عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 03-23-2012, 04:22 PM
خالد بن إبراهيم آل كاملة خالد بن إبراهيم آل كاملة غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 5,683
افتراضي

السؤال 351: هل يجوز لمن يملك النصاب أن يؤدي زكاة ماله على دفعات شهرية، وهل له ان يحسب الدين من الزكاة؟
الجواب: يجوز للرجل أن يؤدي زكاة أمواله على دفعات، ولا حرج في ذلك، لكن بشرطين: أن ينوي عند كل دفعة انها زكاة، والشرط الثاني: يجوز التقديم ولا يجوز التأخير، فمثلاً رجل حوله في رمضان، وأراد أن يدفع الزكاة بأقساط، فلما يأتي رمضان ينبغي أن يكون قد وفى وسدد جميع المبلغ، أما أن يقسطها بعد رمضان فلا يجوز، فبقدوم رمضان يصبح المال ليس ملكاً له، وينبغي أن يخرجه لمستحقيه امتثالاً لأمر الله عز وجل.
أما احتساب الدين من الزكاة، فالمسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فمن نظر إلى حقائق الأشياء قال هذا جائز،وقال ما الفرق بين أن أعطيه مائة دينار زكاة، ولي عليه مئة دينار ديناً، ثم يرجعها إلي فيسد دينه، وبين ان أسامحه بالمائة دينار؟ وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك.
ومذهب الشافعي وقول عند أحمد أن الزكاة لا تجوز إلا بالتمليك ،لأن الله يقول: {خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}، فمن أسقط المال من الذمة، لا يزكي ماله، ولا يزكي نفسه ،بل هذا تعميق للشح في النفس.
وقلبي يميل إلى لو ان رجلاً داين آخر، ونوى بأنها إن لم ترجع إليه، فإنها من زكاة ماله، فإنها إن شاء الله تعالى من الزكاة، لأن التزكية حاصلة ،وهي فيها إعطاء، وما يلزمه أحد أن يعطي ديناً، فهو يقول: إن أرجعها إلي أصرفها في مصارف الزكاة، وإن لم يرجعها إلي فهي زكاة مالي إليه، وبهذا لا أرى حرجاً إن شاء الله تعالى، والله أعلم..

السؤال 352: هل في أن يتقصد الرجل أن يدفع زكاة ماله في رمضان فضل؟
الجواب: نعم ولا حرج في ذلك، فقد أخرج مالك في "الموطأ" عن عثمان أنه خطب ذات مرة، وقال: ((شهر صيامكم شهر زكاتكم)) وقول عثمان ذلك من على المنبر يقوي حجيته ،لأنه على مسمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

السؤال 353: ما حكم الجهر بالذكر بعد الصلاة؟
الجواب: الاصل في الذكر أن يكون سراً، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، أنه لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً في السفر يكبر الله بأعلى صوته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {أربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصماً ولا غائباً}، فلا يجوز للرجل أن يجهر بذكره على أصل القاعدة، إلا ما ورد فيه الجهر، والأصل في الذكر بعد الصلوات أن يكون سراً.
لكن ثبت في صحيح مسلم قول ابن عباس: (( كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير))، وهذا كما قال الشافعي والشاطبي وقد أصل وفصل الشاطبي في أواخر كتابه "الاعتصام" هذه المسألة، وقد بين بما لا يزيد عليه أن هذا الجهر كان فقط من اجل التعليم، فيجوز للإمام أن يجهر بالأذكار ليعلم الناس فقط.
والظاهر من صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان في المدينة ولم يكن في مكة، فمتى رأى الإمام مصلحة في جهره بالذكر لوجود اناس في المسجد لا يفقهون ولا يعلمون هذه الذكار فيجهر أمامهم حتى يحصل التعليم، فمتى حصل التعليم يرجع إلى الأصل، وهو الإسرار.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمكث في مصلاه بمقدار قوله {اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والاكرام}، ثم يخرج فأين الجهر؟ فالذكر كان يقع منه في الطريق، وهذا ثابت عن أبي بكر وعمر كما في سنن البيهقي، وغيره، كانا لا يجلسان بعد الصلاة إلا بمقدار الجلوس على رضف الجمر.
أما الجلوس والذكر مع تمطيط وترنم وتطريب، فليس هذا من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أنكر السلف على من يفعل ذلك، ولم يرد الجهر بالذكر عن احد من الصحابة إلا ابن عمر رضي الله عنهما، وابن عمر له انفرادات والله أعلم.

السؤال 354: الرجاء التفصيل في مسألة متابعة الإمام؟
الجواب: مسألة متابعة الإمام مسألة اختلفت فيها وجهات النظر، والعلماء مختلفون في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: {إنما جعل الإمام ليؤتم به}.
والذي أراه راجحاً أن الإمام متى زاد في الصلاة فعلى المأمومين أن يذكروه، فإن أصر على الزيادة قاموا معه وتابعوه، وأما إن خالف الإمام هدي النبي صلى الله عليه وسلم، بهيئة من الهيئات فنحن أسعد بهديه صلى الله عليه وسلم منه، وأستعير قوله لعلي أخرجها النسائي في المجتبى، بإسناد جيد، فقال: ((أنترك سنة نبينا لفعل أعرابي بوال على عقبيه)) فمتى رأيتم الإمام في هيئة من الهيئات خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فأنا أسعد بهدي النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الإمام، والعبرة بمتابعة الإمام الأكبر، لقوله صلى الله عليه وسلم: {صلوا كما رأيتموني أصلي}.
لكن لو أن الإمام خالف هديهه صلى الله عليه وسلم، فزاد مثل قنوت الفجر، فلا يجوز لي أن أخالفه، وأقنت معه. وهذا عندي معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: {يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساؤوا فعليهم}، وهذا فهم الصحابة للمسألة فيما أفهم، فابن مسعود لما أتم عثمان وصلى أربعاً في السفر، قام في الناس خطيباً كما في صحيح الإمام مسلم، وقال: {والذي نفسي بيده لقد صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، ركعتين، وصليت خلف أبي بكر ركعتين، وصليت خلف عمر ركعتين، وها أنا ذا أصلي أربعاً فيا ليت حظي من أربع ركعتان متقلتان إن الخلاف كله شر}، فابن مسعود أتم خلف عثمان ركعتين تامتين لم ير مشروعيتهما، فمتى زاد الإمام زدنا بعد تنبيهه على خطأه، لكن من كان يشار إليه بالبنان ويحسب عليه فعله كما يحسب عليه قوله كأن يكون طالب علم أو عالم، وصلى خلف إمام قد خالف هدى النبي صلى الله عليه وسلم فعليه أن يفعل ما فعله ابن مسعود بأن يبرئ ذمته فعليه بالبيان، فابن مسعود بين وبرأ ذمته وقال إن الخلاف كله شر.
ويا ترى عثمان لماذا أتم؟ هل تقصد أن يصادم هدي النبي صلى الله عليه وسلم؟ معاذ الله ،فهو قد اجتهد والحق مع صاحبيه، وقوله وفعله مرجوح وليس براجح وإنكار ابن مسعود عليه في محله، وأرجح الأقوال في إتمام عثمان ما وقع التصريح به، من عثمان نفسه وهو الذي رجحه الحافظ في الفتح، فقد قال عثمان {أصلي وينظر إلي الأعراب فإن رجعت ظنوا أن الرباعية ركعتان} فنظر إلى مآل الفعل.
والصواب أن يصلي ركعتين ولابد أن يسأل الناس أو ان يقع البيان، فيقرن الفعل مع البيان، فمن فعل فعلاً وظن أن يوضع في غير مكانه فالبيان يسعفه في أن يضع الشيء في مكانه ثم لا يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وقد قيل إنه كان له بيت في مكة، والأول أرجح لأنه هو الذي علل به،، وتعليله مقدم على تعليل غيره . والله أعلم.

السؤال 355: ما هي البهائية ومن هم البهائيون وكيف نشأت ومتى؟
الجواب: البهائية فرقة مرتدة ضالة كافرة، من انتسب إليها خرج من الإسلام، وليس له نصيب فيه، ولا يجوز الصلاة عليه، ولا يورث ولا يرث ولا يدفن في مقابر المسلمين.
والبهائية نشأت في إيران سنة 1260هـ، 1844م، فقد دعمها الاستعمار البريطاني وكانت من ورائها اليهودية ولا زالت.
ولذا هذه الفرقة تقوى في ديار المسلمين ولها وجود قوي في العراق، وفي كثير من البلدان، والآن لها وجود قوي في فلسطين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أسس هذه الفرقة رجل يسمى: علي محمد رضا الشيرازي، وأعلن عن نفسه أنه [الباب]، ولما مات قام بالأمر من بعده الميرزا حسين علي الملقب بالبهاء، وسمى أتباعه بالبهائيين نسبة له، وله كتاب اسمه الأقدس وتوفي البهاء سنة 1892م .
وهنالك شخصيات لها أثر في ديانتهم، من أهمها امرأة بغي تسمى قرة العين، انفصلت عن زوجها وفرت منه تبحث عن المتعة، وعقدت مؤتمراُ سنة 1269م أعلنت فيه أن شريعة البهاء نسخت الإسلام.
ومن أعلامهم أيضاً أخي البهاء، رجل يسمى علي، وهو الملقب عندهم بالأزل، ونازع أخاه في خلافة الباب، ثم انشق عنه، وله كتاب مقدس عندهم يسمى الألواح.
ويعتقد البهائيون أن الباب هو الذي خلق كل شيء بكلمته، وهو المبدأ الذي ظهرت عنه جميع الأشياء، ويقولون: إنه حل واتحد وذاب جسمه في جميع المخلوقات ويقولون: إن من مات على صلاحٍ، بمعاييرهم ومقاييسهم، فإن روحه تنتقل إلى شيء مشرف، ومن مات على فساد فإن روحه تنتقل إلى الخنازير والكلاب وما شابه، وهذا ما يسمى بتناسخ الأرواح.
والبهائية يقدسون رقم ((19)) والمعجزة 19 في القرآن التي قرأناها في بعض الكتب ورائها وسببها البهائية، وعندهم السنة تسعة عشر شهراً، والشهر تسعة عشر يوماً.
ويقولون بنبوة بوذا، وكونفوشيوس، وزرادشت، وأمثالهم من حكماء الصين والهند والفرس، ويوافقون اليهود بقولهم بأن المسيح قد صلب، وينكرون معجزة الأنبياء جميعاً، وينكرون حقيقة الملائكة، وحقيقة الجن، وينكرون الجنة والنار، ويرون أن النعيم والعذاب إنما يكون بتناسخ الأرواح فحسب، ويعتقدون أن القيامة إنما تكون فقط بظهور البهاء، وقبلتهم البيت الذي ولد فيه الباب، بشيراز في إيران.
ويحرمون على المرأة الحجاب، ويحللون لها المتعة، وعندهم أن المرأة مشاع لكل الناس، فلا يوجد للمرأة حرمة عندهم.
وعندهم كتب يعارضون فيها القرآن الكريم، وينكرون أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ويرون استمرار الوحي، وأنه لم ينقطع، ويوجدون بكثرة في إيران، ولهم وجود في سوريا، العراق، ولبنان، وفلسطين، ولهم وجود في هذه الديار، ولهم مدارس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالبهائية قوم كفار يحرم أن نعاملهم معاملة المسلمين ولا يرثهم مسلم ولا يرثوا مسلماً ولا نغسلهم ولا نكفنهم ولا ندفنهم في مقابر المسلمين، لأنهم مرتدون خارجون عن الملة، وبهذا يفتي جميع علماء المسلمين، والله أعلم..

السؤال 356: امرأة دخل عليها وقت الصلاة، وهي طاهر، ثم حاضت قبل خروج الوقت، ولم تؤد الصلاة، فهل تبقى الصلاة في ذمتها؟
الجواب: إن المرأة إذا جائها الحيض في وقت الصلاة، وكان بإمكانها أن تصلي هذه الصلاة وما صلتها، فتبقى هذه الصلاة واجبة في ذمتها، قولاً واحداً عند العلماء، فمتى طهرت فأول واجب عليها، أن تغتسل وتقضي صلاة الظهر.
ومتى علمت المراة أن وقت الحيض قد قرب، فيجب عليها ان تسارع في اداء الصلوات في أول وقتها، ويصبح الوقت في حقها كوقت المحكوم عليه بالقتل، فمن حكم عليه بالقتل الساعة الواحدة مثلاً، والظهر يؤذن الساعة الثانية عشر والنصف، فهذا وقت صلاة الظهر عنده غير موسع، ويجب عليه اداء الصلاة قبل الواحدة، لأن الوقت عنده أصبح حقيقياً، وكذلك الحائض متى علمت من خلال عادتها أو أمور تعرفها أنه سيأتيها الحيض، فيجب عليها أن تعجل في صلاتها حتى لا يباغتها الحيض ويمنعها ،فإن باغتها وهي لا تدري، فتبقى الصلاة في ذمتها وتجب عليها بعد الطهر، والله أعلم.

السؤال 357: من المراد بالشيخين عند الأحناف والشافعية والمالكية والحنابلة، ونقرأ في كتب الأحناف الصاحبين والطرفين والأئمة الثلاثة فمن هم، ومن المراد بالسلف عندهم؟
الجواب: هذا السؤال فيه اصطلاحات تدرج عليها الفقه، ومعرفة هذه الاصطلاحات من الأمور المهمة حتى لا يقرأ الإنسان أشياء مبهمة، ويفهم.
فالشيخان عند الحنفية هما الإمامان ابو حنيفة وأبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم، وأينما قرأت في كتب الحنفية، لهما عندهما قالا، وما شابه، فالمراد بهام أبو حنيفة وأبو يوسف.
إلا إن ذكر أحدهما قبل ذلك فيكون المراد محمد بن الحسن معهما، فإن قيل قال أبو حنيفة ثم قيل: وقالا فالمراد أبو يوسف ومحمد، وإن قيل قال محمد بن الحسن، ثم قيل وقالا، فالمراد أبو حنيفة وأبو يوسف، وهكذا، لكن الشيخان عندهما أبو حنيفة وأبو يوسف، والطرفان أبو حنيفة ومحمد بن الحسن الشيباني، ومعنى لهما: أي أدلتهما، والأئمة الثلاثة عندهم هم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد.
وأما الشيخان عند المالكية فهما القاضي عبدالوهاب بن نصر البغدادي وشيخه ابن القصار.
وأما عند الشافعية فالمراد بالشيخان عندهم هما الرافعي والنووي.
وأما الشيخان عند الحنابلة فهما مجد الدين بن تيمية جد شيخ الإسلام، صاحب كتاب "المحرر" وابن قدامة المقدسي صاحب "المغني" .
أما الشيخ عند الحنابلة فالمتقدمون من الحنابلة يريدون به القاضي أبو يعلى، كابن عقيل في كتبه، وأبو الخطاب الكلوذاني، واما المتأخرون منهم كأمثال صاحب الفروع، وصاحب الإقناع، وكتب ابن القيم، لما يقولون: قال الشيخ أو قال شيخنا فالمراد به ابن تيمية، وهذه الاصطلاحات مهمة تنفع طالب العلم فلما يقرأ يعرف ينسب الأقوال إلى أصحابها، والله أعلم.

السؤال 358: ما صحة حديث {كما تكونوا يولى عليكم}؟
الجواب: لحديث أخرجه الديلمي عن أبي بكرة مرفوعاً، وفيه يحيى بن هاشم، وهو كذاب يضع الحديث، وله طريق آخر عند ابن جميع في "معجم الشيوخ" (149) وعند القضاعي في مسنده، من طريق آخر عن أبي بكرة وفيه المبارك بن فضالة وهو ضعيف، والراوي عنه أبو أحمد الكرماني وهو مجهول أفاده الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف المسمى "الكافي الشاف" فهذا الحديث لم يصح ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن معناه أمر أخذ بالاستقراء، فغالباً يكون الناس باهتماماتهم، على حسب الوالي عليهم، ووجد لأبي منصور الثعالبي المتوفى سنة 429هـ ، في كتاب مطبوع اسمه "لطائف المعارف" وجدت له كلاماً جميلاً يخص هذا الحديث، ويؤكد أن هذا الكلام بالجملة معناه صحيح فيقول أبو منصور الثعالبي: (كان الأغلب على عبد الملك بن مروان حب الشعر فكان الناس في ايامه يتناشدون الاشعار ويتدارسون اخبار الشعراء ؟؟؟؟؟ بها وكان الاغلب على الوليد بن عبد الملك حب البناء واتخاذ المصانع وكان الناس في ايامه يخوضون في رصف الأبنية، ويحرصون على التشييد والتأسيس وكان الأغلب على سليمان بن عبدالملك حب الطعام والنساء، فكان الناس في أيامه يصفون ألوان الأطعمة ويذكرون اطايبها، ويستكثرون من الحرص على أحاديث النساء، ويتسائلون عن تزوج الحرائر، والاستمتاع بالسراري، ويتجاوزون في الباه، وكان الأغلب على عمر بن عبدالعزيز حب الصلاة والصوم وكان الناس في أيامه يتلاقون فيقول الرجل لأخيه: ما وردك الليلة؟ وكم تحفظ من القرآن؟ وبكم تختمه؟ وكم صليت البارحة؟ وهل أنت صائم؟ وكان يزيد بن عبدالملك يحب الخيل وكان الناس يتنافسون في اختيارها، ويتقربون إليها، باتخاذ الأجود والأحسن منها، وكان هشام بن عبدالملك يحب الثياب ونفائس اللباس وكان الناس في أيامه يتبارون في التجارة فيها، ويتواصفون أنواعها، وكان الوليد بن يزيد صاحب لهوٍ وشراب وسماع، وكان الناس في أيامه يتشاغلون في الملاهي ويترخصون في النبيذ ويقولون بالسماع، وقد صدق من قال: إن الناس على دين ملوكهم والسلطان سوق يجلب إليها ما ينفق فيها.
إذن هذه المقولة حكمة مأخوذة من خلال النظر في تاريخ الناس، أما عزو ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم على انه حديث فليس بصحيح والله أعلم..

السؤال 359: ما رأيك بالشيخ عبد الحميد كشك؟
الجواب: الشيخ عبدالحميد كشك، واعظ الدنيا عندي، ولا أرى من أتقن الوعظ مثله، وهو أول من نبه الناس وجعلهم يتداولون المواعظ في الأشرطة، وهو رجل يحبب الناس في الإسلام، وخاصة في النبي صلى الله عليه وسلم، فمن يسمع أشرطته يحب النبي صلى الله عليه وسلم حباً كثيراً، والرجل له هجمات شرسة على كثير من المتكلمين في الشرع، لكن ينبغي أن يحذر أشد الحذر مما في أشرطته من أحاديث وقصص، فهو يأتي بالصحيح والضعيف، والواهي والقصص التي ما أنزل الله بها من سلطان، ومن أسباب انتشار الأحاديث الموضوعة، في هذا الزمان جماعة التبليغ والشيخ عبدالحميد كشك، فهم يكثرون من ذكر ما لذ وطاب ولا يبحثون عما ثبت وصح ،وقد قال الإمام الذهبي-رحمه الله-: (وأي خير في حديث اختلط صحيحه بواهيه وأنت لا تفليه ولا تبحث عن ناقليه) فالأصل في الإنسان قبل أن يستدل أن تتثبت عنده الصحة.
وهذه الخصلة ليست بسهلة ،والكمال عزيز أو عديم، فمن يسمع للشيخ كشك ينبغي أن يحرص على هذا الأسر، وإلا فالرجل قوي جداً في الوعظ متين في اللغة، صاحب عارضة وحجة قوية، ويأسر ويشد المستمع إليه، لكن هذه اللوثة في أشرطته نحذر منها، والله الهادي والموفق.

السؤال 360: ما حكم طلب المسلم الدعاء من أخيه المسلم؟
الجواب: طلب الدعاء من المسلم للمسلم ينظر فيه، فالإكثار منه ليس بحسن، وهو في بعض الصور مشروع وفي بعضها ممنوع. وقد كره السلف لما رأوا الإكثار من طلب الدعاء منهم، ذلك وكثير من الناس اليوم، من المصلين أو طلاب العلم لما يتلقون ثم يتفرقون فيقول كل واحد منهم للآخر ادع لي.وقال ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه "الحكم الجديرة بالإذاعة" قال: (وقد كان عمروغيره من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، يكرهون أن يطلب منهم الدعاء، ويقولون: أأنبياء نحن؟ فدل على أن هذه المنزلة لا تطلب إلا من الأنبياء) فأنت كلما رأيت أخاك تقول هل: ادع لي، ادع لي، هذا ليس بحسن، وأخرج ابن جرير عن سعد بن أبي وقاص أنه لما قدم الشام أتاه رجل فقال له: استغفر لي، وكان سعد مجاب الدعوة، فقال له سعد: ((غفر الله لك))، ثم أتاه آخر، فقال: استغفر لي، فقال له: ((لا غفر الله لك، ولا غفر الله لذاك، أنبي أنا؟)) فلما خرجت فلتة من ذاك الرجل قال: ((غفر الله لك))، ولما تزاحم عليه الناس قال: ((لا غفر لله لك ولا غفر الله لذاك، أنبي أنا؟)) ففهم سعد، كما قال الشاطبي في الاعتصام قال: (فهم سعد من هذا الرجل أمراً زائداً وهو أن يعتقد فيه أنه مثل النبي، أو أنه وسيلة إلى أن يعتقد فيه مثل ذلك، أو يعتقد أن طلب الدعاء سنة تلزم، أو تجري في الناس مجرى السنن اللازمة فمنع سعد ذلك)، ففي مثل هذه الصورة لا يجوز طلب الدعاء، أما من غير هذه الأمور فلا أرى فيها حرجاً.
وأخرج ابن جرير عن زيد بن وهب، أن رجلاً قال لحذيفة: استغفر لي، فقال له حذيفة: ((لا غفر الله لك))، ثم قال حذيفة: ((هذا يذهب إلى نساءه فيقول: استغفر لي حذيفة أترضين أن يدعو الله أن يجعلك مثل حذيفة؟)) فكره حذيفة أن يشتهر هذا الأمر ،وأن يعتقد في حذيفة ما لايدعيه، وقد أسند ابن جرير عن ابراهيم التمعي، قال: (كانوا يجتمعون فيتذاكرون فلا يقول بعضهم لبعض استغفر لي) أي الصحابة، وأسند الخطيب في كتاب "التلخيص" عن عبيد الله بن أبي صالح قال: (دخل علي طاووس يعودني فقلت له يا أبا عبد الرحمن ادع الله لي) فقال: (ادع لنفسك فإن الله عز وجل يجيب المضطر إذا دعاه)، فأن يترك الإنسان الدعاء لنفسه، ويطلب من غيره وأن يجري هذا الطلب مجرى السنن اللازمة، ويعتقد فيمن يطلب منه الدعاء اعتقاداً زائداً، فهذه كلها عوارض ولوازم، تجعلنا نقول: إن هذا الطلب على هذا الحال وهذه المواصفات ممنوع.
وقد أجمل ذلك شيخ الإسلام في كتابه "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" فقال: (ومن قال لغيره من الناس ادع لي أو أدع لنا، وقصد بأن ينتفع ذلك المأمور بالدعاء، وينفع هو أيضاً بأمره، ويفعل ذلك المأمور به كما يأمره بسائر فعل الخير فهو مقتد بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤتم به، ليس هذا من السؤال المردود، وأما إن لم يكن مقصوده إلا طلب حاجته، لم يقصد نفع ذلك، والإحسان إليه فهذا ليس من المقتدين بالرسول صلى الله عليه وسلم، المؤتمين به في ذلك، بل هذا من السؤال المرجوح الذي تركه إلى الرغبة إلى الله وسؤاله ، [وقد وقع تحريف هنا في كل الطبعات إلا طبعة الشيخ ربيع، فوقع بدل وسؤاله ورسوله، وهذا خطأ فالرغبة لا تكون إلا لله]، أفضل من الرغبة إلى المخلوق وسؤاله، وهذا كله من سؤال الأحياء الجائز المشروع) فينظر للقائل: أدع لي، إذا كان يأمره بعبادة وطاعة فهذا فيه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأما إذا كان مقصوده طلب حاجته فهذا من السؤال المرجوح، والمطلوب أن تسأل الله حاجتك وألا تسأل غيره.
وأما حديث (( لاتنسانا يا أخي من دعائك)) لم يثبت ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما حيث النبي صلى الله عليه وسلم وقوله لأبي بكر وعمر: {إن رأيتما أويساً القرني فاسئلاه أن يدعو لكما}، والحديث الظاهر منه أنه حسن، رغم أن الإمام مالكاً كان ينكره، وكان يقول: لا يوجد أويس، والحديث فيه إلمامة إلى أن هذا أمر خاص بأويس، فلم يطلب النبي صلى الله عليه وسلم، من أحد أن يدعو لأحد إلا لهذا الرجل، لأنه عرف باستجابة دعوته، وأما من عداه فما أدرانا أنه مثله؟ والأصل في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وأمثالهما أن الذريعة مسدودة في حقهم بأن يتجهوا للمخلوق وأن ينسوا الخالق، أما من عداهم فهذا الفساد يلحق بهم.
فإذا سلمت المحاذير مما ورد في كلام ابن تيمية والشاطبي فلا أرى حرجاً، والذي أنكره كثرة الطلب، وأن يكون ذلك شعاراً للإنسان كلما التقى آخر يقول له: أدع لي أدع لي، وهذا لا يدعو وهذا لا يدعو، فأصبحت كأنها شعار ملاقاة بدل السلام عليكم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

السؤال 361: هل هناك فرق بين أهل الكتاب والملحدين والوثنيين، في كفرهم، وهل أهل الكتاب مخلدون في النار؟
الجواب: من سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبلغته الدعوة، ولم يؤمن به فالجنة عليه حرام، وهو مخلد في النار، وربنا عز وجل كفر من قال: إن الله ثالث ثلاثة، ومع هذا فقد خص اهل الكتاب بحل طعامهم وبحل المحصنات من نسائهم، فأهل الكتاب اليوم من سمع برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يستجب لدعوته خالد مخلد في النار، لكن بما أنه من أهل الكتاب فله حكم خاص به، يخص به عن سائر أحكام المشركين، فالله الذي كفرهم والله الذي فرق بين المشركين والذين أواتوا الكتاب.
أما من حيث إقامة الحجة على كل كتابي في الدنيا فهذا فيه تضييق، والقول بمجرد السماع بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولو سألت الذي سمع به من محمد؟ ويقول لك اسم مدينة مثلاً، فلم يتحقق السماع، فمن بلغه الإسلام، وعلم أن هناك نبي، اسمه محمد وجاء يشرع، فيجب عليه أن يدرس هذا الشرع، ويجب عليه أن يتطلبه، ونحن لا نتوقف في تكفير أهل الكتاب حتى نقيم على كل واحد منهم الحجة، فالإسلام والشرع ظهر وبلغ كل الناس، ولكن هناك آحاد من الناس ربما يموتون وهم يبحثون عن الحق ولا يعرفونه، وقد بذلوا ما يستطيعون، فهؤلاء أمرهم إلى الله عز وجل، وقد يلحقون بمن يمتحنون بعرصات يوم القيامة، والله أعلم..

السؤال 362: هل تصح نسبة كتاب الكبائر إلى الإمام الذهبي؟
الجواب: كتاب الكبائر قطعاً للإمام الذهبي، وقد وقفت على اكثر من نسخة خطية، وواحدة منها في الظاهرية، نقلت من خطه، لكن الكتاب المطبوع والموجود في السوق، الذي فيه خرافات وقصص وحكايات فهذا كتاب مكذوب على الذهبي.
كتاب الذهبي كتاب نظيف، وأضعف ما فيه بعض أحاديث انفرد فيها الحاكم ،وقال فيها الذهبي: (وهو حديث صحيح رواه الحاكم والتصحيح على عهدته)، فهذا أضعف ما ورد في الكتاب، أما الكتاب الموجود في السوق، وفيه أحاديث من امثال: ((تارك الصلاة يبتلى بخمس عشرة خصلة، خمسة في الدنيا، وخمسة في البرزخ، وخمسة في الآخرة....)) فأذكر منذ أكثر من عشرين سنة قرأت كتاب الذهبي وبعد فترة ليست ببعيدة، قرأت في "ميزان الاعتدال" وهو للذهبي، فيذكر ترجمة راو من الأحمدين، فيقول عنه: (وقد ركب حديث تارك الصلاة يبتلى بخمس عشرة خصلة، وقال : لا يروج ذلك إلا على حمار) فقلت كيف يروج ذلك على الذهبي في كتاب "الكبائر" فهذا الحديث لا يروج إلا على بليد لا يعرف الحديث والنقد الحديثي، فاستغربت ذلك، حتى امتن الله علي وعرفت المخطوطات، وكنت حريصاً يومها أشد الحرص أن أقف على مخطوطة الذهبي فعلمت أن منه نسخة في المكتبة الظاهرية بدمشق، فحصلت النسخة وقابلت عليها فوجدت أن الكتاب المطبوع هذا فيه أربع أخماس حشو وكذب وزيادة على كتاب الذهبي، وهو مليء بالموضوعات والكاذيب والخرافات.
والذهبي إمام ناقد وهو القائل: (وأي خير في حديث اختلط صحيحه بواهيه وأنت لا تفليه ولا تبحث عن ناقليه) فهو امام صاحب تحقيق، وكتابه مختصر يقتصر فيه على الحاديث وجلها صحيحة، أو حسنة، والضعيف فيه قليل، وضعفه يسير، ونقلها من باب الترغيب والتريب وقال فيها العهدة، على الحاكم الذي صححها، والحاكم عنده تساهل في التصحيح، والكتاب الآخر المطبوع الكبير فهذا كذب وافتراء على الذهبي ولا يجوز نسبته إليه، ولا يجوز قرائته إلا لمن يميز بين الصحيح والضعيف والغث والسمين، والله أعلم.

