عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-17-2009, 04:16 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

لكن هنا شيء:

وهو أننا يجب أن نفهمَ الأحاديث القوليَّةَ الواردة عن النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- مِن خلال تطبيقِه العَملي، وتطبيقِه الفِعلي؛ هذا أكمل المقامات، وأجلى البيِّنات؛ لا أن نفهم الأحاديثَ بفهمٍ عربي -فقط؛ بلغة العَرب- بمَعزلٍ عن فَهمِ، وعن إدراك أفعالِ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه الكرام -رضي الله عنهم-.


فشَهر الله المحرَّم لم يَرِد في السُّنة صيامٌ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا عاشوراء، والحديث الآخر -الذي سيأتي معنا-: "لَئِنْ عِشْتُ إِلى قابِل؛ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ".


أما تخصيص اليوم الأول، وغير ذلك من أفعال دون النظر إلى السُّنَّة العملية التطبيقية الواردة عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-؛ فهذا -لا شك، ولا ريب- مِن محدَثات الأمور. نعم.


وها هنا ذكرٌ لبعض البدع الواردة في شهر المحرَّم -مما ذكرها أهل العلم-:


من ذلك: إحداث أعيادٍ بمناسبة دخولِ العامِ الجديد، ثم البِناء على ذلك بِتبادل التَّهاني.
وهذا لا أصل له، وليس في الإسلام إلا عِيدان، أتانا الله -تعالى- إياهما، وأبدلنا بهما عن أعياد الجاهلية -يوم النيروز والمهرجان- اللَّذَيْن قدِم النبي -عليه الصلاة والسلام- المدينة، فوجد أهل الجاهلية يُعيِّدون فيهما؛ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "إِنَّ اللهَ أَبْدَلَكُما يَومَيْنِ خَيْرًا مِن ذَيْنِكَ" ثم ذكر: عيد الفطر وعيد الأضحى.


أما ما يتوارثه، ويتناقله الناس مِن زعمهم: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "لا بورِك في أمَّةٍ كَثُرتْ أعيادُها"؛ فهذا لا أصل له، ولا يصح، ولا يثبت عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وآله وسلَّم-.


مِن ذلك -أيضًا-مِن بدع شهر المحرَّم بشكل عام، ولم نصلْ-بعد-إلى ذِكر عاشوراء على الخصوص-: الاحتفال بمناسبة الهجرة؛ ظنًّا -مِن فاعلي ذلك- أن الهجرةَ وقعت في أول العامِ الهجري.


وهذا غير صحيح.


فقد نبَّه الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" -هذا التاريخ العظيم-: أن الهجرة حدثت في أوائل شهر ربيعٍ الأول، مِن السَّنة الثالثة عشرة [للبعثة]؛ وليست في المحرَّم، فاحتفال الناس بذِكرى الهجرة مخالِفٌ للتَّاريخ، ومُخالف للسُّنَّة -أيضًا-.


مع التَّنبيه -ها هنا- إلى شيء: أن أكثر المحتفِلين بالهجرة لا يُطبِّقون معالمَ الهجرة ولا معانيَها التي نبَّه إليها الإمام ابنُ القيم: هجرة القلوب والأفعال والأعمال من المعاصي، وهجرةُ الأبدان مِن مواقع الخَلل والزَّلل؛ كدِيار الكافِرين، وما أشبه ذلك مما يُعادَى فيه اسمُ الله، ويُنتقَص فيه شرعُ الله -سبحانه في عُلاه-، فهذه الهجرة العملية الواقعية التطبيقيَّة لا تنقطعُ عن العبد المؤمن -في أي ليلة، وفي أي يومٍ، وفي أي لحظة-مِن ليل، أو نهار-؛ فهو يَسعى دائبًا، ويدأب ساعيًا أن يكون مهاجرًا بقلبِه إلى ربَّه {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي...} [العنكبوت: 26].


كذلك -أيضًا-: نراهم يستدلون ببعض الأحاديث المكذوبة التي فيها سُنِّيَّة افتتاحِ السَّنَة بِصيام. وهذا لا أصل له عن الرسول -عليه الصلاة والسلام-.


وكذلك -أيضًا- مِن البدع: ما أشار إليه الإمامُ أبو شامة في كتابه "الباعث عن البِدع والحوادث": قال: "ولم يأتِ شيءٌ في فضل إحياء أول ليلة المحرَّم"، قال: "وقد فتَّشت فيما نُقل مِن الآثار -صحيحًا وضعيفًا، وفي الأحاديث الموضوعة-؛ فلم أرَ أحدًا ذَكر فيها شيئًا، وإني لأتخوَّف -والعياذُ بالله- مِن مُفترٍ يختلق فيها حديثًا"؛ مع أن الإمام أبا شامة مِن أئمة ما بعد القَرن الثامن أو السَّابع فما بعد، ومع ذلك: يعتبر أن الوَضع يتجدَّد؛ نَعم الوضع يتجدد! ولا زِلنا نسمع في كل فتنة تحدُث في الأمة مَن يَفتَرون على النبي -عليه الصلاة والسلام- الأحاديث، ويكذِبون عليه -عليه أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم-، ولسان حالِهم -إن لم يكونوا خبثاء مُجرِمين-تعمُّدًا وقصدًا- لسان حالهم -إن لم يكونوا كذلك- أن يقولوا: (إنما نكذِب له، ولا نكذِب عليه)!! وهذا كما يقال: (عُذر أقبحُ مِن ذنب)! يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: " مَن كَذَبَ عليَّ مُتَعَمِّدًا؛ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "إنَّ كَذِبًا عَليََّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ"؛ فالكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- من أعظم الكبائر؛ بل ذهب بعضُ أهل العلم -كإمام الحرمَين- إلى أنه كُفْر ورِدَّة -نسأل الله العافية-.



يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس