عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 01-16-2019, 10:37 PM
سلاف الخير سلاف الخير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
الدولة: المملكة الأردنيّة الهاشميّة
المشاركات: 251
Post مذهب أهل الحديث الفقهي

بسم الله الرحمن الرحيم

مذهب أهل الحديث الفقهي
لــِ : فضيلة شيخنا
مشهور بن حسن آل سلمان
-سلَّمه الله-
المحاضرة الرابعة



إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِ اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه.

أما بعد،،،

فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - صفحة السابعة والثلاثين من كتابه حقيقة الصيام"والشافعي وأحمد واسحق وابن راهويه وأبو ثور وأبو عبيد ومحمد بن نصر المروزي وداوود بن علي الظاهري ونحو هؤلاء كلهم فقهاء الحديث - رضي الله تعالى عنهم- ، فجعل ابن تيمية داوود الظاهري من فقهاء الحديث وحُقَّ لنا أن نتساءل هل من فرق بين أهل الحديث والظاهرية أم لا؟
لا يشكُ منصفٌ أن بين الظاهرية وأهل الحديث عموماً وخصوصاً،بينهما ائتلافٌ واختلاف، بل لا يبعد عن الحقيقة من قال:لقد أسهم أهل الحديث بنصيب وافر في نشأة المذهب الظاهري،فقد كان القرن الثالث الهجري وهو الذي شهد حياة مؤسس مذهب الظاهرية داوود بن علي توقيتاً ملائماً جداً لإعلان مذهب الظاهرية إذ كان هذا القرن أزهى القرون بالنسبة إلى علم الحديث ففيه أُلفت الكتب الستة - أعني الصحيحين والسنن الأربعة - والمعوّل عليها في الإسلام كما هو معلوم ،وفيه تميزت المذاهب وكان يجدهُ الناس مذهب أهل الظاهر في بدايات نشأته لإعلانهم الدائم المتكرر الدليل على المسائل ،وكان في ذاك الوقت قد أكثر الفقهاء من الانشغال بالفروع ومن هذا القرن بدأت المدارس تتباعد - أعني مدرسة أهل الحديث مع مدرسة أهل الظاهر - وناهيك أنّ داوود من تلاميذ اسحق بن راهويه وأنه تتلمذ على تلاميذ الإمام الشافعي وبلا شك يُعطي اسحق وهو من أئمة أهل الحديث يصبغ تلميذه بهذه الصِبغة ،وبين أصحاب الحديث ومذهب الشافعي تعاطفٌ ومودةٌ ومحبة ،وقلنا مذهب الشافعي ومذهب أحمد من مذهب أهل الحديث ولا يخفى ما كان يقوله أحمد عن الشافعي كان يقول : كان كالعافية للبدن وكالشمس للدنيا – عن الإمام الشافعي- رحمهم الله تعالى جميعاً .
وكذلك لا يُنسى أن داوود قد تَعنى وتعبَ في جمع حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل قال الخطيب البغدادي في ترجمته في الجزء الثامن صفحة ثلاث مائة وسبعين وفي كتبه حديث كثير إلا أن الرواية عنه عزيزة،الرواية عن داوود عزيزة وقد جعل من أغرق في القياس أحمد من علماء الظاهر والظاهرية،وهذا بعيد جداً لورود الفروق بين أهل الحديث وأهل الظاهر كما سيأتي بيانه
ولمنزلة أهل الظاهر اعتنى متقدموا أصحاب أحمد لما ألفوا في الخلاف كأبي الخطاب في رؤوس المسائل وابن حمدان في الرعايتين الصغرى والكبرى اعتنوا بمذهب أهل الظاهر ،وكثير من المحدثين كالحُميدي والنباتي وابن (حوق الله )وابن يحيى وغيرهم هم ظاهرية ولكن لهم انشغالٌ شديدٌ في علم الحديث ،دخل المذهب الظاهري في الأندلس وحل فيها شيئاً فشيئاً مع السنة النبوية اذ هذا المذهب يسير مع ظاهر النصوص فعليها جل اعتماده وأكثر عناصره ،فبكثرة وجود الأحاديث انتعش مذهب الظاهرية وظهر ،فالمحدثون هم البذرة الأولى لنشأة الظاهرية في تلك البلاد ،وأخذ الظاهرية عن علماء الحديث عن أهل الحديث احترام النص وتبجيله ومحاولة العمل به مع عدم إهماله ومن المعلوم أن أهل الحديث وأهل الظاهر يشتركون في الأخذ بالدليل وتعظيم الوحي و نبذ التقليد وكراهية الرأي والقياس ،الذي أريد أن أصل إليه من هذه المقدمة أن المحدثين وهم الذين مهدوا لنشأة المذهب الظاهري وقد سبق أن ابن حزم قال عن (تقي محمد) وابن وضاح أنهم صبغوا (بصبغة أهل الحديث ) ، يقول أبو زهرة في كتاب ابن حزم صفحة مائتين واثنين وستين ومائتين وثلاث وستين عن ثلاثة من كبار محدثي الأندلس وهم ليسوا ظاهرية يقول عن محمد بن وضاح القرطبي بقي بن مخلد قاصد بن اصبغ : يقول وهؤلاء الثلاثة وإن لم يكونوا ظاهريين في أقوالهم فقد كانت آرائهم تنحو نحو الظاهر وامتد الفكر الظاهري بعناصر من السنة وطوائف من الآثار وقد أخذوا من المذهب الظاهري عدم التَقَيّدِ بمذهب والاختيار وأخذَ الأحكام عن الكتاب والسنة
فهذه نقاط ائتلاف بين أهل الحديث وأهل الظاهر وقد عبر عن ذلك فيما ذكر ابن السبكي في طبقات الشافعية الكبري في الجزء السابع صفحة مائتين واثنين وثلاثين عن الفقيه الشافعي (الكيا)الهراسي قال:"إذا جالت النصوص في ميادين الكفاح طارت المقايسُ في أهبة الرياح .، فكان النص هو الذي يصول ويجول وله النُصرة وعليه العمدة وهو الحاكم وليس بمحكوم، إن اتفق أهل الظاهر وأهل الحديث في أشياء كثيرة وكانت نشأة الظاهرية اعتمدوا على أهل الحديث وبدأوا أقوياء في نشأتهم وجمعت الظاهرية وأهل الحديث الغربة والتميز في نبذ الإغراء من الرأي إلا أن موقف أهل الظاهر من أهل الحديث وأهل الحديث من الرأي بينهما تباين،لا أشك البتة أن من أكثر العلماء ممن عملوا على تصفية مذهب أهل الظاهر مع ماعلق به من غرائب وجمود ويبوسة شيخ الإسلام بن تيمة وابن القيم ،وكلما قرأت لشيخ الإسلام وابن القيم - وأنا ولله الحمد والمنة ممن يدمن النظر في كتبهم- تبرهن لي بيقين أن من المقاصد التي يحملها شيخ الإسلام في تصفية العلم تنقية المسائل العلمية عن غرائب أهل الظاهر بل تنقية أصول أهل الظاهر ،وهذا بقي يشتد في نفسي حتى وجدت في بعض نسخ كتاب الاحكام لابن حزم وهو محفوظ في المكتبة الظاهرية وجدت كلمة - نُسبت إلى أبي شامة وهذا خطأ وبعضهم نسبها إلى ولد أبي شامة وهذا أيضاً ليس بصحيح - وجدت كلمةً فيها أنه لم يوجد لعلم ابن حزم وسعته وتحريره كابن تيمية إلا أنه كان أكثر عفةً وكان أنصف من ابن حزم في كلمة - لعلها تأتي وليس هذا همي- ،وجدت جُل الآثار في المسائل الفقهية كتب ابن تيمية وابن القيم () المحلى إلا القليل (إبراز)السمات بين أهل الظاهر وأهل الحديث في هذا الزمان من الأمور المهمات ،موقف طالب علم الحديث من الرأي والقياس ومن مصادر التشريع غير واضح عند كثير من الطلبة ، وأمر يحتاج إلى أن يقف عليه الإنسان بيقين - بينت هذا بفضل الله بتفصيل وتأصيل وتدليل وكثرة نقل في مقدمة طويلة زادت صفحاتها عن ثلاث مائة صفحة لكتاب ابن حزم الصادع - ولكن بعد هذا كله يحق لنا أن نتساءل عن الفرق بين أهل الحديث وأهل الظاهر ،في أثناء بحثي وجدت بقدر الله في ورقة واحدة في تاريخ الإسلام للإمام الذهبي يقول : - في نفس الورقة - عن مترجمَين عن عالمين يقول : عن احدهما وكان من أهل الظاهر ويقول عن الآخر وكان من أهل الحديث في صفحة واحدة وهو بلا شك يُمييز لما يقول عن فلان من أهل الظاهر والأخر من أهل الحديث فهذا بلا شك عندهم تمييز شديد ، - أراني مضطراً قبل أن أبدأ بذكر الفروق أن أنوه وأنبه على شيء حتى لا (يبقى في نفسي ) : الظاهر النص من الكتاب والسنة يقول به جميع أهل العلم وليس هو أمر خاص بأهل الظاهر، قد يتبادر لبعض الطلبة الفرق أن أهل الظاهر يقولون بظاهر النص، وأنا أقول أن ظاهر النص يقول به جميع العلماء ،الشافعي في الرسالة - مثلاً صفحة ثلاث مائة واثنين وعشرين وثلاثمائة () يقول : بحجية ظاهر النص ولا يجوز العدول عن ظاهر النص إلا بدليل أخر ، وهكذا في كل سائر في جميع كتب أهل الأصول - (ويريحني)- في الأصول الإمام العلامة المتفنن الشيخ محمد أمين الشنقيطي في أضواء البيان في الجزء السابع صفحة اربع مائة وثمانية وثلاثين لما يقول : التحقيق الذي لا شك فيه أنه لا يجوز العدول عن ظاهر الكتاب والسنة في حالٍ من الأحوال بأي وجهٍ من الوجوه حتى يقوم دليلٌ صحيحٌ شرعيٌ صارفٌ عن الظاهر إلى الدليل المحتمل ، فالأصل في الظاهر أن يُعمل به ، بل وجدت في كتاب ابن حجر الدررالكامنة وجدت في ترجمة ابي حيان الأندلسي في الجزء الرابع صفحة ثلاث مائة وأربعة يقول عن ابن حيان الأندلسي : أنه كان يقول : محالٌ أن يرجع عن مذهب الظاهري من علق بذهنه ، نقل هذه المقولة الإمام الشوكاني في ترجمة أبي حيان أيضاً في كتابه البدر الطالع الجزء الثاني صفحة مائتين وتسعين وعقب عليها بكلامٍ جميل للغاية فقال : فقد صدق أبو حيان في مقاله فمذهب الظاهر هو أول الفكر وأخر العمل عند من مُنِحَ (الإنصاف) ولم يرد على فطرته ما يغيرها عن أصلها وليس هومذهب داوود ابن علي الظاهري وأتباعه فقط بل هو مذهب أكابر العلماء المتقدمين بنصوص الشرع من عصر الصحابة إلى الأن وداوود واحدٌ منهم وإنما اشتُهِرَ عنه الجمود في مسائل وقف لها على ظاهر حيث لا ينبغي الوقوف واهمل من أنواع القياس ما لا ينبغي إهمالهُ بمنصف ،وبالجملة فمذهب الظاهر والعمل بظاهر الكتاب والسنة بجميع الدلالات وطرح التحويل على محض الرأي الذي لا (يُرجِعُ) إليه بوجه من وجوه الدلالات ثم يقول - والكلام لا زال للشوكاني : وأنت إذا أمعنت النظر في مقالات أكابر المجتهدين المشتغليين بالأدلة وجدتها من مذهب الظاهر بعينه ، بل إذا وجدت الإنصاف وعرفت العلوم الأجتهادية كما ينبغي ونظرت في علوم الكتاب والسنة حق النظر كنت ظاهرياً أي عاملاً بظاهر الشرع منسوباً إليه ولست منسوباً إلى داوود الظاهري ،ونسبتك ونسبتهُ إلى الظاهر متفقة وهذه النسبة هي مساوية للنسبة إلى إمام الإسلام وخاتم الرسل عليه أفضل الصلاة والسلام - وإلى مذهب الظاهر بالمعنى الذي أوضحناه ... انتهى كلامه.
الذي وجدنا عليه مشايخنا الكبار أئمة هذا الزمان المحققين إن سُئل عن مسألة يأتي بالدليل ويقول ظاهر النص الحكم كذا فما يعدل عن ظاهر النص ،إذا وجد نص ما ينبغي أن يُعدل عن ظاهره ، إذاً بعد هذا البيان ازدادت الحاجة لمعرفة الفرق بين أهل الظاهر وأهل الحديث ،فقد ذكرنا الأن أوجه الإئتلاف وبقيت أوجه اللإختلاف ،وبقيت الفروق والكلام طويلٌ وكثير ولكني أوُجِدُ قدر استطاعتي وأُحيل وأقول وبه سبحانه اصول وأجول :
الفرق الأول - وهو من المهمات بين أهل الظاهر وأهل الحديث -:أن الظاهرية جعلوا الظاهر مذهباً ملتزماً تقررُ لهُ أصولٌ وقواعد ،جعلوها مضطردة لا تتخلف حتى لو أدت بهم إلى الشذوذ والإغراب فالإلتزام والإضطرادُ يميزُ أهل الظاهر إذ أن إتجاه أهل الحديث إلى الظاهر وإن كان وصفاً غالباً إلا أنه لم يكن مذهباً ملتزماً ،ومنهجهم في هذا كمنهج أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عُرِضت مسائل أخذ أهل الظاهر فيها بالظاهر وألغوا المعاني ،أهل الظاهر الشريعة عندهم ليست معللة فتكلم عليهم المحققون بكلام (شديد) فمثلاً يقول ابن حزم عند قول الله عزوجل :( فلا تقل لهما أف) .. الولد لوالديه يقول في كتابه الصادع فما فهم أحدٌ من العرب ولا في معقولٍ أن قول أوف يُعبرُ به عن القتل والضرب ولم لم يأتي إلا هذه الأية ما حُرم بها إلا قول أوف فقط - يعني إذا قلت أوف أما الضرب فمسكوت عنه ، فهو يؤمن بالمعاني ولذا لما وقفت على ملخص على تلخيص الذهبي لملخص ابن العربي لكتاب إبطال القياس والنسخة بخطه محفوظة في مكتبة في تونس المكتبة (العبدلية) في تونس فيقول الإمام الذهبي قلت - يرد على ابن حزم - : قلتُ يا هذا بهذا الجمود وأمثاله جعلت على عرضك (سبيلاً) ونصبتَ نفسك أعجوبةً وضحكاً بل يقال لك ما فهم أحدٌ قط من عربيٍ ولا نبطيٍ ولا عاقلٍ ولا واعٍ أن النهي عن قول أف للوالدين إلا وما فوقها أولى بالنهي عنها ،وهل يفهم ذو حس سليم إلا هذا ،وهل هذا إلا من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى ومن الأصغر على الأكبر بل هذا من ما أومن فيه حفظ اللسان العربي بل واللسان العجمي واللسان التركي واللسان النبطي - ونحن نقول واللسان الشركسي واللسان الروسي - والأخوة إلي معنا في الدرس يقول وجميع خطاب () ،فابن حزم أخذ بالظاهر وجعل الظاهر أمراً التزمه وما تعداه فالشريعة عنده معللة ونظر للفظ دون النظر إلى المعاني بخلاف أهل الحديث ،ولذا لمّا ذكر ابن حزم حرمة البول في الماء الراكد والوضوء منه قال : لو أن الرجل ما بال في الماء الراكد لو بال في خارج في إناء ثم صبهُ في الماء لجاز الوضوء منه ، بل قال : المنهى عن أن يُنهى أن يتوضىء من هذا الماء من بالَ، لو بال غيره فوضح وجُدَعلى ظاهر اللفظ وهنالك كلمات فيها شدة وفيها من الألفاظ القاسية على ابن حزم ذكرها ابن (الملقن) في كتابه الإعلام بفوائد عمدة الأحكام في الجزء الثاني صفحة ثلاث مائة واثنان وثمانين سنة مائة وثلاث وثمانين ، للإمام الشاطبي في موافقاته في الجزء الخامس صفحة مائتين وتسع وعشرين ومائتين وثلاثين كلمة مهمة للغاية لا يتسعُ الوقت للوقوف معها ولكن فيها بيان الحط على من كان ظاهرياً فالتزم الظاهر وأهمل غيره ومن كان ذا رأيٍ فالتزم الرأي وبدأ يُخرِجُ عليه وجمد العمل بالنصوص فكان أهل الحديث وسطاً بين طائفتين ،فأهل الرأي حفظوا قواعد ولم يُجَمِعوا النَفَسَ على الوقوف مع النصوص بل ما انشغلوا أصلاً في كتب الحديث وكتب الرواية وأخذوا يفرعون على قرائح العلماء فجعلوها أصولاً ،وقرائح العلماء ليست ثابتة وقرائح العلماء ليست شاملة وقرائح العلماء ليست فيها عصمة وقرائح العلماء تحتاج إلى من يُسندها ولذا عُرفَ في تاريخ المسلمين مذهب فقهي محض ، فقهاء أصبحت لهم صَنعة يُفَرِعون ابتعدوا عن الوحي، أهل الظاهر جمعوا الألفاظ فكان الحق موزعاً بين الطرفين كما سيظهر معنا لاحقاً إنشاء الله تعالى .

انطلق ابن حزم من شيئ كان فيه وقفة معه في كتاب الصادع في المقدمات في معنى أن الشريعة كاملة فظن أن الشريعة كاملةٌ بألفاظها ،وشيخ الإسلام وابن القيم ردوا عليه ردود كبيرة وبينوا أن كمال الشريعة بمعانيها ولا سيما معاني من خُطيبوا بنصوص الشرع الجيل الأول والجيل الثاني والثالث ،فكانت حُجية هذه الأقوال من أهم الفروق بين أهل الحديث وأهل الظاهر ، فأهل الظاهر لا يعملون بأقوال الصحابة ولا بأقوال التابعين وينتقون فقط - وهذا هو الفرق الثاني بين أهل الحديث وبين أهل الظاهر - أهل الحديث يحتجون بأقوال الصحابة والتابعين ويتطلبون الأثار الحجية وأما أهل الظاهر فيقتصرون على الكتاب والسنة وإن رأوا حجةً في أقوال الصحابة فيحصرون اجماعهم فقط حُجية في اجماعهم والسبب في ذلك أن كلاً منهم نظر في كمال الشريعة على وجه ،فعند الظاهرية كمالها في ألفاظها ،وعند أهل الحديث هي كاملةٌ أيضاً بمعانيها فقد وسع علينا من خُوطيبوا بالنصوص الشرعية وسعوا علينا الفهم - ولله الحمد - ، وهنا يبرزُ فرق ثالث الفرق الثالث بين أهل الظاهر وبين أهل الحديث حصر الظاهريةُ الدلالة في مجرد ظاهر اللفظ كما يقول الإمام ابن القيم في الإعلام الجزء الثالث صفحة تسع وتسعين يقول : فقد قصر أهل الظاهر في فهم النصوص فكم حُكمٍ دل عليه النص لم يفهموا دلالته عليه وسبب هذا الخطأ حصرهم الدلالة على مجرد ظاهر النص دون سائر الدلالات كالإماء ودلالة الإشارة والتنبيه فالإحتجاج بأقوال الصحابة يُظهرُ معاني النصوص ويسمح بالتوسع فيها فالرأي عند الصحابة مظهرٌ للمعاني وليس مثبتاً للأحكام - أعيد - الرأي والقياس عند السلف مظهرٌ وليس بمثبت ،الأحكام تثبت بالنصوص ،وهنا فرقٌ رابع بين أهل الظاهر وأهل الحديث فالرأيُ عند أهل الظاهر مرفوض بالكلية ،وأهل الحديث يقولون :هنالك رأيٌ محمود فيجوز العمل به ولكن لا نُلزَمُ به وهنالك رأيٌ مذموم فيتفقون مع أهل الظاهر في نبذه ورده في القسم الثاني من (الأول) - وهذا يحتاج منا إلى كلمة ويقع فيها التداخل مع مما مضى - فالرأيُ المحمود عند أهل الحديث على أنواع ، النوع الأول : رأيُ أفقه الأمة وأبرُ الأمة (عموماً) وأعمقهم علماً وأقلهم تكلفاً وأصحهم مقصوداً وأكملهم فطرةً وأتمهم إدراكاً وأصفاهم ذهناً الذين شاهدوا التنزيل وعرفوا التأويل وفهموا مقاصد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فنسبةُ أرائهم وعلومهم وأصولهم إلى ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - كنسبتهم إلى صحبته والفرق بينهم وبين من بعدهم في الرأي كالفرق بينهم وبينهم في الفضل ، فالرأي الأول المحمود رأي الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - ، الرأي