عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 11-02-2010, 04:44 PM
طارق ياسين طارق ياسين غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الأردن
المشاركات: 1,071
افتراضي

أخرج أحمدُ في مسندِه, والبخاريُّ في صحيحِه, وغيرُهما عن عمرَ -رضي الله عنه- قال:
وافقتُ ربي في ثلاثٍ؛ فقلتُ: يا رسولَ اللهِ, لو اتَّخذْنا من مَقامِ إبراهيمَ مُصَلَّى, فنزلت:
{ واتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْراهِيمَ مُصَلَّى }[ البقرة:125],
وآيةُ الحِجابِ؛ قلت: يا رسولَ اللهِ, لو أَمَرْتَ نساءَك أَنْ يَحْتَجِبْنَ؛ فإِنَّه يُكَلِّمُهُنَّ البَرُّ والفاجرُ, فنزلتْ آيةُ الحِجابِ [الأحزاب: 59], واجْتمعَ نساءُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الغَيْرَةِ عليه, فقلتُ لهُنَّ:
{عَسَى ربُّه إِنْ طلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ } [ التحريم: 5], فنزلت هذه الآيةُ.

- قال ابنُ حجر في " الفتح":
والمَعنى: وافَقَني ربِّي فأَنْزَل القرآنَ على وَفْقِ ما رأَيتُ؛ لكن لِرعايةِ الأَدَبِ أَسْندَ المُوافقةَ إلى نَفْسِه, أَو أشار به إلى حُدوثِ رأْيِهِ, وقدَّم الحُكمَ.
وليس في تَخْصِيصِه العددَ بالثلاثِ ما يَنْفي الزيادةَ عليها؛ لأَنَّه حصلتْ له المُوافقةُ في أَشياءَ غيرِ هذه, مِنْ مشهورِها قصَّةُ أَسارى بدرٍ, وقصةُ الصلاةِ على المنافقين, وهما في الصحيح, وصحَّحَ التِّرمذيُّ مِن حديثِ ابنِ عمرَ أَنَّه قال: (ما نزل بالناسِ أَمرٌ قَطُّ فقالوا فيه, وقال فيه عمرُ, إلا نزل القرآنُ فيه على نحوِ ما قال عمرُ). وهذا دالٌّ على كَثْرةِ مُوافقتِه. وأَكثرُ ما وقفنا منها بالتَّعْيِين على خَمسةِ عَشَرَ, لكن ذلك بحسب المنقول. اهـ.
- أما قصَّةُ الصلاةِ على المُنافقين: فروى البخاريُّ عن عمرَ بنِ الخطاب - رضي الله عنه- أنه قال:
لمّا ماتَ عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ, دُعِيَ له رسولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم- لِيُصلِّيَ عليه, فلما قام رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- وثَبْتُ إليه، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ! أَتُصَلِّي على ابنِ أُبَيٍّ وقد قال يومَ كذا وكذا كذا وكذا - أُعَدِّدُ عليه قولَه - فتَبَسَّمَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم – وقال:
( أَخِّرْ عني يا عمرُ).
فلمّا أَكْثَرتُ عليه قال:
( إِنِّي خُيِّرْتُ فاخْتَرْتُ, لو أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ على السَّبْعِينَ فغُفِرَ له لَزِدْتُ عليها).
قال: فصَلّى عليه رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم – ثمّ انصرفَ, فلم يمْكُثْ إلا يَسيراً حتَّى نزلتْ الآيتانِ مِنْ براءة:{وَلَا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍمِنْهُم ماتَ أَبَداً وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وهُمْ فاسِقُونَ},
قال: فعَجِبْتُ بَعْدُ مِنْ جُرْأَتِي على رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلّم- يَومَئِذٍ, واللهُ ورسولُه أَعلمُ.

- أما قِصةُ أَسارى بَدْرٍ فأَخْرَج مسلم في صحِيحِه عن ابنِ عباسٍ قال: حدَّثَنِي عمرُ بنُ الخَطّابِ قال:
لمّا كان يومُ بَدْرٍ نظرَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إلى المشركين وهم أَلفٌ, وأَصحابُه ثلاثُمِائةٍ وتسعةَ عشَرَ رجلاً, فاستقبلَ نبيُّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- القِبلةَ ثمَّ مدَّ يديهِ, فجعلَ يَهْتِفُ برَبِّهِ:
( اللهمَّ أَنْجِزْ لي ما وعدْتَني, اللهم آت ما وعدتني, اللهم إِنْ تَهْلِكْ هذه العُصابةُ مِنْ أَهلِ الإِسلامِ لا تُعْبَدْ في الأَرضِ ).
فمازال يَهْتِفُ برَبِّهِ, مادًّا يديه, مُستقبلَ القبلةِ, حتى سقط رداؤه عن مَنْكِبَيْه, فأَتاه أَبو بكرٍ فأخذ رداءَه فأَلقاه على مَنكِبَيْه, ثم التزَمَه من ورائه, وقال: يا نَبِيَّ اللهِ كفاك مُناشدَتُك ربَّك؛ فإِنَّه سيُنْجِزُ لك ما وعدك, فأنزل اللهُ - عزَّ وجَلَّ:
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ}[الأنفال:9],
فأَمَدَّه اللهُ بالملائكةِ. قال أَبو زُمَيْلٍ فَحدَّثني ابنُ عباسٍ قال: بينما رجلٌ مِنَ المسلمين يومئذٍ يَشْتَدُّ فى أَثَرِ رجلٍ منَ المشركين أَمامَه, إِذْ سمع ضربةً بالسَّوْطِ فوقَه, وصوتَ الفارسِ يقولُ: (أَقْدِمْ حَيْزُومُ).
فنظر إلى المُشركِ أَمامَه فخَرَّ مُستلقياً, فنظر إليه فإذا هو قد خُطِمَ أَنفُهُ, وشُقَّ وجهُهُ كضربةٍ السَّوطِ, فاخْضَرَّ ذلك أَجمعُ. فجاء الأَنصاريُّ فحَدَّثَ بذلك رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فقال:
( صَدَقْتَ؛ ذلك مِنْ مَدَدِ السماءِ الثالثةِ ).
فقَتلوا يومَئذٍ سبعينَ, وأَسروا سبعين.
قال أَبو زُمَيْل: قال ابنُ عباسٍ: فلمّا أَسروا الأَسارى قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لأَبي بكرٍ وعمرَ:
( ما ترون فى هؤلاء الأسارى ).
فقال أَبو بكرٍ: يا نبيَّ اللهِ هُمْ بَنُو العَمِّ والعَشيرةِ, أَرى أَنْ تأخذَ منهم فِدْيةً, فتكون لنا قوةً على الكفارِ, فعسى اللهُ أَنْ يَهْديَهم للإِسلامِ. فقال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-:
( ما ترى يا ابنَ الخطابِ )؟
قلت: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ! ما أَرى الذي رأَى أَبو بكرٍ, ولكني أَرى أَنْ تُمَكِّنَّا فنَضْرِبَ أَعناقَهم؛ فتُمَكِّنَ عليًّا منْ عَقيلٍ فيَضرِبَ عُنُقَه, وتُمَكِّني منْ فلانٍ - نَسِيباً لعُمرَ - فأَضرِبَ عنُقَه؛ فإِنَّ هؤلاءِ أَئِمَّةُ الكفرِ وصَنادِيدُها, فهَوى رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ما قال أَبو بكرٍ, ولم يَهْوَ ما قلتُ, فلمَّا كان من الغدِ جِئتُ, فإذا رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وأَبو بكرٍ قاعِدَيْن يَبْكِيانِ, قلت: يا رسولَ اللهِ أَخبِرني مِنْ أَيِّ شيءٍ تبكي أنت وصاحبُك, فإِنْ وجدتُ بكاءً بكيتُ, وإِن لم أَجِدْ بكاءً تَباكَيْتُ لِبُكائِكُما. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
( أبكي للذي عَرَضَ عليَّ أَصحابُك مِنْ أَخذِهُمُ الفِداءَ, لقد عُرِضَ عليَّ عذابُهم أَدْنى مِنْ هذه الشجرةِ ). شجرةٍ قريبةٍ من نبيِّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-. وأنزل الله عز وجل:
{مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} إلى قولِه: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً}[ الأنفال: 67-69],
فأَحَلَّ اللهُ الغَنِيمةَ لهم.
رد مع اقتباس