عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 01-20-2018, 03:05 AM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي

تمهيد قبل الشروع في أحكام الفقه
(ضمن دورة الفقه الإسلامي وأدلته)
الحلقة (9)
بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني

نزل الوحي بشرائعه كلها على النبي عليه الصلاة والسلام، فنقلها الصحابة عنه، وهم طبقات من حيث العلم والفهم والادراك والحفظ والاهتمام والمجالسة، فليس الصحابة كلهم على وتيرة واحدة - علماء ومحدثون وفقهاء -، لكنهم من حيث النقل لمن بعدهم مرجعٌ في الفقه وأدلته، كل فرد ينقل لغيره ما علم من الأدلة والمسائل، ولو مسألة واحدة بدليلها، ونحن اليوم نتلقى الفقه الاسلامي بأدلته بالرواية منذ العهد النبوي حتى وصل إلينا محفوظاً من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وانتشر في كتب الفقه التي تسابق العلماء لجمعه ما بين مبسوط ومختصر.
ومن خلال هذا الدرس سنبدأ بالتعريفات الأولية التي يأتي بعدها الشروع المباشر في أحكام الفقه الاسلامي بأدلته.
ولذا ينبغي أن تكون القلوب والأذهان والحواس صافيه واعية لهذه الاصطلاحات والأحكام، فإن الشخص من خلال هذه اللقاءات يستطيع أن يستفيد أحكامًاً كثيرة في الفقه الإسلامي, سواء أكان الشخص من المتعلمين طلاب العلم أو كان من عامة الناس، وذلك لأننا بمشيئة الله سنستخدم العبارات السهلة الذليلة التي يمكن للذهن أن يتقبلها وأن يعيها بسهولة ويسر, والعلم كما يقال ما كان في القلب محفوظًا لا في الديوان مكتوبًا، " وما لا يدرك كله، لا يترك جله".

كتاب الطهارة
عادة الفقهاء إذا ابتدأوا في تصنيف الفقه ابتدأوا بكتاب الطهارة.

تعريف الكتاب : في اللغة بمعنى الضم والجمع, ومنه الكتيبة؛ لأنها تجمع أشخاصًا من الجنود وتضمهم.
وفي اصطلاح الفقهاء : ما اشتمل على بعض الأبواب والفصول الفقهية، كباب المياه وفصل الماء الطاهر والماء النجس.
تعريف الطهارة : في لغة العرب بمعنى النظافة, ومنه قوله تعالى: "وثيابك فطهر"([1]) بمعنى: نظف ثيابك ليذهب النجس عنها، فإذا فعلت ذلك ولم يبق النجس فقد طهرت.
وفي الاصطلاح الشرعي: الطهارة رفع الحدث أو ما في معناه وزوال الخبث.
فأما ارتفاع الحدث : فكالبول والغائط, فهذا الحدث يرتفع بالوضوء إذا أراد الرجل أن يصلي.
ولا شك أن من لوازم رفع الخبث بعد البول والغائط غسل المحل من موضع البول والغائط، وهو ما يسمى بالاستنجاء أو ما يقوم مقامه من الاستجمار " استعمال الأحجار أو ما يقوم مقامها كالمناديل الورقية".
والحدث حدثان:
الأول حدث أكبر : وهو الذي لا يزال إلا بالاغتسال, كالاغتسال من الحيض والنفاس والجنابة.
الثاني حدث أصغر : وهو ما يوجب الوضوء كالوضوء من البول أو الغائط للدخول في صحة العبادة.
تنبيه : هناك من الناس من يُقال له " محدث تطهر", كالرجل إذا عرف بسلس البول وكلما توضا نزل منه قطرات بول, ولم يجد علاجًا لهذا السلس، فإنه يصلي حتى وإن نزلت قطرات بعد الوضوء لكونه في مقام من ارتفع حدثه ولا عذر له لترك الصلاة, لقوله تعالى : "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ"([2]).
وكذلك لو أن الرجل أراد أن يصلي وهناك نجاسة وتعذر إزالتها لمانع طبي مثلًا أو لعدم وجود الماء الكافي أو ما يزيلها فإنه يصلي لأن حكمه حكم الطاهر.
وكذلك المرأة المستحاضة التي ينزل منها الدم ولا ينقطع فإنها تتوضأ لكل صلاة إذا جاء وقتها وتصلي، وتأخذ حكم الطهارة الشرعية كما سيأتي كل ذلك مفصلاً في موضعه بإذن الله.
زوال الخبث : الخبث بمعنى النجس, وإزالته طهارته.
ويزال من ثلاثة أشياء، لتحصل الطهارة :
الأول : المكان, وفيه حديث أبي هريرة وغيره " قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ([3]) فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهُ وَهَرِيقُوا([4]) عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا([5]) مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا([6]) مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ "([7]).
الثاني : البدن, لأدلة منها : حديث علي بن أبي طالب قال: "كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً([8]) وَكُنْتُ أَسْتَحْيِى أَنْ أَسْأَلَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- لِمَكَانِ ابْنَتِهِ، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ"([9]).
الثالث : الثوب, لقوله تعالى : "وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ"([10]).
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
____
([1]) سورة المدثر, الآية (4).
([2]) سورة التغابن, الآية (16).
([3]) بألسنتهم، وفي صحيح مسلم، قالوا له: "مه مه"، أو أرادوا أن يتناولوه بأيديهم.
([4]) صبوا.
([5]) هو الدلو التي ملئت ماءً أو كان فيه ماء قلّ أو كثر.
([6]) الدلو أو الدلو العظيمة، وقيل لا تسمى كذلك إلا إذا كان فيها ماء أو كانت مَلأى ماء،ِ أو فيها ماء قريب من المِلء.
([7]) أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة.
[8] مذاء : بمعنى كثير المذي، وخروجه من مخرج البول، ويخرج من مخرج البول ثلاثة أشياء غير البول، وهي الأول : المني، وهو الماء الغليظ الأبيض الدافق الذي يخرج عند اشتداد الشهوة من جماع أو احتلام أو عادة سرية، والعادة محرمة، وهو يوجب الغسل، وأما الثاني فهو المذي: وهو ماء رقيق لزج يخرج عند الشهوة الصغرى كأن يفكر الشخص في الجماع، وهذا يجب فيه غسل الذكر كله والمكان الذي وقع فيه من بدن أو ثوب، ويلزم الوضوء منه، وأما الثالث فالودي وهو : ماء أبيض خاثر يخرج بعد البول غالباً، وربما خرج قبله، ويكثر عند متعاطي القات، ولا علاقة له بالشهوة، ولا يلزم منه إلا ما يلزم من البول.
([9]) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث علي بن أبي طالب
([10]) سورة المدثر, الآية (4).
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس