عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 09-26-2013, 06:00 AM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي


أخي الفاضل
عبيد 25
وجزاك الله مثله
وابشر لك ما تريد - إن شاء الله - .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

نبين في هذه المقدمة معاني مفردات عنوان البحث حتى نمهد لفهم مقاصده الكبار ومن الله التوفيق .

• [مقومات] : جمع ( مقوِّم)، وهو اسم فاعل من : قوَّم يقوِّم .
وفي اللغة : " قَوَّمْتُه : عَدَّلْتُه فهو قَويمٌ ومُسْتَقِيمٌ " (القاموس المحيط : ص/1487) . " و ( قَوَّمْتُهُ ) ( تَقْوِيماً ) ( فَتَقَوَّمَ ) بمعنى عدلته فتعدل " (المصباح المنير:2/520) .
والمقوِّم : هو كل سبب يفضي إلى استقامة ما يوصل إليه .

• [نجاح] : " النَّجَاحُ بالفتح . . . : الظَّفَرُ بالشيء " (القاموس المحيط : ص/311) ، و " يقال نَجَحَ إِذا أَصاب طَلِبَتَه " (لسان العرب : 2/611) .
فالمقصود – هنا – ظفر الأئمة والخطباء في توجيه الناس وتعليمهم بتعاطيهم الأسباب الشرعية الموصلة إلى مقصود الشارع من تكليفهم بالعمل المناط بهم .

• [الأئمة] : جمع إمام ، وهو " ما ائْتُمَّ به من رئيسٍ أو غيرِهِ " (القاموس المحيط : ص/1392) ، (لسان العرب : 12/22) .
والمراد – هنا - : " من يؤتم به في الصلاة " (التعريفات : 90) .

• [الخطباء] : " جَمْع الخَطِيب . . . ، وخَطُبَ بالضم خَطابَةً بالفَتْح صار خَطِيباً " ، و : " الخُطْبَة اسمٌ للكلام الذي يَتَكَلَّمُ به الخَطِيب " (لسان العرب :1/360) .
والمراد – هنا – : خطيب المسجد ، وهو " معروف " ( العامي الفصيح : 7/7) .

النوع الأول / مقومات الإعداد .

اعلم – وفقك الله – أن إعداد الإمام أو الخطيب نفسَه للقيام بالتكاليف الشرعية المناطة به مطلب أصلي يتوقف عليه ظفره بمقصود هذه الوظائف الشرعية .

ومقومات الإعداد : هي كل سبب – حسي أو معنوي – يتوقف عليه تمكن الإمام أو الخطيب من تحقيق مقصود تكليفه الشرعي .

فيظهر لنا من خلال ما تقدم أن مقومات الإعداد تشمل قسمين :

القسم الأول / الإعداد الحسي : وهو كل سبب يتوقف عليه تحقيق أهلية الإمام أو الخطيب العلمية .

وأهليتهما العلمية تعني صلاحيتهما من جهة العلم للقيام بالإمامة أو الخطابة ؛ فإن الإمامة والخطابة من الوظائف الشرعية التي اعتنى بها النبي – صلى الله عليه وسلم – ببيان أحكامها ، مما يجوز أو يمنع ، ومما يجب أو يستحب .

والمتأمل في النصوص الشرعية يجد أن القيام بهاتين الوظيفتين يتوقف على نسبة من العلم لا يمكن تحقيق مقصودهما إلا بها .

فمقصود الإمامة : القيام بفرض الصلاة في المساجد جماعة .

وهذا المقصود فيه مطالب لا يوصل إليها إلا بالعلم ، منها :

1. إن القيام بالصلاة على أتم الوجوه يتوقف على العلم بكيفية صلاة النبي – صلى الله عليه وسلم - .

2. إن كونها في المساجد يلزم منه معرفة أحكام المساجد .

3. إن كونها تؤدى جماعة يلزم منه معرفة أحكام إمامة الناس ، وأحكام الإمام والمؤتم.

ومقصود الخطابة : تعليم الناس وتذكيرهم .

وهذا المقصود – أيضاً – لا يوصل إليه إلا بالعلم ، مع ما سبق من مطالب تحقيق الإمامة ؛ لأن الخطيب إمام كذلك .

فظهر مما سبق أن الإمام أو الخطيب لا يصل إلى مقصود الإمامة أو الخطابة حتى يتم تأهيله العلمي للقيام بتكليفه الشرعي .

ولتحقيق هذه الأهلية في الإمام والخطيب حتى يؤديا ما انيط بهما على الوجه الذي يحقق المقصود الشرعي من هاتين العبادتين لا بد من العناية بالعلوم التالية :

أولاً / العناية بعلم التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ، وأصله تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله . وذلك بدراسة كتب العقيدة الصحيحة ، ومنها :

أ‌- القرآن ، وتدبر معناه على كتب التفسير المعتمدة كتفسير ابن كثير ، والسعدي – رحمهما الله - .

ب‌- القواعد الأربع .

ت‌- الأصول الثلاثة .

ث‌- كتاب التوحيد .

ج‌- كشف الشبهات ، وهذه الأربعة للإمام محمد بن عبد الوهاب .

ح‌- العقيدة الواسطية ، لشيخ الإسلام ابن تيمية .

خ‌- القواعد المثلى ، للعلامة ابن عثيمين .

د‌- العقيدة الطحاوية ، للطحاوي .

ونحوها من كتب أهل السنة والجماعة في العقيدة الصحيحة المبنية على الكتاب والسنة بفهم السلف الكرام من هذه الأمة .

ثانياً / العناية بتحقيق المتابعة الذي هو تجريد الطاعة للرسول – صلى الله عليه وسلم - ، وأصله تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله . وذلك بدراسة كتب السنة ، ومنها :

أ‌- الابداع في كمال الشرع وخطر الابتداع ، للعلامة ابن عثيمين .

ب‌- علم أصول البدع ، للشيخ علي الحلبي .

ت‌- صفة صلاة النبي – صلى الله عليه وسلم – من التكبير إلى التسليم كأنك تراها ، للألباني .

ث‌- إصلاح المساجد من البدع والعوائد للعلامة القاسمي .

ثالثاً / العناية بكتاب الله – تعالى – القرآن حفظاً ، وتلاوةً . وذلك

أ‌- بحفظ ما تيسر من القرآن الكريم .

ب‌- الاعتناء بكتب علم التجويد ، ومنها : ( هداية المستفيد ، و متن الجزرية ) .

رابعاً / العناية بجانب الأحكام الشرعية – عبادات ومعاملات - ؛ لأنها مقصود أصلي للرسالة النبوية ، كما قال – تعالى - : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: 56] . وذلك بدراسة كتب فقه الحديث النبوي ، ومنها :

أ‌- الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز ، للشيخ عبد العظيم بدوي .

ب‌- الروضة الندية ، للعلامة صديق حسن خان .

ت‌- سبل السلام في شرح بلوغ المرام ، للعلامة الصنعاني .

خامساً / العناية بجانب أحكام السلوك والآداب وتزكية النفوس ؛ لأنها من المقاصد الرسالية ، كما قال – تعالى - : {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[آل عمران: 164]. وذلك بدراسة كتب الحديث الجامعة للآداب والسلوك ، ومنها :

أ‌- الأربعون النووية .

ب‌- رياض الصالحين ، كلاهما للنووي .

ت‌- الترغيب والترهيب ، للمنذري .

سادساً / الكتب التي تتناول جانب السيرة النبوية ، والشمائل المحمدية التي تعرف العباد بالنبي – صلى الله عليه وسلم – من جهة نسبه ونشأته وأيامه . . . إلخ ، وذلك بدراسة كتب السيرة النبوية ، ومنها :

أ‌- الفصول في السيرة لابن كثير .

ب‌- الرحيق المختوم ، للمباركفوري .

ت‌- زاد المعاد ، للعلامة ابن القيم .

سابعاً / العلوم الأخرى التي تمكن الإمام والخطيب من البيان الواضح ، واللغة السليمة ، والحجة المتينة . وذلك بدراسة كتب علوم الآلة ، ومنها :

أ‌- في اللغة : ( متن الآجرومية لابن آجروم ، وقطر الندى لابن هشام ) .

ب‌- في مصطلح الحديث : ( البيقونية للبيقوني ، والباعث الحثيث لابن كثير ) .

ت‌- وفي أصول الفقه : ( متن الورقات ، للجويني ، والمذكرة للشنقيطي ) .

وما ذكرناه في هذا الباب هو على سبيل المثال ، والمقصود منه الوقوف على أوليات هذه العلوم ، وأن يكون الإمام والخطيب على دراية تامة بما لا يسعه جهله ، لينهض بواجبات ما تقصده من الإمامة والخطابة على وجه يحقق فيه مقصود هاتين العبادتين الجليلتين .

تنبيه : طريقة مقترحة في مقدمات نافعة لإعداد الخطب تعتمد الخطوات التالية :

اجعل لك ( كراسة ) خاصة تكتب فيها ما يتعلق بالخطب ، وذلك من خلال مطالعتك وسماعك وقراءتك في الكتب ، فتدون كل ما يمر بك مما تراه مناسباً للخطبة من الفوائد واللطائف ونحوها ، فستتجمع عندك مادة نافعة تمد بها خطبك ومحاضراتك .

اجعل لك مكتبة خاصة بالخطب تضع فيها كل ما يمر بك من المطويات والكتيبات والرسائل والكتب مما تراه يخدمك في الخطبة ، فمثلاً تجد بعض المطويات قد تناول كاتبها مسألة من المسائل وأجاد فيها حتى صارت مناسبة ًأن تجعلها خطبة نافعة .

اجعل لك ( كراسة صغيرة ) تكتب فيها عناوين الخطب التي تخطر في ذهنك أو يقترحها عليك غيرك أو يمر بك موقف أو تسمع به وترى ضرورة تنبيه الناس عليه .

لأن هذه الخواطر والمقترحات والمشاهدات هي ما يحتاجه المجتمع ، وفي الحقيقة غالباً ما تكون كالدواء يصيب موضع الداء .

ومن المناسب ألا تكتب العنوان فقط بل تكتب ما يتعلق بالموضوع من جهة أدلته وطريقة استهلاله والنكت اللطيفة المناسبة له مما خطر في ذهنك أو اقترح عليك .

القسم الثاني / الإعداد المعنوي : هو كل سبب قلبي تتوقف عليه هداية التوفيق إلى العمل الصالح .
لقد ذكرنا في الإعداد الحسي ما يتعلق بهداية التوفيق إلى العلم والبيان ، وهو إعداد الإمام أو الخطيب نفسه من جهة العلم بأخذه من مشكاة النبوة : الكتاب والسنة الصحيحة بفهم سلف الأمة ، فإذا أخذ هذه العلوم وعرفها معرفة تامة فقد هدي إلى العلم والبيان .

ولا بد له – أيضاً – من إعداد نفسه بإصلاح قلبه من جهة القصد والإرادة حتى يوفق إلى العمل ، وذلك بالعناية بالأعمال القلبية التي توجب توفيقه وتسديده فيما تقصده من وظائف الإمامة والخطابة .
والأعمال القلبية التي تتوقف عليها هداية التوفيق والعمل تشمل ثلاثة أنواع :

النوع الأول / محركات القلب .

قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : " اعْلَمْ أَنَّ مُحَرِّكَاتِ الْقُلُوبِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلَاثَةٌ : الْمَحَبَّةُ وَالْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ . وَأَقْوَاهَا الْمَحَبَّةُ وَهِيَ مَقْصُودَةٌ تُرَادُ لِذَاتِهَا لِأَنَّهَا تُرَادُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِخِلَافِ الْخَوْفِ فَإِنَّهُ يَزُولُ فِي الْآخِرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } وَالْخَوْفُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الزَّجْرُ وَالْمَنْعُ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الطَّرِيقِ فَالْمَحَبَّةُ تَلْقَى الْعَبْدَ فِي السَّيْرِ إلَى مَحْبُوبِهِ وَعَلَى قَدْرِ ضَعْفِهَا وَقُوَّتِهَا يَكُونُ سَيْرُهُ إلَيْهِ وَالْخَوْفُ يَمْنَعُهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ طَرِيقِ الْمَحْبُوبِ وَالرَّجَاءُ يَقُودُهُ فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ يَجِبُ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَنْ يَتَنَبَّهَ لَهُ فَإِنَّهُ لَا تَحْصُلُ لَهُ الْعُبُودِيَّةُ بِدُونِهِ وَكُلُّ أَحَدٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ .
فَإِنْ قِيلَ فَالْعَبْدُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ قَدْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ مَحَبَّةٌ تَبْعَثُهُ عَلَى طَلَبِ مَحْبُوبِهِ فَأَيُّ شَيْءٍ يُحَرِّكُ الْقُلُوبَ ؟
قُلْنَا يُحَرِّكُهَا شَيْئَانِ :
- أَحَدُهُمَا : كَثْرَةُ الذِّكْرِ لِلْمَحْبُوبِ لِأَنَّ كَثْرَةَ ذِكْرِهِ تُعَلِّقُ الْقُلُوبَ بِهِ وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالذِّكْرِ الْكَثِيرِ فَقَالَ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } الْآيَةَ .
- وَالثَّانِي : مُطَالَعَةُ آلَائِهِ وَنَعْمَائِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } وَقَالَ تَعَالَى { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } . وَقَالَ تَعَالَى { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً } وَقَالَ تَعَالَى { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا }
فَإِذَا ذَكَرَ الْعَبْدُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ تَسْخِيرِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْأَشْجَارِ وَالْحَيَوَانِ وَمَا أَسْبَغَ عَلَيْهِ مِنْ النِّعَمِ الْبَاطِنَةِ مِنْ الْإِيمَانِ وَغَيْرِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عِنْدَهُ بَاعِثًا .
وَكَذَلِكَ الْخَوْفُ تُحَرِّكُهُ مُطَالَعَةُ آيَاتِ الْوَعِيدِ وَالزَّجْرِ وَالْعَرْضِ وَالْحِسَابِ وَنَحْوِهِ .
وَكَذَلِكَ الرَّجَاءُ يُحَرِّكُهُ مُطَالَعَةُ الْكَرَمِ وَالْحِلْمِ وَالْعَفْوِ وَمَا وَرَدَ فِي الرَّجَاءِ وَالْكَلَامِ فِي التَّوْحِيدِ وَاسِعٌ
" (مجموع الفتاوى : 1/95 – 96) .

النوع الثاني / أركان العبودية والتوحيد .

وهما : الإخلاص والصدق فعليهما يبنى صرح الإسلام والإيمان ، وبتحقيقهما ينتفي عن العبد : الكفر والشرك والنفاق .

فالإخلاص : توحيد المراد بأن لا يبتغي العبد بعمله إلا وجه الله .

فإذا داخل الداعية حظ من حظوظ نفسه، وكان ينطلق في دعوته إلى تحصيل مراد من مرادات نفسه وحظوظها ، فلا شك أن دعوته سوف تفشل ؛ لأنه خالطها شوب من الرياء والشرك، وما كان نصيبه الرياء والشرك فإنه باطل ذاهب لذلك " قال الله - تعالى -: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ".( ) وفي رواية عند ( ابن ماجه ) :" فأنا منه بريء وهو للذي أشرك".( )

وعَنْ أَبِي سَعْدِ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :"إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ نَادَى مُنَادٍ مَنْ كَانَ أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلَّهِ فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ".( )

والصدق : توحيد الإرادة بأن لا يتشتت همه ولا يتفرق طلبه إلا في هم الآخرة .

وحقيقة الصدق : أن يؤدي العمل بجد بلا فتور ولا كسل .

قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : " وَالصِّدْقُ وَالْإِخْلَاصُ هُمَا فِي الْحَقِيقَةِ تَحْقِيقُ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ فَإِنَّ الْمُظْهِرِينَ لِلْإِسْلَامِ يَنْقَسِمُونَ إلَى مُؤْمِنٍ وَمُنَافِقٍ وَالْفَارِقُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْمُنَافِقِ هُوَ الصِّدْقُ فَإِنَّ أَسَاسَ النِّفَاقِ الَّذِي يُبْنَى عَلَيْهِ هُوَ الْكَذِبُ ؛ وَلِهَذَا إذَا ذَكَرَ اللَّهُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ نَعَتَهُ بِالصِّدْقِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا } إلَى قَوْلِهِ : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } " .

إلى أن قال : " وَأَمَّا الْإِخْلَاصُ فَهُوَ حَقِيقَةُ الْإِسْلَامِ إذْ ( الْإِسْلَامُ ) هُوَ الِاسْتِسْلَامُ لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ } الْآيَةَ . فَمَنْ لَمْ يَسْتَسْلِمْ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْبَرَ وَمَنْ اسْتَسْلَمَ لِلَّهِ وَلِغَيْرِهِ فَقَدْ أَشْرَكَ وَكُلٌّ مِنْ الْكِبْرِ وَالشِّرْكِ ضِدُّ الْإِسْلَامِ وَالْإِسْلَامُ ضِدُّ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ . " (مجموع الفتاوى :10/11 – 15) .

النوع الثالث / سلطان القلوب وجنوده : وهو الإيمان واليقين وشعبه .

قال ابن القيم – رحمه الله - : " فمن جندها (أي، النفس المطمئنة) وهو سلطان عساكرها وملكها : (الإيمان واليقين ) ، فالجيوش الإسلامية كلها تحت لوائه ، ناظرة إليه إن ثبت ثبتت ، وإن انهزم ولت على أدبارها .

ثم أمراء هذا الجيش ومقدمو عساكره (شعب الإيمان المتعلقة بالجوارح) على اختلاف أنواعها : كالصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والجهاد ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ونصيحة الخلق ، والإحسان إليهم بأنواع الإحسان .

(وشعبه الباطنة المتعلقة بالقلب) : كالإخلاص ، والتوكل ، والإنابة ، والتوبة ، والمراقبة والصبر ، والحلم ، والتواضع ، والمسكنة ، وامتلاء القلب من محبة الله ورسوله ، وتعظيم أوامر الله وحقوقه ، والغيرة لله ، وفي الله ، والشجاعة ، والعفة ، والصدق ، والشفقة ، والرحمة وملاك ذلك كله : (الإخلاص والصدق ) .

فلا يتعب ( الصادق المخلص ) فقد أقيم على الصراط المستقيم فيسار به ، وهو راقد .

ولا يتعب من ( حرم الصدق والإخلاص ) فقد قطعت عليه الطريق ، واستهوته الشياطين في الأرض حيران ؛ فإن شاء فليعمل ، وإن شاء فليترك فلا يزيده عمله من الله إلا بعداً .

وبالجملة فما كان ( لله ) ، ( وبالله ) فهو من جند النفس المطمئنة
" (الروح :ص/226 – 227) .

فالعدة الإيمانية من أعظم الأسباب المعينة للأئمة والخطباء للقيام بالمهام العظيمة المناطة بهم ، وهي أسباب جالبة لتوفيقهم في أعمالهم الشرعية من إعطاء الإمامة والخطابة حقهما علماً وعملاً .


( يتبع . . . ) - إن شاء الله - .


رد مع اقتباس