عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 05-08-2011, 08:47 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي


لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن ندى العتيبي



الحمد لله رب العالمين، الذي كرم ابن آدم بِهذا الدين، وأعزه بسنة سيد المرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
لا يخفى على العارفين والعقلاء على مر العصور والأزمان، أهمية الأمن ونعمة الأمان، وأثره في استقرار البنيان، وبقاء مصالح الأمم، واستمرار الحضارات، بل ان عناصر النجاح وبقاء الأمم؟ قائمة على أمرين، أولهما: وجود الأمن، وثانيهما: قوة الحالة الاقتصادية، لوفرة النعم وسهولة الرزق، ولقد قال الله تعالى: {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}[ قريش: 4]، وقوله: {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ}، أي: ان كل بلد ومجتمع بلا جوع فهو في نعمة، بعد توحيد الله، وهو دليل على تقلب الناس في النعم الوفيرة، ورغد العيش، في بيئة تنعم بالنمو الاقتصادي، وقوله: {وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}، أي: ان نعمة الأمن ضرورة للوجود الانساني، بل من أكبرِ النعم على الانسان وجود الأمن، وان الحياة في بلاد آمنة، ورزق مُتَيَسِّر لا يحمل الانسان هم تحصيله وجمعه، فهذه أركان بناء الدول والحضارات، مع وجود الامام الذي يجتمع حوله الناس، خوفاً من ضرر تعدد الزعماء، فبتعدد الزعماء يُنزع للأمن وينهار، ويمنع الرزق واليسار.

السعادة الدنيوية في ثلاث

ان السعادة في الحياة الدنيا جمعها النبي صلى الله عليه وسلم في توفر ثلاثة أمور، لَما روى الترمذي في سننه (2346) وحسنه، وابن ماجه في سننه (4141) من حديث عُبيد الله بن مِحصن الأنصاري الخَطْمِيِّ رضي الله عنه، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «من أَصبح منكم آمِنًا في سِرْبه، مُعَافًى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حِيزت له الدنيا». قال الترمذي: «حديث حسن».قلت: وهو كما قال، حسن بالشواهد.فان مجاوزة بيان النبي صلى الله عليه وسلم، وطلب العلاج في المظاهرات والاضرابات خطر وزلل.

حكم المظاهرات والإضرابات

وهذه مقدمة للدخول في حكم المظاهرات والاضرابات، وما جرته على كثير من الأمم من الفساد والويلات، وذلك بعدما لوحظ في الآونة الأخيرة من تفشي الدعوة الى الاضرابات والاعتصامات، باسم المطالبة بالحقوق وانتزاعها، ومن المؤلم مشاركة كثير ممن عرف بالحكمة والعقل، وغيرهم ممن نحسن الظن به، وان كانت عند آخرين عمل ومنهج ذا تأصل اسْتُلَّ من عقولٍ لا تدرك مطالب الشرع أو لا تعبأ به، فأصبحت تعيش هذه الثقافة المنكرة، ولا تقبل ان تحيد عنها أو تُراجع فيها، الا ان يكتب الله لهم الخير والهداية.قال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 272]، وقال تعالى: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35]، وقال تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف: 17].

كيف نشعر بقيمة لحظة أمان واطمئنان؟!

أيها الانسان! ان يُسمحَ لك بوجود مساحة للتفكير، وتجد أملاً في العيش، ولو كان زمناً محدوداً، وتحظى بلحظات من الشعور بالأمن والطمأنينة، وراحة البال في الأوطان، بين الأهل والخلان، لَهو أمر عزيز تبذل المهج من أجل تحصيله، وان هذا الجزء من الأمن وراحة البال والاطمئنان، يتجاوز بمراحل مجموعة المطالب والحقوق، التي يسعى الى تحصيلها كثير من الناس بالمظاهرات والاعتصامات والاضرابات، وهي في نهاية الأمر وسائل غريبة، ومسالك غير مشروعة.

درء المفاسد مقدم على جلب المصالح في مجالس العلم والحكمة، لا أماكن الفوضى والفتن


من المعلوم لدى العلماء والحكماء، وفي مجالس العلم والحكمة، لا أماكن الفوضى وطلاب الفتن، ومجامع الغوغاء والدهماء، ان درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وكذلك عند التزاحم والتنازع بين أمرين، فعند تزاحم المصالح، نسعى الى تحصيل المصلحة الكبرى وتقديمها على المصلحة الصغرى.
قال تعالى: {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، ان كشف الباطل وبيان عيبه وضلاله، أمر مطلوب ومصلحة شرعية، حث عليه الشارع، ومنها بيان هذه المعبودات الباطلة، والآلهة التي تعظم وتعبد من دون الله فوقع الناس في الشرك، وبما ان ذلك سيئول الى مفسدة كبرى وهي سب المشركين لله، جاء المنع من التشريع من ذلك: {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، فان عدم بيان الضلال وسب آلهة المشركين، مفسدة صغرى الى جانب المفسدة الكبرى وهي سب الله سبحانه وتعالى: {فَيَسُبُّوا اللَّهَ} حكم انتزاع الحقوق من ولاة الأمر أولا: روى البخاري في صحيحه (2377)، وأحمد في المسند (111/3) من حديث أنس رضي الله عنه، دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار ليقطع لهم بالبحرين، فقالوا: يا رسول الله! ان فعلت، فاكتب لاخواننا من قريش بِمثلها، فلم يكن ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «انكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني».قال الحافظ ابن حجر في الفتح(48/5): قوله: «سترون بعدي أَثَرةً»، بفتح الهمزة والمثلثة على المشهور، وأشار صلى الله عليه وسلم بذلك الى ما وقع من استئثار الملوك من قريش عن الأنصار بالأموال والتفضيل في العطاء، وغير ذلك، فهو من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فاصبروا»، وقال الأنصار: سنصبر

ثانيا: روى مسلم في صحيحه (1059) من حديث أنس رضي الله عنه في قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأنصار يوم حنين قال: «فانكم ستجدون أثرة شديدة، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله، فاني على الحوض»، قالوا: سنصبر.
ثالثاً: وروى البخاري (1955)، ومسلم(38/1839) في صحيحيهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، الا ان يؤمر بمعصية، فان أمر بمعصية فلا سَمع ولا طاعة».
رابعاً: وروى البخاري (7056)، ومسلم (42/1709) في صحيحيهما عن جنادة بن أبي أمية قال: دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض فقلنا: حدثنا أصلحك الله بحديث ينفع الله به، سَمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دعانا رسول صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا، ان بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: «الا ان تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان».
خامساً: وروى البخاري (3603)، ومسلم(1843) في صحيحيهما من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انها ستكون بعدي أثرة، وأمور تنكرونها»، قالوا: يا رسول الله! كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: «تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم».
سادساً: وروى البخاري (7053)، ومسلم (1849) في صحيحيهما من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال: «من كره من أميره شيئاً فليصبر فانه من خرج من السُّلطان شِبْرًا مات مِيتَةً جاهلية». العلاج بالصبر المشروع لا بالاضراب الممنوع.
جاء في الآثار السابقة الحث على الصبر والتوجيه اليه:
- «فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله».
- «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره - السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا.
- قال: «وأمور تنكرونها»، قال: «تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم».
- «من كره من أميره شيئاً فليصبر».
هذا هو العلاج الذي دلنا عليه ووجهنا اليه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينبغي الالتفات الى الأساليب الأخرى من اضراب أو غيره من نتاج العقل البشري الذي يقصر عن علاج كثير من الأمور وجلب مصالح المسلمين والمحافظة عليها فلا للجوء الى البشر والترهيب بالتجمعات والخطابات بل عليكم بمشكاة النبوة، فالصبر الصبر عباد الله! وقد قالها من هم خير منا، قال الأنصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:سنصبر، وقال تعالى: {انَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، وقال تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا ان اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].

أضرار الاضراب

أولا: نزع هيبة الدولة
الاضراب المراد به التجمع والتجمهر لمعارضةِ ما عليه الواقع، وعدم الرضى بالمحيط، فان أصله يعود الى جهتين، الأصل القديم: وهو تعبير وأسلوب سلكه الخوارج في العهد الأول، وأصبح فيما بعد عرفاً ومنهجاً يميز منهج الخوارج، فكان سبباً لتحريك شهوات الطامعين، وزرع عدم الأمن بين المسلمين.
وهناك نسخة الاضراب المستوردة من الجهات الغربية، والعادات والأعراف الشاذة والغريبة على مجتمعاتنا، مما جعل المجتمعات الغربية مسرحاً للفوضى، وميداناً للجريمة، ومصدر قلق على الأمم فهي المصدر الرئيس لتصدير الثورات الى الدول الآمنة يمثل هذا السلوك تعطيل الأعمال وعدم التعاون من أجل الحق الذي يدعون مصادرته، وتعبيرا عن عدم الرضى.

