عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 10-28-2012, 04:31 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي ماذا بعد الحج ؟ لفضيلة الشيخ صلاح بن محمد البدير الخطيب بالمسجد النبوي الشريف. جزاه ا

ماذا بعد الحج ؟

2.

لفضيلة الشيخ صلاح بن محمد البدير
الخطيب بالمسجد النبوي الشريف. جزاه الله خيرا.

أيها المسلمون:
يا من حججتم البيت العتيق، وجئتم من كل فج عميق، ولبيتم من كل طرف سحيق، ها أنتم وقد كمل حجكم وتم تفثكم، بعد أن وقفتم على هاتيك المشاعر، وأديتم تلك الشعائر، ها أنتم تتهيؤون للرجوع إلى دياركم، فاحذروا من العودة إلى التلوث بالمحرمات، والتلفع بالمعرات، والتحاف المسبات.

﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَلَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَـاثًا [سورة النحل : 92 ].

امرأة حمقاء خرقاء، ملتاثة العقل، تجهد صباح مساء في معالجة صوفها، حتى إذا صار خيطًا سويًا ومحكمًا قويًا عادت عليه تحل شُعيراته، وتنقض محكماته، وتجعله بعد القوة منكوثًا، وبعد الصلاح محلولاً، ولم تجن من صنيعها إلا الإرهاق والمشاق.

فإياكم أن تكونوا مثلها، فتهدموا ما بنيتم، وتبددوا ما جمعتم، وتنقضوا ما أحكمتم.

حجاج البيت العتيق: لقد فتحتم في حياتكم صفحة بيضاء نقية، ولبستم بعد حجكم ثيابًا طاهرة نقية، فحذار حذار من العودة إلى الأفعال المخزية، والمسالك المردية، والأعمال الشائنة، فما أحسن الحسنة تتبعها الحسنة، وما أقبح السيئة بعد الحسنة.

أيها المسلمون: إن للحج المبرور أمارة، ولقبوله منارة، سئل الحسن البصري رحمه الله تعالى: ما الحج المبرور؟ فقال : "أن تعود زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة"، فليكن حجكم حاجزًا لكم عن مواقع الهلكة، ومانعًا لكم من المزالق المتلفة، وباعثًا لكم إلى المزيد من الخيرات وفعل الصالحات، واعلموا أن المؤمن ليس له منتهى من صالح العمل إلا حلول الأجل.

أيها المسلمون: ما أجمل أن يعود الحاج بعد حجه إلى أهله ووطنه بالخلق الأكمل، والعقل الأرزن، والوقار الأرصن، والعرض الأصون، والشيم المرضية، والسجايا الكريمة، ما أجمل أن يعود الحاج حسن المعاملة لقِعاده، كريم المعاشرة لأولاده، طاهر الفؤاد، ناهجًا منهج الحق والعدل والسداد، المضمر منه خير من المظهر، والخافي أجمل من البادي، وإن من يعود بعد الحج بتلك الصفات الجميلة هو حقًا من استفاد من الحج وأسراره ودروسه وآثاره.

أيها المسلمون: إن الحاج منذ أن يُلبي وحتى يقضي حجه وينتهي فإن كل أعمال حجه ومناسكه تعرفه بالله، تذكره بحقوقه وخصائص ألوهيته جل في علاه، وأنه لا يستحق العبادة سواه، تعرفه وتذكره بأن الله هو الأحد الذي تُسلَم النفس إليه، ويوجَّه الوجه إليه، وأنه الصمد الذي له وحده تصمد الخلائق في طلب الحاجات، والعياذ من المكروهات، والاستغاثة عند الكربات.

فكيف يهون على الحاج بعد ذلك أن يصرف حقًا من حقوق الله من الدعاء والاستعانة والذبح والنذر إلى غيره؟! وأي حج لمن عاد بعد حجه يفعل شيئًا من ذلك الشرك الصريح والعمل القبيح؟!

أيها المسلمون: أين حج لمن عاد بعد حجه يأتي المشعوذين والسحرة، ويصدق أصحاب الأبراج والتنجيم وأهل الطيرة، ويتبرك بالأشجار، ويتمسح بالأحجار، ويعلق التمائم والحروز؟!

أيها المسلمون: أين أثر الحج فيمن عاد بعد حجه مضيعًا للصلاة، مانعًا للزكاة، آكلاً للربا والرشا، متعاطيًا للمخدرات والمسكرات، قاطعًا للأرحام والغًا في الموبقات والآثام؟!.


يُتبع إن شاء الله – تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس