عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-16-2009, 02:59 PM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
Lightbulb "تحفة الوارد بترجمة الوالد"،وهي ترجمة والدي العميد الركن عبد الرحمن البحصلي رحمه الله


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد، فقد عثرتُ على ترجمة مختصرة لوالدي على موقع الجيش الرسمي على الشبكة، وهي التالي :

نعت قيادة الجيش العميد الركن المتقاعد عبد الرحمن البحصلي، الذي توفي بتاريخ 5 / 12 / 2008، وفي ما يلي نبذة عن حياته:
- من مواليد 1 / 3 / 1934 بيروت .
- تطوع في الجيش بصفة تلميذ ضابط بتاريخ 1 / 10 / 1953 .
- رقي لرتبة ملازم اعتباراً من 21/9/1956 وتدرج في الترقية حتى رتبة عميد ركن اعتباراً من 1 / 7 / 1984 .
- حائز على عدة أوسمة وميداليات وتنويه وتهنئة العماد قائد الجيش عدة مرات.
- تابع عدة دورات دراسية في الداخل والخارج.
- متأهل وله اربعة اولاد .
يقام المأتم بتاريخ اليوم عقب صلاة العصر، في جامع البسطا التحتا، ثم يوارى في الثرى في جبانة الباشورة

-----------------------------------

فقرّرتُ أن أكتب الترجمة التي تليق بوالدي رحمه الله، وهي ما قدّمه لآخرته، عسى أن أوفيه بعض حقِّه عليَّ، إذ لم يُذكَر في الترجمة إلاّ ما فعله لدنياه فقط، فأقول :


كان جدّي عبد الحميد رحمه الله يُلقي دروساً دينية في بعض المساجد، وبثَّ في والدي المفاهيم الإسلامية، وكان والدي متفوّقاً في دراسته، ممّا خوّله الدخول في المدرسة الحربية التي لا تقبل إلاّ النخبة من الطلاّب، ثم دخل والدي بعدها في الجيش وترقّى فيه حتى وصل إلى رتبة العميد الركن ( يأتي بعد هذه الرتبة اللواء ثم قائد الجيش ) .

ولكن والدي عند دخوله الجيش ابتعد عن الدين، فلم يسجد لله سجدة طوال فترة خدمته في الجيش؛ وهي 39 سنة، كان فقط يصوم رمضان كل عام، وبعد تقاعده سنة 1411 هـ / 1991 م بقي بعيداً، وكانت والدتي حفظها الله تحثّه فلا يستجيب، حتى كانت بداية هدايته ( حين بلغ الستين من العمر ) في سنة 1414 هـ / 1994 م، حيث ابتدأ بأداء الصلوات الخمس، والحقّ يُقال، في بلدي ، من الصعب جدًّا أن تجد ضابطاً مسلماً ملتزماً بالدين، وأذكر أنني كنتُ مع الوالد في السيارة، ورآه أحد زملائه الضباط - وكان أبي قد التحى - فصرخ به قائلاً : " ماذا فعلتَ بنفسك يا عبد الرحمن ؟!! " فضحك أبي ولم يجبه .

ثم بفضل الله بدأ والدي رحمه الله بالتردد إلى المسجد لأداء صلاة الجماعة حتى أصبح قلبه معلّقاً بالمساجد، فنجده يذهب قبل الأذان إلى المسجد ويجلس فيه منتظراً الصلاة، واستجاب للدعوة السلفية، بل كان يناضل عنها أحياناً في بعض المجالس، فيحذّر الناس من الشرك والبدع، وفي أول هدايته كان لا يفارق يده هو ووالدتي كتاباً أو كتيّباً إسلاميًّا، ثم ذهب مع والدتي وأخي إلى الحج عام 1419 هـ / 1999 م، وعاد وقد ازداد إيماناً بفضل الله، وعاد بلحية نوّرت وجهه .

كان والدي رحمه الله محافظاً على السنن الرواتب، وصلاة الوتر، ولا يخرج من بيته حتى يصلي الضحى، وكان يصوم الاثنين والخميس دائماً، حتى عندما طلب منه الطبيب أن يتوقف عن الصيام - حيث كليتيه تعملان بنسبة 58 % - رفض، حتى كان رمضان السنة الماضية ناشدته العائلة، وأفتيتُ له بالجواز لحالته الصحية، فوافق مُكرهاً .

وكان يواظب على صلاة الجماعة حتى أثناء زياراته للأقارب والناس، ممّا يجعلهم يستغربون، بل ويستكثرون منه هذا الفعل .

وسبحان الهادي ! قام والدي رحمه الله منذ سنوات بتقصير جميع سراويله إلى الكعبين، وهذا للأسف ممّا يلتزم به القلّة حتى من الإخوة عندنا، والله المستعان .

وكان لوالدي رحمه الله اليد البيضاء في التصدّق على المشاريع الدعوية التي أطبعها بالآلاف، وكان يشارك بثلث أو نصف التكلفة، وطبعتُ أكثر من عشرة كتيّبات، منها : " تذكير أولي الأبصار بسنن اليمين واليسار " ، " الجمعة؛ فضلها وأحكامها " ، " رمضان؛ فضله وأحكامه " ، " تحذير الأمة المرحومة من فعل العادات المذمومة - جزآن -" ، " تذكير المتعلّم بحقوق المسلم " ، " منزلة السنة في الإسلام للعلاّمة الألباني " ، " وجوب العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلّم للعلاّمة ابن باز " ، " كيف نربي أولادنا لمحمد زينو " ، " اجتياح التتار للعالم الإسلامي، قصص وعِبَر " ، " رسالة إلى مَن أهلكهم لسانهم " ، وغيرها من الكتيّبات النافعة بإذن الله .

ومنذ أقل من خمس سنوات، أجرى والدي عملية في ساقه أتعبته، فلم يعد يستطيع الذهاب إلى صلاة الفجر في المسجد، ولكنه استمرّ على أداء صلاة الجماعة في باقي الصلوات ، وفي يوم الخميس قبل عيد الأضحى الماضي بأربعة أيام، دخل والدي مسجد السلطان الفاتح لأداء صلاة الظهر، فجاءته المنيّة، وتوقف قلبه عن العمل، ودخل في غيبوبة، وفي طوارئ المستشفى أجروا له إنعاشاً، فنبض قلبه - وذلك بعد مرور أكثر من نصف ساعة على توقفه - ولكنه لم يستيقظ أبداً، حتى توقف قلبه نهائيًّا رحمه الله في ليلة السبت .

وحدّدنا موعداً لجنازته بعد صلاة العصر يوم السبت، وتسلّحتُ بكتاب " تلخيص أحكام الجنائز " للعلاّمة الألباني رحمه الله لكي أؤدّي جنازة والدي على السنة بقدر استطاعتي، وانطلقتُ ظهراً إلى برّاد المستشفى لرؤية والدي، فكان وجه والدي رحمه الله كالنائم !! والحمد لله .

وقد أرسل الجيش قرابة الخمسين عنصراً لـ " يقوموا بالواجب " على حد زعمهم، وذلك يتضمّن فرقة موسيقية لتعزف ، وجنود مدججين ليرافقوا الجنازة، ومشي بالجنازة بطيء، وغيرها من الأمور المخالفة للدين .

فأخبرتُ الضابط المسؤول أن يصرف الفرقة الموسيقية، ولا أحد يطلق صفارات إنذار أو نيراناً أو غيرها، وأنني أنا المشرف على جنازة والدي وما أريد تنفيذه هو الذي سيقع، فوافق بامتعاض، وجاء المغسّل، فأخبرته أن صديقاً لي سيتولّى غسل الوالد - لكي لا يرتكب بدعة أثناء غسله -، وأتى صديقي وغسّله، وقلتُ للمقرئ الذي أرسلته جمعية تغسيل الأموات أن لا يقرأ شيئاً، فوافق، بل قال : " أعلم أنها بدعة، وقد دخلتُ الجمعية للإصلاح بقدر استطاعتي "، فجزاه الله خيراً .

وانطلقنا إلى المسجد، وقد أتى ما يقارب المئة من إخواني السلفيين عدا الأقارب والمعارف، وطلبت من إمام المسجد أن أصلي صلاة الجنازة على والدي؛ فوافق، فألقيتُ كلمة على الحاضرين ؛ واعظاً لهم عن أداء الصلوات الخمس،وعن حسن الختام، وأخبرتهم أني سأصلي الجنازة بخمس تكبيرات لأنها وردت في السنة، وأخبرتهم أن لا يصرخ أحد في الجنازة بـ " وحِّدوه، لا إله إلا الله " أو ما شابه ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم: " لا تُتبَع الجنائز بصوت ولا نار "، وعلينا الإسراع بالجنازة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك .

وبعد الصلاة حملنا الوالد وخرجنا من المسجد، فذهبتُ لأجلب نعلي وإذ بي أجد الجيش يضعون والدي في السيارة ليؤدّوا مراسيمهم !! فصرختُ بهم أن يتوقّفوا، وناديتُ إخواني، فهرع إليّ من كان بقربي، وحملنا الوالد على أكتافنا ومشينا بأسرع ما نستطيع؛ حتى أننا نكاد نعثر بأقدام بعضنا البعض، وصرخ الضابط المسؤول بالجنود : " اركضوا وشاركوهم بحمل الجنازة كي لا يُقال عنّا أننا قصّرنا !! " .

ووصلنا إلى مدفن جدّي رحمه الله الذي توفي منذ خمسٍ وأربعين سنة، وكان جاهزاً لاستقبال الوالد، فتولّى الإخوة دفن الوالد، جزاهم الله جميعاً خير الجزاء على وقوفهم معي ومساندتي في هذا الظرف العصيب، واجتمع حول القبر جميع الإخوة والأقارب، أما الجيش بضباطه وجنوده، فوقفوا بعيداً .

ودفنّا والدي على السنة، ورفعنا القبر بالرمل شبراً ، ووضعنا مكان الرأس حجراً، وجاء بعض الجنود بإكليلٍ ضخمٍ من الزهور عليه اسم قائد الجيش ليُوضَع على القبر، فرفضتُ أن يُوضَع، فلما اعترضوا قلتُ لهم أن ملك السعودية رحمه الله دُفِن في قبره ليس عليه إلا التراب، فافهموا ! فوضعوه جانباً وانصرفوا .

ولبثتُ واقفاً عند القبر مقدار نحر جزور ، وأتاني الإخوة وعزّوني، وقال لي بعضهم : أما شهادتنا لوالدك؛ فهي أنه كان من المواظبين على صلاة الجماعة في المساجد .

رحم الله والدي رحمة واسعة، وأدخله فسيح جناته، وحشره مع النبيين والصّدّيقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً .
__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس