أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
32938 81299

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منبر الموسوعات العلمية > قسم الأشرطة المفرغة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-16-2011, 06:48 PM
عمربن محمد بدير عمربن محمد بدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 12,045
Lightbulb مُقَدّمَاتٌ فِي شُرُوطِ العِلْمِ الشّرْعِيّ وَ طَبَقاته / للشيخ العالم : يوسف الغفيص

مُقَدّمَاتٌ فِي شُرُوطِ العِلْمِ الشّرْعِيّ وَ طَبَقاته / للشيخ العالم : يوسف الغفيص

http://www.forums.el-houda.org
/showthread.php?t=2699بسم الله الرحمن الرحيم




مقدمات في شروط العلم الشرعي وطبقاته
- للشيخ المتفنن يوسف الغفيص - حفظه الله


هذه محاضرة مهمة لطالب العلم الشرعي ، ألقاها الشيخ العالم يوسف الغفيص - حفظه الله - في دورة التأصيل العلمي ، بجامع الامام محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله ، بالبريدة 14-5-1431 هـ



أسال الله ان يجزيه خير الجزاء ... آمين



ملحوظة : عنونوا لهذه المحاضرة بـ : التأصيل في دراسة علم العقيدة ، ولما فرغتها وتمعنت فيها لم اجد ما يمد بصلة الى هذا العنوان الا في مواضعَ قليلة جدا ، فاقتبست من حرف الشيخ وكلامه عنوانا وهو : [ مقدمات في شروط العلم الشرعي وطبقاته ]



تنبيه:كان التفريغ لهذه المحاضرة حرفيا ولله الحمد ولم أتصرف إلا فيما يلي :
اولا: حذفت التكرار العفوي الذي يكون من اي احد اثناء الإلقاء ، وهذا في ثلاثة مواضع فقط ، حذفت : استدراكا للشيخ حيث قال فيه جملة ثم قال : عفوا اقصد كذا ، وأبقيت الجملة المصححة الاخيرة
ثانيا: ما كان من الكلمات مبهما جعلت مكانه نقاطا ( ..... ) و هي خمسة مواضع
ولا حول ولا قوة الا بالله تعالى




قال الشيخ حفظه الله ورعاه



... كما في مثل قوله سبحانه { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء }فاطر28 ، ولهذا فإن الناظر فيه والطالب له ، إنما يطلب شرفا ويطلب عبادة وإنما فضل الله الرسل عليهم الصلاة والسلام على سائر الخلق بهذه النبوة وهذه الرسالة التي اصطفاهم بها وهي المتضمنة لهذا العلم الالهي ، وأشرف العلم الالهي وأعظمه هو المنزل على الرسل عليهم الصلاة والسلام في الكتب السماوية واجلها خاتمها وهو القران وعن هذا قال الله سبحانه وتعالى {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ }آل عمران81 ، قال ابن عباس رضي الله عنهما ( أخذ الله الميثاق على الانبياء لما آتاهم من كتاب وحكمة ) أي بما آتاهم من الكتاب والحكمة أن إذا بعث محمد صلى الله عليه وسلم ، أن يتبعوه وأن يؤمنوا به وأن يصدقوا بما جاء به .



مع علمه جل وعلا أن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتمهم ، ولكن هذا من تشريف الله لهذا النبي ولهذا النور المنزل عليه ولهذا قال الامام ابن تيمية رحمه الله ( لو أن الحكمة التي بُعث بها النبي صلى الله عليه وسلم جمعت الى غيرها لما أمكن المقابلة بين هذا وهذا ) لان الله جعل هذا الكتاب وجعل هذا النبي صلى الله عليه وسلم ، جعله خاتم الانبياء ومبعوثا الى الخلق كافة كما في خصائصه التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما من حديث جابر ابن عبد الله وأبي هريرة وغيرهم ( فضِّلت على الانبياء بستّ ) وفي وجه من الرواية ( فضلت على الانبياء بخمس ) ومنها ( وارسلت للخلق كافة ) ومنها ( أوتيت جوامع الكلم ) وفي لفظ ( أعطيت جوامع الكلم ) فهذا من تمام شرفه ومقامه صلى الله عليه وسلم



وعن هذا سمى النبي صلى الله عليه وسلم هذا العلم ميراث الانبياء وقال ( إن الانبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكن ورثوا العلم ) فالعلم أعني علم الشريعة من أشرف المقامات عند الله سبحانه وتعالى ، بل هو أحد ركني الايمان ، وأحد ركني التوحيد وأحد ركني العبودية ، وذلكم أن حقيقة الايمان بالله سبحانه وتعالى ، وتوحيده وعبوديته هو معرفة الله سبحانه وتعالى وعبادته ، حقيقة الايمان وحقيقة التوحيد وحقيقة العبودية وحقيقة الصراط المستقيم هو معرفة الله سبحانه وتعالى وعبادته



ومعرفته جلّ وعلا إنما تكون بهذا العلم الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم وأنزله عليه كتابا مبينا وفصلا وهدى ورحمة للناس ، ومن هنا فان طالب العلم وهو ياخذ منه او ياخذ بشيء من سبيله وطلبه والنظر فيه فليعلم انه في أشرف المقامات وعلى آثار الانبياء عليهم الصلاة و السلام ، وهذا مقام لكونه معلوم من الدين بالضرورة ولكونه مستقرا عند سائر المسلمين ، من خاصة المسلمين وعامتهم لا يستطال بالقول في ذكره أكثر من هذا اختصارا للوقت الذي بين يدينا ، فهذه المقدمة الاولى في فضل علم الشريعة



