أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
11290 100474

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر الصوتيات والمرئيات والكتب و التفريغات - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-16-2011, 12:42 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي [ تفريغ ] حكم ما يسمى بالأناشيد الإسلامية - عبد المالك رمضاني

بسم الله الرحمن الرحيم

حُكمُ ما يُسمَّى بالأناشيدِ الإسلاميَّة (!!)

[الشَّريط العاشر ضِمن سلسلةِ أشرطةٍ في (حُكم الغِناء)*]

لفَضيلةِ الشَّيخِ عبدِ المالِك رَمضاني
-حَفظهُ اللهُ-

موضوعنا العاشِر: هو موضوع (الأناشيد) التي تُسمَّى بـ(الإسلامية!!).
يعني: هذه القصائد التي يُمدح اللهُ ورسولُه -صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم-؛ هل هي جائزةٌ أم لا؟
أولًا: ينبغي تقسيمُ هذا الموضوعِ إلى قسمَين:
* إما أن تكونَ هذه الأناشيدُ عادةً.
* وإمَّا أن تكونَ عبادة.
فإذا كانت الأناشيدُ عادةً مِن العاداتِ؛ فالأصلُ في العاداتِ الإباحةُ إلا لنصٍّ؛ لقولِ الله -عزَّ وجلَّ-: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}؛ يعني: كلُّ ما يقومُ به الإنسانُ مِن عاداتٍ؛ فهو جائز، فالعاداتُ -شرعًا- جائزة؛ إلا إذا كان لدينا نصٌّ -مِن آيةٍ قرآنية، أو حديثٍ نبويٍّ صحيح يحرِّم هذه العادة-؛ فهي جائزةٌ حينذاك.
إذًا: فالشيءُ الذي لا يُتقرَّب به الإنسانُ إلى ربِّه؛ يُسمَّى (عادةً)، والشَّيءُ الذي يُتقرَّب به الإنسانُ إلى ربِّه -عزَّ وجلَّ- يُسمَّى (عبادةً).
مِن هُنا: ينبغي أن نعرفَ -ها هُنا- أمرَين:
* الأوَّلُ: أنَّ النَّشيدَ غناء؛ لأنَّ الغناء: كل كلامٍ مُطرَّبٍ فيه، ولو لم تَصحبْه آلةٌ موسيقيَّة، كما أشار إليه الأصمعيُّ، وابنُ منظور، وابنُ الأثير، وإليهِ أشارَ القُرطبيُّ، ووافقه على ذلك ابنُ حجرٍ، وكذا ابنُ الجوزي، وأبو موسى ابنُ المديني -عليهم رحمةُ الله جميعًا-.
وذلك في حديث ورد: لقد سمعَ النَّبيُّ -صلَّى الله عليهِ وآلِه وسلَّم- أبا موسَى الأشعريَّ -رضيَ الله-تَعالَى-عنهُ- يقرأُ القرآنَ بصوتٍ رائعٍ مُؤثِّرٍ، فقال له: «لقد أوتيتَ مزمارًا مِن مزاميرِ آلِ داود»، فأبو موسى -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهُ-لا شك أنَّه لم يستعمل مع القُرآن الكريمِ آلةً موسيقيَّة، مع ذلك: فقد سمَّى النبيُّ -صلَّى الله عليهِ وآلِه وسلَّم- تلاوتَه للقُرآنِ الكريمِ مزمارًا؛ فهذا يدلُّ -من جهةِ الشَّرع- أنَّ الغناءَ إذا كان خاليًا مِن آلةٍ موسيقيَّة يُسمَّى (مِزمارًا).
والآياتُ التي حَرَّمت الغناءَ، والأحاديثُ التي حرَّمتِ الغناء لم تُفصِّل بين غِناءٍ صِحِبتْه آلةٌ موسيقيَّة، وبين غناءٍ خلا مِن آلةٍ موسيقيَّة، و(تركُ الاستفصال في حِكايةِ الحال مع قيامِ الاحتِمال؛ ينزل منزلةَ العُمومِ في المقال)؛ أي أنَّ الغناء -بقسمَيه-سواء كان مصحوبًا بآلةٍ موسيقيَّة، أو بغيرِ آلة- يُعتبر ممنوعًا لوُرودِ الأدلَّة عامَّة، بل وَردت مُجملةً كما وردتْ مفصلة.
* الأمرُ الثَّاني: أنَّ الآياتِ والأحاديثَ التي منعتِ الغناء لم تُفرِّق بين غناءِ عادةٍ وغناءِ عبادةٍ؛ بل حرَّمتهُما جميعًا؛ كما في سورة لقمان؛ حيث جعل الله -عزَّ وجلَّ- مجرد التَّطريبِ بالكلامِ، وتلحين الغناءِ باللِّسان -فقط- غناءً ممنوعًا، وهذا هو السِّرُّ في قولِ الله -عزَّ وجلَّ-: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} فقال: {لَهْوَ الْحَدِيثِ} ولم يُسمِّه بغير هذه التَّسمية؛ إشارةً إلى أنَّ الحديثَ أو الكلامَ إذا كان يلهُو بهِ صاحبُه على طريقةِ أهلِ الغِناءِ والألحان؛ فإنَّما هو المحرَّم شَرعًا، وهذا مِن بلاغةِ القُرآن الكريم؛ حيث ترِدُ فيه لفظةٌ واحدة تحمل مَعنَيَين جميعًا، أو معانٍ كثيرة، كما في هذه الآية الكريمة.
إذًا من خلالِ هذا الكلام: يُستخلصُ أن الغناءَ -بقسمَيه- ممنوعٌ -أصلًا-؛ فالأصل في الغناء: المنع.
يعني: أن القاعدةَ التي تقولُ: (الأصلُ في العاداتِ الإباحة إلا لِنصٍّ)؛ هذه مَنقوضة بالنَّص؛ إذْ عندنا النُّصوص التي تحرِّم الغناء ولم تَنصَّ على عادةٍ أو عبادة؛ أي: لم تُفرِّق بين العادةِ والعبادة.
فنقول:
إذًا: الغِناء بِقسمَيه ممنوع... ومَن قال: (إذا كان الغناءُ عادةً فهو جائز)؛ فعَلَيه بالدَّليل؛ إذ نحنُ باقون على الأصل، وهو خارجٌ عن الأصل، ومَن خرج عن الأصل؛ فعليه أن يأتيَ بالمرجِّحِ الذي جعله يَخرج عنه.
بل إنَّ لدينا أدلةً خاصَّة في الموضوع.
لَدينا أدلةٌ تمنعُ الغناءَ إذا كان عادةً كما تَمنعُه إذا كان عبادةً.



يتبع إن شاء الله


______________
* سلسلة طيِّبة مُباركة، عظيمة النفع، كنتُ قد أنزلتُها على الجهاز -قديمًا-؛ لتفريغِها -بناءً على طلب بعض المشرفين-، لكني استصعبتُ الأمر؛ بسبب اللهجة الجزائريَّة -في بعض الجُمل-! فتوقفتُ!
والآن بدأتُ في تفريغ آخِر حلقةٍ من هذه السِّلسلة النافعة؛ لأهميَّة مادتِها، وعِظم البلاءِ بِما يُسمَّى -زورًا- (أناشيد إسلاميَّة)! وأسأل الله التيسير وأن ينفعَ بها.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-16-2011, 11:34 AM
أم محمد السلفية أم محمد السلفية غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2009
الدولة: فلـسـطـيـن/ رام الله
المشاركات: 673
افتراضي

بارك الله فيكِ وجعله في ميزان حسناتك
__________________
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتى ****** بأن يدى تفنى ويبقى كتابها
فإن عملت خيراً ستجزى ***** وإن عملت شراً عليَ حسابها


***********
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-16-2011, 11:49 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم محمد السلفية مشاهدة المشاركة
بارك الله فيكِ وجعله في ميزان حسناتك
وإياك -أختي الفاضلة-، أسعدني مرورك!
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-17-2011, 10:48 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

