عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-15-2017, 01:35 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي

قالَ ابن القيِّم (ت : 751) : [وتفسيرُ النَّاسِ يدورُ على ثلاثةِ أصولٍ :

1. تفسيرٌ على اللَّفظِ، وهو الَّذي ينحو إليه المتأخِّرونَ .
2. وتفسيرٌ على المعنى، وهو الَّذي يذكرُهُ السَّلفُ .
3. وتفسيرٌ على الإشارةِ والقياسِ، وهو الَّذي ينحو إليه كثيرٌ من الصُّوفيَّةِ وغيرِهم). [2].

والتفسير على القياس موجودٌ في تفسيرِ السلفِ؛ لكنَّه أقلُّ من القسمين الآخَرين. ومن أمثلتِه، ما ورد في قوله - تعالى - : ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أزَاغَ الله [سورة الصف : 5]. أنها نزلتْ في الخوارجِ. [3].

فالمفسِّر انتزع هذا المقطع من الآيةِ، ونزَّله على الخوارجِ الذين لم يكونوا عند نزولِ هذه الآياتِ، وإنما جاءوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وانقطاع الوحي، وإذا نظرتَ إلى سياقِ الآيةِ، وجدتَ أنه في الحديثِ عن بني إسرائيل، وأنهم هم الموصوفون بهذا الوصف، قال الله - تعالى - : ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [سورة الصف 5].

والمفسِّرُ هنا إنما أراد أنْ يُنبِّه إلى دخولِ الخوارجِ في حكمِ هذه المقطع من الآيةِ، وأنهم مثالٌ لقومٍ مالوا عن الحقِّ ، فأمالَ اللهُ قلوبهم جزاءً وفاقاً لميلِهم، وتنْزيل ذلك المقطع من الآية على الخوارجِ إنما هو على سبيلِ القياسِ بأمرِ بني إسرائيلَ، وليس مراده أنهم هم سبب نزولها، فهذا لا يقول به عاقل .

وعلى هذا يُقاسُ ما وردَ عن السلفِ في حكايةِ نزولِ بعض الآياتِ في أهلِ البدعِ، وأنهم أرادوا التنبيه على دخولهم في حكم الآيةِ، لا أنهم هم المعنيون بها دون غيرهم، خاصةً إذا كانَ المذكورون غيرُ موجودينَ في وقتِ التنْزيل؛ كأهلِ البدعِ الذينَ نُزِّلتْ عليهم بعضُ الآياتِ، واللهُ أعلمُ.

قال الشاطبي : […كما قاله القاضي إسماعيل ـ في قوله - تعالى - : ﴿إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيءٍ [سورة الأنعام : 159]. بعد ما حكى أنها نزلت في الخوارج : وكأنَّ القائل بالتخصيص، والله أعلم، لم يقل به بالقصد الأول، بل أتى بمثالٍ مما تتضمنه الآية؛ كالمثال المذكور، فإنه موافق لما قال، مشتهرًا (كذا) في ذلك الزمان، فهو أولى ما يمثل به، ويبقى ما عداه مسكوتًا عن ذكره عند القائل به، ولو سئل عن العموم لقال به.
وهكذا كل ما تقدم من الأقوال الخاصة ببعض أهل البدع ، إنما تحصل على التفسير، ألا ترى أن الآية الأولى من سورة آل عمران إنما نزلت في قصة نصارى نجران ؟!، ثمَّ نُزِّلت على الخوارج، حسبما تقدم، إلى غير ذلك مما يذكـر في التفسير، إنما يحملونه على ما يشمله الموضع بحسب الحاجة الحاضرة لا حسب ما يقتضيه اللفظ لغةً، وهكذا ينبغي أن تفهم أقوال المفسرين المتقدمين، وهو الأولَى لمناصبهم في العلم، ومراتبهم في فهم الكتاب والسنة]. [4].

وفي قوله - تعالى - : ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [سورة الأنفال : 71].

قال ابن عطيَّةَ (ت : 542) : [وأما تفسير الآية بقصة عبد الله بن أبي السرح ، فينبغي أن يُحرَّرَ، فإن جُلبتْ قصةُ عبد الله بن أبي السرح على أنها مثالٌ، كما يمكن أن تُجْلَبَ أمثلةٌ في عصرنا من ذلك، فحسنٌ.

وإن جُلبت علـى أنَّ الآية نزلت في ذلك، فخطاٌ؛ لأنَّ ابن أبي السرحِ إنما تبيَّن أمره في يوم فتح مكة، وهذه الآية نزلت عَقِيبَ بدرٍ]. [5].

وفي قوله – تعالى - : ﴿فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ [سورة الفجر : 15 ـ 20].

قال ابن عطية (ت : 542) : [ذكر الله - تعالى - في هذه الآية ما كانت قريش تقوله وتستدلُّ به على إكرام الله - تعالى - وإهانته لعبده، وذلك أنهم كانوا يرون أن من عنده الغنى والثروة والأولاد، فهو المُكرَم، وبضدِّه المُهانُ.

ومن حيثُ كان هذا المقطع غالبًا على كثير من الكفار، جاء التوبيخُ في هذه الآية لاسم الجنسِ؛ إذ قد يقع بعض المؤمنين في شيء من هذا المنْزع [6]، ومن ذلك حديث الأعرابِ الذين كانوا يقصدون المدينة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمن نال منهم خيراً، قال : هذا دين حسنٌ، ومن نال منهم شرٌّ، قال : هذا دين سوءٍ] [7].

وقال ابن عطية (ت : 542) في قوله - تعالى - : ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [سورة الأنبياء 1].

وقوله - تعالى - : ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ عامٌّ في جميع الناسِ، وإن كان المشارُ إليه في ذلك الوقت كفار قريشٍ، ويدلُّ على ذلك ما بعدها من الآياتِ ، وقوله : ﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ؛ يريد : الكفار.

قال القاضي أبو محمد [8] رحمه الله : [ويتَّجِهُ من هذه الآيةِ على العُصاةِ من المؤمنين قِسْطُهُم.
وقوله – تعالى - : ﴿ما يأتيهم وما بعدها مختصٌّ بالكفارِ).[9].

وقال في قوله - تعالى - : ﴿وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سورة يونس : 12].

وقوله :﴿مَرَّ يقتضي أن نزولها في الكفار، ثم هي بَعْدُ تتناول كل من دخل تحت معناها من كافرٍ أو عاصٍ].
[10].

يُتبَع بإذن الله - تعالى -.

__________

[2] التبيان في أقسام القرآن، تحقيق طه شاهين ص (51).
[3] ورد ذلك عن أبي أمامة، انظر تفسير الطبري . ط. الحلبي (28:86-87).
[4] الاعتصام للشاطبي، تحقيق محمد رشيد رضا (1:103).
[5] المحرر الوجيز، ط. قطر (6:386-387).
[6] نقل الطاهر بن عاشور هذه الجملة عن ابن عطية ، ولم يعترض عليها ، انظر : التحرير والتنوير (30:326-327).
[7] المحرر الوجيز، ط. قطر (10:122.)
[8] هو ابن عطية.
[9] المُحرر الوجيز، ط. قطر (10:122).
[10] المحرر الوجيز، ط.قطر عند تفسير الآية.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس