عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-21-2014, 11:34 AM
علي بن حسن الحلبي علي بن حسن الحلبي غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 2,679
افتراضي (داعش) : التنظيم..الجهاد..البيعة ..ثم الخلافة! تأصيلاتٌ شرعيّة ، وتنبيهاتٌ واقعيّة..

(داعش) :
التنظيم..الجهاد..البيعة ..ثم الخلافة!

تأصيلاتٌ شرعيّة ، وتنبيهاتٌ واقعيّة

لمن لا يزالُ غيرَ عارفٍ معنى هذا اللقبِ-(داعش)-وسببَه ؛ أقولُ : هو اختصارٌ مِن بعض حروف عنوان حركتهم وتنظيمهم، الذي هو:«الـ(ـد)ولة الـ(إ)سلامية في الـ(ـعـ)ـراق والـ(ـشـ)ـام»-!

وإن كانوا هم-الآن!-من حيث الواقعُ-يَرون أنفسَهم في مرحلة جديدة : مِن (التنظيم) إلى (الدولة!)، ومن(الحركة)إلى (الخلافة)-مما سيكون-عملياً-سبباً في تذويبِ مُصطلح (داعش)شيئاً فشيئاً-!!!

وابتداءً : لا بُد مِن قول كلمةٍ-مهمة-فيما أَرى-:

التركيزُ –بل التضخيمُ!- الإعلاميُّ الكبير-الحالي-على (داعش)،وظهورها، وانتشارها، وبطشها، وعُنفها، و...قوّتها..أكثرُه ليس بريئاً ! وبخاصةٍ مع تَعانُقِه –كيفما كان الأمرُ-مع التخويف(!) الصهيونيّ-المستمرّ-لبلادنا الأردنية المبارَكةِ -وغيرها- منه!ومِن أخطارِه!

والحقُّ : أننا –بفضلٍ الله-تعالى-ورحمته-في هذا البلد الميمون-خاصّةً-بمَنأى بالغٍ-إن شاء الله- مِن هذه المخاطر المدّعاة،وتلكم التهويلاتِ المفتراة :لأسبابٍ كثيرةٍ –دينيّة ،ووطنية ،وسياسية ، واجتماعية ، وفكرية- ليس هنا موضعُ تعيين مجالاتِها،وتبيين مساراتِها ، ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ الله ﴾.

ولكنّ هذا الائتمانَ الحاضرَ-الواعيَ- لا يمنعُنا –كُلّاً في موقعه وموضعه- مِن الحذَر والانتباه-وهما موجودان-ولله الحمدُ-وعلى مستويات عالية- : مِن شيءٍ مِن مغامرات اعتباطية (فُجائية) قد يقوم بها بعضُ حمقى المتحمّسين العاطفيِّين –هنا أو هناك-!!

وعليه؛فأقول:

ظهر هذا (التنظيم) فجأةً..وتصدّر المشهد فجأةً..ثم توسّع فجأةً..ثم أعلن الخلافةَ-فالخليفةَ-فجأة!

كلُّ هذا..بتسارعٍ مُدهِشٍ يفتح أمامَ مجالاتِ التفكير المنطقيّ(!)-واحتمالاتِه المتكاثرة-أَلفَ بابٍ وباباً!!

ولكنّنا لن نخوضَ -قَطّ-بالظنِّ ،ولا بالتخمين ! وإنما سننطلقُ –بثبات وتحقيق- مِن باب العلم ،والحُجّة ، والبُرهان-مما هو منظورٌ للجميع-لا غير-:

فمِن ناحية عامة ؛ جذورُ هذا التنظيم مرتبطةٌ -تماماً-بالأُسُس الفكرية (والحركية) التي انبنى عليها (تنظيم القاعدة)-وهي: دعوى الجهاد!والغلوّ في التكفير!وما يُبتنى عليهما مِن..ومِن..-!وهو ما تنبّهنا لمخاطرِه ،وحذّرنا من آثارِه : مبكِّراً-ولله الحمدُ-منذ بضعة عشر عاماً : قبل أحداث (11/9-مباني نيويورك)،وأحداث (9/11-فنادق عمّان)-وذلك فيما كتبناه مِن كتب عدّة،ومقالات متعدّدة؛أهمّها:«التحذير من فتنة التكفير»،و«صَيحة نذير بخطر التكفير»-وغيرِهما-والله المستعان-.

