أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
90880 88259

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-19-2011, 06:13 PM
ابو العبدين البصري ابو العبدين البصري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 2,253
افتراضي قَاعِدَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ وَالْفُرْقَةِ وَسَبَبُ ذَلِكَ وَنَتِيجَتُه

قال:شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
((قَاعِدَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ وَالْفُرْقَةِ وَسَبَبُ ذَلِكَ وَنَتِيجَتُه)) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ }0
أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ شَرَعَ لَنَا مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا ، وَاَلَّذِي أَوْحَاهُ إلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا وَصَّى بِهِ الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورِينَ .
وَهَؤُلَاءِ هُمْ أُولُو الْعَزْمِ الْمَأْخُوذُ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاقُ فِي قَوْلِهِ:{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَم } .
وَقَوْلِهِ : { مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ } فَجَاءَ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ بَاسِمِ الَّذِي وَبِلَفْظِ الْإِيحَاءِ وَفِي سَائِرِ الرُّسُلِ بِلَفْظِ " الْوَصِيَّةِ " .
ثُمَّ قَالَ:{أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ } وَهَذَا تَفْسِيرُ الْوَصِيَّةِ و ( أَنْ ) : الْمُفَسِّرَةُ الَّتِي تَأْتِي بَعْدَ فِعْلٍ مِنْ مَعْنَى الْقَوْلِ لَا مِنْ لَفْظِهِ . كَمَا فِي قَوْلِهِ : { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ } { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ } وَالْمَعْنَى قُلْنَا لَهُمْ : اتَّقُوا اللَّهَ . فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : { أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ } فِي مَعْنَى قَالَ : لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ رُسُلًا قُلْنَا أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ، فَالْمَشْرُوعُ لَنَا هُوَ الْمُوصَى بِهِ ، وَالْمُوحَى ، وَهُوَ : { أَقِيمُوا الدِّينَ } فَأَقِيمُوا الدِّينَ مُفَسِّرٌ لِلْمَشْرُوعِ لَنَا الْمُوصَى بِهِ الرُّسُلُ ، وَالْمُوحَى إلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ يُقَالُ : الضَّمِيرُ فِي أَقِيمُوا عَائِدٌ إلَيْنَا . وَيُقَالُ هُوَ عَائِدٌ إلَى الْمُرْسَلِ .
وَيُقَالُ هُوَ عَائِدٌ إلَى الْجَمِيعِ . وَهَذَا أَحْسَنُ وَنَظِيرُهُ . أَمَرْتُكَ بِمَا أَمَرْتُ بِهِ زَيْدًا . أَنْ أَطِعْ اللَّهَ ، وَوَصَّيْتُكُمْ بِمَا وَصَّيْتُ بَنِي فُلَانٍ : أَنْ افْعَلُوا . فَعَلَى الْأَوَّلِ : يَكُونُ بَدَلًا مِنْ ( مَا ) أَيْ شَرَعَ لَكُمْ أَنْ أَقِيمُوا وَعَلَى الثَّانِي : شَرَعَ مَا خَاطَبَهُمْ . أَقِيمُوا فَهُوَ بَدَلٌ أَيْضًا ، وَذَكَرَ مَا قِيلَ لِلْأَوَّلِينَ .
وَعَلَى الثَّالِثِ : شَرَعَ الْمُوصَى بِهِ ( أَقِيمُوا ) فَلَمَّا خَاطَبَ بِهَذِهِ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهَا مَقُولَةٌ لَنَا ، وَمَقُولَةٌ لَهُمْ : عَلِمَ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى الطَّائِفَتَيْنِ جَمِيعًا .
وَهَذَا أَصَحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ . وَالْمَعْنَى عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يَرْجِعُ إلَى هَذَا فَإِنَّ الَّذِي شُرِعَ لَنَا : هُوَ الَّذِي وَصَّى بِهِ الرُّسُلَ ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِإِقَامَةِ الدِّينِ وَالنَّهْيُ عَنْ التَّفَرُّقِ فِيهِ ؛ وَلَكِنَّ التَّرَدُّدَ فِي أَنَّ الضَّمِيرَ تَنَاوَلَهُمْ لَفْظُهُ ؛ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ قِيلَ لَنَا مِثْلُهُ ؛ أَوْ بِالْعَكْسِ ؛ أَوْ تَنَاوَلَنَا جَمِيعًا0
وَإِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ أَمَرَ الْأَوَّلِينَ والآخرين بِأَنْ يُقِيمُوا الدِّينَ ، وَلَا يَتَفَرَّقُوا فِيهِ ، وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ شَرَعَ لَنَا مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا ، وَاَلَّذِي أَوْحَاهُ إلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَيَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مَا أَوْحَاهُ إلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ فِيهِ شَرِيعَتُهُ الَّتِي تَخْتَصُّ بِنَا ؛ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَوْحَاهُ إلَيْهِ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ بِخِلَافِ نُوحٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الرُّسُلِ ؛ فَإِنَّمَا شَرَعَ لَنَا مِنْ الدِّينِ مَا وُصُّوا بِهِ ؛ مِنْ إقَامَةِ الدِّينِ ، وَتَرْكِ التَّفَرُّقِ فِيهِ . وَالدِّينُ الَّذِي اتَّفَقُوا عَلَيْهِ : هُوَ الْأُصُولُ . فَتَضَمَّنَ الْكَلَامُ أَشْيَاءَ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ شَرَعَ لَنَا الدِّينَ الْمُشْتَرَكَ وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَالْإِيمَانُ الْعَامُّ وَالدِّينُ الْمُخْتَصُّ بِنَا ؛ وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَالْإِيمَانُ الْخَاصُّ .
الثَّانِي : أَنَّهُ أَمَرَنَا بِإِقَامَةِ هَذَا الدِّينِ كُلِّهِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمُخْتَصِّ وَنَهَانَا عَنْ التَّفَرُّقِ فِيهِ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ أَمَرَ الْمُرْسَلِينَ بِإِقَامَةِ الدِّينِ الْمُشْتَرَكِ ، وَنَهَاهُمْ عَنْ التَّفَرُّقِ فِيهِ .
الرَّابِعُ : أَنَّهُ لَمَّا فَصَلَ بِقَوْلِهِ : { وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ } بَيْنَ قَوْلِهِ : { مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا } وَقَوْلِهِ : { وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى } أَفَادَ ذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : { وَمَا تَفَرَّقُوا إلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } فَأَخْبَرَ أَنَّ تَفَرُّقَهُمْ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ مَجِيءِ الْعِلْمِ الَّذِي بَيَّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ مَا كَانَ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ . [ وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ مَا تَفَرَّقُوا إلَّا بَغْيًا وَالْبَغْيُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ ، كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ . . . : الْكِبْرُ وَالْحَسَدُ ] وَهَذَا بِخِلَافِ التَّفَرُّقِ عَنْ اجْتِهَادٍ لَيْسَ فِي عِلْمٍ ، وَلَا قَصَدَ بِهِ الْبَغْيَ كَتَنَازُعِ الْعُلَمَاءِ السَّائِغِ ، وَالْبَغْيُ إمَّا تَضْيِيعٌ لِلْحَقِّ ، وَإِمَّا تَعَدٍّ لِلْحَدِّ فَهُوَ إمَّا تَرْكُ وَاجِبٍ ، وَإِمَّا فِعْلُ مُحَرَّمٍ فَعُلِمَ أَنَّ مُوجِبَ التَّفَرُّقِ هُوَ ذَلِكَ .
وَهَذَا كَمَا قَالَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ : { وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } فَأَخْبَرَ أَنَّ نِسْيَانَهُمْ حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ - وَهُوَ تَرْكُ الْعَمَلِ بِبَعْضِ مَا أُمِرُوا بِهِ - كَانَ سَبَبًا لِإِغْرَاءِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَهُمْ ، وَهَكَذَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي أَهْلِ مِلَّتِنَا0
مِثْلَمَا نَجِدُهُ بَيْنَ الطَّوَائِفِ الْمُتَنَازِعَةِ فِي أُصُولِ دِينِهَا ، وَكَثِيرٍ مِنْ فُرُوعِهِ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَمِثْلَمَا نَجِدُهُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَبَيْنَ الْعِبَادِ ؛ مِمَّنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الموسوية أَوْ العيسوية حَتَّى يَبْقَى فِيهِمْ شَبَهٌ مِنْ الْأُمَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَالَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ : لَيْسَتْ الْأُخْرَى عَلَى شَيْءٍ . كَمَا نَجِدُ الْمُتَفَقِّهَ الْمُتَمَسِّكَ مِنْ الدِّينِ بِالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْمُتَصَوِّفَ الْمُتَمَسِّكَ مِنْهُ بِأَعْمَالِ بَاطِنَةٍ كُلٌّ مِنْهُمَا يَنْفِي طَرِيقَةَ الْآخَرِ وَيَدَّعِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ ، أَوْ يُعْرِضُ عَنْهُ إعْرَاضَ مَنْ لَا يَعُدُّهُ مِنْ الدِّينِ ؛ فَتَقَعُ بَيْنَهُمَا الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ . وَذَلِكَ : أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِطَهَارَةِ الْقَلْبِ ، وَأَمَرَ بِطَهَارَةِ الْبَدَنِ ، وَكِلَا الطَّهَارَتَيْنِ مِنْ الدِّينِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَأَوْجَبَهُ .
قَالَ تَعَالَى : { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } وَقَالَ : { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ }
وَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } وَقَالَ : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا }
وَقَالَ : { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ } وقال : { إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } وَقَالَ : { إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } . فَنَجِدُ كَثِيرًا مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ وَالْمُتَعَبِّدَةِ ، إنَّمَا هِمَّتُهُ طَهَارَة الْبَدَنِ فَقَطْ وَيَزِيدُ فِيهَا عَلَى الْمَشْرُوعِ اهْتِمَامًا وَعَمَلًا . وَيَتْرُكُ مِنْ طَهَارَةِ الْقَلْبِ مَا أُمِرَ بِهِ ؛ إيجَابًا ، أَوْ اسْتِحْبَابًا ، وَلَا يَفْهَمُ مِنْ الطَّهَارَةِ إلَّا ذَلِكَ . وَنَجِدُ كَثِيرًا مِنْ الْمُتَصَوِّفَةِ وَالْمُتَفَقِّرَةِ ، إنَّمَا هَمَّتْهُ طِهَارَةُ الْقَلْبِ فَقَطْ ؛ حَتَّى يَزِيدَ فِيهَا عَلَى الْمَشْرُوعِ اهْتِمَامًا وَعَمَلًا ؛ وَيَتْرُكُ مِنْ طَهَارَةِ الْبَدَنِ مَا أُمِرَ بِهِ إيجَابًا ، أَوْ اسْتِحْبَابًا .

فَالْأَوَّلُونَ يَخْرُجُونَ إلَى الْوَسْوَسَةِ الْمَذْمُومَةِ فِي كَثْرَةِ صَبِّ الْمَاءِ ، وَتَنْجِيسِ مَا لَيْسَ بِنَجِسِ ، وَاجْتِنَابِ مَا لَا يُشْرَعُ اجْتِنَابُهُ مَعَ اشْتِمَالِ قُلُوبِهِمْ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنْ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ وَالْغِلِّ لِإِخْوَانِهِمْ ، وَفِي ذَلِكَ مُشَابَهَةٌ بَيِّنَةٌ لِلْيَهُودِ . وَالْآخَرُونَ يَخْرُجُونَ إلَى الْغَفْلَةِ الْمَذْمُومَةِ ، فَيُبَالِغُونَ فِي سَلَامَةِ الْبَاطِنِ حَتَّى يَجْعَلُونَ الْجَهْلَ بِمَا تَجِبُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ الشَّرِّ - الَّذِي يَجِبُ اتِّقَاؤُهُ - مِنْ سَلَامَةِ الْبَاطِنِ ، وَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ سَلَامَةِ الْبَاطِنِ مِنْ إرَادَةِ الشَّرِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَبَيْنَ سَلَامَةِ الْقَلْبِ مِنْ مَعْرِفَةِ الشَّرِّ الْمَعْرِفَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا0 ثُمَّ مَعَ هَذَا الْجَهْلِ وَالْغَفْلَةِ قَدْ لَا يَجْتَنِبُونَ النَّجَاسَاتِ وَيُقِيمُونَ الطِّهَارَةَ الْوَاجِبَةَ مُضَاهَاةً لِلنَّصَارَى .