السؤال 363: ما رأيك في سيد قطب؟
الجواب: سيد قطب أخطأ فيه اثنان، واقول هذا عبادة، وأعبد الله عز وجل فيما أقول: فقد أخطأ في سيد قطب من كفره، وقد عامله وحمل عباراته ما لايخطر بباله ولواحد كتاب في تكفير سيد قطب، وهذا ظلم له، فمن الظلم له أن نحمل ألفاظه ما لا يخطر في باله، بل من الظلم لسيد قطب أن نعامله وأن نحاكم ألفاظه وعباراته بعبارات واصطلاحات العلماء، وإنما نحاكمها بعبارات واصطلاحات الادباء، وهناك فرق كبير بين الأمرين.
سيد قطب في كتبه يقول عن ربنا عز وجل "ريشة الكون المبدعة" ويقول أيضا ًعن ربنا "مهندس الكون الأعظم" فيا ترى لما يقول سيد عن ربنا الريشة المبدعة، هل يظن سيد أن الله ريشة؟ وهل يظن انه مهندس عنده أنه مهندس عنده أدوات هندسية؟ قطعاً لا، فمن يكفر سيد لأنه يظن أن سيد يعتقد أن الله ريشة، هذا ظلم لسيد قطب، ولذا من كفر سيد قطب فإنه يحاكم ألفاظه باصطلاحات العلماء، وسيد قطب من الأدباء وليس من العلماء، ولو نفهم فقط هذا الأمر لارتحنا، وهذا يقصر علينا مسافة واسعة، وهذا فريق غلا في الحط على سيد.
وعندنا فريق آخر اعتبر سيد قطب منطقة محرمة، والويل كل الويل لمن تكلم عليه، فيقول : سيد فعل وفعل.... نقول: ما فعله له، ونسأل الله أن يتقبله وهو أفضى إلى أحكم الحاكمين.
لكن الخطورة فيما كتب وفيما كتب أشياء ينبغي أن تقوم، وأوجب الواجبات في تقويم ما كتب يلقى عاتق أخيه الأستاذ محمد قطب، وياليت محمد قطب يطبع كتب أخيه وفي هوامشه تعليقات فيها بيان لأخطاء سيد قطب، ويبين أنه ليس مراده كذا وكذا، فحينئذ نرتاح من غلو الكافرين ونرتاح من تاويل المأولين الذين لا يريدون أن يقولوا إن سيد قد وقع في كلامه خطأ، وانا أرى أن هذا واجباً فمهما كتب العلماء في أخطاء سيد قطب، تبقى كتبه شائعة، ولا يصل التقويم الذي كتبه أهل العلم، من أمثال الشيخ ربيع وغيره، بلغة العلم ونقد العلماء، لا يصل إلى كل الناس، لاسيما المعجبين بسيد قطب.
فسيد قطب كتب بعاطفة ،وكتب بتجوز، وكتب بعبارات الأدباء، فوقعت في كتبه أشياء مرودوة، مرفوضة بلغة العلماء. ونحن نتكلم عن التوحيد فسيد ينكر ان يكون الله استوى على عرشه، ويقول استوى بمعنى استولى، وهذا خطأ كبير، بل ينكر العرش ويأوله ،ويوجد في كتب سيد قطب عبارات شديدة حول الصحابة، لاسيما عمرو بن العاص ومعاوية، فمثلاً في كتابه "كتب وشخصيات" (242) يقول: (وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لايملك علي أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل)، فهذه عبارات خطيرة جداً، في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقولها من يعرف العقيدة، ويعلم أن الواجب علينا أن نكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكما جاء في الحديث: {إذا ذكر أصحابي فأمسكوا}، أما أن يوصف معاوية وعمر بالكذب والغش والخديعة فنبرأ إلى الله من هذا، وفي كتابه "العدالة الاجتماعية" (172) يصف حكم الخليفة الراشد عثمان بأنه فجوة بين حكم أبي بكر وعمر وبين علي، وفي ص 159، يقول عن حكم عثمان: (تغير شيء ما على عهد عثمان، وإن بقي في سياج الإسلام)، بل يقول: (جاء علي ليرد التصور الإسلامي للحكم إلى نفوس الحكام والناس) فكأن عثمان ما كان يحكم بالإسلام، وهذه عبارات شديدة لا نرضاها.
فمن يكفر سيد قطب مخطئ، ومن يسوغ ويبرر لسيد أخطاؤه مخطئ، وينبغي ان نكون جريئين كي لا نجرئ السفهاء، على سيد، فنصرح ونقول: هذا خطأ وهذا خطأ ومراده كذا كي تكون حجراً في وجه من يكفر سيد قطب، ونضع الأشياء في اماكنها ففي سيد غلو في الحب وغلو في البغض، وكثير من شباب اليوم للأسف يتعلمون دين الله وينشأون على كتب سيد قطب، وكتب سيد قطب لا يوجد فيها علم شرعي، فيها خواطر وعواطف وأدب، وليس علماً شرعياً، فالأصل في الشباب أن يتأصلون في العلم الشرعي، من خلال كتب الأئمة والفقهاء والعلماء، فينبغي أن يكون الإقبال على الكتاب والسنة وهذا ما عندي في هذه المسألة وفقني الله وإياكم للخيرات وجنبني وإياكم الشرور والمنكرات.

السؤال 364: ما صحة هذا الحديث وما معناه: {يؤجر المسلم في كل شيء إلا في شيء يضعه في التراب}؟
الجواب: الحديث صحيح وثابت في صحيح الإمام البخاري، فقد أخرجه برقم 5672، بسنده إلى خباب بن الأرت –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن المسلم يؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب}، وفي رواية عند الترمذي قال: أو قال {البناء}.
وهذا محمول على ما زاد عن الحاجة، فما لابد منه مما يقي الحر والبرد فيؤجر صاحبه عليه، وأما ما زاد عن الحاجة فهذا لا يؤجر صاحبه عليه، وفي رواية عند الطبراني في "الأوسط" عن أبي بشر الأنصاري: {إذا أراد الله بعبد سوءاً أنفق ماله في البنيان}، فإنفاق المال في البنيان ليس بمحمود، لاسيما التوسع في ذلك، والله أعلم.

السؤال 365: إذا تعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم، مع فعله، هل نقدم القول أم الفعل؟
الجواب: من المعلوم أن تقديم القول هو المسلك المتبع عند جماهير العلماء، لأن الفعل يعتريه الخصوص، ويعرف هذا بالاستقراء، والقول عام ،والفعل يعتريه نوع الخصوص فالقول مقدم على الفعل غالباً، والله أعلم..

السؤال 366: إذا زالت السترة من أما المصلي فإنه يتقدم إليها أو إلى غيرها، ما الدليل على ذلك ومن قال به من أهل العلم؟
الجواب: قال به مالك وغيره من أهل العلم، وبينت ذلك في كتابي "القول المبين في أخطاء المصلين" وأما الدليل فالعمومات من مثل قوله صلى الله عليه وسلم: {لا يصلين أحدكم إلا إلى سترة وليدن منها}، أي يقرب، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فأرادت شاة أن تمر بين يديه فتقدم حتى ألصق بطنه بالجدار، ومرت الشاة من خلفه، فينبغي للإنسان أن يكون حريصاً.
والناس يعتقدون أن الحركة في الصلاة بمحمودة، بل البعض يعتقد أن ثلاث حركات في الصلاة تبطلها، وهذه خرافة نبهنا عليها من قبل، فإن ترتب على الحركة إتمام وتحسين للصلاة فهي محمودة، فلو كان رجل يصلي ،في ممر الناس فتحرك خطوة وابتعد عن ممر الناس، حتى يصفو ذهنه، فهذا تقدم محمود، والأصل في الحركة الكراهة، لحديث عبادة بن الصامت في صحيح مسلم: {اسكنوا في صلاتكم}، لكن إن ترتب على الحركة القليلة في الصلاة تحسين فهذا محمود.
والضابط بين القليل والكثير في الحركة في الصلاة العرف فما يعرف أنه قليل فهو قليل، وما يعرف أنه كثير فهو كثير ،وقلنا بالقليل لأن الأصل في الصلاة أفعال مخصوصة، والإنسان إن أدخل شيئاً في الصلاة لحاجة وضرورة، فعليه أن يقل، لأن ليس هذا لأصل، والأصل في المسبوق أنه ليس بمأمور بالسترة، لكن إن ترتب على الحركة شيء مطلوب كفتح طريق للناس، فيتحرك قليلاً ليتفرغ ذهنه ويحسن صلاته.

السؤال 367: مسافر دخل في الصلاة خلف مقيم في التشهد الأخير أيتم أم يقصر، وما الدليل؟
الجواب: ثبت عند أحمد وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سنة عن إتمام المسافر خلف المقيم، فقال: ((تلك سنة أبي القاسم)) وقول الصحابي: تلك سنة أبي القاسم حجة، وحجيتها ودلالتها كحجية ودلالة الحديث المرفوع، فلما حكم الرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فالواجب على المسافر إن صلى خلف مقيم، سواء أدرك ركعة أم لم يدرك، أو أدرك شيئاً أو أدرك الصلاة من أولها فالحكم واحد، ومن فرق هو يحتاج للدليل على التفريق، فالأصل أن نستصحب الحديث بجميع صوره وحالاته ولو أدرك ركعتين من رباعية فعليه الإتمام.

السؤال 368: جاء في دعاء المسافر: {أنت الصاحب في السفر}، هل الصاحب من أسماء الله تعالى؟
الجواب: لا، الصاحب في السفر هذه صفة، وليست اسماً من أسماء الله عز وجل، ولا يجوز لأحد أن يدعو ويقول: يا صاحب، أو يسمى عبدالصاحب، فالأسماء يسأل بها الله عز وجل ويتعبد بها، أما الصفات فلا.

السؤال 369: جاء في الحديث: {يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود}، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وعائشة بين يديه، كيف نجمع بينهما؟
الجواب: ثبت في صحيح مسلم أنه يقطع الصلاة ثلاث ومن بينها المرأة الحائض، والمراد بالحائض البالغ، وليس المراد أنها حائض حال مرورها، إذ يتعسر معرفة ذلك، والراجح من أقوال العلماء أن المرأة الحائض إن مرت بين رجل وسترته وليس من بعد سترته أنها تبطل صلاته.
أما أن يصلي الرجل والمرأة بين يديه فيجوز ذلك كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عائشة، لكن لا يجوز المرور منها بين يديه فكل نص نضعه في موضعه، ولا نشوش على النصوص بعضها ببعض، والله أعلم..

369: هل هذا الحديث {رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر}؟
الجواب: هذا ليس بحديث، ويقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم، رجع من معركة فقال هذه المقولة، ويزعمون أن الجهاد هو جهاد النفس، وأن الجهاد الأصغر هو جهاد المعركة، وهذه المقولة قالها تابعي شامي اسمه إبراهيم بن أبي عبلة، أسندها عنه النسائي في كتابه "الكنى" وهو مفقود فيما أعلم، وأورد إسناد النسائي المزني في ترجمة إبراهيم في كتابه "تهذيب الكمال" فهذه مقولة تابعي وليست حديثاً نبوياً.

السؤال 370: في أحد المقررات الشرعية في فلسطين تعريف السنة بأنه ما ورد عن الرسول والصحابة من قول أو فعل، ما صحة هذا الكلام، وهل فعل الصحابي من السنة؟
الجواب: قول الصحابي الذي له حكم الرفع للنبي صلى الله عليه وسلم له قيود، وهذا الإطلاق الموجود في التعريف فيه توسع، وهو غير مرضي، فالصحابي إن صح القول عنه في الأمور الغيبية التي لا تدرك بالرأي ولا تعرف بالاجتهاد ولم يعرف عنه أخذ عن أهل الكتاب فقوله هذا له حكم الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة في بعض المسائل متعارضة ونعرف أقوالاً للصحابة أنكرها آخرون.
وبعض الصحابة أخذ عن أهل الكتاب كعبدالله بن عمرو، وابن عباس التقى بمن يأخذ عن أهل الكتاب وسمع منهم، فيعامل كمعاملة عبدالله بن عمرو بن العاص الذي وقعت له صحف في أجنادين فكان يروي منها، وأبو هريرة كابن عباس التقى ببعض من أسلم من اليهود، وكانوا يتناظرون بل التقى أبو هريرة بكعب الأحبار يوماً كاملاً وهو يقص عليه من أخبار بني إسرائيل، فأصبح حكمه كحكم من يأخذ عن بني اسرائيل.
والحاكم في "المعرفة" يقول: إن تفسير الصحابي له حكم الرفع، وأنكر ذلك عليه بكلام فيه إطالة، وهو مشبع ممتع، ابن حجر، في "النكت على ابن الصلاح" وبين أن هذا الكلام ليس على إطلاقه، فقد يجتهد الصحابي فيفسر آية بناءاً على ما يعلم من العربية، وكم من صحابي فسر بعض آيات القرآن وأورد أشعاراً في أثناء تفسيره وقد تقع الإصابة وقد لا تقع، فإذا كان قول الصحابي في القرآن ليس كله له حكم الرفع، فما بالكم فيما عداه من الأحكام الفقهية، والاجتهادات؟ وسئل ابن مسعود يوماً عن مسألة فعلقها شهراً، وبقي يطلب من السائل أن يتردد عليه شهراً كاملاً،حتى فتح الله عليه وانشرح صدره، لقول فيها، فلما أفتاه في مجلس قال بعض من في المجلس: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي بما قلت، وفرح ابن مسعود فرحاً شديداً.
لذا من أسباب اختلاف الفقهاء أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، تفرقوا في الأمصار، والسنة تفرقت معهم، فبعضهم ذهب للشام وبعضهم ذهب للكوفة، وبعضهم للبصرة، وبعضهم نزل اليمن وبعضهم نزل مصر، وسئلوا عن مسائل النبي سئل عنها، أو قال فيها، فقد يكون بعضهم اجتهد فيها ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعرف الحديث، فمن في البصرة، مثلاً، قال يقول النبي صلى الله عليه وسلم، ومن في الكوفة اجتهد فلم يقصد الصحابي إن قال قولاً يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد أن يعارض النبي صلى الله عليه وسلم معاذ الله، وإنما اجتهد عند الاضطرار.
ولذا بما أن الحق موزع بين الصحابة، فالحق أصبح موزعاً بين التابعين، ثم بقي موزعاً بين أتباعهم حتى وصل الأمر للأئمة الأربعة، فالأئمة الأربعة أئمتنا ونحبهم، ونتبرأ إلى الله ممن ينتقص أو يطعن فيهم، لكننا لا نقول أن أقوالهم كلها حق، فكما أن الحق توزع مع من قبلهم فأيضاً توزع الحق فيهم، ولسنا ملزمين في دين الله عز وجل، أن نتبع واحداً منهم، ونحن نبحث عن الحق، لاسيما أن أئمة الحديث كالبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي كانوا بعد الأئمة الأربعة، والأحاديث التي تفرقت في الأمصار جمعوها ودونوها وأصبح الباحث عن السنة والحق الأمر عنده ميسور.
ومخطئ في هذا الأمر اثنان ، مخطئ من ينتقص الأئمة الأربعة، ومخطئ من يقول: يجب أن نتبع واحد منهم، والصواب أن نعترف بقدرهم وأن نعرف أنهم اجتهدوا وبذلوا أقصى ما يستطيعون، ووصلوا الليل بالنهار، في البحث عن الحق فمن وفق إليه فله أجران، ومن لم يوفق إليه منهم فله أجر، وبذل الذي يستطيع، والواحد منا إن بلغه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالف قول إمام معتبر فليقل كما قال شيخ الإسلام في "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" : (هذا الإمام معذور، بتركه لهذا الحديث، وأنا لا يجوز إلا أن أتبع الحديث، ولا يجوز لي أن أقلد هذا الإمام) والله أعلم..