ونحن إذا قُلنا كلمة (الغِناء)؛ فإنَّما نُريدُ (الأناشيدَ).
فالأناشيدُ: غِناء -كما سبق أن فسرتُ لكم-لغةً، وشرعًا-.
فنقول: هُناك حديثُ النَّبي -صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم- الذي يقولُ فيه: «إنَّما نَهيتُ عن صَوتَين أحمقَين فاجِرَين: صوتٍ عند نغمةٍ؛ مِزمارُ شيطانٍ ولَعِب» إلى آخرِه، والحديث في التِّرمذي، وهو صحيح.
وقد قال ابنُ تيميَّة -رحمهُ اللهُ-: (هو أجودُ ما يُستدلُّ به على تحريمِ الغِناء).
هذا الحديثُ يحرِّم الغِناءَ إذا كان صاحبُه يَلعبُ به لا يتعبَّد اللهَ -تَعالى- به؛ أي: إذا كانت الأناشيدُ عادةً؛ إذ قال: «مِزمارُ شيطانٍ ولَعِب»، وإذا قال (مِزمار)؛ فليس ضَرورةً أن يكونَ هذا الغِناءُ مَصحوبًا بآلةٍ موسيقيَّة؛ فقد فسَّرتُ لكم -سابقًا- أنَّ كلمة (المزمارِ) قد تُطلق على الغِناء أو النَّشيد الذي له معه آلةٌ موسيقيَّة.
الدَّليلُ الثَّاني: حديثُ عائشةَ -رضيَ اللهُ عنها-؛ لمَّا دخلَ أبو بكرٍ -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهُ- وعندها جاريتانِ تُغنِّيان..
سُبحان الله! أبو بكرٍ -رضيَ اللهُ-تَعالى-عنهُ- أنكر على الجاريتَين الغِناء! وماذا كان في الغِناء؟ لم يكنِ الغناءُ سِوى غِناءِ عادةٍ؛ يعني: اليوم يومُ عُرس، والمُغنِّيتان بِنتانِ صغيرتان تُغنِّيان غِناء حَرب -فقط-؛ تَمدحان الحربَ، تمدحانِ المقاتِلين، رغم ذلك فأبو بكرٍ -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهُ- سمَّى هذا النَّشيدَ الذي ليس معهُ سِوى [...]-كما في رِواية مُسلم: «وعندي جاريتان تُدفِّفان» رغم ذلك -كلِّه-؛ فإنَّ أبا بكرٍ -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهُ- سمَّاهُ (مِزمارَ الشَّيطان)!
لا يُسمِّي أبو بكرٍ -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهُ- هذا الغِناءَ، أو هذا النَّشيد -كذلك-؛ إلا لأنَّه عَرفَ مِن خلالِ ممارستِه لصُحبةِ النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم- أنَّه مِزمارُ الشَّيطان، وقد سَبق أن ذكرنا لكم في أسماءِ الغِناء أنَّ النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- سمَّى الغِناءَ -نفسَه- بـ(مِزمارِ الشَّيطان)-كما في الحديث السَّابق-.
إذًا: فأبو بكر -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهُ- لم يكنْ لِيفتريَ على شرعِ الله -عزَّ وجلَّ- بأن يُسمِّيهُ تسميةً لم يَذكرْها اللهُ -تَباركَ وتَعالى-، ولم يتعلَّمها مِن فِي النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم-.
وقد رأينا النُّكتةَ البلاغيَّة في قولِ الله -عزَّ وجلَّ-: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ}، وسؤالَ عائشةَ -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنها- للنَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم- حينما أمرَها بأن تُرسلَ جاريةً تُغنِّي في عُرس، فقالت: وماذا تقولُ يا رسول الله! فهي جاريةٌ صغيرةٌ ولا تعرفُ عن الأناشيدِ شيئًا؛ لأنَّ البيت كان خاليًا من هذه الأناشيد.