ثانياً: الاضرابات مقدمات للفتن

كانت بداية كثير من القلاقل والفتن هو تجمع الناس (الاضراب) لهدف معين، لا يكاد يلبث حتى ينقلب الى لهيب نار تأكل الأخضر واليابس، وما التجمع حول بيت عثمان بن عفان الصحابي الخليفة الشهيد وأدى اليه ذلك التجمع، الا دليل جلي على ان المطالب والحقوق أو ما يظن أنها حقوق، ليس هذا الطريق الى حلها، بل ما حدث من قتل لعثمان بن عفان رضي الله عنه الا عار دون في التاريخ علامة على الخزي الذي تجره المظاهرات والاعتصامات والاضرابات.

التجمهر حول بيت الخليفة عثمان ومحاصرته

وروى البخاري في صحيحه (695) عن عبيد الله بن عدي بن خيار أنه دخل على عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو محصور فقال: انك امام عامة، ونزل بك ما ترى، ويصلي لنا امام فتنة ونتحرج؟ فقال: الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فاذا أحسن الناس فأحسن معهم، واذا أساءوا فاجتنب اساءتهم.

ثالثاً: تعطيل مصالح الأمة ومنافع المسلمين

ان العاملين في الدولة القائمة على مصالح العباد تربطهم علاقة الأجير الذي يأخذ منفعة من المالك (الْمُستأْجر) مقابل عمل بأجر متفق عليه مسبقاً، فالاضراب وعدم التعاون اخلال بالعقد بين الطرفين، وفي ذلك ضرر بالغ يقع على عامة المسلمين، والمضربون يقدمون مصلحة صغرى – ان وجدت – على مصلحة كبرى، وهذا خلل في المفاهيم أو انحراف في المنهج وخلل في السلوك، لابد من تقويمه، من أجل مصلحة الأمة ولبقاء هيبة الدولة حتى لا يتلاعب بأمنها بعض الخارجين على النظام السليم والطريق القويم..

رابعاً: عمل غريب على أخلاق المسلمين

ان الاضراب ليس عملا أخلاقيا، وقائم على رفض التعاون على الخير، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الاثْمِ وَالعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، بل فيه من الغرابة والشذوذ عن أخلاق وعادات وأعراف المسلمين على مر العصور والدول التي تناوبت على المجتمعات، الا ما كان يصدر من فرق الخوارج، والطوائف المنحرفة.ولكن هذه السلوك تسلل الى من نحسن الظن به لجهله بمصدره، وعدم الالمام بخطورته.

خامساً: الاضراب: معناه الترك والاعراض

قال في المعجم الوسيط: الاضراب مصدر أضرب.وقال: في العرف الكف عن عمل ما.وذكر أيضاً في المعجم الوسيط: من معناه العرفي عدم التعاون.
قلت: لا يعرف الاضراب عند المسلمين، ومعنى الاضراب في اللغة العربية اما الابطال واما الانتقال عن غرض الى غرض، وان تلاها مفرد فهي عاطفة، ومن حروف الاضراب: بل وأم...
والاضراب سلوك غير شرعي، بل لا صلة له بالثقافة العربية، ولم أقف على ان الاضراب مفردة في معاجم اللغة العربية فهي عمل مستورد سلوكا واسما، والدليل غرابة لفظه فهل وجد وأخذ سماعاً من العرب الأقحاح.

لا مرحباً بسرور عاد بالضرر

سادساً: القضاء بين الحاكم والمحكوم

قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ الَى اللَّهِ} [الشورى:10]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَانْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ الَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ان كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا} [النساء: 59]، وقال تَعَالَى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]. وترك الدعوى الجوفاء من طلب التحاكم الى منظمات العمل الدولية، وما يسمونه بمنظمة حقوق الانسان. ولذا كما بُيِّنَ فاللجوء الى الجهات القضائية التي تحكم بالكتاب والسنة، والأخذ بالتشريعات الادارية التي تحكم العلاقة بين الأطراف المختلفة والمتنازعة، وتقضي بالحق لأهله، وتحسم مادة التمرد، وأما القيام بأعمال استعراضية، واظهار نوع من القوة وعدم الخوف من العقاب أمام جموع العوام والدهماء، فهذا منذر بنهاية الدول.

وقيل في الحكمة: أول العشق النظر وأول الحريق الشرر
كل الحوادث مبداها من النظر
ومعظم النار من مستصغر الشرر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها
في أعين الغيد موقوف على الخطر
كم نظرة فعلت في قلب فاعلها
فعل السهام بلا قوس ولا وتر
الدكتور عبدالعزيز بن ندَى العتيبي
جريدة الوطن الكويتية
8-5-2011
رد مع اقتباس