وَتَقَعُ الْعَدَاوَةُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ بِسَبَبِ تَرْكِ حَظٍّ مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَالْبَغْيِ الَّذِي هُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ إمَّا تَفْرِيطًا وَتَضْيِيعًا لِلْحَقِّ ، وَإِمَّا عُدْوَانًا وَفِعْلًا لِلظُّلْمِ . وَالْبَغْيُ تَارَةً يَكُونُ مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَتَارَةً يَكُونُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ ، وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ وَلِهَذَا قَالَ:{ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } فَإِنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ بَغَتْ عَلَى الْأُخْرَى ، فَلَمْ تَعْرِفْ حَقَّهَا الَّذِي بِأَيْدِيهَا وَلَمْ تَكُفَّ عَنْ الْعُدْوَانِ عَلَيْهَا .
وَقَالَ تَعَالَى :{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ } وَقَالَ تَعَالَى : { مَكَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } . وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ } الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى فِي مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَالَ : { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ } وَقَالَ : { إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } وَقَالَ : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } { مُنِيبِينَ إلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } { مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَعْبُدُ إلَهًا يَهْوَاهُ . كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى : { كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ } وَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } { وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } { فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } .
فَظَهَرَ أَنَّ سَبَبَ الِاجْتِمَاعِ وَالْأُلْفَةِ جَمْعُ الدِّينِ وَالْعَمَلُ بِهِ كُلِّهِ ، وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، كَمَا أَمَرَ بِهِ بَاطِنًا ، وَظَاهِرًا .
وَسَبَبُ الْفُرْقَةِ : تَرْكُ حَظٍّ مِمَّا أُمِرَ الْعَبْدُ بِهِ ، وَالْبَغْيُ بَيْنَهُمْ . وَنَتِيجَةُ الْجَمَاعَةِ : رَحْمَةُ اللَّهِ ، وَرِضْوَانُهُ ، وَصَلَوَاتُهُ وَسَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَبَيَاضُ الْوُجُوهِ . وَنَتِيجَةُ الْفُرْقَةِ : عَذَابُ اللَّهِ ، وَلَعْنَتُهُ ، وَسَوَادُ الْوُجُوهِ ، وَبَرَاءَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ . وَهَذَا أَحَدُ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ ، فَإِنَّهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا كَانُوا مُطِيعِينَ لِلَّهِ بِذَلِكَ مَرْحُومِينَ ، فَلَا تَكُونُ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَحْمَتُهُ : بِفِعْلِ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِهِ مِنْ اعْتِقَادٍ ، أَوْ قَوْلٍ ، أَوْ عَمَلٍ ، فَلَوْ كَانَ الْقَوْلُ ، أَوْ الْعَمَلُ الَّذِي اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَاعَةً لِلَّهِ ، وَلَا سَبَبًا لِرَحْمَتِهِ ، وَقَدْ احْتَجَّ بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي أَوَّلِ " التَّنْبِيهِ " نَبَّهَ عَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ.
ثم قَالَ رحمه الله تعالى : (فَصْلٌ) :قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي السُّنَنِ مِنْ رِوَايَةِ فَقِيهَيْ الصَّحَابَةِ :عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ { ثَلَاثٌ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ إخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ ، وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ } وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَحْفُوظِ : { إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا : أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ، وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ } . فَقَدْ جَمَعَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ ؛ إخْلَاصِ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةِ أُولِي الْأَمْرِ وَلُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَهَذِهِ الثَّلَاثُ تَجْمَعُ أُصُولَ الدِّينِ وَقَوَاعِدَهُ وَتَجْمَعُ الْحُقُوقَ الَّتِي لِلَّهِ وَلِعِبَادِهِ ، وَتَنْتَظِمُ مَصَالِحَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُقُوقَ قِسْمَانِ:
حَقٌّ لِلَّهِ وَحَقٌّ لِعِبَادِهِ ، فَحَقُّ اللَّهِ أَنْ نَعْبُدَهُ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ، كَمَا جَاءَ لَفْظُهُ فِي أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ ؛ وَهَذَا مَعْنَى إخْلَاصِ الْعَمَلِ لِلَّهِ ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ .
وَحُقُوقُ الْعِبَادِ قِسْمَانِ : خَاصٌّ وَعَامٌّ ؛ أَمَّا الْخَاصُّ فَمِثْلُ بِرِّ كُلِّ إنْسَانٍ وَالِدَيْهِ ، وَحَقِّ زَوْجَتِهِ وَجَارِهِ ؛ فَهَذِهِ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ قَدْ يَخْلُو عَنْ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ مَصْلَحَتَهَا خَاصَّةٌ فَرْدِيَّةٌ . وَأَمَّا الْحُقُوقُ الْعَامَّةُ فَالنَّاسُ نَوْعَانِ : رُعَاةٌ وَرَعِيَّةٌ ؛ فَحُقُوقُ الرُّعَاةِ مُنَاصَحَتُهُمْ ؛ وَحُقُوقُ الرَّعِيَّةِ لُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ ؛ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهُمْ لَا تَتِمُّ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ ، وَهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ بَلْ مَصْلَحَةُ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ فِي اجْتِمَاعِهِمْ وَاعْتِصَامِهِمْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ؛ فَهَذِهِ الْخِصَالُ تَجْمَعُ أُصُولَ الدِّينِ .
وَقَدْ جَاءَتْ مُفَسَّرَةً فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ تَمِيمٍ الداري قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{ الدِّينُ النَّصِيحَةُ الدِّينُ النَّصِيحَةُ الدِّينُ النَّصِيحَةُ قَالُوا : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ } .
فَالنَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ تَدْخُلُ فِي حَقِّ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَالنَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ هِيَ مُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ ، فَإِنَّ لُزُومَ جَمَاعَتِهِمْ هِيَ نَصِيحَتُهُمْ الْعَامَّةُ ، وَأَمَّا النَّصِيحَةُ الْخَاصَّةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ ، فَهَذِهِ يُمْكِنُ بَعْضُهَا وَيَتَعَذَّرُ اسْتِيعَابُهَا عَلَى سَبِيلِ التَّعْيِينِ .أ_ هـ
(مجموع الفتاوى _ج1 _ص14 _17)
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-11-2012, 03:13 PM
أبو عبد العزيز الأثري أبو عبد العزيز الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الدولة: العراق
المشاركات: 2,568
افتراضي

جزاك الله خير
مقال مفيد
__________________
قال الله سبحانه تعالى :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)

قال الشيخ ربيع بن هادي سدده الله :
( الحدادية لهم أصل خبيث وهو أنهم إذا ألصقوا بإنسان قولاً هو بريء منه ويعلن براءته منه، فإنهم يصرون على الاستمرار على رمي ذلك المظلوم بما ألصقوه به، فهم بهذا الأصل الخبيث يفوقون الخوارج )

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 02-14-2012, 08:47 PM
ابو العبدين البصري ابو العبدين البصري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 2,253
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عبد العزيز الأثري مشاهدة المشاركة
جزاك الله خير
مقال مفيد
بارك الله فيك أخي الحبيب.
__________________
قال الشاطبي _رحمه الله تعالى_ :" قال الغزالي في بعض كتبه : أكثر الجهالات إنما رسخت في قلوب العوام بتعصب جماعة من جهّال أهل الحق ، أظهروا الحق في معرض التحدي والإدْلال ونظروا إلى ضعفاء الخصوم بعين التحقير والازدراء ، فثارت من بواطنهم دواعي المعاندة والمخالفة ، ورسخت في قلوبهم الاعتقادات الباطلة ، وتعذر على العلماء المتلطفين محوها مع ظهور فسادها".
الاعتصام للشاطبي (1_494).

قلت:رحم الله الشاطبي والغزالي لو رأى حالنا اليوم كم نفرنا اناسا عن الحق وسددنا الطريق على العلماء الناصحين الربانيين؟!
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 02-14-2012, 11:15 PM
ابو صالح الفلسطيني ابو صالح الفلسطيني غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 1,403
افتراضي

بارك الله فيك أخي المميز صاحب الإنتقاء المميز .

---
قال الإمام الألباني رحمه الله : كانت العلامة الواضحة التي يُعرَفُ بها أهل السنة والجماعة؛ هي التجمع حول إمام المسلمين الذي يحكم الأقطار الإسلامية، فلم يكن صعبًا في الماضي التعرف على جماعة الـمسلمين الواجب لزومها، ولكن بسقوط الخلافة الإسلامية، لم يعد للمسلمين إمام يجمع الجماعة الـمسلمة في كل أقطارها حتى تجتمع عليه، وما استحدث في نُظمِ الدول الحديثة، ومفهوم الدولة القومية أو الوطنية أبعدنا عن هذه العلامة التي كانت تيسر علينا معرفة مَنْ هم جماعة الـمسلمين.
ولم يبق لنا من العلامات التي ترشدنا للجماعة المسلمة التي يجب لزومها إلا مفهوم الكثرة من المسلمين، والسواد الأعظم الذي اجتمع عليه أغلب المسلمين سلفًا وخلفًا، فهذه هي جماعة المسلمين التي يجب لزومها.
ذلك لأن الأحاديث النبوية صرحت بهذا المفهوم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجمع الله هذه الأمة على الضلالة أبدًا» وقال: «يدُ الله على الجماعة فاتبعوا السواد الأعظم؛ فإنه من شذَّ شذَّ في النار»(1). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أمتي لا تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافًا فعليكم بالسواد الأعظم»(5 ). الأمر بلزوم الجماعة (أهل السنة والجماعة): أمر الله الأمة الإسلامية بالاجتماع على الحق، ونهاها عن التفرُّق والاختلاف، فقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا}، وقال سبحانه: {أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ عَنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَمَاتَ فَمِيتَتُهُ مِيتَةٌ -بِكَسْرِ الْمِيمِ مَصْدَرٌ نَوْعِيٌّ- جَاهِلِيَّةٌ»(6 ). ويجب التنبه هنا أن الجماعة كانت بوجود الإمام الأعظم (الخليفة) الذي يتولى حكم الأقطار الإسلامية. معنى لزوم الجماعة: والاجتماع قد يكون حسيًّا كاجتماع الناس في مكانٍ ما، وقد يكون معنويًّا كاجتماع الأمَّة على الإيـمان بالله ورسوله في رابطة إيمانية تتجاوز المكان، بل قد تتجاوز الزمان بالتواصل مع الأمة عبر التاريخ، وتقدير منزلة هذا التاريخ في إطار المرجعية، وهذا نراه أيضًا في أمم وعقائد مختلفة، فما معنى لزوم الجماعة؟ قال الإمام الشافعي في (الرسالة): «قال: فما معنى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم جماعتهم؟ قلت: لا معنى له إلا واحد. قال: فكيف لا يحتمل إلا واحدًا؟ قلت: إذا كانت جماعتهم متفرقة في البلدان فلا يقدر أحد أن يلزم جماعة وأبدان قوم متفرقين، وقد وجدت الأبدان تكون مجتمعة من المسلمين والكافرين والأتقياء والفجار، فلم يكن في لزوم الأبدان معنى؛ لأنه لا يمكن، ولأن اجتماع الأبدان لا يصنع شيئًا، فلم يكن للزوم جماعتهم معنًى إلا عليهم جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما، ومن قال بـما تقول به جماعة المسلمين -أهل السنة والجماعة- فقد لزم جماعتهم، ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أمر بلزومها»(7 ). أي أنه لم يعتبر الاشتراك في المكان دليلا على الانتماء للجماعة؛ بل يجب إظهار الموالاة لله ورسوله والرضى بمرجعية الشرع في الأمور على درجاتـها وعلى درجات الأحكام. وعليه فكلُّ مسلم: ليس له أن يخرج عن منهج أهل السنَّة والجماعة (في المنهج الاستدلالي وحجية الأدلة) في اعتقاده وتحليله وتحريمه. وليس له أن يخرج عن طاعة نظام الجماعة في غير معصية، سواء أكان المسلمون ذوي شوكةٍ وسلطانٍ أم لم يكونوا، كما في أوقات الفتن، أي احترام (النظام العام) في كلياته، ولو كان المسلمون أقلية؛ فعلى المسلم اتباع الشرع في أموره مع احترام النظام العام للدولة التي يعيش فيها، والحفاظ على الرابطة الإيـمانية بالأمة عبر الاحتكام للشرع على المستوى الفردي والاجتماعي حتى وإن عاش في ظل نظام قانوني له مرجعية وضعية.
(1) أخرجه الحاكم في مستدركه، في كتاب العلم في ثلاثة مواضع: 1/199، وموضعين في 1/ 201.
(2 ) رواه ابن ماجه في سننه 2/1303.
(3 ) أخرجه مسلم في صحيحه 6/20.
(4 ) الرسالة للإمام الشافعي، تحقيق: أحمد شاكر ص 475.
----

وشكرا جزيلا لك .
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 02-15-2012, 10:15 AM
ابو العبدين البصري ابو العبدين البصري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 2,253
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو صالح الفلسطيني مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك أخي المميز صاحب الإنتقاء المميز .

---
قال الإمام الألباني رحمه الله : كانت العلامة الواضحة التي يُعرَفُ بها أهل السنة والجماعة؛ هي التجمع حول إمام المسلمين الذي يحكم الأقطار الإسلامية، فلم يكن صعبًا في الماضي التعرف على جماعة الـمسلمين الواجب لزومها، ولكن بسقوط الخلافة الإسلامية، لم يعد للمسلمين إمام يجمع الجماعة الـمسلمة في كل أقطارها حتى تجتمع عليه، وما استحدث في نُظمِ الدول الحديثة، ومفهوم الدولة القومية أو الوطنية أبعدنا عن هذه العلامة التي كانت تيسر علينا معرفة مَنْ هم جماعة الـمسلمين.
ولم يبق لنا من العلامات التي ترشدنا للجماعة المسلمة التي يجب لزومها إلا مفهوم الكثرة من المسلمين، والسواد الأعظم الذي اجتمع عليه أغلب المسلمين سلفًا وخلفًا، فهذه هي جماعة المسلمين التي يجب لزومها.
ذلك لأن الأحاديث النبوية صرحت بهذا المفهوم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجمع الله هذه الأمة على الضلالة أبدًا» وقال: «يدُ الله على الجماعة فاتبعوا السواد الأعظم؛ فإنه من شذَّ شذَّ في النار»(1). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أمتي لا تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافًا فعليكم بالسواد الأعظم»(5 ). الأمر بلزوم الجماعة (أهل السنة والجماعة): أمر الله الأمة الإسلامية بالاجتماع على الحق، ونهاها عن التفرُّق والاختلاف، فقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا}، وقال سبحانه: {أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ عَنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَمَاتَ فَمِيتَتُهُ مِيتَةٌ -بِكَسْرِ الْمِيمِ مَصْدَرٌ نَوْعِيٌّ- جَاهِلِيَّةٌ»(6 ). ويجب التنبه هنا أن الجماعة كانت بوجود الإمام الأعظم (الخليفة) الذي يتولى حكم الأقطار الإسلامية. معنى لزوم الجماعة: والاجتماع قد يكون حسيًّا كاجتماع الناس في مكانٍ ما، وقد يكون معنويًّا كاجتماع الأمَّة على الإيـمان بالله ورسوله في رابطة إيمانية تتجاوز المكان، بل قد تتجاوز الزمان بالتواصل مع الأمة عبر التاريخ، وتقدير منزلة هذا التاريخ في إطار المرجعية، وهذا نراه أيضًا في أمم وعقائد مختلفة، فما معنى لزوم الجماعة؟ قال الإمام الشافعي في (الرسالة): «قال: فما معنى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم جماعتهم؟ قلت: لا معنى له إلا واحد. قال: فكيف لا يحتمل إلا واحدًا؟ قلت: إذا كانت جماعتهم متفرقة في البلدان فلا يقدر أحد أن يلزم جماعة وأبدان قوم متفرقين، وقد وجدت الأبدان تكون مجتمعة من المسلمين والكافرين والأتقياء والفجار، فلم يكن في لزوم الأبدان معنى؛ لأنه لا يمكن، ولأن اجتماع الأبدان لا يصنع شيئًا، فلم يكن للزوم جماعتهم معنًى إلا عليهم جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما، ومن قال بـما تقول به جماعة المسلمين -أهل السنة والجماعة- فقد لزم جماعتهم، ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أمر بلزومها»(7 ). أي أنه لم يعتبر الاشتراك في المكان دليلا على الانتماء للجماعة؛ بل يجب إظهار الموالاة لله ورسوله والرضى بمرجعية الشرع في الأمور على درجاتـها وعلى درجات الأحكام. وعليه فكلُّ مسلم: ليس له أن يخرج عن منهج أهل السنَّة والجماعة (في المنهج الاستدلالي وحجية الأدلة) في اعتقاده وتحليله وتحريمه. وليس له أن يخرج عن طاعة نظام الجماعة في غير معصية، سواء أكان المسلمون ذوي شوكةٍ وسلطانٍ أم لم يكونوا، كما في أوقات الفتن، أي احترام (النظام العام) في كلياته، ولو كان المسلمون أقلية؛ فعلى المسلم اتباع الشرع في أموره مع احترام النظام العام للدولة التي يعيش فيها، والحفاظ على الرابطة الإيـمانية بالأمة عبر الاحتكام للشرع على المستوى الفردي والاجتماعي حتى وإن عاش في ظل نظام قانوني له مرجعية وضعية.
(1) أخرجه الحاكم في مستدركه، في كتاب العلم في ثلاثة مواضع: 1/199، وموضعين في 1/ 201.
(2 ) رواه ابن ماجه في سننه 2/1303.
(3 ) أخرجه مسلم في صحيحه 6/20.
(4 ) الرسالة للإمام الشافعي، تحقيق: أحمد شاكر ص 475.
----

وشكرا جزيلا لك .
بارك الله فيك على هذا النقل الطيب زدت الموضوع فائدةً ونفعاً.
بوركتم ودمتم لنا أخا نافعاً.
__________________
قال الشاطبي _رحمه الله تعالى_ :" قال الغزالي في بعض كتبه : أكثر الجهالات إنما رسخت في قلوب العوام بتعصب جماعة من جهّال أهل الحق ، أظهروا الحق في معرض التحدي والإدْلال ونظروا إلى ضعفاء الخصوم بعين التحقير والازدراء ، فثارت من بواطنهم دواعي المعاندة والمخالفة ، ورسخت في قلوبهم الاعتقادات الباطلة ، وتعذر على العلماء المتلطفين محوها مع ظهور فسادها".
الاعتصام للشاطبي (1_494).

قلت:رحم الله الشاطبي والغزالي لو رأى حالنا اليوم كم نفرنا اناسا عن الحق وسددنا الطريق على العلماء الناصحين الربانيين؟!
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 08-28-2014, 11:47 PM
ابو صالح الفلسطيني ابو صالح الفلسطيني غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 1,403
افتراضي

رفع الله قدرك يا أبا العبدين وحفظك أينما حللت .
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:49 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.