عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-05-2020, 07:14 AM
أبوجابر الأثري أبوجابر الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
الدولة: طرابلس- ليبيا
المشاركات: 2,053
Lightbulb الرد على بعض افتراءات الداعية التونسي البشير بن حسن - هداه الله -

الرد على بعض افتراءات الداعية التونسي البشير بن حسن - هداه الله -.
..
الحمد لله وكفى؛ والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن على الأثر سار واقتفى؛ أما بعد:
فقد وقفت اليوم على مقطع مرئي للداعية التونسي: البشير بن حسن – هداه الله وأصلح باله، ورد إلى الحق ردا جميلا -؛ استمعت إلى أول كلامه فيه فقط؛ ولم أتجاوز الدقيقتين الأولَيَيْن؛ فرأيت – والله – عجبا، ولم أكن أتصور أن يصل هذا الداعية إلى هذه الحال التي وصل إليها؛ من الطعن في مخالفيه، والكذب على أهل العلم، وتقويلهم ما لم يقولوا، والافتراء عليهم، وخيانة الأمانة العلمية، كل هذا في أقل من دقيقتين! فكيف لو أكلمت الاستماع إلى المقطع كله؟! والله المستعان.
وفي الحقيقة إن هذا الشيخ - عفا الله عنه – قد غيّر وبدَّل، وأصبح ينكر ما كان يعرف بالأمس، ويعرف اليوم ما كان ينكر بالأمس، ولعله يصدق فيه قول الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه - : "اعلم أن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر، وأن تنكر ما كنت تعرف، وإياك والتلون في دين الله، فإن دين الله واحد".
وقد وقفت بعض الوقفات مع ما قاله خلال هاتين الدقيقتين فقط، وأرجو أن أكون وفقت إلى الصواب في هذه الوقفات؛ كما أسأل الله – سبحانه وتعالى – أن تكون خالصة لوجه الكريم، والله الموفق، والهادي إلى سواء السبيل.
اعلم أخي الكريم – أرشدني الله وإياك لطاعته - أن الحديث الذي فيه : "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع" قد أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، الذي هو أصح كتاب بعد صحيح الإمام البخاري – رحمه الله –، وقد تلقت الأمة هذا الكتابَ بالقبول.
أما ما قاله هذا المتكلم بأن أصل الحديث مطعون فيه؛ فغير صحيح، بل أصل الحديث متفق عليه، فهو في البخاري ومسلم، ومن رواية حذيفة نفسه – رضي الله عنه -.
وأما ما نقله عن الإمام الدراقطني – رحمه الله – بأنه قد حكم على الحديث بأنه شاذ، فهذا من الكذب عليه – رحمه الله –، وذلك من وجهين:
الوجه الأول- أن الإمام الدارقطني لم يحكم على الحديث، بل حكم على هذا السند نفسه، وفرق كبير بين الأمرين، فالحكم على الإسناد بالضعف لا يلزم منه الحكم على الحديث بالضعف.
الوجه الثاني- أن الإمام الدارقطني – رحمه الله – لم يقل: إنه شاذ، بل قال في (الإلزامات والتتبع) : "وهذا عندي مرسل".
ولو سلمنا بهذا، فليعلم أن المرسل قد اختلف أهل العلم في الاحتجاج به، وهو حجة عند جماهير العلماء. أقول هذا من باب الأمانة العلمية، وإلا فالمرسل قد يكون حجة، وقد لا يكون، وفي ذلك تفصيل طويل جدا، ليس هذا موضع بسطه والكلام عليه.
أما قول هذا الداعية التونسي: "وكذلك ضعفها الإمام النووي" .
