَرْكَ العدل، وقوله: "اعدل" أمْرٌ له بما اعتقدهُ هو حسنة من القسمة التي لا تصلح، وهذا الوصف تشترك فيه البدعة المخالفة للسنة، فقائلها لا بد أن يُثبِتْ ما نفتْهُ السنة، وينفي ما أثبتَتْهُ السنة، ويُحَسِّن ما قبَّحَتهُ السنة، أو يُقبِّحْ ما حسَّنت السنة، وإلا لم يكن بدعة، وهذا القدر قد يقع من بعض أهل العلم خطأ في بعض المسائل؛ لكن أهل البدع يخالفون السنة الظاهرة المعلومة.
والخوارج جوَّزوا على الرسول ﷺ نفسه أنه يجور ويَضِلّ في سنته، (13) ولم يوجِبوا طاعته ومتابعته؛ وإنما صدّقوه فيما بلَّغَهُ مِن القرآن، دون ما شرعه مِن السنة التي تخالف - بزعمهم – ظاهر القرآن.
وغالب أهل البدع غير الخوارج يتابعونهم في الحقيقة على هذا؛ فإنهم يروْنَ أن الرسول ﷺ لو قال بخلاف مقالته لما اتبعوه، كما يحكى عن عمرو بن عبيد في حديث الصادق المصدوق، وإنما يدفعون عن نفوسهم الحجة: إما بردِّ النقل؛ وإنما بتأويل المنقول، فيطعنون تارةً في الإسناد، وتارةً في المتن، وإلا فهم ليسوا مُتَّبعين، ولا مُؤْتَمّين بحقيقة السنة التي جاء بها الرسول ﷺ، بل ولا بحقيقة القرآن الكريم.
الفرق الثاني في الخوارج وأهل البدع: أنهم يكفِّرون بالذنوب والسيئات، ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين وأموالهم، وأنَّ دار الإسلام دار حرب، ودارهم هي دار الإيمان، وكذلك يقول جمهور الرافضة، وجمهور المعتزلة، والجهمية، وطائفة مِن غلاة المنتسبة إلى أهل الحديث والفقه ومتكلميهم. فهذا أصل البدع التي ثبت بنصِّ سنة رسول ﷺ وإجماع السلف على أنها بدعة، وهو جعل العفوَ سيئة، وجعل السيئة كفرًا؛ فينبغي للمسلم أن يحذِّر من هذين الأصلين الخبيثين وما يتولد عنهما من بغض المسلمين وذمِّهم ولعنهم واستحلال دمائهم وأموالهم.
وهذان الأصلان هما خلاف السنة والجماعة، فمن خالف السنة فيما أتت به أو شرعته فهو مبتدع خارج عن السنة، ومن كفَّر المسلمينَ بما رآهُ ذنبًا سواءً كان دينًا أو لم يكن دينًا وعاملهم معاملة الكفار فهو مفارقٌ للجماعة]. ا هـ. [مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 19/ 53 – 55].

وقال الإمام الآجرِّي رحمه الله تعالى: [فلا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجيٍّ قد خرَج على إمامٍ عدلًا كان الإمام أم جائِرًا؛ فخرجَ وجمع جماعة؛ وسَلَّ سيفه؛ واستَحَلَّ قتال المسلمين؛ فلا ينبغي أن يُغترَّ بقراءته للقرآن؛ ولا بطول قيامه في الصلاة؛ ولا بدوام صيامه؛ ولا بحُسنِ ألفاظ في العِلم إذا كان مذهبه مذهب الخوارج]. ا هـ. [الشريعة ص 32].

ولا ينبغي أن يغترَّ مُغترٌّ بهم فيسلك مسلكهم؛ ويكفيهم سوءًا أنهم فارقوا الجماعة، وخالفوا أهل السنة، وسَنوا في الإسلام سنة سيئةً بخروجهم على أمراء المؤمنين عمر وعثمان قبل عليّ - رضي الله عنهمم أجمعين - وها هي أفراخهم عادت تتململ في هذا الزمان، ديدنهم الغمز، واللمز، والتكفير للحكـــّــام ولمن يخالف منهجهم، يغضّون الطرف عن المحاسِن، ويبدون المَساوِئ، ويَبُثّون الإشاعات في الجُمعةِ والجماعات، عاثوا في الأرض الفساد، فأفسدوا البلاد والعباد، وجَرّوا الأمة إلى واقع أليم، يندى منه الجبين، تمزُّقٌ وفرقــــــة؛ فتن ومجازر أدت بها إلى قمـــّـــة الضعف والهوان، ولم يأخذوا الدروس والعبر مما فعله الخوارج ومن شايعهم في أمة الإسلام على مدى الزمان؛ وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعا.
وقد صدق قول رسول الله ﷺ فيهم: (سيكون في أمتي اختلافٌ وفرقة، قوم يحسنون القيل، ويسيئون الفعل، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين مُروق السهم من الرمية، لا يرجعون حتى يرتد على فوقه، هم شِرارُ الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أوْلى بالله منهم، سيماهم التحليق) (حديث صحيح) رواه: (أحمد أبو داود وابن ماجه والحاكم) عن أبي سعيد وأنس وعن أوس - رضي الله عنهم - انظر: [صحيح الجامع رقم : 3668].
قضى الله – تبارك وتعالى - بحكمتـــــه البالغــــــة، أن تكون هذه الأمـــــــة أشد افتراقًا من افتراق اليهود والنصارى، ومن رحمتــِـــــهِ بعباده أنه - سبحانه - لم يجعل عقوبتهم على الذنوب والمعاصي كعقوبة الأمم السابقة بالدمار الشامل للأمـــّــــة كما أُهلكت أقوام نوح ولوط وعاد وثمود وغيرهم.

ولكن ليقضيَ الله أمرًا كان مفعولا، جعل بأسهم بينهم شديد، فتسلَّط بعضهم على بعض، وهلك بعضهم بأيدي بعض.

قال الله - تعالى -: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ۞ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ [سورة الأنعام 65 - 66].
وعن عمرو بن دينار عن جابر - رضي الله عنهم قال: لما نزلت ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ قال: (اللهم إني أعوذ بوجهك) ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ قال: (أعوذ بوجهك) ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ قال: (هذا أيسر، هذا أيسر) (حديث صحيح) أخرجه (البخاري).
وعن ثوبان - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله ﷺ: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن مُلك أمتي سيبلغ ما زُوِيَ لي منها، وإني أعطيتُ الكنزين : الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكوا بسنة عامة، ولا يسلط عليهم عدوًا من سِوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي - عز وجل - قال يا محمد ! إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يُرَدّ، وإني أعطيتُكَ لأمتك أن لا أهلكهُم بسنة عامة، وأن لا أسلِّط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها، حتى يكون بعضهم يفني بعضا، وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وُضعَ في أمتي السيف لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين حتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله) (حديث صحيح) (أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه) انظر: [صحيح الجامع رقم: 1773]. ‌

بشّر رسول الله - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - المؤمنين - وهو بهم رؤوف رحيم - بطائفة لا تزال على الحق ظاهرين، حتى يأتيَ أمر الله وهم على ذلك؛ فلا داعيَ لليأس والقنوط والاستسلام؛ والذل والهوان؛ بل يجب نبذ الفرقة؛ واجتماع الكلمة على كلمة التوحيد؛ والتمسك بهذا الدين بقوة كتابًا وسنة على فهم سلف الأمة؛ والعودة إليهما؛ والعضّ عليهما بالنواجذ؛ فإنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها؛ والتحذير من الأئمة المضلين الذين يبثون الشائعات؛ ويحرضون الناس بما يلقونه عليهم من شبهات ودعوات باطلة، انحرفوا بها عن هدي سيد المرسلين، وأجّجوا نيران الفتنة، بحجــــــة القضاء على الفساد، والخلاص من جوْر الحُكـــــام بدافع الحزبية والعصبية والأهواء، إذ أن فِتن القلوب في الدين، أشد وأنكى من فتن القلوب في الدنيا، لأنها تصدُّ عن المنهج الرباني القويم، والصراط المستقيم؛ في زمن عزّ فيه الأمن والأمان، ونطق الرويبضة، وانتفش أصحـــــاب الفرق والأهواء والبدع، واشتفوا على أنقاض رياحٍ عاتيـــــة عصفت بالأمـــّـــــة، وحُروب قذرة، ومصائب أليمــــــة، وجرائم داميــــــة، وفظائع ومآسي يندى لها الجبين في شتى بقاع المسلمين – إلا ما رحم الله رب العالمين –.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: [مذهب أهل الحديث ترك الخروج بالقتال على الملوك البغـــــــاة، والصبر على ظلمهم على أن يستريحَ برٌّ أو يُستراحُ من فاجر ....]. ا هـ. مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (4/ 444) ].

