عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 04-20-2021, 11:28 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

المجلس الثَّامن




وقال جابرُ بنُ عبدِ الله الأنصاريُّ -رضيَ اللهُ عنهُما-: «إِذا صُمتَ؛ فَلْيَصُمْ سَمْعُك وبَصَرُك ولِسانُك عن الكذبِ والْمَحارِم، ودَعْ أذَى الْجَار، وَلْيَكُنْ عليك وَقارٌ وسَكينة، وَلا تَجْعَلَ يَومَ صَومِكَ ويَومَ فِطْرِكَ سَواءً».(*)
هذا توكيدٌ على ما ذكرناهُ -غير مرَّة-: مِن أن الصِّيام ليس -فقط- صيام الجوارح؛ وإنَّما هو صِيام الرُّوح، وصيام القلب، وصيام النَّفس عن كلِّ ما حرَّم الله -تبارك وتعالى- ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾.
وقد أخبرنا نبيُّنا -عليه الصَّلاة والسَّلام-في هذا الأمر-مُحذِّرًا فقال: «رُبَّ صائمٍ لَيْسَ لَهُ مِن صِيامِه إلا الْجُوعُ والْعَطَشُ».

ومِن أهمِّ الأمور التي يجبُ على المسلم العنايةُ بها والمحافظةُ عليها في رمضان -وفي غيره-:
الصَّلواتُ الخمس في أوقاتِها؛ فإنَّها عمودُ الإسلام، وأعظمُ الفرائض بعد الشَّهادتَين، وقد عظَّم اللهُ -تَبارَكَ وتَعالى- شَأنَها، وأكثرَ مِن ذِكرِها في كتابِه العظيم، فقال -تَعالى-: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾، وقال- تَعالى-: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، الآيات في هذا المعنى كثيرة.
وقال النَّبيُّ ﷺ: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنا وبَينَهُمُ..».
يعني: المشرِكين.

«..الصَّلاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا؛ فَقَدْ كَفَرَ».
وهذا الحديثُ رواه التِّرمذيُّ والنَّسائي وابنُ ماجه، وغيرهم.

وَصَحَّ عَنْهُ ﷺ أنَّه قال: «مَن حَافَظَ عَلَى الصَّلاةِ كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلَا بُرْهَانٌ وَلَا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مَعَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ».(**)
نسأل اللهَ -سبحانهُ وتعالى- العافية.
وهذا الحديث الثَّاني: رواه أحمد والدَّارمي وغيرُهما، وسندُه تكلَّم فيه بعضُ أهلِ العلم؛ لكن -والله أعلم- أنَّ إسنادَه حسن.
وهذه المسألة (مسألة تارِك الصَّلاة): تكلَّمنا فيها كثيرًا -ومرارًا، وتَكرارًا-، وأشرنا إلى أنَّها مسألةٌ كُبرى من مسائل الْخِلاف، ونقلْنا عدَّة أقوال عن سماحة الشَّيخ محمَّد بن صالح بن عثيمين -رحمهُ الله-تعالى-، وكيف أنَّ له رأيًا -إن جاز التَّعبير- متوسِّطًا في هذه المسألة العميقة والدَّقيقة التي هي من كُبرى مسائل الخلاف بين علماء المسلمين.
ونبَّهنا -أيضًا-: أن القول بالتَّفصيل العلمي في هذه المسألة لا ينبغي أن يكونَ في باب التَّرغيب والتَّرهيب؛ وإنَّما في باب التَّرغيب والتَّرهيب نكتفي بِسَرد النُّصوص -كما ذكر سماحة الشَّيخ-رحمهُ الله-.
وأمَّا في البحث العلمي، وفي مجلس العلم -كهذا المجلس-، فنحن -الآن- في مجلس عِلم، أكثر الإخوة الحاضِرين من طلبة العلم والمصلِّين -والحمدُ لله ربِّ العالَمين-؛ فلا مانعَ -والحالة هذه- من التَّرجيح العلمي في هذه المسألة.
وقول جُمهور العلماء: هو عدمُ تكفير تارك الصَّلاة.
لكن: عدمُ تكفير تارك الصَّلاة لا يلزَم أنَّه مَرضيٌّ عنه، أو مَقبول -أو كذا-؛ لا؛ بل هذا -لا شكَّ، ولا ريب- أنَّ أفعالَه من أسوأ الأفعال، وأن آثامَه من أعظم الآثام ومن أكبر الذُّنوب والكبائر -والعياذُ بالله-، ويُخشى عليه من الخروج من الملَّة والردَّة عن الدِّين؛ فالأمرُ ليس بالسَّهل -ولا باليسير-.
هذه نُقطة لا بُد منه؛ لأن بعض النَّاس يستلزِم من عدمِ هذا؛ عدمَ ذاك! لا؛ هذا غير صحيح؛ القضيَّة فيها عُمق، وفيها تدقيق -كما أشرنا إلى ذلك-.