السؤال 371: ما حكم الكل بالأيدي دون الملاعق؟
الجواب: الأكل باليد هذه هو هديه صلى الله عليه وسلم، وهدي صحبه، والأكل يكون باليمين على وجه الوجوب، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم، رجلاً يأكل بشماله أن يأكل بيمينه، فقال: لا أستطيع، قالها كبراً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {ما استطعت}، فما استطاع بعدها أن يرفع يده إلى فمه، وليس في هذا غلظة ولا شدة، فلو أن رجلاً قال اليوم لرجل: النبي صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا، ولم يستجب، فأنبه أو دعا عليه، لاسيما إن كان الرد بسبب الكبر لا بسبب التأويل أوالخلاف المعتبر، لكان لهذا وجه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاثة أصابع، وهذا هو الخير وهو البركة، وأما الأكل بالخمس فهو الشره، وليس من السنة، وقد وجدت كلاماً لابن قتيبة في كتاب بعنوان "تفضيل العرب على العجم" أو "الرد على الشعوبيين" رد فيه على من يفضل العجم على العرب بقولهم: إن العجم يأكلون بالملاعق والسكاكين، وأن العرب ياكلون بأيديهم، ومن يأكل بالملعقة والسكين فهو أرقى ومتقدم اكثر ممن يأكل بيده، فأولى ابن قتيبة هذه الشبهة بكلام جيد فقال في كتابه: (وأما أكلهم بالسكين فمفسد للطعام، منقص للذته، والناس يعلمون، إلا من عاند منهم، وقال بخلاف ما تعرفه نفسه، أن أطيب المأكول ما باشرته كف آكله، والتقذر من اليد الطاهرة ضعف وعجب، وأولى من التقذر باليد البلغم واللعاب الذي لا يسوغ الطعام إلا به، ويد الطباخ والخباز تباشره، والإنسان ربما كان منه أقل تقذراً وأشد أنساً)، فإن كان لا بد من التقذر، فتقذر من يد من باشر الطهي والخبز والعجن.
فأكل اليد فيه لذة، وهو السنة، لكن لا يكون بشره، إنما يكون باليمين بثلاث فحسب، ومن لم يحسن الأكل بثلاث، ولم يستطع إلا بالخمس، فاستخدام الملعقة تقللاً من الشره أقرب للسنة من استخدام الخمس في المعنى لا في اللفظ، فمثل هذه المسائل ينظر فيها للمعنى، والأحسن قطعاً وقولاً واحداً في الدين والدنيا الأكل باليد، لكن على الحال الذي أكل به صلى الله عليه وسلم من غير شره، والله أعلم..

السؤال 372: ما هو مذهب أهل السنة والجماعة في الصفات؟
الجواب: مذهب أهل السنة وسط بين الجافي والغالي، وأهل السنة والجماعة، وعقيدة السلف الصالح في صفات الله عز وجل، أنهم يؤمنون بما أثبته الله عز وجل، لنفسه في كتابه، أو ما صح عن نبيه صلى الله عليه وسلم، في سنته، وربنا يقول: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين}، فبعد أن نزه الله عز وجل نفسه عن كل نقص أثنى على أنبيائه، لأن أنبيائه أعلم بالرب والمعبود، والإله سبحانه من غيرهم، فهم لا يصفون ربهم إلا بما يستحق، فنؤمن بما جاء في كتاب الله وبما جاء على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كما ورد من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تأويل ولا تعطيل.
وما ورد في الكتاب والسنة فعلى العين والرأس وذلك على حسب قوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}، وهي قاعدة كلية في الأسماء والصفات، فما أثبته الله عز وجل نثبته، ولا يجوز أن نقول: ليس مراد الله كذا، إنما مراد الله كذا، لأننا إن قلنا فمعنى ذلك أن هذا المراد قد شبهناه بالمخلوق، فما أولنا وما حولنا اللفظ عن ظاهره إلى غيره إلا لما قام في أذهاننا تشبيه والأصل أن الله عز وجل حق غيب نؤمن به على وفق ما ورد دون إعمال العقول، فالعقل دوره التسليم للنص، ويبحث عن صحة النقل فإن ثبت فالعقل ينبغي أن يستسلم، ولا يجوز للعقل أبداً أن يخضع الله عز وجل إلى القواعد التي عنده، فالله غيب نؤمن به كما ورد، فربنا يقول: {يد الله فوق أيديهم}، فلله يد، كيف اليد؟ معاذ الله أن نخوض في ذلك، فإنه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
وهذه الآية تفيدنا أصلين مهمين، الأصل الأول أن ما يخيل إليك من قبل الشيطان أن الله على نحو كذا أو كذا، فاضربه بقوله تعالى: {ليس كمثله شيء}، فالله عز وجل، على خلاف ما يخطر في البال، وينسج في الخيال، فكل ما يخطر ببالك فالله على خلافه، لأنه {ليس كمثله شيء}.
ومن باب الفائدة بالآية؛ علمنا ربنا أن نجمل في النفي، لما ننفي النقص عن ربنا، فليس من الأدب معه سبحانه أن نفصل في النفي، ومن الأدب معه سبحانه أن نجمل في النفي، ومن الأدب مع الله جل في علاه، أن نفصل في الإثبات لأن الله قال: {وهو السميع البصير}، فالنفي مجمل والإثبات مفصل، فليس من الأدب مع الله أن نقول: إن الله ليس بلحم، ليس بدم، ليس الله بكذا، كما يقول المعتزلة والفرق الضالة، فهم يفصلون في النفي، ويجملون في الإثبات وهذا على خلاف القرآن، والقرآن يعلمنا أن نجمل في النفي وأن نفصل في الإثبات فلا يجوز أن نعطل صفة ولا أن نؤلها ولا أن نشبهها ولا أن نخرجها عن لفظها، فمثلاً يقولون في قوله تعالى: {يد الله فوق أيديهم}، أي قدرة الله عز وجل، نقول: نحن لا ننكر أن قدرة الله فوق قدرة البشر جميعاً، لكن ننكر أن يكون المراد بالآية اليد هي القدرة، ولذا لما امتنع إبليس من السجود لآدم قال له تعالى: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي}، فلو كان المعنى بقدرتي لقال الشيطان: وأنت يارب خلقتني بيديك، فإن الشيطان خلق بقدرة الله، فإذن خلق الله آدم بيده على الحقيقة، وكيف ذلك؟ لا ندري كيف هي ونفوض أمرها إلى الله.
والصفات من المتشابهات إن أريد بها الكيفية وإن أريد بها المعنى فهي ليست من المتشابهات، وإنما من المحكمات، ذلك أن التشابه في الذوات يقتضي التشابه في الصفات، والتشابه في الصفات لا يقتضي التشابه في الذوات، فلو أخذنا صفات متعددات ونسبناها إلى ذوات مختلفات لاختلفت الصفات باختلاف الذوات، فكيف وذات الله ليست كذاتنا، ولنأخذ صفة الرأس، مثلاً، ونقول: رأس جبل، رأس إبرة، فاختلفت الصفة باختلاف نسبتها إلى موصوفها، فاختلفت الصفات باختلاف الذوات، فكيف لما تكون ذات الله عز وجل، ليست كذاتنا، وبالتالي فصفاته ليست كصفاتنا.
ومن عطل صفات الله فهو في الحقيقة يعبد عدماً، وسيخرج في النهاية إلى ذات ليس لها وجود في الخارج وإنما وجودها في الذهن وهذا يفتح علينا باب الإلحاد، والقرمطة والعياذ بالله، ومن اعتقد في صفات الله أنها كصفات البشر، هو في حقيقة أمره يعبد صنماً.
وبعض الناس يقولون: نحن نثبت الصفة، كاليد مثلاً، لكن لا نعرف معناها وهذا يلزم منه أن الله أنزل على جبريل كلاماً جبريل لا يعلمه، وأنزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاماً ومحمد صلى الله عليه وسلم لا يعلمه، فمن فوض المعنى ولم يفوض الكيفية فهذا مذهب ضلالة، لأن لازم ذلك أن جبريل قال صوتاً ما علم معناه، وأنزله على محمد صلى الله عليه وسلم ولم يعلم معناه، وأصبحت يد الله كأي صفة أخرى، ولما تأتي صفات متغايرات لذات الله عز وجل فإنه يقوم في الذهن أن لهذه معنى ولهذه معنى، وأن هذه غير تلك، وهذا ينقض أصل القول: بأن الأصل تفويض المعنى، لأنه يقوم في ذهن العاقل أن هناك تغاير بين الصفات لما تأتي متغايرات في الكتاب والسنة.
إذن نؤمن بما ورد في كتاب الله وبما ثبت في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، على النحو الذي ورد، ولا نعطل ولا نشبه ولا نكيف ولا نتخيل، والله على خلاف ما يخطر في بالنا، أما إن أردت ربك ومعبودك أن يدخل في عقلك هذا أمر لازمه أنك ما عرفت ربك حق معرفته، وما قدرته حق قدرته، وجاء رجل ملحد إلى أبي حنيفة، وبدأ يسأل عن ذات الله عز وجل، وكانا يجلسان على نهر الفرات، فأخذ أبو حنيفة رحمه الله يحفر حفرة صغيرة ويأخذ من ماء النهر ويضع في الحفرة، فيتكلم الملحد وأبو حنيفة يتشاغل عنه، فقال الملحد: يا هذا انقطعت في المناظرة وسقطت حجتك وليس لك كلام، أنا في ملذا وأنت في ماذا؟ فقال له أبو حنيفة: أنا أريد أن أنقل نهر الفرات في هذه الحفرة، فقال الملحد له: إنك لمجنون، فقال أبو حنيفة: هذا أنت إن عجزت أن تنقل هذا النهر في هذه الحفرة وأنت تريد مني أن أجعل ربي ومعبودي في عقلك!
فالرب حق نؤمن بأسمائه وصفاته على ما ثبت في الكتاب وصحيح السنة، ونمسك ولا نستفصل، كما ثبت نقول هو ثابت في كتاب ربنا، على مراد ربنا، من غير تعطيل ولا تخييل ولا تمثيل فهذا مذهب أهل السنة والجماعة في الصفات ومن أول شيئاً فهو خارج عن أهل السنة والجماعة ولا يلزم من التأويل الكفر فالذين يؤلون من أهل القبلة لا من أهل السنة ، والله أعلم .

السؤال 373: ما دلالة الحديث: {إن أبي وأباك في النار}؟
الجواب: هذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أنس: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أين ابي؟ فقال: {أبوك مع أبي}، فولى، فقال الناس: إنه يزعم أن أباه في النار، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: أين أبوك وأبي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي وأباك في النار}.
هذا الحديث بعض الناس أنكره، وبعض الناس أخرجه عن ظاهره، ونحن لا نحب الحديث في هذا الباب لأنه لا ينبني عليه عمل ،لكن حبنا لنبينا صلى الله عليه وسلم حب شرعي لا حب عاطفي، فنحن نحب نبينا من خلال النصوص وليس حبنا له لنتغزل بشكله وجماله، فحبنا له أن ننشر سنته وأن نتعلمها وان نعلمها هذا هو الحب الشرعي.
أبو إبراهيم عليه السلام فيما أخبر القرآن، {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين، وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون}، فجعلها كلمة باقية في عقب إبراهيم وأتباع إبراهيم إلى يوم الدين، يقولون لآبائهم وأقربائهم وأقوامهم إن كفروا وحادوا إننا براء منكم، فما الداعي لإخراج هذا الحديث عن ظاهره؟ هي العاطفة والأصل أن تدور العاطفة مع الشرع، وقد صح من حديث ابن مسعود وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يزور قبر أمه فأذن الله له، ثم استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لها فلم يؤذن له، والحديث على ظاهره.
هنالك أحاديث أن الله قد أحيا أبوي النبي صلى الله عليه وسلم فآمنا به، ثم مات مباشرة، وهذه الأحاديث لا اسانيد لها، كما قال السهيلي في "الروض الأنف" والعجب من أقوام يتركون الحديث الثابت في صحيح مسلم، ويعلمون بأحاديث لا أصل لها، ثم يقولون: العقيدة لا تثبت بخبر الآحاد، لكن تثبت بالخرافات والأحاديث التي لا أسانيد لها، وهي كلام قصاص ما أنزل الله بها من سلطان، وما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا ربنا أن ذلك كان مع أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، فمن استنكر هذا فليستنكر ذاك، والشرع في كل مسألة لها أشباه ونظائر، فهذا الحديث شبيه بمسألة في القرآن فلا يستنكر ذلك، إلا من جمحت به العاطفة ومن لم يدور مع النصوص الثابتة، واعمل الخرافة، والله أعلم.
السؤال 374: ما هو افضل كتاب تنصحنا بالقراءة فيه عن قصص الأنبياء عليهم السلام؟
الجواب: خير كتاب فصل أخبار الأنبياء كتاب الله عز وجل ،وذكرت قصص الأنبياء في كتاب الله مفصلة تارة ومجملة تارة، وبينها المفسرون، وما سلم بيان المفسرين من أخبار واهية، أو من إسرائيليات في بعضها يذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: {حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج}.
وممن ذكر أخبار الأنبياء بتفصيل ابن كثير في "البداية والنهاية" ثم استل قديماً ما يخص الأنبياء بكتاب خاص اسمه: "قصص الأنبياء" فقصص الأنبياء لابن كثير هو برمته في كتاب "البداية والنهاية" لكن ابن كثير جمع فأوعى، فأكثر الجمع ولم يعتن بالنقد، وجاء الحافظ ابن حجر فهذب كتاب قصص الأنبياء، لابن كثير في كتاب طبع حديثاً لأول مرة سماه "تحفة النبلاء في قصص الأنبياء" فهذب ابن حجر الأخبار، فأسقط الواهي والموضوع ونبه على أشياء، وحوى الأشياء النظيفة والأشياء المكتملة فكان كتابه من حيث النقل من أصفى الكتب.
أما من حيث التحليل والاستنباط والفوائد فقد كتب المعاصرون كثيراً في هذا الباب، ومن خير ما كتب من المعاصرين عندي ثلاثة أولهم محمد أحمد العدوي، في كتاب له اسمهع "دعوة الرسل إلى الله تعالى" له وقفات جميلة، والثاني الشيخ محمد الفقي في كتابه "قصص الأنبياء أحداثها وعبرها" والثالث الشيخ ربيع الوادعي في كتابه "منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله تعالى" فهؤلاء الثلاثة خير من كتب في قصص الأنبياء من حيث الوقوف على الحكم والموعظة والدروس المستنبطة والمستفادة بعد سرد ما ورد على وجه فيه إجمال والله أعلم..

السؤال 375: عقدت على فتاة متوسطة الجمال، ووافقت عليها أمي في أول الأمر إلا أنها بعد ذلك قالت إنها ليست جميلة ولا توافق عليها، مع أنها تطيعني فيما آمرها به، من أوامر الله عز وجل، فمن أطيع، أمي فأطلقها أم أمسكها؟
الجواب: إن كانت أمك عادلة تقية ورعة ذات علم وذات فهم وتقدير وتعلم ذلك منها، فأطع امك، فقد بدا لها ما لم يبدو لك، وقد يكون من حكمتها ألا تخبرك بما بدا لها. واما إن كانت أمك تبحث فقط عن الجمال، وتريد صفات متميزة، وهي ليست عادلة، وتغلب الدنيا على الآخرة، فلا تطعها، لاسيما إن عقدت عليها، فالطاعة بالمعروف والطلاق مما يحب الشيطان، والله أعلم..

السؤال 376: ما هو الوضع الصحيح في وضع اليدين في الصلاة، على السرة أم غير ذلك؟
الجواب: الأحاديث التي فيها قبض اليمين على الشمال ووضعها تحت السرة في الصلاة ضعيفة ومراسيل ولا يجوز الاحتجاج بها، لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن علي ذلك بأسانيد صحيحة.

السؤال 377: جاء عن الإمام مالك أنه قال عمن يحف شاربه، أرى أن يوجع ضرباً، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {أحفوا الشوارب} فما الجواب؟
الجواب: نعم من يحلق شاربه يوجع ضرباً، وهي مثلة كما كان يقول الإمام مالك، ومراد الإمام مالك في الإحفاء الحلق بالكلية، ومراد النبي صلى الله عليه وسلم: بقوله: {أحفوا الشارب}، أي خذوا منه وأكثروا من الأخذ، فالإحفاء معنى مشترك بني الأخذ بالكلية والتشديد في الأخذ، كما يقول الإمام ابن عبد البر.
وقد جاءت روايات أخرى فيها: {قصوا الشارب، جزوا الشارب، أنهكوا الشارب}، فرواية أنهكوا تبين لنا الإحفاء الوارد في الحديث، فالمراد الجز والأخذ حتى تظهر البشرة، فمن السنة أخذ الشارب أخذاً شديداً وليس الحلق فإنه مثلة، فالإحفاء الوارد في الحديث غير الإحفاء الوارد في كلام الإمام مالك، وحلق الشارب أسوأ من حلق الليحة ،وحلق اللحية عند الأئمة الأربعة حرام، فكيف بحلق الشارب.
أما ما روي عن عمر بن الخطاب أنه كان لما يقسم يفتل شاربه فهذا يحمل على أن الإنسان لا يضع كل اهتمامه وخلقه في شعره وشواربه، فأحياناً تمر بالإنسان مشاغل وأشياء تجعل شاربه ثخين، لأنه منشغل عن ذلك، كما تمر عليه أوقات لا يصبغ، ولا يكون عقله بالصبغ، لكن من السنة الصبغ بين الحين والحين، ومن السنة حتى تفقد الإنسان نفسه يستقصي شاربه ويأخذ منه شديداً فما تركه عمر عبادة إنما تركه للانشغال وما شابه، والله أعلم.

السؤال 378: المرأة التي عليها صيام شهرين متتابعين, كيف تقضي وهي يأتيها الحيض؟
المرأة التي عليها صيام شهرين متتابعين فجاء عذر شرعي أو عذر حسي فله أن يفطر فإن زال العذر فيجب عليه أن يتابع مع زوال العذر، فإنسان عليه صيام شهرين متتابعين فسافر سفراً معتاداً عليه أو حج، وقد أذن الشرع للمسافر أن يفطر، فله أن يفطر، وهذا عذر شرعي، والعذر الحسي مثل المرض، فيفطر ومتى زال المرض يرجع ويتابع.
والحيض عذر حسي، فامرأة قتلت رضيعها خطأ، فعليها صيام شهرين متتابعين، فجائها الحيض، تفطر، ولما تطهر من الحيض تتابع، ولو أنها أفطرت يوماً زائداً بعد الحيض، فيجب الإعادة من جديد، والمسافر إن أفطر يوماً بعد انقطاع السفر، فيجب الإعادة من جديد، فأيام السفر والحيض تسقط بلا حسبان ثم تصام فيما بعد، وهذا أمر معفو عنه، لا أعرف خلافاً يعتد به في المسألة.

السؤال 379: هل يجوز قتل الضفدع للتداوي؟
الجواب: الأصل في قتل الضفدع الكراهية، فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع، أما إذا ما وجد الدواء إلا فيها فهذه ضرورة وإذا وجد ما يسد مسد ما في هذا الضفدع لا يجوز القتل، والله أعلم..

السؤال 380: هل يجوز شراء الذهب بالتقسيط لأجل؟
الجواب: الذهب ينبغي أن يباع يداً بيد مثلاً بمثل، وأحكام النقود كالذهب، والمعتد بهم من الفقهاء، يوجبون الزكاة على النقد، الذي بين أيدينا، لأنها في حكم الذهب فلما تشتري ذهباً بنقود ينبغي أن يكون يداً بيد، فلا يجوز شراء الذهب ديناً، والله أعلم..

السؤال 381: ما حكم من زوج ابنته لرجل لا يصلي أو لرجل يصلي لكن عنده معاصي ظاهرة كترك الجماعة وحلق اللحية والتدخين؟
الجواب: الأصل ألا يزوج المسلم ابنته إلا لصاحب خلق ودين، وينبغي النظر إلى الأمرين مجتمعين، الخلق والدين، فليس الدين فقط، ولا الخلق فقط، وإنما مجتمعين، قال صلى الله عليه وسلم: {إذا جائكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض}.
والذي لا يصلي عند بعض أهل العلم كافر، والعياذ بالله، والراجح التفصيل، إن كان جاحداً فكافر، وإن كان متكاسلاً ففاسق، وتزويج الفاسق حرام لا يجوز، لكن النكاح صحيح، ووطئه ليس بزنا، ولكن ولي أمر الفتاة يكون آثماً وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: {من زوج موليته إلى مبتدع فقد قطع رحمها}، فمن يزوج ابنته لفاسق أو مبتدع فهو في حقيقة الأمر يقطع رحمه، فكيف وتارك الصلاة اليوم يستهين بكثير من المحرمات فتارك الصلاة عنده كثير من المحذورات والمخالفات، ولا يقيم وزناًَ للحلال والحرام، فقد يأتي زوجته وهي حائض، وقد يأتيها في الدبر، وقد يستمتع بها على حال غير شرعي، وقد يطلب منها أن تنزع الحجاب، وقد يطلب منها أن تصافح الرجال وغير ذلك، فمن يزوج موليته لمثل هذا يعرضها للإثم والكبائر وإلى أن تفتن في دينها، فيحرم على ولي الأمر أن يزوج ابنته رجلاً ليس بصاحب دين، أو ليس بصاحب خلق، وإن كان من المصلين وصاحب ثوب ولحية ويصلي في الصف الأول، وليس بصاحب خلق لا يزوج.
ويعرف خلقه ودينه بالسؤال والتحري وأعجب من كثير من أولياء الأمور يعرفون إخوة أو أصدقاء يعظمون لأوامر الله ودينه، وعندهم بنات أو أخوات ويبحثون عن غيرهم، وهذا من العجب العجاب، وجاءني مرة شابان من السعودية فقال أحدهما: أريد زوجة من بلاد الشام، وكان الظرف صعباً على إثر أزمة الخليج، التي فرقت الشعوب، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فألقى الله في قلبي شيئاً فقلت له: يا فلان لماذا تصاحب فلاناً؟ قال: إني أحبه ونعم وصاحب دين وخلق، قلت أترضى أن يكون صهراً لك، قلت للاخر: أ عندك أخت؟ قال: نعم، قلت : أتقبل أن يكون فلان صهرك؟ قال : نعم، فرجعا وتزوج أخت صاحبه في هذا السفر، فأنت قد تتعب وأنت تبحث عن زوجة ،وعندك أخ في المسجد وأنت تحبه وهو يحبك وعنده أخت تناسبك، وهو يتمنى لو أنك طلبت أخته، وليس من العيب أن يعرض الرجل ابنته أو أخته على من يرى أنه صاحب دين، وهذا صنيع الخلفاء الراشدين.

السؤال 382: هل مرور المرأة أو الطفل أو الشاة بين يدي المصلي هل يبطل الصلاة أم أنها لا تكون على الوجه التام؟
الجواب: ثبت في صحيح مسلم: {يقطع الصلاة ثلاث، المرأة الحائض والحمار والكلب الأسود}، فهذه الأصناف الثلاثة إذا مرت بين المصلي وسترته تقطع صلاته، وعلى أرجح الأقوال أنها تبطلها، وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله، والمراد بالحائض : البالغ.
وأما ما عدا هذه الأصناف كالصبي والشاة وغيرها، فقد صح عن ابن مسعود قوله: ((إنها تنقص نصف أجر الصلاة)) كما في مصنف ابن أبي شيبة، وقول ابن مسعود هذا موقوف له حكم الرفع، لأنه من أمور الغيب، وقوله هذا يقوي القول ببطلان الصلاة بمرور الحائض والكلب الأسود والحمار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قد خصها بالذكر بشيء خاص، والله أعلم.

السؤال 382: هل يجوز أن تقبل أو تؤكل هدية، رجل يعمل في بنك؟
الجواب: يجوز ذلك، لكن من توسع في قبول الهدية ممن يعمل في بنك معظم حق الله عليه تجاهه، فيجب عليه الأمر والنهي والنصيحة بالحسنى.

السؤال 384: هل يجوز أن أدعو إلى الله وأن آمر بالمعروف وأنه عن المنكر، مع أني لا أطيق أعمال الدين جيداً؟ وهل هذا من باب {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم}؟
الجواب: ذكر ابن الجوزي في كتابه "تلبيس إبليس" أن من مداخل الشيطان على الإنسان أنه إن رأى منكراً وكان الرائي يفعله فإنه يقول له: لا تنكر، فقال الواجب على من رأى منكراً وهو يفعله الواجب عليه أمران: أن ينكر حتى يظهر الشرع وتعاليم الشرع، ويزول المنكر ويتأكد في حقه أن يقلع عنه، أما أن تسكت وأنت تفعل المنكر فقد وقعت في إثمين، فإن أمرت وبقيت على المنكر فأنت واقع في إثم، فالواجب أن تنكر وأن تجأر إلى الله كي تتخلص من هذا البلاء،الذي أنت فيه، والله أعلم..

السؤال 385: طالب علم حريص على دروس العلم، وتحصيل العلم الشرعي، فيؤثر ذلك على عمله، وتحصيل لقمة العيش له، ولمن يعول، فما هي حدود ذلك؟ مع إسداء النصيحة لنا للتوفيق بين الأمرين؟
الجواب: هذا أمر من الله عز وجل، فالله يوفق من يشاء لما يحب ويرضى، وربك يخلق ما يشاء ويختار فلا يجوز للإنسان بحجة القراءة وطلب العلم أن يضيع أهله وأن يضيع من يعول، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: {كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول}.
وقلت أكثر من مرة أن الجهاد ليس هو أشق واجب شرعي، وإنما عندي أشق واجب شرعي أن تعطي كل ذي حق حقه، فالزوجة والأولاد لهم حق، والمطلوب من الإنسان أن يجمع بين كل الخير، وأن يكون له نصيب من كل خير، فالعبادة لا تطلق في الشرع فقط على الصلاة والصيام والحج، وإنما أيضاً من سعى ليعف نفسه، ويطعم أهله وحسنت نيته فهذا في عبادة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {وأن يضع الرجل اللقمة في فم زوجته صدقة}، ولذا لم يتسنى لجميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينقطعوا للأخذ عنه، وهو رسول الله وسيد المرسلين ،فأبو هريرة كان يقول عن غيره: ((شغلتهم الأسواق)) وكان الصحابة يتناوبون فجمعوا بين إعفاف النفس والعمل وبين الأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا حريصين على الخير، ومع ذلك ما ضيعوا من يعولون فمن جلس بحجة العلم وضيع من يعول، فهذا ليس من دين الله في شيء.
ومن يسر الله له تفرغاً ويساراً في الدنيا، أو وسيلة بأقل وقت، وصرف سائر وقته في العلم والعبادة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث نغفل عنه: {نعمتان مغبون فيها كثير من الناس، الصحة والفراغ}، فيا عبد الله إن كنت صحيحاً فارغاً فأنت في نعمة عظيمة وجليلة، فاحرص على هذه النعمة، وطلب العلم اليوم يحتاج إلى شباب وقوة وجلد وسهر، الكبير في فراغ لكنه ليس في صحة، والإنسان الذي عنده نهم لطلب العلم وما عنده فراغ فهذا لم يكتمل له تمام النعمة، والحياة اليوم في دعة وراحة، والوظائف اليوم جلها يبقى لك من النهار الشيء الكثير، لكن العلة اليوم في الهمة، فهمم الناس ضعيفة، ويقينها على فضل العلم الشرعي، حاجته ليست كما ينبغي.
فلا يجوز للإنسان ترك العمل ويجلس وأيضاً لا يجوز للإنسان أن ينصرف عن العلم الشرعي، وعن العبادات وينشغل بالدنيا بالكلية، والسعيد من وضع الأشياء في أماكنها والله الموفق للخيرات والهادي للصالحات.

السؤال 386: هل إذا حصل بين الإنس والجن زواج يكون شرعياً، وهل يستطيعون أن ينجبوا أطفالاً ولأي الفئتين ينتسب الأطفال إذا كان هنالك أطفال؟
الجواب: أما الجن فإن معنى جن في اللغة غطى وغاب، ولذا إذا أخذنا استقاقات جن في اللغة، وجدنا التغطية والغياب هي القاسم المشترك بينها، فتقول جنة إذا غابت تربتها بالحفرة وتقول حجن إذا غطى صدر صاحبه في المعركة، وتقول مجنون إذا غطي عقله، وتقول جنين إذا غطي في بطن أمه، ويقال جِنٌ إذا غاب عن الأبصار.
والجن لا نعرفه معرفة تفصيلية إلا من خلال الأخبار التي ثبتت في الكتاب والسنة، والعقل لا يجوز له أن ينكر الجن ،ومن أنكر الجن بالكلية فيخشى عليه من الردة والكفر، فالقول العصري أن المراد بالجن الفيروسات وما شابه فهذا ضلال، والعياذ بالله.
وربنا قال عن الجن كنا طرائق قدداً فالجن منهم الصالحون ومنهم المفسدون، وطرائق قدداً أي أصحاب مذاهب شتى؛ فكان يقول بعض التابعين: في الجن شيعة وخوارج وأشاعرة، وأهل سنة.
والجن في أصل خلقتهم كما ثبت في "مستدرك الكبير" وعند البيهقي في "الأسماء والصفات" من حديث أبي ثعلبة الخشني، رضي الله تعالى عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: {الجن ثلاثة أصناف فصنف لهم أجنحة، يطيرون بها في الهواء، وصنف حيات وكلاب وصنف يحلون ويظعنون}، والجن خلق من خلق الله عز وجل، مكلفون مأمورون منهيون، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وأمرهم ومنهم من استجاب له ومنهم من كفر وضل، والعياذ بالله.
فالجن خلق من خلق الله لا يجوز لأحد أن ينكرهم، ولا يجوز لأحد أن يفصل عنهم بعقله، ولا بتجربته.
أما زواج الجن للإنس فالمتعة حاصلة، فقد يتمتع الإنسي بالجني، والجني بالإنسي، لكن الزواج بالمفهوم الشرعي هل هو حلال؟ لا، والأحاديث التي فيها التصريح بوقوع الزواج من الإنسي للجني، كلها ضعيفة لم تثبت في سنة، بل استنبط غير واحد من الفقهاء من قول الله عز وجل {ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجاً}، أن فيه دلالة على أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج امرأة من غير جنسه، وورد عند أبي داود في سننه من حديث عائشة (برقم 5107) قالت عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هل رُئي فيكم المغربون؟} قلت: وما المغربون؟ قال: {الذي يشترك فيهم الجن}، وهذا حديث لم يثبت، وكذا أخرج أبو الشيخ في "العظمة" وابن عدي في "الكامل" وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أحد أبوي بلقيس كان جنياً}، وهذا أيضاً ضعيف جداً، وهنا قصة لم تصح ولم تثبت من الإمام مالك أنه سئل: هل يجوز للرجل أن يتزوج الجنية؟ فسكت ولم يجب، ثم في مجلس خاص سئل: لِمً لَمْ تجب؟ فقال: (يجوز لكن أخشى أن تأتي المسلمة حاملاً من الزنا، ويقال لها: ماذا فعلت؟ فتقول: تزوجني جني) فهي غير صحيحة عن مالك، ومدارها على رجل يكنى أبي عثمان واسمه سعيد بن داود الزنبري، وهو ضعيف جداً، ولم ترد القصة عن غيره.
وقد ذكر الألوسي في تفسيره عند ذكر بلقيس، ذكر حكايات كثيرة جداً وقال هي أشبه شيء بالخرافات، وقال: إن الظاهر على تقدير وقوع التناكح بين الإنس والجن الذي قيل يصفع عنه السائل لحماقته، فعلى تقدير التناكح فلا يكون بينهما توالد.
وقد اتصل بي شيخنا مرة، وقد علم أني أجمع كلام شيخ الإسلام عن الجن وله كلام بديع، فقال لي الشيخ مرشداً: هل وقفت على كلام الألوسي في تناكح الإنسي من الجني؟ فقلت له: لا، قال: فاسمع، وألقى علي كلام الألوسي وهو جميل جداً، وهو قوله: (ثم ليت شعري إذا حملت الجنية من الإنسي هل تبقى على لطافتها فلا ترى، والحمل على كثافته فيرى، أو يكون الحمل لطيفاً مثلها فلا يريان، فإذا تم أمره تكثف وظهر كسائر بني آدم؟ أو تكون كشكل نساء بني آدم، ما دام الحمل في بطنها؟ وهو فيها يتغذى وينمو بما يصل إليها من غذائها وكل من الشقوق [أي التفريعات السابقة] لا يخلو عن استبعاد كما لا يخفى) فالحمل والزواج غير وارد، أما الاستمتاع والتمتع فهذا حاصل.
الجن مخلوقات ليست كثيفة قد تحل البدن، وإن حلت البدن قد يحصل استمتاع، لكن لا يجوز أن نقول: النكاح شرعي بين الإنسي والجني ولا يجوز أن نقول عن أحد أبويه جنياً، ومن اللطائف أن الإمام الذهبي في "السير" (4/459) قال عن الطحاوي: حدثنا يونس بن عيد الأعلى قال: قدم علينا رجل كذاب، اسمه يغنم بن سالم، فجئته فسمعته يقول: تزوجت امرأة من الجن، فقال يونس بن عبد الأعلى فلم أرجع إليه، فالعلماء قديماً كانوا يعتبرون هذا الكلام من باب الخرافة ومن باب الكذب، فمن يخبر أنه تزوج جنية وكان يجلس ويحدث لا يرجع إليه ولا يتكلم معه.
وقد ذكر صاحب "سلك الدرر" (2/12) أن الحامد العمادي له رسالة سماها "تقاقع الشن في نكاح الجن" ونفى وقوع النكاح الجن بالكلية.
أما الصرع فلا يبعد أن يقع صرع، وصرع الجن للإنس من عقيدة أهل السنة والجماعة ولم ينكره إلا المعتزلة، فالذي ينكر دخول الجني ببدن الإنسان معتزلي، وليس بسني، فالأدلة الكثيرة الصريحة الصحيحة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها جواز دخلو الجني بدن الإنسي، بل في القرآن الكريم ما يدل على ذلك، فمثلاً في الحديث المتفق عليه عن ابن عباس، أن امرأة سوداء قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: {إن شئت دعوت الله لك، وإن شئت صبرت ودخلت الجنة} فقالت: أصبر لكن أدع الله لي ألا اتكشف، فدعى الله لها، فأصبحت تصرع ولا تتكشف، والنظر في طرح هذا الحديث يجد أن صرعها كان بسبب الجن، وقال الحافظ ابن حجر: يؤخذ من طرق هذا الحديث أوردتها أن الذي كان بأم زخر كان من صرع الجن،لا من الخلط، فالصرع الذي يطرأ على الدماغ قسمان: بسبب الجن أو بسبب أخلاط في الدماغ ناتجة عن أبخرة فاسدة تخرج من المعدة إلى الدماغ أو أسباب أخرى توقع خلل في الدماغ، فالحافظ ابن حجر يقول: أن صرع المرأة السوداء أم زخر كان بسبب الجن لا بسبب الأخلاط، وربنا يقول: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}، والآية صريحة في أن مس الشيطان يقع في حق من يأكل الربا، وقال ابن تيمية : لا أدري هو في حق من يأكل الربا، أو في حق من يقول: البيع مثل الربا، ولا يبعد أن يقع المس في الطرفين، والزمخشري في "الكشاف" يقول: وتخبط الشيطان من زعمات العرب يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرعه، والزمخشري معتزلي، و"الكشاف" صوبه ابن المنير، وبين ما عنده من اعتزاليات، فقال ابن المنير في كتابه: الانتصاف في بيان اعتزاليات صاحب الكشاف قال: وهذا القول [أي الصرع] أي الحقيقة من تخبط الشيطان بالقدرية، في زعماتهم المردودة بقواطع الشرع، أي قولهم أن هذا من تخبطات العرب، هذا من تخبط الشيطان بهم، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما من مولود يولد إلا يمسه الشيطان فيستهل صارخاً} تم ذكر حديث {التقطوا صبيانكم أول العشاء فإنه وقت انتشار الشياطين} وأمر النبي صلى الله عليه وسلم لنا أن نحبس أولادنا، وقت انتشار الشياطين، أمر معقول المعنى وهو المس.
وقال ابن المنير أيضاً : بعد إيراد هذين الحديثين: واعتقاد السلف وأهل السنة أن هذه أمور على حقائقها واقعة كما أخبر الشرع عنها، وإنما القدرية خصماء العلانية، فلا جرم أنهم ينكرون كثيراً مما يزعمونه مخالفاً لقواعدهم، من ذلك السحر وخبطة الشيطان، ومعظم أحوال الجن وإن اعترفوا بشيء من ذلك فعلى غير الوجه الذي يعترف به أهل السنة وينبئ عنه بظاهر الشرع في خبط طويل لهم فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون.
والبعض يحتج بقول الشافعي: من زعم أنه يرى الجن فهو فاسق ترد شهادته، وهذا القول صحيح عن االشافعي أسنده عنه بإسناد بصحيح الإمام البيهقي في "مناقب الشافعي" لكن ليس في قول الشافعي ما يدل على إنكار المس إنما الشافعي يريد أنه من يزعم أنه يرى الجن على الحقيقة التي خلقهم الله عليها، فبعض الناس يحملون هذا الكلام على غير محمله ،ويحملونه ما لا يحتمل، وهذا من الضلال وربنا يقول عن الشيطان: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} فالشيطان وأعوانه يرونا ولا نراهم، فالشافعي قال ما قال، استنباطاً من هذه الآية، لكن الشيطان يتشكل على صورة امرأة صورة هر، صورة عجوز وغير ذلك ،فعندها يرى كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة فالاستدلال بهذا القول على إنكار الصرع استدلال فاسد لا وزن له، وقد قال عبد الله ابن الإمام أحمد قلت لأبي: إن أقواماً يقولون إن الجني لا يدخل في بدن المصروع، فقال: يا بني إنهم يكذبون، إنما الشيطان يتكلم على لسانهم.
وقال شيخ الإسلام في "الفتاوى" (24/267) وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع وغيره، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك فقد كذب على الشارع وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك، ويذكر أيضاً في "مجموع الفتاوى" (19/12) أن طائفة من المعتزلة كالجبائي وأبي بكر الرزاي وغيرها ينكرون دخول الجن في بدن المصروع فالنغمة التي نسمعها اليوم من إنكار صرع الجني للإنسي نغمة قديمة قال بها أئمة الضلالة المعتزلين، والأدلة صحيحة وصريحة، واضحة بينة على إثبات دخول الجني بدن الإنسي.
ومن الأدلة على ذلك أن عثمان ابن العاص شكى لرسول الله صلى الله عليه وسلم نسيان القرآن، وفي رواية عرض لي شيء في صلاتي حتى أني لا أدري ما أصلي، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ووضع يده على ظهره وكان يضرب على ظهره ويقول: يا شيطان أخرج من صدر عثمان، وهذا حديث صحيح صريح في أن الجني يصرع الإنسي وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم،: {إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم}، وقوله أيضاً: {إن الشيطان جاثم على قلب إبن آدم}أو قال{واضع خطمه على قلب ابن آدم ،إن ذكر خنس، وإن نسي وسوس}.
وهذه عقيدة مشهورة عند الأقدمين وممن قال بها أبو الحسن الأشعري، فقال في كتابه "مقالات الإسلاميين" (435-436): واختلف الناس في الجن هل يدخلون في الناس على مقالتين؟ فقال قائلون محال أن يدخل الجن في الإنس، وقال قائلون يجوز أن يدخل الجن الناس، لأن أجسام الجن أجسام رقيقة فليس بمستنكر أن يدخلوا في جوف الإنسان من فروقه، كما يدخل الماء والطعام في بطن الإنسان وهو أكثف من أجسام الجن، ويكون الجنين في بطن أمه وهو أكثف من الشيطان، وليس بمستنكر أن يدخل الشيطان إلى جوف الإنسان, وقال رحمه الله في كتاب "الإبانة" (32) : ونقر أن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويخبطه خلافاً للمعتزلة والجهمية، كما قال تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما الذي يتخبطه الشيطان من المس}.
وقال الإمام البقاعي في تفسيره "نظم الدرر" (4/112) : مشاهدة المصروع يخبر بالمغيبات وهو مصروع غائب، وربما كان يلقى في النار وهو لا يحترق، وربما ارتفع في الهواء من غير رافع، فكثيراً جداً مشاهد... إلى غير ذلك من الأمور الموجبة للقطع، أن ذلك من الجن أو الشياطين.
ولا يستنكر أبداً أن يكون الجني مع الإنسي وقد أخبر ربنا عز وجل في كتابه فقال: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين، وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون، حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين}، فمن يضعف عن ذكر الله عز وجل الشيطان يتخبطه لاسيما إن كان في مجلس غفلة أو كان يأكل الربا، وقل من ينجو من تخبطات الشيطان فالإنسان كالحصن والحصن له أبواب ومنافذ وهذه الأبواب والمنافذ إن لم يكن عليها حراسة فإن العدو يطمع في دخول هذا الحصن، وإن لم يحصن الإنسان نفسه بذكر ربه عز وجل وبالبعد عن المحرمات ومجالس الغيبة والغفلة فإنه معرض لأن يمسه الشيطان وأن يلعب به وأن يصرعه ويدخل بدنه.
وأختم بكلام لابن القيم في "زاد الميعاد" (4/63) قال: وبالجملة فهذا النوع من الصرع وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة، وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله تكون من جهة قلة دينهم، ولو كشف الغطاء لرأيت أكثر النفوس البشرية صرعى هذه الأوراح الخبيثة وهي في أسرها وقبضتها تسوقها حيث شاءت ولا يمكنها الامتناع عنها ولا مخالفتها وبها الصرع الأعظم الذي لا يفيق صاحبه إلا عند المفارقة، والمعاينة، فهناك يتحقق أنه كان هو المصروع حقيقة، والله المستعان فكثير ممن ينكر الصرع مصروع، نسأل الله العفو والعافية إنكار الصرع ضلال، وهو مذهب الفرق الضالة قديماً، أما ما يذكر أنه أخذت لقطة بالكاميرا لجني ونشرت في بعض الصحف فهذه خرافة، فالتوسع في إثبات الجن من غير إخبار خطأ، والتوسع في إعمال العقل خطأ، والصواب أن ندور مع ظواهر النص، والله أعلم....

السؤال 387: بعض الناس يصلون سنة الجمعة البعدية بعد الصلاة مباشرة هل هذا العمل صحيح؟
الجواب: لقد حرص الإسلام على جعل الإشياء في أماكنها ولذا إعمالاً لهذه القاعدة حث الشرع على تعجيل الفطر، وتأخير السحور حتى يقع الفطر في أول الوقت الذي يجوز فيه الأكل، ويقع السحور في آخر الوقت الذي يجوز فيه الأكل، وكذا منع الشرع أن يصام قبل رمضان بيوم، وحرم الشرع أن يصام بعد رمضان بيوم، حتى مع مضي الزمن يبقى رمضان ظاهراً من حيث البداية ومن حيث النهاية.
وكذا صلاة الجمعة، فصلاة الجمعة صلاة مستقلة قائمة برأسها وليست بديلة عن الظهر، والرافضة لا يصلون الجمعة بغياب الإمام وكثير منهم إن صلى خلف الإمام لا يسلمون، ولما يسلم الإمام يقومون ويصلون ركعتين فيوصلون الأربعة معاً، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن توصل السنة بالفريضة، وقد ثبت في صحيح الإمام مسلم (برقم883) بسنده إلى عمر بن عطاء بن أبي الخوار، أن نافع بن جبير أرسل إلى السائب يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال: نعم، في المقصورة، فلما سلم الإمام قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إلي فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك، ألا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج.
وخير صلة للصلاة أن نخرج، ونؤدي النافلة في البيت، فالقاعدة عند الصحابة والتبعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وما يحرص عليه المقتدين ألا يصلوا النافلة والرواتب إلا في البيوت، وثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إذا رأى رجلاً يصلي سنة المغرب في المسجد ضربه بدرته، وأمره أن يرجع إلى بيته فيصلي النافلة فيه، وثبت في صحيح مسلم بسنده إلى جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه،قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً}، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً}، فالقبور لا يصلى عندها، فاليوم بيوت الناس كالقبور، ولا يذكر الله فيها إلا قليلاً، والشياطين تذكر في البيوت أكثر من ذكر الله، فالتلفاز والمحطات الفضائية وما يسخط الله يذكر في بيوتنا إلا من رحم الله منا، عبارة عن مطاعم وفنادق، فهي أماكن للطعام والنوم، وأما العلم والذكر فإن الأب اليوم، للأسف، يخجل أن يجمع زوجته وأولاده على قراءة للقرآن في البيت، وإن فعل فإن الأولاد يتضاحكون فيما بينهم، أما أن يشتري بأمواله تلك الأجهزة التي يعرض من خلالها أفسق الفسقة وأفعالهم من الخنا والفجور فهذا أصبح علامة خير، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة}، والمخاطبون في هذا الحديث هم الصحابة رضوان الله عليهم، وكانوا يصلون في مسجده صلى الله عليه وسلم، والركعة فيه بألف ركعة، فصلاة السنة في البيت أفضل من صلاة ألف ركعة في المسجد، بل ذهب بعض أهل العلم إلى أن صلاة الراتبة في البيت أفضل من الصلاة في بيت الله الحرام، والصلاة فيه بمئة ألف ركعة، والناس بسبب جهلهم تفوتهم أجور عظيمة فمن أراد أن يحصل الخير بأجمعه وكلياته فعليه بالعلم ،فإن تفقه وتعلم فإنه يعرف ماذا يحب الله، فيعمل أعمال قليلة وفيها خير كثير، وكان من هدي السلف أنهم لم يكونوا يصلون الراتبة في المسجد ،بل عرف عن بعض الصالحين أنه ما كان يصلي في المسجد إلا الفريضة فقط.
وإن صلينا الراتبة في المسجد لضرورة فلابد أن نفصلها عن الفريضة لاسيما الجمعة، حتى لا نتشبه بالرافضة الذين لا يسلمون على رأس ركعتين ويصلون الركعتين بالجمعة وينون الظهر والإمام يصلي الجمعة، وأمرنا بمخالفة الضالين.

السؤال 388: إذا زنا رجل بامرأة وحملت منه هل ينسب الولد له وهل يحق لنا أن نقول إن هذه المرأة عاهر، ولو زنت لمرة واحدة فقط؟
الجواب: إن لم يعرف عن هذه المرأة أنها زانية، ويتيقن هذا الرجل أنه ما اتصل بها غيره، فله أن يلحق الولد به، وقد قال بهذا جمع من الأقدمين، من أهل العلم، فهو قول اسحق بن راهويه، وذكر عن عروة،وسليمان بن يسار، وقال الحسن البصري وابن سيرين: يلحق الولد بالواطئ، إذا أقيم عليه الحد، ويرثه، وكذلك قال بالإلحاق إبراهيم النخعي، وقال أبو حنيفة: لا أرى بأساً إن زنا الرجل فحملت منه أن يتزوجها مع حملها ويستر عليها والولد ولده، وهذا اختيار ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوي" (32/112-113، 139) وثبت في "موطأ" مالك أن عمر رضي الله عنه، كان يليط [يلحق] أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام.
وهذه الفتوى توسع على الشاردين البعيدين عن الله، عز وجل، من المسلمين، الذين يقيمون في ديار الكفر، فكثيراً ما نسأل فيقول السائل: تكون لي صاحبة وأعاشرها بالحرام، والعياذ بالله، ولا تعاشر غيري بيقين، فحملت مني، وأريد أن أتزوجها، فهل هذا الولد ولدي أم لا؟ من اقوال هذه الثلة من التابعين ما يخول جواز هذا الإلحاق.
أما لو كانت هذه المرأة يزني بها كثيرون فالولد لا ينسب للزاني، وإنما ينسب ابن الزنا لأمة، ولو كان لهذه المرأة فراش شرعي،وزنت وحملت، ولا تدري ممن حملت، فالولد ينسب لصاحب الفراش الشرعي، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الولد للفراش وللعاهر الحجر} ، فالولد ينسب للزوج، وللعاهر الحجر، أي للزاني الرجم، لأن المرأة المتزوجة لا يطمع أن يزنى بها إلا المتزوج، والله أعلم...

السؤال 389: هل يجب على المرأة خدمة زوجها من صنع الطعام وغسل الثياب وكنس البيت؟
الجواب: المسألة فيها خلاف بين الفقهاء قديماً، وكان قديماً قد شاعت ظاهرة الخدم والإماء ،وكانت المرأة لا تخدم بحكم كثرة وجود الإماء والخدم، والأمة كانت تشتريها الزوجة، ومن يقرأ ما كتب في تراثنا في أسعار العبيد وشرائهم يعلم أن الأمة كلما كانت بشعة كان سعرها أغلى، لأن المرأة هي التي تختارها وتعلم أن لزوجها أن يطأها إن ملكها أما أمة زوجته فلا يطأها حتى يملكها.
وبعض أهل العلم قديماً قال: ليس على المرأة خدمة لزوجها، وهذا ليس بصحيح والصحيح العشرة بين الزوجين بالمعروف، وعليه فيجب على المرأة أن تخدم زوجها الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، وتتنوع هذه الخدمة بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، فالبدوية مثلاً ترعى الغنم ويجب عليها أشياء تختلف عن الواجب على القروية، وليست خدمة القوية كالضعيفة، ولا الصحيحة كالمريضة، وليست خدمة امرأة الغني كالفقير، فهذه بحقها خدمة، وتلك بحقها خدمة، فيتنوع الواجب على المرأة بتنوع الأحوال، والواجب الخدمة التي تقع في العادة من مثل هذه المرأة لمثل هذا الزوج.
وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة بخدمة البيت وقضى على علي بما كان خارجاً من البيت، وقد ثبت أن فاطمة رضي الله عنها، أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى من الرحى وسألته خادماً يكفيها لذلك، فأرشدها النبي صلى الله عليه وسلم لأمر عجيب فيه سر لا يعرفه إلا المجرب، فأرشدها إلى أن تسبح قبل أن تنام ثلاثاً وثلاثين، وتحمد ثلاثاً وثلاثين، وأن تكبر أربعاً وثلاثين، وهل بين الشكوى والإرشاد صلة؟ نعم، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (من حافظ على التسبيح والتحميد والتكبير قبل النوم فإنه يرزق بهمة وقوة على عمل لا يعلمها إلا الله عز وجل}، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشدها لما شكت ضعفها إلى ما يقويها على عملها، وهو الذكر قبل النوم.
فالنبي صلى الله عليه وسلم ما أوجب لها خادمة، وقد قضى عليها بالعمل في بيتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر عائشة وسائر أزواجه فكان يقول: {يا عائشة اسقينا يا عائشة أطعمينا}، وكان يقول: {يا عائشة هلمي الشفرة واشحذيها}، فكان يأمرها بالعمل، فالواجب على المرأة خدمة زوجها الخدمة التي تجب على مثلها لمثله، وليس الزوج المضياف كغير المضياف، فإن كان مضيافاً فعليها خدمة زائدة، وهذا الحد يعتد به بالعرف والعادة، وكما يقولون : العادة محكمة، وهذه قاعدة من القواعد الخمس الكلية التي يدور عليها الفقه في جل مسائله، أما القول بأن الخدمة ليست واجبة في حق المرأة فإنه يعطل هذه النصوص، فالمرأة إن قصرت في خدمة زوجها فهي آثمة، وهذا أرجح الأقوال، والله أعلم..
السؤال 390: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: {شيبتني هود}؟
الجواب: هذا حديث للنبي صلى الله عليه وسلم، فيه ذكر للآخرة، وفي سورة هود قوله عز وجل: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا}، قال ابن القيم في "مدارج السالكين": (الذي شيب من هود صلى الله عليه وسلم هذه الآية)، فالاستقامة لا تكون عن هوى وإنما تكون الاستقامة على حسب ما أمرت، ولا يستطيع الإنسان أن يستقيم كما أمر إلا بعد أن يعلم بماذا أمر، ثم بعد ذلك يستقيم عليه.
والإنسان بنفسه ضعيف، ويحتاج إلى إخوة له يذكرهم ويذكروه، يعينهم ويعينوه، ولذا قال الله تعالى: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا}، والطغيان مجاوزة الحد، فالإنسان يبقى على الاستقامة إن بقي في الطريق ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، فمن تشدد في دين الله قصر، ومن تساهل أفرط، والسعيد من بقي في الصراط، فهذه آية شيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والاستقامة عزيزة ولذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: ((واستقيموا ولا تروغوا روغان الثعلب، ويستقيم الإنسان بأن يدور مع الشرع،لا أن يدورالشرع معه، متى شاء قال هذا حلال وهذا حرام، ومتى شاء جعل دين الله وأوامر الله وراء ظهره، فبعض الناس يتشدق بالدين فيدور الدين معه ولا يدور مع الدين، يجعل الدين كأنه مخزن يأخذ منه ما يشتهي في الوقت الذي يشتهي، وإن بحثت عن دين الله عنده فلا تجده على نفسه ولا في بيته ولا على أولاده ولا على زوجته ،ولا في معاملته ولا أحواله فيتكلم عن الدين بهوى وشهوة، وهذا والعياذ بالله، أسوأ خلق الله، فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب به هواه.
والسعيد من دار مع الدين واستجاب لأمر الله، ومن استقام على أمر الله عز وجل، ومن كان على استقامة فالله حافظه، وهم أولياء الله عز وجل، {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون}، والبشارة تكون في النزع، وفي الدنيا لا يصيبه ما يحزنه، لأن الله وليه فالله يتكفل بحفظه ويفرج عنه، ويحفظ الله أولياءه في حلهم وترحالهم في صحتهم ومرضهم، في أنفسهم وأهليهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: {تعرف علي في الرخاء، يعرفك في الشدة}.
وكم من إنسان يكون حتفه وقهره وذله بتدبيره، لأنه ما أوكل أمره إلى الله عز وجل، وكم من إنسان قتل بسبب ماله، ولو كان فقيراً ما قتل ،فالله هو الحافظ، قال صلى الله عليه وسلم: {احفظ الله يحفظك}، ومن استقام على أمر الله فهو ولي الله، فأولياء الله الذين يستقيمون على أمره ولا يروغون روغان الثعلب كما قال عمر رضي الله عنه، رزقنا الله التقوى وجعلنا متبعين لأوامره وبعيدين عن الهوى وركوب ما لا يرتضى.

السؤال 391: ما معنى الحديث: {عليكم بالإثمد، فإنه منبتة للشعر مذهبة لقذى مصفاة للبصر}؟
الجواب: الإثمد هو الكحل والنبي صلى الله عليه وسلم يحث على الكحل، ويريد أن نحرص عليه ولا نهمله، وهذا إرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم للذكور والإناث وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكتحل في اليمنى ثلاث واليسرى باثنتين بمروريد، ولا يلزم من الكحل أن يظهر لونه أمام الناس، ويوجد من الكحل ما ليس له لون كالسواد ،وإنما لونه لون البشرة، فلا يظهر أثره عند استعماله فالنبي صلى الله عليه وسلم يحث أمته على الإثمد، لأنه يجلو البصر وينبت شعر رموش العين، ويقيوها، ويذهب القذى من العين، فالكحل سنة تنفع العين.
والكحل حجر أسود يوجد بكثرة في المغرب، وأحسن أنواعه الكحل الموجود في أصبهان في إيران، وأجوده السريع التفتيت، والذي لفتاته لمعة، وداخله أملس، ليس فيه شيء من الأوساخ فهو يشد أعصاب العين ويقول ابن القيم في الزاد أنه من اكتحل بالإثمد مع العسل، فإنه يذهب صداع الرأس، والله أعلم...

السؤال 392: ما رأيكم بقول القائل: إن أكثر علماء الأمة أشاعرة وأن اعتقادهم هو الأصح؟
الجواب: القول بأن الأشعرية هي الاعتقاد الأصح، فهذه فرية بلا مرية، فالصحابة ماتوا ولم يعرفوا الصفات السلبية والوجودية ولا الجوهر والعرض، ولا الاصطلاحات الفلسفية الحادثة، وكان السلف يقولون: العلم بعلم الكلام جهل، والجهل به علم، وكان الشافعي يقول: حكمي على من ترك الكتاب والسنة ،وأقبل على كلام الفلاسفة أن يطاف بهم بين القبائل والوديان وأن يرموا بالجريد والنعال ويقال: هذا جزاء من أقبل على علم الكلام وترك الكتاب والسنة.
وعلماء الأمة المزكون الأطهار الأخيار الذين نحبهم ونجلهم هم الذين كانوا في العصور الثلاثة الأولى وهي العصور المفضلة، وهذه العصور كانت موجودة قبل أن يخلق أبو الحسن الأشعري، فأبو الحسن الأشعري توفي سنة 330 هـ ، فهل العلماء الذين كانوا قبله وقد زكاهم النبي صلى الله عليه وسلم، هل كان دينهم ناقصاً حتى جاء أبو الحسن الأشعري؟!
وأبو الحسن الأشعري كان معتزلياً ثم لما عرف مذهب أحمد رجع وتاب، وإن كان رجوعه بالجملة وبقي عنده غبش في بعض الجزئيات، ومن كان على شيء ورجع عنه فإنه يرجع رجوعاً جملياً وليس جزئياً، فإن تعلق بعض أتباعه ببعض هذه الجزئيات فلا يجوز لهم من خلالها أن يشككوا في رجوع أبي الحسن، لأن الإنسان يظل إنساناً فيعلق به ما كان يقول به سابقاً، ورجوعه رجوع إلى قواعد كلية، فأبو الحسن الأشعري بريء مما عليه المتأخرون.
وبعض العلماء من مثل النووي وابن حجر تأثروا بكلام الأشاعرة ونقلوه وارتضوه وما كانوا محققين في علم التوحيد، فابن حجر كان محققاً في علم الحديث، والنووي كان محققاً في علم الفقه، ولما حققوا بعض المسائل حققوا ما هو على خلاف الأشاعرة، فالحافظ ابن حجر لما حقق مسألة الصوت لله في الفتح اختار خلاف مذهب الأشاعرة، والنووي في مقدمة المجموع لما حقق أو تكليف واجب على المكلف والأشاعرة يقولون إن أول واجب على المكلف النظر فلما حقق ذلك خطأ هذا القول، وقال: أول واجب على المكلف النطق بلا إله إلا الله، لأن التوحيد الذي ندعو إليه توحيد فطري، بعيد عن الفلسفة، وعن علم الكلام، فجعل ابن حجر والنووي كالباقلاني والجويني وغيرهم من الأشاعرة الأقحاح المنشغلين بعلم الكلام، البعيدين عن نصوص الوحيين الشريفين، هذا ظلم.
فابن حجر والنووي ما أنشئا تأويلاً، ولا شيئاً جديداً عند الأشعرية، وكل الذي وقع منهم أنهم نقلوا عبارات لمؤلفين قبلهم ولبعض مشايخهم وسكتوا عنها، وفرق بين من جدد في المذهب واخترع فيه وزاد عليه وأنشأ، وبين من نقل بغفلة وعدم تحقيق فالقول بأن ابن حجر والنووي أشاعرة كسائر الأشاعرة هذا خطأ، والقول بأن علماء الأمة أشاعرة ليس بصحيح ،فالأمة الطائفة المنصورة موجودة فيها، وهي ما كانت على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فالنبي صلى الله عليه وسلم بين لنا الدين، والله أنزله كاملاً على قلبه وهذه الاصطلاحات الفلسفية التي عند الأشاعرة ما كانت موجودة، وما كان يعرفها لا أبو بكر ولا عمر، ولا سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان سعيد بن المسيب يقول، فيما أسنده إليه ابن عبدالبر، : (ما لم يعرفه البدريون فليس من دين الله في شيء)، وأهل بدر ما علموا هذه الأشياء.
وبعض الأشاعرة يريد أن يتلطف مع الصحابة والتابعين فيقولون: ما كان عليه الصحابة أسلم، وما كان عليه المتأخرون أحكم، وهذه شنشنة فارغة، فما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم وأحكم، وهو دين الله الذي ارتضاه وأحبه وبلغه النبي صلى الله عليه وسلم، فالزعم بأن علماء الأمة كلهم أشاعرة هذا كلام من لا يدري ماذا يخرج من بين لحييه كلام جاهل لا يعرف شيئاً، والله أعلم..