الثاني المحمود الرأيُ الذي تُفَسَرُ به النصوص وتُبَيَنُ به أوجه الدلالة منها ولذا قال عبدالله بن المبارك : لعبدان كما أخرج ابو نعيم في الحلية الجزء الثامن صفحة مائة وثمانية وستين وابن عبدالبر في الجامع برقم ألف (واربع مائة) وسبع وخمسين قال ابن المبارك : لعبدان ليكن الذي تعتمد عليه الأثر وخذ من الرأي ما يفسرُ لك الحديث - وخذ من الرأي ما يُفسرُ لك الحديث ، فأهلُ الحديث يقبلون الرأي الذي تُفَسَرُ فيه النصوص وتُبَيَنُ به أوجه الدلالة من النصوص وهذا من الفهم الذي اختص الله تعالى بعض عباده به ،فإن كانت أقوال العلماء ليست بحجة إلا أننا لا غُنية لنا عن فهومهم ، فأهل الحديث () ولذا كان الإمام أحمد يلقن تلاميذه فيقول : إياك والمسألة التي ليس لك فيها إمام فلا غُنية لنا عن فهم العلماء فنحن نحتاجُ إلى الرأي الذي تُفَسَرُبه النصوص ، وكذلك النوع الثالث من أنواع الرأي المحمود الرأي الذي تواطئت عليه الأمة وتلقاهُ خلفهم عن سلفهم ،ففي صحيح البخاري وصحيح مسلم لما اتفقت رؤيا الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - في ليلة القدر في السبع الأواخر منها ، قال - صلى الله عليه وسلم - :(أرى رؤياكم قد تواطئت في السبع الأواخر فمن كان منكم متحريها فليتحرها في السبع الأواخر ) فإذا كان تواطئ الرؤى حجة واعتبرها النبي - صلى الله عليه وسلم - فتواطئ الرأي بين الأمة حجة ، ثم لا يمنعُ أهل الحديث من إعمال الرأي في النوازل التي لم يثبت فيها نصٌ ولم يُعرف للسابقين من القرون المفضلة اجتهاداً فهذا الرأيُ يقولون به ويبرزونه ولكنهم يقولون :هذا رأيي فيما أرى صواب يقبل الخطأ . فلا يلزمون غيرهم به ،وهذه ميزة بينهم وبين الفقهاء ، فالفقهاء يُلزِمون بمجرد الإنتساب لأصول عامة ، هذه أنواع الرأي المحمود .
أما أنواع الرأي المذموم :
أولاً : الرأي المخالف للنص ومتى جاء نَهرُ الله بَطُلَ نهرُ مِعقَل : - متى صالت الأدلة في ميادين الكفاح طارت العقول والأراء في مهب الرياح - كما قال (أبي بكر الرازي) .
النوع الثاني : من الرأي المذموم الكلام في الدين بالظن والتخريص مع التفريط والتقصير في معرفة النصوص وفهمها وفهم أوجه الإستنباط منها ، الفقه - حقُ الفقه أن توائم بين اللفظ والمعنى وأن تعرف متى تقف على اللفظ ولا تتجاوزه ومتى تتوسع فيه وتُعمِلُ معناه ،وعند ابن القيم في الإعلام مبحث في أخطاء من توسعوا في الجمود على الوقوف على الألفاظ وفي أخطاء من توسعوا في إعمال المعاني (فالموائمة) بين الأمرين هو من أهم الأشياء فالرأي المذموم يكون هنالك رأي نقل ويقع تقصير في البحث عن الأدلة ،كم من رأيٍ لفقيه ورد في محله نصٌ من الوحي فإذا جاء النص فهذا الرأي مذموم (انتبهوا) الأول الرأي مخاف للنص صراحةً) .
الثاني :أن يكون منهج الإنسان العمل بالرأي ومن منهجه أن يُقصر في تتبع الأخبار وأن لا تتسع دائرة معرفته الأخبار، بينهما عموم وخصوص أيضاً .
الثالث: من الأراء - الرأي المذموم - الأراء المتضمنة لتعطيل أسماء الله عزوجل وقياس الخالق على المخلوق وتأويل الصفات ونفي العلو علو الذات بكلام العلمانيين وأراء العقلانيين وهذا من أسوأ وأقبح أنواع الرأي المذموم .
النوع الرابع : الرأي الذي تعطلت أو تغيرت به السنن وأُحْدِثَتْ به البدع وعم به البلاء وتربى عليه الصغير وهرم فيه الكبير ، ما ورثهُ الأبناء عن الأباء في جعل قاعدة ما قاضية على النصوص كان يقول : - مثلاً - فقيه هذا الحديث عارض ذاك الحديث والحديثان إذا تعارضا تساقطا فلسنا بحاجة للحديث إنما نحن بحاجة إلى قول فلان من الناس وهنالك أراء كثيرة وقواعد دخيلة وأراء أصولية شاذة تحتاج الحقيقة إلى تحرير وتحقيق وقد يسر لنا الله أني وقفتُ طويلاً على مخطوط وأسأل الله الإعانة على تحقيقه وإبرازة ، اعتنى به عناية قوية في بيان تعظيم علم السلف على علم الخلف كابراهيم (.. الله) فيه بيان المأخذ على الأصوليين في قواعدهم الكلية في عدم العمل بالنصوص الشرعية .
ومن الأراء المذمومة النوع الخامس :الرأي الذي فيه الإنشغال بالمعضلات والغلوطات ، والكلام في المسائل الإفتراضية التي لم تقع فالفقهاء يشددون ويكثرون الإنشغال في هذا ، هذه الأراء الأنواع الخمسة هي من الأراء المذمومة .
لشيخ الإسلام كلمة في الفتاوى الكبرى في الجزء الأول ص (مائتين وتسعين) ذكر فيها أن فرقاً بين أهل الظاهر و أهل الحديث لما ذكرنا أن أهل الظاهر يجودون على الإستدلال بظاهر النص دون إماءه ودون إشارته ودون سائر الدلالات التي تُستنبط منه ،يقول : ومن لم يلحظ المعاني من خطاب الله ورسوله ولا يفهم تنبيه الخطاب وفحواه من أهل الظاهر كالذين يقولون إن قوله فلا تقل لهما أوف لا يفيد النهي عن الضرب قال وهو إحدى الروايتين عن داوود واختاره ابن حزم وقال هذا في غاية الضعف قال بل كذلك القياس الأولى وإن لم يدل عليه الخطاب لكن عُرفَ أنه أولى من الحكم من المنطوق بها ثم يقول - وانظروا إلى كم انصف ابن حزم ولكنه أيضاً لما تأتي الأمور بكليات وقواعد يقول : فإنكار هذا من بدع الظاهرية التي لم يسبقهم إليها أحدٌ من السلف فما زال السلفُ يحتجون بهذا .
من الفروق - أيضاً مهمة بين أهل الحديث وبين أهل الظاهر- في قواعد الإثبات إن وقع خلافٌ بينهما في قواعد الإستنباط والدلاتلات وأيضاً بينهم خلاف في بعض المسائل المبثوثة في علم مصطلح الحديث فيقرر أهل الظاهر - مثلاً - أن قول الصحابي أمرنا ونُهينا وكنا نفعلُ كذا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذا عندهم ليس له حكم المرفوع ولا يدخلُ في الإحتجاج كما ذكر ابن حزم في الأحكام في الجزء الثاني ص اثنان وسبعين ، بخلاف أهل السنة بخلاف أصحاب الكتب الستة ،ففي البخاري ومسلم والكتب الستة أحاديث كثيرة كنا نفعل كذا وكذا ونُهينا عن كذا ... وهذه كلها كما هو معلوم لها حكم الرفع ،فورع الصحابة ودقتهم وفهمهم وحرصهم على عدم القول في دين الله بالرأي المحض (لا يأخذون عنهم ) كنا نفعل كذا فيهمون أن هذا الفعل كان يفعلوه والنبي لا يعلمه ، ومن السنة كذا يُوهمون أن هذا من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -وكذلك إذا أُبهمَ الصحابي ،لو جاءنا إسناد نظيف صحيح متصل كالشمس رواته ثقات لم يسمى الصحابي فيه عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وحجة عند أهل السنة عند أهل الحديث لأن جميع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثقات وعدول ، فسواء عرفنا اسم الصحابي أم لم نعرف فالحديث حجة بخلاف الظاهرية ، فالظاهرية عندهم لو لم يسمى الصحابي فالحديث ليس عندهم بحجة ومن مثله مرسل الصحابي مثلاً ابن عباس يصف لنا كيف اغتسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقيناً ابن عباس لم يرى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو يغتسل وإنما هذا مرسل وفي رواية عن ابن عباس عن ميمونة ،وميمونة هي التي وصفت ،وابن عباس كان ينشط تارة ويذكر ميمونة وتارة لا ينشط فيذكر غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - دون ذكر ميمونة فإن ذكر ابن عباس غسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصفة ذلك فهذا يسمى مرسل الصحابي وهو لم يرى ذلك من النبي مباشرة وإنما أخذه بواسطة خالته ميمونة ، فمرسل الصحابي عند أهل الحديث حجة بينما مرسل الصحابي عند أهل الظاهر ليس بحجة ، وفي الصحيحين عشرات المراسيل وتحتاج الحقيقة إلى جمع ، عشرات من مراسيل الصحابة.
ومن الفروق بين أهل الحديث وأهل الظاهر : على ما ذكر ابن القيم في كتابه الإعلام اعتقادُ أهل الظاهر أن عقود المسلمين وشروطهم ومعاملاتهم كلها على البطلان حتى يقوم دليلٌ على الصحة فإذا لم يقم عندهم دليلٌ على صحة شرطٍ أو عقدٍ أو معاملة اصتصحبوا بطلانهم يقول ابن القيم فأفسدوا بذلك كثيراً من معاملات الناس وعقودهم وشروطهم بلا برهان من الله بناءً على هذا النص ،وهنا نكتةٌ دقيقة أنبهُ عليها وتحتاجُ إلى جهدٍ عظيم بتحقيقها - كتب أهل الظاهر التي بين أيدينا كتب ابن حزم وكتب ابي داوود مفقودة رأيتُ وهذا مما يحل في صدري ويحتاج إلى تحرير وتحقيق رأيتُ أن الفقهاء - ولا سيما فقهاء المالكية - إذا رأوا ظاهر نصٍ قد يدل عليه قولٌ غريب أو شاذ قالوا وقال به أهل الظاهر ،لكن هذا القول يحتاج إلى أن نتأكد هل قال به أهل الظاهر أم لا ، هل ننصصوا عليه أم قولوهم إياه بحكم أنهم استعملوا أصولهم فقد تستعمل أصول أهل الظاهر فيخطر في بال الفقيه أن أهل الظاهر يقولون كذا ، لكن عند الفحص قد لا نجد أهل الظاهر يقولون بهذا القول - ويحضرني على ذلك مسألة قول الإمام القرطبي في التفسير عند قول الله عزوجل :( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) يقول فذهب الرافضة ذهبت الشيعة وأهل الظاهر إلى جواز أن ينكح الرجل تسعةً من النسوة ، مثنى وثلاث ورباع اثنين وثلاث خمسة ورباع تسعة هذا الكلام ليس بصحيح لأن الله قال عن الملائكة ( أولي أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع ) يعني الطير جناحين ملائكة بجناحين ملائكة بثلاث ملائكة بأربعة كالرجال ،هذه العبارة لا يُستنبط منها الجمع ولا أظن أن ابن حزم بل يقيناً ابن حزم لا يقول بهذا ، فأنا ما أدري هذا الكلام الذي ذكره الإمام ابن القيم هل هو مثلاً أخذه من أفواه بعض من انتسب إلى أهل الظاهر في زمانه أن الأصل في المعاملات الحُرمة والأصل في الشروط الحُرمة والأصل في العقود الحُرمة هذه مصيبة الأصل في هذه الأشياء الحِلْ كما قررنا في غير هذه المناسبة .
إذاً الخلاصة أهل الظاهر غير أهل الحديث وإن وُجِدَتْ بينهم يعض السمات المشتركة بينهما إئتلاف واختلاف لكن أيهما الأبرز الإئتلاف أم الإختلاف ؟ الإئتلاف كلٌ منهما يُعظم الدليل لكن طُرُق الإثبات وطُرُق الإستنباط ليست مُحكَمَةً عند أهل الظاهر كإحكامها عند أهل الحديث .

من أهم الفروق أيضاً بين أهل الظاهر وبين أهل الحديث - وهو الفرق الأخير - أن الشريعة عند أهل الظاهر غير معللة ،وبالتالي هم يحكمون بالنص ويصتصحبون الحكم بالحِل مالم يأتِ دليل التحريم فيُحمِلون الإصتصحاب فوق طاقته ،ويتوسعون في صوره ،لإلغائهم سائر الدلالات غير دلالة الظاهر من النصوص ، بعد هذا كُله هل يمكن أن نقول :إن أهل الحديث هم أهل الظاهر ؟ أم هم غيرهم ؟ هم غيرهم ، لكن نشأة أهل الظاهر ظهرت وكان جمعُ الحديث وتَتَبُعْ أهل الحديث للأسانيد وألفاظ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقوال الصحابة وأقوال التابعين ساعدت في نشأة الظاهرية ، لكن بينهما خلاف في أشياء كثيرة ، - ولذا من الخطأ الشنيع عدم التفريق بين أهل الظاهر وأهل الحديث - ومن باب نُصرة العمل بالحديث وجعل الحديث منهجاً لطالب العلم ،ينبغي لطالب العلم أن يفهم المقدار المحمود من القياس والمقدار المحمود من الرأي ،وينبغي أن يعلمَ أنواع الدلالات من نصوص الكتاب والسنة ،فطالب علم الحديث يحتاج إلى مقدارٍ مهمٍ من علم أصول الفقه، بخلاف أهل الظاهر فهم لا يلتفتون لذلك ، طالب علم الحديث ظاهر الحديث يحتاجونى إلى معرفة الصحابة والتابعين ومذاهبهم وأحوالهم بخلاف أهل الظاهر فإنهم لا يأبهون لذلك ، فمن الظلم الشنيع الذي ظهرت أثاره من قبل بعض الحاسدين والشانئين لبعض أئمة الحديث في هذا الزمان نبذُهُم لبعض أئمة الحديث بأنهم ظاهرية ، سمعنا من هنا وهناك وهي فرية تتكرر وأكذوبة تتجدد يقع بسببها تزييد في علم شيخنا - إمام العصر شيخنا الإمام الألباني - رحمه الله - يقول القائل :هذا ظاهري هذا مذهب ظاهري ، فكن يا طالب العلم كن حريصاً على معرفة الفرق بين أهل الحديث وأهل الظاهر ، شيخنا - رحمه الله- في مواطن كثيرة من كتبه يحط على ابن حزم في ظاهريته - وعلى عجلة - يقول :- مثلاً في ص مائة وستين من تمام المنة في بعض المسائل- يقول : خلافاً لما قعقع حوله ابن حزم ، ويقول : - في ص مائة وستين: واغرب ابن حزمٍ كعادته في التمسك بظاهريته ، - بل شيخنا مؤلف في تحرير() رد فيه في مسألة الغناء والمعازف على ابن حزم ، فمن الخطأ الكبير جعل شيخنا - رحمه الله - ودعوى أن مذهبهُ مذهب ابن حزم .

- أخيراً - من أنصف ونظر وعمل بعدلٍ وبنظرٍ (حصيص) يجد أن عند العلماء كابن حزمٍ فقهاً واختياراتٍ وتقريراتٍ حسنة يُعتمدُ فيها ويُستفادُ منها في أشياء دون أشياء ، ولكن لا يمكنُ أن نقبل تراثه على أنه منهجٌ منتناسقٌ متكامل فليس طرق إستنباط الخطاب القرأني وفق اللغة ىالعربية هي الركن الوحيد باستثمار كافة دلالات النص إنما يجب أن يقترن مع ذلك العلم باسرار الشريعة ومقاصدها وإعمال معانيها بإحكامٍ واتقان ولا ريب أن تقريرات أئمة أهل الحديث سابقاً ولاحقاً اسهمت اسهاماً معرفياً أصيلاً في وضع ضوابط أثمرت استفادةً حسنةً من نصوص الوحي من طريقة التعامل معها ، فالواجب على الإنسان إذا وقف عند النص أن يحسن الوقف وأن توسع عند المعنى يحسن ذلك .
وأذكر لكم مثالاً حتى يتضح الكلام وهو مأخوذٌ من كلام ابن القيم - رحمه الله - النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في ما اخرج الإمام البخاري - يقول : ( العائدُ في هبته كالكلب يعودُ في قيئه ، إلا الوالد لولده ) قال : هنا يجب أن نقتصر على اللفظ لأن النبي قال إلا الوالد ولا نُلحقَ الوالدة بالولد فالوالدة إن أعطت لا يجوز لها أن ترجع ، وفي حديث النعمان بن بشير الذي أخرجه الشيخان لما جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : يا رسول الله إني نحلتُ إحدى أولادي نحله ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : هل نحلت سائر أولادك مثلها ؟ ، قال : لا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - اشهد غيري .. وفي رواية أخرى إني لا أشهدُ على جور ، وفي رواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : ألا تُحِبُ أن يكونوا لك في البرِ سواءا ؟ ، يقول ابن القيم بيناءً على رواية ألا تُحِبُ أن يكونوا لك في البر سواءً يقول : البر أمرٌ مشترك بين الوالد والوالدة فالسؤال كان في أن الوالد نَحَلَ أحد أولاده فهل الأم لها أن تنحلَ أحد أولادها ؟ أم أنهُ مختصٌ بالوالد ؟ يقول : يجب أن نتوسع في المعنى وأن نُلحِقَ الأم - بأيش؟ - بالأب وأن نُلحِقَ الأم بالأب ، ففي هذا الحديث وسعنا المعنى وفي ذاك الحديث ما وسعنا، والذي أذنَ لنا فسي توسيع المعنى ألا تحب أن يكونوا لك في البر سواءً ، فالبرُ أمرٌ مشتركٌ بين الذكر والأنثى ، لكن البر حق لله أم حق للعبد ؟ مالضابط بين الحق لله والحق للعبد ؟ حقُ الله لا يقبل الإبراء ولا المسامحة وحق العبد يقبل الإبراء والمسامحة ، فالبر حق لمن ؟ حق لله ، قوله : أشهد غيري استعمله الحنفيةُ والمالكية فقالوا : الإعطاء حق للعبد لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفرهُ وقال أشهد غيري ، الحنابلة والشافعية قالوا - في المسألة - قالوا : ألا تُحِبُ أن يكونوا لك في البر سواءا ؟ قالوا : البر حق لله ،وثمرةُ ذلك لو أن سائر الورثة أمضوا هذه العقيدة فهل تمضي أم لا؟ فإن كان الحقُ لله لا تمضي ، وإن كان الحقُ للعبد تمضي ، فكانت عند الشافعية والحنابلة لا تمضي لأنها حقٌ لله واستفادوا من حق البر، والمالكية والحنفية استفادوا من أشهِد غيري على أنها حقٌ للعبد ، - بغض النظر - المهم أن الفقه موائمة بين اللفظ والمعنى ، فلا نريد أن نتوسع في المعاني دون ضوابط دون قرائن فنتيه في الرأي ولا نريد أيضاً أن نَجمُدَ على الألفاظ ولا نتوسع في المعاني ، لعلي بهذه الكلمات - والموضوع طويل وله في الحقيقة أصول وابن حزم لما ردَ وقعَدَ ما قَعَدْ اعتمد على فلسفة متكاملة في نظرته للغة وفي نظرته للشريعة لا يسمح بها الوقت ولعلي وفيتُ بشيءٍ من ذلك ما سطرتُ في مقدمة الكتاب الصادع .
أسأل الله عزوجل لي ولكم التوفيق والسداد والهدى والرشاد ،ونسألهُ سبحانه أن نعيشَ وأن نموتَ على منهج أهل الحق على منهج النبي- صلى الله عليه وسلم - وصحبه ونسألهُ سبحانه المزيد من توفيقه والعمل بما علمنا وأن يجعلَ ما علمنا حُجةً لنا لا علينا ، وصلَ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وأخر دعوانا ان الحمدُلله رب العالمين
.



________________________________
تفريغ الأخت [ أم محمد السلفية-جزاها الله خيراً-]
__________________
"ليس بين المخلوق والخالق نسب إلا محض العبودية والافتقار من العبد ، ومحض الجود والإحسان من الرب عز وجل".

(ج الرسائل 15/ 56 )
رد مع اقتباس