عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 10-05-2013, 08:07 PM
محمود الصرفندي محمود الصرفندي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: الأردن - السعودية - مصر
المشاركات: 511
افتراضي

قال أبو زياد حمزة الجزائري : (فبينما ذهب مشرفوا (الكل) يقررون قاعدة (لا ينسب لساكت قول) -متغافلين عن قاعدة أخرى (السكوت فيما يلزم التكلم به أو في معرض الحاجة إقرار- ) .




قلت في مقالي (السموط الذهبية ) ما يلي :
( الجهة الثانية: الساكت لا ينسب إلى قول القائل.

فوات هذا السطر من يراعة خصيمه الحلبي في تحقيقه لـ " الحوادث والبدع " على مرتبتين:

المرتبة الأولى:

أقل ما يقال : إعراضه عن تفنيده لظهور كساده ،كما قال ابن حزم - رحمه الله - في " المحلى " ( 8 / 27 ) :" وهذا كلام يغني إيراده عن تكلف إفساده لفحش تناقضه، وظهور فساده" .

فيكون سكوته عنه: كتضعيفه لفظًا وظهور بطلانه بما لا يحتاج فيه إلى بيان ؛ وهذا من الأساليب الراقية في الإهمال ،قال أبو بكر الجرجاني -رحمه الله - في " دلائل الإعجاز " ( 146 ) :" فإنك ترى به ترك الذِّكر، أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة، أزيد للإفادة،وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بيانًا إذا لم تبن" .

ويؤيده ما أخرجه الآجري في "الشريعة " ( 1 / 452 ) ، وابن بطة في " الإبانة الكبرى" ( 2 / 472) عن أيوب السختياني - رحمه الله - قال : " لست برادٍّ عليهم أشد من السكوت" .




المرتبة الثانية:

غاية ما يقال عنه: من التقصير فيتحقيق النص ولا يستوجب عقوبة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - في" مستدرك المجموع " ( 2 / 179 ) : " وقد يقوم السبب الموجب لأمرين من اعتقادين أو عملين أو غير ذلك لكن يضيق الوقت عن بيانهما أو القيام بهما فيؤخر أحدهما للحاجة أيضا، ولا يمنع ذلك أن تكون الحاجة داعية إلى بيان الآخر ، نعم هذه الحاجة لا يجب أن تستلزم حصول العقاب على الترك "
فإن بواعث التقصير في تحقيق النصوص كثيرة - ومن طالع تحقيقات الدكتور ربيع وجدها نموذجا لعجائب وغرائب الأخطاء مما يتنزه عنه صغار الطلبة ! - ، والكمال من العزيز نادر الخصال ولا تمام في المطلوب ولا المقصود، فيتدارك التقصير ويتلافى التفريط دون اتهام يكال جزافًا دون بينة واضحة وآية لائحة
.




ودلالة السكوت عدمية لا تظهر إلا بالقرائن والأحوال المحددة ، فقد يسكت لعوارض تعتريه كما قال أبو حامد الغزالي -رحمه الله- في " المستصفى " ( 151 ) : " فقد يسكت من غير إضمار الرضا لسبعة أسباب - وذكر منها - : أن يسكت وهو منكر لكن ينتظر فرصة الإنكار ولايرى البدار مصلحة لعارض من العوارض ينتظر زواله ثم يموت قبل زوال ذلك العارض أو يشتغل عنه .. وأن يسكت لظنه أن غيره قد كفاه الإنكار وأغناه عن الإظهار ثم يكون قد غلط فيه فترك الإنكار عن توهم " .

فالموانع كثيرة ؛ كما قال ابن رشد الحفيد - رحمه الله - في " الضروري من أصول الفقه " (49 ) : " أوغير ذلك من قرائن تقترن له " .




ومع ذلك : فلا ينسب إلى قول القائل - خاصة إذا علم أنه يخالفه في موضع آخر- ، كما قال أبو العباس القرافي - رحمه الله- في " شرح تنقيح الفصول "( 2 / 143 ) : " ومع هذه الاحتمالات لايقال للساكت موافق للقائل " .




فإن السكوت لا يقبل الجمود في دلالته وإلا لكان مطردا في سائر الأحوال ، وهذا خلاف المبثوث في الشرع من اختلاف وتباين فيما يترتب عليه من أحكام ودلالات ؛ فسكوت البكر لا كسكوت الثيب ، فيدل تارة على الرضى أو الإنكار بحسب الأحوال والقرائن والملابسات ، فلا ينسب إلى ساكت ما لم يقل إلا في مقام الحاجة إلى البيان وعدم قيام مانع يحول ، كتأخيره لحاجة عارضة.




ويوضحه كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني - رحمه الله - في "المستدرك على المجموع " ( 2 / 181 - 182 ) :" قولهم: «تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز» ونقل الإجماع على ذلك ينبغي أن يفهم على وجهه، فإن الحاجة قد تدعو إلى بيان الواجبات والمحرمات من العقائد والأعمال لكن قد يحصل التأخير للحاجة أيضا : إما من جهة المبلِّغ أو المبلغ.

أما المبلِّغ فإنه لا يمكنه أن يخاطب الناس جميعًا ابتداء، ولا يخاطبهم بجميع الواجبات جملة؛ بل يبلغ بحسب الطاقة والإمكان.

وأما المبلغ فلا يمكنه سمع الخطاب وفهمه جميعًا، بل على سبيل التدريج، وقد يقوم السبب الموجب لأمرين من اعتقادين أوعملين أو غير ذلك لكن يضيق الوقت عن بيانهما أو القيام بهما فيؤخر أحدهما للحاجة أيضا، ولا يمنع ذلك أن تكون الحاجة داعية إلى بيان الآخر.

نعم هذه الحاجة لا يجب أن تستلزم حصول العقاب على الترك ، ففي الحقيقة يقال: ما جاز تأخيره لم يجب فعله على الفور ،لكن هذا لا يمنع قيام الحاجة التي هي سبب الوجوب، لكن يمنع حصول الوجوب لوجود المزاحم الموجب للعجز، ويصير كالدَّين على المعسر أو كالجمعة على المعذور.

وأيضا: فإنما يجب البيان على الوجه الذي يحصل المقصود فإذا كان في الإمهال والاستثناء من مصلحة البيان ما ليس في المبادرة كان ذلك هو البيان مأمور به، وكان هو الواجب أو هو المستحب مثل تأخي رالبيان للأعرابي المسيء في صلاته إلى ثالث مرة " . ) .


__________________
{ اللهم إني أعوذ بك من خليلٍ ماكر، عينُه تراني، وقلبُه يرعاني؛ إن رأى حسنة دفنها، وإذا رأى سيّئةً أذاعها }

***

{ ابتسم ... فظهور الأسنان ليس بعورة على اتفاق }
رد مع اقتباس