الحَِمدُ للهِ, والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ اللهِ, وآلِهِ وصَحبِهِ ومَنْ والاه. أمَّا بعدُ:
فَمِنَ النَّاسِ مَن يُعطي القُلُوبَ عِلمَاً صَحيحَاً, والعُقولَ فَهمَاً سَليماً, والألسِنَةَ أدَباً راقيَاً, والجَوارحَ أعمالاً حَسَنَةً, وأخلاقاً عاليَّةً، فَلا يَزالُ النَّاسُ مِنهُ في خيرٍ, وهُوَ مِنهُم في حُبٍّ وتَقديرٍ وتَوقيرٍ؛ حتَّى يُبارِكَ اللهُ في مَجالسِهِم؛ فَيَكثُرُوا ويَكثُرَ الخَيرُ فِيهِم .
ومِنَ النَّاسِ مَن إذَا تكلَّمَ في المَجَالِسِ أعطى عِلماً صحيحَاً, وَفهمَاً سليِمَاً؛ لكِنَّهُ لَمْ يُخلِ ذلك مِن طَعنٍ لِجَليسٍ تارَةً, وفُحشٍ وبَذاءةٍ تارةً, وقُبحٍ وسَفاهَةٍ تارَةً أخرى؛ فلَم يَسلَم للقُلوبِ انتِفاعُها, ولا للعُقُولِ فَهمُها؛ لِغَلَبَةِ التّدَمُّر والتَّعَجُّبِ من شِدَّة الوارِدِ الأخلاقي, وَيَصيرُ النَّاسُ بعدَ ذلك إلى أحَدِ أمرَينِ؛ إمَّا إلى تًَصَبُّرٍ في تَدمُّرٍ كَم آلَ براغبين إلى انتِكاسٍ تربَويٍّ خُلُقِيٍّ, وإمَّا إلى مُفارَقَةٍ في مُجازَفَةٍ لم تَخلُ مِن مُقارفَةٍ ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ)) .