عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-03-2014, 09:26 AM
علي بن حسن الحلبي علي بن حسن الحلبي غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 2,679
افتراضي المِرقاة إلى معرفة وجوه التشبيه النبوي للمؤمن مع أخيه بـ (المِرآة)..

كتب بعضُ إخواننا من أفاضل طلبة العلم-زاده الله توفيقاً-:



المِرقاة
إلى معرفة وجوه التشبيه النبوي للمؤمن مع أخيه بـ (المِرآة)..


أخوّة الدين تقتضي إحسانَ الظن بأخيك ، والتماسَ الأعذار له ، وسترَ عيبه ، وصَوْنَ عِرضه ، ونصحَه بنيّة إصلاحِه ، والأخذِ بيده .

وقد صوّر النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الأخوّةَ الإيمانيةَ بقوله : «المؤمن مرآة المؤمن ، يَكُفُّ عليه ضَيعتَه ، ويحوطه مِن ورائه ».

وفي هذا الحديث –على وَجازته- وقفاتٌ بلاغيةٌ شرعيةٌ عظيمةٌ.. تدفعنا -حثيثاً- لتأمّل دقائقِ معانيه ، واستنباط عميقِ خوافيه.

فوجوهُ الشبَه بين المؤمن والمِرآة كثيرة ، وفيها تجلّت جوامعُ الكَلِم ، ومَفاتِحُ الحِكم - التي أُوتِيَها النبي -صلى الله عليه وسلم-.

فمِن أسرار هذا التشبيه البليغ ما يلي :

1- أنّ المؤمن يُري أخاه عيوبَه التي لا يُمكنه أن يراها من نفسه ؛ كما أن كثيراً من أعضاء الجسد وعيوب البدن لا يُمكن رؤيتُها إلا بالمرآة:

فيُعلّمك أخوك المؤمن إذا جَهِلتَ ، ويُذكّرك إذا نسيتَ ، وينبّهك إذا غَفِلتَ ، ويصوّبك إذا أخطأتَ .

2- والمرآة صادقةٌ فيما تعكسُه مِن هيئتك :

وكذلك المؤمن صادقٌ معك ، لا يحمل تُجاهَك غِلاًّ ولا غِشّاً ؛ يُريك حسناتِك ويشكرك عليها ، ويُريك سيئاتِك وينبّهك إليها .



3-وهو يُريه عيوبَه كما هي -دون تهويل أو تضخيم- :
والمرآة إنما تُريك ما في بدنك نفسَه - دون زيادةٍ - ؛ إلا إذا كان الخللُ في المرآة -نفسها- .

4- أنّ المرآة صافيةٌ ناصعةٌ :

كصفاء قلب المؤمن في إخلاصِه لنصيحة أخيه وحبّ الخير له .


وكذلك مَن اجتمع فيه خلائقُ الإيمان ، وتكاملت عنده آدابُ الإسلام ، ثم تجوهر باطنُه عن أخلاق النفس : ترقّى قلبُه إلى ذروة الإحسان ، فيصيرُ لصفائه كالمرآة :


إذا نظر إليه المؤمنون رأَوْا قبائحَ أحوالهم في صفاء حاله ، وسوءَ آدابهم في حُسن شمائلِه .


5- كما أنّ المرآة بالِغةُ النعومة في مَلْمَسِها :

ومِثلُها : نعومة ذلك الأخ - في تعاملِه ، وكلامه ، ونصيحته- .


6- أنّ المرآة صامتةٌ ؛ تُريك ما في بدنك بصمت :

وهكذا المؤمنُ الناصحُ الصادقُ : ينصحك ولا يفضحك ، يُخافتك ويهمس في أُذُنك بخطئك ؛ فلا تسمعه أذنك الأخرى .


7- إذا ابتعدتَ عن المرآة : زالت صورتك :

وهكذا المؤمن - إذا غبت عنه - : كتم سرَّك ، ولم يهتك سترَك ، بل تناسى عيبَك ، ولم يقلِّب في قلبِه ذنبَك .


8- المرآة مِن خاصّةِ الإنسان ، ومن مقتنياتِه التي يحتفظ بها :

وكذلك الأخ المؤمنُ الصالحُ الناصحُ ؛ مما ينبغي أن يُقتنى ويحتفظ بودِّه وخُلّته .


9- أنّ المرآة مِن أهمّ وسائل الزينة ، بل لا يَكاد يتمُّ التزيُّن إلا بها :

وهكذا لا يتمُّ تزيُّنُ المؤمنِ في حياته إلا بأخٍ له ، تتلاقَحُ معه أوصافُهما ، وتتكامَلُ أخلاقُهما .


10- المرآة بالِغةُ الحساسِيّة ؛ فهي تحتاجُ إلى رعايةٍ خاصةٍ لتحتفظَ بنقائها ، وتَسْلَمُ من انكسارها :

فكذلك في تعاملِك مع أخيك المؤمنِ ؛ لابد مِن مراعاته ، فلا تأتيه إلا بما تحبُّ أن يأتيَك .


11- أنّك كلَّما نظرتَ إلى المرآة : لا ترى إلا نفسَك ، فلو اجتهدتَ لأن ترى جِرْمَ المرآة : لرأيتَ نفسَك :

وكذلك أنت مع أخيك: منشغلٌ بنفسِك ، وإصلاحِ خللِها ، وإكمالِ نقصِها عن تتبُّع إخفاقاتِ أخيك ، وزلّاته ، وسَقَطاتِه .


12-أنّ المرآة لا تُريك إلا الموضعَ الذي تحتاجُه منها ، فلا تتتبّع المواضعَ الأخرى:

وهكذا المؤمنُ مع أخيه ؛ يُغْضي عنه ، ولا يَستقصي له ؛ كما قال رَجاءُ بنُ حَيْوَة : ( مَن عاتب إخوانَه على كل شيء : كَثُرَ أعداؤه ) .


وقال بشّار بن بُرْد :


إِذا كُنتَ في كُلِّ الذُنوبِ مُعاتِباً *** صَديقَكَ لَم تَلْقَ الَّذي لا تُعاتِبُهْ


فَعِشْ واحِداً أَو صِلْ أَخاكَ فَإِنَّهُ *** مُفارِقُ ذَنْبٍ مَرَّةً وَمُجانِبُهْ


إِذا أَنتَ لَم تَشرَبْ مِراراً عَلى القَذى *** ظَمِئْتَ وَأَيُّ الناسِ تَصفُو مَشارِبُهْ


13-أنّ المرآة لا تطّلعُ إلا على الظاهرِ ؛ فلا سبيلَ لها إلى الباطنِ :

وهكذا هذا المؤمنُ : يعاملُ أخاه بظاهرِه ، ولا يتكلّفُ الخوضَ في باطنه ، ولا يطعنُ في نيّته ؛ فضلاً عن صدقشه وإيمانِه .

...والله الموفّق -بفضله-وحدّه- إلى كل خير..

فبربّكم:

أين نحن من بعض هذه المعاني العاليات الغاليات!؟

رد مع اقتباس