عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-19-2020, 02:02 PM
أبو العباس أبو العباس غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 791
افتراضي نعم يا غلاة التجريح! مات (شيخنا الحلبي) الذي أوجعتكم سياط حقه

بسم الله الرحمن الرحيم

نعم يا غلاة التجريح! مات (شيخنا الحلبي) الذي أوجعتكم سياط حقه

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد ...
ما كنت أظن أني سأكتب في شيخنا الحلبي أرثيه, ولا أني سأقول فيه –رحمه الله- عوظا عن –حفظه الله-, ولا أني سآتيه في قبره بدل زيارتي له في منزله مقبِّلا جبينه كعادتي معه إذا لقيته؛ لعظيم فضله ومنته عليّ وعلى كثير من السلفيين في العالم اليوم, ولكنه قدر الله جار في الصغير والكبير, والصحيح والسقيم, والشريف والوضيع.

مات الشيخ وترجل عن صهوة جواده الذي ما كان يسمع همهمة بشرك أو كفر أو بدعة أو غلو او تحريف إلا واعتلاه غازيا أهل الباطل يذب عن حياض الإسلام والسنة والسلفية, ويرميهم بما يسره الله من كتب ومقالات, ودورات, وندوات, ومناظرات, ومقابلات -صحفية وتلفازية-, وبمنشورات متنوعة عبر وسائل التواصل المختلفة, ولقاءات متنوعة مع مختلف أصحاب العلاقة في القضايا المعنية, وجهوده هذه لا يوفيها حقها مهما كتب فيها, فهي ثمرة أربعين عاما من الدعوة إلى الله والجهاد في سبيل نشر دينه والذب عنه بالكلمة واللسان في مختلف أصقاع المعمورة, وإني والله لأرجو لشيخنا الحلبي ان يكون ممن قال فيهم النبي (صلى الله عليه وسلم) : [من خير معاش الناس لهم، رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلما سمع هيعة، أو فزعة طار عليه، يبتغي القتل والموت مظانه] مسلم.

موقف المداخلة من وفاة شيخنا الحلبي, وإخوانه المشايخ:

فجهاد أعداء الله بالسيف هو مظنة موت البدن بأيدي أعداء الدين, والتصدي للمبطلين بالكلمة والقول هو مظنة موت المتصدي عند المعاندين من أهل الباطل حيث لا ينتفعون منه بشيء, وبخاصة إن كان المخالفون من أمثال (المداخلة) الذين هم من :

- أسرع الناس إلى تسقيط مخالفيهم من أهل العلم والسنة, واستباحة أعراضهم, والطعن فيهم, وتشويه سمعتهم, وهدم مكانتهم, والسعي في محو علومهم وآثارهم, فيقتلوهم في عقولهم –هم-, ويميتوهم في قلوبهم –هم- قبل موتهم حقيقة؛ ولهذا هم يكررون –في مخالفيهم- دوما عبارة: (فلان مات من زمان) إدراكا منهم لحقيقة أن تسقيط العالم بمنزلة قتله؛ وهم لما أماتوه –وإخوانهم من علماء السنة- استبدلوهم بأغمار مجاهيل يفتونهم –عبر النت- بأهوائهم فيضلوهم عن سواء السبيل, مصداق قول النبي (صلى الله عليه وسلم): [إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جهال، يستفتون فيفتون برأيهم، فيضلون ويضلون] رواه البخاري.
- أفرح الناس بموت العلماء المخالفين لهم, مع أن: (موت العالم ثلمة في الإسلام) –كما قال الحسن البصري-, وشيخنا الحلبي قد شهد له الأكابر الفحول بأنه من (أهل العلم والسنة).
- أحرص الناس على الإيغال في الطعن بمخالفيهم من الأموات, مع أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: [إذا ماتَ صاحِبُكم فدَعُوه، لا تَقَعوا فِيهِ]. رواه أبو داود.
- أشمت الناس بموت المخالفين, مع أن موت العالم مصيبة توجب الاعتبار والتفكر, والاستعداد للرحيل بحسن العمل, وترك الخصومات والمجادلات والطعونات.
فيا لله ما هذه العقول المغلقة التي لا تستوعب ما في الكتاب والسنة وآثار السلف من أدب الخلاف وأصول التعامل مع المخالف –حيا كان أو ميتا-, بل ما تلك القلوب القاسية التي لا تعتبر بمصيبة الموت, ولا تتفكر أنها توغل في خصومة من لا سبيل إلى استحلاله إلى بين يدي الجبار جل شأنه.
ومع أن هؤلاء المخاليق قد أفل ذكرهم, وتشتت جمعهم, وتفرق صفهم, وصار بعضهم يطحن بعضا, ويفرح أحدهم بموت صاحب أمسه, بل يظهر الشماتة فيه, بل لعل بعضهم يتقرب إلى السلاطين الظلمة بالوشاية بإخوانه الذين خالفهم وخالفوه في بعض مواقف الشيخ ربيع, لكن بيان سوء حالهم –في هذه المسألة وغيرها- مطلوب من باب رد شبهات أهل الباطل لئلا يشغبوا على أهل الحق.

وجه انحراف المداخلة في هذه المسألة:

وكل من يعلم أحوال القوم يدرك أن فيهم شوبا من السير على خطى الخوارج, حيث يعمدون إلى آثار سلفية قيلت في الفرح بهلاك رؤوس أهل البدع الاعتقادية الكبرى؛ فينزلونها بآرائهم على مخالفيهم من علماء اهل السنة والجماعة, ومن ذلك –في هذا المقام-:
- فرح علي بن أبي طالب بقتل (آية الخوارج وعلَامتهِم) (ذو الثدية حرقوص بن زهير البجلي).
- فرح المسلمين بمقتل خالد القسري للجعد بن درهم, وهو رأس الجهمية, ومؤسسها الأول, وعنه تلقى الجهم بن صفوان مقالة التعطيل.
- فرح بشر بن الحارث بهلاك بشر المريسي رأس الجهمية, كما قال: (جاء موت هذا الذي يقال له المريسي وأنا في السوق؛ فلولا أنه كان موضع شهرة لكان موضع شكر وسجود. الحمد لله الذي أماته هكذا قولوا).
- وصح عن عبد الرزاق الصنعاني أنه لما جاءه نعي عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد وهو من رؤوس الإرجاء قال: (الحمد لله الذي أراح المسلمين منه).
- فرح أهل السنة بهلاك ابن أبي دؤاد رأس المعتزلة في بغداد, كما قال ابن شراعة البصري:
فرحت بمصرعك البرية كلها *** من كان منها موقنا بمعاد.
- فرح الإمام أحمد بن حنبل بما يصيب أصحاب بن أبي دؤاد المعتزلة القائلين بخلق القرآن الذين امتحنوا لخلق به, وأفتوا بتكفير مخالفيهم واستحلال دمائهم, وقال: (ومن لا يفرح بهذا؟! هؤلاء أرادوا تبديل الدين).
- وقال ابن كثير في البداية والنهاية " ( 12 / 338 ) فيمن توفي سنة 568 هـ : (الحسن بن صافي بن بزدن التركي ، كان من أكابر أمراء بغداد المتحكمين في الدولة، ولكنه كان رافضيّاً خبيثاً متعصباً للروافض، وكانوا في خفارته وجاهه ، حتى أراح الله المسلمين منه في هذه السنَة في ذي الحجة منها ، ودفن بداره ، ثم نقل إلى مقابر قريش ، فلله الحمد والمنَّة, وحين مات فرح أهل السنة بموته فرحاً شديداً ، وأظهروا الشكر لله ، فلا تجد أحداً منهم إلا يحمد الله).
قلت: والمتأمل فيما تقدم من أمثلة ونحوها, لا ينبغي له أن يغفل عن جملة أمور, ومن أهمها:

أولا: أن الهلكى الذين فرح أئمة السنة بموتهم كانوا جميعا رؤوسا في البدع الاعتقادية الكبرى المخالفة للكتاب والسنة, ولما أجمع عليه سلف الأمة؛ كبدع: (الرفض, والاعتزال, والتجهم, والإرجاء, والخروج), مما لا يختلف في كونه بدعة موجبة للإخراج من دائرة أهل السنة والجماعة, فشتان بين هؤلاء وبين من يفرح المداخلة بموتهم من مشايخ الدعوة السلفية الذين غاية ما عندهم مخالفتهم للشيخ ربيع في أحكامه على خصومه ومواقفه منهم.
ثانيا: أن كل طائفة فيها من يفرح لموت رموز نقيضتها, ولهذا كان من أبرز سمات أهل البدع فرحهم بموت علماء أهل السنة والجماعة, ونشرهم ذلك في المحافل, كما هو مشاهد معلوم, وفي مقدمهم الرافضة الذين يفرحون بموت رموز أهل السنة, كفرحهم بمقتل أمير المؤمنين عمر, ويجعلون يوم مقتله عيدا يحتفلون به كل عام, والمداخلة في صنيعهم بإعلانهم الفرح بموت شيخنا الحلبي وإخوانه من مشايخ أهل السنة والجماعة هم أشبه بأهل البدع, من مشابهتهم لأهل السنة والجماعة, وذلك لان شيخنا الحلبي من علماء اهل السنة والجماعة بشهادة الأكابر وتزكيتهم له, ولا يفرح بموت أمثال هؤلاء إلا من كان من أهل البدع.
ثالثا: إن طبيعة البشر ميالة للفرح بزوال من كان يؤذيها سواء بحق أو بباطل؛ إما بذهاب سلطانه وسطوته, أو حتى بموته وهلاكه, ومن هذا الباب –ما يروى في كتب التاريخ-: فرح يزيد بمقتل الحسين رضي الله عنه, وفرح الحجاج بمقتل عبد الله بن الزبير, ومثله فرح أهل السنة والإيمان بهلاك الحجاج وموته, وشيخنا الحلبي ممن أجاد في جلد ظهور غلاة التجريح –بالحق- طوال سنوات مضت, وكشف عوار منهجهم, وتهافته, حتى رجع عنه الكثيرون افرادا وجماعات, بما آلم غلاة التجريح وأوجعهم, فكان من الطبيعي جدا إظهارهم الفرح والسرور بموته, فعلى شدة الألم يكون مقدار إظهار الفرح بزوال سببه.
رابعا: لا عبرة بفرح العوام بموت الأعلام, ولا عبرة بتصرفاتهم, بل هو مظنة الانحراف عن جادة الصواب, وحسبنا أن نعلم أن عواما من أئمة السنة كانوا يظهرون الفرح والسرور في يوم عاشورا الذي قتل فيه الحسين, مناقضة منهم للرافضة الذين يظهرون الحزن بمقتل الحسين رضي الله عنه؛ وهذا الفرح بهلاك أئمة السنة الذين يعظمهم المبتدعة من البدع التي أنكرها أئمة الإسلام كشيخ الإسلام ابن تيمية الذي قال في منهاج السنة النبوية (4\554-555) : (وصار الشيطان بسبب قتل الحسين - رضي الله عنه - يحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء..., وكذلك بدعة السرور والفرح.
وكانت الكوفة بها قوم من الشيعة المنتصرين للحسين، وكان رأسهم المختار بن أبي عبيد الكذاب، وقوم من الناصبة المبغضين لعلي - رضي الله عنه - وأولاده، ومنهم الحجاج بن يوسف الثقفي..., فأحدث أولئك الحزن، وأحدث هؤلاء السرور..., وهذه بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل على الحسين - رضي الله عنه - وتلك بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل له، وكل بدعة ضلالة ولم يستحب أحد من أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم لا هذا ولا هذا).
فسؤالنا للمداخلة: مَن مِن العلماء الاكابر الثقات أجاز لكم إظهار الفرح والسرور بموت: شيخنا الحلبي, وإخوانه من المشايخ, وطلبة العلم السلفيين المخالفين لكم في اجتهادكم, وإلا فأنتم لا تخرجون هن رتبة العوام, وصنيعكم يؤكد حالكم هذا.
خامسا: إن إظهار الفرح والسرور بموت المخالفين –مع القول بجوازه عند قيام سببه وموجبه الشرعي- ليس من صفات الفتوة, وهي من منازل العبودية, وحقيقتها ما قرره ابن القيم في مدارج السالكين (2/ 323): (الإحسان إلى الناس, وكف الأذى عنهم, واحتمال أذاهم, فهي استعمال حسن الخلق معهم؛ فهي في الحقيقة نتيجة حسن الخلق واستعماله.., وهذه منزلة شريفة، لم تعبر عنها الشريعة باسم الفتوة بل عبرت عنها باسم مكارم الأخلاق كما في حديث يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم [إن الله بعثني لأتمم مكارم الأخلاق]) .
وقد مثل ابن القيم –رحمه الله- لصفة الفتوة في مقام الموقف من موت المخالفين بصنيع شيخ الإسلام ابن تيمية, حيث قال في مدارج السالكين (2/ 328) : (وما رأيت أحدا قط أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه, وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، وكان يدعو لهم.
وجئت يوما مبشرا له بموت أكبر أعدائه، وأشدهم عداوة وأذى له. فنهرني وتنكر لي واسترجع. ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم، وقال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه. ونحو هذا من الكلام. فسروا به ودعوا له. وعظموا هذه الحال منه. فرحمه الله ورضي عنه).
وقال فيه ابن مخلوف المالكي: (ما رأينا أفتى من ابن تيمية؛ سعينا في دمه، فلما قدر علينا عفا عنا).
لكن أنى لأمثال غلاة التجريح هذا الخلق العالي الرفيع, الذي امتاز به شيخنا –رحمه الله- لعلو همته, وسمو مكانته, واقتدائه بآثار من سبقه.

شيخنا الحلبي على خطى شيخ الإسلام يسير:
فهذا الموقف من شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- تجاه مخالفيه, قد شابهه فيه شيخنا الحلبي في موقفه من وفاة الشيخ ابن جبرين الذي اشتهر عنه تأييده للطاعنين في الشيخ الحلبي الذي كتب وقالا بمناسبة وفاة الشيخ ابن جبرين وردّ فيه على من يطعنون بالشيخ بعد وفاته في مقال بديع عنونه (وفاةُ الشيخ ابن جِبْرين , والمُحافظةُ على ( منهج السلَف ) العَدْل الأَمين), حيث قال فيه: (
(مِمّا اشْتُهر عن أئمّة السلَف قولُهُم : ( موت العالِم ثُلْمَةٌ في الإسلام لا يسدُّها شيءٌ - ما اختلفَ الليلُ والنهار - )."سُنن الدارمي"( 423).
ولا يَشُكُّ عاقلٌ – ولا أقول : عالمٌ – أنَّ العُلَماءَ درجاتٌ؛ درجاتٌ قي علمِهم , درجاتٌ في مكانتهم , درجاتٌ في قُدُراتهم-وهكذا-...
ولمّا كان العلماءُ بَشَراً مِن البَشَر – يُخطئون ويُصيبون , يعلمون ويجهلون - كان نَقْدُهم وانتقادُهم - بأدب العلم , وخُلُق الحِلْم - بابَ خيرٍ لهم ؛ يُتَمِّمُ نقصَهم , ويُكَمِّلُ فضلَهم ؛ ولا يكون - كيفما كان الأمرُ – بابَ انتقاصٍ لهم , أو طريقَ طعنٍ فيهم ...
ولئِن خَطِئَ بعضُ الناسِ معنى ( التقدير ) فجعلوه ( تقديساً ! ) ؛ فإنَّ هذا – بالمقابل – لا يجوز أن يجعلنا – مُضادَّةً , أو مُوافقَةً ! - نُهْدِرُ الحقوق , ونُضَيِّع الحقائق ؛ مُواقِعين للإسقاط الباطلِ بالباطل!
وهذه المعاني السابِقةُ – كلُّها – تمثَّلَتْ وَاقِعاً مشهوداً - لكُلِّ مُراقِبٍ (مُنصفِ) - وللأسف!-حالَ وفاة الشيخ عبدالله بن جِبْرين – رحمه الله – تعالى – قبل بضعة أيَّام ...
أمّا مِن الناحيةِ الشخصيّة – تاريخيّاً - : فإنّني التقيتُ بالشيخ ابنِ جبرين – رحمه الله – أكثرَ من مرّةٍ ... :
وموقف ثالث: لمّا كتب ابنُ سالم الدوسري – هداه الله – كتابَه الفَجَّ " رفع اللائمة عن فتوى اللجنة الدائمة " – ردّاً على كتابي " الأجوبة المتلائمة على فتوى اللجنة الدائمة "- : كتب له الشيخ ابنُ جبرين – رحمه الله – تقريظا ًفي ثلاث صفحات – مِن بين خمسةِ مُقَرِّظين !- ...
مَعَ أنَّ الكتابَ متهاوٍ متهافتٌ ؛ ليس له أيُّ قيمةٍ علمية مُعتبرة – وللأسف – وتأسُّفِي عَلَى تقاريظه ! لا عليه – ؛ فانتبهْ !
ولقد رددتُ عليه – وعلى تقاريظه الخمسةِ ! – في قريب من ست مئة – صفحةٍ – قبل سنواتٍ – ولله الحمد - في كتابي (التنبيهات المتوائمة...).
وكان آخِرَ كلامٍ لي كَتَبْتُهُ في ردّي على تقريظِ الشيخ ابن جبرين قولي في (التنبيهات..) ( ص 11 - سنة 1424 هـ ) – بعد نقدهِ وردِّه - :
" أقولُ هذا مُلتمساً العُذْرَ لفضيلته ؛ مُقَدَّراً له سَبْقَهُ وَفَضْلَه – على ما لنا عليه مِن ملاحظات - ...
ونحن – من قبل ومِن بعد – قائلون - :
" المؤمنون عذّارون , والمُنافِقون عثارون ".
.... وهذا دليلٌ علميٌّ تاريخيٌّ على أنَّ أصولَ منهج العدل والإنصاف-ضمن قواعد المنهج السلفيّ-لم تتبدَّل عندنا – بمنّةِ الله – تعالى - وتوفيقه-خلافاً لمن زعم غير ذلك!-!!
فإني أُخالفُ فضيلةَ الشيخ ابن جبرين – ومِن قديم – كما نقلتُ - في عددٍ من المسائل المهمّة , وبعض القضايا المرتبطة بمصير الأمّة – حتى استغلّت بعضُ الجرائد الحِزبيّةِ الجائرة عن ( السبيل! ) في بلادنا – وفاةَ الشيخ ؛ فكتَبَتْ – هذه الأيامَ – مقالاً – نَفَخَتْ فيه بما نَعُدُّه نحن أخطاءً له , لتجعلَه ( هي ) مواقفَ متميّزةً له , وفتاوى مسدّدةً مِنه- !!
ولكنَّ هذه المُخالَفَةَ منّي له – رحمه الله - لا تجعلُ صَدْري ضَيِّقاً مِن الترحُّم عليه – كما فعله بعضُ الغلاة ! - , حتَّى وصل بهم غُلُوُّهم إلى درجة حذف ( خبر ! ) – نعم ( خبر )!! - وفاتِهِ مِن منتدياتهم العنكبوتية على الشبكة المعلوماتية !!!
فأين الإنصافُ – والعدلُ – يا قوم ؟!
إنَّ مخالفَتَنا للشيخ ابن جبرين لا تمنعُنا مِن الترحُّم عليه , والدعاءِ له , وذِكره بالخيرِ ؛ كما قال – عليه الصلاة والسلام - : ( لا تسبُّوا الأموات ؛ فإنّهم قد أفْضَوا إلى ما قدّموا ) .
ولا يَمنعُنا موتُهُ – رحمه الله – مِن التنبيه على أخطائه , والتحذير من زلاّته-كأحوال سائر المنتسبين إلى العلم- بالرفق , والِّلين - دون تشغيب , ومِن غير تطحين - !
ولا أنسى – واللهِ – يومَ وفاة الشيخ عبد الفتاح أبي غُدَّة- وهو معروفٌ بانحرافه ! ومُخالفته المنهجية الكبرى!! - : لماّ اتصلتُ بشيخنا الإمام الألباني – رحمه الله – أُخبرهُ خَبَره ؛ فما كان من شيخنا – رحمه الله – إلاّ أن قال – مُتنهَّدا – : ( يحتاج إلى رحمة اللهِ ) .
وهذا يُشْبِهُ – تماماً – كلامَ الإمام ابن القيَّم في " مدارج السالكين " (2/345 ) – حول شيخهِ شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمهما الله – وطريقةِ تعامُلهِ في مثل هذه المضائقِ - ؛ قال :
( وجئُتُه – يوماً – مَبُشَّراً له بموت أكبر أعدائهِ عداوةً , وأشدهم أذىً له !
فَنَهَرني , وتنكّر لي , واسترجع ) .
أما ( إخواننا ! ) الغُلاة (!) الذين لا يعرفون – في جُلَّ أحكامِهم ومواقِفِهم - إلاّ ( أسود ) أو ( أبيض ) !! فالواجبُ أن يُراجِعوا أنفسَهم , ويُعيدوا حِسَاباتِهم ؛ فمنهجُهم ذاك – والله – منهجٌ مُريب , وشأنٌ غريب ؛ لا أقول: يخالف الأصولَ السلفيَةّ – فحسب - ! بل يُناقِضُ الفطرةَ السليمة َ الإنسانيّة!!
وعليه ؛ فإنّنا بهذه الوسطيّة الشرعية العادلة – فقط - نحافظُ على منهجنا السلفي العدل الأمين : أن لا ينجرفَ إلى الغُلُوِّ اليابِس ! ولا ينحرفَ إلى التميُّع البائس !!
والعَجَبُ لا يكادُ يَنْقضي مِمَّن يُنكر على غيرهِ ما هو أدنى وأقلٌ (!) مِمَّا هو مُتَلبِّسٌ به !! فتراه يَنْبَكِمُ (!) عن ( تبديع ) الشيخ ابن جبرين , مع وصفهِ إيّاه – في الوقت نفسهِ - بأقذع العبارات !!
فكيف الجمعُ بين هذه المُتناقِضات ؟!
أُكرِّر – أخيراً - :
إنَّ وفاةَ الشيخ ابن جبرين – رحمه الله – أحزَنَتْنا , وأوقعت الأسى في قلوبنا ؛ لكنّها لن تَجْعَلَنا نسكُت عن أخطائهِ , أو نتهاون فيما انتقدناه عليه مِن مسائل منهَجيَّة , أو فتاوى علميّة – بعضُها كبيرٌ كبيرٌ - .
لكنَّ مقامَ الموت مَهيبٌ .. وذِكرَه جليلٌ... وتذكُّره عظيمٌ...)إ.هـ..

وختاما أقول لكل من أظهر الفرح بموت شيخنا وإخوانه من علماء أهل السنة والجماعة:
إن موت شيخنا عندنا وعندكم سيان:
فعندكم :هو قد مات منذ سنوات, إذ قد قتلتم علمه في نفوسكم, فلا نفع لكم منه حال حياته ولا بعد مماته.
وعندنا: ان شيخنا حي باق في نفوسنا ما بقيت علومه حية بكتاباته, وصوتياته, فعلمه باق حال حياته وبعد وفاته.
واما الجسد ففان, وكلنا فيه سيان, وإنا لله وإنا إليه راجعون.



وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه اجمعين.











__________________

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الرد على البكري (2\705) :
"فغير الرسول -صلى الله وعليه وسلم- إذا عبر بعبارة موهمة مقرونة بما يزيل الإيهام كان هذا سائغا باتفاق أهل الإسلام .
وأيضا : فالوهم إذا كان لسوء فهم المستمع لا لتفريط المتكلمين لم يكن على المتكلم بذلك بأس ولا يشترط في العلماء إذا تكلموا في العلم أن لا يتوهم متوهم من ألفاظهم خلاف مرادهم؛ بل ما زال الناس يتوهمون من أقوال الناس خلاف مرادهم ولا يقدح ذلك في المتكلمين بالحق
".
رد مع اقتباس