أخــــــوَتاه !! لم نؤمر بالخروج على أئمتـــــنا وولاة أمورنا، أو أن ندعو عليهم بسوء، وإن جاروا وإن ظلمــــــوا، ولا أن ننزعَ يدًا من طاعة إلا بشروطه، بل ندعو لهــــــم الله - جَلَّ في عُلاه - بالهداية والصلاح، والسداد والرشاد، والتوفيق لما فيه خيرُ البــــــلاد والعبــــــاد، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.

وكتبتـــــه: أم عبدالله نجلاء الصالح

من محاضرات اللجنـــــــة النسائية بمركز الإمام الألباني رحمه الله - تعالى -.


يُتبع - إن شاء الله تعالى -.
_________

(1) الحرورية: مؤنث "حروريّ" نسبة إلى حرَوْراء، بلدة على ميلين من الكوفة. ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج: (حروري)، لأن أول فرقة منهم خرجوا على عليّ - رضي الله عنه - بالبلدة المذكورة، فاشتهروا بالنسبة إليها، وهم فرق كثيرة، ومن أصولهم المتفق عليها بينهم: الأخذ بما دلَّ عليه القرآن، وردّ ما زاد عليه من الحديث مطلقا. انظر: [إرواء الغليل1/ 221].
(2) انظر: [مستدرك الحاكم بإسنادٍ صحيح على شرط مسلم (2/ 150 - 152).
(3) [سورة الزخرف 58].
(4) [سورة الأنعام 57] و [سورة يوسف 40] و [سورة يوسف 67].
(5) [سورة المائدة 95].
(6) [سورة النساء 35].
(7) [سورة الأحزاب 6].
(8) [سورة النحل 43] و [سورة الأنبياء 7].
(9) قُذَذِه: ريش السّهم.
(10) تَدَرْدَرْ: أصله تتدردر : أي تضطرب وتجئ وتذهب.
(11) رواه [البخاري كتاب فضائل القرآن/ باب إثم من راءى بقراءة القرآن. أو تأكل به، أو فجر به. حديث (5058)]. و [مسلم كتاب الزكاة/ باب ذكر الخوارج وصفاتهم رقم (148) كلاهما من رواية أبي سعيد وليس فيها ذكر الأمر بقتال الخوارج، وإنما ورد ذكر الأمر بقتال الخوارج في رواية علي بن أبي طالب - رضي الله عنه – في الصحيحين أيضًا. [البخاري. كتاب المناقب. باب علامات النبوة في الإسلام حديث (3611)] و [مسلم. كتاب الزكاة. باب التحريض على قتل الخوارج. حديث (154)].
(12) رواه : [البخاري كتاب الاستتابة/ باب من ترك قتال الخوارج. حديث (6933)]. و [مسلم كتاب الزكاة. باب التحريض على قتل الخوارج. حديث (148)].
(13) وحاشاه أن يجور أو يَضِلّ في سنته.
________
المراجع :

