عرض مشاركة واحدة
  #27  
قديم 03-26-2010, 09:30 PM
أم عائشة أم عائشة غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 282
افتراضي

قال ابنُ القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان :
"... فتدبرْ هذا، فإنّ ملاحظتَه تمنعُكَ أن ترجو المخلوقَ أو تعامِلْهُ دون الله تعالى أو تطلب منه نفعًا أو دفعًا أو تعلق قلبك به، فإنه إنما يريدُ انتفاعَهُ بك لا محض نفعك، وهذا حالُ الخلقِ كلهم بعضهم مع بعض، وهو حال الولد مع والده والزوج مع زوجه والمملوك مع سيده والشريك مع شريكه، فالسعيد من عاملهم لله تعالى لا لهم، وأحسنَ إليهم لله تعالى، و خافَ اللهَ تعالى فيهم ولم يخفهم مع الله تعالى، و رجا الله تعالى بالإحسان إليهم ولم يرجُهُم مع الله، وأحبَّهم لحبِّ الله ولم يحبهم مع الله تعالى كما قال أولياء الله تعالى: "إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا.
إنّ العبد المخلوق لا يعلم مصلحتك حتى يُعرِّفْه اللهٌ تعالى إياها ولا يَقدر على تحصيلها لك حتى يُقدره الله تعالى عليها، ولا يريدُ ذلك حتى يخلقَ اللهُ فيه إرادةً ومشيئةً, فعاد الأمرُ كله لمن ابتدأ منه، وهو الذي بيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله، فتعلّقُ القلبِ بغيره رجاءً و خوفًا و توكلا وعبودية: ضررٌ محضٌ لا منفعة فيه و ما يحصل بذلك من المنفعة، فهو سبحانه وحده الذي قدرها ويسَّرها و أوصلها إليك.
إنَّ غالبَ الخلقِ إنما يريدون قضاءَ حاجاتهم منك و إن أضرَّ ذلك بدينك ودنياك، فهم إنما غرضُهُم قضاء حوائجهم و لو بمضرتك، والربُّ تبارك وتعالى إنما يريدُكَ لك و يريد الإحسان إليك لكَ، لا لمنفعتِه، ويريدُ دفعَ الضرر عنك، فكيف تعلقُ أملك ورجاءَك وخوفَك بغيرهِ؟! و جماع هذا أن تعلم: أن الخلقَ كلهم لو اجتمعوا على أن ينفعُوَك بشي لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، و لو اجتمعوا كلهم على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى عليك، قال الله تعالى: "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون
..".
رد مع اقتباس