فهذا من الكذب على النووي – رحمه الله -، ودونك نص كلامه؛ لتقف على حقيقة هذا الناقل، وتعلم مدى صدقه وأمانته في النقل. قال النووي – رحمه الله - في شرح صحيح مسلم (12/ 237-238) : "قال الدارقطني :"هذا عندي مرسل؛ لأن أبا سلام لم يسمع حذيفة". وهو كما قال الدارقطني، لكن المتن صحيح متصل بالطريق الأول، وإنما أتى مسلم بهذا متابعة - كما ترى - وقد قدمنا في الفصول، وغيرها: أن الحديث المرسل إذا روي من طريق آخر متصلا = تبينا به صحة المرسل، وجاز الاحتجاج به، ويصير في المسألة حديثان صحيحان".
فهذا كلام النووي بفصه ونصه! فهل ترى أن الناقل قد صدق في دعواه، وكان أمينا في نقله؟!
وأما ما نقله عن الحافظ ابن حجر – رحمه الله – فيقال فيه كما قلنا فيما سبق! ودونك البيان:
قال هذا التونسي: "وخرجها الإمام ابن حجر فقال: "إن كان ذلك بحق" ما معنى؟
يعني: إن أخذ مالك حقا، وضرب ظهرك حدا!
وفصل بعض العلماء فقال: "إن ذلك كان في فقه الحرب، لا في فقه الأمن".
فهذا يعمل به في فقه الحرب؛ حتى لا يقع الخلاف بين الأمير ورعيته، لا في فقه الأمن".
هذه كلها أقوال قالها أهل العلم؛ لأنه لا يجوز أن تؤخذعلى ظاهرها، الإسلام جاء ليحرم الظلم بكل صوره وأشكاله، وأن يعان على الظلم بأي وسيلة من وسائل العون، الإسلام دين العدل، الإسلام دين القسط..." إلخ كلامه.
قلتُ: فلننظر أولا إلى صدقه فيما نقله عن الحافظ ابن حجر – رحمه الله -، ثم لننظر فيما نسبه إلى بعض العلماء من التفريق بين حالي الأمن والحرب!
فأولا- دونك كلام ابن حجر – رحمه الله –. قال في (فتح الباري) (13/ 36) : "وإلى ذلك الإشارة بقوله الزم جماعة المسلمين وإمامهم يعني ولو جار، ويوضح ذلك رواية أبي الأسود (ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك)، وكان مثل ذلك كثيرا في إمارة الحجاج، ونحوه.
قوله: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم" بكسر الهمزة، أي: أميرهم. زاد في رواية أبي الأسود (تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)، وكذا في رواية خالد بن سبيع عند الطبراني (فإن رأيت خليفة فالزمه وإن ضرب ظهرك فإن لم يكن خليفة فالهرب).
وقال في (13/ 37) : "وقال ابن بطال: فيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين، وترك الخروج على أئمة الجور؛ لأنه وصف الطائفة الأخيرة بأنهم دعاة على أبواب جهنم، ولم يقل فيهم تعرف وتنكر كما قال في الأولين وهم لا يكونون كذلك إلا وهم على غير حق وأمر مع ذلك بلزوم الجماعة".انتهى.
فأين في كلامه ما نسبه إليه ذلكم الرجل، وهل ترى أن الحافظ ابن حجر قد عمل بالحديث وأخذ بظاهره، أو قام بليِّ عنقه، وتأويله – كما فعل هذا التونسي وغيرُه -؟!
ونرجع إلى الحديث وما أعل به؛ ونجيب عن ذلك بجوابين:
الجواب الأول- أن الحديث قد جاء موصولا في بعض الطرق، وللإفادة فإني أنقل إليك ما قاله الإمام الألباني – رحمه الله – في (السلسلة الصحيحة) (6/ 542)، قال – رحمه الله - : "وقد أعل بالانقطاع، وقد وصله الطبراني في "المعجم الأوسط" (1 / 162 / 2 /3039) من طريق عمر بن راشد اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبيه عن جده عن حذيفة بالزيادة التي في الطريق الأخرى والسابعة والعاشرة.
وذكره السيوطي في " الجامع الكبير " (4 / 361) أتم منه من رواية ابن عساكر.
الثالثة: عن سبيع - ويقال: خالد - بن خالد اليشكري عن حذيفة به. أخرجه أبو عوانة (5 / 476) وأبو داود (4244 - 4247) والنسائي في " الكبرى " (5 /17 / 8032) والطيالسي في " مسنده " (442 و 443) وعبد الرزاق في " المصنف " (11 / 341 / 20711) وابن أبي شيبة (15 / 8 / 18960 و 18961 و 18980) وأحمد (5 / 386 - 387 و 403 و 404 و 406) والحاكم (4 / 432 - 433) من طرق عنه لكن بعضهم سماه خالد بن خالد اليشكري، وهو ثقة، وثقه ابن حبان والعجلي، وروى عنه جمع من الثقات، فقول الحافظ فيه: " مقبول " غير مقبول، ولذلك لما قال الحاكم عقب الحديث: " صحيح الإسناد "، وافقه الذهبي. وأما قول الشيخ الكشميري في "التصريح بما تواتر في نزول المسيح" بعد أن عزاه (ص 210) لابن أبي شيبة وابن عساكر: "وبعض ألفاظه يتحد مع ما عند البخاري، فهو قوي إن شاء الله تعالى". فمما لا وزن له عند العارفين بطرق التصحيح والتضعيف، لأن اتحاد بعض ألفاظه بما عند البخاري لا يستلزم تقوية الحديث برمته، بل قد يكون العكس في كثير من الأحيان، وهو المعروف عندهم بالحديث الشاذ أو المنكر، ويأتي الإشارة إلى لفظة منها قريبا، وقد خرجت في " الضعيفة " نماذج كثيرة من ذلك، يمكن لمن يريد التحقيق أن يتطلبها في المجلدات المطبوعة منها، وفي المجلد الثاني عشر منها نماذج أخرى كثيرة برقم (5513 و 5514 و 5527 و 5542 و5543 و 5544 و 5547 و 5552 و 5553 و 5554) . ومثله قول الشيخ عبد الله الغماري في " عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام " (ص 102) ونقله الشيخ أبو غدة في تعليقه على "التصريح": "وهو حديث صحيح "! أقول: لا قيمة لهذا أيضا لأنه مجرد دعوى يستطيعها كل أحد مهما كان جاهلا بهذا العلم الشريف، وقد رأيت الغماري هذا واسع الخطو في تصحيح ما لا يصح من الحديث في كتابه الذي سماه: "الكنز الثمين"، وقد تعقبته في كثير من أحاديثه، وبينت ضعفها ووضع بعضها في المجلد المشار إليه من " الضعيفة " برقم (5532 و 5533 و5534 و 5535 و 5536 و 5537 و 5538 و 5539) ، وفي غيره أمثلة أخرى. والله المستعان. وقد بينت لك آنفا أن إسناد الحديث صحيح لمجيئه من طرق صحيحة عن سبيع، ولأن هذا ثقة، ولأن أبا عوانة صححه أيضا بإخراجه إياه في "صحيحه"، وهو "المستخرج على صحيح مسلم"، وتصحيح الحاكم أيضا والذهبي، وإنما رددت قول الحافظ فيه: " مقبول " لأنه يعني عند المتابعة، وإلا فهو لين الحديث عنده، كما نص عليه في مقدمة "التقريب". وكأنه لم يستقر على ذلك، فقد رأيته في "فتح الباري" (13 / 35 - 36) ذكر جملا من هذه الطريق لم ترد في غيرها، فدل ذلك على أن سبيعا هذا ليس لين الحديث عنده، لأن القاعدة عنده أن لا يسكت على ضعيف. والله أعلم. قلت: وفي هذه الطريق الزيادات الأخرى والروايات المشار إليها بقولي: "وفي طريق.." مما لم يذكر في الطرق المتقدمة ، موزعة على مخرجيها، وفيها أيضا الزيادة الثالثة.انتهى كلامه – رحمه الله -، وأنصح من أراد الاستزادة أن يرجع إلى السلسلة، ويقرأ بقية كلامه.
والحديث قد صححه جماعة من أهل العلم – قديما وحديثا -، منهم من مضى ذكره، ومنهم من سيأتي ذكره – إن شاء الله تعالى -.
والجواب الثاني- هَبْ أن هذه الزيادة التي في صحيح مسلم ضعيفة، ولم تصح، فقد جاء عند غير الإمام مسلم، ومن حديث صحابي آخر، غير حذيفة – رضي الله عنه – ما يثبت هذا الحكم؛ فماذا أنت فاعل؟!
فعن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اسمع وأطع، في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك، وإن أكلوا مالك، وضربوا ظهرك".
أخرجه ابن زنجويه في (الأموال) رقم (24)، وابن أبي عاصم في (السنة) رقم (1026) – واللفظ له -، وابن حبان في صحيحه رقم (4566)ن وغيرُهم، وهو حديث ثابت.
أما ادعاؤه الذي ادعاه وقال: "وفصل بعض العلماء فقال: "إن ذلك كان في فقه الحرب، لا في فقه الأمن". فغير صحيح، والأحاديث جاءت بالعموم، ولم تفرق بين حال الأمن، وحال الحرب، ونحن نطالبه بشيئين:
الأول- أن يسمي لنا العلماء الذين قالوا بهذا التفصيل، وأن يذكر لنا ما اسم الكتاب الذي فيه كلامهم هذا، مع ذكر رقم الجزء والصفحة؛ لنراجع كلامهم، ونأكد من حقيقة قولهم، ونتثبت من نقله؛ لأنه قد ثبت أن الرجل ليس أمينا في نقله، وقد بينت ذلك فيما سبق بالدليل الواضح البين.
الثاني- ما الدليل على هذا التفصيل، وما البينة على هذا التفريق المزعوم؛ فإن لم يأت به – وأظن أن دون ذلك خرط القتاد – فليعلم أن هذا من الكذب على أهل العلم، ومن الافتراء على الشرع، والافتئات على العلماء؛ ألا فلتتقِّ الله أيها التونسي، وعد إلى رشدك، وارجع إلى ما كنت عليه قبل هذه الانتكاسة التي أصبت بها، والله المستعان.
وفي نهاية المطاف أحب أن أنقل كلاما لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – فيه الفهم الصحيح لهذا الحديث – وهو يرى صحته كما سترى؛ لأن الكلام عن فقه الحديث هو فرع عن تصحيحه -. قال في (منهاج السنة) (1/ 561): "وهو - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر أنه بعد ذلك يقوم أئمة لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته، وبقيام رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الإنس، وأمر مع هذا بالسمع والطاعة للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فتبين أن الإمام الذي يطاع هو من كان له سلطان، سواء كان عادلا أو ظالما".
وقال في (3/ 393) : "وقد تقدم قوله - صلى الله عليه وسلم - لما ذكر أنهم "لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته". قال حذيفة: كيف أصنع يا رسول الله، إن أدركت ذلك؟ قال: "تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع". فهذا أمر بالطاعة مع ظلم الأمير".انتهى كلامه.
فهل شيخ الإسلام من هؤلاء الذين عناهم هذا الداعية، أو ليس منهم؟!
وإني أنصح في نهاية كلامي هذا برسالتين مهمتين في هذا الباب؛ كليهما للشيخ عبد السلام بن برجس – رحمه الله تعالى -:
الأولى- (الأمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم والتحذير من مفارقتهم).
الثانية – (معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة).
وأسأل الله – عز وجل - أن يعيذنا من الحور بعد الكور، وأن يثبت قلوبنا على دينه، والله المستعان.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

كتبه الشيخ : أشرف بن صابر الليبي
رد مع اقتباس