1.
القرآن الكريم.
2. إرواء الغليل
3. صحيح البخاري.
4. صحيح الجامع.
5. صحيح مسلم.
6. ظلال الجنة.
7. مجموعة فتاوي شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية - رحمه الله تعالى -. جمهورية مصر العربية. دار الكلمة الطيبة. (1995).
8. ويحكم أفيقوا يا شباب، بأيِّ عقلٍ ودين يكون التدمير والتفجير جهادا ؟؟!!]. لفضيلة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر - حفظه الله تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-18-2011, 04:43 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي " لا حكـــــــم إلا لله " كلمـــــة حــــــق أريد بـــــها باطـــــــل - تتمـــّــة -

" لا حكـــــــم إلا لله " كلمـــــة حــــــق أريد بـــــها باطـــــــل

قال فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله تعالى - في شرح العقيدة الطحاوية :
[وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفيرُ السيئات، فإن الله ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا والجزاء من جنس العمل فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل .
قال - تعالى -: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [سورة الشورى: 30].
وقال - تعالى -: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [سورة الأنعام: 129].

فإذا أراد الرعيـــــّـــــة أن يتخلصــــــوا من ظلــــــم الأمير الظالــــــم فليتركـــــــوا الظلــــــــم.

قلت: - والقول لشيخنا الألباني – رحمه الله تعالى -: وفي هذا بيان لطريق الخلاص من ظلم الحكام الذين هم «من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا» وهو أن يتوبَ المسلمون إلى ربهم، ويصحـــّـــحوا عقيدتهم، ويُربّوا أنفسهم وأهليهم على الإسلام الصحيح تحقيقاً لقوله - تعالى -: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [سورة الرعد : 11]، وإلى ذلك أشار أحد الدعاة المعاصرين بقوله:

«أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم، تقم لكم على أرضكم».

وليس طريق الخلاص ما يَتوهّم بعض الناس، وهو الثورة بالسلاح على الحكام . بواسطة الانقلابات العسكرية فإنها مع كونها من بدع العصر الحاضر فهي مخالفة لنصوص الشريعة التي منها الأمر بتغيير ما بالأنفس، وكذلك فلا بد من إصلاح القاعدة لتأسيس البناء عليها ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴿ [سورة الحج: 40]. ا هـ. انظر: [شرح العقيدة الطحاوية ص 69].

وقال الفضيل بن عياض - رحمه الله تعالى -: [لوْ كانَ لي دَعْوَةٌ، ما جَعَلتـُـها إلا في السّلطان، فأمِرنا أن ندْعُوَ لهم بالصـّلاح، وَلمْ نُؤمَر أنْ نَدْعُوَ عليهِم وإن جاروا وَظلموا، لأنّ جورَهُم وَظُـلمَهُم على أنفُسِهِم وعلى المُسْلمين، وَصَلاحَهُم لأنفُسِهم وَللمُسلمين]. انظر: [طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (2/ 36)].

فعلينا تحسّس مواضع الخلل، وتصحيح المسار، وتجنب مواطن الذل والإنكسار، بالتمسك بحبل الله المتين، ونصرة هذا الدين، والعودة إلى سبيل العزّ والرشاد، وهدي ربّ العباد: كتابٌ وسنةٌ على فهم السلف الصالح.

ورحم الله الإمام مالك حيث قال: (لا يصلح آخر هذه الأمة، إلا بما صلح به أولها، فما لم يكن يومئذ دينا، لا يكون اليوم دينا).

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا القائل: (ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله، إلا وقد أمرتكم به، وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله، ويقربكم إلى النار، إلا وقد نهيتكم عنه) انظر : [حجة النبي - صلى الله عليه وسلم – ص 104].


اللهم يا ولي الإسلام وأهله، ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك به.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-18-2011, 07:18 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي ردٌّ صريح على الخوارج الذين خرجوا على عليّ - رضي الله عنه -

ردٌّ صريحٌ على الخوارج الذين خرجوا على عليٍّ - رضي الله عنه -

عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال : (بايعنا رسول الله ﷺ على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، [إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان]، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم). (متفق عليه) أخرجه البخاري (7199 و 7200) - باختصار -، ومسلم (6/ 16)، وأبو عوانة (4/ 454) - والسياق لهما -.