المقدمة الثانية: إذا عرفت فضل علم الشريعة فاعلم ان لعلم الشريعة شرطا ، وكل علم له شرط ، وهذا العلم اعني علم الشريعة له شرط وهو أوجه ثلاثة ، ولك أن تقول : وله ثلاثة شروط :
الشرط الاول : الشرط الايماني
الشرط الثاني : الشرط الاخلاقي
الشرط الثالث : الشرط الفقهي



أما الشرط الاول: وهو الشرط الايماني ، فيجب ان يكون طلب العلم ، أيا كان اسمه مادام انه في جملة علم الشريعة فيجب أن يكون خالصا لله سبحانه ، وذلكم أنه عبادة ، ومعلوم ومستقر أن العبادة يجب أن تكون خالصة لله سبحانه ، فهذا الشرط الايماني : أن يكون العلم خالص لله ، كغيره من العبادات واذا كان يقع لك بالادراك أن الصلاة وأن الصيام لابد فيهما من الاخلاص لله سبحانه وتعالى ن وهذا لا يشك فيه مسلم ولا يجهله مسلم ، أن الصلاة او الصيام لابد فيها من الاخلاص لله ، فإن علم الشريعة كذلك يجب الاخلاص فيه لله سبحانه وتعالى



وينافي هذا الشرط الايماني وهذه القاعدة الايمانية ينافيها امور :
الامر الاول : نقص مقام الاخلاص فيه ، كان يكون غرضا لحظ النفس ونحو ذلك ، وما ينافي الاخلاص ليس وجها واحدا حتى يحصر ، وعن هذا النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث ابي موسى لما قيل له يا رسول الله ان الرجل يقاتل للمغنم ويقاتل ليرى مكانه ويقاتل شجاعة فأي ذلك في سبيل الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم في بلاغته وفصاحته وبيانه صلى الله عليه وسلم ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله )
لان المنافي للاخلاص ليس وجها واحدا حتى يحصر ، لهذا نقول : المنافي للاخلاص هنا يكون بنقص مقام الاخلاص ن وللالتفات بعلم الشريعة الى غير وجه الله سبحانه وتعالى ، ولهذا قال الله تعالى {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ }آل عمران187 ، هذا هو المقام الاول وهو : حفظه بإخلاصه عملا لله سبحانه وتعالى ، وقربة لله وحده ، وينافيه نقص الاخلاص او فواته





وينافيه كتمان العلم ، وذلكم ان الامم الكتابية المنحرفة عن كتابها وقعت في هذه الاوجه من المنافات قال الله عنهم {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ }آل عمران187 ، هذا وجه من المنافاة قال { واشتروا به ثمنا قليلا } قال الله بعد ذلك { فبئس ما يشترون }



الوجه الثاني من المنافاة كتمانه قال الله جل وعلا {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ }البقرة159 ، فالعلم علم الشريعة ليس ملكا للانسان ، مهما بلغ في العلم مبلغا ، فإنه لا يملك هذا العلم كالعلوم المادية ، هذا حق لله وحده لا يجوز كتمانه ، ويقابل الكتمان في ذم الله له خُلق آخر وقعت فيه بعض الامم الكتابية ايضا وهو : القول على الله بغير علم ، ولذلك فإن هذين الخلقين ، الذين وقعت فيهما بعض الامم الكتابية وضل فيهما من ضل ، يجب على طالب العلم أن يكون معتدلا ومقتصدا في الانفكاك عنهما ، فلا يحمله عدم كتمان العلم على الزيادة فيقع في القول على الله بغير علم ، ولا يحمله درء القول على الله بغير علم الى الغلو حتى يقع في وجه من كتمان العلم



فإن سنة الانبياء عليهم الصلاة والسلام على تحقيق هذا المقام لا يقولون على الله بغير علم ولا يكتمون ما انزل الله ، فلابد من ضبط هذا المعيار ووزنه بميزان الشريعة ، كتمانه الذي ذمه الله في مثل قوله {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى }البقرة159 ، وكذلك القول على الله بغير علم وذلك من اعظم الضلالات وأعظم المحرمات ، حتى أن الله تعالى لما ذكر أصول المحرمات في كتابه جعل منها وأخصها : القول عليه سبحانه وتعالى بغير علم وهو وجه من الكفر فيه احيانا قال الله تعالى {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }الأعراف33 ، والقول على الله والقول في الشريعة بغير علم هذا من اعظم الضلالات ، وهذا مقام ينافي تحقيق الشرط الاول الذي هو الشرط الايماني وهو : الاخلاص لله سبحانه وتعالى



وهذا لا يختص - اعني القول على الله بغير علم - لا يختص بالاصول بل حتى في مفصل التشريع والأحكام ، فإن الله حرم القول عليه بغير علم حتى في مفصّل الاحكام التي مبناها على ........ في الجملة ، فإنك تعلم ان الله سبحانه وتعالى لمّا ذم من ذم من الامم الكتابية قال الله تعالى {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ } [ لاحظوا الرد ، قال : كل الطعام كان حلا لبني اسرائيل . الموضوع هنا ليس موضوع عقائد مِن بَعْد بل اصول كلية أحكام في مفصل التشريع ومع ذلك نهى الله عليهم القول عليه بغير علم وسماه كذبا ] {فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }آل عمران94 ، وتجد في مثل قوله {وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَـذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً }الأنعام144 ، هذا في ختام الحلال والحرام ، ومع ذلك سمى الله تعالى هذا القول منهم ، وهذا الحكم منهم لما كان منافيا لما بعث الله به الانبياء ولما نزل في الشريعة سماه كذبا عليه ، فالقول على الله بغير علم مقامه شديد ، سواء كان ذلك في الاصول وهو أعظم ، أو كان ذلك في فروع الشريعة فإن الله ذمم القوم من أهل الكتاب الذين قالوا في أحكام الشريعة كذبا على الله كما في مثل هذا السياق وذلك السياق من القران



إذن ينافيه نقص مقام الاخلاص او فواته ن ونيافيه كتمان العلم وينافيه القول على الله بغير علم



الشرط الثاني: وهو الشرط الاخلاقي ، فإذا وقع لك العلم خالصا لوجه الله وأخلصته عبادة لله وحده ، فاعلم أن لعلم الشريعة لشرفه ومقامه فإن له شرطا أخلاقيا ، والمقصود بالشرط الاخلاقي ان يكون هذا العلم عدلا ورحمة للخلق فان الله ما بعث الانبياء إلا هداة ، وإلا دعاة ، وإلا رحمة للعالمين و قال عن سيدهم وإمامهم صلى الله عليه وسلم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107 ، ولا يكون رحمة إلا بالعدل ، فلابد من حفظ مقام الشرط الاخلاقي ويراد به : أن يكون العلم عدلا ورحمة



ولهذا لما ذكر الله العبد الصالح وهو الخضر رضي الله تعالى عنه وليس نبيا عند عامة أهل العلم وجماهيرهم وهو الصحيح لكنه كان رجلا صالحا في بني اسرائيل وعلى علم من علم الله كما في سعيد ابن جبير عن ابن عباس في الصحيح وغيره لما ذكر الله الخضر في كتابه قال {فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً }الكهف65 ، قال { فوجدا } أي موسى وفتاه ، { عبدا من عبادنا } وإضافته الى الله على سبيل التشريف واختصاصه بفضل من الله قال { آتيناه رحمة من عندنا } وأضاف الرحمة إلى انها فضل من الله قال { آتيناه رحمة من عندنا } والضمائر هنا كلها متصلة بتحقيق اصطفاء الله له نوع اصطفاء، وان لم يكن اصطفاء النبوة والرسالة ، قال { وعلمناه } ايضا اضاف التعليم اليه سبحانه ، قال { من لدنا } ، وهذا العلم اللدني بمعنى ك أنه مقطوع عن سببه ، بل فضل وبركة من الله سبحانه وتعالى ، وإن كان ليس على المعنى الذي يقوله الصوفية في بعض الاوهام والخروج عن السنن والاثار عن مثل هذه الدعوة ، فإن الخضر كان في بني اسرائيل وما كانت رسالة موسى صلى الله عليه وسلم عامة ، بخلاف رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فإن رسالته لجميع الخلق ويجب على جميع المكلفين من الانس والجن اتباعه وطاعته والتصديق بما جاء به ولكن الله قال في هذا الموضع من كتابه قال {فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً }الكهف65 ، قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله : ( علم بلا رحمة لا ينفع ، ورحمة بلا علم لا تنفع ) ، قال ( فإنه اذا كان علما بلا رحمة كان بغيا ، واذا كانت رحمة بلا علم صارت ضلالا عن الحق ) ولهذا فان العلم يجب ان يحفظ شرطه الاخلاقي ، وهو مع كثير من الاسف قليل العناية لدى كثير من المنتسبين له ويقصد هنا : أن يكون العلم عدلا وأن يكون رحمة ، فلا يمال به عن كونه عدلا وقسطاسا مستقيما وميزانا وفصل خطاب يبين به الحق من الباطل ن ولا يمال به عن كونه رحمة ايضا



بل لابد من جمع المقامين وإن الله سبحانه وتعالى ، ترى فيما ذكره عن بعض الامم الكتابية المنحرفة عن كتابها انهم انما ضلوا بما سبق من الضلال في الشرط الايماني كما سبق ان اشرنا اليه في سياق القران ، فإن ثمة وجها من الضلال بسبب فوات الشرط الاخلاقي اذا كان الله سبحانه وتعالى كما ترى في قوله {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً }آل عمران187 ، هذا فوات للمقام الايماني ، فتقرأ في القران من ضل بسبب فوات الشرط الاخلاقي وهو في قول الله كثير ومنه قوله سبحانه {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ }آل عمران19 ، بغيا بينهم : أي فات مقام العدل وفات مقام الرحمة ، ومن مفصّل بغيهم المنصوص في القران قوله سبحانه {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ }البقرة113 ، وعن هذا قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ( ان هذا الخلق الذي وقعت فيه بعض الامم الكتابية المنحرفة عن كتابها عرض لبعض المنتسبين للشريعة والعبادة من هذه الامة ) يقول رحمه الله ( فترى ان بعض المتفقهة لا يرى بعض المتعبدة على شيء ، وترى بعض المتعبدة لا يرى بعض المتفقهة على شيء ) فهذا وجه ولكن البغي اكثر من ذلك ، ولهذا كان من هدي أهل السنة والجماعة وقواعد الشريعة المفصح عنها في القران والسنة ، ترك الاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق ، قال الله تعالى {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ }النحل90 ، وقال تعالى {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ }العنكبوت46 ، وهذا تحقيق مقام العدل ، يقول الامام ابن تيمية رحمه الله وهو يذكر بعضا من صفات اهل السنة ومنهجهم يقول ( ويرون - يعني اهل السنة - ترك الاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق ) أما اذا كان الانسان ليس له علم أو دليل فان استطالته تكون سفها ولا تقع الا من جاهل ذي حمق ونقص في عقله ورأيه



لكن المقام الذي يلتبس وربما التبس على بعض الفضلاء هو الاستطالة اذا كان ذا حق اي الحق معه والجملة هنا تقول ( ويرون ترك الاستطالة على الخلق بحق او بغير حق ) لان الله اوجب العدل ، ولهذا ترون في مفصل السنة لما أُتي بعبد الله وكان يلقب او يدعى حمارا ، كما في صحيح البخاري وغيره ، وقد شرب الخمر فامر به النبي صلى الله عليه وسلم ان يجلد ، فقال رجل : لعنه الله ، ما أكثر ما يؤتى به من شرب الخمر . ظن هذا الرجل ان هذه الكلمة صحيحة في مقامها وانها غيرة على دين الله هنا أتى النبي صلى الله عليه وسلم على مقام نبوته وعلى تمام رسالته بتحقيق أصول العلم وأصول العدل فقال صلى الله عليه وسلم ( لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله ) فهذا التوازن بين حفظ الشريعة ، النبي صلى الله عليه وسلم ما تركه ولا صحح فعله ولا درع عنه ذما مطلقا إنما لما كان الذم بوجه من اللعن نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعنه وقال ( لا تلعنه فانه يحب الله ورسوله )



ولهذا شرع الله سبحانه وتعالى الحدود وجعلها كفارات كما في حديث عبادة ابن الصامت وغيره ، فالحدود هي شريعة من الله وفيها قوة على الانسان ، والحد قد يكون بذهاب النفس كما في القصاص وقد يكون دون ذلك وقد يكون رجما وقد يكون جلدا على اوجه الحد المختلفة ومع ذلك فان هذه الحدود هي على هذا الوجه من المقام عدل ولكنها كفارات وهي على هذا الوجه من المقام رحمة لان هذا العذاب الذي في الدنيا وهذا الالم الذي في الدنيا هو أهون من عذاب الله سبحانه وتعالى ولهذا يرجى ان تكون كفارة لصاحبها وأمره الى الله سبحانه وتعالى المقصود ان هذا الشرط لابد من حفظه وفقهه ، بان يكون العلم عدلا ورحمة ولا يكون بغيا بين المسلمين بل لا يكون بغيا بين العباد لان الله جعله صراطا مستقيما ، وعلم الشريعة هو الصراط المستقيم المذكور في مثل قول الله { اهدنا الصراط المستقيم } فان الصراط المستقيم هو القران وهو السنة وهو العلم وهو حبل الله ، وتفسير السلف والائمة من الصحابة ومن بعدهم لذلك هو من اختلاف التنوع وليس من اختلاف التضاد بل ربما هو اختلاف لفظي لا يقع متنوعا اصلا ، وما تنوع منه فانه على هذه المادة وليس على مادة التضاد



الشرط الثالث : الشرط الفقهي
ولا يراد بالفقه هنا المعنى الخاص بالاصطلاح الذي سميت به فروع الشريعة وإنما يراه بالفقهي هنا الفقه باسمه العام ، وهو الاسم الشرعي العام له المذكور في مثل قوله صلى الله عليه وسلم ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ) والمذكور في مثل قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه لابن عباس ( اللهم فقهه في الدين ) ، فإنك اذا عرفت مقام الاخلاص وحفظته وابتغيت سبيله وحفظت مقام الاخلاق لهذا العلم وعرفت سبيله وهنا تبتغي فقهه اعني فقه علم الشريعة



وفقهه بمعرفة طبقاته وذلكم ان علم الشريعة طبقات كما قال الامام الشافعي رحمه الله يقول الامام الشافعي ( العلم طبقات ، وهي خمس ) اي خمس طبقات ، وإن اتى بها الامام الشافعي على وجه من الترتيب العلمي الذي قد يكون ليس مقاربا لكثير من الافهام وصار من القصد الى تقريبها وتعديل معانيها على وجه من التنوع وليس على وجه من المنافاة فيما ذكر الشافعي ، وإنما الشاهد من قوله ( ان العلم طبقات ) وهذه الكلمة كلمة عقل وحكمة أريد بها أن العلم يؤخذ على أوجهه وهذا هو المقصود بالشرط الفقهي فلا يتقحم الطالب والباحث والناظر في علم الشريعة ، لا يتقحم في هذا العلم تقحما ، فتجد أنه مرة في طرفٍ منه ، وتجد أنه تارة في أعلى منه وتجد أنه تارة في وسط منه فلا يكون له ميزان ومعيار وجادة فيه بل لابد أن يعتبر بطبقاته ، وطبقاته خمس فيما يظهر من النظر والاستقراء .



الطبقة الاولى : أوائل العلم ، أوائل علم الشريعة
الطبقة الثانية : أصوله
الطبقة الثالثة : بيانه المجمل
الطبقة الرابعة : قواعده
الطبقة الخامسة : فقهه وتخطيطه



والمراد بأوائل العلم ، ما يقصد الى اخذه للمبتدئ في طلب العلم ، ولا يراد بذلك المختصرات العلمية فحسب ، بل اوائل العلم اولها واخصها هو : الاقبال على القران تجويدا وحفظا له ، هذا أول مقام في العلم ، هو الاقبال على كتاب الله ، معرفة لحروفه وقراءته ، والقصد إلى حفظه ، أو تقول الشروع في حفظه