السؤال 393: ما هو الصواب في التشهد تحريك الأصبع أم الإشارة فقط؟
الجواب: الحديث الذي أخرجه ابن حبان وابن خزيمة والطبراني وأصله في سنن أبي داود، من حديث زائدة بن قدامة عن عاصم بن كليب عن الشاشي عن أبيه عن وائل بن حجر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا تشهد أحدكم فليمد السبابة وليحركها وليدع بها}، وهذا إسناده حسن، وظاهر الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد وبدأ بالتشهد مد السبابة وحركها، ومعنى قوله يدعو بها أي يبقى يحركها حتى يصل الدعاء الاستعاذة من أربع قبل السلام.
وكان الشيخ ناصر رحمه الله يرى الاقتصار على وجه واحد فيرى أن المد مع التحريك فيه شيء زائد، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عمر، رضي الله عنهما، أن النبي كان إذا تشهد يمد السبابة وكان الشيخ ابن باز رحمه الله، يرى جواز المد دون تحريك إعمالاً لحديث ابن عمر، ويجوز المد مع التحريك إعمالاً لحديث وائل، وهذا رأي القرطبي في التفسير، والصنعاني في سبل السلام، وجمع من أهل العلم، فمن اقتصر على الإشارة دون التحريك فقد عمل بحديث ابن عمر ومن حرك عمل بحديث وائل بن حجر، وكلاهما سنة، وكلا الحديثين ثابت صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الشيخ ناصر يرى المد مع التحريك إعمالاً للحديثين، معاً والمد دون تحريك إعمال لحديث واحد والإعمال للحديثين معاً والمد إعمال لحديث واحد والإعمال لجميع الأحاديث مقدم على إعمال حديث دون حديث لاسيما أن هناك لفظه عند أبي داود من حديث ابن عمر مدارها على مجهول: (كان يمد السبابة لا يحركها).
والذي أراه أن المد مع التحريك سنة، ومن دون تحريك سنة، والحديثان ثابتان، صحيحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما قول ابن خزيمة عن حديث التحريك: تفرد به زائدة لا يدل على أنه شاذ كما يظن البعض، فالحديث الفرد الغريب يكون صحيحاً مثل حديث {إنما الأعمال بالنيات}، وأخرجه الشيخان وكثير من الناس يقرأ كلام ابن خزيمة بما يشتهي لا بما كتب، والله أعلم..

السؤال 394: ما حكم صلاة التسابيح؟
الجواب: كان الإمام أحمد رحمه الله تعالى، يرى ضعف حديث صلاة التسابيح، وصلاة التسابيح أربع ركعات في القيام بعد الفاتحة وسورة يقال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمسة عشر مرة، وتقال في الركوع بعد أذكار الركوع تقال هذه التسبيحات عشر مرات، وعند القيام من الركوع بعد التسميع والتحميد، تقال عشراً، وبعد أذكار السجود تقال عشراً، وبين السجدتين تقال عشراً، وبعد القيام من السجدة الثانية وقبل النهوض تقال عشراً، وفي هذه أصل لجلسة الاستراحة.
وصلاة التسابيح اشتهر عن الإمام أحمد أنه كان يضعفها، وذكر ابن قدامة في "المغني" عن الإمام أحمد أنه قال عنها بدعة، وذلك لأنها ما ثبتت عنده من صحيح فعله صلى الله عليه وسلم، وذكر الحافظ ابن حجر في كتابه "الأجوبة على مشكاة المصابيح" أنها صحت عند أحمد بأخرة، وأن أحمد تراجع عن تضعيفها، واشتهر القول عنه بالبدعية، وبقي ما هو مدون في كتب الحنابلة هو الشائع إلى هذه العصور.
وقد صحح صلاة التسابيح الإمام مسلم بن الحجاج، وصححها جمع، وألف في تصحيحها ابن ناصرالدين كتابه "الترجيح في صلاة التسابيح" فجمع جميع طرق صلاة التسابيح، وكان شيخنا إمام هذا العصر في الحديث الشيخ الألباني رحمه الله، كان يحسن صلاة التسابيح.
ومن الخطأ فعل صلاة التسابيح في جماعة ومن الخطأ توقيت صلاة التسابيح كل عام في ليلة السابع والعشرين من رمضان، فلا يجوز لنا أن نقيد شيئاً أطلقه الشرع، فلا نفعل شيئاًعند أنفسنا، ولم يصل النبي صلى الله عليه وسلم، صلاة التسابيح في جماعة فصلاة التسابيح تؤدى فرادى في أي وقت شئت أن تؤديها فأدها، والله أعلم..

السؤال 395: ما حكم من يقبل زوجته في نهار رمضان بشهوة؟
الجواب: تقبيل الزوجة في نهار رمضان بشهوة جائز، لكن بشرط ألا يتمادى الإنسان فكانت عائشة كما ثبت في الصحيحين تقول: ((كان رسول الله يقبل وهو صائم)) وتضحك، وكانت تقول: ((كان رسول الله يقبل في رمضان وهو أملككم لإربه)).
ولما سئل عمر رضي الله عنه، عن التقبيل أجاب بجواب بديع يدلل على فقه غزير عنده، فقال: ((القبلة كالمضمضة)) فلو أن رجلاً أمسك الماء في فمه ثم لفظه فصيامه صحيح، فقبل الشرب يقع الماء في الفم، وقبل الجماع تقع القبلة، فإذا الإنسان اقتصر على المضمضة دون الشرب صح صيامه، فكذلك إذا اقتصر على القبلة دون الوطء، ففي تشبيهه دقة.
وبعض الفقهاء, وصح عن ابن عباس ذلك، أنه فرق بين الصغير والكبير فمنع الشاب من القبلة بشهوة، سداً للذريعة، ومن حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، وجوز للشيخ الكبير أن يقبل، لأن يملك شهوته، فقد صح عند البيهقي أن رجلاًشاباً جاء إلى ابن عباس رضي الله عنهما، وسأله عن قبلة الصائم، فقال: ((أكره لك ذلك)) فقال شيخ بجانبه: وأي وجه للكراهية، فقال ابن عباس: ((أما أنت فلا أكره لك ذلك فإنه لا خير عند إستك)) وهذا التفريق له وجه، والله أعلم.

السؤال 396: هل يحق للصغار غير المكلفين الوقوف في الصف الأول في الصلاة، وبعضهم أرجع صبياً من الصف الأول، وهو يحفظ القرآن، فما الحكم؟
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يليه أولو الأحلام والنهى، والصبي المميز يعتد به في الصف، فلو صلى رجل وصبي خلف إمام فإنهما يقفان في صف خلف الإمام، ولو صلى صبي وامرأة مع إمام، فإن الصبي يقف بحذاء الإمام، والمرأة تقف خلفهما، فالصبي المميز يعتد به في الصف، فإن سبق المميز إلى الصف الأول دون أن يكون خلف الإمام فمن حقه أن يبقى في الصف، ولا يجوز طرده وأخذ هذا المكان منه عنوة، أما خلف الإمام فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أن يليه أولو الأحلام والنهى، أما أطراف الصف أو الصف الثاني وغير ذلك يأتي الرجل فيجد صبياً مميزاً فيرجعه فهذا لا يجوز.
أما غير المميز فلا يعتد به في الصف، وهو الذي لا يدرك، فكيف إن كان يحفظ القرآن؟ فإنه يجوز أن يقدم إماماً فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم ولى على قوم صبياً كان يحفظ البقرة، وصح أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم عين صبياً ما بلغ ليؤم الناس، وكان فقيراً ما عنده ما يستر عورته في الصلاة فكان إذا سجد بان إسته، فقيل: غطوا عنا إست إمامكم، فالراجح من قولي الفقهاء، أنه يجوز للصبي المميز أن يؤم الناس، إن كان أقرؤهم، ولو لم يكن بالغاً، لكن لا يكون خلف الإمام وإن كان حافظاً، لأنه قد يقع مع الإمام طارئ فلا يستطيع أن يتدارك ما يقع مع الإمام، فلا يكون خلف الإمام إلا أصحاب العقول والأحلام.
وإن رجع الصبي فقدم كبيرا جائز ،مع القول بأنه لا إيثار في القربات، حتى مع أبيك لا تؤثرة في القربات، وحديث {جنبوا صبيانكم مساجدكم}، لم يثبت، لكن نجنب من يؤذي، كالمعتوه والمجنون إن كان مؤذياً، إما إن كان لا يؤذي فله أن يصلي وله أن يدخل المسجد لكن لا يلي الإمام، والله أعلم..

السؤال 397: هل هناك نهي في أن ينظر كل من الزوجين إلى عورة الآخر أثناء الجماع؟
ما دام أن الشرع قد أحل الوطء بين الزوجين، فإنه لا يوجد عورة للرجل على زوجته ولا العكس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل عارياً مع عائشة، وكانا يغتسلان من واحد ويمازحها ويقول لها: إبق لي، وتقول له: إبق لي، وما يذكر من أن النظر في فرج المرأة يورث العمى والبرص وما شابه، فهذه خرافات، وما يذكر أن عائشة قالت: ((ما رأى ذاك مني، وما رأيت ذاك منه)) فهذا لم يثبت ولم يصح، وثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: {احفظ عورتك إلا من زوجتك أو أمتك} فلا يوجد للزوجة عورة ولا للأمة، والله أعلم..

السؤال 398: هل قراءة القرآن الجماعية جائزة أم لا؟
الجواب: قراءة القرآن جماعة بنفس واحد تعبداً هذه بدعة، ما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وإن وقعت للتعلم فلا أرى فيها حرجاً ليستقيم اللسان، كأن يردد الأستاذ والطلبة يرددون معه، لاسيما إن كانوا صغاراً أو كانوا أعاجم، أما فعلها عبادة وتقرباً إلى الله فهي بدعة كما قال الإمام مالك، رحمه الله، والمطلوب في القرآن إن قرئ أن نستمع واحد يقرأ والبقية يستمعون وقد سئل الإمام مالك عن قراءة القرآن بالإدارة وقراءة القرآن بنفس واحد، كما يفعله أهل الاسكندرية في زمنه فقال: ذلك بدعة، والله أعلم..

السؤال 399: ما حكم الأموال التي يحصلها الرجل من العمل في إصلاح التلفاز والفيديو والستلايت؟
الجواب: الأصل في الأعمال الحل، لكن إن قام ظاهر يخالف الأصل، فالظاهر يقدم عليه، فإن هذا الظاهر كان حلالاً فالحمد لله فإن جاءك رجل صاحب ديانة واستقامة لا يستخدم هذه الأشياء إلا في الحل [إن وجد]، فلا حرج، وأما غير ذلك فحال استخدام هذه الأجهزة معروف، أما الحريص من طلبة العلم هذه الأيام، فكما كان يقول جمال الدين القاسمي، رحمه الله، لو كان الوقت يباع لاشتريته، فطالب العلم لا يوجد لديه وقت أن ينظر إلى الخير، إن وجد، في مثل هذه الأجهزة.
وقد يقال إن الفيدوي قد يقتصر الإنسان فيه على أشياء مشروعة، ويتحكم فيه، فإن صلح لأهل الديانة ومن يستخدمه على وجه شرعي فلا أرى في هذا حرجاً، وكذلك المسجل، فالعبرة بالقرائن التي تحتف بهذا التصليح، فإن قامت قرائن ظاهرة تخالف الحل، فالظاهر يقضي على الأصل، ومن يفعل هذا ويدقق يتعب، ولا يبقى في هذه المهنة أما من كان يتقن هذه المهنة وهي ليست عمله الأصلي وأراد أن يخدم أخاً له بظروف يعلمها فله ذلك، وله أن يتقاضى أجراً، والله أعلم..

السؤال 400: أيهما أفضل: التزكية والرقائق أم العلم والتعلم؟
الجواب: من تعلم دين الله عز وجل، وعلم أسراره وأحكامه فإنه يثبت عليه إلى الممات وإنه ينشرح صدره لدين الله ويهنأ به، وما وجدت أهنأ من العلماء في حياتهم فضلاً عن دينهم، فإنهم يعطون كل ذي حق حقه.
وأما ذكر الرقائق والزهديات فهذه ذكرها على القلب آني، وقلما تسلم من سلبيات من اختلاط الصحيح بالضعيف ومن المغالاة، وإذا ضبط الشيخ فقد يكون السامع لا يحسن وضع الأشياء في أماكنها وتختلط عليه الأمور ولذا لا يقدم شيء على العلم.
وواجب هذا الوقت العلم، ومصيبة الأمة، وما أوصل الأمة إلى ما وصلت إليه الخرافة والجهل، فيجب على كل مصلح، إن أراد أن يتقي الله، أن يعمل على محاربة الخرافة والجهل، وكلما توسع علم الناس، ودخل اليقين في قلوبهم على أن دين الله حق، وعلى أن مصلحتهم في دنياهم قبل أخراهم، إنما هي في اتباع كتاب الله عز وجل، وصحيح سنته صلى الله عليه وسلم، فنحن حينئذ نصعد وفي المآل نسعد، فهذا واجب الوقت الذي يجب على الجميع أن يشغل نفسه ويشغل من يلوذ به، جعلنا الله مفاتيح خير ومغاليق شر، وهداة مهديين وأن يجعلنا من طلبة العلم الجادين العاملين المخلصين ، المتجردين عن حظوظ أنفسهم، العارفين لواجب وقتهم.
__________________

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.


To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.
رد مع اقتباس