قال فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله تعالى - عند تخريج هذا الحديث في السلسلة الصحيحة [7/ 1237 رقم 3418] : [... ثمّ إن في هذا الحديث فوائد ومسائل فقهية كثيرة تكلم عليها العلماء في شروحهم، وبخاصة منهم الحافظ ابن حجر العسقلاني في «فتح الباري».

والذي يهمّني منها هنا : أن فيه ردًّا صريحًا على الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين عليّ - رضي الله عنه -، فإنهم يعلمون دون أي شك أو ريب أنه لم يروْا منه (كفراً بواحا)، ومع ذلك استحلّوا قتاله وسفك دمه هو ومن معه من الصحابة والتابعين، فاضطر - رضي الله عنه - لقتالهم واستئصال شأفتهم، فلم ينجُ منهم إلا القليل، ثمّ غدروا به - رضي الله عنه - كما هو معروف في التاريخ.

والمقصود أنهم سنّوا في الإسلام سنة سيئة، وجعلوا الخروج على حكّام المسلمين دينًا على مرّ الزمان والأيام، رغم تحذير النبي ﷺ منهم في أحاديث كثيرة، منها قوله ﷺ: (الخوارج كلاب أهل النار) (حديث صحيح) أخرجه الترمذي (3000) وصححه الألباني - رحمه الله تعالى -.

ورغم أنهم لم يَرَوْا كُفرًا بُواحًا منهم، وإنما ما دون ذلك من ظلم وفجور وفسق.

واليوم - والتاريخ يُعيد نفسه - كما يقولون فقد نبتت نابتة من الشباب المسلم، لم يتفقهوا في الدين إلا قليلا، فرأوا الخروج عليهم دون أن يستشيروا أهل العلم والفقه والحكمة منهم، بل ركبوا رؤوسهم، وأثاروا فِتنًا عمياء، وسفكوا الدماء في مصر، وسوريا، والجزائر، وقبل ذلك فتنة الحرم المكي، فخالفوا بذلك هذا الحديث الصحيح الذي جرى عليه عمل السلمين سلفاً وخلفاً إلا الخوارج ...]. انظر: [السلسلة الصحيحة 7/ 1237 - 1241 رقم 3418].


من محاضرات اللجنة النسائية بمركز الإمام الألباني - رحمه الله تعالى -

يُتبع - إن شاء الله تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05-08-2011, 10:52 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي

تتمـــّـــة
كلام فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله تعالى - :

... ولما كان يغلب على الظنّ أنّ في أولئك الشباب من هو مُخلصٌ يبتغي وجه الله ، ولكن شُبّهَ له الأمر أو غُرّرَ به، فأنا أريدُ أن أوجّـــه نصيحة وتذكرة، يتعرّفون بها خطأهُم، ولعلهم يهتدون.

فأقول: من المعلوم أن ما أمِرَ به المسلم مِن الأحكام منوطٌ بالإستطاعة، حتى ما كانَ من أركان الإسلام، قال الله - تعالى - : {وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [سورة آل عمران : 97]. وهذا من الوضوح بمكان فلا يحتاج إلى تفصيل.

والذي يحتاج إلى التفصيل، إنما هو التذكير بحقيقتين اثنتين :

الأولى : أن قتال أعداء الله - من أيّ نوعٍ كان - يتطلّب تربية النفس على الخضوع لأحكام الله وأتباعها ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - (المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله) [الصحيحة 549].

والأخرى : أن ذلك يتطلب الإعداد المادي والسلاح الحربي، الذي ينكأ أعداء الله، فإن الله أمر به المؤمنين فقال : {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [سورة الأنفال : 60].
والإخلال بذلك مع الإستطاعة، إنما هو مِن صفات المنافقين، ولذلك قال فيهم ربّ العالمين : {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [سورة التوبة : 46].

وأنا أعتقد جازمًا أنّ هذا الإعداد المادي لا يستطيع اليوم القيام به جماعة من المؤمنين دون علمٍ من حكّامهم - كما هو معلوم-، وعليه فقتال أعداء الله مِن جماعةٍ ما، سابقٌ لأوانه، كما كان الأمر في العهد المكّيّ، ولذلك لم يُؤمَروا به إلا في العهد المدني، وهذا مُقتضى النص الربانيّ : {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [سورة البقرة : 286] .... انظر : [السلسلة الصحيحة 7/ 1241 - 1242 رقم 3418].


يُتبع - إن شاء الله تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 05-09-2011, 12:07 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي

تتمـــّـــة
كلام فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله تعالى - :

[ ... وأنا اعتقد جازمًا أن هذا الإعداد المادي لا يستطيع اليوم القيام به جماعة مِن المؤمنين دون علم مِن حكامهم – كما هو معلوم -؛ وعليه فقتال أعداء الله مِن جماعةٍ ما سابقٌ لأوانه؛ وكما كان الأمر من العهد المكي، ولذلك لم يؤمروا به إلا في العهد المدني؛ وهذا هو مقتضى النص الرباني {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها}. سورة البقرة (286).

وعليه فإني أنصحُ الشباب المتحمّس للجهاد، والمُخلِص حقًا لربّ العباد أن يلتفتوا لإصلاح الداخل، وتأجيل الإهتمام بالخارج الذي لا حيلة فيه، وهذا يتطلّب عملاً دؤوبا، وزمنًا طويلا، لتحقيق ما أسمّيه بـ (التصفية والتربية)، فإن القيام بهذا لا ينهض به إلا جماعة مِن العلماء الأصفياء والمُربّينَ الأتقياء، فما أقلّهم في هذا الزمان، وبخاصــّـــــة في الجماعات التي تخرج على الحكــــــام !.

وقد يُنكِرُ بعضهم ضرورة هذه التصفية، كما هوَ واقع بعض الأحزاب الإسلامية، وقد يزعُمُ بعضهم أنه قد انتهى دورها، فانحرفوا إلى العمل السياسي أو الجهاد، وأعرضوا عن الإهتمام بالتصفية والتربية، وكلهم واهمون في ذلك، فكم مِن مُخالفاتٍ شرعية تقع منهم جميعًا بسبب الإخلال بواجب التصفية، وركونهم إلى التقليد والتلفيق، الذي به يستحلّون كثيرًا مِما حرّمَ الله ! وهذا هو المِثال : الخروج على الحُكّام، ولو لم يصدر منهم الكفر البواح.

وخِتامًا أقول : نحنُ لا نُنكِر أن يكون َ هناك بعض الحكام يجب الخروج عليهم، كَذاك الذي كان أنكرَ شرعية صيام رمضان، والأضاحي في عيد الأضحى، وغير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة، فهؤلاء يجب قتالهم بِنَصّ الحديث، ولكن بشرط الإستطاعة كما تقدّم.

لكنّ مُجاهدة اليهود المُحتلّين للأرض المُقدّسة، والسافكين لدماء المُسلمين، أوجب مِن قِتالِ مِثلِ ذاكَ الحاكِم مِن وجوهٍ كثيرة، لا مَجالَ الآنَ لبيانها، مِن أهمّها أنّ جُند ذاك الحاكم مِن إخواننا المُسلمن، وقد يكون جُمهورهم، - أو على الأقلّ الكثير منهم - عنه غير راضين، فلماذا لا يُجاهد هؤلاء الشباب المتحمّس اليهود، بدل مجاهدتهم لبعضِ حكامِ المُسلمين؟!.
أظنّ أن سيكون جوابهم عدم الإستطاعة بالمعنى المشروح سابقاً.

والجواب هو جوابنا، والواقع يؤكّد ذلك، بدليل أن خروجهم- مع تعذّرِ إمكانه - لم يُثمر شيئًا سوى سفك الدماء سُدى! والمثال - مع الاسف الشديد - لا يزال ماثلًا في الجزائر، فهل مِن مدّكر؟! ]. اهـ . انظر : [السلسلة الصحيحة 7/ 1242 - 1243 رقم 3418].


رحم الله شيخنا الألباني رحمة واسعة، وجعل الفردوس الأعلى مأواه، ماذا لو رأى ما أثمر مسلسل الخروج على الحكام في هذه الأيام، وما جرّ وراءه من قتلٍ وتدمير وتهجير؛ وانقسامٍ ومآسٍ وويلات وآلام؟؟؟ الله المستعان. نسأل الله العفوَ والعافية.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 11-30-2011, 06:11 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي سئل فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – متى يكفر الحاكم بغير ما أنزل الله؟.

سئل فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله تعالى - متى يكفر الحاكم بغير ما أنزل الله؟.

فأجاب بقوله :
إذا كان مستحلًا له أو يرى أنه ما هو مناسب أو يرى الحكم بغيره أولى، المقصود أنه محمول على المستحل أو الذي يرى بعد ذا أنه فوق الاستحلال، يراه أحسن من حكم الله، أما إذا كان حكم بغير ما أنزل الله لهواه، يكون عاصيًا مثل من زنا لهواه لا لاستحلال، عقَّ والديه للهوى، قتل للهوى يكون عاصيا، أما إذا قتل مُستحِلًّا، عصى والديه مستحِلًّا لعقوقهما، زنا مستحِلًّا : كفر، وبهذا نخرج عن الخوارج، نباين الخوارج يكون بيننا وبين الخوارج حينئذ متسع وإلّا ـ بتشديد اللام بمعنى أو ـ وقعنا فيما وقعت فيه الخوارج، وهو الذي شبه على الخوارج هذا، الاطلاقات هذه.

وسئل الشيخ ابن باز - رحمه الله تعالى - في نفس الشريط هل ترون أن هذه المسألة اجتهادية ؟.

فقال :
والله أنا هذا الذي أعتقده من النصوص، يعني من كلام أهل العلم فيما يتعلق في الفَرْق بين أهل السنة والخوارج والمعتزلة، خصوصًا الخوارج، أن فعل المعصية ليس بكفر إلّا إذا استحله أو دافع من دونها بالقتال. [ شريط مناقشة التكفير ]

وسئل الإمام محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - : عمَّن يكفِّر حكام المسلمين. فقال : (هؤلاء الذين يكفّرون؛ هؤلاء ورثة الخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، والكافر من كفّره الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وللتكفير شروط؛ منها : العلم، ومنها : الإرادة؛ أن نعلم بأن هذا الحاكم خالَفَ الحق وهو يعلمُه، وأرادَ المخالفة، ولم يكن متأولاً ...). [من شريط كشف اللثام عن أحمد سلام - دار بن رجب].

وقال الإمام الشاطبي في الاعتصام (2/ 736) : [استشهاد الخوارج على كفر الحاكم بقوله - تعالى - : {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [سورة المائدة : 44].
وهذا الاستشهاد ليس وليد عصرنا، بل خوارج عصرنا رووه بالإسناد المتصل إلى شيوخهم الخوارج الأوّلين، الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : {تشابهت قلوبهم}.

وأخرج ابن وهب عن بُكيْر أنه سأل نافعًا : كيف رأي ابن عمر في الحرورية (أي : الخوارج) ؟.

قال :
[يراهم شرار خلق الله، إنهم انطلقوا إلى آياتٍ أُنزلتْ في الكفار فجعلوها على المؤمنين].

فسُّر سعيد بن جبير من ذلك، فقال : [مما يتّبع الحرورية من المتشابه قوله - تعالى - : {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ويقرنون معها: {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} فإذا رأوْا الإمام يحكم بغير الحق قالوا : قد كفر، ومن كفر عَدَلَ بربه؛ ومن عدل بربه فقد أشرك، فهذه الأمة مشركون. فيخرجون – أي الحرورية – فيقتلون ما رأيت، لأنهم يتأولون هذه الآية].
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:20 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.