عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 03-23-2012, 04:02 PM
خالد بن إبراهيم آل كاملة خالد بن إبراهيم آل كاملة غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 5,683
افتراضي

السؤال151: هل يجوز دفع زكاة المال لمن أراد أن يتزوج أو يتطبب؟
الجواب: المال يعطى للفقير لقضاء حاجاته الأساسية والتطبب والزواج من الحاجات الأساسية، فلو أن شاباً احتاج إلى زوجة وتنازعه نفسه، ولا يوجد معه ما يتزوج به، فاستعان بمال الزكاة على الزواج فلا حرج، ويؤكد ذلك ما روي عن عمر بن عبد العزيز، لما كان يرسل مندوب بيت المال في الشارع ويقول : من ليس له زوجة نزوجه من مال الزكاة.
والأموال في أيدي الناس لقضاء الحاجات الأساسية، والحاجات الأساسية: المطعم، والمشرب، والملبس، والتطبب، والتزوج، وهكذا..
وكذلك المريض إن خاف أن يهلك، لكن ما يتطبب لشيء تكميلي، لعملية تجميلية مثلاً، فهذا لا يجوز له أن يأخذ، لكن إن كان مريض ويهلك أو لا يستطيع أن يقوم بالمهام التي تجب عليه من العمل وما شابه ولا يستطيع أن يتطبب إلا بمال الزكاة، فلا حرج في ذلك، فهذه من الحاجات الأساسية التي يجوز الاستعانة بمال الزكاة عليها.

السؤال 152: ما حكم التأمين على الحياة؟
الجواب: التأمين على الحياة ضرب من ضروب القمار، وهو حرام، والعبرة في القمار المبدأ، وليست الوسيلة ولا الطريقة، فقد يدفع الرجل إلى شركة عشرين سنة مبالغ طائلة ولا يستفيد شيئاً وقد يدفع آخر بيوم واحد عشرين دينار ويأخذ عشرة آلاف.
والغنم والغرم في التأمين يكون بمحض الصدفة، وليس قائماً على مهارة فهو حرام لا يجوز.
وتتأكد هذه الحرمة بأشياء منها: أن الشركات هذه التي تؤمن هي أيضاً تؤمن على الخمارات وعلى الملاهي الليلية وما شابه، فأنت تعقد اتفاقاً مع أناس يأخذون أموالهم أصلاً من جهة محرمة، ثم جميع شركات التأمين تؤمن على من أمن عندها، حتى تكون الأمور بأيدي شركات معدودة في العالم، فهي سلسلة قمار متزاحمة متراكبة.
والناس يؤمنون على حياتهم بسبب عدم وجود الاستقرار وبسبب وجود النظام الرأسمالي، وعدم وجود الشرع، ومن يقرأ كيف كان أطباؤنا يعالجون لا سيما في الأندلس يجد العجب العجاب، أم االتأمين المجبر عليه فلا حرج وافعله بأقل قدر.
أما العاقلة فليست فيها مقامرة، إنما هي ضريبة أن فلان قريبك فتدفع، أما التأمين على الحياة لا يوجد فيه هذا، فلا يوجد صلة بين المتقامرين، والعاقلة فقط في القتل فهي نوع من أنواع التكافل، والتأمين أوسع من ذلك، ففرق كبير بين الأمرين.

السؤال 153: رجل قارف اللواط ثم تاب، هل هناك كفارة لذلك؟
الجواب: أما الكفارة فلا، لا يوجد عمل إن عمله ذهب وزره، وأسقطه، إلا التوبة، فالتوبة تجب ما قبلها والاستغفار، ومن ستر الله عليه فليستر على نفسه .
أما عقوبة اللواط، فمنهم من قال: التحريق بالنار، وهذا مذهب أبي بكر، ومنهم من قال: سنة الله الشرعية في هذه المسألة كسنة الله الكونية، فجبريل أخذ أهل قرية سدوم وحملهم ثم قلبهم، فيرمى اللائط من أعلى مكان في المدينة، ومنهم من قال : نعامل اللائط كالزاني، لأن الله عز وجل، يقول: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً} وربنا قال عن قوم لوط: {أتأتون الفاحشة} فسمى الله الزنا فاحشة وسمى اللواط فاحشة، وحديث أبي هريرة عند مسلم: {كتب الزنا على ابن آدم ولا محالة} وذكر في آخره: {والفرج يصدق ذلك أو يكذبه} والفرج يشمل القبل والدبر، فقال بعض أهل العلم أن اللواط هو تصديق للفرج، فيشمل هذا الأمر، ويقال للرجل الذي يفعل هذا الفعل لِواطي، ولا يجوز أن يقال له لُوطي، فلوطي نسبة إلى لوط عليه السلام، ولِواطي نسبة إلى فعل اللواط وفرق بين الأمرين.

السؤال 154: ما حكم القرض الحسن من البنك الإسلامي؟
الجواب: القرض الحسن جائز من أي طرف، إن أخذت ورددت بمقدار ما أخذت جاز ذلك ولا حرج فيه، والأحكام الشرعية متعلقة بالأفعال لا بالذوات.
فإذا أخذت القرض الحسن من نصراني أو بنك ربوي أو بنك يسمى إسلامي جاز ذلك، فلك مثلاً أن تتصدق على نصراني أو تنقذه من الغرق لأن الأحكام الشرعية تتعلق بالأفعال لا بالذوات.
وأيضاً استلام الراتب من البنك، فإن كنت ملزماً فخذ راتبك من البنك مجرد نزوله ولا تبقيه.

السؤال 155: رجل دخل على زوجته ليلة عرسه ثم توفى قبل أن يدخل بها، فهل تعتد العدة الشرعية؟
الجواب: نعم؛ بإجماع العلماء لقول الله عز وجل: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً}. والأزواج أطلقوا وما قيدوا بالدخول، فسواء أعلن النكاح أم لم يعلن، وسواء دخل أم لم يدخل، فمجرد العقد عليها وتوفي زوجها عنها فعليها العدة، ويحرم على رجل أن يتقدم إليها أثناء عدة وفاة زوجها، ولكن يجوز التعريض بالخطبة، كأن يقول لها حماها، وقد أرادها لأخيه: يا بنية لن نتخلى عنك، وتبقين عندنا إن شاء الله، وما شابه من العبارات.
أم التي طلقت قبل الدخول فهذه لا عدة عليها لقوله تعالى في سورة الأحزاب: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً}، فهذه لو جاءها خاطب ثاني يوم فلا حرج من كتب كتابها.

السؤال 156: إذا سهى الإمام عن التشهد الأوسط، وعندما ذكر بذلك رجع من القيام إلى الجلوس، فهل تبطل صلاته؟
الجواب: الإمام إن قام من التشهد الأوسط لا يجوز له أن يرجع، وعند بعض أهل العلم كالماليكة يقولون: إن كان أقرب للقيام قام، وإن كان أقرب للجلوس جلس، وهذا الكلام مرجوح وليس براجح، والصواب أنه يجلس ما لم يستقم قائماً، لما ورد في ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: {فليجلس ما لم يستقم قائماً}.
أما إن قام واستوى قائماً فلا يجوز له الرجوع، لما ثبت في جامع الإمام الترمذي بإسناد جيد عن المغيرة بن شعبة، رضي الله تعالى عنه، أنه صلى بالناس ذات يوم فقام من الأوسط فسبحوا به، فسبح بهم، ثم سجد للسهو ثم وقف بالناس خطيباً وقال: ((هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع)) .
فالإمام أن قام من الأوسط نسبح له، وإن تيقنا أنه قام واقفاً حتى لا يظن أنها الأولى، فيخرب الصلاة كلها، فإن أصر من خلفه على التسبيح يريدون إجلاسه، يسبح بهم أي يقول لهم سبحان الله؛ أي أنا مخطئ وأعرف خطئي لكن لا يجوز لي الرجوع.

السؤال 157 : ما رأيكم في كتاب "كفاية الأخيار" ومؤلفه الحصني؟
الجواب: كتاب "كفاية الأخبار" من كتب الشافعية التي ذكرت القول المعتمد عند الشافعية بعبارة ليست طويلة مملة، ولا قصيرة مخلة، والكتاب استوعب كثيراً من المسائل، والجيد في الكتاب أنه مدلل؛ أي : إنه قائم على الدليل النقلي.
ولكن ليست كل أدلته صحيحة، إذ أن مؤلفه ليست له كبير عناية بالحديث النبوي، وإن عرفت له مشاركة فيه، فمن كتبه شرحه على صحيح الإمام مسلم، لكن عمله ومؤلفاته ونفسه ومكنته وملكته الفقهية أقعد وأضبط وأشهر لذا شرح "التنبيه" للشيرازي، وشرح غير متن من متون الشافعية.
وأنصح طالب العلم أن يبدأ بالكتب المدللة بحيث لو انقطعت به الطريق في الطلب، فيبقى في باله وفي ذاكرته، وحفظه المسألة مع دليلها، والطالب ينبغي أن يبدأ بالكتب السهلة، مثل:"فقه السنة" مع تعليقات شيخنا عليه في "تمام المنة" فقد جعل شيخنا "فقه السنة" منة على الأمة، لكن وقع بعض الثغرات في الكتاب فاستدركها بـ "تمام المنة" فاستدراكه تمام للمنة التي هي تأليف "فقه السنة" وهو كتاب جيد نافع.
وكذلك لو نظر الإنسان في أحاديث الأحكام وشروحها أما الكتب الفقيهة المذهبية، فتلزم طالب العلم بعد أن يعرف الأدلة، ويترسخ عنده ضرورة معرفة الدليل، فقد قال قتادة: ((من لم يعرف خلاف الفقهاء لم يشم أنفه رائحة الفقه)) فبعد هذه المرحلة لو نظر في كتب المذهبيين فحسن.
وكتاب كفاية الأخيار من الكتب المتوسطة، ليس متناً وليس مسهباً فهو من كتب الشافعية الجيدة في الجملة.
أما مؤلفه: فهو تقي الدين أبو محمد الحسني الشافعي الدمشقي المتوفى سنة 829؛ وله في كتاب "كفاية الأخيار" انتقادات للصوفية وهي جيدة ولو أنها جمعت في رسالة لكانت نافعة.
ولكن كان يحط على شيخ الإسلام ابن تيمية وكم عجبت لما قرأت الطبعات الأخيرة من الكتاب فقال المحققون إن الحصني كان يميل إلى آراء ابن تيمية فقد هاجم ابن تيمية والحصنى الصوفية، لكن هذا الكلام ليس بصحيح، فالحصني كان يكفر ابن تيمية ورد عليه ابن ناصر الدين في كتابه الرائع (الرد الوافر على من زعم أن ابن تيمية شيخ الإسلام كافر) .
ولما التقى بدمشق سبط ابن العجمي مع الحصني وكانا في مجلس واسع ضم كثيراً من العلماء وطلبة العلم.
فقال سبط ابن العجمي للحصني: (سم لي مشايخك؟) فأخذ الحصني بتسمية مشايخه ويفتخر بهم ويكثر من تعدادهم، فقال له سبط ابن العجمي وكان ذكياً، وكان له مأرب في السؤال فقال له: (وهل كل من سميت إلا عبيد، أو عبيد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية) قال المترجم: فحمل الحصني حذاءه ومشى.
رحم الله الأقدمين من علمائنا، ونسأل الله رب العرش العظيم ألا تكرر الزلات الواقعة، والعلماء بينهم أشياء، والسعيد من أمسك لسانه ولم يتكلم في العلماء، أثر عن ابن عباس كما أسند ابن عبد البر في كتاب"جامع بيان العلم" قال: ((إن تنافس العلماء فيما بينهم لأشد من تنافس التيوس في مزاربها))، لماذا؟ لأنه كلاً منهم يظن أنه هو المحق، فإن تكلم على آخر يتكلم بحرارة الإيمان، وقد قرر الجاحظ قديماً أن أولاد الأب والأم إن وقع بينهم شجار فإن شجارهم أشد من الشجار الذي يقع بين الرجل وبين الغريب، فكل يتكلم وهو يعتقد اعتقاداً جازماً أنه ينصر الدين.
لذا أمرنا أن لا نأخذ بكلام العلماء بعضهم في بعض، لا سيما إن كانت بينهم معاصرة، وقالوا: المعاصرة أصل المنافرة. فلا تسمع لطالب علم كلاماً في آخر، ابق نزيهاً واحفظ لسانك، بل أزيدك نصيحة، وأرجو الله أن تقبلها مني وأن تجعلها في قلبك، احفظ لسانك واحفظ أذنك وإن سمعت فتشاغل، إما بالانصراف وإما بعدم وضع ما تسمع في القلب، وفقنتي الله وإياكم لما يحب ويرضى.

السؤال 158: لو أقسم رجل على عدم زيارة قريب له، ثم زاره فهل عليه كفارة؟
الجواب: نعم؛ من أقسم على عدم زيارة قريب له، وعقد قلبه على عدم الزيارة، وزاره، فعليه كفارة اليمين، وهذا يشمله ما ثبت في صحيح الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه} وفي رواية {وليكفر عن يمينه وليأتي الذي هو خير} فيجوز أن يدفع الكفارة قبل أن يزور قريبه ويجوز أن يزور قريبه قبل أن يدفع الكفارة.
وليس من ضير إن حلف الرجل على شيء، فرأى غيره خيراً منه، أن يكفر ، فلا حرج في ذلك ولا كراهة.
والكفارة أن يطعم عشرة مساكين أو كسوتهن فإن لم يستطع فيصم ثلاثة أيام ولا يشترط فيها التتابع.
وما أجمل أن نجعل كفارتنا في حياتنا، فرجل جاءه إخوانه أو أصدقائه أو جيرانه يسهرون عنده فطال المجلس، وكان فيهم فقراء فعشاهم من طعامه ونوى كفارة اليمين لا حرج، أو جاءت مثلاً أخته وأولادها وهم فقراء وعنده كفارة يمين، فأمر الزوجة أن تعد طعاماً ليطعمهم كفارة يمين، فلا حرج، فما أجمل أن تكون واجباتنا تمضي في مسيرة حياتنا.
ولو أن المرأة مثلاً وهي تفصل ملابس الصيف والشتاء ،ووجدت ملابس لا تلزم، كأن يكون الأولاد كبروا ولا يحتاجونها، والملابس جديدة غير مهانة، والكسوة تكون في اللباس الظاهر كالثوب والقميص وما شابه، وأعطيت هذه الملابس كفارة اليمين فهذا حسن.
والموفق في كل عمل يتأنى ويتذكر الواجبات التي عليه وهو في حياته الطبيعية يؤدي الواجيات التي فرضها الله عليه، ولا يقدر على ذلك إلا الموفق.
وعتق الرقية، والإطعام والكسوة مخير فيها في الكفارة، فمن لم يستطع يمضي إلى الصيام، وينظر أيهما أفضل الإطعام أم الكسوة، فالذي يسد الحاجة هو الأفضل، والله أعلم ..

السؤال 159: يا شيخنا نريد منك أن تخصص لنا محاضرة، نتكلم فيها عن بدايتك، كيف اهتديت متى كانت أول مرة درست فيها طلاباً، وعن بدايتك في طلب العلم؟
الجواب: أما أنا لا أستحق أن يحاضر عني، ولا أن يذكر اسمي، وأقول هذا ديانة، والله لا أقول هذا تواضعاً وأعرف قدر نفسي.
وأما العلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {من يرد الله به خيراً يفقه في الدين} ونرجو الله عز وجل أن يرزقنا المزيد من فضله، وأن يعلمنا ما جهلنا، وأن يجعل ما علمنا في صحيفة أعمالنا خالصاً لوجهه، وأن يجعلنا ممن يعيش بعلمه ويعيش الناس بعلمه، فالناس ثلاثة: رجل يعيش بعلمه، ورجل يعيش بعلمه ويعيش الناس بعلمه، ورجل يعيش الناس يعلمه وقد أهلك نفسه.
أقول، فقط من باب التحدث بنعمة الله أولاً، ثم فيه فائدة لكثير من طلبة العلم ثانياً، أقول: حقيقة وجدنا في وقت ونحن صغار، في أواخر السبعينات، لما كنا نطلب العلم، كنا نود لو نجد ولو طالباً يعلمنا أو يرشدنا، ما كنا نجد في المساجد من يجلس ويفقه ويعلم نجد ما تعلمون - ولا أريد أن أفصل- نجد القصاص والوعاظ الذين يخلطون الحابل بالنابل، والذين يصرخون على المنابر، والذين يشتمون ويلعنون، ولا يربون ويؤسسون ويعلمون.
فكان الواحد منا في الحقيقة، يتعب ولما يقرأ ولا يفهم لا يجد من يلجا إليه، وكم كانت الفرحة لما يسر الله عز وجل، وأن علمت أن الشيخ الإمام إمام هذا العصر في علم الحديث، أبو عبدالرحمن محمد ناصر الدين بن نوح الألباني، لما جاء الأردن في سنة 1978- 1979، وكان يتردد إلى الأردن، وأنا كنت في الثانوية، ومن الله علي فجلست في تلك الفترة في مجالسه ووجدت جنتي، وجدت رجلاً تعجب منه، له المهابة وعند بساطة؛ يعيش في حياة لا يعرف فيها إلا العلم، العلم يملأ وقته، وينشغل في ليله ونهاره، وفي حله وترحاله بالعلم.
ودخلت على مكتبة كان الشيخ ينزل فيها، وكم دعوت ربي أن أرزق مثلها، ولله الحمد مكتبتي الآن مثلها أو أحسن منها، وغبطت الشيخ غبطة عظيمة لما رأيت في المكتبة فرشة ووسادة، هذه غبطة عظيمة دخلت في نفسي، كان الشيخ رحمه الله يواصل الليل بالنهار، وكان لا يعرف الملل ولا التعب لما يعيش بين الكتب، حتى أنه لما كان يدخل في المكتبة الظاهرية كان ينسى نفسه، فكان يقول للقائمين على المكتبة: اخرجوا وأغلقوا علي الباب وارجعوا غداً، مما اضطرهم أن يبنوا له غرفة في المكتبة، فكان يسكن رحمه الله في السدة، وحدثني القائم على المكتبة العامة في حي الزاهر في مكة، قال: جاء الشيخ للعمرة، وكان بحاجة أن يراجع بعض المسائل، فدخل المكتبة العامة، وكانت زاخرة ومليئة بالكتب، قال: فدخل فانتهى الوقت، فقلت: يا شيخ نريد أن نغلق، قال: غلق علي وارجع غداً.
وهذا حقيقة أمر شاهدناه ولو لم يستفد من شيخنا شيئاً إلا حرصه على الوقت، وحبه للعلم، لكان في ذلك خير عظيم وفرق بين ما تسمع وبين ما ترى.
فحبب الله عز وجل إلي العلم من صغري وكنت أقرأ وأكثر من القراءة وقرأت أشياء لو أنها في عقلي وفي ذهني وذاكرتي وحفظي لم يكن هذا حالي، لكن كنت أقرأ وفي كثير من الأحايين لا أفهم، فكنت أجلس وأبكي وأقول: يا رب علمني، وكم سررت وفرحت لما قرأت في تفسير الألوسي، وكان قد نقل بعض الصفحات بتمامها، فيقول بعض أن نقل هذه الصفحات: (هل فهمت شيئاً؟ أما أنا فلم أفهم شيئاً) ففرحت لما قرأت مثل هذه العبارات .
فطلب العلم بحاجة إلى وقت وإلى صدق وإخلاص ويحتاج إلى تجرد ويحتاج إلى تفرغ، ويحتاج إلى وصل الليل بالنهار، ويحتاج إلى تعب، وإلى دعاء إلى الله عز وجل ،وإلخ.
وما كنت أشرب زمزم لفترة طويلة في حياتي إلا ليعلمني الله عز وجل وما زلت جاهلاً وأسأل الله عز وجل أن يعلمني فهذا شيء مما عندي في الجواب على هذا السؤال.

السؤال160 : لقد قرأت في الأرواء: {نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور امرأته} وقد اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم مع عائشة وكان الصحابة يتوضأون بفضل وضوء نساءهم، فأجبني جزاك الله خيراً؟
الجواب: المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، والنصوص الواردة فيها كثيرة ومتداخلة ومتشابكة، وقد بحثت وحصرت النصوص والأقوال وسأسردها حتى نصل إلى الراجح في المسألة .
أخرج الطيالسي في مسنده ،ومن طريقه أصحاب السنن الأربعة وأحمد في المسند، من حديث الحكم بن عمرو الغفاري: {أن رسول الله نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة}، قال عبدالله بن سرجس رضي الله عنه: (توضأ أنت ها هنا، وهي ها هنا، فأما إذا خلت فلا تقربنه)، إذن لو توضأ الرجل مع المرأة لا حرج لكن إذا هي خلت وحدها، وزاد شيء من الماء الذي توضأت به، فيكره أن تتوضأ بفضل وضوءها، لذا استشكل السائل أن النبي كان يغتسل هو وعائشة معاً، فأين يقع الاغتسال معاً والوضوء معاً لا حرج، أما أن تتوضأ وحدها وأن يزيد شيء من فضل وضوئها، فيكره للرجل أن يتوضأ بفضل مائها.
أخرج البخاري في صحيحه بسنده إلى عائشة رضي الله عنها، قالت:{كنت أغتسل أنا والنبي من إناء واحد}، هذه الواو بمعنى مع وليست للعطف، كنت أغتسل أنا مع النبي في إناء واحد، وهذا يدلل على أنه لا عورة للزوج على الزوجة، ولا للزوجة على الزوج، ويجوز للرجل أن يغسل زوجته بعد الوفاة، وكذلك العكس، فتقول عائشة كما في صحيح مسلم: {لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنا وأزواجه} والذي يدلل على هذا ما أخرجه ابن حيان في صحيحه من طريق سليمان بن موسى أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته، فقال: سألت عطاءً ، فقال عطاء: سألت عائشة، فقالت: {كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد}، إذن مراد عائشة مع النبي لأنها أجابت سؤالاً عن أن ينظر الرجل إلى عورة زوجته، فقالت: {كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم}.
وأخرج البخاري في صحيحه بسنده إلى ابن عمر قال: (كان الرجال والنساء يتوضأون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً)، قال ابن التين، شارح صحيح بخاري: (أي كان الرجال يتوضأون ثم ينصرفون ثم يأتي النساء يتوضأون) وهذا التفسير ليس بصحيح، وإنما التفسير الصحيح أن الرجال والنساء من الأزواج والمحارم، كانوا يتوضأون من إناء واحد، وكل منهم يغرف من الإناء ، ودليل ذلك ما ثبت عند ابن خزيمة في الحديث نفسه ،عن ابن عمر:{أنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والنساء معهم يتطهرون من إناء واحد، كل يتطهر منه} وهذا محمول على المحارم والزوجات؛ لأن في الوضوء كشف عورات.
إذن أن يتوضأ الرجال والنساء من إناء واحد لا حرج، وأن يغتسل الرجل والمرأة من إناء واحد لا حرج، أما فضل ماء المرأة وحدها، هذا فيه كراهة، وهذا مذهب أحمد واسحق.
وقد قال بعضهم، كابن عمر، والشافعي، والأوزاعي، قالوا: أن فضول المرأة مكروه إذا كانت حائضاً، فهذا ليس بصحيح، لأن الحائض لا تتوضأ.
ومنهم من قال، كالإمام النووي أن أحاديث كراهية الوضوء بفضل ماء المرأة ضعيفة باتفاق، وهذا ليس بصحيح، وتعقبه الحفاظ وعلى رأسهم الحافظ ابن حجر في الفتح.
ومنهم من قال كالخطابي: أحاديث النهي محمولة على ما تساقط من الأعضاء، يكره للرجل أن يتوضأ من فضول ماء المرأة الذي يتساقط من أعضائها، أما ما تبقى بعد وضوئها، فهذا ليس بمكروه الوضوء منه، ومنهم من قال أن الكراهة للتنزيه، لأن الفعل حاصل مع النهي فيصرفه من التحريم إلى التنزيه.
وأقوى هذه الأقوال عندي القول الأول، وهو قول أحمد واسحق وهو : أن الرجل والمرأة لهم أن يتوضأون من إناء واحد، ويغتسلون من إناء واحد، لكن إن فضل ماء المرأة وتوضأت وحدها، فيكره للرجل أن يتوضأ به، لكن ليس هو بنجس ويجوز الاستفادة منه، ولا حرج في ذلك.
وكذلك العكس، أي أن تغتسل المرأة أو تتوضأ بفضل وضوء الرجل، فقد أخرج الإمام أو داود، والنسائي، من طريق حميد بن عبدالرحمن الحميري، قال: {لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين، فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعاً}. وقوله{وليغترفا جميعاً} يؤكد ما قلنا.
ومنهم من ضعف الحديث وقال: الحديث مرسل، لأن الصحابي مبهم، وهذا كلام غير صحيح، لأن الحديث الذي صاحبيه مبهم حديث مقبول لأن الصحابة عدول.
ومنهم قال بالجواز بإطلاق واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل بفضل ميمونة وقال: {إن الماء لا يجنب} فعلق النبي صلى الله عليه وسلم الجواب على حال الماء، فما دام الماء طاهراً يغتسل منه، وقال في الميموني في رواية عن أحمد حديث مضطرب ورجح حديث الحكم، والراجح أعمالاً لجميع ما ورد في الباب من أدلة ، مذهب أحمد واسحق ، والله أعلم ..

السؤال 161:

السؤال 162: ماالفرق بين "رواه الشيخان" و"متفق عليه"؟
الجواب: هذه اصطلاحات للمخرجين، ومتفق عليه: أي المتن والمخرج أي الصحابي متحد، فاللفظ والصحابي متحد، إما إذا كان المتن بمخرجين مختلفين، والمتن في الصحيحين ولكل متن مخرج مختلف، فهذا يقال فيه: رواه البخاري ومسلم ولا يقال متفق عليه.
ومنهم من له اصطلاح خاص، وهو المجد ابن تيمية-جد شيخ الإسلام أحمد بن تيمية- وذلك في كتابه"منتقى الأخبار في أحاديث سيد الأخبار" الذي شرحه الشوكاني في كتابه "نيل الأوطار" فالمجد إذا قال: متفق عليه، فيكون مراده : أخرجه أحمد والبخاري ومسلم، وهذه اصطلاحات خاصة للعلماء، والله أعلم .

السؤال 163: هل من مسح رأسه الربع، على المذهب الحنفي، وهو يعتقد المذهب الحنفي هل وضوءه باطل؟
الجواب: أولا ليس مذهب أبي حنيفة الربع، إنما مذهبه الشعرة والشعرتين، والثلاثة تجزئ، وأجزاء الربع هو مذهب الشافعية، والراجح لما قلنا أكثر من مرة، أن الواجب –استيعاب جميع الرأس، وهذا مذهب مالك وأحمد، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح على شيء من شعره إلا بالعمامة، ومن غير عمامة ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم مسح على جزء من شعره.
لكن لو أن رجلاً اعتقد في مسألة مذهباً ما بناءً على الدليل، وأنا اعتقدت خلافه، فليس لي أن أفقه أو أبدعه، فلو مثلاً دعينا على طعام، وقدم على المائدة طعام فيه لحم إبل، وكان معنا إمام مسجد، وهو يعتقد أن أكل لحم الإبل ليس ناقضاً للوضوء فصلى بنا دون أن يتوضأ [فهل نترك الصلاة خلفه] ونقول هو فاسق تارك صلاة يصلي من غير وضوء، لا يجوز هذا ، فهو متأول مخطئ، فهذه المسائل ينبغي أن نعتني بها، وننتبه لها، فمراعاة خلاف العلماء من سمات الموفقين، فإن رأيت أخاً لك خالفك في رأي، وهذا الرأي محتمل ، فيكون الأمر بين صواب وخطأ، وراجح ومرجوح، ولا تضلله ولا تفسقه ولا تبدعه، فليس لك ذلك.
فلو أن امرأة معروف عنها التقوى والورع والعفاف والصيانة ، زوجت نفسها بنفسها، نؤثمها، لكن لا نقول عنها زانية، إن كانت تعتقد مذهب أبي حنيفة.
أما من يلف ويدور ويبحث عن مثل هذه الرخص والخلافات فهذا الذي يزجر، ويؤمر، وينهى.

السؤال 164: المؤخر للمرأة، هل تأخذه في حياته أم بعد مماته؟ ولو ماتت في حياته، ماذا يحصل للمؤخر؟
الجواب: من الأشياء التي ننكرها، والتي هي ظاهرة وموجودة في حياة المسلمين اليوم، أن الزواج لا بد له من مقدم ومؤخر، والزواج في دين الله يجوز أن يكون على مهر مقدم فقط، ويجوز أن يكون على مهر مؤخر فقط، وليس ضربة لازم، وليس من شروط الزواج أن يكون شيء مقدم وشيء متأخر.
فلماذا اليوم يضعون المتأخر؟ لأنهم يفرطون في أمر مهم من أمور الدين، يقول أنا أريد أن أحفظ حق ابنتي، ولا أعرف ماذا يجري على ابنتي بعد زواجها، نقول له: لا تزوج إلا من تثق بديانته، وأمان حياة ابنتك أن تبحث لها عن صاحب دين، فإن كنت في شك من ديانة الذي تقدم إليها، فلا تزوجه حتى تتيقن، فإن تيقنت فلا تسأل.
ولا يجوز أبداً أن تكون المهور هي سبب الخلاف بين الأزواج وأولياء الأمور، وتعجبون إن قلت لكم أن المهر في الشرع فلسفته: أن يقول الشاب : يا أبا فلان أنا أريد أن أتقدم لابنتك وهذا هو مهرها، وفي هذا دلالة على أني أتكسب حلالاً وأستطيع أن أطعم نفسي حلالاً، وأن أطعم ابنتك حلالاً، فليس المهر شراءً للبنت، فهو رمز للتكسب، لذا الذي كان يجري في أعراف المتقدمين، ، أن الذي يحدد المهر هو الزوج، وليس الزوجة، والمهر من حق الزوجة، ما لم يتفق على خلافه.
واليوم الموجود في عقد الزواج ، المتأخر تأخذه الزوجة بأقرب الأجلين ؛ الطلاق أو الوفاة، وهذا درج عليه الناس وتعارفوا عليه، فأصبح المتأخر أشبه ما يكون كأنه شرط جزائي ، وهذا موجود في العقد، ولا يدفعه الرجل إلا بأقرب الأجلين إما طلاقه وإما وفاته.
لذا يحسن بمن يتزوج أن يركز على هذه النقطة ، فيقول للولي أنت تقول لي : المتأخر ، وهذا ليس متأخر، وإنما هذا شرط جزائي، فإذا وافقت عليه، يكن هذا. أما إذا كان المهر متفق عليه، بمتقدم ومتأخر، بمقدار المهر الشرعي، فمن حق الزوجة أن تطالب بمهرها في أي وقت من الأوقات، ويبقى ديناً تشغل به ذمة الزوج.
فالقاعدة الآن شرط، فإذا أردنا أن نقلبه إلى مهر، فينبغي أن يكون فيه تعديل وبيان وتوضيح من قبل الزوج ومن قبل ولي الأمر ، والله أعلم ..

السؤال 165: ما هو الصواب في التشهد ، أن نقول ((السلام عليك أيها النبي)) أم نقول: ((السلام على النبي))؟
الجواب: الصواب أنه يقال بعد التحاق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، أن يقال في التشهد ((السلام على النبي)) وليس ((السلام عليك أيها النبي)) ثبت ذلك عن ابن مسعود في كتاب الدعوات في صحيح البخاري ، وثبت عن عائشة ، وقد قال تقي الدين السبكي في كتابه"الحلبيات" قال: وإن ثبت هذا الحديث فينبغي ألا يعدل عنه، فكيف والحديث في صحيح بخاري.
فالصحابة كانوا في حياته صلى الله عليه وسلم يقولون : ((السلام عليك أيها النبي)) وبعد أن التحق بالرفيق الأعلى، أصبحوا يقولون في صلاتهم : ((السلام على النبي)) والله أعلم .

السؤال 166: هناك بعض البنوك تعطي عملائها بعد وفاتهم مبلغاً من المال وهو مبلغ ثابت للجميع، مهما تفاوت المبلغ الذي في الرصيد، فهل يجوز للورثة الاستفادة من هذا المبلغ؟
الجواب: هذا المبلغ لا يعطى إلا لمن يضع ماله بالربا، أو في البنك على وجه حرام، والشيء المترتب على الحرام حرام، فسبب إعطاء البنك هذا المبلغ للورثة، هو وجود حساب ربوي في البنك، وما ترتب على الباطل باطل، والله أعلم .

السؤال 167: هل على المرأة التي صلت الجماعة أن تعود للبيت فتصلي الظهر؟
الجواب: لا، من صلت الجمعة في جماعة فليس عليها أن تعيد الظهر، كالمسافر الذي لا تجب في حقه الجمعة، فلا تجب في حقه الظهر، وكالذي لا تجب عليه الجماعة لمرض أو لمطر أو لبعد منزل، فتعنى وجاء بمرضه أو بالمرض أو لبعد منزله، فصلى جماعة، فلا تجب عليه الإعادة، ولا تجب الصلاتان الجمعة والظهر فلا تجتمعان، والله أعلم ...

السؤال 168: هل يجوز للمخطوبة التي عقد عليها أن تخرج مع خطيبها دون علم أبيها؟ وما حكم من دخل بها قبل أن تزف الزفاف الشرعي؟
الجواب: أولاً إن عقد عليها فهي ليست مخطوبة وإنما هي زوجة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {إنكم استحللتم فروجهن بكلمة الله} أما المخطوبة التي لم يكتب كتابها والوالد أو ولي الأمر لا يعتبر هذا زوج وإنما يعتبره خاطب، فيحرم عليه أن ينظر إلى خطيبته إلا الوجه والكفين، ولا يجوز أن يخلو بها، ولا أن تظهر بزينتها عليه فضلاً عن أن تخرج معه.
أما لو كان قد عقد عليها أو أن ولي الأمر اعتبر فلاناً زوجاً لابنته، وحصل إيجاب وقبول على أنه زوج، فحينئذ له أن يخلو بها، وله أن يخرج معها ولها أن تظهر بزينتها عليه.
لكن المرأة تقدم أمر وليها المحبوسة عنده، فإن كانت المرأة في بيت أبيها، فأمر أبيها مقدم على أمر زوجها، حتى عندما تترك بيت زوجها مغاضبة وحردانة، وتذهب إلى بيت أبيها، تقدم طاعة أبيها، فالمرأة تقدم طاعة المحبوسة عنده، فعندما تكون في بيت زوجها طاعة الزوج مقدمة على طاعة الأب.
فإن علمت أن أباها يقبل ضمناً فليست بحاجة إلى إذن، وإن كانت تعلم أنه لا يقبل فلا بد من إذنه.
أما من دخل بمن كتب كتابه عليها ،قبل أن تزف إليه الزفاف العرفي، فهذا ليس بزنا قولاً واحداً، لكن دخوله بها يعد في أعراف الناس عاراً، ولا يجوز لمسلم أن يلحق عاراً بمسلمة، لا سيما ربما يموت، فماذا يحصل؟ قد تتهم بعرضها، وتقتل، وقد يقع الطلاق، فيحصل الحرج الشديد.

السؤال 169: الناس يوم القيامة ينادون بأسماء أمهاتهم، أم آبائهم؟
الجواب: السائد عند الناس، أن الناس ينادون يوم القيامة بأسمائهم وأسماء أمهاتهم، أي يا فلان ابن فلانة، ولذا أهل البدع يعملون على تلقين الأموات بعد دفنهم ، يقولون للميت: يا فلان ابن فلانة.
والتلقين على القبور بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، والحديث الوارد عند الطبراني حديث ضعيف جداً، والتلقين مشروع، التلقين عند النزع، لما ينازع الإنسان نقول له: قل لا إله إلا الله، فإن خرجت الروح يكون قد عرف حاله، فلا داعي للتلقين الذي يكون في القبر.
والصواب أن الإنسان يوم القيامة ينادى باسمه واسم أبيه وليس باسم أمه، وأصح ما ورد في هذا الباب، ما ثبت في صحيح مسلم، من قوله صلى الله عليه وسلم: {ينصب للغادر يوم القيامة لواء عند استه، ويقال: هذه غدرة فلان ابن فلان} فهذا أصح ما يحتج به.
وورد حديث صريح عند الطبراني، لكن في صحته نزاع، وفيه أنه ينادى يوم باسم الرجل واسم أبيه، لكن ذاك أقوى، والله أعلم..

السؤال 170: إذا صمت الإمام بعد الفاتحة أنقرؤها أم نصمت؟
الجواب: إذا سكت الإمام نقرأ ولا حرج.

السؤال 171: ما حكم الخادمات السيريلانكيات والفلبينيات الكتابيات في البيوت؟
الجواب: هن أجنبيات؛ ولعل البعض يتوهم أنهن من الإماء فيحرم على لرجل أن ينظر إلى ما سوى الوجه والكفين، فضلاً عن حرمة الخلوة واللمس والتمتع وما شابه ، والله أعلم .

السؤال 172: شخص سمعه ضعيف، وكثيراً لا يسمع الإمام ، فهل يصلي منفرداً، أم يقرأ خلف الإمام لوحده؟
الجواب: يصلي مع الإمام ويتابع الناس بالنظر، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلحظ في صلاته أحياناً فإن اضطر المأموم أن يلحظ [ أي ينظر بطرف عينه] فلا حرج.

السؤال 173: رجل يحدث بريحٍ كثيرة أثناء الوضوء ويتكرر ذلك في كل وضوء تقريباً، فهل يعيد وضوءه أم يتابع الوضوء؟
الجواب: من كان مبتلىً بسلس ريح أو سلس بول، فلا يتحكم بخروجه فهذا يتوضأ لكل صلاة بعد دخول الوقت ،ويصلي ما شاء من الفرائض والنوافل، وبدخول وقت الصلاة الثانية ينتقض وضوءه.
ويجب على الإنسان أن يتطهر قدر استطاعته، لكن بعض الناس تصيبه الوسوسة، ويأخذ بالنحنحنة، ويمشي ويذهب ويجيء حتى يتيقن أنه قد استبرأ من البول، وهذه أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، ورحم الله الشافعي فإنه قال: (لا تكون الوسوسة إلا من خبل في العقل أو جهل في الشرع) فبعد أن يهرق الرجل البول، يغسل المحل ويكفيه، وليس بحاجة أن يتنطع، وكان ابن تيمية يقول: (ذكر الرجل كالضرع إن حلبه در وإن تركه استقر) لكن إن تيقن أنه ينزل منه، نقول له: اتق الله ما استطعت، كأن يضع عازل، ويزيله قبل الصلاة، إن انقطع البول، وفرق بين الاستطاعة في البيت والعمل وفي الحضر والسفر، فعلى الإنسان أن يتقي الله ما استطاع، والله أعلم .
وما يقال في سلس البول، يقال في الاستحاضة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: {توضئي لكل صلاة وصل ولو قطر الدم على الحصير قطراً}.

السؤال 174: رجل يدعي الرقيا، ويقول إنه يحكم على مملكة من الجن، وذلك باستخدام الناظر، وهناك من طلبة العلم من يفتي له بذلك، محتجاً بكلام لابن تيمية، أرجو إيضاح المسألة وما هو حكم الاستعانة بالجن؟
الجواب: إن طالب العلم إن أخذ الجواب عن المسائل التي يكثر السؤال عنها، فينبغي أن تكون له ميزة وخصيصة، وهي لماذا وقع الخلاف، فتحرير سبب الخلاف في المسائل، والنظر إلى الأدلة، والوقوف على منشأ الخلاف إن وقع في المسألة من الأمور المهمة، وكذا على طالب العلم أن يراعي اختلاف العلماء والفقهاء، ولذا قال بعض السلف، كقتادة: ((من لم يعرف اختلاف الفقهاء لم يشم أنفه رائحة الفقه)) .
وليس الفقه – كما قال بعض السلف- أن تقول: حرام، حرام، فهذا يحسنه كل أحد، ولكن الفقه أن تدل الناس كيف يخرجون من الحرام ،وطالب العلم ينبغي أن يكون له نصيب من الفقه، وينبغي أن يكون حاضراً عارفاً بما يجري بين الناس وعلى ألسنتهم والمسائل التي هم منشغلون بها، ويزنها بميزان الشرع، ويعطيها من اهتماماته بحيث يجيب بحق وعدل.
ومسألة الجن مسألة تشبه تحضير الأرواح، مسألة موسمية، تأتي على الأمة هبات هبات، وموجات موجات، ينشغل بها أفراد ثم تموت ثم تحيا ثم تموت وهكذا، وهي كغيرها من المسائل ، الناس فيها بين متساهل وغالٍ، والحق وسط بين الجافي عنه، والغالي فيه، فمنهم من ينكر التلبس، وينكر العلاج وأن يكون له أثر، وهذا خطأ، ومنهم من يغالي في التلبس والعلاج، حتى أنه يكاد يعزو الأمراض العضوية التي لها تشخيص طبي معروف إلى الجن، والصنفان موجودان على مستوى العامة ،وعلى مسنوى العلماء، ويبقى الحق وسط بين الجافي عنه والغالي فيه.
وبعض الناس ممن يعالج هداهم الله، في الحقيقة هو ثلاثة أرباع مشعوذ، وإن كان ظاهره من أهل السنة، يقول: أنا أمشي ومعي ستين ألف حرس، فهذا دجل، ودخلت عليه هذه الأشياء دون أن يعلم.
والجن الأصل فيهم أنهم غائبون وأن لهم عالماً غير العالم الذي نحن فيه، وفعل جنّ معناه: ستر وغاب، والعرب تقول جنة إذا غابت أرضها بالخضرة، ومجنون إذا غاب العقل ، وجنين إذا غاب الولد في بطن أمه، ورجحن : إذا غاب صدر حامله، فالجن عالم موجود لا تدركه العقول، وإنما دور العقل أن يتلقى من المصدر الذي فيه عصمة، وهو الكتاب والسنة، فلا يقبل القياس، ولا يقبل التجربة.
فربنا أخبرنا عن الجن، والنبي أخبرنا عن الجن، فأصبح الإيمان بالجن من عقائدنا بالجملة، ومنكره يخشى عليه من الكفر.
وأما التفصيل، فيعرض على الكتاب والسنة، فواحد يقول لك: أنا أتحكم بالجن، تقول له: أنت كذاب ، لماذا؟ ما الميزة التي أعطيتها؟
والنبي صلى الله عليه وسلم جاءه شيطان، كما ثبت في الصحيح وكاد أن يقطع عليه صلاته، فربطه باسطوانة المسجد، وتذكر دعاء سليمان عليه السلام، {رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي} فتركه.
والجن ملل ونحل، كما أخبر القرآن عنهم: {كنا طرائق قدداً} ففيهم اليهودي والنصراني والمسلم، وفيهم المسلم السني، وفيهم المسلم المعتزلي، وهكذا.
والجني في شرع الله وسنته الكونية، أنه غائب عنا، وإن كانت له صلة بنا، فنعامله معاملة الشرع، فلو جاء الجن، وألقى علينا السلام الآن نرد عليه، فلو سأل أجبناه بشرع الله، وزعم بعض علماء القرن الماضي، وهو من غلاة الصوفية واسمه الشعراني، أن الجن كانوا يأتوه ويسألوه، وألف كتاباً طبع في مصر، سماه "كشف الران عن أسئلة الجان".
والجن إن جاء الإنسي فتلبسه فهو ظالم له ، معتد عليه فلا يصدق، فهذا الذي يزعم أنه يعالج عن طريق الرائي، ويدخل الجني جسم الإنسان ، هذا فيه ظلم للإنسي، وفيه معتد من قبل الجني للإنسي ، والجني يدخل بدن الإنسان ، ويوجد فضاء في جسم الإنسان وأنا أفهم من ظاهر قول الله – وأنا ظاهري والحمد لله على النصوص الشرعية ولا أحيد عنها ومأخذي على ابن حزم وغيره – أنهم قالوا بظاهر النص وتركوا ظواهر أقوى منها، فلو كانوا ظاهرين فيها لما أخطأوا ، فربنا يقول: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}، فالذي يأكل الربا ممسوس، هكذا ربنا يقول، وثبت في حديث جابر في صحيح مسلم: {إذا تثاءب أحدكم فليغطي فاه، فإن الشيطان يدخل}، فماذا بقي بعد هذا؟ فدخول الجني داخل الإنسي حاصل، وربنا يقول: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض شيطان فهو له قرين}.
ونحن نتعامل مع الجني وفق الشريعة والشريعة عامة للجن والإنس، وهذا الذي جوزه شيخ الإسلام، لكن أن أتقصد وأعزم وأتمتم وأستدعي وأستحضر الجن، فهذا غير مشروع، فنتعامل معه وفق الشرع، فإن جائنا ودلنا على خير قبلناه بعض عرضه على الشريعة، أما الذين يعالجون يجعلون أخبار الجن كأخبار القرآن ويتلقونها ويتلقفونها، كأنها بديهيات ومسلمات، وأسند ابن عبدالبر عند سعيد بن المسيب قال: ( ما لا يعرفه أهل بدر فليس من دين الله)، والنبي صلى الله عليه وسلم رقى ورقي وأمر أصحابه بالرقيا، فاجتمع فعله وأمره وإقراره على جواز الرقيا، فلو كانت الاستعانة بالجن المسلم كما يدعي هؤلاء مشروعة لأخبر الله تعالى لنبيه يوم سحرته يهود.
ولما رأينا أنه لم يؤثر ذلك، لا عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن صحبه والمقتضى قائم وموجود، علمنا أن هذا ليس من الشرع.
فالناس اليوم، والراقون يعالجون بالقرآن ويقرأون القرآن، يعلقون قلوبهم بهم، فكيف لو علم الناس أن مع هؤلاء جن؟ فلو جاز التعامل مع الجن ينبغي حسم هذا الأمر حتى تبقى القلوب معلقة بالله عز وجل، لأن في هذا فتح باب خرافة، وسيلج هذا الموحد وغير الموحد.
والجن ما أدرانا وهو عنا غائب ولا يجوز أن نوثقه ولا أن نعتد بخبره، والجن فيما يظهر من جملة أخبار أنهم معمرون، أرأيت لو أن جنياً قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا، هل نقبل حديثه؟ لا، إلا إن كنا أصحاب خرافة، كما فعل بعض الخرافيين هذه الأيام، فألف كتاباً سماه "مسند الجن" يروي فيه عن مشايخ الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخباراً، وهذه خرافة، فتحت باباً فيه خطورة وظهرت له بعض الآثار عند بعض المنشغلين بالعلم، لكن لا يعرف ذلك إلا من نظر في بطون الكتب ، ففتحت باب: التصحيح والتضعيف الكشفي، بل زعم بعضهم أن النبي يأتيه، وفي خرافة عالجها شيخ الإسلام وهي خرافة أن مع كل ولي خضراً، ويقول ابن تيمية رحمه الله، أن هذا في حقيقة أمره جني يكذب عليهم ويدجل ويفتري على أتباعه.
لذا بما أن المقتضى قائم لاستخدام الجن في العلاج، وكانت العين والسحر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورقى رسول الله ورقي، وأقر الرقيا، ولم يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والدين كامل، فالأصل أن لا نستخدم الجن في شيء، لأن هذا الذي سيستخدم ما أدرانا أنه صالح، فما أدرانا أنه لم يظهر هذا الصلاح من باب الاستدراج ،حتى يوقع هؤلاء الناس بالشرك، ولو افترضنا أنه ليس كذلك فما أدرانا أنه سيبقى على صلاحه؟ وما المانع أن يتحول ويصبح فيما بعد من المرتدين الضالين ،فمن أين علمنا صلاحه وأنه مؤمن تقي، وهو في أصله متعد على الإنسي، ظالم له.
فالرقيا الشرعية تكون دون الاستعانة بالجن المسلم وكلام شيخ الإسلام رحمه الله إنما هو محصور في الجني الذي يأتي للإنسي ويعرض عليه خدمة أو يعرض عليه خبراً، فيمتحن فإن كان كذلك فالحمد لله ، فبيننا وبينه دين الله.

السؤال 175: هل يجوزللمرأة أن تصلي بثوب قصير فوق الكعبين وتلبس في قدميها جوربين سميكين؟
الجواب: الناظر في الآثار وقبلها بالأخبار والمرفوعات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلص إلى ما قاله بعض المالكية، قال ما نصه: (زي السلف لم يكن محدداً للعورة بذاته لرقته، أو بغيره أو بضيقه أو بإحاطته) وهذا كلام صحيح، دلت عليه الآثار السلفية، والأحاديث النبوية، فأخرج ابن سعد بإسناد صحيح في طبقاته، (8/184) إلى هشام بن عروة (أن المنذر بن الزبير قدم من العراق فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، بكسوة من ثياب مروية وقهوية [نسبة إلى مو وإلى قهوستان بخراسان] وهذه الثياب كانت رقاقاً عتاقاً، وكان ذلك بعد أن كف بصرها، قال المنذر: فلمستها أسماء بيدها ،ثم قالت: أفٍ ، ردوا عليه كسوته، قال: فشق ذلك
علي، وقال: يا أماه إنه لا يشف، فقالت رضي الله تعالى عنها: إنه إن لم يكن يشف فإنه يصف.
ولبس الجورب تحت الثوب إن كان لا يشف، فإنه يصف، ويحجم العورة، وهذا أمر غير مشروع، لذا قال الشوكاني رحمه الله تعالى، في نيل الأوطار، (2/115) قال: (يجب على المرأة أن تستر بدنها بثوب لا يصفه وهذا شرط ساتر العورة) .
وعلق البخاري في صحيحه في (1/413) عن عكرمة رحمه الله تعالى، قال: (لو وارت جسدها في ثوب لأجَزْتُهُ) فالمطلوب من المرأة أن تواري بدنها ولو بثوب واحد، والأحسن أن يكون أكثر من ثوب، لكن لو وقعت مواراة العورة بثوب واحد لأجزأ هذا.
لكن مع هذا ،أخرج مالك في الموطأ في (1/142) والبيهقي في (1/132) عن أم سلمة رضي الله عنها موقوفاً عليها، على أرجح الأقوال عند أهل الصنعة الحديثة ،وهذا الذي رجحه عبد الحق الإشبيلي، وابن عبدالبر، ومنهم من رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والموقوف أصح، قالت أم سلمة وقد سئلت بماذا تصلي المرأة من الثياب، فقالت: (في الخمار والدرع السابغ الذي يغيب ظهور قدميها).
وقد ذهب جماهير أهل العلم إلى أن القدمين عورة في الصلاة ومن صلت مكشوفة القدمين فصلاتها باطلة، وهذا مذهب الجماهير عدا الحنفية، واعترض الحنفية على الجمهور بقولهم: لو كان ذلك كذلك لعرفت الجرابات وستر الأقدام، ولما وجدنا ذلك ليس كذلك، تجوزنا في أن تكشف المرأة قدميها في الصلاة، فالقدمان عند الحنفية عورة خارج الصلاة، وليستا بعورة داخل الصلاة، وكلامهم مردود، لماذا؟ فنقول لهم: بم أوجبتم أن تغطي المرأة قدميها خارج الصلاة، قالوا: بالثوب السابغ، قلنا: وبهذا نوجب عليها أن تغطيه في داخل الصلاة.
فلا يجوز للمرأة أن تظهر قدميها، فإن لبست جورباً ثخيناً لا يشف للبشرة، فإنه يصف الساق، وهذه عورة ويجب عليها أن تسترها، فبهذا الفعل لم يقع الستر، ولذا قالت أم سلمة {الدرع السابغ الذي يغيب ظهور قدميها}.
وهنالك قول مهجور يذكره متأخروا المالكية من أن الواجب على المرأة أن تستر بشرتها، حتى أن بعضهم قال: لو أنها أخذت طين، وغطت بشرتها به وصلت جاز لها ذلك، وهذا كلام مهجور، ما أنزل الله به من سلطان، يخالف الأحاديث، ويخالف ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما أخرجه أحمد في المسند (6/150) وأبو داود في سننه (641) والترمذي في جامعه (377)، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار}، والمراد بالحائض المرأة البالغ، لأن الحائض لا تصلي، ويفهم هذا مع ما ثبت عن أم سلمة، فحينئذ يظهر الجواب.
وبعض من يتتبع الأقوال الشاذة لهوى وشهوة عنده، قال بما قال به بعض المالكية المتأخرين كأمثال عبدالله الحبشي هداه الله، يرى أن المرأة لو صلت ببنطال الجينز أو الفيزون، وغطت شعرها بمنديل وصلت، فما دام أن البشرة غير ظاهرة، فإن صلاتها صحيحة، وهذا كلام باطل وليس بصحيح ،وفي هذا تتبع لرفض العلماء.
وعلمائنا الأقدمين أضبط من فقهائنا المتأخرين، وقد ثبت عن الأوزاعي فيما أسند الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص65)، قال: (من فعل خمسة من قول أهل الحجاز، وخمسة من قول أهل العراق، فهذا اجتمع فيه الشر كله) وذكر عشرة أشياء كانت شاذة، أما اليوم فالأمور الشاذة ما أكثرها، كما قال المذكور سابقاً: المال لا زكاة فيه، وأيضاً بعض الناس يقول : إتيان المرأة من الدبر حلال، والدخان حلال، والموسيقى حلال، بل بعضهم كتب كتاباً وترجم للأسف، لأكثر لغات الدنيا، وبث عبر الفضائيات، سماه "الحلال والحلال في الإسلام" فلم يحرم فيه شيئاً، كل شيء عنده حلال ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والقول الذي ذكرناه في المسألة هو القول الذي عليه أساطين أئمة الفتوى، وعلى هذا القول الأئمة المتبوعين، فذكر ابراهيم بن هانئ في مسائله (رقم 286) عن الإمام أحمد أنه سئل: المرأة كم ثوب تصلي فيه؟ فقال: أقله درع وخمار، وتغطي رجليها، ويكون درعاً سابغاً، وقال الشافعي في الأم (1/77) وعلى المرأة أن تغطي في الصلاة كل شيء ما عدا كفيها ووجهها، وقال : كل المرأة عورة إلا كفيها ووجهها، وقال: ظهر قدميها عورة.
وهذه الجوارب لا سيما إن كانت لحمية، تزيد المرأة فتنة ويجب على المرأة أن تغطي ساقيها ولا سيما وهي بين يدي ربها، قال تعالى: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن}، فالنساء يجب عليهن أن يسترن أرجلهن أولاً وإلا لاستطاعت إحداهن أن تبدي ما تخفي من الزينة، وهي الخلاخيل، ولاستغنت بذلك عن الضرب بالرجل ولكنها لما كانت لا تستطيع ذلك، لأنها مخالفة للشرع مكشوفة، ومثل هذه المخالفة لم تكن في العهد الأول، لذا كانت قليلات الدين منهن يحتلن على ذلك بالضرب بالخلخال، لعلم الرجال ما تخفي من الزينة، ولازم هذا أن يكون الساق واجب عليها أن تستره ولا تبديه، وقال ابن حزم في كتابه المحلي: (هذا نص على أن الرجلين والساقين مما يخفى ولا يحل إبداءه) .
وفي حديث عبدالله ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة} البخاري 5791، وزاد الترمذي وغيره بإسناد صحيح، فقالت أم سلمة :{فكيف تصنع النساء بذيولهن} فقال صلى الله عليه وسلم: {يرخين شبراً} قال أم سلمة: {إذن تنكشف أقدامهن} فقال صلى الله عليه وسلم {يرخينه ذراعاً لا يزدن عليه} وفي رواية: {رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين شبراً ثم استزدنه فزادهن شبراً فكن يرسلن إلينا فنذرع لهن ذراعاً} أي أمهات المؤمنين كن يفسحن لغيرهن من النساء المقدار الذي أذن لهن به، وفي هذا رد على من جعل هذا خاصاً بنساء النبي صلى الله عليه وسلم وأفادت هذه الرواية المقدار المأذون به في الإرخاء، وأنه شبران بشبر اليد المعتدلة، قال الترمذي عقب هذا الحديث: (وفي هذا الحديث رخصة للنساء في جر الإزار لأنه يكون أستر لهن) وقال البيهقي عقبه: (وفي هذا دليل على وجوب ستر المرأة قدميها)، فهذا ظاهر جلي، وفي كتاب "القول المبين في أخطاء المصلين" تفصيل، والله الموفق.

السؤال 176: هل تتزاور أرواح أهل الإيمان؟ وهل تعذب الروح في القبر ،أم أن العذاب يشمل الروح والجسد؟
الجواب: ذكر ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية أن عذاب القبر من عقيدة أهل السنة والجماعة وأن عذاب القبر شيء لا يدرك بالعقل، وإنما يعرف بالنقل والخبر.
وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعذاب القبر، فمنكر عذاب القبر ضال، ومن صنف من علمائنا في الأحاديث المتواترة ذكر أحاديث عذاب القبر من ضمن الأحاديث المتواترة، كما صنع الكتاني في كتابه "النظم المتناثر في الحديث المتواتر" وكما صنع السيوطي في كتابه "الأزهار المواترة في الأحاديث المتواترة" ونصص على تواتر الأحاديث غير واحد ،وجمع الأحاديث الإمام البيهقي في جزءٍ طبع أكثر من مرة سماه: "إثبات عذاب القبر"
وعذاب القبر يخص البرزخ، وكما قال ابن أبي العز: في الدنيا النعيم والعذاب أصالة على البدن، وعلى الروح تبعاً، وفي البرزخ العكس ،أصالة على الروح وتبعاً على البدن ،وفي الجنة والنار يكون التمام والكمال على البدن وعلى الروح، ولذا لا نعرف عذاباً أشد من عذاب جهنم ولا نعرف نعيماً أفضل وأحسن وأمتع وأطيب من نعيم الجنة، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهلها وأن يجيرنا من النار إذن فالعذاب في البرزخ يكون على الروح أصالة، وعلى البدن تبعاً.
أما العلاقة بين الأموات- فهي من أمور الغيب- وأمور الغيب لا تثبت هكذا؛ فالتجربة غير متوقعة منها، فما أحد مات ورجع حتى يخبرنا، والمنامات لا تنهض لاعتقاد عقيدة بشأن العلاقة بين الأموات، وابن القيم في كتابه "الروح" توسع،وأورد عن ابن منده في كتاب "الروح والنفس" آثاراً كثيرة ،عن التبعين ومن بعدهم من الصالحين، المشهود لهم بالخير، أورد منامات، قال فيها ابن القيم: (استفاضت وكادت أن تتواتر أن الأموات يتزاورون ويعرف بعضهم بعضاً، وما شابه، وهذه في الحقيقة السلامة أن نسكت عنها.
والمنامات وإن تواترت واستفاضت، فإنه يستأنس بها، ولا يعتمد عليها في العقيدة.

السؤال 177: هل يعتمد على أحاديث الآحاد في العقيدة؟
الجواب: أحاديث الآحاد يعتمد عليها في العقيدة قولاً واحداً، وهذه مسألة أحب لإخواني أن يعرفوها، وأحب أن ينتبهوا إلى الأمور الآتية فيها:
الأمر الأول: عصر الرواية انقطع، وعصر الإسناد انقطع، فيا من تقولون إن العقيدة لا تؤخذ إلا بالمتواتر، هاتوا لنا حديثاً متواتراُ فمثلاً لو قلنا حديث {من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار}.
فأيكم بلغه هذا الحديث المتواتر بطرق التواتر؟ لا أحد؛ وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث متواتر قلنا سمعنا وأطعنا أنت أمير المؤمنين في الحديث، وأنت من أهل الاختصاص ومن أهل الذكر، قبلنا قولك، فالأحاديث المتواترة تبلغنا بآحاد ، إذن عاد الأمر للآحاد، فما قولكم يا من تقولون إن العقيدة لا تؤخذ إلا بالمتواتر، في الحديث المتواتر الذي لم يصلنا إلا بآحاد؟ فينبغي أن تردوه ولا تقبلوه.
الأمر الثاني : قولكم: إن العقيدة لا تؤخذ إلا بالمتواتر، أليس هذا القول من العقيدة؟ فهل قام عليه دليل قطعي من الكتاب أو من الحديث المتواتر حتى نأخذه منكم؟ فنريد أن نعامل قولكم هذا بقاعدتكم، فما لم تأتوا به فدعواكم ساقطة، مدفونة مقبورة في مهدها، فإن أصل هذه القاعدة ظني مأخوذ من الاستقراء والاستنباط، فأنتم أثبتم شيئاً في العقيدة بأصل ظني.
الأمر الثالث: لو قلنا تنزلاً قولكم صواب، فدلونا على كتاب واحد فيه فصل في العقائد بين الشيء الثابت بالتواتر، وبين الشيء الوارد في الآحاد، فأن أريد أن أوافقكم، لكن دلوني على كتاب واحد وعلموني عقيدتي، دلوني على كتاب كتبه إمام معتبر من أئمة الإسلام من أول ما بدأ التصنيف إلى هذا الزمان، حتى أعرف عقيدتي، ولا نعرف في هذا كتاباً، فلو كان قولهم صواباً لكان لازمه أن تكون عقيدة الأمة مشوشة مضطربة، ولما علمنا أنه لا تزال طائفة ظاهرة على الدين إلى يوم القيامة (وهذا حديث متواتر) إذن يوجد من هو قائم لله بحجة في هذه الأرض، وعقائدهم صحيحة سليمة، إذن قولكم ساقط بلازمه وثمرته، فأن نخطئكم أحب إلينا من أن نتهم الأمة في عقيدتها وأحب إلينا من أن نضلل علمائنا رحمهم الله تعالى.
ثم لا نعرف عقيدة لنا فيها حديث واحد آحاد، فهم يقولون العقيدة لا تؤخذ بالآحاد، ومرادهم بالآحاد (غير المتواتر) وليس مرادهم المشهور والمستفيض، ويرددون كلاماً لا يفهمونه ولا يعرفونه.
جائني مجموعة من الشباب يريدون أن يناقشوني في حديث الآحاد، وأنا أفهم أنهم يرددون كلاماً لايفهمونه، وكلمة الفصل في هذا الأمر عند أهل الحديث، فهم يعرفون من خلال التخريج والطريق ماذا يفيد.
فقلت لهم إما أن تتكلموا بحجة وأنا أرد عليها، أو أنا أبدأ وأنتم تردون، فقالوا أبدأ، قلت حديث الآحاد قسم من أقسام السنة، ووردت الأدلة من الكتاب والسنة على حجية السنة، فمن أراد أن يخرج قسماً من هذه الأقسام، فعلى تخصيصه لإخراج هذا القسم الدليل، قالوا حديث الآحاد واحد عن واحد، ويفيد الظن.
قلت : حديث الآحاد واحد عن واحد ألهذا ما قبلتموه؟ قالوا : نعم، قلت : النبي صلى الله عليه وسلم يمشي هو وأبو هريرة معاً، لا ثالث بينهما، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة بحديث، أيقبله أبو هريرة أم لا يقبله؟ فهذا واحد عن واحد، فهو ديننا واحد عن واحد عن واحد، النبي عن جبريل عن ربنا عز وجل، سكت ثم قال: لا أقبله، قلت له هذه زندقة، وأنت زنديق، أتريد من أبي هريرة حتى يسمع لمحمد أن يأتيه سبعون محمداً؟ هكذا يصبح متواتر؟ فهم لا يفهمون ما يقولون، ولذا الفيصل في هذه المسألة عند أهل الحديث، وهذا أمر مهم ينبغي الاهتمام به، وفقنا الله لما يحب ويرضى.

السؤال 178: ما حكم الاستعانة بالجن لفك الرصد على الذهب المدفون، وهل هناك طريقة شرعية لفعل ذلك؟
الجواب: الرصد هو تصور غيبي عقدي لم يقم عليه دليل، وقد لعب المغاربة، قديماً وحديثاً في عقول الناس ولا سيما في عقول أهل مصر، ومن قرأ مقدمة ابن خلدون – وقد فصل كيف كان المغاربة يلعبون بعقول أهل مصر، ويقولون لهم سنفك الرصد ويرسمون لهم أشياءً ويذكرون أشعاراً- يعلم مدى الخرافة التي كان عليها الناس آنذاك.
وذكر أبو حيان- وياليتكم ترجعون إلى كلامه- في تفسيره "البحر المحيط" في تفسير سورة الزخرف ، كيف أن أهل مصر كان الواحد منهم يترك العمل، وينشغل في البحث عن الذهب، حتى أنه يضيع من يعول، وقد نقلت كلام ابن خلدون وأبي حيان في كتابي "المروءة وخوارمها" .
فالاعتقاد أنه يوجد ذهب، والذهب عليه رصد، والجن يؤذي فلا نعرف على هذا دليل، لكن لا يبعد أن يكون موجوداً في الأماكن البعيدة، كالفيافي والقفار والأماكن المهجورة والخالية والكهوف، فهذا يكون فيه جن، فلا يبعد أن يدخل أحد فيها ليأخذ شيئاً فيؤذي لكن تصور أنه لا شيء مدفون من الذهب إلا وعليه جن، فهذا تصور خاطئ و آثم ما أنزل الله به من سلطان.
ومن وجد ذهباً، وتيقن عليه ورآه باستطاعته أن يخرجه، وفي الشرع له أحكام: هل هو من مال الجاهلية؟ أو هو من مال الإسلام فلكل حكم، وانقطاع الناس عن أعمالهم وانشغالهم بالبحث عن الذهب، هذا من خوارم المروءات وفيه إثم إن ترتب عليه أن يضيع الرجل من يعول، والله أعلم..

السؤال 179: هل يجوز أن تقام صلاة الجماعة في ساحة المسجد بدلاً من صحنه بحجة الحر الشديد؟
الجواب: المسجد هو المكان الذي أوقف وقفاً مؤبداً لله عز وجل، ولذا يمنع البيع والشراء، وقبر المسلم في هذا المكان سواء كان في جهة القبلة أم في الصحن أم في أطراف المسجد.
وما دام هذا هو المسجد واتخذ للصلاة فتجوز الصلاة فيه، فلو رأى الإمام أن نصلي في مكان أمرأ وأهنا للمأمومين فلا حرج في ذلك، لكن ليحرص على السترة، والله أعلم ..

السؤال 180: هل يصح هذا القول : (لا يصلح العطار ما أفسد الدهر)؟
الجواب: أما الدهر فلا يفسد والذين يفسدون هم أهل الدهر، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب الدهر فقال: {لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر}، والمقصود أن الله عز وجل هو الذي ينفع ويضر والذي يسب الدهر يعترض على قضاء الله وقدره، فهذا المثل الشائع لو يؤول بأهل الدهر،يصح، والله أعلم..

السؤال 181: إمام صوفي يستغيث بشيخه، هل تجوز الصلاة خلفه وهل يجوز التشهير به والتحذير منه؟
الجواب: نحذر من قوله، ونشهر بقوله ولا نكفره على التعيين حتى تنتفي الموانع، وإن فعل كفراً وينبغي للحاذق الفطن ألا يصلي إلا خلف من يظن فيه التقوى والخير، ومن أسقط الصلاة عن نفسه فإنه يسقطها عمن خلفه.
وليس من يقول هذا متأولاً، ويعتمد على الأدلة يكفر، وإنما يضل ويخطئ ، والصلاة خلفه صحيحة، لكن العاقل يبحث عن إمام من أهل السنة يصلي خلفه، والله أعلم ...

السؤال 182: هل نزول الدم من اللثة، سواء بقصد أو بغير قصد يفسد الوضوء؟
الجواب: العلماء مختلفون في حكم نزول الدم، هل يبطل الوضوء أم لا، وأرجح الأقوال وأصوبها، أن نزول الدم لا يبطل الوضوء، وهذا مذهب الجماهير، عدا الحنفية، والله أعلم ...

السؤال 183: هل يجوز قضاء صلاة الوتر؟ ومتى يكون؟ هل بعد صلاة الفجر أم بعد طلوع الشمس؟
الجواب: المسألة الخلاف فيها كثير، واختيار شيخ الإسلام وابن القيم أن الوتر لا يقضى، وهنالك حديث ورد بأكثر من لفظ: {من نام عن وتره فليصله} وفي رواية: {فليصل اثنتي عشرة ركعة} والبخاري قال : (أن لفظة {فليصله} ليست ثابتة وإنما الثابت لفظة {فليصل اثنتي عشرة ركعة} وهذا الذي أراه راجحاً، والناظر في كتب العلل يترجم له هذا.
أما على قول من يجوز القضاء فالذي أراه التفصيل: إن كان هديه المكث في مصلاه حتى تطلع الشمس، فحينئذ يقضيه بعد طلوع الشمس وإن لم يكن له هدي راتب في المكث في مصلاه، وإنما يرجع إلى بيته فليصله في هذا الوقت، فالصلاة التي لها سبب يجوز أدائها في وقت الكراهة على أرجح قولي العلماء، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
وهذا لقوله صلى الله عليه وسلم {إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين} وهذا حديث خاص، وأحاديث النهي عامة والخاص مقدم على العام.

السؤال 184: أنا عندي تأمين علاجي، ولا أدفع شيئاً مقابل الدواء، ثم جائني شخص بحاجة إلى الدواء، فذهبت وأخذته على حساب التأمين [وهذا الدواء ثمنه مرتفع]، فهل علي شيء في ذلك؟
الجواب: هذا فيه كذب وغش، وقال صلى الله عليه وسلم{من غش فليس منا} و{من غشنا فليس منا}، والروايتان في صحيح مسلم.
وإن جاز هذا فإنما يجوز من باب أخف الضررين، فإن كان يهلك أو يفعل هذا، ولا يوجد له علاج إلا هذا، نقول له افعل أخف الضررين.
أما ابتداءً ففيه كذب لأنه زعم أن هذا اسمه وهو ليس كذلك، وفيه غش وتزوير لأنه امتثل شخصية غيره.

السؤال 185: رجل صاحب بدعة، يلقي درساً قبل صلاة الجمعة، ومعلوم أن هذا الدرس بدعة، فما حكم هذا الدرس وإذا كان هناك أحد من أهل السنة، هل يجب أن يقوم فيلغي الدرس بدلاً منه؟
الجواب: أما التحلق قبل الجمعة، فقد نهى عنه صلى الله عليه وسلم كما ثبت في سنن أبي داود وأما ما ثبت عن أبي هريرة، في مسند أحمد، أنه كان يأخذ برمانة منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الجمعة ويعظ، فهذا محمول على الندرة، ويقع على سبيل الفلتة، عند الحاجة والضرورة، وليس على سبيل المداومة.
وكان أبو بكر رضي الله عنه، يقول: ((إذا وعظت فأوجز، فإن كثرة الكلام ينسي بعضه بعضاً)).
وكان هدي السلف العملي أنهم يبكرون وينشغلون بالصلاة متى يصعد الإمام المنبر، فالمطلوب من الناس أن ينشغلوا بتزكية أنفسهم وليست العبرة بكثرة الكلام، فهذا الأمر منقسم بين اثنين: المتكلم والمستمع، فكما أن على الإمام أن يحسن الأداء فعلى المأموم أن يحسن السماع، وعليه أن يزكي نفسه ويهيئها حتى تستمع وتنتفع، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر [ق] فلمن كان يقرأها؟ لنفوس طيبة ولا تعدل بكلام الله كلام أحد.
ولو أن الأمة زكت أنفسها وجاءت مبكرة يوم الجمعة.
وكان أبو شامة المقدسي (شيخ الإمام النووي) يقول (أول بدعة أحدثت في الإسلام: ترك التبكير إلى صلاة الجمعة).
والعبرة ليست بكثرة الكلام والصراخ، والكلام مهم، لكن الأهم منه أن ينزل هذا الكلام على نفس رضية، مطمئنة، وعلى نفس أخذت نصيبها في ذاك اليوم من التزكية، لذا كان يقول بعض السلف (من سلمت له الجمعة من بين سائر الأيام ، ورمضان من بين سائر الأشهر فهو بخير).
والجمعة اليوم من باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأننا سنتبع سنن من قبلنا، حالنا اليوم فيه هو حال اليهود والنصارى في السبت والأحد، ضعنا عن الجمعة وتهنا عنه، أريناه بالصورة وليس بالجوهر والحقيقة، فلا يوجد تبكير يوم الجمعة أبداً وكان ابن عمر يدخل فيصلي اثنتي عشرة ركعة ويطيل في الصلاة، فكان يأتي من أول ساعة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من جاء في الساعة الأولى فكأنما قدم بدنة، ومن جاء في الساعة الثانية فكأنما قدم بقرة، ومن جاء في الساعة الثالثة فكأنما قدم كبشاً، ومن جاء في الساعة الرابعة فكأنما قدم دجاجة، ومن جاء في الساعة الخامسة فكأنما قدم بيضة}، والعلماء يقولون: من طلوع الشمس إلى صعود الإمام على المنبر تقسم خمس ساعات، وحال الناس اليوم كلهم يأتي في الساعة الخامسة إلا من رحم الله ، والبعض يأتي والإمام على المنبر.
وثبت في سنن أبي داود من حديث أوس بن شراحبيل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام ولم يلغ، كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنة وقيامها} أين الأمة عن هذا اليوم، فكيف نحن الذين نعيش الستين والسبعين نلحق بمن قبلنا ممن كان يعيش الألف والألفين؟ بالمواسم ، ليلة القدر، يوم الجمعة، مجالس العلم، وما شابه.
ولنحرص على تعليم الأمة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث للأمة معلماً ومزكياً، فنحن نحب السنة، لكن لا نخاطب قوماً لا يوجد عندهم تزكية بحيث يحرصوا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن تزكيهم وترفع مستوى التزكية عندهم، فالمطلوب أن تزكي وتعلم، فتتسع دائرة العلم مع دائرة التزكية، فيحصل توائم بين العلم والعمل، ويكون العلم نافعاً وله ثمرة وبركة، أما أن تخاطب أناساً أجلاف ولا يعظمون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاهدون فيها، وتقول: هذه سنة، هذه سنة... ولو أنك صرخت وأعليت صوتك لا يقع لك نفع، [فهذا أمر لا يحصل له بركة ولا ثمرة]، فاحرصوا على التزكية مع العلم ،وفقنا الله لما يحب ويرضى.

السؤال 186: ما حكم قبول موظف ما لهدية في خدمة يقوم بها خارج نطاق عمله، وهي ليست من واجبات عمله؟
الجواب: إذا كان في نفس الدائرة أو المؤسسة فلا يجوز له ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم{هدايا العمال غلول} .
أما أن يفرغ من وقته ليقوم بخدمة أخ له، ويتفق معه على شيء مقابل هذا التفرغ والتعب، فلا حرج،بشرط أن لا أكون موظفاً في تلك الدائرة، وهذه جعالة، كما قال يوسف عليه السلام {ولمن جاء به حمل بعير}، فمثلاً يقول له: أنا مشغول وهذا جواز سفري اعمله لي، ومقابل تعبك وتفرغك سأعطيك كذا، هذا لا حرج فيه، بشرط أن لا يكون موظفاً في دائرة الجوازات.
أما من كان يعمل في العمل، الذي يطلب منه أخوه فيه خدمة ،فيجب عليه أن يشفع احتساباً وامتثالاً، قال تعالى: {ومن يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها} فمن كان له جاه فليتصدق بجاهه على الناس وليتفانى في خدمة الناس.