وكذلك الاخذ لجمل النبي صلى الله عليه وسلم وثمة مختصرات في السنة وهذا اول العلم وهو الاقبال على القران وعلى شيء من السنة في ابتداء الطلب الى ان يستفصل في معرفة السنة بعد ذلك
ثم بعد هذا الاخذ بشيء من المختصرات المؤلفة في جمل علوم الشريعة ، كجمل علم أصول الدين وعلم أصول الفقه والتفسير والحديث وعلومه والفقه وقواعده وهذا كما تعلم فيه مختصرات كثيرة ، فتأخذ مختصرا في الفقه كالزاد مثلا أو كالدليل ، أو كالعمدة لابن قدامة لمن كان حنبليا ، ومن لم يكن حنبليا فيبتغي مختصرا من مختصرات مذهبه شافعيا او حنفيا او نحو ذلك ، وتأخذ في اصول الدين والعقيدة بعض المختصرات فيها ، من المختصرات فيها اذا كان الزاد يذكر ونحوه في الفقه ن فتذكر هنا بعض الرسائل ، كالرسالة الطاحوية وكالرسالة الواسطية ونحو هذه الرسائل ، وكذلك في الاصول بعض المختصرات فيه أو بعض ما كتب من كتابات المعاصرين التي تقرب علم اصول الفقه الى الافهام والمدارك وهلم جرا في بقية العلوم



وهذه الطبقة وهي اوائل العلم ينبغي ان لا يطيل الطالب فيها ، لان من الخطأ الذي ينبع في المنهج هنا أن بعض الناظرين والطلبة في ابتداء طلبهم للعلم يجلسون السنين الطويلة وهم يقلبون عددا محصورا من المختصرات وهذه ابتداء في العلم ، لا توجب فتوى ، او لا يحصل بها افتاء ولا يحصل بها تعليم ولا يحصل بها قول ولا يحصل بها تدريس هذه تعريف فقط لأوائل العلم ، فلا يستطال فيها كثيرا ، بل ينتقل الى ما بعدها ، الى الطبقة الثانية .



والطبقة الثانية : أصول العلم
فغذا عرفت من الفقه فصلا ومختصرا ، وعرفت من اصول الدين فصلا ومختصرا أي كتبا وعرفت جمل مسائل أصول الدين وعرفت في اصول الفقه فصلا ومختصرا وعرفت من التفسير فصلا ومختصرا ، ولا يقصد بالفصل هنا الفصل بمعناه البحثي المعاصر ، إنما فصلا بمعنى حظا منه ، كأن تأخذ في التفسير تفسير البغوي مثلا ....... أو تفسير ابن كثير وهنا أتيت على جُمل تفسير القران ، لكنك لا تستفصل بالبحث في أحكامه وبلاغته والاثار في تفسيره وما إلى ذلك ، فإذا عرفت فصلا ومختصرا مع اقبالك قبل ذلك على القران حفظا وتجويدا وشيئا من السنة فتاتي بعد ذلك الى الطبقة الثانية في العلم وهي اصوله



وأصوله أعني أصول علم الشريعة هي القران والحديث ، القران والسنة ، فلابد في هذه الطبقة الثانية اذا جعلت لها مدة وزمنا من وقتك لابد أن تستم فيها حفظ القران ، لم تكن وُفقت الى اتمامه في الاول فلابد في هذه الطبقة من اتمام حفظ القران وهذا الذي درج عليه الائمة من الفقهاء والمحدثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من ائمة القرون الثلاثة الفاضلة ومن بعدهم من اهل العلم والفقه والحديث كانوا ....... ولا تجد عالما ولا فقيها الا وهو يحفظ القران ، فلابد من الاقبال على حفظ القران ويُستتم الى ابعد مقام يستتم في الطبقة الثانية .



ثم في هذه الطبقة الاقبال على السنة مع القران فإن كنت ممن اتاه الله حفظا ، وهذه ملكة وليست اختيارا في الجملة ، فإن كنت ممن يسر الله له العلم ، فأقبل زمنا من عمرك على حفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بحسب المقام وبحسب الحال وبحسب الامكان ، فمن كان ذا قدرة على حفظ اصول كتب السنة وهي الكتب الستة أو زاد عليها الى التسعة ، فهذا خير كثير ، بان يحفظ البخاري ومسلما ، يعني صحيح البخاري وصحيح مسلم والسنن وإن كان دون ذلك فياتي على المختصرات منها او ما يستطيعه ، ولكن من كلّ وقته ، أو استطاعته وإمكانه عن الحفظ فلابد له من كثرة النظر في السنة ، وطالب العلم يبقى ناظرا في السنة ، يقرأ في مفصل كتب السنة ومنها الكتب التسعة التي اشرت اليها وهي صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن النسائي وسنن ابي داوود وجامع الترمذي وسنن ابن ماجة ومسند الامام احمد و موطأ الامام مالك وسنن الدارمي ، هذه الكتب التسعة ينبغي لطالب العلم ان يقبل للنظر فيها وأن يتأمل فيها وأن يكون على نوع من الاستظهار والمعرفة ولاسيما في احاديث الصحيحين .



ثم اذا انتقل الى طبقة بعد ذلك يستكمل العناية بما زاد على ذلك ، لماذا نقول هذا ؟ لان من اوجه الغلط التي تقع اليوم ضعف المعرفة بالاثار والسنن ، ولربما الانسان بلغ نوع مقام في العلم وهو يجهل كثيرا من الاحاديث حتى في الصحيحين لأنها ما مرت عليه بمناسبة مسالة من المسائل او بحث من البحوث وهذا خطأ ، السنة لابد أن تُستفصل لأنك لا تبحث عن الحديث اذا قام سببه المعين في فرع من الفروع ، كأن تكون تبحث مسالة فقهية فترى ان هذا الحديث يصح أن يكون دليلا فيها فتبحث لهذا السبب هذا بحث صحيح لكنه ناقص ، والانسان لا يكون فقيها ولا يكون مدركا لمقاصد الشريعة وأحكامها ، إلا إذا كان مستظهرا لجملة واسعة من السنة مع القران ، اما أنه يبتدئ المسائل إذا اراد بحثها وكثير من النصوص ليست في روعه ولا في إدراكه ولها - باعتبار -كما تعلم أن نصوص الشريعة منها العام ومنها الخاص والمطلق والمقيد ، ودلالاتها على الاحكام متعددة ومتنوعة ، ولهذا البصير بالاثار تقوى حجته كما قال الامام الشافعي رحمه الله ( من حفظ الحديث قويت حجته )



السنة نور لا ينبغي ان لا يلتفت إلى البحث فيها الا عند قيام السبب لفرع فقهي ، هذا ضيق في البحث ، الاقبال على قراءة السنة ، ومن استطاع الحفظ فالحفظ هو الاول ولكن عامة الناس إنما يستطيعون مقاما من هذا ومقاما من هذا وهذا في الجملة حال عامة الناس القاصدين للعلم انهم يحفظن شيئا ويستظهرون شيئا ولا يقصد في ذلك الغلو في هذا المقام الى درجة انه لا يفوته شيء فهذا مقام يكاد ان لا يوجد او يكون عزيزا ن ولربما أنه ذهب مع ذهاب سلفٍ من ائمة الحديث المتقدمين ، إنما المقصود هو نوع من السعة في معرفة الاحاديث ولهذا لو سالت نفسك بعد سنين : هل - على اقل الاحوال - انك قرات الكتب التسعة قراءة كاملة قراءة متأنية ومثل هذا المعنى ، اصول علم الشريعة سواء كان عقيدة أو كان فقها او اصول فقه أو تفسيرا أو ما إلى ذلك هو القران والسنة



فهذا هو اصل العلم الشرعي : الكتاب والسنة ، ويجب العناية بها والاقبال عليها ولا ينزع طالب العلم هنا نزعا غريبا فاذا قرا شيئا من السنة أو حفظه صار يقول في المسائل بحجة ان هذا مطابق للحديث ، هذا غلط ، ما يقول في المسائل الا بشرط آخر وهو الفقه ، فليس كل من حفظ يكون فقيها والنبي صلى الله عليه وسلم قال - كما ثبت عنه - ( رب حامل فقه ليس بفقيه فيه ، رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ) فلا ينزع نزعا غريبا بما حفظ من الحديث ، ولكن هذا الغريب لا يمكن أن يُعطّل مقام حفظ السنة لعروضه من بعض احاد الناس ، فهذا غلط يصان العلم عنه



بل اذا حفظت شيئا من السنة وأدرك شيئا من السنة مع القران فلا تقل في مسالة كما قال الامام احمد ( الا ولك فيها إمام ) قال الامام احمد رحمه الله ( لا تقل في مسالة الا ولك فيها امام ) ، وانظر كلام الفقهاء بعد ذلك ، وهذا ما نقصده بالطبقة الثالثة



الطبقة الثالثة: وهي بيان جمله وهنا تقرأ جمل تفسير القران ، وجمل شرح السنة دون الدخول في تفاصيل المسائل ، وأحوالها وما فيها من اجماع وما فيها من خلاف هذا ليس في هذه الطبقة ، وإذا حفظت القران وشيئا من السنة ونظرت نظرا مفصلا في كتب السنة فاقرا بيانها المجمل ، نقصد بالبيان المجمل هنا ، أن تقرا مثلا في شروح السنة فتح الباري ، وفتح الباري لم يفصل جميع فقه البخاري ولكن فيه مادة حسنة وواسعة من البيان ، لكنه ما ذكر احكام العبادات على التفصيل كما يذكره الفقهاء في كتاب الصلاة من البخاري ، أو المعاملات وما إلى ذلك



ومن الكتب المبينة للسنة كتاب الاستذكار وكتاب التمهيد لابي عمر ابن عبد البر ، وكتاب التمهيد كتاب متيسر اسلوبه سهل في الجملة مع انه كتاب جامع وكاتبه ومؤلفه عالم فقيه حافظ وهو الامام ابو عمر ابن عبد البر من المالكية كتب التمهيد على موطأ الامام مالك حتى قال ابن تيمية رحمه الله ( إنه لم يُكتب في شرح حديث الرسول مثل هذا الكتاب ) انا اوصي به طلبة العلم في هذه الطبقة ان يقرأ كتاب التمهيد وأن يقرأ كتاب فتح الباري وبعض شروح السنة المشهورة كشرح بلوغ المرام مثلا وكشرح ........ ونحو هذه الشروح بحسب ما يتيسر له.



ويقرا قبل ذلك في القران اسنادا اعلى في التفسير وإن كان أخذ مختصرا في الطبقة الاولى فيقرأ هنا تفسيرا مفصلا ، كتفسير الامام ابن جرير رحمه الله ، وبهذا يعرف الطالب بيان جمل النصوص ، نصوص الكتاب ونصوص السنة ، هذه الطبقة الثالثة .



الطبقة الرابعة : قواعده



علم الشريعة له قواعد ، لان الله لما ذكر القران ، قال في صفته {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82 ، القران لا اختلاف فيه ، هذا معناه يقع على أوجه لكن من المقصود في هذا المقام أنه لا يُ فرق بين لمثيل ومثيله ، ومن معنى انه لا اختلاف فيه أن أحكامه معللة ومسببة ، ومن معنى انه لا اختلاف فيه أنه لا ينافي العقل ، ومن معنى انه لا اختلاف فيه أي لا تضاد فيه ، ومن ذلك أنه لا ينافي الفطرة ... الى غير ذلك من الاوجه فالقران كما وصفه الله {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82 ، اذن لا اختلاف فيه



ما الذي يضبط لطالب العلم درء الاختلاف في الاحكام ؟ فيصبح يقول في المسالة بالجواز وإذا جاءت أختها ومثيلتها في باب اخر توهم وقال بالتحريم مع ان مقامهما واحد ، وكيف يفرق بين الاوجه التي يتوهم انها متفقة وهي مختلفة ، هذه المعايير من الاجتماع والافتراق ن هذا فقه دقيق ن فقه اجتماع المسائل وافتراقها هذا فقه دقيق ، لكن نشير هنا الى شيء من العناية به في هذه الطبقة وهو المعرفة بقواعد الشريعة ، لابد ان تعرف قواعد الشريعة في اصول الدين وقواعد الشريعة في فروع الدين و تاخذ في هذا فصلا مثل ما سبق كتبا ولو يسيرة لكنها تعرفك بشيء من قواعد الشريعة وعصمها العامة ، سواء كان ذلك في اصول الدين او في فروعه .



ومن الفروع ما يسمى بالقواعد الفقهية فتاخذ جملا من القواعد الفقهية كقاعدة ( الضرر يزال ) قاعدة ( اليقين لا يزول بالشك ) قاعدة ( العادة محكمة ) مثل هذه القواعد ، ومثله في اصول الدين قاعدة الاجماع ، وقاعدة السنة ، وترك الابتداع الى غير ذلك فتاخذ القواعد اخذا مقتصدا



الطبقة الخامسة: اذا عرفت بابا وفصلا حسنا من قواعده ، اي من قواعد علم الشريعة من اصول الدين وفروعه ، الطبقة الخامسة هي :


الفقه والتحقيق



وهذه لا نهاية لها ، فان الطالب والباحث والعالم والفقيه ، بل والمجتهد لايزال يبحث في هذا النور وفي هذا الحق المبين من قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم ن فالطبقة الخامسة هي تحقيقه وفقهه ، حتى يكون فقيها ، فانه ليس كل من قال في العلم صار فقيها فيه ، ولهذا يجب على طالب العلم ان يحفظ نفسه معتدلا لا يعطل ما اتاه الله من العلم ولكن لا يقول في المسائل التي لا يحتملها علمه وادراكه ، وهذه مسالة مهمة ان طالب العلم لا يقول في المسالة الا في المسائل التي يحتملها مقامه من العلم وادراكه في العلم ، ولهذا لا يليق به في ابتداء طلبه ان يتقحم القول في المسائل او القول في الفتوى أو ما إلى ذلك



إذن طبقات العلم خمس : أوائله ، وأصوله ، وبيان جمله ، ......... والقواعد ، ثم الطبقة الخامسة وهي تحقيقه والفقه فيه ، وهذه بقراءة مفصلة للفقه ، وقراءة مفصلة لمسائل اصول الدين وقراءة مفصلة لمسائل اصول الفقه ، وقراءة مفصلة لمسائل التفسير والحديث وعلوم الحديث ... الخ هذا فقه مستطيل اي عريض وطويل ولا تمام فيه لاحد وربما يسر الله تعالى لبعض اهل العلم جمعا فيه وربما بان لبعض منه اختصاص في باب منه أكثر من الباب الاخر كما كان سالفا في التاريخ ان اشتهر قوم من لكوفيين بالفقه اكثر من الرواية ، وبعضهم من البغداديين وغيرهم بالرواية أكثر من الفقه ولكن هذا له تفصيل واسع في كتب العلم في دراستها وفي تحقيق القول فيها



المقدمة الثالثة : معيار اخذ علم الشريعة
وهذا يتعلق بتقسيم العلوم ، كما في المنطق ، فان ثمة المقدمات والنتائج ، فهذا تقسيم ، فان بعض العلوم رتبته على انه من مقام المقدمات ، وبعض العلوم رتبته على انه من مقام النتائج وهذا التصور لهذه الصلة ، يوجب حسن فقه ، كما لو درست علم اصول الفقه ، والفقه ، فإن علم اصول الفقه مقدمة لهذه النتيجة وهي الفقه واصول الفقه مقدمته ، فحسن المعرفة بهذا المعيار بين هذا العلم بين علم اصول الفقه والفقه يعطي طالب العلم حسن تصور لمسائل الاصول ولمسائل الفقه ، لماذا يقال هذا ؟ لا يدرس علم اصول الفقه منفكا ومنقطعا عن علم الفقه ، فلا يحفظ من كلام الاصوليين الا جملا من تسمية النظار ، الذين كتبوا في علم الاصول وذلكم ان اكثر الكاتبين في علم صول الفقه هم من النظار المتكلمين ، الذين كانوا متمذهبين بمذاهب ائمة الفقهاء ، وخاصة من الائمة الثلاثة مذهب ابي حنيفة ومالك والشافعي .



كتبوا في اصول الفقه وان كانوا متكلمة نظارا لكنهم من وجه اخر فقهاء وهم متمذهبون بمذهب ابي حنيفة او بمذهب الشافعي او بمذهب مالك ، ومن ساق ونسج على طريقتهم من الحنابلة ايضا ، الذين استفادوا من كلام الشافعية بخاصة فيما كتبوه في اصول الفقه ، وان كان يقع في الحنابلة من له تأصيل واختصاص في تحقيق علم اصول الفقه وهذا معروف وبين ن انما المقصود ان اكثر الكاتبين الذين وصلت كتبهم هم من النظار ومن لم يكن كذلك فتجد ان كثيرا منهم قد نسج او لخص عنهم من كان فقيها محضا ليس متكلما او من نظار المتكلمة ، فتجد انه لخص من كتب النظار في مثل هذا المقام



وانما نشير الى ذلك لان ائمة النظر الذين كتبوا في اصول الفقه ، جعلوا من اصول مادته علم الكلام ، وعن هذا تجد ان الامدي ، قال ( ان علم اصول الفقه مستمد من علم الكلام ) هذا النوع من الادراك لابد ان يحيط به الناظر في علم اصول الفقه حتى لا يتوهم في مسائل اصول الفقه ما ليس هو من حقيقة مذهب الائمة ، لان بعض مسائل الاصول وقعت فرعا عن خلاف بين المتكلمين وبخاصة بين متكلمة المعتزلة أو بين الاشعرية والمعتزلة ، كطوائف من المتكلمين الذين تكلموا في اصول الدين ثم كتبوا في علم اصول الفقه وبخاصة من مال من المعتزلة الى مذهب الامام ابي حنيفة في الفقه ، فكتبوا اصولا منسوبة الى فقه الحنفية ، ولكن فيها مادة من اصول المعتزلة الكلامية ويقع لذلك نقائض في مسائل التكليف ومسائل القدر وما تفرع عنها من بعض المسائل كمسالة التحسين والتقبيح العقليين ، ومسالة : التكليف بما لا يطاق ، ومسالة : شرط التكليف والاستطاعة مع الفعل او قبله ، ومسائل : الامر بالشيء نهي عن ضده او ليس نهي عن ضده ، وكثير من هذه المسائل تترتب على هذا النفس .



ومن هنا لابد ان الباحث عن اصول الفقه يكون حسن الاحاطة حنى يستفيد اصول فقه ، يمكنه ان يكون مطبقا لها اذا درس الفروع الفقهية



على كل حال هذا بحث فيما يعني اخذ العلم في هذه المقدمة ، معرفة المقدمات من العلوم ، ومعرفة النتائج ن معرفة الادلة معرفة الدلالات ، هذه التراتيب العلمية هي التي تبني الملكة لدى طالب العلم ، يعرف الادلة ، ماهي ادلة الشريعة ، ادلة الشريعة الكتاب والسنة ، واذا جئت الى الفقهاء وعلماء الاصول اعني اصول الفقه يقولون، او يسمون :الادلة المتفق عليها والادلة المختلف فيها المتفق عليها وهي الكتاب والسنة والاجماع ويبدؤون بالمختلف فيها القياس والاستحسان ، وقول الصحابي والمصلحة المرسلة الى اخره ...



الاصل في المعيار الشرعي ان الدليل هو الكتاب والسنة ، والله انما امر القران متواترا و تترى في القران ان يتبعوا ما انزل اليهم وان يسمعوا او يستجيبوا او يطيعوا الله ورسوله ، اذن ما معنى القياس وما معنى الاستحسان ، هذا من حقيقته انه متولد من دليل الشارع ، مقتضى خطاب الشارع ، وهذا الذي جعلهم يجعلون القياس حجة ، ودليلا ، ويجعلون الاستصحاب حجة ودليلا في بعض مقاماته ، ... الخ



المقدمة الرابعة : غايته



غاية علم الشريعة ، يتردد في كلام كثير من العباد ، واصحاب السلوك ، والمتصوفة ، وبعض الفضلاء من اهل العلم المتأخرين أن الغاية منه العمل وأنه وسيلة الى العمل وهذا فيما ارى : فيه نظر ، وليس الماخذ هنا ان العلم يقصد العمل به ، العمل صحيح ، ولكن فيه نظر من جهة تسمية علم الشريعة وسيلة ، والصواب انه غاية بذاته وشريف بذاته وعبادة بذاته



فانك تقول انه وسيلة الى العمل ، والصحيح العمل اصل ، ولكن العلم اصله ، وتعلم ان الايمان بالله له ركنان ، من مقتضى النصوص ، وهذا من باب الترتيب العلمي وليس ، في القطع الشرعي ، والا لك ان تقول اركانه ستة كما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لما قال ( الايمان ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر ) مع ان النبي ما نطق بكلمة الاركان انما اذا جئنا الى التراتيب العلمية ، يقال : الايمان بالله يتضمن ركنين ، معرفة لله ، وعبادته



اذن العلم يقصد للعمل هذا صحيح لكن لا يفهم الناظر في هذا لقول لبعض علماء السلوك ، او بعض الجمل المأثورة عن بعض سلف هذه الامة من التابعين او بعض الصحابة حينما يقول بعضهم ( انما العلم خشية الله ) مثلا أو ( انما يبتغى العلم لخشية الله ) وهذا حق وقد سبق به القران { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء }فاطر28 ، فلا شك ان العمل به اصل ، لكن لا توهم احد ان العلم وسيلة بمعنى : ليس شريفا بذاته فهذا خطأ ، فالعلم علم الشريعة القران السنة مثل الصلاة ، هو شريف بذاته وهو أحد ركني الايمان ، فان الايمان هو علم وعمل



وتعرفون ان سلف الامة اجمعوا كما حكى الاجماع الامام البخاري والامام احمد ووكيع ابن الجراح وغيرهم ، بل قال الامام البخاري ( لقيت اكثر من الف استاذ بالامصار كلهم يقولون الايمان قول وعمل )



والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد و آله وصحبه



فرّغه الأخ أبو مالك إبراهيم الفوكي السّلفي
فوكة / الجزائر


__________________
قال ابن تيمية:"و أما قول القائل ؛إنه يجب على [العامة] تقليد فلان أو فلان'فهذا لا يقوله [مسلم]#الفتاوى22_/249
قال شيخ الإسلام في أمراض القلوب وشفاؤها (ص: 21) :
(وَالْمَقْصُود أَن الْحَسَد مرض من أمراض النَّفس وَهُوَ مرض غَالب فَلَا يخلص مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس وَلِهَذَا يُقَال مَا خلا جَسَد من حسد لَكِن اللَّئِيم يبديه والكريم يخفيه).
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:39 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.