عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-02-2016, 04:02 PM
ابوعبد المليك ابوعبد المليك غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 4,441
افتراضي حُكم تَفريع المسائِل / ا.د. الشيخ احمد بن مسفر العتيبي


حُكم تَفريع المسائِل


هذه مسألة خَصبة طويلة تتعلَّق بتشقيق المسائِل العلمية وتقسيمها ، لاستخراج الحُكم أو الخُلاصة ، أو الراجح فيها.
وبعض الناس يستعملها كجمع الرُّطب باليابس ، وجمع النائِم والناعِس ! . وهذا غلط لا تصح مُتابعته



وقد ذكر لُبَّها العلاَّمة الأخضري (ت: 953هـ) رحمه الله تعالى ، في منظومته حين قال :
وفي دلالة المُقدِّماتِ … على النتيجة خِلاف ٌآتٍ

وهي في أصلها مسألة عقدية بحثها الُأصوليون في باب العِلة ، وقد تنازع فيها الأشاعرة والمعتزلة وأهلُ السنة ، وليس هذا محلُّ بسطها .


وسبب طرحها هنا لأهميتها ، ولمذاكرة إختلاف الأحناف وكثير من فقهاء المالكية والشافعية وغيرهم ، في جواز تفريع مسائل فقهية لم تقع ، لتفقيهِ الطلبة وتقعيد القواعد وتفريع الفوائد ، من باب الاستعداد للبلاء قبل وقوعه .


والمقصود بالتفريع : التقسيم والإيراد لمراتب المسألة . والمراد بالمسألة : الحادثة أو النازلة أو موضوع الفتوى . فتكون المسألة مرتبة من : مُقدِّمات ومراتب وعِلل وقوادح وأسباب ونتائج .
وقد وضحَّ أبو حنيفة (ت: 150هـ ) رحمه الله تعالى لقتادة (ت: 118هـ )رحمه الله تعالى ،لما دخل الكوفة وسأل عن رجل غاب عن أهله أعواماً فتزوجت امرأته ظناً منها أنه قد مات ، ثم رجع زوجها الأول ، ما تقول في صداقها ؟ ، فقال له قتادة : ويحك هل وقعت ؟ قال : لا، قال :لم تسألني عن شيء لم يقع ؟! فقال أبو حنيفة : إننا نستعد للبلاء قبل وقوعه. أهـ .



ومن نافلة القول أن الأصل ذِكر الحكم للمسألة المسؤول عنها ، بلا تكلُّف أو تجزئة وتشقيق لمفرداتها
والأصل في هذا حديث أنس قال : ” نُهينا أن نسأل رسول الله (صلى الله عليه و سلم) عن شيٍء ، فكان يُعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل ، فيسألهُ ونحن نسمع ” متفق عليه .
أما التفريع الوهمي والمُتكلَّف فممنوعٌ في الجملة .



ومن تأمل القرآن الكريم يلحظ أن التفريع فيه يسير لا سِّيما في الأحكام والجزاء ومُتعلقاته ، وهذا من بلاغة القرآن وفصاحته .
والتفريع في السُّنة محدود أيضاً لا يَكاد يُذكر ، لأن البلاغة الإيجاز ، وهي من صفاته صلى الله عليه وسلم.
والأصل في هذا الباب عدم جواز التفريع لمن يخشى من تضيِّيعه للُّب المسألة ، أو التشويش ، أو الإلتباس ، أو الخطأ .



فعلماء الحديث لم يُعرف عنهم تفريع المسائل ، لأنهم اجتهدوا في متابعة دلالة النص الظاهرة في الجُملة . أما علماء الفقه والأصول ، فالأكثر فيهم هو التفريع لحاجة المسائل بحسب المتلقِّي والسامع ، وحجته وجدله وتعنُّته في الوقوف على الحق .


ومن تأمل فتاوى الرسول صلى الله عليه وسلم وجدها على هذا الأصل . كحديث السُّؤال عن ماء البحر فأجاب بقوله: ” هو الطهور ماؤه الحل ميتته ” ، وحديث السؤال عن الروح ، والسؤال عن ذي القرنين ، ونحوها .


وقد صنَّف فيها الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى بحثاً رَقَمه بعنوان : المسائل التي أجاب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يُطابق الحق ، وقد أوردها في كتابه البداية والنهاية ،وهي عشر مسائل ، فلتراجع .


وكان السلف على هذه الجادَّة من الإختصار والإيجاز ، حتى اختلطت كتب الحق بالباطل ودلَّس الرواة في الأحكام والمرويات ، فتصدَّر لهم علماء الأصول بما يسمى بالتفريع والتشقيق والإستطراد ، كالإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى (ت: 728هـ) في فتاويه وأجوبته عند الردِّ على أهل المذاهب ومجادلة أهل الفِرق المنحرفة . وكغيره من علماء القرون المتتابعة .


أما الفقه فإنه نوعان : فقه واقعي وفقه إفتراضي . فالواقعي يتعامل مع الأحكام على الوجوه والكيفيات الحاضرة وتقسيم الأدلة على الأحوال المشاهدة بلا تكلُّف .
أما الفقه التقديري فهو الفقه الإفتراضي للمسائل المستقبلية التي لم تقع ، لكن وقع أشباهها أو ما يقاربها ، فَتُطرح الأحكام والوجوه على ما يمكن تخيُّله للسامع أو القارىء ، إما لتقوية مَلكته على فهم النوازل الآتية ، أو للقياس على حسب ما يظهر للفقيه ، أو لغيرها من الوجوه.


وبسبب هذه النظرة لموادِّ العلم ، ظهرت المدارس الفقهية كمدرسة الرأي ومدرسة أهل الحديث والأثر . فكلُّ من أتباع المدرستين اقتنع بمنهجه على المعطيات العلمية التي ظهرت له من خِلال الوقائع والنصوص ، ومن خلال إعمال العقل أو الورع عن الفتوى فيما لم يقع ، وكلاهما على خير وهدى من الله ، بشرط إحترام حدود الشرع وأحكامه .


وقد يكون التفريع أحياناً مناسباً لزيادة تأصيل مسألةٍ أو تحقيق فائدةٍ لم تتضح . كما يُورده بعض الفقهاء عند مسألة جواز مشي المُنتعل أحياناً حافياً .
فقد فرَّعوا عن هذه المسألة : وجوب تحرُّز الماشي عن النجاسة حتى لا يلُوُّث رِجله ، ولا تدخل الوسوسة إلى قلبه عند الصلاة في المسجد أو المُصلَّى .

والأُصوليون استعملوا التفريع للإقناع والجدل مع الخصم المُتعنِّت ، وللردِّ على أهل الإنحراف بقسميه العقدي والكلامي .
وقد قال العلامة الأخضري في السُّلم :
وحُجة نقلية عقلية .. أقسام هذي خمسةٌ جلية
خَطابة شعر وبرهان جدل .. وخامس سفسطةٌ نِلت الأمل .
ومعنى كلامه أن الحجة النقلية هي ما دلَّ عليه الدليل الشرعي . أما الحجة العقلية فهي خمسة على التفريع : البرهان والجدل والخطابة والشعر والسفسطة .



وأعظم أنواع الحجة : البرهان وهو خمسة أقسام : اليقينيات وهي ستة : الأوليات وهي البديهيات والمشاهدات والمُجرَّبات والمتواترات والمحسوسات والحدسيات .
فيتضح من هذا المثال وما سبق ، أن التفريع قد يكون ضرورياً مباحاً ، وقد يكون ضارَّاً بحسب الحال والمآل .



ومن أراد الإستزادة في هذا الباب فليُطالع الكتب المُطوَّلة في الأُصول والردِّ على أهل الأهواء والمِلل والنِّحل . وقد قيل قديماً على لسان ابن مالك (ت: 672هـ )رحمه الله تعالى :
كلامنا لفظٌ مفيدٌ كاستقم … واسمٌ وفعل ثُم حَرف الكَلِم
واحده كلمةٌ والقول عَمّ … وكلمةٌ بها كَلام قد يُؤم .



وعبارة ابن مالك الأخيرة في البيت الثاني ، فيها تنبيهٌ على أهمية المعاني القليلة ، والاستغناء ما أمكن عن الألفاظ الطويلة . وهو بهذا يختصر لنا زبدة هذا المقال ليغنينا عن المباحث الطِّوال.
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

1/1/ 1438
__________________
أموت ويبقى ما كتبته ** فيا ليت من قرا دعاليا
عسى الإله أن يعفو عني ** ويغفر لي سوء فعاليا

قال ابن عون:
"ذكر الناس داء،وذكر الله دواء"

قال الإمام الذهبي:"إي والله،فالعجب منَّا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداءقال تعالى :
(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)
ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله ومن أدمن الدعاءولازم قَرْع الباب فتح له"

السير6 /369

قال العلامة السعدي:"وليحذرمن الاشتغال بالناس والتفتيش عن أحوالهم والعيب لهم
فإن ذلك إثم حاضر والمعصية من أهل العلم أعظم منها من غيرهم
ولأن غيرهم يقتدي بهم. ولأن الاشتغال بالناس يضيع المصالح النافعة
والوقت النفيس ويذهب بهجة العلم ونوره"

الفتاوى السعدية 461

https://twitter.com/mourad_22_
قناتي على اليوتيوب
https://www.youtube.com/channel/UCoNyEnUkCvtnk10j1ElI4Lg
رد مع اقتباس