السؤال 187: جاء في حديث صحيح أن رجلاً أمرته أمه أن يتزوج امرأة فلما تزوجها أمرته أن يفارقها، فارتحل إلى أبي الدرداء فسأله عن ذلك، فقال: ما أنا الذي آمرك أن تطلق وما أنا الذي آمرك أن تمسك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الوالد أوسط أبواب الجنة، فاحفظ ذلك الباب أو ضيعه}، وجاء في حديث آخر، أن ابن عمر قال: ((كانت تحتي امرأة أحبها، وكان أبي يكرهها، فقال لي أبي: طلقها، فأبيت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: {أطع أباك وطلقها}، وهناك حديث ابراهيم مع ولده اسماعيل حين أمره أن يغير عتبة بيته، فطلق زوجته، وفي حديث لمعاذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تشرك بالله عز وجل، وأن مزقت وعذبت، وأطع والديك وإن أخرجاك من أهلك ومالك ومن كل شيء هو لك}، وأنا عندي زوجة عابدة وصالحة وأحبها، ولكن والدي يأمراني بتطليقها، وإلا أخرجوني من البيت وغضبوا علي، وذلك بسبب أهلها، فما مدى طاعة الوالدين بالنسبة للزوجة وطلاقها، وبالنسبة لأمرهم لي أن لا أدخل أهل زوجتي على بيتي، مع العلم أن أهل زوجتي طيبون، وهل يجوز أن أرفع صوتي عليهما بسبب ذلك أو لأي سبب آخر، وإذا غضبا علي فماذا علي أن أفعل؟
الجواب: البر؛ والبر والإحسان إلى الوالدين والصلة، ميدان واسع فسيح لم يضع له الشرع حداً، وإنما تركه على حسب الورع والتقوى، فكلما ازداد الورع، ازداد البر، وما حديث الثلاثة الذين هم في الغار عنكم ببعيد، كيف كان بره لأبيه، وما قدم الشراب لأبنائه وهم يتصايحون حواليه، حتى استيقظ أبواه فغبق لهما من اللبن ثم بعد ذلك أعطى أولاده.
وقال تعالى: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة}، وأثر عن مسروق وبعض السلف أنه لما يتكلم عند أبويه لا يكاد يسمع له صوت ذلاً ورحمة، فمهما حلقت وارتفعت وأصبحت غنياً، أو ذا منصب اجتماعي، فعند الوالدين اخفض الجناحين، وكن لهما ذليلاً ورحيماً، {ولا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهام قولاً كريماً}، فلا يجوز لك أن ترفع صوتك على صوتيهما، فليس البر الطعام والشراب، وإن كان الطعام والشراب من البر، فالبر أيضاً الجانب النفسي، فليس من البر أن تعيش في النعيم، وأن تتنعم في الخيرات وما لذ وطاب، ووالداك يعيشان في نوع عوز وفقر، فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم {أنت ومالك لأبيك}، وهذا يفسره الحديث الآخر، وإن كان فيه نوع ضعف، {يد الوالد مبسوطة ليد ابنه} والمطلوب من الابن أن يجعل الوالد يعيش في مستواه، ولو كان {أنت ومالك لأبيك}، على الإطلاق، لما كان معنى لقول الله تعالى: {ولأبويه لكل واحد منهما السدس}، أي يكون معنى الحديث: {أنت ومالك لأبيك} يد أبيك مبسوطة في مالك يأخذ عند الحاجة، ويعيش في مستوى الابن.
وسئل عمر بن ذر : كيف برك أبيك؟ فقال (بري لأبي: أن لا أمشي بنهار بين يديه، وألا أمشي بليل خلفه، وأن لا أصعد ظهر بيت وهو تحته}، فالبر أمر فوقي؛ يحدد مداه الورع والتقوى، وقيل عن والد عمر بن ذر أنه كان يتأذى من الماء البارد، فسجن يوماً وابنه، فمكث عمر على ضوء القنديل يحمل الإناء طوال الليل حتى لا يؤذى أبوه من استخدام الماء البارد، فهذه صور من صور البر، لا يقدر عليها إلا الورع والتقي، فالأصل في الأب إن أمر أن يطاع، وأن ترفع صوتك على صوت أبيك وأمك هذا من العقوق، وأن تقدم رأيك وأن تفرضه على أبيك وأمك، من العقوق ، لكن تبدي رأيك.
لكن هذا في دائرة المعروف، فربنا يقول: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً} فمهما يجاهداك على أن تكون مشركاً، وربنا يقول: {وصاحبهما في الدنيا معروفاً}.
فينظر إن كان الأمر في البر فكما النبي صلى الله عليه وسلم: {لا طاعة إلا بالمعروف} وقال: {لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق}، فقد يكون بعض الوالدين ظلمة، فالابن يتزوج امرأة تلبس جلباباً لكن الوالدين لا يريدانه، لأنها تستر بدنها وشعرها أمام إخوانه وأعمامه، فالوالدين في هذه الحالة لا يطاعان.
لكن إن كان الابن يعلم من أبيه عدلاً، وإنصافاً وديانةً، وأمره بالطلاق، فيجب عليه أن يستجيب، ولا يجب على الأب أن يخبر ابنه بالسبب، فلعل الأب رأى سبباً يوجب عليه شرعاً أن يأمر ابنه بالطلاق، ويرى من المصلحة أن يكتم هذا السبب على الابن، فعلى الابن أن يستجيب ما دام يعرف أن أباه ذا عدل وديانة ولا يعرف عنه ظلم ولا هوى، ولم يأمر ابنه هكذا، فعليه أن يطلق، والله أعلم..

السؤال 188: ما حكم البيع عن طريق الهاتف؟ مثل يأتي شخص يشتري بضاعة معينة من تاجر ما، فيقوم هذا التاجر بالحال بالاتصال مع تاجر آخر بينهما تبادل تجاري فيشتري البضاعة منه على الهاتف، من غير قبض ولا تسليم، وإنما عرف تجاري ثم يقول هذا التاجر (الأول) للمشتري بأن يتوجه لأخذ هذه البضاعة من التاجر الثاني بسعر أعلى من السعر الذي اشتراها به منه ويقبض الثاني الثمن مباشرة ويضمن له السلعة (أي التاجر الأول) فما حكم هذه المعاملة؟
الجواب: أما بالنسبة لخبر الهاتف والتلغراف والانترنت في البيع والشراء فهذا شرعي، وتعرض له العلماء قديماً وأقدم من رأيته وتعرض له عالم اسمه محمد السنوسي له كتاب جميل نافع اسمه"الرحلة التجارية" مطبوع في ثلاثة أجزاء فقد انتقل من الحجاز إلى فرنسا عند أول الثورة العلمية في فرنسا فرأى تغيير الدم والتلغراف وبدأ يبحث ويسأل في طريقه للحجاز، كلما رأى علماء يشرح لهم ما رأى ويتخاطب وإياهم، وهذا الكتاب فيه أوائل المسائل والتي تبحث اليوم في المجامع-فبحثها بشكل لطيف معه، وذكر التلغراف مطولاً وظفرت برسالة لعالم من علمائنا وهو حقيقة إمام من الأئمة- لكننا لا نعرف أئمتنا ولا حول ولا قوة إلا بالله- وهو صاحب تفسير جليل اسمه"محاسن التأويل" فوجدت له كتاب مطبوع سنة 1928، اسمه "إرشاد الخلق إلى العمل بخبر البرق" يعالج المسألة .
وخلاصة أن البيعان بالخيار ما لم يفترقا ، والبيع والشراء على الهاتف والانترنت اليوم ، المجلس الذي يعقد الايجاب والقبول يكون غير متوفر فمجرد الإغلاق انتهى الأمر وهذا أمر مذكور في كتب الفقهاء، في الجملة وأنهم يرخصون فلا حرج في ذلك.
ولكن المشكلة أن البائع لا يملك البضاعة فهذه الحالة لا بد أن يبين أنه لا يملكها فإما أن يضمنها ويملكها ثم يبيعها وإما أن يشعر من طلبها منه أنه وكيل بالبيع أي يقول له: أنا أحضرها وهي ليست عندي، ولي كذا، أربح منك، فهذا أمر مشروع إن شاء الله والله أعلم ...

السؤال 189: هل يجوز أخذ الأجرة على تحفيظ القرآن بمراكز التحفيظ للأطفال؟
الجواب: أما مقابل التفرغ فلا حرج، فالمتأخرون من الفقهاء يجوزون للأئمة والمؤذنين أن يأخذوا رواتب على إمامتهم وأذانهم، ولمعلمي القرآن والشريعة، مقابل التفرغ ، لا مقابل الصلاة والآذان، والتعليم فالإمام لا يقول: إذا لم أعطى مالاً لا أصلي، فهذا والعياذ بالله يكون من أسوأ خلق الله وآخر يقول : لولا المال ما أدرس القرآن ، وهذا يحرمه الأجر والثواب، و النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه}، فمقابل حبس الوقت والتفرغ لا حرج ، والتورع حسن، لا سيما فيما وجد عنده غنى، والله أعلم..

السؤال 190: ما هي صحة هذا الحديث: {نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا فلا نشبع}؟
الجواب: هذا حديث لا أعرف له إسناداً ثابتاً وإن أورده حديثاً صاحب السيرة الحلبية.

السؤال 191: ما حكم عمل المحامي؟
الجواب: المحاماة مهنة دخلت على الأمة الإسلامية من خلال (الاستدمار) ولا أقول الاستعمار، فهذه كلمة يجب أن تحذف من جميع القواميس ومعاجم اللغة العربية، ومن آثار الاستدمار فينا، أنه سمى نفسه استعماراً، ومن قلة عقولنا أننا نسميه استعمار، فكأنما كنا في خراب فعمرنا، فلما جاء أعداء الله إلى بلادنا وعملوا على تخريب أخلاقنا وقوانيننا واستبدلوا شرعة ربنا بقوانين وضعية بدأ ما يسمى اليوم بالمحامين.
والمحاماة تكييفها الفقهي هو : وكالة في خصومة، فمن لا يحسن أن يخاصم فيقدم غيره ليخاصم عنه، وقد حصل بين بعض الأصحاب خلاف عند عثمان وحامى عنه ابن عباس وجاءه بحقه، فكان عثمان قد قضى عليه، ثم بعد أن حامى عنه ابن عباس قضى له، وثبت في الكتب الستة من حديث أم سلمة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إنما أنا بشر مثلكم أقضي بينكم على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من أخيه شيئاً، فإنما أقضي له بقطعة من نار، فإن شاء فليأخذها وإن شاء فليدعها}، فالنبي يقضي على حسب ما يسمع والقاضي يقضي على حسب ما يسمع، فالمحامي ينمق ويعرض ويظهر.
والمحاماة عند الأقدمين مهنة خسيسة، فكان المحامي يتحاشاه الناس، والمحاماة تأكل باللسان وثبت في حديث سعد بن وقاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تقوم الساعة حتى يأكل الناس بألسنتهم}، وهذا مثل المحامين والمغنيين والصحفيين.
فالمحاماة مهنة مشروعة، لكنها غير محمودة عند الناس، لأن الإنسان يؤمن سره لغيره مضطراً؛ فإن أخذ حاجته فإنه سيمقت من عرف سره، وإن لم يأخذ حاجته وأخفق، أيضاً فسيشعر أنه أفشى سره، فلذا هذه الطبقة غير محمودة ، وما زالوا يراوغون إلا من رحم الله منهم.
فهي كمهنة في أصولها كالصحافة مهنة جيدة ولها دخل جيد، لكن في التطبيق العملي من أردأ المهن.
وهي جائزة بشروط ومن أهم شروطها أن يتمثل المحامي قول الله عز وجل، {ولا تكن للخائنين خصيماً}، فإن جاءه رجل وقال له: أنا قتلت وأريد أن تبرئني، أو أنا سرقت وأريد أن تبرئني، فيجب على المحامي أن يتقي الله، فمثل هذا لا يجوز أن يحامي عنه، لأن الله يقول: {ولا تكن للخائنين خصيماً}. وهذا خائن، لكن هل يجوز أن يحامي المسلم عن المبطل والخائن، إن أوقعت عليه القوانين عقوبة فوق العقوبة الشرعية، فيرد بمحاماته العقوبة إلى الحد الشرعي؟ هذا جائز له، لكن هذه المسألة صورية نظرية وليست عملية.
فالمحاماة جائزة بشروط وتطبيقها من حيث الواقع نظري ،وليس بعملي، إلا عند الكمل من أهل الورع والتقوى ولعلهم اليوم معدومون أو عزيزون، والله أعلم..

السؤال 192: هناك من يقول بأن للمسلم الحق بأن يختار الطريقة التي يريد بها القيام بها ببعض العبادات كالدعوة إلى الله فيقول: لي الحق بالدعوة إلى الله بالطريقة التي أريد، كما آتي إلى المسجد من الطريق التي أشاء، فيدعي أن ذلك يخضع للاجتهاد فيستدل على ذلك بالخروج، (أي خروج جماعة التبليغ)؟
الجواب: أما عن خروج إخواننا التبليغيين فلنا في الحقيقة كلام، والكلام في هذا الموضوع كثير لكن أوجزه بالآتي:
ياليت إخواننا التبليغيين يعاملون الخروج كمعاملتهم في المشي إلى المسجد وأن الأمر يجوز، ياليت اقتصر عند هذا الحد، لكان الأمر سهلاً، ولكان الخطب يسيراً، لكن عند إخواننا الخروج طاعة بذاتها، ويخرجون ليخرجوا، ما يخرجون من أجل الصلاة ، فيخرجون لدعوة الناس إلى الخروج ويدعون الذين يخرجون أن يخرجوا حتى يخرجوا، ثم ماذا ؟ لا ندري.
والخروج وسيلة من وسائل للدعوة إلى الله عز وجل، فلو أنا رأيت قرية من القرى، تحتاج إلى التعليم ، فمشيت إلى هذه القرية (وحصل ولله الحمد) فبت ليلتين أو ثلاثة أو أكثر في المسجد، فدرست وعلمت، فلا حرج، ومن يمنع هذا؟ لكن أن أعتقد أن من لم يقم بالخروج هذا فهو ليس داعية إلى الله فهذا خطر شديد، فهم يعتقدون أن الخروج طاعة تراد لذاتها، وهذا بدليل أنهم عند خروجهم يقولون: إننا خرجنا حتى نخرِّج، وهذا خطأ كبير ، فالخروج وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله ، هذا أولاً.
وثانياً : هذه الوسيلة ينبغي أن نعرف حجمها في الشرع، فلو أن واحداً مثلاً نادى بأعلى صوته: يا أيها الناس لا تذهبوا إلى المسجد إلا مشياً، ولا تركبوا السيارات ، فهذا الحصر، نقول له: أنت مخطئ فيه ،لماذا ضيقت واسعاً، وبعض المفسرين يفسرون قوله تعالى: { ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله}، بالمؤذن، فالمؤذن داعية إلى الله، وهذا الدرس دعوة إلى الله، وخطيب الجمعة داعي إلى الله، والذي يقرأ أو يتعلم ويحصل داعي إلى الله، والذي يزور المسلمين ويرد الشارد منهم ويذكرهم بالصلاة داعي إلى الله، فالدعوة إلى الله، ليست بأنها لا تتحصل إلا من خلال المشي إلى مسجد معين، والخروج أياماً معينة، وجولة محلية، وجولة مقامية، فأن تحصر الدعوة إلى الله وأن يقوم في ذهنك تصور أنه ما يوجد داعية مقبول يأتي بثمار إلا إن حصل كذا وكذا، فهذا حاله كمن يقول للناس لا تذهبوا إلى المسجد مشياً لا بالسيارة.
والأمر الثالث: وجدنا في هذا الخروج إسقاط لآيات وأحاديث واعتقاد أجور وفضائل لم ترد، فقالوا الخطوة التي تمشيها أحسن من عبادة سبعين سنة، والدرهم الذي تنفقه أحسن من سبعين ألف درهم، فمن أين هذا؟ وبعضهم يقول: الصحابة خرجوا، نعم الصحابة خرجوا، فاخرج كما خرج الصحابة، فالصحابة علمهم النبي وخرجوا يعلمون فخرج معاذ قاضياً، وخرجوا مفتين، وخرجوا ولاة، وخرجوا مجاهدين، أما الخروج بالطريقة الموجودة، فهو رؤية منامية، رآها شيخ فجعلها سنة متبعة، فهذا الإسقاط إسقاط عملهم على تصور الأجور، والفضائل للأعمال، وإسقاطه على أفعال الصحابة ، فيه مؤاخذة شديدة.
وهذا الخروج فيه محاذير لأن لهم شروط ما أنزل الله بها من سلطان ، فالخارج على أصولهم ممنوع أن يزور بيته، فلو احتاج الخارج أن يزور أباه المريض يمنع، ولو احتجت شيئاً من الدنيا كأن أغير الثياب، فهذا ممنوع، فمن أين هذه الشروط (وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) فهذا الخروج لا يجوز أن يجعل المباح حرام، فالمباح يبقى مباح والمسنون مسنون، والفرض فرض، فالنبي صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام استيقظ من الليل وقرع باب علي رضي الله عنه، فقال له: {قم الليل}، فقال علي- وهو يفهم أن النبي خاطبه من باب الحرص لا باب أنه نبي- فقال: {إن أرواحنا بيد الله إن شاء أمسكها وإن شاء أرسلها} فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ قول الله {وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً}، وعلق الحافظ ابن حجر في فتح الباري على هذا الحديث فقال: (أمر الأمير بالطاعة المسنونة لا يجعلها واجبة)، فالأمير إن قال لك صم الإثنين، يظل الصيام سنة ولا يصير فرض ، وأميرٌ يكلف بسنة أو يفرض لا يحق له، فمن أين هذه الشروط؟
وهم يعتقدون أن الذي لا يخرج كل سنة أربعين يوماً وكل شهر ثلاثة أيام وهكذا ، يعتقدون أنه قصر.
ومن أسوأ ثمار الخروج على الإطلاق الحب والبغض والولاء والبراء، من خلال الخروج فلا يحب الإنسان ولا يوالي إلا على الخروج، والحب والبغض والولاء والبراء في ديننا لا يكون على الوسائل وإنما على الحقائق، فربما إنسان أخطأ ورأى أن الذي يعيد للأمة عزها التنظيم، [فيجعل الولاء والبراء من خلال التنظيم فمن دخل التنظيم فله الحب والولاء، ومن لم يدخل التنظيم فلا حب ولا ولاء].
وأقول- والله ، و أباهل من شاء- لو كان عز الأمة يعود بتنظيم أو بخروج لذكر صريحاً في كتاب ربنا أو سنة نبينا، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما ترك شيئاً حتى الخراءة، إلا وعلمنا إياه.
والذي يعيد الأمة عزها المنشود، أن تقع التزكية والتربية في الأمة، فالنبي بعثه الله ليزكي ويعلم، وقال تعالى: {وجعلنا منهم أئمة لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}، {أئمة}، أي أئمة دين، {ولما صبروا} أي : زكوا أنفسهم. و {كانوا بآياتنا يوقنون} أي: تعلموا ؛ فعلم وعمل وصلاح، وكما قال الإمام مالك والفضيل ابن عياض : (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها) فعقيدتنا أن الذي يصلح الأمة أن يجثوا الناس على الركب بين الصادقين من أهل العلم، يتعلمون ويعملون.
فهذا أسهل الإصلاح لكنه يكاد يكون عسراً هذه الأيام ، لأن الناس قد هجروا العلم وحلقات العلم، وما وجد الأطباء فيهم، وأيضاً قالوا: الذي كان يخرج وترك الخروج، ميتة لفظه البحر، فهم يحبون ويوالون على الخروج فإن كان خروج فيوجد حب، وولاء، وإلا فلا، وكذلك غيرهم في التنظيم، فيبشر الوجه ويشد على اليد ويزار إن دخل التنظيم، وإلا فلا، ونقول لمن هذا حاله: كن بيننا ربانياً وافتح قلبك، ووسع أفقك، فهذه وسائل، فالحب والبغض يكون على دين الله، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {أوثق عرى الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله}، ويقول: {من أحب لله ومن أبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فذلك أوثق عرى الإيمان } فالخروج فيه هذه المحاذير وياليتهم يجعلونه كالمشي إلى الصلاة لكنهم يعتبرونه من أجل الطاعات وأهمها.
وقد دعاني يوماً أخ فاضل، إلى طعام الغداء، فذهبت إليه ووجدت عنده أناس كثير، وكان من الموجودين أمراء التبليغ، وأنا لا أعرفهم إلا بأسمائهم، فتكلم واحد منهم – وحالهم أنهم يظهرون أنهم أوصياء على الدين- تكلم عن الخروج، وأشعر الجالسين أن الخروج هو لب التوحيد وأصل الدين، وهذا هو التوحيد عندهم، بدليل أن الذين يخرجون في بلاد الحجاز يعرفون التوحيد، وأن الذين يخرجون في الهند والباكستان أصحاب خرافة، ولا يعرفون التوحيد، فعقائدهم مختلفة، لكنهم مجتمعون على وسيلة ، فبعد أن تكلم على الخروج قلت: أتأذن لي بسؤال؟ قال : تفضل، قلت: ما حكم الخروج هذا الذي تدعو إليه؟ فغضب، وبدأ يتكلم تارة جالس، وتارة بين القائم والجالس، ويقول: ينبغي أن نسأل ؛ ما هو حكم القعود هذه الأيام؟ فقلت له بعد كلام: أنت ما سألتني عن حكم القعود حتى أجيبك، سلني عن أي قعود تريد أجيبك فهنالك قعود مع الرحم واجب، وقعود في الصلاة واجب، وقعود عن الدعوة حرام، لكن لا تكون الدعوة إلى الله بالخروج فقط، فيوجد دعوة من غير خروج، وأنتم مشكلتكم أنكم لا تجعلون داعية إلى الله إلا من خرج، فما لم يخرج لا يكون داعية، فجعلنا الوسائل كأنها مقاصد وغايات.
وهذا الأمر له آثار تربوية خطيرة على النفس فواحد ينشأ ويربي على الخروج، فيتصور أن الدين كله خروج، فإن ضعف وما خرج، فيظن نفسه أنه ارتد، وكذلك من يعتقد التنظيم، ويسمع دائماً منهم ((من فارق الجماعة قيد شبر......) (من مات وليس في عنقه بيعة فقد خلع الإسلام من عنقه) ثم يضعف عن التنظيم ويتركه، يبدأ يشك بدينه، لكن لما يفهم أن هذه وسيلة [وتحتمل الخطأ والصواب]، وأن المسلم وجماعة المسلمين من يقول "لا إله إلا الله" ما لم ينقضها سواء خرج أم لم يخرج وسواء كان في تنظيم أم لم يكن، تتحقق الأخوة الإيمانية بين الناس، وإن ضعف لا تظهر هذه الآثار التربوية على النفس بهذه الطريقة الموجودة عند الناس.
وجماعة المسلمين جماعة فهم، وليست جماعة بدن، فلو قلنا لهؤلاء؛ أبعدوا الحزبية عنكم، وأبعدوا الخروج وهذه الوسائل عنكم، وتناقشوا في دين الله، وفي تصوركم عن هذا الدين، لكفر بعضهم بعضاً، لأن أفهامهم متناقضة جداً، فالذين يخرجون في الهند ليسوا – كما قلنا- كالذين يخرجون في الجزيرة العربية، فهؤلاء عرفوا التوحيد وأولئك تربوا على العقائد الخرافية، فجماعة المسلمين كما قال الشافعي ، جماعة فهم وليست جماعة بدن ،ولذا قال يوسف بن أسباط: (إن كنت في المشرق وأخ لك في المغرب فابعث له بسلام فما أعز أهل السنة هذه الأيام)، فأهل السنة في المشرق وفي المغرب دينهم هو هو، ما عندهم تغيير ، فدين الله كتاب وسنة، مع احترام العلماء والنظر إلى أقوالهم واستنباطاتهم بتفصيل وتمعن.
لذا نقول : إن الخروج في سبيل الله،على النحو المذكرو فيه محاذير كثيرة جداً، وإسقاط هذا الخروج على النصوص الشرعية إسقاط غير موفق، والله أعلم .

السؤال 193: ما هي نصيحتكم لطالب العلم؟
الجواب: نصيحتي لطاب العلم؛ أولاً: الإخلاص، وأنه يعلم أنه يقوم في الأمة بمهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يفلح ولا ينجح أبداً، ما لم يكن صادقاً مخلصاً، ما لم يكن باطنه طاهراً.
ونصيحتي له إن كان في الابتداء أن يزداد في التقرب كلما ازداد علماً، فالله عز وجل، يزيد العبد علماً ببركة صدقه وإخلاصه، وإن الرجل ليحرم الرزق والعلم ، وتوضع العوائق في طريقه بسبب ذنوبه، ولذا قالوا: من ازداد علماً، ولم يزدد تقىً، فليتهم علمه .
وأنصح طالب العلم، أن يطلب العلم للعمل، فلا يطلبه ليشار إليه بالبنان، ولا ليتصدر المجالس، وقديماً قال سفيان: (من طلب العلم للعمل كسره العلم ،ومن طلب العلم ليجادل، فليضع له قرنين وليناطح الناس). فبعض الطلبة أمله المناطحة، يتكلم مع الناس بأسلوب فيه علو ورفعة، وفيه كبر وتيه، والعياذ بالله. ينبغي لطالب العلم والعالم كما قال أيوب السختياني رحمه الله: (ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعاً لله عز وجل).
وينبغي لطالب العلم في البدايات ألا ينشغل بالتخصص، فقبيح بطالب العلم أن يكون شبعان ريان بفن دون فن، أو أن يكون مليئاً بفن، وعامياً بآخر، فأنصح طالب العلم، أن يتجول في جنات معروشات وغير معروشات، في سائر الفنون والعلوم، ثم وهو يتجول سيسمع صوتاً ينادي عليه من داخله؛ وجدتها وجدتها، حط رحلك هنا، هذه جنتك، فما أهنأنا لما نجد قسماً من إخواننا قد تفرغ بعضهم للتفسير، وبعضهم للأصول، وآخر في اللغة، وآخر في الفقه، وهكذا، حتى نسقط الإثم عن الأمة ، فالأمة اليوم كل فرد منها آثم بسبب عدم وجود فرض الكفاية من وجود الفقهاء والمحدثين والأصوليين واللغويين والمؤرخين فيها.
والناس كأسراب القطا يتابع بعضها بعضاً، فالناس اليوم لما رأوا إمام هذا العصر قد انشغل بعلم الحديث ترك أصحاب القرآن وأصحاب التفسير والقراءات تركوا ما هم فيه من خير وانشغلوا بالحديث، وبودنا ومن أغلى أمانينا، أن يظهر في الأمة أئمة في كل علم، فيجددوه ويشغلوا الأمة فيه، ولا تبقى الكتب على الرفوف، أو محبوسة بين الجدران، وفي المكتبات ، فببركة انشغال إمام هذا العصر بعلم الحديث كادت جميع مخطوطات هذا العلم وأهمها أن تظهر، وبقيت مخطوطات كثير من العلوم محبوسة رهينة، بسبب عدم وجود أئمة ، فلو نبغ بعض الأئمة وأشغلوا الطلبة في هذا العلم والله لظهرت ،وكم من إنسان يحب الطلب لكن لا يتيسر له سبل الطلب.
لذا على طالب العلم أن يقرأ جميع العلوم، ينشغل بأصولها وكلياتها، ومبادئها، فاقرأ في الفقه كتاباً من أوله لآخره، لا تقرأ قراءة تحقيق في كل مسألة فلو فعلت ذلك كما يفعل البعض، فيغرق في الماء ولا يخرج منه،ويترك الطلب ولا يتقدم، فخذ متناً من المتون، أو أحاديث الأحكام واقرأها كاملاً، وكذلك اقرأ سائر العلوم، ثم بعد ذلك تخصص، فالتخصص مرحلة متأخرة، فإن وصلت مرحلة التخصص، فعليك أن تعرف هذا العلم، فترجع إلى مبادئه وكلياته، ثم تبدأ تفصل، وأن تعرف أهم مصادره، وكتبه، وأن تعرف أعلامه الأقدمين والموجودين وأن تكون لك صلة بهم ، بالمهاتفة ، بالمراسلة، بالجثو على الركب بين أيديهم، وأن تعرف المسائل المشكلة في هذا الفن، التي ينشغل بها أهل هذا التخصص ، وهكذا..
ونصيحتي لطالب العلم أن يعلم أن الطريق طويل، وأن العلم ميراث النبي صلى الله عليه وسلم وأن الذي يسير في هذا الطريق، لا بد أن يؤذى، ومن فاق أقرانه لا بد من حساد، فلا تنشغل بحسادك وامض قدماً، ولا تلتفت إلى هنا وهناك، فقد أسند ابن قتيبة في "عيون الأخبار": (أن الحاسد لن يهدأ باله حتى تزال نعمة الله عن المحسود)، فنصح المحسود بقوله: (امض قدماً ولا تلتفت)
وأنصح طلبة العلم أن يحفظوا ألسنتهم وألا ينشغلوا إلا بالمسائل، التي ينبغي أن يشتغلوا بها، فهنالك مسائل تسمى"الطبوليات" تقرع في المجالس ، والتي يقع فيها الخلاف بين الكبراء من العلماء، وهؤلاء الطلبة المبتدئون يضعون أنوفهم فيها ويريدون أن يكونوا حكماً ،فلا يتكلمون على أنهم طلبة ويتكلمون على أنهم بمثابة الحكم بين العلماء، فابتعدوا عن الطبوليات، وهذه من العوائق، فكل عصر تخرج علينا مسألة فيها شنشنة تقطع الطالب عن التقدم، فكثير من المسائل لو أن الجهود التي بذلها فيها بعض الطلبة بذلوها في التأسيس لتقدموا، لكنهم يتكلمون ويتكلمون، وما يدرون أنهم يخضون ماءً.
والأمة بحاجة إلى طلبة العلم وهم بانتظارهم، حتى يصححوا عقائدهم وعباداتهم، والواجب المناط بهم كبير، فالمناط بهم إقامة الدين، فترفعوا عن السفاسف، واملأوا أوقاتكم بما يعود عليكم بنفع وتقدم.
ثم طالب العلم لا بأس أن يدرس، وإن جلس في مجلس وجب عليه لله مقال فلا يسكت، لكن لا يتصدر قبل أن يتأهل لكن إن يسر الله له أن يأمر وينهى ويبين بشيء هو فيه على يقين، فليقل.
فهذه نصائح أنصحها لطالب العلم وأسأل الله أن ينفعنا بما قلنا وهذا ما عندي ، والله أعلم.

السؤال 194: إذا كان في قص حلم لم أحلمه ولم أره، إصلاح أو عبرة فهل يجوز أن أقصه على الناس؟
الجواب: هذا لا يجوز فالغاية لا تبرر الوسيلة، وهذا كذب ، والكذب حرام، وكبيرة من الكبائر، وكما أن الكذب يكون في الحديث فإنه يكون أيضاً، في المنام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن من أفرى الفرى أن يري الرجل عينيه ما لم يريا}، فمن أكذب الكذب، أن يكذب في المنام.
وذكر الرجل لأن الرجال هم المخاطبون، وكل خطاب للرجال فإن النساء يدخلن فيه، ولا يخرجن منه إلا بقرينة، وكل خطاب للنساء خاص بهن، ولا يدخل الرجال معهن إلا بقرينة.
وكذلك لا يجوز للرجل أن يكذب على زوجته في المنام، والكذب على الزوجة يكون فيما لا يضيع حقاً فيكون في المشاعر وما شابه.

السؤال 195: ماذا تقولون في "النصيحة الذهبية" أو "الرسالة الذهبية" التي تعزى للإمام الذهبي، ووجهها لشيخ الإسلام ابن تيمية وجزء منها في تصدير كتاب "سير أعلام النبلاء" وأشار إلى مصدرها، في كتاب "بيان زغل العلم" للإمام الذهبي؟
الجواب: إن الإمام الذهبي من المعظمين لشيخ الإسلام ابن تيمية ، ومن المؤرخين المنصفين، فكتابه "سير أعلام النبلاء" من نفائس الكتب، ترجم فيه لأعلام النبلاء، من هذه الأمة ، وذكر سيرهم وهو كتاب نافع مليح غايةً، أسلوبه رائق، ومر على أعلام الأمة وقسمهم على طبقات وترجم لهم.
وقد ترجم في أواخر الطبقات لشيخ الإسلام، لكن ترجمه شيخ الإسلام من القسم الضائع من السير، ومن حسن حظنا أن ناسخ مخطوطة "العواصم والقواصم" لابن الوزير كتب في هامشها لما ذكر ابن الوزير ابن تيمية، ذكر في الهامش فقال: (وقد ظفرت بترجمة ابن تيمية للإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء وهذا نصها) وساقها من أولها إلى آخرها، وقد ترجم الإمام الذهبي لمن هو قبل ابن تيمية وهو الإمام النووي، وقد نقل السخاوي في "المنهل العذب الروي" كثيراً عن ترجمة النووي من "سير أعلام النبلاء" وترجمة النووي غير موجودة الآن في القسم المطبوع من سير أعلام النبلاء، فكتاب السير ناقص من آخره طبقتان ، طبقة النووي وطبقة ابن تيمية.
والذهبي رحمه الله، معظم لابن تيمية في جل كتبه، ولا يثني عليه إلا ثناءً عطراً، والذهبي عند القاصي والداني، منصف حتى أن ابن حجر العسقلاني، رحمه الله، قال: (شربت زمزم أكثر من مرة ونويت أكثر من نية) ومن بين النوايا التي نواها؛ شرب زمزم مرة ليصبح مثل ابن تيمية على أن يصبح مثل ابن تيمية في معرفته للفرق والأديان، وشرب زمزم مرة على أن يصبح مثل الذهبي في الرجال.
وظهرت فرقة عادت ابن تيمية وبعضهم لم يفهم كلامه، وبعضهم أسقط كلامه على أصول غيره، فلم يصنع عدلاً ، وإن قال حقاً، فمثلاً النووي في المجموع يقول: (من زعم أن الله جسم فهو كافر باتفاق المسلمين) وابن تيمية لما سئل: هل يطلق على الله أنه جسم؟ قال: (هذا كلام بدعي، لكن لا أكفر من يقول بأن الله جسم. فقالوا: إن ابن تيمية يقول أن الله جسم، وابن تيمية يقول: هذا كلام بدعي ،وفي مواطن أخرى من كتبه مثل"شرح حديث النزول" يقول: (نقول لمن يقول إن الله بجسم ما مرادكم بهذا؟ إن كان مرادكم أن الله يتبعض ويتجزأ ، فهذا مقولة كفرية، قائلها أشد كفراً من اليهود والنصارى، وإن كان مراد قائلها إن الله حق منفصل عن العالم يشار إليه، فهذه مقولة بدعية، وليس صاحبها بكافر)، فلما أجمل في موضع، وقال: (لا نكفر من قال إن الله جسم أسقطوا كلاماً مجملاً له على قاعدة قالهاغيره بغير أصوله، وهكذا في مسائل كثيرة.
وظهرت مدرسة في هذا العصر وقديماً تزعمها الحصني صاحب كتاب "كفاية الأخبار" تكفر ابن تيمية، بعبارات قلقة لشيخ الإسلام، جلها أخذت عليه في معرض مناقشة الخصوم، وليس في معرض تقرير العقيدة، ويجوز الإنسان في مناقشته لخصمه أن يفترض الباطل ويقوله، قال الله تعالى: {قل إن كان للرحمن ولد فإنا أول العابدين}، فضرب الباطل لإفحام الخصم وإظهار باطله وعوار كلامه، هذا مسلك معتبر معتد به.
وابن تيمية القاصي والداني يعترف بذكائه، ويعترف بمعرفته بالفرق والأديان معرفة فائقة، ويوجد فرقة أخذت على نفسها النيل من ابن تيمية، والوصول بأي طريقة من الطرق لتكفير ابن تيمية، ووصفوه بصفات سيئة أخجل أن أقولها.
ومن المعروفين بعدائه لابن تيمية عالم تركي، وهو محمد زاهد الكوثري، عدائه مشهور لابن تيمية وهو الذي أظهر رسالة "النصيحة الذهبية" وألصقها بالذهبي، وزعم الكوثري في مقدمة طبعته الأولى، لهذه الرسالة، زعم أنه وجد هذه الرسالة بخط ابن قاضي شهبا، وصور خطه، وقد طبع في الهند قبل عشر سنين كتاب "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبا، وهذا الكتاب لابن قاضي شهبا باتفاق ومن غير خلاف، والمحقق وقف على عدة نسخ، من بينها نسخة بخط ابن قاضي شهبا ، وأثبت خط ابن قاضي شهبا في مقدمة "طبقات الشافعية" والذي يقارن بين خط ابن قاضي شهبا المزعوم في رسالة الكوثري، وبين خطه في كتاب "طبقات الشافعية" يجد فرقاً بين الأرض والسماء.
فإذن هذه الرسالة باطلة النسبة للذهبي في محتواها، لأن الذي فيها يخالف ما في كتب الذهبي الأخرى، وهي باطلة أيضاً من أصل نسبتها، وقد ألف أخونا الشيخ محمد إبراهيم الشيباني كتاباً كبيراً فيه إبطال نسبة هذه الرسالة للإمام الذهبي ولم يعتني بالنقد الخارجي وإنما اعتنى بالنقد الداخلي، أي بمناقشة محتوى الرسالة وقارنها بما في كتب الذهبي الأخرى، وأظهر من خلال هذه المقارنات وهاء وتزييف ما في هذه الرسالة واستحالة أن تكون على لسان الإمام الذهبي فمن رام التفصيل فلينظر في كتاب أخينا الشيخ محمد الشيباني.

السؤال 196: ما حكم من أكل لحوم العلماء بالباطل؟
الجواب: الإمام ابن عساكر رحمه الله تعالى، يقول: (لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله فيمن انتهكها معلومة، ومن أطلق لسانه في العلماء في الثلب ابتلاه الله بموت القلب) فمن اغتاب أخاه يكون قد أكل لحمه ميتاً، فإن أكله حياً بشع فكيف وهو ميت؟ فإن الصورة أبشع ، فكيف إذا كان مسموماً؟ فلحوم العلماء مسمومة وتؤثر على القلب.
وأنا أنصح إخواني أن يحفظوا ألسنتهم عن أهل الصلاح وأهل الدين والتقوى، وأنصحهم أن يثبتوا وألا يكونوا إمعات وألا يتأثروا بما يسمعوا.
ولا يوجد أحد معصوم لكم سل نفسك قبل أن تدخل في أي مسألة : ما هي الثمرة التي تترتب على هذا الأمر؟ فإن رأيت لك ثمرة معتبرة فابحث، وتثبت، وإياك أن تعجل، أما التكلم من وراء وراء، وأن يشتم ويلعن، وأن يتهم النوايا فهذا أمر خطير، وهذا أمره عند الله عز وجل.
ووجدت نقلاً للسعدي عن شيخ الإسلام، ابن تيمية – ويا ليتني أظفر به من كتب شيخ الإسلام وأنا حريص عليها- يقول: (بعض الناس كالذباب لا يقع إلا على الجروح) فبعض الناس لا هم له إلا أن ينقل؛ قال فلان؛ وعمل فلان؛ وهكذا، ولو أنه تجرد واتقى الله، وسأل نفسه في خلوته: ما هي الثمرة من هذا العمل، ولماذا السؤال عن هؤلاء الناس؟ ولا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، فانشغل بالإعداد للإجابة عن هذه الأسئلة وانشغل بما ينجيك عند الله عز وجل.
وكم استغربت وكم ذهلت، وأنا معتكف في رمضان الماضي في بيت الله الحرام؛ يأتيني أخ جزائري معه أسماء سبعة عشر شيخاً، ويسأل الموجودين عنهم، وإن لم يطابق الجواب جوابه يبدأ بذكر معايب كل واحد من هؤلاء، ولا أدري ما الفائدة من وراء هذا، وأن لا ينشغل في مثل هذا المكان وفي مثل هذا الوقت، إلا بهذا ويفر على القاصي والداني، والعالم والجاهل، يريد أن يظهر لهم بأدلة قطعية، قامت عنده على أن هؤلاء السبعة عشر معيبون، فلما نظرت قلت: اللهم يا مقلب العقول ثبت عقلي على دينك، فهذا رجل عامي ، وذاك عامي، وجئت عندي تسألني ولا تعرفني ولا أعرفك، قال: علامة أن يكون الإنسان على خير، أن يقدح بهؤلاء، فلا حول ولا قوة إلا بالله، إيش هذا، قد نوافق أن البعض عنده إشكالات ، لكن أن لا يكون لك هم ولا شغل إلا هذا! هذا عقله ناقص.
وبالتالي أيها الأخوة علينا أن ننشغل بالبناء وأن تكون العلاقة بين طلبة العلم التكامل لا التآكل، والنصيحة لا الفضيحة، والمؤمن يستر وينصح، والمنافق ينشر ويفضح، فما من أحد معصوم والقلوب مفتوحة، والبيوت مفتوحة، والمجالس مفتوحة، فمن عنده نصيحة يجب عليه أن يقدمها، أما أن لا ننشغل إلا بأن يطعن بعضنا بعضاً، فهذا ينطبق علينا المثل الذي يقول: ((جاعت وأكلت أولادها)).
فنسأل الله عز وجل، أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ونسأله عز وجل، أن يحفظ علينا السنتنا وأن يرزقنا الورع والتقوى، وأن يجنبنا الهوى وركوب ما لا يطلب.

السؤال 197: إن كان علي دين لناس، ولم أستطع أن أدفعه لهم هل لي أن أتصدق بمالهم هذا باسمهم؟
الجواب: يُنظر، فإن كانت معرفته ممكنة فلا يجوز له أن يتصدق عنه، ويجب عليه أن يبرئ ذمته منه فإن يئس بالكلية عن معرفته وقد انقطعت أخباره ،وقامت قرائن قوية عنده أن معرفة فلان ميئوس منها، فقد أفتى ابن عمرو ومعاوية رضي الله عنهما، أنه يتصدق بهذا المبلغ عنهما.
فإن رآه بعد ذلك، يخبره، فإن أمض الصدقة فالحمد لله، فإن لم يمض الصدقة، يعطيه دينه، وتكون الصدقة قد حسبت له، وهذه حقوق ، وحقوق العباد عظيمة، ولا تقبل التوبة فيها إلا أن تصل إلى أصحابها، والله أعلم ...

السؤال 198: صليت العصر قبل أن يؤذن ولا أعلم في أي وقت يؤذن بالضبط، وأنا في التشهد الأوسط سمعت صوت الأذان، فغيرت نيتي إلى ركعتين، عقب الوضوء، ثم سلمت ثم قمت وصليت العصر، فهل علي شيء في ذلك؟
الجواب: لا شيء عليك فأنت صليت قبل دخول الوقت، فصلاتك بلا شك ليست صحيحة، فكيف وقد علمت الوقت، وأنت تصلي، فالصلاة تنقلب إلى صلاة نافلة، والصلاة التي صليتها نافلة، وعليك الإعادة فقط، لتخلف شرط من شروط الصلاة.

السؤال 199: هنالك من الناس من يأخذ بتبرك الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم دليلاً على جواز التبرك بالعلماء، أو بما يسمى المشايخ، هل هذا حق أم باطل؟
الجواب: أما التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم فهذا ثابت في حوادث كثيرة، فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم، يتبركون بكل ما انفصل عنه صلى الله عليه وسلم، وثبت في الصحيحين أنهم كانوا يتبركون بفضل وضوءه، وكانوا يتبركون بتفله، وصح عن الزبير رضي الله عنه، أنه شرب دم الحجامة منه، وكانوا يتبركون بشعره، فأم سليم ثبت عنها أنها كانت تأخذ من عرقه وتضعه في قارورة، فيها طيب وفيها شيء من شعره، ولما حلق الحجام شعره صلى الله عليه وسلم أخذت أم سليم خصلة منه، وأخذ أنس شيئاً منها، وأنس وزع على بعض طلبته شيئاً من شعره ، صلى الله عليه وسلم وأخذ ابن سيرين شعرة منه وأوصى أن تدفن معه، فالتبرك بذاته وما انفصل عنه في حياته مشروع ثابت عن أصحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حوادث كثيرة.
لكن هذا التبرك خاص به صلى الله عليه وسلم فلم يؤثر أبداً أن صحابياً صغيراً تبرك بأبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي. ولم يؤثر عن التبعين أنهم تبركوا بالصحابة، والمسلم له بركة، وبركته على قدر أعماله الصالحة، لكن لا يتبرك بذات غير ذات النبي صلى الله عليه وسلم وقد بين هذ بما لا مزيد عليه الإمام الشاطبي في كتابه النافع "الاعتصام"
وهذه المسألة الآن نظرية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم غير موجود معنا بذاته ولا نعرف شيئاً بيقين انفصل عنه، فلا نستطيع أن نقول هذه الشعرة مثلاً، من شعره، ولا يجوز قياس غير النبي صلى الله عليه وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فهذا قياس مع الفارق الكبير، والتبرك الذي يفعلوه المريدون مع شيوخ الطرق اليوم فيتبركون بفضل وضوئهم ويتمسحون بهم، هذا تبرك بدعي ما أنزل الله به من سلطان.
وكتب سلمان إلى أبي الدرداء (هلم إلى الأرض المقدسة) فرد عليه بقوله: (إن الأرض لا تقدس أحداً، إنما يقدس الرجل عمله) فالعمل هو الذي يقدس ويبرك الإنسان أما ذات مقدسة مباركة يتبرك بها فهذه ليست إلا ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط وما عداه لا يتبرك به .

السؤال 200: هل يجوز اقتناء الطيور واتخاذها كزينة، وهل يجوز صيدها والاتجار بها؟
الجواب: حبس الطيور جائز، شرط أن تطعم وبشرط ألا يكون هذا الطير إن حبس يموت، فهنالك طيور قليلة يعرفها أهل الاختصاص إن حبست ماتت، فهذه لا يجوز حبسها، أما غيره إن حبس وأطعم فهذا أمر مشروع لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة، في المرأة التي دخلت النار في هرة ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {فلا هي حبستها فأطعمتها، ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض}، فقال غير واحد من أهل العلم، في قول النبي عنها: {فلا هي حبستها فأطعمتها}، فيه جواز حبس الحيوان إن أطعم، فلو أن رجلاً حبس شاة، أو هرة أو طيراً، فأطعمه، وانتبه إليه فهذا جائز.
وكذلك في حديث أنس في الصحيحين لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بصبي كان يلعب بعصفور في قفص، ثم رجع إليه النبي صلى الله عليه وسلم فوجده يبكي وقد طار العصفور فقال النبي له{يا أبا عمير؛ ما فعل النفير؟}فالنبي أقره، ولم يأمره ولم يأمر أهله أن يطلقوا العصفور، وهذا الحديث فيه فوائد جمة ، ألف ابن القاص الشافعي جزءاً مفرداً في فوائده، أوصلها إلى نحو الثلاثين ، وزاد عليها ابن حجر في "الفتح" أكثر من عشر فوائد، فأوصلها إلى ما يزيد على أربعين فائدة، ومن أهمها، جواز حبس العصفور، فإن جاز حبس العصفور فهو شيء محترم، فيباع ويشترى، ولا سيما أنه يؤكل، فلا حرج في المتاجرة فيه.
لكن متابعة الحمام وسرقته، وإيذاء الجيران ، والصعود على السطح، وكشف العورات، فهذه محاذير، وقد حسن ابن القيم حديثاً في كتابه "المنار المنيف" أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتبع حمامة فقال: {شيطان يتبع شيطان}، فتربية الحمام وسرقته وكشف عورات الناس والانشغال بهذا عن الواجبات والطاعات، فهذا أمر مذموم، أما مجرد حبس العصفور وإطعامه وإعطاءه حقه من غير محاذير فلا حرج..
__________________

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.


To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.
رد مع اقتباس