هذا أوَّلًا.
وأمَّا ثانيًا: أن تكونَ هذه الأناشيدُ عبادة، أن يتَّخذَها النَّاسُ قربةً إلى اللهِ -عزَّ وجلَّ-.
والحقيقة؛ أنَّ هذه الثَّانية؛ هي واقعُنا الذي نعيشُه اليوم!
إذ أن هذه الأناشيدَ اتُّخذت -اليومَ- عبادةً، يَعبُد كثيرٌ من الشَّباب بها اللهَ -عزَّ وجلَّ-، ويتقرَّبون بها إلى اللهِ -عزَّ وجلَّ-، وكيف لا يكونُ الأمر كذلك؛ وإذا سألتَ أحدَهم: لماذا تُنشدُ؟ فيقول لك: (لأنَّني أدعو إلى الله -تَعالى- بها)! وكلمتُهم التي تعارفوا عليها أن يقولَ أحدُهم: (هذا هو بديلُ الغِناء)!! فكأنَّهم كُلِّفوا أن يأتوا بِالبديل مِن اختراع أنفسِهم.
كيف لا تكونُ عبادةً عند القومِ وهم الذين يَدعون إلى اللهِ -تَعالى- بِها، واللهُ -عزَّ وجلَّ- يقولُ: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَولًا مِمَّن دَعا إلى اللهِ وعَمِلَ صالحًا وقال إنَّني مِنَ المُسْلِمِين}.
فمِن ها هُنا نفهمُ أنَّكم تَدعون إلى اللهِ -تَعالى- بهذه الأناشيدِ؛ أي: تتقرَّبون إلى اللهِ -تَعالى- بهذه الأناشيد.
وكلُّكم يعلمُ أنَّ الأصلَ في العِباداتِ المنعُ إلا لِنصٍّ.
يعني: لا يجوزُ لأيِّ إنسانٍ أن يتقرَّب إلى اللهِ -تَعالى- بعملٍ ما؛ إلا إذا كان لديهِ الدَّليل، فإذا لم يكنْ لديه الدَّليلُ؛ فعبادتُه (بِدعة).
وهذا هو تعريفُ البدعةِ: أن نتقرَّب إلى الله -تَعالى- بعبادةٍ لم يتقرَّب بها إليهِ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم-.
ولا بُدَّ أن نعرفَ أنَّ هذه الأناشيدَ كانت معلومةً لدى القومِ من الجاهليَّة إلى الإسلام، فما دامتْ مَعلومةً لكنَّهم لم يَعبُدوا اللهَ -تَبارك وتعالى- بها، وما تقرَّبوا إليه بِها؛ دلَّ هذا -كلُّه- على أنَّها بدعةٌ عندهم.
يدلُّكم على هذه القاعدةِ قولُ اللهِ -عزَّ وجلَّ-: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ}.
فالإنسانُ الذي يَشرعُ في أمَّته شيئًا مِن الدِّين لم يأذنْ به اللهُ -يعني: لـم يأمرْ بهِ اللهُ-؛ نقول له: آاللهُ أذِنَ لكَ بهذه العبادةِ؟ أم على اللهِ تَفتري؟!
فلا يجوزُ لعبدٍ أن يخترعَ أيَّ عبادةٍ.
لِـمَ؟ لأنَّ الدِّينَ كامل؛ كما قال اللهُ -تَعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}
فالدِّينُ كاملٌ، وليس بحاجةٍ أن يُكمِّله أصحابُ الأناشيد.
وقال -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «مَن عَمِلَ عملًا ليسَ عليهِ أمرُنا؛ فهو رَدٌّ»-الحديثُ في «الصَّحيحَين»-.
فنقولُ لهؤلاء: أرسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم- أمركُم أن تُنشِدوا؟ كلُّ ذلك يُجابُ عنه بالنَّفي.



يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-18-2011, 07:53 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

إذًا: فمِن خلال هذه القاعدةِ نعلمُ أن اتِّخاذَ الأناشيدِ دعوةً إلى الله، أو عِبادةً -بالتَّعبيرِ الأصحِّ- هي -في الحقيقةِ- بِدعةٌ في الدِّين ما أذِن اللهُ -تَباركَ وتَعالى- بِها.
ويَدلُّكم على صِحَّةِ هذا المَنحَى عَملُ سلفِنا الصَّالِح، وهذه هي القاعِدةُ الأُخرى العظيمةُ التي بِها نُدرِكُ صِحَّةَ مَقولاتِنا، أو بُطلانَها.
كيف ذلك؟
نحنُ لا يُمكنُنا أن نفهمَ القُرآنَ والسُّنَّةَ النَّبويَّة الصَّحيحةَ إلا كما فهِمَهُما
سلفُنا الصَّالحُ؛ فلم نَعرفْ -أبدًا- أنَّ سلفَنا الصَّالح كانُوا يتَّخذون هذه الأناشيدَ؛ بل عَرَفنا عنهُم العَكسَ؛ كما رَأينا في قصَّة أبي بكرٍ مع الجارِيتَين.
أنا لا أفرِّق بين غِناء تَينِك الجارِيَتَين، وإنكارِ أبي بكرٍ وإقرارِ النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم- لهذا الإنكارِ العامِّ -سِوى الإنكارِ في يومِ العِيد؛ لأنَّها تجوز في يومِ العيدِ، أو عرس-كما سبق بيانُ ذلك-، فلا أرى فرقًا بين هذه القصَّة -التي فيها أناشِيدُ تَينِك الفتاتَين- أو بين أناشيدِ القوم -اليومَ-.
إذًا: فما دامَ لم يُعهَد عند سلفِنا الصَّالح أن كوَّنوا فرقةً للأناشيد -كما كوَّنها بعضُ الدُّعاةِ اليوم!-؛ فهذا دليلٌ على أنَّ عملَهُم تفسيرٌ صحيحٌ لكلامِ الله، وكلام رسولِه -صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم-، مع أنَّ الأناشيدَ لو كان مسموحًا بها في الدِّين؛ لبلَغَنا أنَّ الصَّحابةَ، أو أنَّ القُرون التي مِن بعدِهم كانُوا يتعامَلون بِها؛ لم؟ لعُموم وكثرةِ البَلوى بِها؛ إذ كانُوا يُعيِّدون في السَّنةِ مَرَّتَين، وكانوا يتزوَّجون في السَّنةِ كثيرًا؛ فكيف لم نسمعْ بأنَّ رجالًا غَنَّوا، أو أنَّ رجالًا أنشدوا في عُرسِ كذا، أو في عِيد كذا!
فهذه عِبرةٌ ينبغي أن نتوقَّف عند حدِّها.
ثم هنالك مسألةٌ أخرى يذكرُها ابنُ قدامةَ -عليهِ رحمةُ اللهِ-، وهو أنَّ اللهَ -تَبارك وتَعالى- لم يأذن بهذه الأناشيدِ؛ بل إنَّه -تَعالى- عابَ قومًا فَعلُوا ذلك على وجهِ التَّقرُّبِ إلى الله؛ فقال -عزَّ وجلَّ-: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً}؛ يعني: كانت أدعيتُهم، كانت صلواتُهم ممزوجةً بشيءٍ من التَّلحينِ، بشيءٍ من التَّصفير والتَّصفيق؛ فجعل اللهُ -تَبارك وتعالَى- هذا العملَ -أي: تلحِين كَلام الدِّين-؛ جعله مِن اللَّعب في الدِّين، وكذلك قال اللهُ -عزَّ وجلَّ-: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}.
لهذا قال ابنُ تيميَّةَ -عليهِ رحمةُ اللهِ-: «مَن فعلَ هذه الملاهي على وجهِ الدِّيانةِ والتَّقرُّب؛ فلا ريب في ضلالتِه وجَهالتِه».
وقال -أيضًا-: «النَّشيدُ إمَّا مجرَّد مِن آلة، وإمَّا بآلةٍ؛ فذاك النَّشيدُ المحدَث»؛ أي: المبتدَع.
فهذا كلُّه معروف.
ولهذا فسَّر ابنُ تيميَّة والشَّاطبيُّ -عليهِما رحمةُ اللهِ-، جوابَ الإمامِ مالك -عليهِ رحمةُ اللهِ- لما سُئل عن الغِناء فقال: «إنَّما يَفعَلُه عندنا الفُسَّاقُ»؛ قالا: هذا جوابٌ عمَّن سأل عن غناءٍ بلا آلةٍ موسيقيَّة، فمثلُه كمثلِ النَّشيد -بالضَّبط-.
فجماعةٌ تسأل: لم؟
بِقرينةِ الحال، وهو: أنَّه لم يكنْ في عصرِ الإمامِ مالكٍ -عليهِ رحمةُ اللهِ- مَن يُغنِّي جهرةً بآلةٍ -أبدًا-، بل كانوا يُنشِدون ويُطرِّبون بألسنَتِهم -فقط-، رغم ذلك سمَّى مَن يفعلُه بالفاسِق -والعياذ بالله-.
كذا توجيهُهُما -عليهِما رحمةُ اللهِ-.



يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 09-19-2011, 01:34 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

بل: لقد كانت هذه الأناشيدُ المعهودةُ اليوم معهودةً في ذلك الزَّمان الغابر.
فلقد قال الشَّافعيُّ -عليهِ رحمةُ اللهِ-: «تركتُ بالعِراق شيئًا يُقال له (التَّغبير)، أحدثَتْه الزَّنادقةُ، يَصُدُّون النَّاسَ به عن القُرآن».
التَّغبِير -هذا-: هو عبارة عن أناشيدَ تُذكِّر بالله، وتُذكِّر الغابرَة -أي: الآخرة-، وتُزهِّد في الدُّنيا، تجعلُ الإنسانَ يَذكُر القيامةَ بهذه الأناشيد.
قال ابنُ قُدامة -عليهِ رحمةُ اللهِ-: «وقد كَرِهَهُ الأئمةُ -كما تَرى-، ولم ينضمَّ إليه هذه المكروهاتُ مِن الدُّفوفِ والشَّبَّابات، فكيف به إذا انضمَّت إليه واتَّخذوه دِينًا؟!».
سُبحان الله العظيم! هذه كلمةٌ ذهبيَّة!
يقول: هذا التَّغبيرُ كرههُ العلماءُ ومنعهُ العُلماء، رغم أنَّه لم يحتوِ على آلةٍ موسيقيَّة -لا دفٍّ ولا شبَّابةٍ-؛ فكيف لو كان مع هذهِ الأناشيدِ شيءٌ مِن هذه الآلات؟
وأناشيدُنا -اليومَ- لا تخلو أن تكونَ إحدى الصِّنفَين:
إمَّا نشيدٌ بآلةٍ -وهو الدُّف-البندير-، أو نشيد بلا بندير، وكلاهما ممنوعٌ -كما سمِعنا من كلامِ ابن قُدامة-إذ يعرِّف (التَّغبير)-.
فالتَّغبير هذا -نفسُه- الذي قال فيه أبو الحارث: «سألتُ أبا عبد الله -أي: أحمدَ بنَ حنبل- عن التَّغبير، وقلتُ: إنَّه ترِقُّ عليه القُلوب»، يعني: هذا التَّغبير يُخشِّع القُلوبَ؛ إذْ يُذكِّر الآخرةَ، قال الإمامُ أحمدُ -عليهِ رحمةُ اللهِ-: «هُو بدعة»، وقال -أيضًا-: فهل نحضرُه؟ قال: «لا؛ هو بِدعةٌ».
وقال يزيدُ بنُ هارون: «ما يُغبِّرُ إلا فاسِق، ومتى كان التَّغبير!؟».
وقال عبدُ الله بنُ داود: «أرَى أنْ يُضرَب صاحبُ التَّغبير».
والحقيقةُ أنَّه لا فرقَ بين هذهِ الأناشيدِ وبين أناشيدِ الصُّوفيَّةِ التي يُنكرُها القَومُ، أنَّ هذه حركيَّةٌ صُوفيَّة مَرجعُها إلى أهلِ التَّصوُّف والطُّرق، ما عَرَف هذا سَلفُنا الصَّالح، ورحمةُ الله على الشَّاعر القائِل:
أَلَا قُلْ لَهُمْ قَوْلَ عَبْدٍ نَصُوحِ
....................وَحَقُّ النَّصِيحَةِ أَنْ تُسْتَمَعْ
مَتَى عَلِمَ النَّاسُ في دِينِنَا
....................بِأَنَّ [الغِنَــا] سُنَّــةٌ تُتَّبَـعْ
وَأَنْ يَأْكُلَ المَرْءُ أَكْلَ الحِمَارِ
.................وَيَرْقُصَ فِي الجَمْعِ حَتَّى يَقَعْ
وَقَالُوا سَكِرْنَا بِحُبِّ الإِلَهِ
................وَمَــا أَسْكَرَ القَوْمَ إِلَّا القِصَعْ
[كَذَاكَ] البَهَائِمُ إِنْ أُشْبِعَتْ
....................يُرَقِّقُهـا رِيُّهَــا وَالشِّبَــعْ
وَيُسْكِرُهُ النَّايُ ثُمَّ الغِنَا
..............وَ(ياسِينُ) لَو تُلِيَتْ مَا انْصَدَعْ
فَيَا لِلعُقُولِ وَيَا لِلنُّهَى
....................أَلَا مُنْكِـرٌ مِنْكُمُ لِلْبِـدَعْ
تُهَانُ مَسَاجِدُنَا بِالسَّماعِ
.................وَتُكْرَمُ عَنْ مِثْلِ ذَاكَ البِيَـعْ
وهنالك مقولةٌ لابنِ القيِّم -عليهِ رحمةُ اللهِ-، هي مِن أهمِّ ما كُتب في هذا الموضوع؛ ألَا وهي قولُه -بعد أثرِ ابنِ عبَّاس-رضي الله عنهما-حولَ تسمية الغِناءِ بـ(الباطلِ)؛ لما سُئل ابنُ عبَّاسٍ عن الغِناء؛ فسأل السَّائلَ: أين يكونُ الغناءُ إذا جاء الحقُّ والباطلُ يومَ القِيامة؟ قال: يكونُ مع الباطلِ، قال: «اذهبْ؛ فقد أفتَيتَ نفسَكَ».
قال -عليهِ رحمةُ اللهِ-يُعلِّق على هذا الأثر-: «فهذا جوابُ ابنِ عبَّاس عن غناء الأعراب الذي ليس فيه مدحُ الخَمرِ والزِّنا واللِّواطِ والتَّشبيبِ بالأجنبيَّات وأصواتِ المعازف والآلات المُطرِباتِ؛ فإنَّ غناءَ القومِ لم يكنْ فيه شيءٌ مِن ذلك، ولو شاهدُوا هذا الغناءَ؛ لقالُوا فيه أعظمَ قَولٍ؛ فإنَّ مَضرَّتَه وفِتنتَهُ فوقَ مضرَّةِ شُرب الخمرِ وأعظمُ مِن فتنتِه.
فمِن أبطلِ الباطل أن تأتيَ شريعةٌ بإباحتِه، فمَن قاسَ هذا على غِناء القَوم؛ فقِياسُه مِن جِنسِ قِياسِ الرِّبا على البَيع، والميتةِ على المُذكَّاة، والتَّحليلِ الملعونِ فاعلُه على النِّكاحِ الذي سنَّه رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّم-».
فتلاحظونَ -إِخواني- كلمةَ ابن القيِّم -عليهِ رحمةُ اللهِ- كيف جعل جَوابَ ابنِ عبَّاس لا عن الغِناءِ الذي فيه الفُحشُ والخَنا، ولا عن الغِناءِ الذي تَصحبُه آلةُ غِناء؛ وإنَّما هو جَوابٌ عن هذهِ الأناشيدِ المعروفةِ -اليومَ-، ودليلُهُ في ذلك قَرينةٌ حاليَّةٌ، ألا وهي:
ما دام لم يكنْ في عهدِ ابنِ عبَّاس -رَضي اللهُ عنهُما- مَن يُغنِّي بفُحشٍ وبَذاءٍ في الكلام، ومَن يغنِّي بآلةٍ مُوسيقيَّة؛ فلا يُمكنُه أن يزيدَه عمَّا لم يكنْ، هذه واحدة.
ثم قرينةٌ ثانية: قرينةٌ وصفيَّة.
فابنُ عبَّاس -رضيَ اللهُ عنهُما- كان معروفًا بتحريمهِ للغِناء الذي يَرتكبُ فيه قائلُه الفُحشَ والبَذاء، وقال فيه أعظمَ قولٍ -كما ذكر ابنُ القيِّم-عليهِ رحمةُ اللهِ-؛ فكيف يَسكتُ عن هذا ويقولُ للسَّائل: لا أقولُ حرامًا إلا لما حرَّمهُ الله، ولا أقولُ حلالًا إلا لما أحلَّه الله؛ فكيف يقولُ هذا؛ وقد علِم أنَّ اللهَ -تَعالى- حرَّمهُ بِنصِّ الكتاب؛ فكأنَّه يقولُ: نَشيدُكم هذا لم يتحدَّثِ القُرآنُ عنه صراحةً؛ فلذا أنا لا أحرِّمه عنك صراحةً؛ إنَّما أقتبسُ منكَ الجواب.
لكنَّ الغناءَ الذي حرَّمه اللهُ -تَعالى-صراحةً- فقد تكلَّم فيه ابنُ عباسٍ -رضيَ اللهُ عنهُما- مِن قبلُ، وعلِمنا الجوابَ عنه في حلقاتٍ سابقةٍ.
إذًا: فهو -ها هُنا- يتكلَّم عن نوعٍ ثانٍ من الغِناء؛ وإلا لَعُدَّ كلامُه تَناقُضًا وتذبذُبًا وتردُّدًا.


يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:06 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.