وقد تفرّع –على ساحة الثورة السورية- عن (تنظيم القاعدة)-:(جبهةُ النصرة)، ثم كان ظهور(داعش) -أيضاً -على ساحة الثورة السورية -بعد ذلك!ثم وقعت بينهما (!) المقاتلُ والمهالك!!!

وعلى إثر هذا الظهور (الداعشي)-ولأسبابٍ وأسبابٍ!- : حصل فكُّ الارتباط مع (داعش)–وذلك مِن خلال تصريح مُعلَن-ومشهور-وعلى لسان أيمن الظواهري(الأمير الحالي لتنظيم القاعدة) ؛لتُجعلَ الصلات الحركية بين (تنظيم القاعدة) وفرعها الشاميّ (العلَني) -بكافة أشكالها- محصورةً بـ(جبهة النصرة)-لا غير-!

وعَوداً على بَدء:

* (التنظيم) : مِثلُه على الساحة الحزبية الإسلامية كثيرٌ –وفي كل مكان- ؛ولا يزالون-أجمعون!- ينخرون في جسد الأمة الواحدة ،ويفتّتونها،ويمزّقون شملَها-من غير انتفاع بتجرِبة!ولا عبرةٍ بنتيجة!ولا يزالون!!

* أما (الجهاد)؛فهو الورقة الرابحة التي لا تزالُ كثيرٌ من الأحزاب والحركات-إلى هذه اللحظة-تستخدمُها-بقوة!-لتكونَ الجاذبَ الأكبرَ لكثير من الشباب المسلم الطيِّب الصادق-شرقاً وغرباً--للانخراط الحزبيّ الأعمى في جماعاتٍ لا يعرفون ما/مَن=وراءها!

طمَعاً مِن هؤلاء الشبابِ-جميعاً-سدّدهم الله إلى مزيد هداه- بنَيل رضوان الله ، والفوز (سريعاً) بجنّته-تعالى-نسأل ربَّنا أن لا يحرمَنا منها-.

و(الجهاد)-مِن حيث هو-شاء مَن شاء!وأبى مَن أبى!-يمثِّلُ «ذُروة سَنام الإسلام»-كما قال نبيُّنا الكريم-،ولكنّ العبرةَ في وجوبه ومشروعيّته كامنةٌ في ضوابطه ، وقائمةٌ في موجباته،وأسباب وجوده!

فالفيصلُ بين التهوّر والشجاعة خيطٌ رفيع ؛كما أنّ الفرق بين (الجهاد) والإفساد -أيضاً- خيطٌ-لعلّه-أرفعُ!

ومِن دقائق الفقه الإسلاميّ العالي-في هذا الباب-ممّا يُغفله-أو يجهله!-عامةُ مُنظّري الجهاد (!) العصري-اليوم-فضلاً عن جمهور شبابِهم-ممّا أوقعهم بمهالكَ لا يكادُ يكونُ لها نهايةٌ!-:

ما قاله العلامة الإمام أبو المظفَّر السمعاني-المتوفى قبل نحو ألف سنة إلا خمسين عاماً-(489هـ)-في «تفسيره»-عند تفسير قول الله-تعالى-: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ . وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾-قائلاً ما نصّه-:

«...وَفِي الْآيَة قَول آخر - وَهُوَ الْمَذْهَبُ -الْيَوْمَ- وَعَلِيهِ عَامَّة الْفُقَهَاء -: أَنه إِن كَانَ الْكفَّارُ أَكثرَ مِن مِثليهم [من المسلمين] : جَازَ الْفِرَارُ من الزَّحْف؛ لقَوْله: ﴿ الْآن خفّف الله عَنْكُم﴾، وَلقَوْله: ﴿وَلَا تُلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة﴾.

وَلَو صَبَرُوا: جَازَ؛ اللَّهُمَّ [إلاّ] أَن يَعلمُوا –قطعاً- أَنه لَا يُمكِنهُم مقاومتُهم؛ فَحِينَئِذٍ : لَا يجوز الصَّبْرُ؛ لِأَنَّهُ يكون إِلْقَاءً لنَفسِهِ فِي التَّهْلُكَة... ».

ومثلُه-سواءً بسواء- : كلامُ الإمام الأصوليّ عزّالدين ابن عبد السلام-المتوفّى بعد العلامة السمعانيّ بنحو مئتي سنة-(660هـ)-في كتابه«قواعد الأحكام في مصالح الأنام»-حيث قال-:

«انْهِزَامُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْكَافِرِينَ مَفْسَدَةٌ ؛ لَكِنَّهُ جَائِزٌ : إذَا زَادَ الْكَافِرُونَ عَلَى ضِعْفِ المسْلِمِينَ -مَعَ التَّقَارُبِ فِي الصِّفَاتِ- تَخْفِيفًا عَنْهُمْ -؛لِمَا فِي ذَلِكَ مِن المشَقَّةِ، وَدَفْعًا لِمَفْسَدَةِ غَلَبَةِ الْكَافِرِينَ-لِفَرْطِ كَثْرَتِهِمْ عَلَى المسْلِمِينَ-...».

والتجارِبُ الجهاديةُ(!)المعاصرةُ-جميعاً-على ما بُنيت عليه مِن زَغَلٍ وخَلَل!-:فإنها تُثبت مَزيداً من الصوابِ والتحقيق لهذا التأصيل الجليل-بعد كل تلكم الأعوام والقرون-؛حيث لم تُثمر تلكم المغامرات(!)-جميعاً-إلا استجلابَ الويلات المتكاثرة على الشعوب! والمزيدَ مِن تشويه صورة الدين الإسلامي الحنيف في أنحاء العالم!!

فلا يُوجد مسلمٌ -حقٌّ- يُنكِر الجهاد الشرعي الحقَّ-بضوابطه الحقّة-؛حتى لا يُلَبِّسَ بعكس هذا التقرير الحقِّ المحضِ الجهلةُ المقلِّدون ! أو المموِّهون المدلّسون!!

* أما (البيعة !!) ؛ فهي شِنشِنةٌ نعرفها –بهذا الوضوح!- منذ أعلن شكري مصطفى المصري-قبل أكثر مِن ثلث قرن-قيامَ (جماعة المسلمين)،وأنه (أمير المؤمنين!) الذي تجب بيعته!

...إلى أن أُعدِم –في أواخر السبعينيّات-! ثم خَلَفه (أمير المؤمنين!) : (أبو الغوث محمد الأمين عبدالفتاح)، ثم-تالياً- (أمير المؤمنين!): (وحيد عثمان)-ولعلّه لا يزال!-!!

...ثم جاءت (جماعةُ طالبان)-في أفغانستان-،وأَعلنت (المُلا عمر!) أميراً للمؤمنين -أيضاً-وأظنُّه(!) باقياً-!!

وبين هؤلاء وأولئك : كان (تنظيم التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين) قد أعلن (سنة 2007) عن قيام (الدولة الإسلامية)-في العراق!-والذي تورّط-ولا أقول:تطوّر!-إلى:(دولة العراق والشام)،ثم إلى (دولة الخلافة)-العامّة!-كما هو الحالُ-اليومَ-وهو موضوعُ مقالِنا-!

وأتى-غيرَ بعيد-(أميرُ المؤمنين)أبو عيسى القُرشي(!)الأردنيّ-في الباكستان- (بالعمامة السوداء! والجُبّة السوداء!)لِيُعلنَ الخلافةَ-كذلك-خارجاً مِن مظلّة (طالبان) –بعد تكفيره لها!وخروجِه عليها-!!

... وهكذا في سلسلةِ مُتتالياتٍ -مُتوالياتٍ- مِن (البيعات):بدأت... ولم تنته-ولعلّها ..لن تنتهي-!!

والأمرُ في هذه (البيعات!)-وتَناميها-خطيرٌ -جداً-:له آثارُه الواقعية الكبيرة ، وتَبِعاتُه الفعلية المريرة ؛ إذ ليس هو بحثاً نظريّاً محضاً حتى نقولَ:(حنانَيك بعض الشرّ أهون من بعض!)؛ بل هو شرٌّ خالصٌ –في ذاته- ! وذو آثارٍ نكراءَ في نتيجته!

ومِن خلال هذا الواقع المُعاش- المَوّاج بالفتن-:طالَعْنا تحذيرَ (أمير المؤمنين:أبو عيسى القرشي!)-المذكور آنفاً-وذلك قبل نحو سبعة أشهر- لأبي بكر البغدادي(أمير داعش: الدولة : الخلافة!)-الحاليّ-، ومطالبتَه إياه بمبايعته كخليفة!!مستدلاً عليه بحديث النبي ﷺ : «مَنْ بَايَعَ إِمَامًا، فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ: فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ؛ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ: فَاضْرِبُوا رَقَبَةَ الآخَرِ»-وفي لفظٍ:«..فاقتلوا الآخِرَ منهم»-!!

فَمَن خليفةُ مَن؟! ومَن يقتل مَن؟!ومَن (سابقُ!)مَن؟!

...في سلسلةٍ أُخرى(!!)-متواصلةٍ-مِن دعاوى البيعات!فالخلافة!فالخلفاء!!! فالقتل..والتقتيل!-في عَبَث لامُتناهٍ بهذه الأُمّة!ودينها!وعقيدتها!-!

ومِن جهة ثانية -تاريخية- : فقد كانت البِذرةُ الأساسُ لأمثال هذه (البيعات)-غير الشرعية-بصورة أو بأخرى!-فكرةً متدحرجةً –قبل كل هذه السنين بسنين- مِن خلال أفكار أكثر الطرق الصوفية- ووقائعها -!مروراً بسائر الأحزاب والجماعات الإسلامية-كجماعة الإخوان المسلمين!وجماعة الدعوة والتبليغ-ولاءً وبراءً!وسمعاً وطاعةً!-مما لا يُنكر أصلَه قادةُ هذه الجماعات وأتباعُها-أنفسُهم-!

ولْننظر –بعد هذه الجولة التاريخية- إلى ذلك الفقه العلمي الرشيد الذي يُؤصّله شيخُ الإسلام ابن تيميّة-رحمه الله-في حقيقة بيعة الخليفة الراشد الأول (أبي بكر ) الصدّيق، وحكمها،وكيفية ثبوتها له -رضي الله عنه- ؛قال-رحمه الله-:

«...وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ عُمَرَ -وَطَائِفَةً مَعَهُ- بَايَعُوهُ، وَامْتَنَعَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ عَنِ الْبَيْعَةِ: لَمْ يَصِرْ إِمَامًا بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا صَارَ إِمَامًا بِمُبَايَعَةِ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ- الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْقُدْرَةِ وَالشَّوْكَةِ-.

وَلِهَذَا لَمْ يَضُرَّ تَخَلُّفُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ [لَا] يَقْدَحُ فِي مَقْصُودِ الْوِلَايَةِ؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ اللَّذَيْنِ بِهِمَا تَحْصُلُ مَصَالِحُ الْإِمَامَةِ...»...

ولْنتأمّل غُرَرَ ما حواه هذا النصُّ مِن فوائدَ فقهيةٍ نفيسةٍ –لا يزال يجهلُها الكثيرون!- تُناقض دعاوى ذوي البيعاتِ البدعية العصرية-رؤساءَ وأتباعاً-:مِن أنّ بيعةَ طائفةٍ مِن الأمة الإسلامية-قلّت أو كثُرت-دون جمهور الأمة:لا يُعتبَر-شرعاً- ،وأنّ ذلك-كذلك-لا يتحقّقُ إلا بـ (أهل الشوكة) ؛ ممّا لا يكونُ-أصلاً-إلا بحصول القدرة والسلطان ؛اللذَين بهما –لا غير- تتحصَّلُ مصالحُ الإمامةِ.

...وهذه المفردات-كلُّها-جملةً وتفصيلاً-لم يتحقّق منها أدنى شيءٍ في أيٍّ من هذه البيعات العصرية المتوالية في (الخلافة والخلفاء)-وما سيتلوها مِن انشقاقات-ولا بدّ!-على مثلِ ما كان قبلَها مِن (بيعات)!!

وإنّنا لَنخوّف مَن كان تقيّاً -مِن ذوي (البيعات الباطلة)-تلك-جميعاً-ثم مَن اغترّ بهم!وانخدع بدعاويهم!وشتّت شملَ الأمة بصنائعهم!- :بما قاله الخليفةُ الراشدُ عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-: «مَنْ بَايَعَ رَجُلا -عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ-؛ فَلا يُبَايَعُ هُوَ وَلا الَّذِى بَايَعَهُ- تَغِرَّةَ [حَذَراً] أَنْ يُقْتَلا-».

فالخلافةُ (الشرعيةُ) التي وَعد بها النبيّ العربيُّ القرشيُّ الهاشميُّ ﷺ أُمّتَه –في آخِر الزمان- هي الخلافةُ على (منهاج النبوة)- وهو : «الشورى» -بمعناها المنضبط، وأصولها العلمية الحقّة-.

وأمّا ما سواها-ممّا ليس كذلك-: فلا يَعدو أن يكون (حُكماً) خاصاً جزئياً فئوياً ؛كسائر الجمهوريات ، أو الممالك ، أو الدول العصرية المتناثرة-المتكاثرة-،والتي هي-جميعاً-عند (الدواعش)-صورةً وحقيقةً-خارجةٌ عن الدين!وليست من الإسلام في شيء!

فكيف إذا أدركنا-على وجه اليقين-أنّ معنى (الخلافة) عند (داعش!)-وأتباعِها-لا يخرج عن حدودِ التصوُّر الشيعيِّ الرافضيّ -الباطل- للخلافة!وذلك قولُهم:(أنّ الإمامة مِن أصول الدين! وهي مناطٌ للتكفير والإيمان)!وكفى بهذا البلاءِ قُبحاً وسوءاً!

ويؤكِّدُ ما قدَّمتُ مِن المعالمِ الصائبةِ للمنهج الإسلامي الحقّ في (الإمامة):ما ورد في«كتاب السُّنَّة»- للإمام الخلّال-عن الإمام أحمدَ بن حنبل-رحمه الله-:أنه ُسئل عن حديثِ النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَن مات وليس له إمامٌ : مات مِيتةً جاهلية»؛ ما معناه؟

فقال: (تدري ما الإمامُ؟ الإمامُ الذي يُجمع المسلمون عليه ؛ كلُّهم يقول: هذا إمامٌ).

وأما (أبو بكر البغدادي) -وجماعتُه (داعش)-في بضعة آلافٍ من بُسطاءِ المسلمين المتحمّسين!العاطفيِّين!-على ما هو ظاهرٌ منهم!- : فقد أعلنوا (الخلافةَ)-الشاملة- على عموم الأمةِ-شرقاً وغرباً!طولاً وعرضاً-كأنما هم في سباق مع غيرهم!أو مع الزمن!!-ضربةَ لازبٍ !- ومِن غير أدنى رجوعٍ منهم لأيّ عالمٍ معتبرٍ في الأمة-وما أوفرَهم-ممّا يكشفُ حقيقةَ موقفهم ممّن ليس منهم/ معهم= مِن العامّةِ أو العلماء-على حدٍّ سواء-!

إنّ (الشورى) الشرعيّة –النبوية- غيرُ التشرذم الفئوي ،والتسلُّط العصبيّ! ولا تكون (الخلافة) المعتبَرة إلا للأمة -جميعاً- ؛ لا للحزب!ولا للجماعة!!

ومِن أدنى -وأوضح- الشروط الفقهية لـ(الخلافة) المعتبَرة : معرفةُ أهل الحلّ والعَقد لـ (الخليفة)-الحقّ-شخصاً في ذاته، وحالاً في صفاته-،وهما مَعنيَانِ مفقودانِ-تماماً-في (أبي بكر البغداديّ)-هذا-!

وما أجلَّ كلامَ أستاذِنا العلامة الجليل محدِّث المدينة النبويّة المنوَّرة الشيخ عبد المحسن العبّاد البدر-نفع الله-فيما نقله عنه ولدُه الفاضل الأخ (الحسن بن عبد المحسن) -جواباً على سؤاله له عمّن بايعوا (أبا بكر البغداديّ)-قائلين:هو خليفة المسلمين!-؛فقال شيخُنا -حفظه الله-:(قد بايعوا الشيطان!)..

ويُعزّز صوابَ مجمَلِ ما قرّرناه-آنفاً- : ما تُدُووِل-قريباً –من كلامِ أبي محمد المقدسي-الذي هو –إلى أجلٍ قريبٍ!- ذو مكانة معتبَرةٍ ذاتِ شأنٍ عند أكثر الجهاديين (التكفيريّين!)-في بقاعٍ شتّى في العالَم-لاتفاقهم -جميعاً-حتى(داعش!)- في مجمل الأفكار والتوجُّهات!-: مِن وصفِه «المسؤولين الشرعيين» في (داعش) بـ : «التدليس واللفّ والدوَران والكذِب على قادة المجاهدين»!وأنّ (داعش) «قد سفك الدماء المحرَّمة»!و«أنَّ الغُلُوَّ قد نَخَرَ في صفوف بعض(!)أفرادهم-بل وشرعيِّيهم-»! و«أن في صفوفهم خوارجَ»!!
ومثلُه-كذلك-ما انتشر واشتهر مِن قويّ الطعن والقدح.. الذي وجّهه أبو قتادة الفِلَسطينيّ-وهو مِن أشهر رؤوس الجهاديِّين-اليومَ!- لداعش ،وأفكارِها،وخلافتها،وخليفتِها-بما يأتلف-تماماً-مع طعن المقدسيّ بهم، وقدحه فيهم-..

وليس خافياً على ذي بصرٍ أو بصيرةٍ : تلكم الوقائعُ الفظيعة ،والحوادثُ القبيحة –المنتشرةُ أخبارُها-بالتواتر-، وعلى صفحات الإنترنت- مِن التقتيل (الداعشيّ) –البارد الحاقد –بغير فقهٍ ولا رحمةٍ-لكلِّ (مسلمٍ) غايَر توجُّهَهم وناقَض حركتَهم- حتى لو كانت أفكارُه تلتقي أفكارَهم-كسائر أفراد «جبهة النُّصرة»-والحروبُ بينهما مستَعِرَةٌ !-؛فكيف الشأنُ-إذن-بمَن خالف اعتقادَهم-أساساً-! وردَّ غُلَواءهم-أصلاً-؟!

فبربِّكم: أين هاتيك الفظائع الشنائع-كُلّاً أو بعضاً-مِن هَدي ديننا الإسلاميّ العظيم، الرحيم، الذي يريد الخيرَ والهدى للناس-أجمعين-﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾؟!

وبعد:

فهذا كلُّه شيءٌ ، وبَغْيُ (الشيعة)- الشنيعة- على أهلنا –مِن أهل السُّنَّة – في العراق –: شيءٌ آخر...

وهو شأنٌ مخيفٌ يفوق الوصفَ ؛ مِن التنكيل بأهل السُّنَّة ،وتقتيلِهم، وتشريدِهم، وظلمِهم: مما يستدعي وقفةً حازمةً مِن أولياء أمور المسلمين-خاصةً-،وسائر إخوانهم المسلمين-عامةً-؛ يستنقذون بها البقيةَ الباقيةَ مِن أهل السُّنَّة -هنالك-؛الذين يكادون يَفْنَون ويَذوبون –ما بين تهجير! وتعذيب! وتقتيل!-!!

﴿ وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾،﴿ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ واللهُ وَلِيُّ المُتَّقِينَ . هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾..

وتفريعاً على هذه النقطة-بما يكاد يكون تأصيلاً بحدّ ذاته- أقول-وبه أختم-وبكلِّ صراحة ووضوح-:

إنّ غيابَ المنظومةِ الموحَّدةِ التنسيقيّةِ الواعيةِ الأمينةِ الصادقةِ : (أولاً- بين دول منطقة بلاد الشام وما حولها)-تعاوناً على البِرِّ والتقوى –،و(ثانياً- بين العلماء والحكّام)-اعتصاماً بحبل الله-جميعاً-،و(ثالثاً- بين أهل السُّنَّة-بعضِهم مع بعضٍ-)-تَواصُيِاً بالحقّ والصبر والمرحمة- : ساهَمَ في ظهور(داعش)-ثمّ إعلانِهم خلافتَهم المزعومة!-،ولَعلّه -إن لم يَستدرك العقلاءُ -وبسرعةٍ- ذلك الخطرَ الداهمَ مِن مبدئهِ!-؛فإنَّ تأخُّرَهم قد يُساهِم في ظهور غيرها-مما لا يُستَبعَد أن يكونَ أسوأَ منها-!!

وتَحَقُّقُ ذلك المعنى الإيجابيِّ -المأمول-كلّه- على أرض الواقع- : سيُؤدّي-باليقين-إلى تكامُلٍ مجتمَعيٍّ مُنتظِمٍ خلّاق يَقضي على كل صُوَرٍ التآكُل والتمزُّق والاختراق ؛ لِيكونَ -بعدُ- مآلُ أكثرِ أولئك المشكِّلين لهذه المجموعات الحزبيّةِ المنحرفة-بكافّةِ أسمائها وتنوُّعِ أشكالها !-: إمّا أن يَذوبوا ! أو أن (يتوبوا)..

و(توبتُهم)-والله- هي أغلىُ ما إليه نَسعَى معهم ، وأعلى ما نريد ونَبغي منهم ؛ فـ « أهلُ السُّنَّة أعرفُ الناس بالحقّ،وأرحمُهم بالخَلْق»..


نُشر في جريدة (الرأي)-الأردنية-
هذا اليوم:23-رمضان-1435هـ

رد مع اقتباس