وَمِنْ أَهَمِّ وَاجِباتِها في حقِّ الرِّجال: أداؤُها في الجماعة؛ كما جاءَ في الحديثِ عنِ النَّبيِّ ﷺ أنَّه قال: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ؛ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ».
وهذا الحديث رواه ابن ماجه وأبو داود، وسندُه صحيح.
يقول الإمامُ ابنُ حبَّان -رحمهُ الله- في «صحيحه» -بعد روايته هذا الحديث- قال: «في هذا الخبر: دليل أنَّ أمر النَّبي ﷺ بِإتيانِ الجماعات أمرُ حَتْمٍ -لا نَدْبٍ-؛ إذ لو كان القصدُ في قوله: «فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ» يريد به (في الْفَضل)؛ لكان غيرُ المعذور إذا صلَّى وحده؛ كان له فَضل الجماعة، فلما استحالَ هذا وبَطل؛ ثَبَت أنَّ الأمرَ بإتيانِ الجماعة: أمرُ إيجابٍ -لا ندبٍ-».

وَجاءهُ ﷺ رجلٌ أعمى فقال: «يَا رَسُولَ الله؛ إنِّي رَجُلٌ شَاسِعُ الدَّارِ عنِ الْمَسْجِدِ..».
يعني: بعيد.

«..وليسَ لِي قائدٌ يُلائِمُنِي..».
يعني: يأخذني ويذهب بي، وهكذا.

«..فَهَل لي مِن رُخصةٍ أن أُصلِّيَ فِي بَيْتِي؟ فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ ﷺ: هل تَسمعُ النِّداءَ بِالصَّلاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَجِبْ».
خرَّجه مسلمٌ في «صحيحه».
قد يقولُ قائلٌ: كيف يكون هذا واجبًا على الكفيف (الأعمى)؟
نقول: الجواب: أنَّ المكفوفين ليسوا سواءً.
أنا أعرف -شخصيًّا- مِن المكفوفين مَن إذا مشى بِعصاه يَعرفُ الطَّريق من بيتِه إلى المسجد كأنَّما يراها بأمِّ عينَيه! هذا -واللهِ- رأيتُه وعرفتُه، هو يَحفظ خُطواته، ويَحفظ شماله ويمينَه وطرائقه -ما شاء الله!-، فَمِثل هذا هو الذي يتنزَّل عليه مثلُ هذا الحديث.
أمَّا مَن ليس كذلك؛ فلا يَتنزَّل عليه هذا الحديث..والله -تعالى- أعلى وأعلم.




انتهى المجلس الثَّامن



_____________
(*) قبل هذا الأثر ورد في الرِّسالة، قوله: (وخرَّج ابنُ حِبَّان في «صَحيحِه»: عن أبي سعيدٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- قال: قال رسولُ الله ﷺ: «مَن صَامَ رَمضانَ وعَرَفَ حُدودَهُ وتَحَفَّظَ مِمَّا يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَتَحَفَّظَ مِنهُ؛ كَفَّرَ ما كانَ قَبْلَهُ»).
(**) ورد في الرِّسالة قبله قولُه: (وقال ﷺ: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ: تَرْكُ الصَّلاةٍ»).
رد مع اقتباس