عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 09-27-2011, 09:26 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

المهم، دعونا من الفكر التحزُّبي، واتركوا الإيمان يجيبُ عن هذا السُّؤال.
هل تتصوَّرون رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم- يُنشدُ، أو يغنِّي؟
وإن كنتم -حقيقةً- تبحثون عن البديل؟ فهأنذا أقدِّم لكم البديل.
لقد ذكر ابنُ تيمية -عليهِ رحمةُ اللهِ- سماعَ الصحابة رَضيَ اللهُ-تعالَى-عنهُم-، وسماعَ الأنبياءِ -عليهم الصَّلاةُ والسَّلام-؛ فقرَّر أن هؤلاءِ الصالِحين ما كانُوا ليستمِعوا سِوى للقرآن الكريم، سِوى لآيات الله -عزَّ وجلَّ-، كما قال اللهُ -عزَّ وجلَّ-: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا }.
فمَن أراد أن يكونَ مِن أتباع الأنبياءِ؛ فما عليه إلا أن يكونَ سمعُه كما كان سمعُ الأنبياءِ -عليهم الصَّلاة والسَّلامُ-، وكذلكم الصَّحابةُ الكرامُ -رَضيَ اللهُ-تعالَى-عنهُم-، وقد قال الله -عزَّ وجلَّ-: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا}، وقال الله -عزَّ وجلَّ-: {فَبَشِّرْ عِبَادِ - الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}، وقال الله -عزَّ وجلَّ-: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ}، وقال الله -عزَّ وجلَّ-: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ - قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} الآيات الكريمة.
فهؤلاء -كلُّهم- لا يزيد اللهُ -تَعالى- على أن يذكرَ شيئًا مما يَسمعونَ إليه ويتسمَّعون إليه سِوى كلام الله -عزَّ وجلَّ-؛ فهلَّا اقتديتُم بهؤلاء؟!
ولذلك يقول محمَّد بن واسعٍ -عليهِ رحمةُ اللهِ-: «القرآنُ بُستانُ العارِفين، حيثُما حَلُّوا به حلُّوا في نُزهة».
وقال الحسنُ -عليهِ رحمةُ اللهِ-: «تفقَّدوا الحلاوةَ في الصَّلاةِ وفي القرآنِ وفي الذِّكر، فإن وجدتُموها؛ فامضُوا، وإن لم تجدوها؛ فاعلموا أن البابَ مُغلَق».
ألا فاتَّقوا الله -يا مَن ابتُليتُم بالأناشيد!-!
يُقرِّر -ههنا- الحسنُ -عليهِ رحمةُ اللهِ- أنَّ هذا القرآنَ الكريم، وهذا الذِّكرَ، وهذه الصَّلاة؛ هم حلاوةُ المؤمن، هم راحةُ المؤمن، فإن وجدتُم حلاوتَكم في هذه المذكوراتِ؛ فاعلموا أنَّكم في الطَّريقِ؛ فامضُوا إلى الله -عزَّ وجلَّ-، وإن لم تَجِدوا هذه الحلاوةَ؛ فاعلموا أن البابَ بينكم وبين الله -تَعالى- مُغلقٌ!
فما ندري ونحنُ اليومَ قد وجدنا حلاوةً عظيمةً في هذه الأناشيد، وما وجدناها في القرآنِ المجيد!
ألمرضٍ في قلوبِنا؟!
أم لِتعوُّدِنا على هذا الكلام؟!
نسأل الله -تَعالى- أن يشرحَ صُدورَنا لكتابِه الكريم.
إنه -واللهِ-تعالى- لو صدقنا مع ربِّنا؛ لكفانا كتابُه، ولحُزنا أعظمَ حيازةٍ بهذا الكتابِ الكريم.
لقد ذكر ابنُ القيِّم -عليهِ رحمةُ اللهِ- حديثًا قال فيه: «حديثٌ يُزيلُ الهمَّ والغمَّ»، ولقد صدق -رضي اللهُ -تَعالى-عنهُ-.
فعن عبد الله بنِ مسعودٍ -رَضيَ اللهُ عنهُ- قال: قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم-: «ما أصابَ أحدًا قطُّ همٌّ ولا حزنٌ؛ فقال: اللهمَّ! إني عبدُك وابنُ عبدِك وابنُ أمتِك، ناصيتي بِيدِك، ماضٍ فيَّ حُكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألكَ بكلِّ اسمٍ هو لكَ، سمَّيتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أن أنزلتَه في كتابِك، أو استأثرتَ به في عِلم الغيبِ عندك؛ أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاءَ حَزَني، وذهاب همِّي؛ إلا أذهب اللهُ همَّه وحَزَنه، وأبدله مكانَه فرجًا».
هذا دُعاءٌ صالِحٌ لكلِّ مَن أصيبَ بالهمِّ، لا يلجأ إلى أنشودةٍ ولا أغنيةٍ؛ بل يلجأ إلى ربِّ البريَّة، يدعو بهذا الدُّعاء، كلُّ هذه المقدِّمة العظيمةِ؛ إنَّما هي لأجل أن يقولَ: (يا ربِّ! اجعل القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وذهابَ همِّي، وجلاءَ حزني).
هذا الدُّعاءُ كلُّه؛ لأجل أن يحصل لنا من النَّفعِ بهذا القُرآنِ الكريم ما قد سمعتُم.
ولهذا: لما سمعَ الصَّحابةُ هذا الدعاء، قالوا: يا رسول الله! ألا نتعلَّمها؟ قال: «بلى؛ يَنبغي لمَن سمعها أن يتعلَّمها» رواهُ أحمد -وهو صحيح-.
ويعلم اللهُ -تَعالى- أنني ما جرَّبتُ هذا الدَّعاءَ في مناسبةٍ؛ إلا وقد أفاد ونجح، هذا على تقصيري، وقِلَّة زادي، وكثرة عصياني، فكيف لو جرَّب الصَّالِحون هذا الدُّعاء؟ بل لقد جرَّبوه، ورأوا منه العجائبَ؛ وإنَّما أقولُ هذا مِن باب: {وأمَّا بنعمةِ ربِّك فحَدِّثْ} -أوَّلًا-، ومن بابِ: {وحرِّضِ المُؤمِنينَ} -ثانيًا-.
واللهِ؛ إنَّ القرآنَ الكريمَ لبُستانُ العارِفين.
فقد ذكر محمَّد بن نصرٍ ترجمةً حافلةً لحفصةَ بنتِ سيرين -عليها رحمةُ اللهِ-، العابدةُ الزَّاهدةُ، التي كانت تقومُ من الليلِ ما يعجزُ عنه عشراتُ الرِّجال، كانت تقومُ الليلَ، وهي التي لم تَخرجْ مِن مُصلَّاها ثلاثينَ سَنةً، لا تخرجُ إلى غرفتِها إلا لحاجةٍ أو لقائلةٍ، فهي التي كانت تقول: «يا معشَرَ الشَّباب! خُذُوا من أنفسِكم وأنتم شَباب، فإنِّي -واللهِ- ما رأيتُ العملَ إلا في الشَّبابِ»، وقد قرأتِ القرآنَ وهي بنت ثِنتي عشرة سَنة، وماتت وهي بنتُ تِسعين.
وقد ذكر عن ابنِها الهُذَيل -عليهِ رحمةُ اللهِ-، أنه كان يجمعُ الحطبَ في الصَّيف، فيدَّخره لأمِّه لفصلِ الشِّتاء إذا برد، فيأتي بذلك القصبِ، وذلك الخشب، فيوقِده وهي تصلِّي، ويجيءُ بينها وبين دُخان النَّار حتى لا يُصيبَها، وكان يبقى كذلك حتى تُنهيَ صلاتَها، وهو يُدْفئُها في مكانِها، فكانت تقول -هي-: «فكَّرتُ يومًا أن أنصحَه بأن يرجعَ إلى بيتِه؛ لأنَّه يملكُ مَن يُغنيهِ عن هذا العمل»؛ لم؟ لأن ابنَها كان متزوِّجًا، وله من الأبناءِ مَن يمكنُه أن يعملَ هذا العمل، لكنها قالت: «فذكرتُ ما يُريد مِن الأجر؛ فتركتُه».
ففي يومٍ من الأيام تُوفِّي ابنُها، ورزقها الله -تباركَ وتعالى- مِن الصبرِ ما رزقها؛ إلا أنها قالتْ: «كنتُ أجدُ عضَّة لا تذهب»، أي: كانت صابرة، لكن: كلما ذكرتْه تجد حزنًا عظيمًا، قالت: «فبينا أنا ذات ليلةٍ أقرأ سورةَ النَّحل؛ إذ أتيتُ على هذه الآية: { وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، قالت: «فأخذتُ أكرِّر هاتَين الآيتين»، ذكرتْ أن ما عند الله -تباركَ وتعالى- خيرٌ لها، ذكرت أن الله -تباركَ وتعالَى- هو الباقي، وأن غيرَه نافدٌ، ميتٌ، راجعٌ إلى الله -عزَّ وجلَّ-؛ فتَذكُر أنَّها -واللهِ- ما نفح عن قلبِها، وأذهب حُزنَها إلا هاتان الآيتان.
لم ذلك؟ لأنَّها كانت تحفل بالقُرآن الكريم، كانت تفرحُ بالقرآنِ الكريم، وهذا هو الذي أيَّدها ربُّها -تَبارك وتَعالى- به.


يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس