عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 03-20-2016, 12:19 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,646
افتراضي

وعليه فإن للنوع الثاني من السرقة أحكام يجب مراعاتها قبل الإقدام على القطع وهي :

1.
يشترط في السارق المؤاخذ على فعله؛ البلوغ والعقل؛ لما رواه علي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم) [صحيح الجامع 3512]. وأن يكون غير مالِكٍ للمسروق منه، وألا يكون له عليه ولاية، فلا يقطَع العبد إن سرق من مال سيده، وكذلك السيد إن أخذ مال عبده لا قطع بحال؛ لأن العبد وماله لسيده. ولم يقطَع أحد بأخذ مال عبده؛ لأن عبده من ماله.

2. أن يبلغ المال المسروق ربع دينار فصاعدًا وهو النصاب في حدِّ السرقة؛ لما رواه مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا) [مختصر مسلم 1043].
وأن يكون المال المسروق مالاً مباحًا حلالًا، فلا تقطع يد السارق في الكلب المنهي عن اتخاذه؛ قال ابن القاسم: [ولا يقطع سارق الكلب]. قال أشهب : ذلك في المنهي عن اتخاذه ، فأما المأذون في اتخاذه فيقطع سارقه]؛ وكذلك الخنزير؛ الخمر وآلات المعازف؛ وما شابهها من المحرمات]. [تفسير القرطبي 12 /99].

3.ويشترط أن يكون المسروق مُحَرَّزا، أي: مُخَبَّأً ومُحافَظًا عليه، فلو كان مُلقىً مُهْمَلاً غير مُحرَّز، لم تكن سَرقته سرقةً توجب إقامة الحد، وشرط القطع الإخراج من الحِرز. قال الإمام النووي رحمه الله - تعالى - في شرح مسلم (11/ 185) : [والحِرْزُ مشروط، فلا قطعَ إلا فيما سُرقَ مِن حِرز، والمُعتبَر فيه العُرْف، مما عدَّهُ أهل العُرفِ حِرزًا لذلك الشيء، فهوَ حِرْزٌ له، ومالا، فلا ...]. (1).

وهذا يتبيّن فيما يلي من أحاديث: فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه سُئل عن الثمر المعلق فقال: (من أصاب بفيهِ (2) من ذي حاجة غير متخذٍ خًبْنَة (3)، فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه؛ فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئًا بعد أن يؤويه الجَرين (4)، فبلغ ثَمَنَ المِجَن (5) فعليه القطع)، وذكر في ضالة الإبل والغنم كما ذكره غيره، قال: وسئل عن اللقطة، فقال: (ما كان منها في طريق الميتاء، أو القرية الجامعة فعرِّفها سنة، فإن جاء طالِبُها فادفعها إليه، وإن لم يأت فهي لك، وما كان في الخراب؛ يعني ففيها وفي الركاز الخمس) (حديث حسن) أخرجه أبو داود في سننه [2/ 136 رقم 1710].

وعن ابن عمرو - رضي الله عنهما -: (لا تقطع اليد في تمر معلق، فإن ضمه الجَرين، قطعت في ثمن المجن، ولا تُقطَعُ في حَريسَةِ الجبل (6)، فإذا آوى المُراح (7) قطعت في ثمن المِجَن). (حديث حسن) رواه (النسائي) انظر : [صحيح الجامع 7398]. تحقيق الألباني ‌- رحمه الله – تعالى -.

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -: أن رجلا من مُزَيْنَة أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فقال : يا رسول الله ! كيف ترى في حريسة الجبل؟ فقال: (هِيَ ومِثلُها والنَّكال، وليس في شيء من الماشية قطعٌ إلا فيما آواهُ المِراحُ فبلغَ ثمن المِجَنُّ، ففيه قطع اليد، وما لم يبلغ ثمن المِجَن، ففيه غرامة مثليه وجلداتُ نَكال) قال : يا رسول الله ! كيف ترى في الثمر المُعَلَّق ؟ قال: (هو ومِثلُهُ مَعَهُ والنَّكال، وليس في شيء من الثمر المُعَلَّقِ قطع، إلا فيما آواه الجرين، فما آخِذَ مِنَ الجَرينِ فبَلَغَ ثمن المِجَنِّ ففيه القطع، وما لم يبلغ ثمن المِجَنِّ ففيه غرامَةُ مِثْلَيْهِ وَجَلْداتُ نَكال) (حسنه شيخنا الألباني رحمه الله - تعالى – في إرواء الغليل رقم (2413) وانظر : [صحيح سنن النسائي رقم 4594].

4. تثبت السرقة إما باعتراف السارق اعترافا صريحًا دون اللجوء للتهديد أو الضرب؛ وإما بشهادةِ رَجُليْن عدليْن بأنه سرق.
ويجب عليه ضمان المال المسروق، وإعادته لصاحبه إن كان بيده، أو كان موسِرا، وإن تلف المال المسروق فهو في ذمته يؤدَّى لمن سرقه منه، فالسارق يغرم ويُقام عليه الحد جميعًا، يغرم ما أخذ من المال، ويُقام عليه الحد، هذا هو الحق الذي عليه أهلُ العلم، والحديث. وأما حديث: (إذا اقيم الحد على السارق؛ فلا غرم عليه) فإنه حديث لا يُحتجُّ به [رواه النَّسائي، وبيَّنَ أنه منقطع، وقال أبو حاتم: هو منكر. لا يصح].


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.

_____________

(1) انظر : [الموسوعة الفقهية الميسرة 6/ 80] و [الروضة الندية 2/ 595].
(2) فيه دليل على أنه إذا أخذ المُحتاج بُغيته لِسَدِّ فاقَتِه فإنه مباح. [الموسوعة الفقهية الميسرة 6/ 71 - 72].
وعن عمرو بن شعيب - رضي الله عنه - : بإسناده بهذا (قال في ضالة الشاء قال فاجمعها) (قال الشيخ الألباني : حسن) [2/ 136 رقم 1711].
(3) الخُبْنَة : مِعطف الإزار وطرف الثوب، أي : لا يأخذ منه في ثوبه.
(4) الجَرين : موضع تجفيف التمر، وهو له كالبيدر للحنطة. "النهاية".
(5) المِجَنّ : هو الترس لأنه يواري حامله، أي يستره، والميم زائدة. "النهاية".
(6) حريسة الجبل : أي : أن لها من يحرسها ويحفظها، ومنهم من يجعل الحريسة السرقة نفسها،... "النهاية". والمراد ليس فيما يُسرق من الجبل قطع، لأنه ليس بحرز.
(7) آوى المُراح : الموضع الذي يُريح الراعي إليه الماشية إذا أمسى. انظر : [غريب الحديث للهروي].
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس